‫ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‬

‫ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‬

‫ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‬

‫ﺧﺎﻟﺺ ﺟﻠﺒﻲ‬
 ‫ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻓﻲ ﻁﺒﻌﺘﻪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ‬
‫‪ ٥۰‬ﺳﻨﺔ‪،‬‬ ‫ﻅﻬﺮ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻷﻭﻝ ﻣﺮﺓ ﻋﺎﻡ ‪۱۹۸۲‬ﻣﻦ ﺃﻱ ﻗﺒﻞ ‪ ۲٥‬ﺳﻨﺔ‪ ،‬ﻭﺃﺛﻨﺎء ﻫﺬﺍ ﺗﺮﺍﺟﻊ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ‬
‫ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺳﺎﺑﻖ ﻟﻮﻗﺘﻪ ‪ ۷٥‬ﺳﻦﺓ‪ ،‬ﺃﻱ ﺃﻥ ﻣﻦ ﺳﻮﻑ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻪ ﻫﻢ ﺃﺑﻨﺎء ﺃﺣﻔﺎﺩﻧﺎ؟‬
‫ﻭﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻜﻮﺍﻛﺒﻲ ﻋﻦ ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻓﻮﻑ ﻳﺄﻛﻠﻪ ﺍﻟﻐﺒﺎﺭ ﻭﺍﻟﻌﺖ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺃﺷﺪ ﺗﻮﻓﺮﺍ‪ ،‬ﺣﻴﺚ‬
‫ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﺃﻛﺜﺮ ﺗﺮﺳﺨﺎ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺟﻤﻬﻮﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻭﺍﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ﺍﻟﺜﻮﺭﻳﺔ ‪ .‬ﻛﻤﺜﻞ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ ﻳﺤﻤﻞ ﺃﺳﻔﺎﺭﺍ ‪..‬‬
‫ﺑﺌﺲ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻘﻮﻡ ‪...‬‬
‫ﺛﻼﺙ ﻣﺤﺎﻭﺭ‪:‬‬
‫ﻭﺃﺯﻋﻢ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﺃﻧﻨﻲ ﺷﻘﻖﺕ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻠﻔﻜﺮ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﺓ‬
‫ﺍﻷﻭﻝ‪ :‬ﺣﻴﻦ ﺑﺪﺃﺕ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ؛ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻲ )ﺍﻟﻄﺐ ﻣﺤﺮﺍﺏ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ( ﻓﻤﺎ ﺯﺍﻝ ﻳﻄﺒﻊ ﻭﻳﺴﺮﻕ‪.‬‬
‫ﻭﻷﻧﻪ ﻳﻘﻮﻱ ﺛﻘﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ؛ ﻓﻘﺪ ﻁﺒﻊ ﻭﻁﺒﻊ ﻭﺳﺮﻕ ﻋﺸﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﺍﺕ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟﻪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ‬
‫ﻟﻴﺲ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﺃﻭﺿﺎﻋﻬﻢ؛ ﺑﻞ ﻧﻘﺪ ﺃﻭﺿﺎﻋﻬﻢ ﺍﻟﻤﺮﻳﻀﺔ‪ ،‬ﻭﻟﺬﺍ ﺝﺍء ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ )ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ(‪.‬‬
‫ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻛﺎﻥ ﺇﺫﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻘﺪ‪ ،‬ﻭﺍﻧﺘﺸﺎﻝ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﻭﻫﺪﺓ ﺍﻟﻨﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﻋﺘﺒﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ‪ ،‬ﻭﺃﻋﻈﻢ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﻫﻮ ﻋﻤﻠﻴﺔ‬
‫ﻧﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺕ‪ ،‬ﻓﻤﻦ ﺗﺤﻤﻞ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺿﺠﻴﻦ‪ ،‬ﻓﻠﻴﺲ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺜﻨﺎء ﻋﺴﻼ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺣﻨﻈﻼ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﺃﻣﺎ ﻋﻤﻠﻲ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻭﺍﺳﺘﻔﺪﺗﻪ ﻣﻦ ﺟﻮﺩﺕ ﺳﻌﻴﺪ‪ ،‬ﻓﻼﺡ ﺍﻟﺠﻮﻻﻥ‪ ،‬ﻭﺣﺎﺭﺙ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻭﻣﺮﺑﻲ‬
‫ﺍﻟﻨﺤﻞ ﻭﺟﺎﻣﻊ ﺭﺣﻴﻖ ﺍﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬ﻭﺣﺎﻟﺐ ﺍﻟﺒﻘﺮ ﻭﺯﺑﺪﺓ ﻭﻣﺨﺎﺽ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺗﻌﺮﻓﺖ ﻣﻨﻪ ﻭﺍﺳﺘﻔﺪﺕ‪ ،‬ﻓﻲ ﺃﻥ‬
‫ﺇﻁﻼﻕ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺷﺮﻁﻪ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﻌﻨﻒ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﺷﺎﻕ ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻌﻨﻔﻲ ﺍﻟﻬﻤﺠﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ؛ ﻓﻜﻞ‬
‫ﺍﻟﺘﻮﺟﻬﺎﺕ ﻓﻲ ﻋﻤﻮﻣﻬﺎ‪ ،‬ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺘﻞ ﺳﻴﺪ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ‪ ،‬ﻭﻳﺤﻞ ﺍﻟﻤﺸﻜﻼﺕ ﺑﺴﺮﻋﺔ‪ ،‬ﻓﻄﻠﻘﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺜﻞ ﺣﻮﺍﺭ‬
‫ﻣﺰﻋﺞ ﻟﺴﺎﻋﺎﺕ‪ .‬ﻭﺇﻥ ﺳﺎﻳﺮﺕ ﺑﻤﻌﺴﻮﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻓﻸﺟﻞ ﻣﺴﻤﻰ‪ ..‬ﻓﻬﺬﺍ ﻫﻮ ﺳﺒﺐ ﺍﺳﺘﻌﺼﺎء‬
‫ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ‪...‬‬
‫ﻭﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻼﻋﻨﻒ ﻫﻲ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻟﻮﻻﺩﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺤﺮﺭﺍ ﻣﻦ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﻘﻮﺓ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺇﻋﻼﻥ‬
‫ﻭﻻﺩﺓ ﺍﻟﻌﻘﻞ ‪..‬‬
‫ﻭﺕﻋﻮﺩ ﻗﺼﺔ ﻭﻻﺩﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ‪ ،‬ﺇﻟﻰ ﺃﻳﺎﻡ ﺳﻜﻨﻲ ﻓﻲ ﺩﻣﺸﻖ‪ ،‬ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺃﻏﺎﺩﺭ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﺒﻌﺚ ﺭﺑﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ‬
‫ﺍﻟﺒﻌﺚ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﻟﻨﺎ ﺗﺼﻮﺭ ﻓﻲ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺑﺎﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﺴﻠﻤﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺗﺨﻤﺮ ﻟﺪﻱ ﺍﻟﺘﻮﺟﻪ‪ ،‬ﺑﻌﺪ ﺃﺭﺑﻊ ﺍﻋﺘﻘﺎﻻﺕ‬
‫ﻓﻲ ﺳﺠﻮﻥ ﺍﻟﺒﻌﺚ‪ ،‬ﻓﻜﺘﺒﺖ ﻓﻲ ﺳﺠﻨﻲ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻓﻲ ﻧﺼﺐ ﻭﻋﺬﺍﺏ‪ ،‬ﺍﻷﺳﻄﺮ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ‪.‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﻱﻭﻡ ﺟﺎءﻧﻲ ﺷﺎﺏ ﺣﻤﻮﻱ‪ ،‬ﻳﺪﻋﻮﻧﻲ ﻟﻼﻧﻀﻤﺎﻡ ﺇﻟﻰ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻳﻘﻮﺩﻩ ﺳﻌﻴﺪ ﺣﻮﻯ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺮﺟﻞ ﻛﺎﻥ ﺩﻣﺎﻏﺎ‬
‫ﻭﻭﻓﻘﻪ‬ ‫ﺟﺒﺎﺭﺍ‪ ،‬ﻭﻣﻨﻈﺮﺍ ﻛﺒﻴﺮﺍ‪ ،‬ﻭﺣﺮﻛﻴﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﺍﺯ ﺍﻷﻭﻝ‪ ،‬ﻭﻟﻮ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻠﻌﺒﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺃﻛﺜﺮ‪،‬‬
‫ﺍﻟﻌﺼﺮ‪ ،‬ﻭﺻﺪﻓﻪ ﺍﻟﺤﻆ‪ ،‬ﻟﺮﺑﻤﺎ ﻏﻴﺮ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺳﻮﺭﻳﺎ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻧﻘﺼﺘﻪ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﻓﺨﺎﺏ ﻭﻓﺸﻞ‪ ،‬ﻭﻣﺎﺕ‬
‫ﻛﺴﻴﺮﺍ ﺃﻋﻤﻰ ﻣﺮﻳﻀﺎ ﺣﻄﺎﻣﺎ‪ ،‬ﻋﻠﻴﻪ ﺭﺣﻤﺔ ﷲ‪..‬‬
‫ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻧﺪﺍﻭﻟﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ‪...‬‬
‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎءﻧﻲ ﺍﻟﺸﺎﺏ‪ ،‬ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻁﻠﻘﺖ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺤﺰﺑﻲ‪ ،‬ﻭﺻﻌﺪﺕ ﺇﻟﻰ ﻋﺘﺒﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻨﻘﺪﻱ‪ ،‬ﻭﻭﺩﻋﺖ‬
‫ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺭﺟﻌﺔ‪..‬‬

‫‪2‬‬
 ‫ﻹﺩﺭﺍﻛﻲ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺗﺮﻣﻴﻢ ﻭﺗﺸﻜﻴﻞ‪ ،‬ﻭﻛﻞ ﺟﺮﺍﺣﺔ ﺍﻷﻭﻋﻴﺔ ﺍﻟﺪﻣﻮﻳﺔ‬
‫ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻦ‪ ،‬ﻭﻟﻌﻞ ﺍﻟﻼﻭﻋﻲ ﻋﻨﺪﻱ ﺩﻓﻌﻨﻲ ﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻦ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻣﺎﺭﺳﻪ ﺑﻤﺘﻌﺔ ﺣﺘﻰ‬
‫ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﻄﺮ ﻓﻲ ﺷﺘﺎء ﻋﺎﻡ ‪۲۰۰۷‬ﻡ‪.‬‬
‫ﻗﻠﺖ ﻟﻠﺸﺎﺏ ﺳﻮﻑ ﺃﻛﺘﺐ ﻟﻜﻢ ﻭﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮﻱ‪ ،‬ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻭﻛﺘﺒﺖ ﻟﻪ ‪ ۲۱‬ﺻﻔﺤﺔ‪ ،‬ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻌﻈﻢ‬
‫ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻣﻀﻐﻮﻁﺔ ﻓﻲ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﻗﺼﻴﺮﺓ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻴﺘﻨﻲ ﺍﺣﺘﻔﻈﺖ ﺑﺄﺻﻮﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻛﻤﺒﻴﻮﺗﺮ ﻭﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻗﺪ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺑﻪ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺃﻁﻘﻄﻖ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺍﻟﻜﻴﺒﻮﺭﺩ‪ ..‬ﻭﺍﺣﻔﻆ ﺃﺭﺍﺷﻴﻒ ﻻﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ‪ ،‬ﻭﻧﻌﻴﺶ ﻋﺼﺮﺍ ﺍﻧﻘﻼﺑﻴﺎ ﻁﻮﻓﺎﻧﻴﺎ ﻣﺘﺴﺎﺭﻋﺎ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻭﺻﻔﻪ )ﺃﻟﻔﻴﻦ‬
‫ﺗﻮﻓﻠﺮ( ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ )ﺍﻟﻤﻮﺟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ( ﺣﻴﺚ ﺍﻷﺷﻴﺎء ﺗﺄﺗﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﺤﺖ ﺍﻷﻗﺪﺍﻡ ﻓﺘﺰﻟﺰﻝ ﺍﻟﺚﻗﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ‬
‫ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺎﻥ ﺁﺧﺮ ﻭﺍﻟﺘﻌﺮﺽ ﻟﺰﻟﺰﺍﻝ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ‪..‬‬
‫ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺳﺎﻓﺮﺕ ﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﻟﻠﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ ‪ ۱۳‬ﻳﻨﺎﻳﺮ ‪۱۹۷٥‬ﻡ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻞ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺳﻮﺭﻳﺎ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺒﺪء ﺑﺎﻟﺘﻐﻴﻴﺮ‬
‫ﺍﻟﺴﻠﻤﻲ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺳﺒﺤﻮﺍ ﻓﻲ ﺑﺤﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻣﺎء‪ ،‬ﻭﺻﺎﺭ ﻣﺜﻠﻲ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺪﻻﻱ ﻻﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﺎﺭﻕ ﺍﻟﺘﻴﺒﺖ‬
‫ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﻳﺒﻌﺜﻮﻥ‪..‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﺐﻕ ﺃﻣﺎﻣﻲ ﺇﻻ ﺍﻟﺘﺮﻭﻳﺞ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻷﻓﻜﺎ ﺭ‪ ،‬ﻋﺴﻰ ﺍﻥ ﺗﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﻭﺍﺗﺠﺎﻫﺎﺕ‪ ،‬ﻭﻳﺒﺪﻭ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺮﺑﺔ‬
‫ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻗﺎﺣﻠﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﻤﻠﻮﺣﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻻ ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ‪ ،‬ﻭﺗﻼﻣﻴﺬﻱ ﺍﻟﻼﻋﻨﻔﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﻐﺮﺏ‪،‬‬
‫ﻫﻢ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻨﻬﻢ‪ ،‬ﺑﻴﻦ ﺃﺑﻨﺎء ﻭﻁﻨﻲ ﺍﻷﺻﻠﻲ ﺳﻮﺭﻳﺎ ﺍﻟﻤﻨﻜﻮﺑﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻻﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﺍﻹ ﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﺍﺳﺘﻔﺎﺩﺕ‬
‫ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺃﻓﻜﺎﺭﻱ ﺍﻟﺤﺮﻛﻲ ﻓﻄﻠﻘﺖ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻓﻨﺠﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺬﺑﺤﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺤﺠﺎﺟﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ‬
‫ﻣﺎﺯﺍﻟﺖ ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﺮﺍﺣﺔ ﻓﻘﻬﺎء ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ﺍﻟﺒﺮﺟﻴﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﺳﻌﻴﺪ ﺟﻘﻤﻖ‪ ،‬ﻭﺗﺘﻮﺭﻁ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻣﺎﻝ‬
‫ﺍﻟﻤﺘﺤﺮﻛﺔ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﺗﻀﻴﻊ؛ ﻛﻤﺎ ﻳﻀﻴﻊ ﻋﺎﺑﺮﻭ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍء ﺑﺪﻭﻥ ﻣﺎء ﻭﺑﻮﺻﻠﺔ ﻭﺧﺎﺭﻁﺔ‪..‬‬
‫ﻛﺎﻧﺖ ﻭﻻﺩﺓ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻓﻲ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﺎﻳﻨﻪ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﺃﺧﺬﺕ ﺇﺟﺎﺯﺓ ﺷﻬﺮ ﻛﺎﻣﻞ ﻹﻧﺠﺎﺯ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ‬
‫ﺣﻈﻲ ﻣﻊ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻄﺐ ﻣﺤﺮﺍﺏ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ‪ ،‬ﻓﺨﺮﺝ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻋﺠﻴﺐ ﻣﻠﻲء ﺑﺎﻟﺨﺒﺮﺍﺕ ﻭﺍﻷﻓﻜﺎﺭ‬
‫ﺍﻻﻧﻘﻼﺑﻴﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ‪ ،‬ﻭﻻﻗﻰ ﺣﺮﺑﺎ ﻣﻨﺬ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﻭﻻﺩﺗﻪ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ ،‬ﻭﺣﺮﻣﺖ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺃﺗﺒﺎﻋﻬﺎ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺭﺍﻭﻳﺶ ﻗﺮﺍءﺓ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺣﺪﺛﻨﻲ ﺃﻧﺎﺱ ﻓﻲ ﻛﻨﺪﺍ ﻭﺃﻣﺮﻳﻜﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤﻌﻬﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻠﻔﻜﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‬
‫ﺍﺣﺘﻔﻞ ﺑﻲ ﻓﻲ ﺷﺘﺎء ‪۲۰۰٦‬ﻡ ﻭﺃﻟﻘﻴﺖ ﻣﺤﺎﺿﺮﺗﻲ ﻋﻨﺪﻩ ﺣﻮﻝ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ‪ .‬ﻓﻤﺎ ﺯﺍﻝ ﺭﺻﻴﺪ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻗﻮﻳﺎ‬
‫ﻭﻗﺪ ﻳﺒﻘﻰ ﺃﻣﺪﺍ ﺑﻌﻴﺪﺍ ﻭﻗﺪ ﻳﺪﻓﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺄﺳﻮﻑ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻬﺬﺍ ﻡ ﺭﺩﻩ ﺇﻟﻰ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪..‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﺃﻭﺭﺑﺎ ﺣﺎﻭﻟﺖ ﺗﻌﻤﻴﻢ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻨﻲ ﺃﺩﺭﻛﺖ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺬﻫﺒﻮﻥ ﻟﻠﻐﺮﺏ ﻳﻨﺘﻘﻠﻮﻥ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻴﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬ﻓﻼ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻴﻞ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺳﻤﻴﻪ ﺟﻴﻞ ﺍﻟﻤﺤﺮﻗﺔ ﺟﻴﻞ ﺍﻟﺘﻴﻪ ﻭﺍﻟﺨﻮﻑ‬
‫ﻭﺍﻟﻀﻴﺎﻉ‪..‬‬
‫ﻭﺳﺒﺤﺖ ﺳﻮﺭﻳﺎ ﻭﺣﺎﻟﻴﺎ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﺑﺨﺮﺍﻓﺎﺕ ﺍﻟﺸﻴﻊ ﺓ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﻜﺮﺩ ﻭﺍﻟﻌﺮﺏ ﻭﺍﻟﻌﺠﻢ ﻭﺍﻟﺒﺮﺑﺮ ﻭﻣﻦ‬
‫ﻋﺎﺻﺮﻫﻢ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻷﻛﺒﺮ‪ ،‬ﻭﻣﻌﻬﺎ ﺑﺤﺎﺭ ﻣﻦ ﺩﻣﺎء‪.‬‬
‫ﻭﻳﺒﺪﻭ ـ ﻁﺎﻟﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻮﻟﺪ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻨﻘﺪﻱ ﺑﻌﺪ ـ ﺃﻥ ﺗﺴﻮء ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻟﻔﺘﺮﺓ ﻁﻮﻳﻠﺔ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﻧﻤﺸﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺎﺯﺍﺕ‬
‫ﻣﻘﻮﺳﻲ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ؛ ﻫﺬﺍ ﺇﻥ ﺳﻤﺢ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻭﺍﻟﺼﺤﺔ‪ ،‬ﻟﻨﻜﻮﻥ ﺷﺎﻫﺪﻱ ﺍﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ ﺣﻔﻴﺪ ﺣﺴﺐ ﷲ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﻋﺸﺮ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺮﺓ ﺍﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻴﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ‪..‬‬
‫ﻓﻲ ﻧﻜﺲ ﻋﺒﺮ ﺇﺣﺪﺍﺛﻴﺎﺕ ﺍﻟﺰﻣﻦ‪ ،‬ﻭﺍﻧﻘﻼﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ﺍﻟﻮﺳﻄﻰ‪.‬‬
‫ﺃﻻ ﺳﺎء ﻣﺎ ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ‪..‬‬
‫ﻭﺍﻵﻥ ﻭﺑﻌﺪ ﻣﺮﻭﺭ ﺭﺑﻊ ﻗﺮﻥ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﻛﺜﻴﺮﺍ‪ ،‬ﺳﻮﻯ ﺃﻥ ﺣﻄﺎﻡ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ‪ ،‬ﻭﺗﻜﺴﺮ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺃﺻﻨﺎﻡ‬
‫ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ‪ ،‬ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺃﻥ ﺗﻌﺎﺩ ﻁﺒﺎﻋﺘﻪ‪..‬‬
‫ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻻﻧﺘﻔﺎءﻝ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻓﺎﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺷﻮﺑﻨﻬﺎﻭﺭ ﻓﻲ ﺃﺑﺪﻉ ﻛﺘﺒﻪ ﺍﺗﺼﻞ ﺑﻪ ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ ﺣﻮﻝ ﻛﺘﺎﺑﻪ‬
‫)ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻜﺮﺓ ﻭﺇﺭﺍﺩﺓ( ﻟﻴﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻣﻪ ﻓﻲ ﺭﺯﻡ ﺍﻷﻭﺭﺍﻕ ﻭﺳﻨﺪﻭﻳﺶ ﺍﻟﺸﺎﻭﺭﻣﺎ ﻭﺍﻟﻔﻼﻓﻞ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻊ‬
‫‪..‬‬ ‫ﻣﻨﻪ ﺳﻮﻯ ‪ ۱۷‬ﻧﺴﺨﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺎﻉ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻧﺴﻨﺨﺔ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ ﻻﺗﺤﺰﻥ‪ ،‬ﻭﻧﺤﻦ ﻛﻠﻨﺎ ﺃﺣﺰﺍﻥ‬

‫‪3‬‬
‫ﻭﻛﺘﺎﺏ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻨﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺫﻣﺔ ﻣﻦ ﺭﻭﻯ ﻟﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ )ﺟﺪﻟﻴﺔ ﺍﻟﺤﺮﻑ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ( ﻟﻢ ﻳﺒﻊ ﻣﻨﻪ ﺳﻮﻯ ﺛﻼﺙ‬
‫ﻧﺴﺦ؟؟؟‬
‫ﻛﺘﺒﻨﺎ ﻫﻢ ﺃﻭﻻﺩﻧﺎ ﻏﻴﺮ‬ ‫ﺇﻧﻨﻲ ﺃﺷﻜﺮ ﺍﻷﺥ ﻋﻼء ﺁﻟﺮﺷﻲ ﻟﻤﺎ ﺑﺬﻝ ﻓﻲ ﺗﻮﻟﻴﺪ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ؛ ﻓﻨﺤﻦ ﻣﻦ ﻳﻜﺘﺐ؛‬
‫ﺍﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﻴﻦ‪.‬‬

‫ﺍﻟﺮﻳﺎﺽ ـ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ ـ ‪ ۲۸‬ﻳﻨﺎﻳﺮ ‪۲۰۰۹‬ﻡ ـ ‪ ۲‬ﺻﻔﺮ ‪۱٤۳۰‬ﻫـ‬

‫‪4‬‬
 ‫ﺗﻘــﺪﻳﻢ ﻋﺎﻡ ‪۱۹۸۲‬ﻡ‬

‫ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺟﺬﺭﻫﺎ ‪ ،‬ﻭﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪،‬‬
‫ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻟﻴﺴﺖ ﻭﻗﻔﺎ ً ﻟﻔﺌﺔ ﻟﻮﺣﺪﻫﺎ ‪ .‬ﺇﻥ ﺍﻷﺯﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺍﻟﻤﺘﺨﻠﻒ‬
‫ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎﺹ ﺗﺠﻌﻞ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﻣﺸﺎﻛﻠﻪ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻳﺸﻜﻞ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﻜﻞ ﺃﺳﻒ ﺍﻟﺜﻘﻞ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻤﻄﺮﻭﺣﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻫﻲ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﺬﺏ ﻛﻴﻔﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﺗﺠﺎﻫﻪ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻣﺮﺽ ﺍﻟﻜﻮﻟﻴﺮﺍ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺠﺘﺎﺡ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺴﺄﻝ ﻋﻦ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﺃﻭ ﺩﻳﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻭﻻً ﻟﻴﺨﺘﺎﺭﻩ ﺑﻞ‬
‫ﻳﺴﺘﻬﺪﻓﻪ ﻛﺈﻧﺴﺎﻥ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻣﺮﺽ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻭﺍﻟﺠﻮﻉ ﺍﻟﻢ ﺳﻴﻄﺮ ﻗﺪ ﺫﺍﻗﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ ﺃﻱ ﻓﺌﺔ ﺃﻭ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﻛﺎﻥ‪ ،‬ﻣﻦ‬
‫ﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﺤﻜﺎﻡ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺤﻜﻮﻣﻴﻦ‪....‬‬
‫)ﻭﺿﺮﺏ ﷲ ﻣﺜﻼً ﻗﺮﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺁﻣﻨﺔ ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ ﻳﺄﺗﻴﻬﺎ ﺭﺯﻗﻬﺎ ﺭﻏﺪﺍً ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﻓﻜﻔﺮﺕ ﺑﺄﻧﻌﻢ ﷲ ﻓﺄﺫﺍﻗﻬﺎ‬
‫ﷲ ﻟﺒﺎﺱ ﺍﻟﺠﻮﻉ ﻭﺍﻟﺨﻮﻑ ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺼﻨﻌﻮﻥ( )‪(۱۱۲:۱٦‬‬
‫ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﺑﻮﺟﻪ ﺧﺎﺹ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻨﺘﺒﻬﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﺴﺮﻱ ﻣﻔﻌﻮﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻳﺴﺮﻱ ﻋﻠﻴﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻬﻢ‬
‫ﻟﻴﺴﻮﺍ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎء‪...‬‬
‫ﺇﻥ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻝﺗﺎﺭﻳﺦ ﻳﺴﺮﻱ ﻋﻠﻰ ﻓﺌﺎﺕ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺧﻼﻑ ﻣﺎ ﺳﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ‪ ،‬ﻭﺍﻵﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ‬
‫ﺑﺄﻧﻬﻢ ﺃﺣﺒﺎء ﷲ ‪...‬‬
‫)ﻭﻗﺎﻟﺖ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻧﺤﻦ ﺃﺑﻨﺎء ﷲ ﻭﺃﺣﺒﺎﺅﻩ ﻗﻞ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺬﺑﻜﻢ ﺑﺬﻧﻮﺑﻚﻡ ﺑﻞ ﺃﻧﺘﻢ ﺑﺸﺮ ﻣﻤﻦ ﺧﻠﻖ ﻳﻐﻔﺮ‬
‫ﻟﻤﻦ ﻳﺸﺎء ﻭﻳﻌﺬﺏ ﻣﻦ ﻳﺸﺎء( )‪(۱٤:٥‬‬
‫ﻓﺎﻟﻘﻀﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺎﻟﺘﻤﻨﻲ ﻭﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻔﺎﺳﺪ‪:‬‬
‫)ﻟﻴﺲ ﺑﺄﻣﺎﻧﻴﻜﻢ ﻭﻻ ﺃﻣﺎﻧﻲ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻣﻦ ﻳﻌﻤﻞ ﺳﻮءﺍً ﻳﺠﺰ ﺑﻪ ﻭﻻ ﻳﺠﺪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﷲ ﻭﻟﻴﺎ ً ﻭﻻ ﻧﺼﻴﺮﺍً (‬
‫)‪(۱۲۳:٤‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺬﻟﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻳﻌﺎﺩﻝ ﺍﻝﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﺮﻯ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﻑ ﻓﺎﻹﻧﺴﺎﻥ‬
‫ﻫﻮ ﻣﺤﺼﻠﺔ ﺗﺮﺍﻛﻤﻴﺔ ﺑﻄﻴﺌﺔ ﻟﻠﺠﻬﺪ ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻭﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﺰﻣﻦ )ﻭﺃﻥ ﻟﻴﺲ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﺳﻌﻰ‬
‫ﻭﺃﻥ ﺳﻌﻴﻪ ﺳﻮﻑ ﻳﺮﻯ ﺛﻢ ﻳﺠﺰﻳﻪ ﺍﻟﺠﺰﺍء ﺍﻷﻭﻓﻰ( )‪.(۳۹:٥۳‬‬

‫ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪:‬‬

‫ﺟﻬﺎﺯ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﻧﻈﺮﻳﺔ‪ ،‬ﺟﻬﺎﺯ ﻋﻠﻤﻲ‪ ،‬ﻭﺟﻬﺎﺯ ﻣﺮﺍﻗﺒﺔ ﺃﻭ ﻧﻘﺪ ﺫﺍﺗﻲ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺇﻋﻼﻥ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻲ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻛﻘﻴﻤﺔ ﺫﺍﺗﻴﺔ ‪ ،‬ﺃﻭ ﻛﻮﺣﺪﺍﺕ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ‬
‫ﺍﻧﻔﺼﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻬﻞ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ ﻧﻘﺪ ﻏﻴﺮﻱ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺸﻒ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﺃﺻﻌﺐ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ ﻧﻘﺪ ﺫﺍﺗﻲ ‪،‬‬
‫ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﻟﻠﺬﺍﺕ‪ ،‬ﻭﻧﺤﻦ ﺗﻌﻮﺩﻧﺎ ﺍﻟﻔﺮﺍﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺍﺕ‪ ،‬ﺃﻭ ﺇﻋﻄﺎء ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﺘﻘﺪﻳﺲ ﻟﻠﺬﺍﺕ‪.‬‬
‫ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ ﺇﻥ ﻣﺎ ﻧﺒﺤﺜﻪ ﻫﻨﺎ ﻫﻮ ﻟﻴﺲ ﺗﻨﻤﻴﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ ﻟﻜﻲ ﻳﺼﺒﺢ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻟﻨﺎ‬
‫ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺃﺻﻼً‪ ،‬ﻭﻻﺩﺗﻪ‪ ،‬ﻧﺤﻦ ﻧﻔﺘﻘﺪ ﻫﺬﺍ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻨﻘﺪ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻏﻴﺮ ﻋﻠﻤﻲ‪ ،‬ﻭﻏﻴﺮ ﻋﻘﻠﻲ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻪ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﺍﻻﻧﺪﻓﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻣﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻈﻨﻮﻥ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ﻙﻝ ﺑﺤﺚ ﻏﻴﺮ ﻋﻘﻠﻲ ﻫﻮ ﻫﻮﻯ ‪ ،‬ﻭﻛﻞ ﺑﺤﺚ ﻏﻴﺮ ﻋﻠﻤﻲ ﻫﻮ ﻅﻦ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺃﻋﻄﻰ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﻟﻸﻭﻟﻴﻦ ‪ ،‬ﻭﺳﺤﺐ‬
‫ﺍﻟﺜﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻭﺟﻤﻊ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻧﺼﻒ ﺁﻳﺔ ﻓﻘﺎﻝ‪:‬‬
‫)ﺇﻥ ﻳﺘﺒﻌﻮﻥ ﺇﻻ ﺍﻟﻈﻦ ﻭﻣﺎ ﺗﻬﻮﻯ ﺍﻷﻧﻔﺲ ﻭﻟﻘﺪ ﺟﺎءﻫﻢ ﻣﻦ ﺭﺑﻬﻢ ﺍﻟﻬﺪﻯ( )‪.(۲۳:٥۳‬‬
‫ﺗﺒﻨﻲ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻳﺨﻠﺼﻨﺎ ﻣﻦ ﻭﺭﻁﺘﻨﺎ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﺗﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺗﻪ‬
‫ﺍﻟﺬﻫﻨﻴﺔ ﻋﻨﺪﻧﺎ‪.‬‬
‫ﺩﺍﺋﻤﺎ ً ﺗﻜﻤﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﻮﻗﻔﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻳﻔﺮﺽ ﻧﻘﺎﺷﺎ ً ﻋﻘﻼﻧﻴﺎ ً ﺻﺎﺭﻣﺎً‪ ،‬ﻭﺩﻗﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ‪ ،‬ﻭﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻔﻬﻢ ﺫﻟﻚ ﺇﻻ ﺗﺨﺮﻳﺒﺎ ً ﻭﻁﻌﻨﺎ ً‬
‫ﺑﻘﺪﺳﻴﺔ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺘﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺗﻤﺎﻡ ﺍ ﻟﻨﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ‪ :‬ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺩﻗﻴﻖ ‪:‬‬
‫ﻓﺎﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﺨﺎﻁﺌﺔ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ً ﻫﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺧﻄﺄ ﻓﻲ ﻣﻀﻤﻮﻧﻬﺎ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺐ ﺍﻟﻌﺎﻡ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺗﺮﺍﻛﻴﺐ‬
‫ﺍﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺬﺭﻱ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ‪ ،‬ﻭﻳﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﺘﺮﻳﺎﻕ ﺇﻟﻰ ﺳﻢ ﺑﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺐ ﺍﻟﻬﻨﺪﺳﻲ‬
‫ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﺑﺪﻭﻥ ﺣﺬﻑ ﺃﻭ ﺇﺿﺎﻓﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ﻳﻄﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺐ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻭﻁﺒﻴﻌﺔ ﻋﻼﻗﺔ‬
‫ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺁﻥ ﺍﻷﻭﺍﻥ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺪﻭﺍ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻛﻲ ﻳﺒﺪﺃ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﺴﻴﺮﺗﻪ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ‪ .‬ﺛﻢ‬
‫ﺣﻠﺰﻭﻧﻲ ﺻﺎﻋﺪﺓ ﺑﺎﺗﺠﺎﻩ‬
‫ﺓ‬ ‫ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺍﻟﺠﺪﻟﻴﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ﻣﻌﻪ‪ ،‬ﻛﻲ ﻳﺪﺧﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺣﻠﻘﺔ‬
‫ﺗﻜﺎﻣﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺳﻌﺎﺩﺗﻪ‪.‬‬

‫‪6‬‬
 ‫ﺍﻟﻤﻘـــﺪﻣﺔ‬
‫ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺃﻓﻜﺎﺭ‬

‫ـ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺳﺒﺐ ﻋﺠﺰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻋﻦ ﺑﻠﻮﻍ ﻫﺪﻓﻪ‪ ،‬ﺗﺴﺎﺅﻝ؟‬

‫ـ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﻣﻌﻮﻗﺔ ﻣﺨﺘﺒﺌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻼﻭﻋﻲ‪.‬‬
‫ـ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻧﻔﺼﺎﻝ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‪.‬‬
‫ـ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻟﻢ ﻳﺰﻝ ﻏﺮﻳﺒﺎ ً‪ ،‬ﻭﻳﻌﻨﻲ ﺍﻟﺘﺸﻬﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ‪.‬‬
‫ـ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪ ،‬ﻭﻋﻠﻢ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﻭﺍﻟﺘﻌﺪﻳﻞ‪.‬‬
‫ـ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺟﺪﻟﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ‪.‬‬
‫ـ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ )ﺍﻟﺴﻨﺔ(‪.‬‬
‫ـ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺍﻟﺮﻭﺣﻲ ﺍﻟﺤﺮﻛﻲ ﻋﻨﺪ ﺍﻷﻁﻔﺎﻝ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺪﻋﻮﺍﺕ‪.‬‬
‫ـ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﻓﻲ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪.‬‬
‫ـ ﻓﻲ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻋﻦ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ‪ ،‬ﻓﻲ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺤﻨﺔ‪.‬‬
‫ـ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻛﻈﺎﻫﺮﺓ ﺻﺤﻴﺔ‪.‬‬
‫ـ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺗﺤﺖ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ‪.‬‬
‫ـ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻳﺤﺮﺭ ﻁﺎﻗﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ‪.‬‬
‫ـ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ‪.‬‬
‫ـ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻭﺍﻟﻜﻔﺮ‪ ،‬ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ ﻭﺍﻟﻤﺠﺎﻣﻠﺔ‪.‬‬
‫ـ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺠﺎﻧﺒﻴﺔ ﺃﺛﻨﺎء ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻨﻖﺩ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪.‬‬
‫ـ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻳﺪﺧﻞ ﻋﻤﻖ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﺍﻟﺤﺪﺙ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ‪.‬‬
‫ـ ﻣﺴﻠﻤﺔ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻌﻤﻞ ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ!‬
‫ـ ﺷﺒﻬﺔ ﻛﺸﻒ ﺍﻟﻌﻮﺭﺍﺕ ﺃﺛﻨﺎء ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪.‬‬
‫ـ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ‪.‬‬
‫ـ ﺗﻮﺑﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﷲ ﺟﻤﻴﻌﺎ ً ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ ﻟﻌﻠﻜﻢ ﺗﻔﻠﺤﻮﻥ‪.‬‬

‫‪7‬‬
 ‫‪ ۱‬ـ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼﺪﻯ ﻟﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ؟‬
‫ﻭﻫﻞ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻣﻌﻘﺪﺓ ﻭﻫﺎﻣﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺮﺻﺪ ﻟﻬﺎ ﻛﺘﺎﺏ ؟‬
‫ﻫﻞ ﻧﺴﺄﻝ ﺃﻭ ﻧﺼﻤﺖ ؟‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺇﺣﺴﺎﺱ ﺑﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ‪ ،‬ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ‪ ،‬ﺗﻄﻠﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ‪ ،‬ﺗﺸﻮﻑ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺟﺪﻳﺪ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻳﻀﻐﻂ ﺑﺤﺜﺎ ً ﻋﻦ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ‪ ،‬ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻨﻪ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻻ ﻳﻊﻧﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء‪.‬‬
‫ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ؟‬
‫ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻁﺮﺡ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﻓﻜﺮ ﻭﺣﺮﻛﺔ‪ ،‬ﻭﻭﺿﻊ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻫﺪﻑ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺗﻮﻟﻲ ﻗﻴﺎﺩﺗﻪ‪.‬‬
‫ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﻗﺎﻡ ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﻧﻘﺪﻩ ‪ ،‬ﻭﺭﺳﻢ ﺗﺼﻮﺭﺍً ﺟﺪﻳﺪﺍً‪ ،‬ﺛﻢ ﻣﺎﺭﺱ ﻧﺸﺎﻁﺎ ً ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻬﺪﻑ‪.‬‬
‫ﻣﻊ ﻛﻞ ﺍﻹﺧﻼﺹ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻧﺪﻓﻊ ﺑﻪ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻋﺠﺰ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻫﺪﻓﻪ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﻫﻮ "ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻋﺠﺰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻋﻦ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺿﻌﻪ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ‬
‫ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﺗﻮﻟﻲ ﻗﻴﺎﺩﺗﻪ ؟"‪...‬‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻳﺠﻌﻞ ﺑﻴﻦ ﻁﻴﺎﺗﻪ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻷﻧﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔ ﻭﻟﻴﺲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺰﻛﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻨﺎء‬
‫ﻓﺤﺴﺐ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻭﻥ ﻻ ﻳﻌﺘﺮﻓﻮﻥ ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ ﻭﺍﻟﻘﻠﺔ ﺗﻘﺮ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺒﻨﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﺳﺆﺍﻝ ﻓﺮﻋﻲ ﺟﺪﻳﺪ‪.‬‬
‫ﻣﺎ ﻫﻮ ﺳﺒﺐ ﺍﻟﻌﺠﺰ؟‬
‫ﻫﻨﺎ ﺗﺒﺮﺯ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺃﻱ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻋﻘﻠﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺃﻱ ﻫﺪﻑ ﺇﻧﺴﺎﻧﻲ ﻳﻄﺮﺡ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻧﻔﺴﻪ ﻫﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﺳﺒﺐ ﻟﻠﻔﺸﻞ ﺃﻡ ﻻ‪.‬‬
‫ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ‪ :‬ﻫﻞ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻱﻗﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺳﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ ﺃﻡ ﻻ ؟‬
‫ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻗﻄﺎﻉ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺳﻨﻦ ﷲ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺘﺒﺪﻝ ﻭﻻ ﺗﻨﺤﺮﻑ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻔﺸﻞ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﻻ ﻳﺸﻜﻞ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎء ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ‪ .‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﻟﻪ ﺳﺒﺒﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻧﻄﻠﻖ ﻣﻨﻪ‪.‬‬
‫ﺇﺫﺍ ﺗﺒﻠﻮﺭﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻋﻴﻨﻨﺎ‪ ،‬ﺑﺮﺯﺕ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻣﻠﺤﺔ ﻓﻲ ﻗﻄﺎﻉ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺸﺬ ﻋﻦ‬
‫ﻛﻮﻧﻪ ﻧﺸﺎﻁﺎ ً ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺎ ً ‪ ،‬ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻛﺸﻒ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻓﺸﻠﻪ ‪ .‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺁﺧﺮ ﻣﺮﺍﺟﻌﺘﻪ ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ‬
‫ﺍﻟﺨﻄﺄ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪.‬‬

‫‪ ۲‬ـ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺎﺕ ﻭﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺻﺪﺭﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻭﻣﺎ ﺗﺰﺍﻝ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻫﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻓﻲ‬
‫ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺘﺰﻛﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻨﺎء ﻓﺤﺴﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔ ﻟﻢ ﻳﺒﺪﺃ ﻓﻲ ﺍﻹﻗﻼﻉ‬
‫ﺑﻌﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻫﻤﻴﺘﻪ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﻣﻌﻮﻗﺔ ﻣﺨﺘﺒﺌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻼﻭﻋﻲ ﻋﻨﺪ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻬﻮ ﻳﻔﺴﺮ ﺑﻬﺎ ﻣﺎ‬
‫ﻳﺤﺪﺙ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻣﻄﻤﺌﻦ ﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺮﺍﺟﻌﻬﺎ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﺷﻞ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ؟ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻔﺴﻴﺮﺍﺕ ﻓﺄﻣﺎ ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﻻ ﻳﻌﺘﺮﻑ ﺑﻬﺎ‪ ،‬ﻷﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻄﺎ ﻣﻦ ﻗﺪﺭ ﺍﻹﺳﻼﻡ‬ ‫ﻓﻠﻤﺎﺫﺍ ﻳﻒ‬
‫ﻻﺧﺘﻼﻁ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺑﺎﻟﺸﺨﺺ ‪ ،‬ﻭﺻﻌﻮﺑﺔ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ ﻓﺸﻞ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﻝ ‪ ،‬ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻪ‬
‫ﺑﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﻔﺮﺩ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺍﺧﺘﻼﻁ ﻓﻲ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﺤﻨﺔ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﺬﺍﺏ ﻭﺍﻟﻔﺸﻞ ﻫﻮ ﻣﺤﻨﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﻁﺒﻴﻌﻲ ﻭﻩ ﻱ ﻁﺮﻳﻖ ﺍﻟﺮﺳﻞ ‪،‬‬
‫ﻭﻫﻨﺎ ﻳﺨﺘﻠﻂ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺤﻨﺔ ﻭﺍﻟﺨﻄﺄ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻤﺤﻨﺔ ﻫﻲ ﻣﻘﺎﺳﺎﺓ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺨﻄﺄ ﻫﻮ ﻋﺬﺍﺏ‬
‫ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ‪.‬‬

‫‪8‬‬
 ‫ﺃﻭ ﻫﻨﺎﻙ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﷲ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺼﻞ ﻳﻐﻄﻰ ﺗﻤﺎﻣﺎ ً ﻓﻼ ﻳﺮﺍﺟﻊ ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻁﺎﻟﻤﺎ ﻋﺰﻱ ﺇﻟﻰ ﺇﺭﺍﺩﺓ‬
‫ﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔ ﻷﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﻻ ﺩﺧﻞ ﻟﻨﺎ ﻓﻴﻪ‪.‬‬
‫ﺃﻭ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻧﻔﺼﺎﻝ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻋﻤﻞ ﻗﺪ ﺗﻌﻘﺒﻪ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺃﻭ ﻻ ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻟﻤﻬﻨﺪﺱ‬
‫ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻴﺪ ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺓ ﻓﺘﺴﻘﻂ ﻻ ﻳﺤﺎﺳﺐ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺮﻱ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻓﻴﻤﻮﺕ ﺍﻟﻤﺮﻳﺾ ﻻ ﻳﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺮ‬
‫ﺳﻮﻯ ﺗﺠﻨﻲ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ؟‬
‫ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ‪ ،‬ﻓﻨﺤﻦ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻡ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ‪ ،‬ﻭﻻ ﻧﻨﺘﻈﺮ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻨﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﻦ ﻋﻦ‬
‫ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﻭﺍﻟﻔﺸﻞ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﻗﻤﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺨﺎﻁﺊ ﻭﻛﺮﺭﻧﺎﻩ ﻓﻨﺤﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺎﺳﺒﻴﻦ ‪ ،‬ﻷﻥ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻡ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ‪،‬‬
‫‪ ،‬ﻭﺇﺭﺍﺩﺓ‬ ‫ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻴﻨﺎ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ‪ .‬ﻭﻫﻨﺎ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺑﺤﺚ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻭﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ‬
‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ‪ ،‬ﻭﺇﺭﺍﺩﺓ ﷲ‪ .‬ﻓﺈﺫ ﺍ ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﺑﻠﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ‪ ،‬ﻭﺗﺮﺳﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻼﻭﻋﻲ ﻭﺇﻓﺮﺍﺯ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﺗﻜﺮﺭ ﺍﻟﺨﻄﺄ‪ ،‬ﻭﺑﻘﻴﺖ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻨﺎﻅﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻳﺮﻯ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺕ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺼﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﺢ‬
‫ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﻟﻴﺲ ﻧﻘﺪﻩ ﻭﺗﺮﺷﻴﺪﻩ ‪ ،‬ﻓﻄﺎﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﻢ ﻣﺜﻞ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺎﻟﺤﺼﺎﻧﺔ ‪ ،‬ﻛﺎﻥ‬
‫ﺗﺴﺮﺏ ﺍﻟﺤﺼﺎﻧﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺃﻣﺮﺍً ﻣﻤﻜﻨﺎ ً‪.‬‬

‫‪ ۳‬ـ ﺇﻥ ﻧﻤﻮ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺑﺪﻭﻥ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﻨﻘﺪ ﻟﻠﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﻭﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ‪ ،‬ﻳﺮﺟﻊ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻤﻪ‬
‫ﺇﻟﻰ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬ﻭﺻﻌﻮﺑﺔ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻣﺠﺮﺩ ﻛﻠﻤﺔ "ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ" ﻏﻲﺭ ﻣﺮﺣﺐ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪.‬‬
‫ﻓﻬﻲ ﺇﻣﺎ ﺗﺠﺮﻳﺢ ﻭﺗﺸﻬﻴﺮ‪ ،‬ﻭﻫﺬﻩ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﺧﻮﺓ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﻫﻲ ﺍﺗﻬﺎﻡ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺮﻭﻕ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ‪ ،‬ﺃﻭ ﻫﻲ‬
‫ﻣﺼﻄﻠﺢ ﻏﺮﺑﻲ ﻏﻴﺮ ﺇﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻓﻠﺴﻨﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻴﻪ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻮﻡ ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﻟﻢ ﻳﺄﺧﺬ ﻁﺮﻳﻘﻪ ﺑﻌﺪ ﻟﻴﺼﺒﺢ ﺃﻭﻻ ﻣﻔﻬﻮﻣﺎ ﻏﻴﺮ ﻏﺮﻳﺐ‪ ،‬ﺃﻭ ﺛﺎﻧﻴﺎ ﻭﻫﻮ ﺍﻷﻫﻢ‬
‫ﻟﻢ ﻱﺻﺒﺢ ﺑﻌﺪ ﺃﺩﺍﺓ ﺗﻤﺎﺭﺱ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻘﻮﻡ ﻛﺒﻘﻴﺔ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻓﻲ ﺩﻭﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﺗﻨﻈﻴﻒ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﻣﻨﺤﻪ‬
‫ﺍﻟﻌﺎﻓﻴﺔ‪.‬‬
‫∗‬
‫ﺇﻥ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻴﻘﻈﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻭﺣﺰﺏ ﻭﺗﺠﻤﻊ‪ ،‬ﺗﺮﺍﻓﻘﺖ‬
‫‪F‬‬ ‫‪۰‬‬

‫ﻩ‬ ‫ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺑﻌﺠﺰﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺻﻴﻐﺔ ﻣﻌﺎﺻﺮﺓ ﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﺴﻠﻢ ﻳﻌﺰﺯ ﻧﻈﺎﻡ‬
‫ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺇﻥ ﺟﺎﺯ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺴﻤﻴﻬﺎ "ﺃﺯﻣﺔ " ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻣﺎﺯﺍﻝ ﻗﺎﺋﻤﺎ ﺑﻴﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﺍﻻﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮﻯ‪ ،‬ﺗﻠﺢ ﻱ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻗﻼﻉ ﺑﺎﺗﺠﺎﻩ ﻣﺰﺩﻭﺝ ﺑﻴﻦ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺑﺚ‬
‫ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻭﺭﻓﻊ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻭﺑﻴﻦ ﺃﺩﺍﺓ ﻧﻘﺪﻩ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﻴﻪ‪.‬‬
‫‪ :‬ﺃﻥ ﻧﻘﺪ‬ ‫ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﺃﻥ ﺟﻮ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻳﺒﻨﻲ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﺇﺷﻌﺎﻉ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﺃﻱ‬
‫ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﺴﻤﻮﺡ ﺑﻪ‪ ،‬ﻭﺃﻣﺎ ﻧﻘﺪ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻼ‪ ،‬ﻓﻜﺄﻥ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺗﻨﻄﺒﻖ ﻓﻘﻂ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‬
‫ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ‪ ،‬ﻭﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻻ ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ؟‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ‪ ،‬ﻟﺬﺍ ﻭﺟﺐ ﻋﻠﻰ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﻁﻮﻝ ﺍﻟﺨﻂ ﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻲ ﻟﺨﻂ ﺍﻟﺤﺰﺍﻡ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺃﻥ ﻳﺘﺄﻣﻠﻮﺍ ﻭﻳﺸﺎﺭﻛﻮﺍ ﻓﻲ ﺗﺨﺼﻴﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﻭﺩﻓﻌﻪ‪.‬‬

‫‪ ٤‬ـ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻏﺮﻳﺒﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻢ ﻻ ﻳﺮﻭﻥ ﻓﻴﻪ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎ ً ﺇﺳﻼﻣﻴﺎ ً ﻭﻻ‬
‫ﻳﻔﻬﻤﻮﻥ ﺗﺤﺘﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﺘﺸﻬﻴﺮ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺠﺐ ﺕﻋﺪﻳﻠﻪ‪.‬‬

‫∗ ﻣﻦ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻭﻳﻜﺘﺐ ﺣﻴﺚ ﻳﺮﻯ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻨﺎ ﺣﺼﺮﻧﺎ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻤﻌﺮﻓﺘﻨﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﺑﻈﺮﻭﻓﻪ ﺃﻣﺎ ﺑﻘﻴﺔ‬
‫ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻠﻪ ﻅﺮﻭﻓﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻪ ﻣﻊ ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺗﺸﺎﺑﻪ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺣﻀﺎﺭﻳﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ‪.‬‬

‫‪9‬‬
 ‫ﻓﻄﺎﺋﻔﺔ ﺗﺮﻯ ﺃﻧﻪ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﻏﻴﺮ ﺇﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻳﺄﺕ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﻘﺪﺍﻣﻰ ! ﺃﻭﻟﻢ ﻳﺮﺩ ﺑﺎﻟﻠﻔﻆ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ؟ ﻭﻛﺄﻥ ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻀﻤﺎﻧﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺟﺎء ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻘﺪﺳﻲ ﺃﻭ ﺗﻜﺮﺭﺕ ﻓﻲ ﻋﺪﺓ ﺳﻮﺭ؟‬
‫ﻓﺄﻣﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﻟﻢ ﻳﺮﺩ ﺑﻨﺼﻪ ﺍﻟﺤﺮﻓﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻬﺬﺍ ﺻﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻷﻟﻔﺎﻅ ﻭﺍﻝ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎﺕ‬
‫ﻫﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻛﻞ ﺷﻲء‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻣﺎ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻷﺻﺢ ﺇﺫﻥ ﻫﻮ ﻋﻤﻮﻡ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺭﻭﺣﻪ ﻭﺍﺗﺠﺎﻫﻪ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﺒﺮﺓ ﻫﻲ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻭﺭ ﺑﻴﻦ ﻧﺼﻮﺻﻪ‪.‬‬
‫ﻓﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﻓﺮﺩﻳﺎ ً ﻛﺎﻥ ﺃﻭ ﺟﻤﺎﻋﻴﺎ ً ﺛﻢ ﻣﺤﺎﺳﺒﺘﻬﺎ ﻫﻮ ﺭﻭﺡ‬
‫ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻤﻜﺜﻔﺔ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻵﻳﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ )ﻭﻻ ﺃﻗﺴﻢ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻠﻮﺍﻣﺔ( )‪ (۲:۷٥‬ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻌﻨﻴﺎﻥ‬
‫ﺍﻷﻭﻝ‪ :‬ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﺗﺸﻜﻞ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺃﻭﻻً ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﻭﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﻭﻟﻮﻡ ﻟﻠﻨﻔﺲ‬
‫ﻟﻤﺎ ﺣﺪﺙ‪ ،‬ﻭﻳﻘﺴﻢ ﷲ ﻓﻴﻬﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻋﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﻭﺻﻮﻝ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻴﻪ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻲ ﺛﺎﻧﻴﺎ ً ﻟﻔﻈﺔ ﺗﺸﺪﻳﺪ )ﻟﻮﺍﻣﺔ( ﺃﻱ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺃﺻﺒﺢ ﻟﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺧﻠﻘﺎ ﻭﻋﺎﺩﺓ‪ ،‬ﻭﻁﺒﻌﺎ ﺗﻄﺒﻌﺖ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺃﺻﺒﺢ ﻣﺮﺗﺒﻄﺎ ً ﺑﺸﻜﻞ ﻋﻀﻮﻱ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻣﻦ‬
‫ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻼﻭﻋﻴﺔ ﻓﻬﻲ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﻛﻌﻤﻞ ﻻ ﺣﻖ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﻀﻮﻱ ﺑﺄﻱ ﻋﻤﻞ ﺇﻧﺴﺎﻧﻲ‬
‫ﻭﺍﻋﻲ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻣﺮ ﻫﺎﻡ ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﻣﺮﺍً ﻳﺴﺘﻨﻔﺮ ﻟﻪ ﺑﻴﻦ ﺣﻴﻦ ﻭﺁﺧﺮ‪ ،‬ﺑﻞ ﻫﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺭﻭﺗﻴﻨﻴﺔ ﺗﺸﻜﻞ ﺃﺳﺎ ﻣﻦ‬
‫ً‬
‫ﺃﺟﺰﺍء ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﻤﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﺛﻼﺙ ﻛﻠﻤﺎﺕ ﻭﺿﻌﺖ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻔﺮﺩﻱ "‪"prinsip‬‬
‫‪) ..‬ﺇﻧﺎ‬ ‫ﺛﻢ ﻳﻌﻄﻴﻨﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻓﻠﻨﻨﻈﺮ ﻣﺜﻼً ﻓﻲ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺠﻨﺔ‬
‫ﺑﻠﻮﻥ ﺃﺻﺤﺐ ﺍﻟﺠﻨﺔ( )‪.(۱۷:٦۸‬‬ ‫ﺑﻠﻮﻧﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﺍ‬
‫ﺇﻧﻬﻢ ﻗﺎﻣﻮﺍ ﺑﺘﺼﺮﻑ ﺧﺎﻁﺊ ﻭﺃﺭﺍﺩﻭﺍ ﺣﺮﻣﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ‪ ،‬ﻋﻮﻗﺒﻮﺍ ﺑﺈﻫﻼﻙ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ )ﻓﻄﺎﻑ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻁﺎﺋﻒ ﻣﻦ‬
‫ﺭﺑﻚ ﻭﻫﻢ ﻧﺎﺋﻤﻮﻥ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﻛﺎﻟﺼﺮﻳﻢ( )‪.(۲۰،۱۹:٦۸‬‬
‫ﺇﻧﻬﻢ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ‪ ،‬ﻭﺗﻔﺴﻴﺮ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ‪..‬‬
‫ﺇﻧﻬﻢ ﻓﻌﻠﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻷﻭﻝ ﻛﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻛﺒﺶ ﻓﺪﺍء ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺧﺎﺭﺟﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻓﺄﻭﻻً ﺗﻄﻤﻴﻦ ﺧﺎﺩﻉ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﺇﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﺷﻲء‪ ،‬ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﻫﻮ ﺃﻧﻨﺎ ﺿﻠﻠﻨﺎ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻭﻫﺬﺍ ﻟﻴﺲ ﺑﺴﺘﺎﻧﻨﺎ‬
‫)ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﻮﺍ ﻭﻫﻢ ﻳﺘﺨﻔﺘﻮﻥ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻨﻬﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻣﺴﻜﻴﻦ ﻭﻏﺪﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﺩ ﻗﺪﺭﻳﻦ ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺃﻭﻫﺎ ﻗﺎﻟﻮﺍ ﺇﻧﺎ‬
‫ﻟﻀﺎﻟﻮﻥ( )‪.(۲۳:٦۸-۲٦‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﺗﺒﻴﻦ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ ﺃﻧﻬﺎ ﻫﻲ ﻫﻲ ﻟﻢ ﺗﺘﻐﻴﺮ ‪ ..‬ﺇﺫﻥ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻷﺧﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﺰﻳﻪ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺑﺸﻜﻞ ﻏﻴﺮ‬
‫ﻣﺒﺎﺷﺮ‪ ..‬ﺇﻥ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﻗﻊ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻭﺇﻧﻨﺎ ﻣﻈﻠﻮﻣﻮﻥ‪ ...‬ﺑﻞ ﻧﺤﻦ ﻣﺤﺮﻭﻣﻮﻥ‪.‬‬
‫ﻫﻨﺎ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻤﻌﺘﺪﻝ ﺍﻟﻌﺎﻗﻞ )ﺃﻭﺳﻄﻬﻢ( ﻟﻴﺮﺷﺪﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺟﻮﻫﺮﺓ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ )ﺃﻟﻢ ﺃﻗﻞ ﻟﻜﻢ ﻟﻮﻻ ﺗﺴﺒﺤﻮﻥ (‬
‫)‪ .(۲۸:٦۸‬ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻋﻨﺪﻛﻢ ﻓﻲ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﺭ ﺝ‪ ..‬ﺭﺍﺟﻌﻮﺍ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ‪ ،‬ﻭﺍﻛﺘﺸﻔﻮﺍ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﺣﺪﺙ‪ ..‬ﻗﻮﻣﻮﺍ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪..‬‬
‫ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻬﻢ ﺑﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﻋﻘﻞ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﻳﺮﺗﻜﺒﻮﺍ ﺣﻤﺎﻗﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺑﺎﻟﺒﻘﺎء ﻋﻠﻰ ﺗﺼﺮﻓﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻋﺘﺮﻓﻮﺍ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮﺍ "ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ" ﻭﻟﻴﺲ "ﺍﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﻦ ﺍﻟﻤﺤﺮﻭﻣﻴﻦ"‪.‬‬
‫ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﺘﻨﻈﻴﻒ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻠﻮﻡ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻛﺎﻧﺖ‬
‫ﺓ‬ ‫ﻓﺄﻗﺒﻠﻮﺍ ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻠﻮﻡ‬
‫ﻓﺮﺩﻳﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻫﻨﺎ ﺟﻤﺎﻋﻴﺔ )ﻓﺎﻗﺒﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﻳﺘﻠﻮﻣﻮﻥ ( )‪ (۳۰:٦۸‬ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻠﻲ‬
‫ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﻫﻮ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺣﻞ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ )ﺇﻧﺎ ﻛﻨﺎ ﻅﻠﻤﻴﻦ ( )‪) (۲۹:٦۸‬ﻗﺎﻟﻮﺍ ﻳﻮﻳﻠﻨﺎ ﺇﻧﺎ ﻛﻨﺎ ﻁﻐﻴﻦ (‬
‫)‪ .(۳۱:٦۸‬ﻓﺎﻟﻤﺶﻛﻠﺔ ﺑﺪﺃﺕ ﻣﻦ ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﺗﺒﺪﺃ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ‪ ،‬ﺇﻧﻪ ﻣﻮﻗﻒ ﻁﺎﻫﺮ ﺣﻴﻦ ﺗﺒﺪﺃ ﻋﻤﻠﻴﺔ‬
‫ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ‪ ،‬ﻭﻧﻘﺪﻫﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻮﻣﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻣﺤﺎﺳﺒﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺗﻘﻮﻳﻤﻬﺎ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺃﻭﻝ ﻗﺼﺔ ﺗﻌﺮﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻫﻲ ﻗﺼﺔ ﺁﺩﻡ ﻭﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻨﻲ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﺗﺘﺪﻓﻖ ﻣﻦ ﺳﻴﺎﻕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺔ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺍﻟﺤﺎﺳﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﺘﺢ ﻁﺮﻳﻖ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ ﻣﻮﻗﻒ ﺁﺩﻡ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﺣﻴﻦ‬
‫ﺍﻋﺘﺮﻑ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪ ،‬ﺑﻞ ﻧﻄﻖ ﻫﻮ ﻭﺯﻭﺟﺘﻪ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﻭﺍﺣﺪ )ﻗﺎﻻ ﺭﺑﻨﺎ ﻅﻠﻤﻨﺎ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ‬
‫ﺗﻐﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﻭﺗﺮﺣﻤﻨﺎ ﻟﻨﻜﻮﻧﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺴﺮﻳﻦ( )‪.(۲۳:۷‬‬
‫ً‬
‫ﺍﻋﺘﺮﺍﻑ ﺑﻈﻠﻢ ﺍﻟﻨﻔﺲ‪ ،‬ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻧﻄﻼﻕ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ‪ .‬ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ ﻛﺒﺶ ﻓﺪﺍء‪ ،‬ﻋﻦ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻋﻠﻴﻪ‪.‬‬
‫ﺇﻧﻪ ﻣﻮﻗﻒ ﻛﺒﻴﺮ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺻﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻧﻀﺞ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﺘﺢ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻠﻌﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺇﺑﻠﻴﺲ ﻫﻮ ﻋﺪﻡ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ‪،‬ﺑﻞ ﺫﻫﺐ ﻳﺘﺒﺠﺢ ﻓﻴﻘﻮﻝ ‪) :‬ﺃﻧﺎ ﺧﻴﺮ‬
‫ﻣﻨﻪ ﺧﻠﻘﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﻧﺎﺭ ﻭﺧﻠﻘﺘﻪ ﻣﻦ ﻁﻴﻦ( )‪.(۷٦:۳۸‬‬
‫ﻓﺂﺩﻡ ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻌﺪ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﻧﻔﺴﻪ‪ :‬ﺇﻧﻨﻲ ﻅﻠﻤﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻻ ﻳﺮﺍﺟﻊ‪ ،‬ﻓﻴﻘﻮﻝ‪ :‬ﺃﻧﺎ ﺧﻴﺮ ﻣﻨﻪ‪.‬‬
‫ﺍﻷﻭﻝ ﺍﺳﺘﺤﻖ ﺭﺣﻤﺔ ﷲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺣﻠﺖ ﺑﻪ ﺍﻟﻠﻌﻨﺔ ﺍﻷﺑﺪﻳﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻓﺘﺘﺎﺡ ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻳﻘﺎﺑﻠﻪ ﻓﻲ ﻣﺴﺮﺡ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﺗﻌﻠﻢ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺗﻤﺎﻣﺎً‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﻌﻆ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺧﻄﻴﺒﺎ ً ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻟﻴﻘﻮﻝ ﻟﻬﻢ ‪ :‬ﺇﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻠﻮﻣﻮﺍ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺑﻞ‬
‫ﻳﻠﻮﻣﻮﺍ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ‪) .‬ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﻄﻦ ﻟﻤﺎ ﻗﻀﻲ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻥ ﷲ ﻭﻋﺪﻛﻢ ﻭﻋﺪ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻭﻋﺪﺗﻜﻢ ﻓﺄﺧﻠﻔﺘﻜﻢ ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ‬
‫ﻟﻲ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﻦ ﺇﻻ ﺃﻥ ﺩﻋﻮﺗﻜﻢ ﻓﺎﺳﺘﺠﺒﺘﻢ ﻟﻲ ﻓﻼ ﺗﻠﻮﻣﻮﻧﻲ ﻭﻟﻮﻣﻮﺍ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ( )‪.(۲۲:۱٤‬‬
‫ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺃﺑﺮﺯﺕ ﻧﻤﺎﺫﺝ ﺑﺸﺮﻳﺔ ﻗﺪ ﺗﺸﺒﻌﺖ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﺡ‪..‬‬
‫ﻓﻤﻮﺳﻰ ﻳﺮﺗﻜﺐ ﺧﻄﺄ ﻓﻴﻘﺘﻞ ﻧﻔﺴﺎ ً ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻖ ﻓﻴﻘﻮﻝ ‪) :‬ﺭﺏ ﺇﻧﻲ ﻅﻠﻤﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﺎﻏﻔﺮ ﻟﻲ ( )‪،(۱٦:۲۸‬‬
‫‪) :‬ﺳﺒﺤﻨﻚ ﺇﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻠﻤﻴﻦ (‬ ‫ﻭﻳﻮﻧﺲ ﺫﻫﺐ ﻣﻐﺎﺿﺒﺎ ً ﻓﻠﻤﺎ ﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﺑﻄﻦ ﺍﻟﺤﻮﺕ ﺫﻫﺐ ﻟﻴﻘﻮﻝ‬
‫)‪ (۸۷:۲۱‬ﺇﻥ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻠﻮﻡ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻚﻭﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﻪ‪،‬‬
‫ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻻﻳﻼﻡ ﻛﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﺧﻄﺒﺘﻪ ﺍﻟﺸﻬﻴﺮﺓ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ! ‪ ..‬ﻭﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺃﺣﺪ ﻋﻨﺪﻣﺎ‬
‫ﺍﻧﻬﺰﻡ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﺟﺎء ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻴﻘﻮﻝ ﻟﻬﻢ ‪ :‬ﺇﻥ ﺷﺒﺐ ﺍﻟﻬﺰﻳﻤﺔ ﻟﻴﺲ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﺑﻞ ﺃﻧﺘﻢ )ﺃﻭ ﻟﻤﺎ ﺃﺻﺒﺘﻜﻢ ﻣﺼﻴﺒﺔ‬
‫ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺘﻢ ﻣﺜﻠﻴﻬﺎ ﻗﻠﺘﻢ ﺃﻧﻰ ﻫﺬﺍ ﻗﻞ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﺇﻥ ﷲ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻗﺪﻳﺮ( )‪.(۱٦٥:۳‬‬
‫ﺇﻧﻬﺎ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﺣﻴﺚ ﻳﺮﻯ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻷﺷﻴﺎء ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻘﻠﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻀﻮء‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻀﻮء ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻬﻢ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻗﺪ ﺍﺧﺘﻠﻔﺖ ﺃﻭﻟﻴﺎﺗﻬﺎ ‪ .‬ﻓﺎﻟﺤﻘﻮﻕ ﺗﺄﺗﻲ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎﻡ‬
‫ﺑﺎﻟﻮﺍﺟﺐ‪ ،‬ﻭﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎ ﺭ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻣﺘﺼﺎﺻﻴﺔ ﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ ﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ ﺗﻨﺘﺤﺮ ﺩﺍﺧﻠﻴﺎً‪ ،‬ﻭﺍﻟﺪﻭﻝ‬
‫ﺗﻨﻬﺰﻡ ﺑﺎﻟﺘﻔﻜﻚ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﺗﻤﺮﺽ ﺑﻀﻌﻒ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﻄﻮ ﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻡ‪ ،‬ﻭﺳﻘﻮﻁ ﺍﻟﻐﺼﻦ‬
‫ﺑﺎﻟﻨﺨﺮ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺯﻭﺑﻌﺔ ﺍﻟﺮﻳﺢ‪ ،‬ﻭﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﺑﺘﻨﺎﻗﻀﺎﺕ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺟﺒﺮﻭﺗﻬﺎ ﻭﻫﻜﺬﺍ‪..‬‬
‫ﺻﺪﻕ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻘﺪﺳﻲ‪:‬‬
‫"ﻳﺎ ﻋﺒﺎﺩﻱ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺃﻋﻤﺎﻟﻜﻢ ﺃﺣﺼﻴﻬﺎ ﻟﻜﻢ‪ ،‬ﻓﻤﻦ ﻭﺟﺪ ﺧﻴﺮﺍً ﻓﻠﻴﺤﻤﺪ ﷲ‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﻭ ﺟﺪ ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻓﻼ ﻳﻠﻮﻣﻦ‬
‫ﺇﻻ ﻧﻔﺴﻪ"‪.‬‬
‫ﻭﺍﻵﻥ ﺇﺫﺍ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﺡ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﻧﻘﺪ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻳﺼﺒﺢ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻣﺘﻘﺒﻼً‪ ،‬ﻣﺸﺠﻌﺎ ً ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﺑﻞ ﻣﻄﺎﻟﺒﺎ ً ﺑﻪ "ﻻ‬
‫ﺧﻴﺮ ﻓﻴﻜﻢ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻘﻮﻟﻮﻫﺎ‪ ،‬ﻭﻻ ﺧﻴﺮ ﻓﻴﻨﺎ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻧﺴﻤﻌﻬﺎ " "ﺭﺣﻢ ﷲ ﺃﻣﺮء ﺃﻫﺪﻯ ﺇﻟﻲ ﻋﻴﻮﺑﻲ " "ﺭﺩ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻋﻤﺮ ﻭﻗﻮﻟﻪ ﺃﺧﻄﺄ ﻋﻤﺮ ﻭﺃﺻﺎﺑﺖ ﺍﻣﺮﺃﺓ " ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺇﻟﻰ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺻﺤﻴﺔ‪،‬‬
‫ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺤﺮﻛﺔ ﺗﺰﺍﻭﺟﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻴﺎﻧﻪ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﻳﻜﺘﺐ ﻟﻜﻴﺎﻧﻪ ﺍﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ﻭﺍﻟﻨﻤﻮ‪ ،‬ﻳﺤﺪﺙ ﺍﻷﻣﺮ‬
‫ﺑﻨﻮﻋﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﺰﺍﻭﺟﻴﺔ ﻧﻘﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﻡ ﺳﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺠﻌﻠﻪ ﻳﺘﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﺍﺿﻪ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺟﻮ ﺍﻟﺘﺰﺍﻭﺟﻴﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠﻘﻪ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ‪ ،‬ﻭﻋﻠﻰ ﻗﺎﻋﺪﺗﻪ ﻳﺒﻘﻰ ﻭﻳﻨﻤﻮ‪ ،‬ﻭﻫﺬﻩ ﺗﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻘﺪ‬
‫ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻳﺤﺪﺙ ﺗﺰﺍﻭﺟﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻧﻔﺴﻪ ﻓﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔ ﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺣﻮﺍﺭ‬
‫ﺩﺍﺧﻠﻲ‪ ،‬ﻭﺟﺪﻝ ﺟﻮﺍﻧﻲ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻳﻨﻤﻮ ﻭﻳﺦﺻﺐ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ‪ ...‬ﻓﺎﻟﺠﻮ ﺍﻟﺼﺤﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﺔ‬
‫)ﺍﻟﻔﺮﺩ ـ ﺍﻷﺳﺮﺓ ـ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ـ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ـ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ (‪ .‬ﻫﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭﻫﻲ ﻫﻨﺎ ﻓﻲ‬
‫ﻋﻼﻗﺔ ﺟﺪﻟﻴﺔ‪.‬‬

‫‪11‬‬
 ‫ﻭﻳﻘﻔﺰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻨﻮﻋﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻧﻮﻋﻲ ﺁﺧﺮ ﻓﻲ ﺇﻁﺎﺭ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻘﺪ ﻳﺤﺪﺙ ﻧﻘﺪ ﺩﻭﻟﺔ‬
‫ﻷﺧﺮﻯ ﺑﺢ ﻳﺚ ﺗﻬﺐ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻝ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺣﻮﺍﺭ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺃﻳﻀﺎً‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ‬
‫ﺃﺷﺎﺭﺕ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻵﻳﺔ ‪) :‬ﻭﺟﻌﻠﻨﺎﻛﻢ ﺷﻌﻮﺑﺎ ً ﻭﻗﺒﺎﺋﻞ ﻟﺘﻌﺎﺭﻓﻮﺍ ( )‪ (۱۳:٤۹‬ﻓﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻌﺎﺭﻑ ﻫﻲ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ‬
‫ﻭﺣﻮﺍﺭ ﻣﺘﺒﺎﺩﻝ‪ ،‬ﻭﻋﻼﻗﺔ ﺟﺪﻟﻴﺔ ﻭﺟﻮ ﺗﺼﺤﻴﺤﻲ‪ ،‬ﻭﺧﻼﺻﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮ ﺇﻓﺮﺍﺯ ﺑﺸﺮ ﺃﺻﺤﺎء‪ ،‬ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ‬
‫ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺍﻝﻗﺮﺁﻥ ﺃﺗﻘﻴﺎء‪.‬‬
‫ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳﺒﻘﻰ ﺟﺴﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻳﻮﺍﺻﻞ ﻣﺴﻴﺮﻩ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺃﻗﺮﺏ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻫﻲ ﺗﻠﻚ‬
‫ﺍﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻘﻰ ﺃﺩﺍﺓ ﺗﻨﻈﻴﻒ ﻭﺗﻌﺪﻳﻞ ﻣﺘﻄﻮﺭﺓ ﺗﻘﻔﺰ ﻧﻮﻋﻴﺎ ً ﻟﺘﻬﺐ ﺍﻟﻌﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪.‬‬

‫‪ ٥‬ـ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻣﺮ ﻧﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﻭﺻﻠﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺣﻞ ﻭﺇﺯﺍﺣﺔ ﻋﻘﺒﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺃﻭﻝ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ‬
‫ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺍﻻﺭﺗﻴﺎﺡ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﻘﻞ ﺇﺳﻼﻣﻲ ﺻﺮﻑ‪ ،‬ﻭﺃﻧﻨﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ‬
‫ﺃﺻﻴﻠﺔ‪.‬‬
‫ﻧﺸﻴﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﺇﻟﻰ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻋﻤﻠﻲ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲ ﻟﻠﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻣﺎ‬
‫ﺃﻁﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﻭﺍﻟﺘﻌﺪﻳﻞ‪.‬‬
‫ﻓﻤﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﻮﺹﻭﻝ ﺇﻟﻰ ﺳﻼﻣﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻛﺎﻥ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻧﻘﺪ ﺷﺎﻗﺔ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣﺤﻚ ﺻﻌﺐ‪.‬‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺳﺒﻖ ﺑﻪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻭﻫﻲ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻓﺮﻳﺪﺓ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‬
‫ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺘﻤﺤﻴﺺ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻟﺴﻼﻣﺔ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻟﺘﺠﺮﻳﺢ ﻭﺍﻟﺘﺸﻬﻴﺮ‪ ،‬ﺑﻞ ﺳﻤﺎﻩ ﻋﻠﻤﺎء ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﻭﺍﻟﺘﻌﺪﻳﻞ ﺑﻜﻞ ﺑﺴﺎﻁﺔ ﻓﺎﻟﺠﺮﺡ ﻫﻨﺎ‬
‫ﻳﻔﻴﺪ ﺿﻌﻒ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻛﻤﺎ ﺳﻤﻮﻩ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﻴﺒﻬﻢ ﺃﺑﺪﺍً ﻭﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮﻭﺍ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﻏﻴﺒﺔ ﻳﺠﺐ ﺁﻥ ﻳﺤﺘﺮﺯﻭﺍ ﻣﻨﻬﺎ‪،‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻗﺎﻟﻮﺍ‪ :‬ﻫﺬﺍ ﺿﻌﻒ ﺍﻟﺤﺎﻓﻈﺔ ﻭﻓﻼﻥ ﺿﺎﻋﺖ ﺃﻭﺭﺍﻗﻪ‪ .‬ﻭﻓﻼﻥ ﻣﺘﺸﻴﻊ ﻭﻫﻜﺬﺍ؟‪...‬‬

‫‪ ٦‬ـ ﺍﺳﺘﻴﻘﻆ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻔﻘﺔ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎ ﺭﻳﺔ‪ ،‬ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺻﺤﻮﺗﻪ ﻣﺘﺮﺍﻓﻘﺔ ﺑﺈﺣﺴﺎﺳﻪ ﺑﺎﻟﺨﻄﺮ‬
‫ﻳﺘﻬﺪﺩ ﻭﺟﻮﺩﻩ‪..‬‬
‫ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ﻣﻈﻠﻤﺎ ً ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺣﻴﺚ ﻭﻗﻊ ﻛﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺒﻀﺔ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭﻳﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺎً‪ ،‬ﻭﺃﺻﺒﺢ‬
‫ﻣﻬﺪﺩﺍً ﺑﺰﻭﺍﻝ ﻫﻮﻳﺘﻪ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻳﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺃﻥ ﻳﺠﺘﺎﺯ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻣﺘﺤﺎﻥ ﺍﻟﺼﻌﺐ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﻳﻤﺖ‬
‫ﺣﻀﺎﺭﻳﺎ ً‪.‬‬
‫ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻬﻢ ﻭﺽﻉ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ‪ ،‬ﻭﺣﺮﻛﺘﻪ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ‪ ،‬ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺨﻪ‪ ،‬ﻷﻥ ﻛﻞ‬
‫ﺣﺪﺙ ﻫﻮ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻤﺎ ﻗﺒﻠﻪ ﻭﻫﻮ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺳﺒﺐ ﻟﻢ ﺳﻴﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪﻩ‪ ،‬ﻓﻜﻞ ﺣﺪﺙ ﻫﻮ ﺻﻠﺔ ﻋﻀﻮﻳﺔ ﺑﻴﻦ ﺛﻼﺙ‬
‫ﻗﻄﺎﻋﺎﺕ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﻔﻬﻢ ﺇﺫﻥ ﺃﻱ ﻧﺸﺎﻁ ﻛﺘﻌﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﻓﺮﺍﻍ‪ ،‬ﺃﻭ ﺃﻧﻪ ﻧﺸﺄ ﻣﻦ ﻻ ﺷﻲء‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺑﻚ ﻝ ﺇﻣﺪﺍﺩﺍﺗﻬﺎ ﺗﺮﺟﻊ ﺑﺸﻜﻞ ﺣﻠﻘﺎﺕ ﻣﺘﺴﻠﺴﻠﺔ ﻣﺘﺮﺍﺑﻄﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ‪،‬‬
‫ﻭﻣﻮﺟﺎﺕ ﺃﺧﺬ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺮﻗﺎﺏ ﺑﻌﺾ‪ ،‬ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﻴﻮﻟﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻫﻮ ﻛﻤﺨﺾ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ‪ .‬ﻭﺍﻟﺤﺎﺿﺮ‬
‫ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻫﻮ ﻭﻻﺩﺓ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ‪ ،‬ﻭﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻣﻦ ﻳﺪﺭﺱ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻨﻔﺎﺫ ﺃﻳﻀﺎ ً ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻟﻔﻬﻢ ﺍﺣﺘﻤﺎﻻﺕ ﺗﻄﻮﺭﻩ‪.‬‬
‫ﻭﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍ ﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺑﻜﻞ ﺃﺷﻜﺎﻟﻬﺎ ﻭﻧﺸﺎﻁﺎﺗﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺍﺑﻨﺔ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣﺤﺼﻠﺔ‬
‫ﺗﺮﺍﻛﻤﻴﺔ ﺑﻄﻴﺌﺔ ﻟﻠﺠﻬﺪ ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻭﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺮﺕ‪.‬‬
‫ﻓﺮﺻﻴﺪ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﺍﻵﻥ ﻳﻤﻜﻦ ﺭﺑﻄﻪ ﺑﺠﻬﻮﺩ ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺩﻋﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﺌﻨﺎﻑ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ‬
‫ﻋﺮﺽ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻛﻠﻪ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺻﻮﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ ﺑﺠﻮﺩ ﺍﻟﺒﻨﺎ‬
‫ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﻭﺇﻓﺮﺍﺯ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻋﺎﻩ ﺭﺷﻴﺪ ﺭﺿﺎ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻣﻦ ﺗﻼﻣﻴﺬ‬
‫ﻣﺪﺭﺳﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪﻩ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻋﻠﻰ ﺻﻠﺔ ﺑﻤﻮﻗﻆ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻓﻐﺎﻧﻲ‪.‬‬

‫‪12‬‬
 ‫ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻭﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻳﺞ ﺏ ﺃﻥ ﻧﻔﻬﻢ ﺳﺮ ﻗﺼﻮﺭ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﻦ‬
‫ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺃﻫﺪﺍﻓﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺍﻟﺮﺍﻫﻨﺔ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻡ ﺑﺘﻌﺮﻳﻔﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻄﻠﻊ ﺑﺤﺜﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻧﻘﻊ ﻓﻲ ﻟﺒﺲ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺗﻀﻢ ﻛﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ‬
‫ﺭﺑﻄﻮﺍ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﺼﻴﺮﻳﺎ ً ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻭﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﺤﻤﻠﻮﺍ ﺑﻄﺎﻗﺎﺕ ﺣﺰﺑﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﻌﻜﺲ‪ ،‬ﻓﻜﻞ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ‬
‫ﺍﻟﻼﻓﻌﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺮﺑﻂ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﺼﻴﺮﻳﺎ ً ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻮ ﺣﻤﻠﺖ‬
‫ﺑﻄﺎﻗﺔ ﺣﺰﺑﻴﺔ ‪ .‬ﻗﺪ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻣﻔﻴﺪﺓ ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺤﻞ ﻣﻦ ﻗﻄﺎﻉ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻭﺑﻬﺬﺍ ﻛﺄﻧﻨﺎ ﻧﺮﺳﻢ ﺻﻮﺭﺓ ﻻ ﻣﻨﻈﻮﺭﺓ ﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﻮﺍﻋﻴﺔ ﻫﻲ ﺳﻤﺔ ﺃﻉﺿﺎء ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪،‬ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺣﺰﺏ ﻭﺗﻨﻈﻴﻢ ﻭﺗﺠﻤﻊ‪،‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻣﺘﻮﺍﺟﺪﺓ ﻓﻲ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﻮﺍﺩﺭ ﻣﺘﻨﺎﺛﺮﺓ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺗﻼﻗﺢ ﻛﻲ ﺗﺜﻤﺮ‬
‫ﻋﻤﻼً ﺟﺪﻳﺪﺍً ﻗﺪ ﺃﺷﺮﻕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﺘﺒﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ‪.‬‬

‫‪ ۷‬ـ ﻭﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻄﺮﺡ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺈﻟﺤﺎﺡ ﻫﻮ‪ :‬ﺃﻳﻦ ﺗﻘﻒ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ؟ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﺤﺎﺿﺮ‬
‫ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ؟‪..‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻭﺿﻌﺖ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﻫﺪﻓﺎ ً ﻭﺍﺿﺤﺎ ً ﻫﻮ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﻳﻨﺘﺴﺐ ﺑﺸﻜﻞ ﻁﺒﻴﻌﻲ ـﻮﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺎًـ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﺘﻮﺝ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ـﺒﻌﺪ ﺻﺒﻐﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺼﺒﻐﺔ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣـ ﺑﻘﻴﺎﻡ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺱﻱ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ‪ .‬ﻭﻟﻜﻦ ﺃﻳﻦ ﺗﻘﻒ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻬﺪﻑ‬
‫ﺍﻟﺬﻱ ﺭﺳﻤﺘﻪ؟ ﻭﻣﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺍﻟﻔﺎﺻﻠﺔ؟‪..‬‬
‫ﺇﻥ ﻳﻘﻈﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﺑﺘﺪﺃﺕ ﻣﻊ ﺻﻴﺤﺔ ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻓﻐﺎﻧﻲ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﻄﻮﺭﺕ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪﻩ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫ﺍﻧﺘﺸﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﺭﺷﻴﺪ ﺭﺿﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻅﻞ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﺳﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﺪﻭﻥ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ ﻳﻐﺬﻱ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺑﺎﻷﻓﻜﺎﺭ‬
‫ﺍﻹﺻﻼﺣﻴﺔ ﻋﺒﺮ ﻣﺠﻠﺘﻪ "ﺍﻟﻤﻨﺎﺭ" ﺛﻢ ﺍﻣﺘﺪ‪ ،‬ﻭﺗﺴﻠﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﺴﻠﻔﻴﺔ ـ ﺑﺎﺩﻳﺲ‪ ،‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ‬
‫ﻧﺒﻲ ـ ﺍﻷﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻴﺔ ﺍﻟﺒﻨﺎ‪ ،‬ﺍﻟﻨﺒﻬﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻋﺒﺮ ﻣﺴﻠﺴﻞ ﻳﺘﻔﺎﻋﻞ ﻭﻳﻜﺒﺮ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺼﻌﺐ ﺿﺒﻄﻪ‬
‫ﻭﺣﺼﺮﻩ ﺍﻟﻴﻮﻡ‪ ،‬ﻷﻧﻬﺎ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﻳﻘﻈﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻭﺡ ﺯﺏ ﻭﺍﺗﺠﺎﻩ ‪ .‬ﻭﻫﻲ ﺍﻵﻥ ﺗﺘﺒﻠﻮﺭ‬
‫ﺑﺎﺗﺠﺎﻩ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻢ ﺗﻈﻬﺮ ﻣﻌﺎﻟﻤﻪ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ‪ .‬ﺇﻧﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻦ ﻭﺿﻊ ﺗﻘﻴﻴﻢ ﻟﻠﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ‬
‫ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﺷﻲء‪.‬‬
‫ﻭﺍﻵﺭﺍء ﺗﺘﻔﺎﻭﺕ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺑﻴﻦ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﺈﻧﺠﺎﺯﻩ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ‪ :‬ﺑﻴﻦ ﻣﻔﺮﻁ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻹﻧﺘﺼﺎﺭﺍﺕ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻖﻭﺩﻩ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﻗﻒ ﺗﺒﺮﻳﺮ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻭﻭﺿﻊ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﺘﻔﺎﺋﻞ‪ ،‬ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻗﺪ ﺣﻜﻢ‬
‫ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﻳﻌﻮﺩﻩ ﺇﻟﻰ ﺷﻄﺐ ﺧﻼﺻﺔ ﺍﻟﺠﻬﻮﺩ‪ .‬ﻭﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻭﺿﻊ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﺸﺒﻊ ﺑﺎﻟﺘﺸﺎﺅﻡ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻷﻣﺮ ﻟﻴﺲ ﻫﺬﺍ ﻭﻻ ﺫﺍﻙ‪.‬‬
‫ﻉ‬ ‫ﺇﻥ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ـ ﺃﻭ ﻣﺤﺎﻭﻟﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ ـ ﺳﺘﻐﻨﻲ ﺗﺠﺮﺑﺘﻨﺎ ﻭﺗﻘﻮﺩﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺣﻜﻢ ﺭﺷﻴﺪ ﻳﺪﻑ‬
‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻛﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﻌﻤﻴﻖ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺎﺕ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺸﻲء ﺍﻟﻤﺆﻛﺪ ﻫﻮ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﺃﻭ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺣﻴﻮﻳﺔ ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻛﺜﺮ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻣﻦ ﺃﻱ ﻧﺸﺎﻁ ﺟﺪﻳﺪ‪ ،‬ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ ﻗﺒﻞ ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺃﻱ ﻧﺸﺎﻁ ﺟﺪﻳﺪ‪.‬‬

‫‪ ۸‬ـ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻓﻲ ﻁﺐ ﺍﻷﻁﻔﺎﻝ ﺃﺛﻨﺎء ﺗﻄﻮﺭﻩ ﺍﻟﺤﺮﻛﻲ ﺍﻟﺮﻭﺣﻲ ﻳﻤﺮ ﺑﺮﺍﺣﻞ ﺗﻄﻮﺭﻳﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ‪ ،‬ﻓﻔﻲ‬
‫ﺃﻭﻗﺎﺕ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺗﺒﺰﻍ ﺃﺳﻨﺎﻧﻪ‪ ،‬ﻭﻳﺒﺪﺃ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻘﺎﻁ ﺍﻷﺻﻮﺍﺕ ﻭﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﻤﺮﺋﻴﺎﺕ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻌﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﻭﺍﻟﺪﻳﻪ‪،‬‬
‫ﻭﺗﺤﺮﻳﻚ ﺭﺃﺳﻪ‪ ،‬ﻭﺟﻠﻮﺳﻪ‪ ،‬ﻭﺗﻘﻠﺒﻪ‪ ،‬ﻭﻗﻴﺎﻣﻪ ﻭﻣﺸﻴﻪ‪ ،‬ﻭﺑﺪء ﺇﺩﺭﺍﻛﻪ ﻟﻠﻤﺤﻴﻂ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ‪ ،‬ﻭﺗﺸﻜﻞ ﻗﺎﻣﻮﺳﻪ‬
‫ﺍﻟﻠﻔﻈﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺘﺪﺭﺝ‪ ،‬ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻌﺐ ﻭﻫﻜﺬﺍ‪...‬‬
‫ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭﺍﺕ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺄﺯﻣﻨﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻗﺪ ﺗﺰﺩﺍﺩ ﺃﻭ ﺗﻨﻘﺺ ﻗﻠﻴﻼً ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﻣﻘﺎﻳﻴﺴﻬﺎ ﺍﻟﺰﻣﻨﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ‪.‬‬
‫ﺃﻱ‪ :‬ﻟﻬﺎ ﺳﻨﺘﻬﺎ )ﺳﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ(‪ ،‬ﻭﻗﺎﻧﻮﻧﻬﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻈﻤﻬﺎ ‪...‬‬

‫‪13‬‬
 ‫ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ )ﺣﺴﺐ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ(‪ ،‬ﻟﻬﺎ ﺳﻤﺘﺎﻥ‪ :‬ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﺒﺪﻝ ـ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﺤﻮﻝ‪..‬‬
‫ﺃﻱ‪ :‬ﺗﻜﺮﺍﺭﻫﺎ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻫﻲ‪ ،‬ﺛﻢ ﺛﺒﺎﺗﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺗﻜﺮﺍﺭﻫﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺗﺤﺪﺙ ﻭﺗﻤﺸﻲ ﺇﻟﻰ ﻧﻬﺎﻳﺘﻬﺎ ﺑﺪﻭﻥ ﺗﺤﻮﻝ‬
‫ﻳﺤﺮﻑ ﻣﺠﺮﻯ ﺳﻴﺮﻫﺎ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺒﺮ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ‪) :‬ﻓﻠﻦ ﺗﺠﺪ ﻟﺴﻨﺖ ﷲ ﺗﺒﺪﻳﻼً ﻭﻟﻦ ﺗﺠﺪ ﻟﺴﻨﺖ ﷲ‬
‫ﺗﺤﻮﻳﻼ( )‪.(٤۳:۳٥‬‬
‫ﻭﻓﻜﺮﺓ ﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺑﻌﻤﻮﻣﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻗﻄﺎﻋﺎﺗﻪ ﻭﺃﺑﻌﺎﺩﻩ‪ ،‬ﺳﻮﺍء ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ‪،‬‬
‫ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ‪ ،‬ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ‪ ،‬ﺍﻷﻋﻀﺎء ﻭﺍﻷﺟﻬﺰﺓ‪ ،‬ﺍﻟﻨﻔﺲ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ‪ ،‬ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﺟﺴﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ‬
‫ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺨﻪ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ‪.‬‬
‫ﻭﻣﺜﻞ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻴﻦ ﺃﻳﺪﻳﻨﺎ ﻫﻮ ﻗﻄﺎﻉ ﻣﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﺴﻨﺔ‪.‬‬
‫ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻳﻤﺮ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺍﺣﻞ ﺍﻟﻮﺍﺿﺤﺔ ﺳﻮﺍء ﻭﻫﻮ ﺟﻨﻴﻦ‪ ،‬ﺃﻭ ﺑﻌﺪ ﻭﻻﺩﺗﻪ‪ ،‬ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﻛﺒﺮﻩ‬
‫ﻭﺑﻠﻮﻏﻪ ﺍﻟﺮﺷﺪ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺪﻋﻮﺍﺕ ﺗﻤﺮ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺍﺣﻞ ﺃﻳﻀﺎ ً‪.‬‬
‫ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎ ً ﺃﻥ ﺃﺧﻄﺎء ﺍﻟﺘﺸﻜﻴﻞ ﺍﻟﺠﻨﻴﻨﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻫﻲ ﻋﻠﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻄﻮﺭﺓ ﻭﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ‬
‫ﺗﻘﻮﺩ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺗﺸﻮﻫﺎﺕ ﻭﻋﺎﻫﺎﺕ ﻭﻋﺮﺍﻗﻴﻞ‪ ،‬ﻗﺪ ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷ ﺧﻄﺎء ﺍﻟﺠﻨﻴﻨﻴﺔ ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ‪ ،‬ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻬﻢ ﻧﺸﻮء ﺍﻟﺪﻋﻮﺍﺕ ﻭﻭﻻﺩﺗﻬﺎ ﻭﺗﻄﻮﺭﻫﺎ‬
‫ﻭﻗﺎﺑﻠﻴﺘﻬﺎ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻳﺘﻨﺎﺯﻉ ﺍﺛﻨﺎﻥ ﻓﻲ ﻗﻀﻴﺔ ﻗﺪﺭﺓ ﻁﻔﻞ ﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﻭﺍﻟﻤﺸﻲ‪ ،‬ﻓﺒﻌﺪ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻳﻘﻒ‬
‫ﺍﻟﻄﻔﻞ‪ ،‬ﻭﻳﻤﺸﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﻓﺈﺫﺍ ﺍﺳﺘﻤﺮ ﺫﻟﻚ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﻋﺪﻡ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺸﻲ ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﺮﻭﺭ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﻣﻦ‬
‫ﻋﻤﺮﻩ ﺍﻋﺘﺒﺮ ﺫﻟﻚ ﻋﻼﻣﺔ ﻣﺮﺿﻴﺔ‪ .‬ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺃﻋﻄﻰ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻫﻮ ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ﻣﺴﺘﻔﻴﻀﺔ ﺃﺩﺕ‬
‫ﺇﻟﻰ ﻭﺿﻊ ﻣﻘﺎﻳﻴﺲ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﺃﻭ ﺳﻨﻦ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﺍﻷﺷﻴﺎء‪.‬‬
‫ﺍﻻﺧﺘﺼﺎﺻﺎﺕ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺘﻘﻴﻴﻢ ﻭﺇﻋﻄﺎء ﺍﻟﺤﻜﻢ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‪ ،‬ﻓﻬﻮ‬
‫ﻳﺤﻮﻝ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺒﻴﺮ )ﻓﺴﺌﻞ ﺑﻪ ﺧﻴﺮﺍً( )‪ ،(٥۹:۲٥‬ﻭﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﻠﻴﺲ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺨﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﻳﻔﻴﺪ )ﻭﻻ‬
‫ﻳﻨﺒﺌﻚ ﻣﺜﻞ ﺧﺒﻴﺮ( )‪.(۱٤:۳٥‬‬
‫ﻭﺇﺫﺍ ﺃﻋﻄﻰ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﺷﻴﺌﺎ ً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﺭ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻲء ﻣﻊ ﻓﺎﺭﻕ‬
‫ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺍﻟﻜﻔﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺨﺼﺼﻴﻦ ﻟﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺩﻓﻊ ﻭﺗﻌﻤﻴﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ‪ ،‬ﺃﻱ‬
‫ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪ .‬ﺃﻭ ﺣﺴﺐ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ )ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ( ﺃﻭ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻠﻮﺍﻣﺔ‪) :‬ﻻ ﺃﻗﺴﻢ ﺑﻴﻮﻡ‬
‫ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ‪..‬ﻭﻻ ﺃﻗﺴﻢ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻠﻮﺍﻣﺔ‪.(۲.۱:۷٥) (...‬‬
‫ﻓﻌﻈﻢ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻳﻘﺎﺭﻥ ﺑﻌﻈﻢ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻠﻮﺍﻣﺔ‪...‬‬
‫ﻭﷲ ﻳﻘﺴﻢ ﺑﻬﺬﻳﻦ ﺍﻷﻣﺮﻳﻦ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﻴﻦ‪...‬‬
‫ﻭﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻠﻮﺍﻣﺔ‪ :‬ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺭﺗﻔﻊﺕ ﻭﺗﻬﻴﺄﺕ ﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻭﻟﻠﻨﺠﺎﺡ ﻓﻲ ﺍﻣﺘﺤﺎﻧﻪ‪ ..‬ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻳﺒﺪﺃ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﺲ‪...‬‬
‫ﻭﺍﻟﻠﻮﻡ ﻳﺘﻜﺮﺭ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﺒﺢ ﻋﺎﺩﺓ ﻣﺘﺄﺻﻠﺔ )ﻟﻮﺍﻣﺔ(‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺴﻠﻴﻤﺔ ﻟﺼﻼﺡ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ‪ ...‬ﺇﻥ ﻣﺎ ﻳﻨﺘﻈﺮ‬
‫ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻫﻮ ﺃﻣﺮﺍﻥ‪ :‬ﺇﻧﺸﺎء ﺟﻮ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻟﺘﺨﺼﻴﺐ ﺟﻮ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻤﺮﺍﺝ ﻋﺔ‪ ،‬ﻭﺇﻧﺸﺎء‬
‫ﺗﺨﺼﺼﺎﺕ ﺗﺸﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ‪.‬‬

‫‪ ۹‬ـ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻋﻤﻞ ﻛﺎﻥ‪ ،‬ﻻ ﺑﺪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﻳﻜﺎﻣﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎً‪ ،‬ﺟﻬﺎﺯ ﻧﻈﺮﻱ‪،‬‬
‫ﺟﻬﺎﺯ ﻋﻤﻠﻲ‪ ،‬ﺟﻬﺎﺯ ﻣﺮﺍﻗﺒﺔ ﻭﻣﺮﺍﺟﻌﺔ )ﻧﻘﺪ ﺫﺍﺗﻲ(‪.‬‬
‫ﻫﺬﺍ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﺨﺒﺮﻱ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻋﻤﻞ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻲ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻱ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ‪،‬‬
‫ﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﻋﻤﻞ ﻋﻠﻤﻲ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﺽ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻋﻤﻠﻪ ﺑﻮﺛﺎﻗﻪ ﻭﻳﻘﻴﻦ‪.‬‬
‫ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻤﺎء ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺳﺎﺑﻘﺎ ً ﺃﺳﺴﻮﺍ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﻭﺍﻟﺘﻌﺪﻳﻞ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﻤﻞ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﻴﺲ ﺃﻛﺜﺮ ﻗﺪﺍﺳﺔ‬
‫ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻮﺿﻊ ﻟﻪ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﻭﺍﻟﺘﻌﺪﻳﻞ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﻤﺼﻄﻠﺤﺎﺕ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ‬
‫ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪.‬‬

‫‪14‬‬
 ‫ﻭﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻓﻲ ﻣﻀﻤﻮﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻘﻮﻳﻢ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻳﻮﺍﺟﻪ ﺃﻳﺔ ﺣﺎﻟﺔ‪ ،‬ﺑﻌﻘﻠﻴﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ‬
‫ﻫﺎﺩﺋﺔ‪.‬‬
‫ﻭﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻲ ﺟﻤﻠﺘﻪ ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﻅﻠﻢ ﺍﻟﻨﻔﺲ‪ ،‬ﻓﻈﻠﻢ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻫﻮ ﺃﻛﺒﺮ ﻅﻠﻢ ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻛﺎﻥ‬
‫ﺃﻛﺜﺮ ﺷﻲء ﺟﺪﻻً‪ ،‬ﻭﻟﺬﺍ ﻓﻬﻮ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺇﻟﺼﺎﻕ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻪ‪ ،‬ﻭﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻳﺒﺮﺉ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺸﻜﻞ‬
‫ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺑﺬﻟﻚ ﻳﺒﻌﺪ ﻧﺸﺎﻁﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ‪ .‬ﻓﺘﺒﻘﻰ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻣﻌﻠﻘﺔ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻞ ﺟﺬﺭﻱ‪ ،‬ﻁﺎﻟﻤﺎ ﺃﻥ‬
‫ﺟﺬﻭﺭﻫﺎ ـ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻨﻔﺲ ـ ﻗﺪ ﺍﺳﺘﺒﻌﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻞ !‬

‫‪ ۱۰‬ـ ﻭﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺃﻱ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔ ﻭﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻣﺎ ﺯﺍﻟﺖ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ ﻋﻨﺪﻧﺎ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﻫﻲ ﻻ ﺗﺘﺴﻢ‬
‫ﺑﺎﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻨﺎﻅﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ‪ ،‬ﻓﻤﻌﻈﻢ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺎﺕ ﺗﻤﺸﻲ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ )ﺗﻨﺰﻳﻪ‬
‫ﺍﻟﺬﺍﺕ(‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ )ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﺍﻟﺬﺍﺕ(‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻭﺍﺧﺘﻼﻁ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻳﺮﺟﻊ ﻓﻲ ﻁﺒﻴﻌﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ‪ ،‬ﻓﻄﺎﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺟﻬﺎﺩﺍ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ‬
‫ﷲ‪ ،‬ﻭﺍﺑﺘﻐﺎء ﻣﺮﺿﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﺨﻠﻊ ﻅﻞ ﺍﻟﻘﺪﺳﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪ ،‬ﻭﻳﺨﺘﻠﻂ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺑﺎﻟﺸﺨﺺ‪.‬‬
‫ﻭﻓﺼﻞ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﻋﻦ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻟﻪ ﺃﻣﺮ ﺣﻴﻮﻱ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻨﺘﺒﻪ ﻟﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻴﺴﺖ ﻛﻞ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻓﺼﻞ ﺑﺸﻜﻞ ﻭﺍﺿﺢ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻣﺤﻤﺪ )ﺹ( ﺑﺬﺍﺗﻪ ‪) :‬ﻭﻣﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺇﻻ‬
‫ﺭﺳﻮﻝ ﻗﺪ ﺧﻠﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﺃﻓﺈﻳﻦ ﻣﺎﺕ ﺃﻭ ﻗﺘﻞ ﺍﻧﻘﻠﺒﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﻘﺒﻜﻢ ﻭﻣﻦ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺒﻴﻪ ﻓﻠﻦ ﻳﺾﺭ‬
‫ﷲ ﺷﻴﺌﺎ ً ﻭﺳﻴﺠﺰﻱ ﷲ ﺍﻟﺸﺎﻛﺮﻳﻦ( )‪.(۱٤٤:۳‬‬
‫ﻭﻣﺠﺮ ﺍﻟﺤﻤﺎﺱ ﻟﻤﺒﺪﺃ‪ ،‬ﻭﻭﻟﻊ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺑﻨﺸﺮﻩ ﻻ ﻳﻜﻔﻲ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺩﻋﺎ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻛﺮ ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻷﻣﺮ‬
‫ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻭﺍﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﻜﺮ ﻭﺣﺪﺩﻫﺎ ﺑﺜﻼﺛﺔ ‪ :‬ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻗﺒﻠﻪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺮﻓﻖ ﻣﻌﻪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺼﺒﺮ ﺑﻌﺪﻩ‪ .‬ﻭﻧﺤﻦ ﻧﻔﺘﻘﺪ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺍﻟﺸﻤﻮﻟﻲ ﺍﻟﻤﺘﻤﺎﺳﻚ‪.‬‬
‫ﻭﻳﺨﺘﻠﻂ ﺍﻷﻣﺮ ﺃﻛﺜﺮ ﻓﺘﺼﻌﺐ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻂ ﻧﻔﺴﻲ‪ ،‬ﻭﺫﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺨﻮﺽ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﺤﻨﺔ‬
‫ﻣﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺎ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﻪ‪ ،‬ﻓﻴﻘﻒ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ‪ ،‬ﻭﻳﺼﺒﺢ ﻣﺒﺪﺃ ﺃﺑﻲ ﺗﻤﺎﻡ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﺎﺭﻱ )ﺍﻟﺴﻴﻒ ﺃﺻﺪﻕ‬
‫ﺃﻧﺒﺎء ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ(‪ ،‬ﻭﺗﺴﺘﺒﺪ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺑﺼﺎﺣﺒﻬﺎ ﻓﻼ ﻳﺮﻯ ﺇﻻ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻮﻗﺘﻴﺔ ﻟﻤﺎ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻪ‪ ،‬ﻭﺗﺼﺒﺢ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ‬
‫ﺍﻙﺗﺸﺎﻑ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻋﻠﻰ ﻏﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺔ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻳﻠﺘﺒﺲ ﺑﺎﻟﻤﺤﻨﺔ‪ .‬ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﺣﺮﺟﺎ ً ﻓﻲ ﺗﻨﺎﻭﻝ‬
‫ﻣﺤﻨﺔ ﺃﺣﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﻭﺗﺼﻮﻳﺮ ﺍﻷﺧﻄﺎء ﻣﻊ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺤﻨﺔ ﻗﺎﺳﻴﺔ ‪ .‬ﻭﺍﻟﻤﺤﻨﺔ ﻫﻨﺎ ﻭﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺷﻲء ﺁﺧﺮ‪،‬‬
‫ﻷﻥ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻹﺧﻼﺹ‪ ،‬ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻣﺮﻳﻦ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻳﺘﺸﻨﺞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻮﻥ‪ ،‬ﻭﻳﺴﺘﻤﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻄﺄ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ ﺳﻴﻜﺮﺭﻭﻥ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﺜﻤﻦ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺘﺒﻬﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺧﻄﺎء‬
‫ﻓﻴﺘﻔﺎﺩﻭﻫﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ ﻣﻊ ﻛﻞ ﺯﻓﺮﺓ ﺃﻟﻢ ﺳﻴﺜﺎﺑﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ؟!‬
‫ﺳﻮﻑ ﻳﺜﺎﺑﻮﻥ ﻭﻳﻌﺎﻗﺒﻮﻥ‪ ،‬ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﻟﻶﺧﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ‬
‫ﻟﺴﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻭﺳﻨﻦ ﷲ ﺗﻄﻴﻊ ﻣﻦ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻛﺎﻓﺮﺍ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﻈﻮﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ‪) :‬ﻛﻼ ﻧﻤﺪ ﻫﺆﻻء ﻭﻫﺆﻻء ﻣﻦ‬
‫ﻋﻄﺎء ﺭﺑﻚ ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻄﺎء ﺭﺑﻚ ﻣﺤﻈﻮﺭﺍً( )‪.(۱۰:۱۷‬‬

‫‪ ۱۱‬ـ ﻭﻓﺘﺢ ﻭﻧﺸﺮ ﺭﻭﺡ ﺑﺤﺚ ﻛﻬﺬﺍ ﻫﻲ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺻﺤﻴﺔ‪ ،‬ﻷﻧﻬﺎ ﺳﺘﻮﺟﺪ ﺟﻮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻮﺭﻯ ﻭﺗﺒﺎﺩﻝ ﻭﺟﻬﺎﺕ‬
‫ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻱ ﺇﺭﻫﺎﺏ ﻓﻜﺮﻱ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻮ ﺇﺫﺍ ﻧﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻓﺈﻧﻪ ﺱﻳﻌﺼﻢ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ـ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻗﻴﺎﻡ‬
‫ﻧﻈﺎﻡ ﺇﺳﻼﻣﻲ ﺳﻴﺎﺳﻲ ـ ﻣﻦ ﺭﻳﺎﺡ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻭﺍﻟﺘﺴﻠﻂ ﻭﺍﻟﺪﻳﻜﺘﺎﺗﻮﺭﻳﺔ ﻭﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺎﺣﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ‬
‫ﺗﺼﻔﻴﺔ ﺍﻟﺮﻓﺎﻕ ﻟﻠﺮﻓﺎﻕ ﻗﺪ ﻳﻜﺮﺭﻩ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻮﻥ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺗﺼﻔﻴﺔ ﺍﻻﺧﻮﺓ ﻟﻼﺧﻮﺓ‪.‬‬
‫ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑـ "ﺍﻟﺘﻘﺪﻣﻴﻴﻦ " ﻗﺪ ﻧﺸﺮﻭﺍ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎﺕ ﺧﺎﺻﺔ ﺗﺒﺮﺭ ﺗﺼﻔﻴﺘﻬﻢ ﻟﻠﺮﻓﺎﻕ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ‬
‫ﺭﺟﻌﻲ ﻋﻔﻦ‪ ،‬ﻭﺧﺎﺋﻦ‪ ،‬ﻭﻋﻤﻴﻞ‪ ،‬ﻭﺫﻳﻠﻲ‪ ،‬ﻭﺑﺮﺟﻮﺍﺯﻱ‪..‬‬

‫‪15‬‬
 ‫ﻓﺈﻥ ﺟﻌﺒﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﻫﻲ ﺃﺩﺳﻢ ﺑﻞ ﺃﺧﻄﺮ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﺘﻜﻔﻴﺮ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﺍﻟﺴﻼﺡ ﺍﻟﻤﺸﻬﺮ ‪ .‬ﻓﺎﻟﺴﻴﺎﺳﻴﻮﻥ ﻳﺘﺒﺎﺩﻟﻮﻥ‬
‫ﺷﺘﺎﺋﻢ ﺍﻟﻌﻤﺎﻟﺔ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻧﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻳﻮﻥ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮﻥ ﻣﺎ ﻳﻨﺎﺳﺐ ﻗﺎﻣﻮﺳﻬﻢ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﻋﻨﺪ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﺍﻟﺘﻜﻔﻴﺮ ﻭﻣﺎ‬
‫ﺷﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﻗﺼﺔ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﻭﺍﻟﺘﻜﻔﻴﺮ ﺑﺒﻌﻴﺪﺓ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻗﺪ ﻛﺒﻠﺖ ﺇﺭﺍﺩﺗﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺧﻨﻘﺖ ﺣﺮﻳﺔ ﺷﻌﻮﺑﻬﺎ ﺗﺤﺖ ﺃﺳﻤﺎء ﺷﺘﻰ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺸﺘﺮﻙ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻓﻲ‬
‫ﻗﺘﻞ ﺣﺮﻳﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺧﻨﻖ ﻛﻠﻤﺘﻪ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻨﺎﺥ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻻ ﻳﺸﻤﻪ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻫﻢ ﻭﺭﺍء ﻗﻀﺒﺎﻥ ﺍﻟﺴﺠﻮﻥ ! ﻭﻻ ﻏﺮﺍﺑﺔ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺗﻌﻨﻲ ﺍ ﻟﺘﻌﺒﻴﺮ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻛﻠﻔﺘﻪ ﺍﻟﺴﺠﻦ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺩﺧﻞ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﺳﺠﻦ ﺁﺧﺮ ﻓﻴﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﺤﺮﻳﺔ؟!‪..‬‬

‫‪ ۱۲‬ـ ﻭﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﺎﺥ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﻣﻨﺎﺥ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﺑﺪﻭﻥ ﺇﺭﻫﺎﺏ ﻓﻜﺮﻱ ﻳﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﺟﻮ ﺍﻟﻤﺸﻴﺨﺔ‬
‫ﻭﺍﻟﺪﺭﻭﺷﺔ )ﺟﻮ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻭﺍﻟﻤﺮﻳﺪ(‪ ،‬ﻭﻳﺤﺮﺭ ﺛﻮﺭﺓ ﻋﻘﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺧﺼﻮﺑﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﺟﻮ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ ﻫﻮ‬
‫ﺷﺮﻁ ﺍﻟﺨﺼﻮﺑﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ﻫﻲ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﺗﻼﻗﺢ ﺯﻭﺟﻴﻦ‪) :‬ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺧﻠﻘﻨﺎ ﺯﻭﺟﻴﻦ ﻟﻌﻠﻜﻢ ﺗﺬﻛﺮﻭﻥ(‬
‫)‪.(٤۹:٥۱‬‬
‫)ﷲ ﺧﻠﻖ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻭﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻭﻛﻴﻞ( )‪.(٦۲:۳۹‬‬
‫ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ )ﻛﻞ ﺷﻲء( ﻫﻮ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺧﺎﺿﻊ ﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ ‪ .‬ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ‬
‫ﻫﻲ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﺨﺼﺐ‪ ،‬ﻛﺬﻟﻚ ﺗﺒﺎﺩﻝ ﺍﻷﻑﻛﺎﺭ ﻭﺍﻟﻠﻘﺎء ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬ﻓﺎﺟﺘﻤﺎﻉ ﻋﺎﻗﻠﻴﻦ ﻳﺘﺒﺎﺩﻻﻥ ﺍﻵﺭﺍء ﻳﻨﺘﺞ ﻣﻨﻬﺎ‬
‫ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺘﻼﻗﺢ ﺍﻟﻨﻮﻋﻲ‪ ،‬ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺟﺎﻫﻠﻴﻦ ﻫﻮ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﻋﻘﻴﻤﻴﻦ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻘﻢ ﻣﻦ ﻁﺮﻑ ﻭﺍﺣﺪ‬
‫ﻳﺴﺒﺐ ﻋﺪﻡ ﺍﻹﻧﺠﺎﺏ ﻓﻜﻴﻒ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ؟‬
‫ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻢ ﻟﻴﺲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺴﺘﻌﺼﻴﺔ ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻭﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﺎﺕ ‪ ...‬ﻭﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻘﺎءﺍﺕ ﻫﻲ ﺇﻣﺎ‬
‫ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ )ﻣﺠﺎﻣﻼﺕ(‪ ،‬ﺃﻭ )ﻧﺰﺍﻋﺎﺕ( ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﺣﺼﻮﻝ ﺧﻼﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺃﻱ ‪ .‬ﻭﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻻ ﻳﺘﺼﻮﺭ ﺧﻼﻑ‬
‫ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺇﻻ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ ﻣﻊ ﺃﻥ ﷲ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺑﺎﻷﺻﻞ ﻣﺨﺘﻠﻔﻴﻦ ‪ ،‬ﻷﻥ ﻓﻲ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﻭﺻﺤﺔ‬
‫ﻭﺧﺼﻮﺑﺔ ﻭﻛﺸﻒ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﻖ )ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺧﻠﻘﻬﻢ( )‪.(۱۱۹:۱۱‬‬

‫‪ ۱۳‬ـ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ ﻭﺭﻭﺡ ﺍﻟﺘﻌﺼﺐ ﺗﻮﺟﺪ ﺟﻮﺍً ﻋﺠﻴﺒﺎ ً ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻘﺎء‪ ،‬ﺣﻴﺚ‬
‫ﻳﺤﻤﻞ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻧﻈﺎﺭﺍﺕ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺧﺎﺹ ﺑﻠﻮﻥ ﻣﻌﻴﻦ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺮﻯ‬
‫ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺣﻮﻟﻪ ﺇﻻ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻠﻮﻥ ‪ ..‬ﻭﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻻ ﻳﺮﻯ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺧﻄﺌﻪ ﻣﻊ‬
‫ﺷﻌﻮﺭﻩ ﺑﺄﺣﻘﻴﺔ ﻣﺎ ﻳﺤﻤﻞ‪ ،‬ﺑﻞ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻋﻨﺪﻩ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺨﻄﺄ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻋﻨﺪ ﻏﻴﺮﻩ‪..‬‬
‫ﻳﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻷﺷﻴﺎء ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﺇﻣﺎ )ﻁﺎﻫﺮ ﻣﻘﺪﺱ ( ﺃﻭ )ﺩﻧﺲ ﺣﻘﻴﺮ (‪ ،‬ﻭﻻ ﺷﻲء ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺣﺪﺙ‬
‫ﺧﻼﻑ ﻣﻊ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮﺍ ـ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻋﺘﻪ ـ ﻓﻼ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﻓﻴﻬﻢ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﻭﺟﻮﺍﻧﺐ‪ ،‬ﺑﻞ ﺇﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎء ﺃﻭ‬
‫ﺃﻧﻬﻢ ﺳﻘﻄﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﺎﻭﻳﺔ ‪ .‬ﻳﻔﺘﻘﺪ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻳﺴﺒﺢ ﺩﻭﻣﺎ ً ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﻭﻫﻮ ﻏﻴﺮ ﻣﺪﺭﻛﻬﺎ ‪ ...‬ﻓﻒﺗﺢ‬
‫ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻣﻊ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﺳﻮﺍء ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﺗﺠﺎﻫﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﺠﺪﻱ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻻ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺪﺍﻝ ﻣﻊ‬
‫ﻛﺎﻓﺮ‪ ،‬ﻭﻫﻞ ﺳﻴﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﺆﻣﻦ؟! ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﺴﺘﺸﻬﺪ ﻟﻚ ﺑﺂﻳﺔ‪) :‬ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭﺍ ﺳﻮﺍء ﻋﻠﻴﻬﻢ ءﺃﻧﻨﺬﺭﺗﻬﻢ ﺃﻡ ﻟﻢ‬
‫ﺗﻨﺬﺭﻫﻢ ﻻ ﻳﺆﻣﻨﻮﻥ ( )‪ (٦:۲‬ﻭﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺤﺮﻙ ﻓﻲ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﻫﻮ ﺑﻴﻦ )‪ (۲۰۰‬ﻣﺎﺋﺘﻲ‬
‫ﺩﺭﺟﺔ ﺃﻱ ﻣﻦ ـ ‪ ۱۰۰‬ﺇﻟﻰ ‪ ۱۰۰+‬ﻭﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺍﻟﺼﻔﺮ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻜﺎﻓﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻗﺼﻰ ﺩﺭﺟﺎﺗﻪ ﻭﻟﻨﻔﺘﺮﺽ ﻣﻦ – ‪۱۰۰‬‬
‫ﺇﻟﻰ – ‪ ۹۹‬ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎﺕ ﻛﺴﺐ ﻣﻘﺪﺍﺭﻩ )‪ (۱+‬ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻳﺰﺩﺍﺩ ﻭﻳﻨﻘﺾ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ‪،‬‬
‫ﻓﻤﺎ ﺍﻟﻤﺎﻧﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﻳﺰﺩﺍﺩ ﻭﻳﻨﻘﺺ ﻛﻔﺮﻩ‪ ،‬ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺩﻭﻣﺎ ً ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺩﻳﻨﺎﻣﻴﻜﻴﺔ ‪) :‬ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ‬
‫ﺃﻧﺰﻟﺖ ﺳﻮﺭﺓ ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻘﻮﻝ ﺃﻳﻜﻢ ﺯﺍﺩﺗﻪ ﻫﺬﻩ ﺇﻳﻤﻨﺎ ً ﻓﺄﻣﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ءﺍﻣﻨﻮﺍ ﻓﺰﺍﺩﺗﻬﻢ ﺇﻳﻤﻨﺎ ً ﻭﻫﻢ ﻳﺴﺘﺒﺸﺮﻭﻥ ﻭﺃﻣﺎ‬
‫ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﺮﺽ ﻓﺰﺍﺩﺗﻬﻢ ﺭﺟﺴﺎ ً ﺇﻟﻰ ﺭﺟﺴﻬﻢ ﻭﻣﺎﺗﻮﺍ ﻭﻫﻢ ﻛﻔﺮﻭﻥ ( )‪ (۱۲٥.۱۲٤:۹‬ﻭﺍﻟﺮﺳﻢ‬
‫ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﻋﻨﻬﺎ‪:‬‬

‫‪16‬‬
 ‫ﺇﻥ ﻛﻞ ﺣﺮﻙﺓ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍ ﺏ ﺝ ﻫﻲ ﻛﺴﺐ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺩﺭﺟﺘﻬﺎ ﻣﻨﺤﻰ )ﺱ(‬
‫ﺇﻥ ﻛﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺝ ﺏ ﺍ ﻫﻲ ﺧﺴﺎﺭﺓ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻁﻔﻴﻔﺔ ﻣﻨﺤﻰ )ﺹ(‬
‫ﻭﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺰﻫﺪ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻁﺎﻗﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﺑﻌﺜﺮﺓ ﺃﻱ ﻁﺎﻗﺔ‪..‬‬
‫ﻓﻤﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻤﺸﻲ ﻣﻌﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺸﻮﻁ ﻛﺎﻥ ﻣﺎ ﻧﺮﻳﺪ ﻭﻓﺮﺣﻨﺎ ﺑﻪ‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﺃﺭﺍﺩ ﻭﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻗﺪﺭﺍً‬
‫ﻳﺴﻲﺭﺍً ﻗﺒﻠﻨﺎ ﻣﻨﻪ‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﺃﻋﻄﺎﻧﺎ ﻧﺼﺮﺗﻪ ﻓﻘﻂ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﻐﻨﻴﻨﺎ ﻋﻨﻪ‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﺍﺳﺘﻄﻌﻨﺎ ﺗﻌﺪﻳﻞ ﺧﻄﺌﻪ ﻣﺎ ﺯﻫﺪﻧﺎ ﺑﻪ‪،‬‬
‫ﻭﺃﻗﺪﺍﺭ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺗﺘﻔﺎﻭﺕ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺳﻠﻢ‪ ،‬ﺃﻭ ﺷﻼﻝ ﻣﺘﺪﺭﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺎﻗﺎﺕ‪.‬‬
‫‪ .‬ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ‬ ‫ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻲ ﻳﺮﻳﺪ ﺻﺐ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺟﻤﻴﻌﺎ ً ﻓﻲ ﻗﺎﻟﺐ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﻫﺬﺍ ﺧﻄﺄ ﻭﻣﺴﺘﺤﻴﻞ‬
‫ﻭﺍﻟﺘﻌﺼﺐ ﺗﺠﻌﻞ ﻟﻘﺎء ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺱ ﺑﺎﻗﺎ ً ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﺣﻮﺍﺭﺍً‪ ،‬ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻓﻦ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺳﻤﺎﻉ ﺁﺭﺍء‬
‫ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻭﻓﻬﻤﻬﺎ ﻭﺗﻔﻨﻴﺪﻫﺎ ﺑﻌﺪ ﻫﻀﻤﻬﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺧﻄﺄ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻗﻒ‬
‫‪..‬‬ ‫ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻵﺭﺍء ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﺳﺪ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻨﻈﺮﻳﺘﻪ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻛﺤﺪﻳﺚ ﺑﻴﻦ ﺃﺻﻤﻴﻦ‬
‫ﻓﺒﺎﺧﺘﺼﺎﺭ‪ :‬ﺍﻟﺤﺰﺑﻲ ﺃﻋﻢ ﻯ‪..‬‬
‫ﻭﻣﺠﺎﻟﺲ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺗﻘﻮﺩ ﻟﻴﺲ ﺇﻟﻰ ﺗﺒﺎﺩﻝ ﺍﻵﺭﺍء‪ ،‬ﺑﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ ﻭﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺎﺕ ﻭﺗﻌﻜﻴﺮ ﺻﻔﻮ ﺍﻟﻨﻔﺲ‪،‬‬
‫ﻭﺇﺫﺍ ﺗﻄﻮﺭ ﻗﺎﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﻧﺎﻫﺎ ﺃﻱ ﺍﻟﺘﻜﻔﻴﺮ ﺃﻭ ﺍﻻﺗﻬﺎﻡ ﺑﺎﻟﻌﻤﺎﻟﺔ‪ ،‬ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻟﻠﻌﻘﺎﺋﺪﻳﻴﻦ ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‬
‫ﻟﻠﺴﻴﺎﺳﻴﻴﻦ‪.‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﻗﺼﺔ ﻋﻠﻲ ﻛﺮﻡ ﷲ ﻭﺟﻬﻪ ﻓﻲ ﻧﺰﺍﻋﻪ ﻣﻊ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻣﻌﻨﻰ ﺿﺦ ﻡ ﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻨﺰﺍﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﺨﻼﻓﺎﺕ ﺑﻴﻦ‬
‫ﺍﻟﻨﺎﺱ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺍﺧﺘﻠﻒ ﻣﻌﻬﻢ‪ ،‬ﻭﻫﻢ ﻛﻔﺮﻭﻩ‪ ،‬ﺛﻢ ﺍﺳﺘﺒﺎﺣﻮﺍ ﺩﻣﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻗﺘﻠﻮﻩ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﺟﺎﺏ ﺭﺿﻲ ﷲ ﻋﻨﻪ ﻟﻤﺎ‬
‫ﺳﺌﻞ ﻋﻨﻬﻢ‪:‬‬
‫ﺳﺆﺍﻝ‪ :‬ﻳﺎ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﺃﻛﻔﺎﺭﻫﻢ؟‬
‫ﻋﻠﻲ )ﺭ(‪ :‬ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻓﺮﻭﺍ‪.‬‬
‫ﺳﺆﺍﻝ‪ :‬ﺃﻭ ﻣﻨﺎﻓﻘﻮﻥ ﻫﻢ؟‬
‫ﻋﻠﻲ )ﺭ(‪ :‬ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻮﻥ ﻻ ﻳﺬﻛﺮﻭﻥ ﷲ ﺇﻻ ﻗﻠﻴﻼً‪ ،‬ﻭﺃﻭﻟﺌﻚ ﻳﺬﻛﺮﻭﻥ ﷲ ﻛﺜﻴﺮﺍً ً◌ ً◌!‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﻳﻌﻘﺐ ﻓﻴﻘﻮﻝ ﻗﻮﻟﺘﻪ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﺓ‪:‬‬
‫)ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻁﻠﺐ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﺄﺧﻄﺄﻩ‪ ،‬ﻛﻤﻦ ﻁﻠﺐ ﺍﻟﺒﺎﻁﻞ ﻓﺄﺩﺭﻛﻪ(‬
‫ﻓﺎﻋﺘﺒﺮﻫﻢ ﻁﻼﺏ ﺣﻖ‪ ،‬ﺃﺧﻠﺜﻮ ﻓﻲ ﻁﻠﺒﻪ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ ﺿﻠﻮﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺇﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻬﻢ ﻣﺨﻄﺆﻭﻥ ﻻ ﺃﻛﺜﺮ ! ﻭﻫﻨﺎ ﺗﻔﺮﻳﻖ‬
‫ﺩﻗﻴﻖ ﺑﻴﻦ ﺟﺎﻧﺒﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺃﺩﺭﻛﻬﻤﺎ ﻋﻠﻲ )ﺭ( ﻭﻓﺼﻞ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺩﻗﺔ ﻭﻫﻤﺎ ﺟﺎﻧﺒﺎ ﺍﻹﺧﻼﺹ‬
‫ﻭﺍﻟﻮﻋﻲ‪ ،‬ﺃﻭ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻨﻴﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ‪ ،‬ﻭﺻﻮﺍﺏ ﺍﻟﻔﻬﻢ‪ ،‬ﻓﺈﺧﻼﺹ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‪ ،‬ﻭﺣﻤﺎﺳﻪ ﻟﻤﺒﺪﺃ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ‬
‫ﺍﻹﺻﺎﺑﺔ‪ ،‬ﻭﻻ ﺃﺣﺪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻬﺎﺕ ﻓﻲ ﺣﺮﺻﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﻁﻔﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻷﻛﻤﻞ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻛﻢ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻷﻣﻬﺎﺕ ﻳﺼﻠﻦ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻲء؟‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻓﻴﻨﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﺁﺧﺮ ﻏﻴﺮ ﺍﻹﺧﻼﺹ ﻭﺍﻟﺤﻤﺎﺱ‪ ،‬ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺩﺭﺍﻙ ﻭﺍﻟﻔﻬﻢ ﻓﻬﻮ ﺃﻣﺮ‬
‫ﺗﻘﻨﻲ ﺑﺤﺖ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻭﻓﻬﻢ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻭﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻮﺟﻴﻬﻪ‪.‬‬
‫ﺇﺫﻥ ﻳﺠﺐ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺑﺸﻜﻞ ﻗﻄﻌﻲ ﺑﻴﻦ ﺟﺎﻧﺒﻲ ﺍﻹﺧﻼﺹ ﻭﺍﻟﺼﻮﺍﺏ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺴﺄﻟﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻤﺎ ﻗﻄﻌﺘﺎﻥ ﻣﺘﻤﻴﺰﺗﺎﻥ‬
‫ﺿﻤﻦ ﺟﻬﺎﺯ ﻭﺍﺣﺪ‪ ،‬ﻛﻞ ﻟﻪ ﻭﻅﻴﻔﺘﻪ‪ ،‬ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺻﻠﺔ ﺑﻲﻥ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﻘﻄﻌﺘﻴﻦ ﻭﺗﺄﺛﻴﺮ ﻣﺘﺒﺎﺩﻝ‪.‬‬
‫ﻓﻌﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﷲ ﻋﻨﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺍﺧﺘﻠﻒ ﻣﻊ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ‪ ،‬ﺃﺭﺟﻊ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺇﻟﻰ ﺧﻄﺄ ﻓﻲ ﻓﻬﻤﻬﻢ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﻳﺘﻬﻢ‬
‫ﻧﻮﺍﻳﺎﻫﻢ ﺑﺎﻟﺴﻮء‪ ،‬ﻭﻻ ﺩﻳﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﻜﻔﺮ‪ ،‬ﺑﻞ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻬﻢ‪.‬‬
‫ﻭﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﺍﻧﺘﺒﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻓﺄﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻳﺨﻄﺌﻮﻥ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﺪﻉ ﻳﻜﻔﺮﻭﻥ‪.‬‬
‫ﻝﺫﺍ ﻓﻨﺤﻦ ﻣﺪﻋﻮﻭﻥ ﺑﺈﻟﺤﺎﺡ ﺇﻟﻰ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺣﺮﻳﺔ ﺍﻟﺮﺃﻱ‪ ،‬ﻭﺣﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ‪ ،‬ﻭﺗﺤﻤﻞ ﻭﺟﻬﺎﺕ ﻧﻈﺮ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ‪،‬‬
‫ﻭﺇﻥ ﺟﻮﺍً ﺻﺤﻴﺎ ً ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺳﻮﻑ ﻳﺪﻓﻊ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻣﺎﻡ ﻓﻤﺠﻼﺗﻨﺎ ﺳﻮﻑ ﺗﻤﺘﺎﺯ‬
‫ﺑﺎﻟﺨﺼﻮﺑﺔ‪ ،‬ﻷﻧﻬﺎ ﺳﺘﻔﺘﺢ ﻣﺠﺎﻻً ﺣﺎﺭﺍً ﻟﺘﺒﺎﺩﻝ ﻭﺟﻬﺎﺕ ﺍﻟﻨﻈﺮ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺎﺕ ﺍﻟﺤﺎﻣﻴﺔ )ﻭﺍﻷﺧﻮﻳﺔ ( ﺳﺘﺜﻮﺭ ‪،‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻧﻄﻼﻗﺎ ً ﻫﺬﺍ ﻧﻮﻋﻪ ﺳﻴﺤﺪﺙ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺠﺎﻧﺒﻴﺔ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ‬
‫ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ )ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺠﺎﻧﺒﻴﺔ ‪ ،(Nebenwirlenngen‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﻻ‬

‫‪17‬‬
‫ﻳﻘﻒ ﻭﻳﺤﺠﻢ ﻋﻦ ﺇﻋﻄﺎء ﺍﻟﺪﻭﺍء ﻟﺘﻮﻗﻊ ﺣﺼﻮﻝ ﺃﻋﺮﺍﺽ ﻭﺗﺄﺛﻴﺮﺍﺕ ﺟﺎﻧﺒﻴﺔ )ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﻡ ﻥ‬
‫ﺧﻄﻮﺭﺓ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺠﺎﻧﺒﻴﺔ(‪.‬‬
‫ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺘﺤﻤﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺠﺎﻧﺒﻴﺔ ﺍﻟﺨﻔﻴﻔﺔ‪ ،‬ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺑﻌﺚ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺃﻭﺳﺎﻁﻨﺎ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﺇﻥ ﺷﺒﺎﺑﻨﺎ ﻗﺪ ﺗﻌﻮﺩ ﺃﻥ ﻳﺴﻤﻊ ﻛﺜﻴﺮﺍ‪ ،‬ﻭﻳﺤﺎﻛﻢ ﻗﻠﻴﻼ‪ ،‬ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺮﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻋﻨﺪﻩ‪ ،‬ﻟﺘﻨﻤﻮ ﻋﻨﺪﻩ‬
‫ﻣﻠﻜﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﻭﺃﻫﻤﻬﺎ )ﻣﻠﻜﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ(‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻤﻊ ﻓﻘﻂ ﻣﺆﻫﻞ ﻷﻥ ﺗﺘﺴﻠﻂ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻄﻮﺍﻏﻴﺖ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺣﺎﻝ ﻣﺴﻠﻢ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻭﻋﻲ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻫﻮ ﺃﺭﻓﻊ ﺭﺗﺐ ﺍﻟﻮﻋﻲ‪...‬‬

‫‪ ۱٤‬ـ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺘﺘﺒﻊ ﻟﻤﺴﻠﻚ ﺣﺪﻭﺙ ﺍﻷﺷﻴﺎء ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﻟﻜﻞ ﺣﺪﺙ ﻳﺘﻢ ﺳﻮﺍء ﻓﻲ‬
‫ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ‪ ،‬ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻨﻔﺲ‪ ،‬ﺃﻭ ﺣﺪﻭﺙ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺾﻭﻳﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺪﻭﻝ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ‪ ،‬ﺃﻭ ﻓﻲ ﺣﺠﻢ‬
‫ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻛﻜﻞ‪.‬‬
‫ﻓﻌﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺣﺪﻭﺙ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﻧﺮﻯ ﺃﻥ ﻧﻘﻄﺔ ﺍﻧﻄﻼﻕ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻫﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩ‬
‫ﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻡ‪ ،‬ﻷﻥ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﻗﺎﺋﻢ‪ ،‬ﺑﻞ ﺑﺎﻧﻬﻴﺎﺭ ﺣﺎﺟﺰ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺃﻣﺎﻣﻪ ﻟﺴﺒﺐ ﺃﻭ ﺁﺧﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻄﻲ ﺍﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻬﺠﻮﻡ‬
‫ﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻡ ﻭﺇﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﻤﺮﺽ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﻳﻤﻜﻦ ﻧﻘﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﺣﺘﻰ ﻧﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺣﻴﺚ ﻧﺮﻯ ﺳﻘﻮﻁ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ ﻓﻲ‬
‫ﻋﻠﺔ ﺍﻹﻧﺘﺤﺎﺭ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ‪.‬‬
‫ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻫﻲ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺍﻟﺘﻔﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﻦ ﻁﺮﻳﻘﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺣﻞ‬
‫ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺟﺬﺭﻳﺎ ً‪.‬‬
‫ﺗﻄﻬﻴﺮ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬﺐ ﺍﻟﺼﺤﺔ‪ ،‬ﻭﻳﺮﻓﻊ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ‪ ،‬ﻭﻳﻘﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺽ ‪ .‬ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‬
‫ﺍﻫﺘﻢ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺑﺨﺼﻮﻣﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻠﻪ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺭﺃﻱ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ ﻭﺍﻟﺼﻬﻴﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻹﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﻭﺍﻟﻤﺨﺎﺑﺮﺍﺕ‬
‫ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﺟﻮﻫﺮ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﻫﻲ ﻧﻔﺴﻪ‪.‬‬
‫)ﺇﻥ ﷲ ﻻ ﻳﻐﻴﺮ ﻣﺎ ﺑﻘﻮﻡ ﺣﺘﻰ ﻳﻐﻴﺮﺍ ﻣﺎ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ( )‪ (۱۱:۱۳‬ﺑﻞ ﻧﺬﻫﺐ ﺵ ﻭﻁﺎ ً ﺃﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﻓﻨﻘﻮﻝ ‪ :‬ﺇﻥ‬
‫ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺘﻮﻗﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﻞ ﺧﺒﺚ ﻭﻛﻴﺪ ﻭﺗﺨﻄﻴﻂ ﻣﻀﺎﺩ ‪ .‬ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﻴﻄﺮﺓ ﺇﻻ‬
‫ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﺑﺄﻥ ﻧﺤﻘﻖ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻨﻔﺬ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺨﻄﻂ ﺍﻟﻌﺪﻭ‪.‬‬
‫ﻓﻨﻔﻮﺳﻨﺎ ﻟﻨﺎ ﻗﺪﺭﺓﺃﻥ ﻧﻐﻴﺮ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺧﻼﻑ ﻋﺪﻭﻧﺎ‪ ،‬ﻭﻧﺤﻦ ﺗﺮﻛﻨﺎ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻼﺇﻧﺘﺎﺝ؟!‪.‬‬

‫‪ ۱٥‬ـ ﻭﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﻋﺪﻡ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﺍﻧﻔﺲ‪ ،‬ﻭﺇﺧﺮﺍﺝ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻡ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺒﺮﺭ ﺑﺸﻜﻞ ﻻ‬
‫ﻭﻋﻲ‪ ،‬ﻳﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺗﻌﻠﻴﻞ ﺧﻄﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻭﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‪ ،‬ﺩﺭﺝ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﺧﻄﻮﻁﻪ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺑﻪ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ‪ .‬ﺇﻥ ﻋﺪﻡ ﺗﺤﻘﻖ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺮﺑﻮﻁﺔ ﺑﺄﺳﺒﺎﺑﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ‬
‫ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻛﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ‪ ،‬ﻻﻥ ﻛﻞ ﻗﻀﻴﺔ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺇﻁﺎﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﻠﻲ ﺃﻭ ﻓﺮﻋﻲ ﺇﻥ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‬
‫ﻫﻲ ﻣﻌﻠﻘﺔ ﺑﺈﺭﺍﺩﺓ ﷲ ﺍﻟﻄﻠﻴﻘﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﺍﻟﻼﺳﺒﺒﻴﺔ ﺍﻟﻼﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻮﺩ‬
‫ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻛﻞ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ـ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺽ ﻟﻮ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻤﺖ ـ ﻭﻝﻡ ﺗﺼﻞ ﻟﺘﻔﺴﻴﺮ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻳﺒﻘﻰ ﺧﺎﺭﺝ ﻋﻮﺍﻣﻞ‬
‫ﺃﺳﺒﺎﺑﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍﻧﺘﺸﺮﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ‪) :‬ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻌﻤﻞ ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ( ﻣﻊ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‬
‫ﻓﻄﺮ ﻭﻁﺒﻊ ﺃﻥ ﻳﺮﻯ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻋﻤﻠﻪ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻄﺒﻴﺐ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻄﻤﺌﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﺪﻭﺍء‪ ،‬ﻭﺍﻟﺠﺮﺍﺡ ﻣﻦ ﻧﺠﺎﺡ‬
‫ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻬﻨﺪﺱ ﻣﻦ ﺻﺢﺓ ﺍﻟﺨﺮﻳﻄﺔ ﻭﺍﺳﺘﻮﺍء ﺍﻟﺒﻨﺎء‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻌﻤﺎﺭﻱ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻮﺍء ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﺎﺟﺮ ﻣﻦ‬
‫ﺭﺑﺤﻪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﻪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺼﺎﺋﻎ ﻣﻦ ﺻﺤﺔ ﻗﻴﺮﺍﻁﻪ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﻤﺸﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻳﻘﻮﺩ ﺩﻓﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ‬

‫‪18‬‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻔﺘﺮﺽ ﺣﺪﻭﺙ ﺃﻏﻼﻁ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺃﺧﺮﺕ ﻗﻄﻒ ﺛﻤﺮﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﺍﻣﺘﺪﺍﺩﻩ‪ ،‬ﺑﻞ‬
‫ﺑﻌﺰﻭﻩ ﺇﻟﻰ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﷲ ﺍﻟﻄﻠﻴﻘﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻛﺄﻥ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﷲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺗﻔﻮﻕ ﺍﻟﻤﻼﺣﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ؟!‪.‬‬
‫ﺇﺫﻥ ﻓﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺑﺎﻧﻄﻼﻗﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ ﺗﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﺳﻠﻜﺖ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻟﻠﺘﻐﻴﻴﺮ‪.‬‬

‫‪ ۱٦‬ـ ﻗﺪ ﻳﻌﺘﺮﺽ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻟﻴﺮﻯ ﺃﻥ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻛﺸﻔﺎ ً ﻟﻠﻌﻮﺭﺍﺕ‪ ،‬ﻭﺇﻅﻬﺎﺭ ﺍﻟﺜﻐﺮﺍﺕ ﻟﻠﺨﺼﻢ‬
‫ﺍﻟﻤﺘﺮﺑﺺ‪ ،‬ﻭﻩ ﻱ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﺗﻔﺘﺮﺽ ﻓﻲ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺍﻟﺬﻛﺎء ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﺍﻟﻐﺒﺎء‪ ،‬ﻭﺍﻟﺬﻛﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﺘﺮﺽ ﻓﻲ‬
‫ﺧﺼﻤﻪ ﺍﻟﺬﻛﺎء ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﻐﺒﺎء‪.‬‬
‫ﺃﻣﺎ ﺃﻥ ﺧﺼﻤﻨﺎ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻨﺎ‪ ،‬ﻭﺃﻧﻨﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺪﺭﻭﺳﻴﻦ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻤﺠﻬﺮ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺧﺪﺍﻉ ﻟﻠﻨﻔﺲ‪ ،‬ﻭﻋﺪﻡ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ‬
‫ﺍﻟﻌﺼﺮ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺧﺼﻮﻣﻨﺎ ـ ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻮﺿﻊ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺴﺎﺏ ﺩﻭﻣﺎ ً ـ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﻭﻋﺮﻓﻮﺍ ﻋﻦ ﺍ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﻔﻮﻕ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ً‬
‫ﻣﻌﺮﻓﺘﻨﺎ ﺑﺬﺍﺗﻨﺎ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺃﻓﻀﻞ!‬
‫ﻭﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻳﻬﻤﻪ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎ ﻳﺪﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﻏﻔﻞ ﺳﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻏﻴﺮ ﺣﺮﻳﺺ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻘﻮﻁ ﻓﻴﻤﺎ‬
‫ﺃﻅﻦ!‪..‬‬
‫ﻭﻫﺬﻩ ﻭﺍﺣﺪﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺃﻧﻨﺎ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻟﻢ ﻧﻤﻨﻊ ﺧﺼﻤﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﺣﺮﻣﻨﺎ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﻌﺮﺍﺽ‬
‫ﺟﺪﻭﻝ ﺃﻋﻤﺎﻟﻨﺎ‪ ،‬ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻣﻀﺎﻋﻔﺎً‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺗﻜﺎﻣﻞ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺨﺼﻢ‪ ،‬ﻭﺿﻌﻒ ﻣﻌﺮﻓﺘﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﺑﺄﻧﻔﺴﻨﺎ‪.‬‬
‫ﻭﻛﻞ ﻋﻤﻞ ـ ﺧﺎﺻﺔ ﺇﺫﺍ ﺍﺗﺴﻢ ﺑﻄﺎﺑﻊ ﺍﻟﺴﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺗﺤﺖ ﺍﻷﺭﺽ ـ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻳﻈﻦ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﻟﺒﺮﺍﻋﺔ‬
‫ﻭﺍﻟﺬﻛﺎء‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﺧﺼﻮﻣﻪ ﻟﻦ ﻳﺪﺳﻮﺍ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮﻫﻢ ﻣﺎ ﻳﺴﺮﺏ ﺃﺧﺒﺎﺭﻩ ﺩﻭﻣﺎ ً ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺔ‪...‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻷﻭﺳﺎﻁ ﺍﻟﺴﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ﻫﻲ ﺍﻷﻭﺳﺎﻁ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻻﺳﺘﻨﺒﺎﺕ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﺍﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﻣﺠﻬﻮﻟﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ‬
‫ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﻈﻠﻢ ﺗﺤﺖ ﺍﻷﺭﺽ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺿﻮء ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﺑﻐﺾ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺻﺤﺘﻪ ﻳﻘﺘﻞ ﺍﻟﻌﻔﻮﻧﺔ ﺍﻟﻤﺘﻜﻮﻧﺔ ﺑﺎﻟﺮﻁﻮﺑﺔ ﺗﺤﺖ ﺍﻷﺭﺽ‪،‬‬
‫ﻭﻳﻜﺸﻒ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﺒﺘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﻼﻡ ﺗﺤﺖ ﺿﻮء ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺃﻧﻨﺎ ﻧﻠﺢ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﻠﻞ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻋﻤﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﺘﺐ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﻓﻼ ﺑﺪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﺪﻋﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔ ﺑﺼﺪﻕ ﻭﺗﻮﺑﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻫﻨﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﻜﻴﻔﻴﺔ‪.‬‬

‫‪ ۱۷‬ـ )ﻭﺗﻮﺑﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﷲ ﺟﻤﻴﻌﺎ ً ﺃﻳﻪ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ ﻟﻌﻠﻜﻢ ﺗﻔﻠﺤﻮﻥ( )‪.(۳۱:۲٤‬‬

‫ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻫﻮ ﻣﺒﺪﺃ ﻋﻈﻴﻢ ﻣﻦ ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‪ ،‬ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ‪ ،‬ﻟﻘﺪ ﺑﺤﺚ ﺍﻹﻣﺎﻡ‬
‫ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﻓﻲ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻤﻄﻤﺌﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺪﺧﻞ ﺟﻨﺔ ﺭﺑﻬﺎ ﺭﺍﺿﻴﺔ‬
‫ﻣﺮﺿﻴﺔ‪.‬‬
‫)ﻳﺄﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻤﻄﻤﺌﻨﺔ ﺇﺭﺟﻌﻲ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻚ ﺭﺍﺿﻴﺔ ﻣﺮﺿﻴﺔ ﻓﺎﺩﺧﻠﻲ ﻓﻲ ﻋﺒﺪﻱ ﻭﺍﺩﺧﻠﻲ ﺟﻨﺘﻲ ( )‪۲۷‬ـ ‪:۳۰‬‬
‫‪.(۸۹‬‬
‫ﺇﺫﺍ ﺑﺪﺃﺕ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺑﺎﻟﺘﺼﻮﺭ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺘﺼﺤﻴﺢ ﺃﺛﻨﺎء ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ‪ ،‬ﺑﺎﻟﻨﻀﺞ ﺃﺛﻨﺎء ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ‪،‬ﻭﺑﺎﻻﺭﺗﻔﺎﻉ ﺃﺛﻨﺎء ﺍﻟﻠﻮﻡ‬
‫‪.‬‬ ‫ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ‪ ،‬ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﺍﻁﻤﺄﻧﺖ ﻓﻌﺎﺩﺕ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻬﺎ ﺭﺍﺿﻴﺔ ﻣﺮﺿﻴﺔ‬
‫ﻭﻧﺤﻦ ﻣﺪﻋﻮﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﻗﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ‪......‬‬
‫ﻟﻤﺎﺫﺍ ؟ ‪ ...‬ﻛﻴﻒ ؟‪..‬‬
‫ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻢ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻮﺍﻋﻴﺔ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻪ ﺩﻭﻣﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻨﻬﺠﻲ ﻣﻦ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻟﻴﻦ ﻟﻤﺎﺫﺍ ؟‬
‫ﻭﻛﻴﻒ؟ ‪...‬‬
‫ﻫﺬﺍﻥ ﺍﻟﺴﺆﺍﻻﻥ ﻳﺒﺮﺯﺍﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﻮﺭﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﻱ ﻛﺎﻟﻨﺤﻞ‬
‫ﻭﺍﻟﻨﻤﻞ‪ ،‬ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺣﻴﺚ ﻳﺴﻮﺩ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﺍﻵﻟﻲ‪.‬‬

‫‪19‬‬
 ‫ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺤﺮﻙ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻹﻥﺟﺎﺯ ﺃﻣﺮ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺃﻱ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﻳﺒﺮﺯ ﻓﻮﺭﺍً ﺳﺆﺍﻝ ﻟﻤﺎﺫﺍ؟ ﺑﻞ ﻳﺴﺒﻖ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﻌﻤﻞ‬
‫ﺑﺸﻜﻞ ﺟﺪﻟﻲ‪ ،‬ﻟﻤﺎﺫﺍ؟ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺒﺮﺭ؟ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺪﺍﻓﻊ؟ ‪ ..‬ﻓﺈﺫﺍ ﺗﺒﻠﻮﺭﺕ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻷﻭﻝ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﻟﻤﺎﺫﺍ‬
‫ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺃﺻﻼً‪ ،‬ﺑﺮﺯ ﺃﻣﺮ ﻣﺮﺍﺩﻑ ﻭﻫﻮ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻬﺪﻑ؟‪.‬‬
‫ﻓﺄﻣﺎﻡ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﻮﺍﻋﻴﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺒﺮﺭ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻭﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺪﻑ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ‪ .‬ﻓﺎﻟﺴﻔﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺎﻥ ﻣﺎ‬
‫ﻓﻴﻪ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﺛﻢ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺴﻔﺮ‪ ،‬ﻭﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﻁﺒﻴﺐ ﻣﺎ ﺩﺍﻓﻌﻪ ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ ﺑﺎﻟﻤﺮﺽ‪ ،‬ﻭﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﺤﻘﻴﻘﻪ ﻳﺘﻢ‬
‫ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻌﻴﺎﺩﺓ‪ ،‬ﻭﻁﺮﻳﻖ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﻭﺍﻹﺗﺼﺎﻝ ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﺐ ﻭﺃﺧﺬ ﺍﻟﻤﻮﻋﺪ‪ ...‬ﺇﻟﺦ‪...‬‬
‫ﻳﻼﺣﻆ ﺃﺣﺎﺩﻳﺔ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻲ "ﻟﻤﺎﺫﺍ" ﻭﺗﻌﺪﺩ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻴﻔﻴﺔ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻓﻲ "ﻟﻤﺎﺫﺍ" ﻳﻼﺣﻆ ﻳﺒﻖ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻤﻬﻴﺞ ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ‪ ،‬ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺒﻠﻎ ﺗﻮﺗﺮﺍ ﻓﻲ ﻛﻴﻒ ﻓﻴﻪ ﺳﺒﻖ‬
‫ﻭﻣﺰﺍﻣﻨﺔ ﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪.‬‬
‫ﻓﺈﺫﺍ ﺗﺒﻠﻮﺭ ﻣﺎ ﻣﺮ‪ ،‬ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪...‬‬

‫‪20‬‬
 ‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ‬
‫ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ؟‬
‫ﺃﻭﻻً ‪ :‬ﻷﻥ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺃﺣﺪ ﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ‪.‬‬
‫ﺛﺎﻧﻴﺎ ً ‪ :‬ﻷﻧﻪ ﻳﻌﻴﺪ ﺭﺑﻂ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺑﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‪.‬‬
‫ﺛﺎﻟﺜﺎ ً ‪ :‬ﻷﻧﻪ ﻳﺨﺼﺐ ﺟﻮ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺗﺤﺖ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ‪،‬‬
‫ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ‬
‫ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻨﻤﻮ ﻭﺍﻟﺘﻜﺎﺛﺮ‪.‬‬
‫ﺭﺍﺑﻌﺎ ً ‪ :‬ﻷﻥ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺘﻔﺎﺗﺎ ً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﻌﺐ‬
‫ﺍﻝﺩﻭﺭ ﺍﻟﺤﺎﺳﻢ ﻓﻲ ﻭﻻﺩﺓ‬
‫ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ‬
‫ﺧﺎﻣﺴﺎ ً ‪ :‬ﻷﻧﻪ ﺃﺩﺍﺓ ﺗﺼﺤﻴﺢ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻮﻋﻲ‪ ،‬ﺃﻱ ﺑﻮﺍﺳﻄﺘﻪ‬
‫ﻳﻤﻜﻦ ﺇﻧﺸﺎء ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺔ‪.‬‬

‫‪21‬‬
 ‫ﺍﻟﺠﺰء ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ‬
‫ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ؟‬
‫ﻷﻧﻪ ﺃﺣﺪ ﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻨﺎﺟﺤﺔ‬
‫)ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻨﻈﺮﻱ ‪ +‬ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ‪ +‬ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔ(‬
‫ـ ﺑﺤﺚ ﻓﻲ ﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪.‬‬
‫ـ ﺑﺤﺚ ﻓﻲ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻮﺗﺮ ﺍﻟﺤﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺠﺪﻟﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ‪،‬‬
‫ﺛﻢ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺫﻟﻚ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﻘﺪ‪.‬‬
‫ـ ﺑﺤﺚ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪.‬‬
‫ﺗﺼﻮﺭ ـ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ـ ﻧﺘﻴﺠﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻠﻤﺎﺫﺍ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ؟‬
‫ﺇﻥ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺗﻨﺒﻊ ﻣﻤﺎ ﻳﻠﻲ ‪ :‬ﻓﻬﻲ ﺃﻭﻻً ﺟﺰء ﻻ ﻳﺘﺠﺰﺃ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ‬
‫ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺛﺎﻧﻴﺎ ً ﺟﻮ ﺍﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ﻭﺍﻟﻨﻤﻮ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺛﺎﻟﺜﺎ ً‬
‫ﺍﻟﺘﻔﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻨﻪ ﺗﺤﺴﻢ ﺍﻷﻣﻮﺭ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﻫﻲ ﻋﺘﺒﺔ ﺗﻐﻴﺮ ﻣﺎ‬
‫ﺑﺎﻟﻨﻔﻮﺱ‪ ،‬ﺛﻢ ﻫﻲ ﺗﺼﺤﻴﺢ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻹﺧﻼﺹ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻨﻘﺺ‬
‫ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﻫﻲ ﺃﺩﺍﺓ ﺇﻧﻀﺎﺝ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪..‬‬
‫ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺃﺩﺍﺓ ﺭﺑﻂ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺑﺎﻟﺴﺒﺐ ﻟﻜﻲ‬
‫‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﻏﻴﺮ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ‬ ‫ﻧﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻣﻌﺰﻭﻓﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﻝ‬
‫ﺑﺎﻟﻨﺘﺎﺋﺞ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﺗﺄﺧﺮ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻫﻲ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪.‬‬

‫‪22‬‬
 ‫ﺍﻟﺠﺰء ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ‬
‫ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻝﻧﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ؟‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺃﺣﺪ ﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪ ،‬ﻭﻟﺬﺍ ﻓﻬﻮ ﻟﻴﺲ ﻧﻘﻼً‪.‬‬
‫ﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺃﻭ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﻫﻲ‪:‬‬
‫ﻧﻈﺮﻱ ‪ +‬ﻋﻤﻠﻲ ‪ +‬ﺟﻬﺎﺯ ﻣﺮﺍﻗﺒﺔ ﻭﻧﻘﺪ ﺫﺍﺗﻲ‪ ،‬ﺃﻭ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ‪:‬‬
‫ﺗﺼﻮﺭ ﻧﻈﺮﻱ ‪ +‬ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ‪ +‬ﻧﻘﺪ ﺫﺍﺗﻲ ‪...‬‬
‫ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﺠﺎﺯ ﺃﻱ ﻋﻤﻞ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺛﻼﺙ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻭﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ‪:‬‬
‫ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺇﻧﺠﺎﺯﻫﺎ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻛﻞ ﻭﺣﺪﺓ ﺑﺤﺪ ﺫﺍﺗﻬﺎ‪...‬‬
‫ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺍﻟﺘﺮﺗﻴﺐ ﺍﻷﻭﻟﻲ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﺕ‪ ،‬ﺃﻱ ﺍﻟﺒﻨﺎء ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ‪..‬‬
‫ﺛﻢ ﺗﺮﺍﺑﻂ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﻟﺘﺸﻜﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻭﺣﺪﺓ ﻋﻤﻞ ﻛﺎﻣﻠﺔ‪..‬‬
‫ﻓﻤﻦ ﺃﺟﻞ ﺷﺮﺍء ﺷﻲء ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪﻩ ﺭﺑﺔ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ﻻ ﺑﺪ ﻓﻲ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻦ ﺗﺼﻮﺭ ﻟﻤﺎ ﺗﺮﻳﺪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻌﻘﺐ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ‬
‫‪ ...‬ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‬ ‫ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺸﺮﺍء‪ ،‬ﺛﻢ ﻣﺮﺍﻗﺒﺔ ﻟﻤﺎ ﺷﺮﻱ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻣﻪ ﻭﻣﺮﺍﻗﺒﺘﻪ‬
‫ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﺗﻠﻌﺐ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻣﺮﺍﻗﺒﺔ ﺍﻟﺴﻠﻊ ﺑﻌﺪ ﺷﺮﺍﺋﻬﺎ ﺩﻭﺭﺍً ﻫﺎﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻏﺮﺍﺽ ﺗﺆﺩﻱ‬
‫ﻭﻅﻴﻔﺘﻬﺎ‪ ...‬ﻓﺠﻬﺎﺯ ﺗﺼﻮﻳﺮ ﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﻣﺜﻼً ﺗﺠﺮﻱ ﻟﻪ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺄﻣﻴﻦ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﺪﻭﺍﻡ ﻣﺮﺍﻗﺐ ﺗﻪ ﺑﻌﺪ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ‬
‫ﻭﺗﺼﻠﻴﺤﻪ ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﻌﻄﻞ‪..‬‬
‫ﻭﺍﻟﺠﺮﺍﺡ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺘﺪﺍﺧﻞ ﻻﺳﺘﺌﺼﺎﻝ ﻭﺭﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﻲ ﺍﻟﻐﻠﻴﻆ ﻣﺜﻼً ﻻ ﺑﺪ ﻟﻪ ﺃﻭﻻً ﻣﻦ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻧﻈﺮﻱ‬
‫ﻭﺗﺼﻮﺭ ﻟﻠﻤﺮﺽ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ‪ ،‬ﺛﻢ ﺧﺒﺮﺓ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻻﺳﺘﺌﺼﺎﻟﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﺍﻟﺜﻠﺚ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻭﻫﻲ‬
‫ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔ ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺠﺮﺍﺣﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺃﻥ ﻧﻀﻊ ﺭﺳﻤﺎ ً ﺗﻮﺿﻴﺤﻴﺎ ً ﻟﻠﻌﻤﻠﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ‪:‬‬
‫ﺁ ـ ﻗﻄﺎﻉ ﺗﺼﻮﺭ ﻧﻈﺮﻱ‪.‬‬
‫ﺏ ـ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺝ ـ ﻣﺮﺍﻗﺒﺔ ﻭﻣﺮﺍﺟﻌﺔ‪.‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﻫﻲ ﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻨﺎﺟﺢ ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ‪:‬‬
‫‪ ۱‬ـ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ﻛﻤﺎ ﺷﺮﺣﻨﺎ‪.‬‬
‫‪ ۲‬ـ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺼﻠﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺃﺛﻨﺎء ﺇﻧﺠﺎﺯ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ‬
‫ﺍﻟﺠﺮﺍﺣﻴﺔ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﺈﻧﺠﺎﺯﻫﺎ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺇﺟﺮﺍء ﻋﻘﺪﺓ ﺍﻟﺨﻴﻂ‪.‬‬
‫ﻣﺜﻼً‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺠﺮﺍﺣﻴﺔ ﻫﻲ ﻣﺤﺼﻠﺔ ﺗﺮﺍﻛﻤﻴﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﻟﻮﺣﺪﺍﺕ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻣﺘﺠﻤﻌﺔ ﻣﻦ ﻭﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﻌﻤﻞ‬
‫ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ‪.‬‬
‫‪ ۳‬ـ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻄﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻫﻲ ﻓﻲﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﺟﺪﻟﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ‪ ،‬ﻓﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﻨﻈﺮﻱ ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﻲ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺑﺎﻟﻤﺮﻛﺐ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺸﺄ ﻣﻦ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ‬
‫ﺑﺎﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﺸﻜﻞ ﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﻨﺎﺥ ﻟﺠﻮ ﺩﻳﻨﺎﻣﻴﻜﻲ ﻳﻔﺮﺽ ﺗﺼﺤﻴﺤﺎ ﺷﺒﻪ ﺁﻟﻲ ﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪.‬‬
‫ﺛﻼﺙ ﺃﺟﺰﺍء‪ ،‬ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺑﺎﺗﺤﺎﺩﻫﺎ ﺍﻻﻧﻘﻼﺏ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻤﻌﻨﻲ ﺳﻴﺮ‬ ‫ﻛﺄﻥ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﺠﻠﺔ ﺗﻜﻮﻧﺖ ﻣﻦ ﺓ‬
‫ﺍﻟﻌﺠﻠﺔ‪ ،‬ﻭﺑﻨﻘﺺ ﺃﺣﺪ ﺃﻁﺮﺍﻓﻬﺎ ﺗﻮﻗﻒ ﺍﻟﻌﺠﻠﺔ ﻋﻦ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺳﻴﺮﻫﺎ ‪ .‬ﻭﺣﺘﻰ ﻳﻌﺮﻑ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﺸﻲء‪ ،‬ﻓﺄﻓﻀﻞ‬
‫ﺷﻲء ﻳﺠﺮﻱ ﻟﻠﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﻭﻅﻴﻔﺘﻪ ﻭﺃﻫﻤﻴﺘﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺬﻑ ﺍﻟﻤﺘﺪﺭﺝ ﻟﻠﻮﻅﺎﺋﻒ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺭﺃﻳﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ‬

‫‪23‬‬
‫ﺟﻬﺎﺯ ﺇﻧﺎﺭﺓ ﻣﺘﺼﻞ ﺑﻌﺪﺓ ﺃﺯﺭﺍﺭ‪ ،‬ﻓﺄﻑﺿﻞ ﺷﻲء ﻟﻠﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺤﻜﻢ ﺑﺎﻹﺿﺎءﺓ ﻫﻲ ﺣﺬﻑ ﻭﻅﺎﺋﻒ‬
‫ﺍﻷﺯﺭﺍﺭ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺑﻌﺪ ﺍﻷﺧﺮﻯ‪.‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺃﻱ ﺍﻹﺳﻘﺎﻁ ﺍﻟﻤﺘﺪﺭﺝ ﻟﻠﻮﻅﺎﺋﻒ ﻳﻨﺒﺊ ﺑﻤﻜﺎﻧﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻠﻨﺘﺼﻮﺭ ﺍﻵﻥ ﺣﺬﻑ ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ﻭﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‬
‫ﻣﻦ ﺃﻱ ﻋﻤﻞ‪.‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺃﻱ ﺍﻹﺳﻘﺎﻁ ﺍﻟﻤﺘﺪﺭﺝ ﻟﻠﻮﻅﺎﺋﻒ ﻳﻨﺒﺊ ﺑﻤﻜﺎﻧﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻠﻨﺘﺼﻮﺭ ﺍﻵﻥ ﺣﺬﻑ ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ﻭﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‬
‫ﻣﻦ ﺃﻱ ﻋﻤﻞ‪.‬‬
‫ﺗﺼﻮﺭ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺪﻭﻥ ﻧﻘﺪ ﺫﺍﺗﻲ ﺃﻭ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ‪...‬‬
‫ﺇﻧﻨﺎ ﻻ ﺷﻜﻞ ﺳﻨﻤﺸﻲ ﺿﺪ ﻁﺒﺎﺋﻊ ﺍﻷﺷﻴﺎء ﺧﺎﺻﺔ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻣﻀﻄﺮﺑﺔ‪ ،‬ﻟﻨﻔﺘﺮﺽ ﺃﻥ ﺭﺑﺔ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ‬
‫ﺃﺻﻴﺐ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺟﻬﺎﺯ ﺍﻟﻐﺴﻴﻞ ﺑﻌﻄﺐ ﻓﺘﻮﻗﻔﺖ ﺍﻵﻟﺔ ﻋﻦ ﺁﺩﺍء ﻭﻅﻴﻔﺘﻬﺎ ﻓﻨﺤﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﺸﻜﻠﺔ‪.‬‬
‫ﻛﻴﻒ ﻳﺘﻢ ﺗﻘﻮﻳﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﻠﻞ؟ ﺇﻧﻪ ﻻ ﻳﺸﺬ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻟﻠﻄﺮﻓﻴﻦ ﻟﺮﺑﺔ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ﻭﺍﻟﺨﺒﻴﺮ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺨﺒﻴﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﺍﺟﻪ ﺍﻟﺨﻠﻞ ﻳﺴﺘﻤﻊ ﻟﻠﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﺛﻢ ﻳﻘﺎﺭﻥ ﺑﻤﺎ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻦ ﺗﺼﻮﺭ ﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺨﻠﻞ ‪ .‬ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻡ‬
‫ﺑﺘﻔﺤﺺ ﺍﻵﻟﺔ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺃﺣﺸﺎﺋﻬﺎ ﻻﻛﺘﺸﺎﻑ ﺍﻟﺨﻠﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺼﻮﺭﻩ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻌﺪ ﺇﻧﺠﺎﺯ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ‬
‫ﻣﺮﺍﻗﺒﺔ‪ ،‬ﻭﻧﻘﺪ ﺃﻭﻝﻳﺔ ﻟﻌﻤﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﺠﺰﻩ‪ ،‬ﻭﺗﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺭﺑﺔ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻔﺼﻞ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﺪﻝ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭ‬
‫ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ﻟﻠﻮﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺧﺘﻠﺖ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺆﺩﻱ ﻭﻅﻴﻔﺘﻬﺎ ﺍﻵﻥ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﺘﻜﺎﻣﻞ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻨﺎﺟﺢ‪...‬‬
‫ﻟﻨﺘﺼﻮﺭ ﺃﻥ ﺍﻟﺨﺒﻴﺮ ﻗﺎﻡ ﺑﻤﺎ ﺍﻓﺘﺮﺽ ﺃﻧﻪ ﻋﻄﻞ ﻓﺎﻧﺘﺰﻉ ﻗﻄﻌﺔ ﺗﺒﺎﺩﺭ ﺇﻟﻰ ﺫﻫﻨﻪ ﺃﻧﻬﺎ ﺳﺒﺐ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ‪ ،‬ﻓﻘﺎﻡ‬
‫ﺑﺎﺳﺘﺒﺪﺍﻟﻪﺍ ﺑﺠﺪﻳﺪﺓ ﺛﻢ ﻁﻠﺐ ﻣﻦ ﺭﺑﺔ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ﺍﻟﺤﺴﺎﺏ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻱ ﻣﺮﺍﻗﺒﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻠﺠﻬﺎﺯ‪ ،‬ﻟﻨﺘﺼﻮﺭ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻥ‬
‫ﺭﺑﺔ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ﺩﻓﻌﺖ ﺍﻟﺤﺴﺎﺏ ﺑﻜﻞ ﻁﻴﺐ ﺧﺎﻁﺮ ‪ .‬ﻟﻨﻤﺾ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺃﻥ ﺭﺑﺔ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ﺑﺪﺃﺕ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ‬
‫ﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﺸﻌﺮﺕ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺆﺩﻱ ﻭﻅﻴﻔﺘﻪ‪ ،‬ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻮﻗﻒ ﺭﺑﺔ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ؟ ﻫﻞ ﺳﺘﻘﻮﻝ‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﺨﺒﻴﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﻤﻞ ﻭﻳﺄﺧﺬ ﺃﺗﻌﺎﺑﻪ ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ‪ ،‬ﻭﻻ ﻣﺎﻧﻊ ﺃﻥ ﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﻣﻌﻄﻼً‬
‫ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ؟‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﺘﺼﺮﻓﻮﻥ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﻫﺬﺍ؟‬
‫ﻷﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺮﺑﻄﻮﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﻧﺘﻴﺠﺘﻪ ﺃﻭ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺍﻟﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ﻭﺍﻟﻨﻘﺪ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺗﻨﺒﻊ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﺬﺭﻱ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺃﺩﺍﺓ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﺗﺮﺑﻂ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻭﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻨﺤﺎﻭﻝ ﺍﻵﻥ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﺍﻟﺒﻨﺎء ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ‬
‫ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‬ ‫=‬ ‫ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ‬ ‫‪+‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ‬
‫ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻼﻗﺔ ﺗﺴﺨﻴﺮﻳﺔ ﺑﻴﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻷﺭﺑﻌﺔ‪.‬‬

‫ﻣﺨﻄﻂ ﺍﻟﻨﻤﻮ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺠﺪﻟﻴﺔ )ﺍﻟﺘﺴﺨﻲﺭﻳﺔ( ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ‬

‫ﻭﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ‪:‬‬
‫ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻮ ﻫﻮ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻮﺗﺮ ﺍﻟﺤﻲ‪...‬‬
‫ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﻳﺘﺸﻜﻞ ﺩﺍﻓﻊ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺃﻭ ﻣﺎ ﺳﻤﻴﻨﺎﻩ ﻗﻄﺎﻉ ﻟﻤﺎﺫﺍ‪..‬‬
‫ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﺤﺢ ﻭﻳﻨﻀﺞ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻮﺗﺮ ﺍﻟﺤﻲ ﺑﻴﻦ ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ‬
‫ﻛﻌﻼﻗﺔ ﺗﺴﺨﻴﺮﻳﺔ )ﺟﺪﻟﻴﺔ( ﻣﺴﺘﻤﺮﺓ ﻧﺎﻣﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻮ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬ﻭﻟﺠﻬﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪ ،‬ﺑﺤﺮﻛﺔ ﻧﻮﺍﺳﻴﺔ )ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻨﻮﺍﺱ( ‪ Pendel‬ﺑﻴﻦ‬
‫ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ‪ ،‬ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﻭﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ‪ ،‬ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺪﺍﺭﺳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻄﺒﻴﻖ‪.‬‬
‫ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﻣﺜﻞ ﻭﺍﺿﺢ ﻓﻬﻮ ﻳﺘﻜﻮﻥ ﻛﻄﺒﻴﺐ ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻊ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺼﺤﻴﺢ ﺍﻟﺨﻠﻞ‬
‫ﺍﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﻳﺘﻢ ﺑﻌﺪ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻣﻨﻬﺞ‪ ،‬ﻭﻳﻨﻀﺞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺃﺛﻨﺎء ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ‪.‬‬
‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﺑﻴﻦ ﻣﺮﺿﺎﻩ ﻭﻛﺘﺒﻪ ﻭﺍﺣﺪﺙ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﻄﺒﻲ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ‬
‫ﺍﻟﻤﺸﻜﻼﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻮﺗﺮ ﺍﻟﺤﻲ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﻴﺶ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﻳﻨﻤﻮ ﻧﻤﻮﺍً ﺳﻮﻳﺎً‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻪ ﺇﺫﺍ ﻋﺎﺵ ﻣﻊ ﻛﺘﺒﻪ ﺗﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺇ ﻧﺴﺎﻥ ﻧﻈﺮﻱ‬
‫ﻭﻟﻮ ﻭﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻪ ﻳﺎﻓﻄﺔ ﻁﺒﻴﺐ ﻛﺒﻴﺮﺓ‪ ،‬ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺇﺫﺍ ﻫﺠﺮ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﻛﺘﺒﻪ‪ ،‬ﻭﻋﺎﺵ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ‬
‫ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻓﻘﻂ ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻁﺒﺎء ﺣﻴﺚ ﻳﺘﺤﻮﻟﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺣﺮﻓﻴﻴﻦ ﻭﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺴﻴﺊ ! ﺇﻧﻪ ﻓﻲ‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻻ ﻳﻔﺘﺮﻕ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻤﺮﺽ‪ ،‬ﻭﻟﻮ ﺑﻘﻴﺖ ﻻ ﻓﺘﺘﻪ ﻣﻀﺎءﺓ ﻭﻣﺰﺧﺮﻓﺔ ﺏﺇﻁﺎﺭ ﻛﺒﻴﺮ ‪ ..‬ﻫﺬﻩ ﻫﻲ‬
‫ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻻ ﺗﺤﺎﺑﻲ ﺃﺣﺪﺍً‪.‬‬
‫)ﻟﻴﺲ ﺑﺄﻣﺎﻧﻴﻜﻢ ﻭﻻ ﺃﻣﺎﻧﻲ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﻣﻦ ﻳﻌﻤﻞ ﺳﻮءﺍً ﻳﺠﺰ ﺑﻪ ﻭﻻ ﻳﺠﺪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﷲ ﻭﻟﻴﺎ ً ﻭﻻ ﻧﺼﻴﺮﺍ (‬
‫)‪.(۱۲۳:٤‬‬
‫ﺃﻣﺎ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻮﺗﺮ ﺍﻟﺤﻲ ﻫﺬﺍ ﻓﻴﻤﻜﻦ ﺿﻤﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺑﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪:‬‬
‫ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‬
‫ﺗﺼﻮﺭ ‪ +‬ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ = ﻧﺘﻴﺠﺔ‬
‫ﺇﻥ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺼﻮﺭ ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺗﻨﺒﻊ ﻣﻤﺎ ﻳﻠﻲ‪..‬‬
‫ـ ﻫﻨﺎﻙ ﻓﺮﻕ ﻛﺒﻴﺮ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﻭﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ‪ ،‬ﻓﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﻔﺘﺎﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻭﻓﺘﻰ ﺍﻷﺣﻼﻡ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ‬
‫ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﻭﺟﻮﺍﻧﺐ ﻓﺮﻕ ﻛﺒﻴﺮ‪.‬‬
‫ـ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﻳﺄﺧﺬ ﻕ ﺍﻟﺒﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ ﺃﻭ ﺍﻻﺷﺘﺮﺍﻛﻲ‪ ،‬ﺃﻭ‬
‫ﺗﺼﻮﺭ ﺳﻮﺭ ﺑﺮﻟﻴﻦ‪ ،‬ﺃﻭ ﻗﻨﺎﺓ ﺑﻨﺎﻣﺎ ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻌﺪﻩ ﻭﻳﺮﺗﺒﻂ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﻭﺍﻗﻌﻴﺔ ﻟﻠﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﻣﻬﻤﺔ ﻟﻠﺘﻄﺒﻴﻘﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻌﺪﺩﺓ ﻟﻺﺳﻼﻡ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ‪ ،‬ﻛﺼﻼﺓ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺮ ﺑﻴﻦ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﺳﺎﺑﻘﺎ ً‬
‫ﺑﺠﻤﻞ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻴﻮﻡ ﺑﻄﺎﺋﺮﺓ ﻛﻮﻧﻜﻮﺭﺩ ﺗﺼﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻴﻦ ﻗﺎﺭﺓ ﻭﻗﺎﺭﺓ ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺎﺕ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺳﻔﺮ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ‬
‫ﺑﻤﺤﺮﻡ ﺃﻭ ﺑﻐﻴﺮ ﻣﺤﺮﻡ ﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻷﻣﻦ ﻭﻋﺪﻣﻪ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫ـ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﻳﺘﺄﻟﻖ‪ ،‬ﻭﻳﻨﺼﺐ ﻓﻲ ﻗﺎﻟﺐ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﺘﺼﺤﺢ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﺘﻮﻗﻒ ﻓﻴﻪ ﻻﻛﺘﺸﺎﻑ ﻋﻤﻖ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻓﻴﻪ‬
‫ﺍﻟﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺭﺑﺔ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ‪ ،‬ﻓﻌﺪﻡ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﻟﻮﻅﻴﻔﺘﻪ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺗﺼﻮﺭ ﺍﻟﺦ ﻁﺄ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺒﻴﺮ ﻛﺎﻥ‬
‫ﺧﺎﻁﺌﺎ ً ﺗﻤﺎﻣﺎً‪ ،‬ﻭﻻ ﺑﺪ ﻟﻪ ﻧﻢ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻪ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻴﻤﺎ ﺣﺪﺙ‪.‬‬
‫ﻳﻠﻔﺖ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﺃﻧﻪ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺗﻜﻮﻥ ﺷﻤﻮﻟﻴﺔ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺍﺳﺘﻌﺮﺍﺽ ﻗﻄﻊ ﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ‬
‫ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺠﺪﻟﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﺷﻴﺎء‪.‬‬
‫ﺃﻱ ﻫﻨﺎﻙ ﻗﻄﺎﻉ ﻹﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻹﺻﺎﺑﺔ‪ ،‬ﺩﺭﺟﺘﻪ ﺍ‪ ،‬ﻣﺆﺷﺮﺍﺗﻬﺎ ﻭﺍﻟﺨﺒﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ‬
‫ﺍﻟﺨﺒﻴﺮ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﺍﺑﺘﺪﺍء ﻟﻬﺎ ﺍﺣﺘﻤﺎﻻﺕ ﻣﺜﻼً ﺍﻟﺒﻄﺎﺭﻳﺔ‪ ،‬ﺣﻤﺾ ﺍﻟﺒﻄﺎﺭﻳﺔ‪ ،‬ﺟﻬﺎﺯ ﻭﺻﻞ ﺍﻟﺒﻄﺎﺭﻳﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﻤﺤﺮﻙ‪ ،‬ﺷﻤﻌﺎﺕ ﺍﻻﺣﺘﺮﺍﻕ ﻭﻫﻜﺬﺍ‪..‬‬
‫ﻭﺧﻠﻞ ﺑﺴﻴﻂ ﻳﻮﻗﻒ ﺟﻬﺎﺯ ﻋﻤﻼﻕ ﻟﺬﺍ ﻻ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺨﻒ ﺑﻪ‪ ،‬ﻳﻘﺎﻝ ﺧﻠﻞ ﺑﺴﻴﻂ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺑﺴﻴﻂ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ‪،‬‬
‫ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁﻪ‪.‬‬
‫ـ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﻳﻨﻀﺞ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻨﻀﺞ ﻟﻪ ﺩﺭﺟﺎﺕ‪ ،‬ﻭﻣﻌﻪ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ‪ ،‬ﻭﺗﺰﺩﺍﺩ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺍﻟﺴﺎﺣﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺩﺭﺟﺎﺕ‪ ،‬ﺛﻢ ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺍﺳﺨﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪.‬‬
‫ـ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺍﻟﻤﺎﺭﺓ ﻧﺮﻯ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﻣﻌﻜﻮﺳﺔ‪ ،‬ﻭﻛﻞ ﺃﺣﺎﺩﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﻛﺐ ﻳﺸﻜﻞ ﻣﺮﻛﺒﺎ ً ﺟﺪﻳﺪﺍً‬
‫ﻳﺘﺄﺛﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻌﻜﻮﺱ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻭﻟﻜﻦ ﺑﺎﺗﺠﺎﻩ ﻭﺍﺣﺪ‪.‬‬
‫ﺗﺼﻮﺭ ‪ +‬ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ‬ ‫ﺃ ـ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺃﻭﻟﻰ‪:‬‬
‫ﻓﻬﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻌﻜﻮﺳﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﻭﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻟﻔﻜﺮ ﻳﺘﻌﻤﻖ ﺑﺎﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﻭﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ‬
‫ﻳﻘﺮﺃﻫﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻳﻬﻀﻤﻬﺎ ﺗﺘﺮﺳﺦ ﺃﻛﺜﺮ ﺑﺎﻟﻨﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﻓﻦ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻭﻧﺸﺮ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ‪..‬‬
‫ﻣﻊ ﺍﻟﻨﻘﺪ‬ ‫ﺏ ـ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ‪:‬‬
‫)ﺗﺼﻮﺭ ‪ +‬ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ( ﺗﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﻌﻜﻮﺳﺔ ﺗﺒﺎﺩﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﺛﻴﺮ‪..‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﻧﺸﺮ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺃﻣﺎﻣﻬﺎ ﻗﻨﺎﺗﺎﻥ ﻟﻼﻧﺘﺸﺎﺭ ﻓﻴﻬﺎ‬

‫‪25‬‬
 ‫‪ ۱‬ـ ﻗﻨﺎﺓ ﺃﻭﻟﻰ‪ :‬ﺃﻧﺎﺱ ﺑﺴﻄﺎء ﻳﺴﻤﻌﻮﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭﻳﺴﻠﻤﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻟﻌﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﺭﺿﻴﺔ ﺗﻤﺤﻴﺺ‬
‫ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ‪.‬‬
‫‪ ۲‬ـ ﻗﻨﺎﺓ ﺛﺎﻧﻴﺔ‪ :‬ﺍﺻﻄﺪﺍﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺑﺠﺪﺍﺭ ﻧﻘﺪﻱ ﺷﺪﻳﺪ ﻛﺄﻥ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﺻﺎﺣﺐ ﻓﻜﺮﺓ ﺷﻴﻮﻋﻲ ﻣﻊ ﻣﺘﺪﻳﻦ‪،‬‬
‫ﺻﺤﻴﺢ ﺃﻥ ﻣﻮﺟﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺻﻌﺒﺔ‪ ،‬ﻷﻥ ﻛﻼً ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻻ ﻳﻔﻬﻢ ﺻﺎﺣﺒﺔ ﻛﺜﻴﺮﺍً‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﻠﻘﺎء ﺇﻟﻰ ﺣﺪﻳﺚ‬
‫ﻁﺮﺷﺎﻥ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺸﻲء ﺍﻟﻤﺆﻛﺪ ﺃﻥ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻧﻘﺪ ﻗﺎﺳﻴﺔ ﺳﻮﻑ ﺗﺘﻌﺮﺽ ﻟﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻷﻓﻜﺎ ﺭ ﺍﻟﻤﻄﺮﻭﺣﺔ‪،‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺳﻴﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺑﻔﻌﻞ ﻋﻜﻮﺱ‪.‬‬
‫ﺝ ـ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ‪:‬‬
‫ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻣﺮ ﺻﻌﺐ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻣﺮ ﻛﻨﻘﺪ ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‪ ،‬ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻫﻲ ﻣﺤﻚ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﻓﻲ‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺓ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻋﺘﻤﺪﻩ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻭﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺮﻑ‬
‫ـ ﻓﻔﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﻁﻪ ﺝﺍء ﻣﺎ ﻳﻠﻲ )ﺁﺧﺮ ﺁﻳﺔ ﺗﺨﺘﻢ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺴﻮﺭﺓ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ(‬
‫)ﻗﻞ ﻛﻞ ﻣﺘﺮﺑﺺ ﻓﺘﺮﺑﺼﻮﺍ ﻓﺴﺘﻌﻠﻤﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺐ ﺍﻟﺼﺮﺍﻁ ﺍﻟﺴﻮﻱ ﻭﻣﻦ ﺍﻫﺘﺪﻯ(‪.‬‬
‫ﺍﻟﻜﻞ ﻣﺘﻮﺗﺮ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﻑ ﻟﻤﻦ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻖ‪ ،‬ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻬﻢ ﺍﻧﺘﻈﺮﻭﺍ ﺑﺰﻭﻍ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ!‪..‬‬
‫ـ ﺃﻭ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﺁﺧﺮ ﻋﺒﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﻠﻔﻈﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ )ﺍﻟﻌﺎﻗﺒﺔ(‪ ،‬ﻣﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ،‬ﻭﺃﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻲ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺸﻜﻠﻴﻦ ﻛﻘﺎﻧﻮﻥ ﻳﻮﻣﻲ ﻭﻛﻘﺎﻧﻮﻥ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲ‪.‬‬
‫)ﻭﺍﻟﻌﻘﺒﺔ ﻟﻠﺘﻘﻮﻯ( )ﻁﻪ‪ (۱۳۲‬ـ )ﻓﺴﻮﻑ ﺗﻌﻠﻤﻮﻥ ﻣﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻋﻘﺒﺔ ﺍﻟﺪﺍﺭ ( )ﺍﻷﻧﻌﺎﻡ‪ (۱۳٥‬ـ )ﻓﺎﻧﻈﺮ ﻛﻴﻒ‬
‫ﻛﺎﻥ ﻋﻘﺒﺔ ﺍﻟﻤﺠﺮﻣﻴﻦ ( )ﺍﻷﻋﺮﺍﻑ‪ (۸٤‬ـ )ﻓﺎﻧﻈﺮ ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻥ ﻋﻘﺒﺔ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ( )ﻳﻮﻧﺲ ‪ (۳۹‬ـ )ﻓﺎﻧﻈﺮ ﻛﻴﻒ‬
‫ﻋﻘﺐ ﺍﻟﻤﻨﺬﺭﻳﻦ ( )ﻳﻮﻧﺲ‪ (۷۳‬ـ )ﻓﺎﻧﻈﺮ ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻥ ﻋﻘﺒﺔ ﺍﻟﻤﻔﺴﺪﻳﻦ( )ﺍﻷﻋﺮﺍﻑ‪.(۱۰۳‬‬ ‫ﻛﺎﻥ ﺓ‬
‫‪۱‬‬
‫ﺃﻣﺎ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ )ﺍﻟﻌﻬﺪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ـ ﺇﻧﺠﻴﻞ ﻣﺘﻰ ـ ﺍﻹﺻﺤﺎﺡ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ( ‪:‬‬
‫‪F۱‬‬

‫)ﺟﺎء ﺫﻛﺮ ﻧﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺃﻭﻻً‪ :‬ﻻ ﺗﺪﻳﻨﻮﺍ ﻟﻜﻲ ﻻ ﺗﺪﺍﻧﻮﺍ ‪ .‬ﻷﻧﻜﻢ ﺑﺎﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ ﺍ ﻟﺘﻲ ﺑﻬﺎ ﺗﺪﻳﻨﻮﻥ ﺗﺪﺍﻧﻮﻥ ‪ .‬ﻭﺑﺎﻟﻜﻴﻞ‬
‫ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻜﻴﻠﻮﻥ ﻳﻜﺎﻝ ﻟﻚﻡ‪ .‬ﻭﻟﻤﺎﺫﺍ ﺗﻨﻈﺮ ﺍﻟﻘﺬﻯ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ ﺃﺧﻴﻚ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺨﺸﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻚ ﻓﻼ ﺗﻔﻄﻦ‬
‫ﻟﻬﺎ‪ .‬ﺃﻡ ﻛﻴﻒ ﺗﻘﻮﻝ ﻷﺧﻴﻚ ﺩﻋﻨﻲ ﺃﺧﺮﺝ ﺍﻟﻘﺬﻯ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻚ ﻭﻫﺎ ﺍﻟﺨﺸﺒﺔ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻚ ‪ .‬ﻳﺎ ﻣﺮﺍﺋﻲ ﺃﺧﺮﺝ ﺃﻭﻻً‬
‫ﺍﻟﺨﺸﺒﺔ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻚ‪ .‬ﻭﺣﻴﻨﺌﺬ ﺗﺒﺼﺮ ﺟﻴﺪﺍً ﺃﻥ ﺗﺨﺮﺝ ﺍﻟﻘﺬﻯ ﻣﻦ ﻋﻴﻦ ﺃﺧﻴﻚ‪ (.‬ﺇ ﻫـ ‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺫﻛﺮ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺑﺎ ﻟﺴﺒﺐ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﻜﺸﻒ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻷﻣﺮ ‪) .‬ﺃﺣﺘﺮﺯﻭﺍ‬
‫‪ .‬ﻣﻦ ﺛﻤﺎﺭﻫﻢ‬ ‫ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎء ﺍﻟﻜﺬﺑﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺄﺗﻮﻧﻜﻢ ﺑﺜﻴﺎﺏ ﺍﻟﺤﻤﻼﻥ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻞ ﺫﺋﺎﺏ ﺧﺎﻁﻔﺔ‬
‫ﺗﻌﺮﻓﻮﻧﻬﻢ‪ .‬ﻫﻞ ﻳﺠﺘﻨﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻮﻙ ﻋﻨﺒﺎً‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺤﺴﻚ ﺗﻴﻨﺎ ً‪ .‬ﻫﻜﺬﺍ ﻛﻞ ﺷﺠﺮﺓ ﺟﻴﺪﺓ ﺗﺼﻨﻊ ﺃﺛﻤﺎﺭﺍً ﺟﻴﺪﺓ ‪.‬‬
‫ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﺮﺩﻳﺔ ﻓﺘﺼﻨﻊ ﺃﺛﻤﺎﺭﺍً ﺭﺩﻳﺔ‪ .‬ﻻ ﺗﻘﺪﺭ ﺷﺠﺮﺓ ﺟﻴﺪﺓ ﺃﻥ ﺗﺼﻨﻊ ﺃﺛﻤﺎﺭﺍً ﺭﺩﻳﺔ ﻭﻻ ﺷﺠﺮﺓ ﺭﺩﻳﺔ‬
‫ﺃﻥ ﺗﺼﻨﻊ ﺃﺛﻤﺎﺭﺍً ﺟﻴﺪﺓ‪ .‬ﻓﺈﺫﺍ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﺭﻫﻢ ﺗﻌﺮﻓﻮﻧﻬﻢ(‪.‬‬
‫ﺇﺫﺍ ﺗﺒﻠﻮﺭ ﻣﺎ ﻣﺮ‪ ،‬ﻗﺎﺩﻧﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺇﻟﻰ ﺑﺤﺚ ﺁﺧﺮ ﻣﺘﻤﻢ ﻭﻣﺮﺗﺒﻂ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻭﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻭﻧﺤﺐ ﺃﻥ ﻧﻔﺮﺩ ﻟﻪ‬
‫ﺑﺤﺜﺎ ً ﺧﺎﺻﺎ ً‪.‬‬

‫‪ ۱‬ﻧﺴﺘﺸﻬﺪ ﻫﻨﺎ ﺑﺎﻹﻧﺠﻴﻞ ﻟﻴﺲ ﻷﻧﻨﺎ ﻧﺮﻯ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﻒ‪ ،‬ﻓﺮﺃﻳﻨﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻗﺪ ﻧﺎﻟﺘﻪ ﻳﺪ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﻒ ﻭﺍﺳﺘﺸﻬﺪﻧﺎ ﺑﻪ ﻛﺄﻱ ﻛﺘﺎﺏ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲ ﻣﺆﻟﻒ‪ ،‬ﻭﻣﺎ‬
‫ﻧﻨﺼﺢ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﻫﻮ ﺗﺄﻣﻞ ﺍﻟﻤﻌﻘﻮﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺺ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻖ ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ﻻ ﺃﻛﺜﺮ‪ ،‬ﻭﺣﺮﻳﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺴﺘﺸﻬﺪ ﻣﻦ ﺃﻗﺼﻰ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺃﻗﺼﻰ‬
‫ﺍﻟﻴﺴﺎﺭ‪ .‬ﻭﻻ ﻧﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﻴﻤﻴﻦ ﻭﺍﻟﻲﺳﺎﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻣﻨﻪ ﺑﻞ ﺗﺒﺎﻋﺪ ﺍﻷﺭﺍء ‪.‬‬

‫‪26‬‬
 ‫ـ‪۲‬ـ‬
‫ﺛﺎﻧﻴﺎ ً‬
‫ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ؟‬
‫ﻷﻥ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻳﻌﻴﺪ ﺭﺑﻂ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺑﺎﻟﺴﺒﺐ ‪....‬‬
‫ـ ﺑﺤﺚ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺑﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‪.‬‬
‫ـ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ‪.‬‬
‫ـ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺳﻨﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪.‬‬
‫ـ ﺍﻟﺤﺘﻤﻴﺔ ﻭﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ‪.‬‬
‫ـ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕ ﻟﻔﻚ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‪.‬‬

‫‪27‬‬
 ‫ﺑﺤﺚ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺑﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‬
‫ﺍﻝﻣﻘﻮﻟﺔ‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﻗﺪ ﺗﻌﻘﺒﻬﺎ ﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ ﻭﻗﺪ ﻻ ﺗﻌﻘﺒﻬﺎ‪..‬‬
‫ﻭﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻟﻤﺎﺫﺍ؟‬
‫ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ‪ :‬ﺃﻧﻬﺎ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﷲ ﺍﻟﻄﻠﻴﻘﺔ‪..‬‬
‫ً‬
‫ﺍﻻﺳﺘﺪﻻﻝ ‪) :‬ﻻ ﺗﺪﺭﻱ ﻟﻌﻞ ﷲ ﻳﺤﺪﺙ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺃﻣﺮﺍ ( )‪ .(۱:٦٥‬ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺐ ﺍﻟﺨﺎﻁﺊ ﻟﻠﻔﻜﺮﺓ‪ ،‬ﺛﻢ ﺍﻟﺮﺑﻂ‬
‫ﺍﻟﺨﺎﻁﺊ ﺑﺎﻵﻳﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺨﺎﻁﺊ ﻟﻠﻨﺺ ﻛﻠﻬﺎ ﺣﻠﻘﺎﺕ ﻣﺘﺴﻠﺴﻠﺔ ﻗﺎﺩﺕ ﺇﻟﻰ ﻧﺖﺍﺋﺞ ﻣﻔﺰﻋﺔ!‬
‫ﻓﻌﻨﺪﻧﺎ ﻻ ﻧﺮﻯ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁﺎ ً ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻭﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‪ ،‬ﺗﺮﺍﻧﺎ ﻧﻔﻜﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﻘﻮﻝ ﻣﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺑﺨﻄﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻡ‬
‫ﺗﻤﺸﻲ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺗﺤﺼﻴﻞ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺠﺮﺍﺡ ﻳﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﺻﺤﺔ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺟﺮﺍﻫﺎ‪ ،‬ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﻣﻦ ﻧﺠﺎﺡ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ‪ ،‬ﺍﻟﺨﺒﺎﺯ ﻣﻦ ﺻﻼﺣﻴﺔ ﺧﺒﺰﻩ‬
‫ﻟﻸﻛﻞ‪ ،‬ﺍﻟﺴﺎﺋﻖ ﻣﻦ ﺻﺤﺔ ﺩﻭﺍﻟﻴﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺧﻠﻞ ﻭﻫﻜﺬﺍ‪...‬‬
‫ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺣﺪﺙ ﻓﻚ ﻭﻛﺴﺮ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻭﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻘﻮﻟﺔ ﻓﻴﺠﻌﻠﻨﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﺗﺤﻘﻖ ﺃﻱ ﺃﻣﺮ‬
‫ﻭﻋﺪﻡ ﺗﺤﻘﻘﻪ ﺳﻮﺍء‪...‬‬
‫ﺛﻢ ﺛﺎﻟﺜﺎ ً ﻭﻫﻮ ﺃﺩﻫﻰ ﻭﺃﻣﺮ ﻳﺤﺮﻣﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔ ﻁﺎﻟﻤﺎ ﺃﻟﻘﻴﻨﺎ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻄﻠﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺘﺪﺧﻞ ﻛﻞ ﻣﺮﺓ ﻭﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻌﺮﻑ‪ ،‬ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻛﺬﺑﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﷲ‪.‬‬
‫ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺮﺑﻂ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺑﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﻘﻴﺪ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﷲ‪ ،‬ﺑﻞ ﻧﻘﻮﻝ ‪ :‬ﺇﻥ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﷲ ﺷﺎءﺕ ﺃﻥ ﻧﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ‬
‫ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﻓﻖ ﺳﻨﻦ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺃﺷﺎﺭﺕ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻵﻳﺔ‪) :‬ﻓﻠﻦ ﻧﺠﺪ ﻟﺴﻨﺖ ﷲ ﺗﺒﺪﻳﻼً ﻭﻟﻦ ﺗﺠﺪ ﻟﺴﻨﺖ ﷲ ﺗﺤﻮﻳﻼ( )‪.(٤۳:۳٥‬‬
‫ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻛﺴﻔﺖ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻣﻊ ﻣﻮﺕ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ )ﻭﻝﺩ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺹ ( ﻗﺎﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ‪ :‬ﺇﻧﻬﺎ ﻛﺴﻔﺖ ﻟﻤﻮﺕ‬
‫ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ‪ ،‬ﻓﺘﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻓﻮﺭﺍً ﻟﻴﺼﺤﺢ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺒﻨﻲ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻲ ﺍﻟﺴﻨﻨﻲ‪،‬‬
‫ﻓﻘﺎﻝ‪) :‬ﺇﻥ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺍﻟﻘﻤﺮ ﺁﻳﺘﺎﻥ ﻣﻦ ﺁﻳﺎﺕ ﷲ ﻻ ﺗﻜﺴﻔﺎﻥ ﻟﻤﻮﺕ ﺃﺣﺪ ﻭﻻ ﻟﺤﻴﺎﺗﻪ ﻓﺈﺫﺍ ﺭﺃﻳﺘﻢ ﺫﻟﻚ ﻓﺎﺫﻛﺮﻭﺍ‬
‫ﷲ ﻭﺻﻠﻮﺍ(‪.‬‬
‫ً‬
‫ﺇﻥ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻮ ﺟﻮﺩ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﺳﻮﻑ ﻳﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻂ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺑﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‪ ،‬ﻷﻥ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺣﺘﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ‬
‫ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺇﺫﺍ ﺗﻮﻓﺮﺕ ﺷﺮﻭﻁﻬﺎ ﺍﻷﻭﻟﻴﺔ ﺗﺤﻘﻘﺖ ﺣﺘﻤﺎ ً‪...‬‬
‫ﻓﺎﻟﺴﻨﺔ ﻟﻬﺎ ﺳﻤﺔ ﺍﻟﺤﺘﻤﻴﺔ‪ .....‬ﻭﻣﻌﺮﻓﺘﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ﺗﻢ ﻓﻲ ﺿﻮء ﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻟﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻓﺈﺫﺍ ﺗﺒﻠﻮﺭ ﻣﺎ ﻣﺮ‪ ،‬ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺒﺤﺚ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺴﻨﺔ ـﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ـ ﻷﻧﻪ ﻣﻊ ﺗﺮﺳﻴﺦ ﻣﻔﻬﻮﻡ‬
‫ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻳﺘﺮﺳﺦ ﻣﻌﻨﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﺗﻠﻘﺎﺋﻲ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺑﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‪.‬‬

‫ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ ‪ ....‬ﻭﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎﺹ‬

‫ﻛﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻧﺮﻯ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺑﻘﻄﺎﻋﻴﻦ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ‪ .‬ﻓﺎﻟﻜﻮﻥ ﻟﻴﺲ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﻋﻤﻴﺎء ﺗﻘﻮﺩﻫﺎ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﻋﻤﻴﺎء‬
‫ﺁﻟﻴﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﺧﺎﻟﻖ ﻣﺮﻳﺪ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺳﻨﻦ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ‪ ،‬ﻣﻦ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﺃﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺘﺒﺪﻝ ﻭﻻ ﺗﺘﺤﻮﻝ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﷲ‬
‫ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﻨﺸﺊ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻦ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻟﺸﻤﺲ ﺗﺠﺮﻱ ﻟﻤﺴﺘﻘﺮ ﻟﻬﺎ ‪ ....‬ﻭﻛﻞ ﻓﻲ ﻓﻠﻚ ﻳﺴﺒﺤﻮﻥ ‪ .....‬ﻓﺎﻷﺭﺽ ﺍﻟﻤﻴﺘﺔ ﺁﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻠﻴﻞ ﺁﻳﺔ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﻚ ﺍﻟﻢ ﺷﺤﻮﻥ ﺁﻳﺔ ‪......‬‬
‫ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﺃ‪ ،‬ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﻫﻲ ﺁﻳﺎﺕ ﷲ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺩﻻﺋﻞ ﺧﻠﻘﺔ‪ ،‬ﻷﻥ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻭﺍﻟﻌﻼﻣﺔ‪.‬‬
‫)ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﺪ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺟﻌﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺭﻭﺳﻰ ﻭﺃﻧﻬﺮ ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺟﻌﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺯﻭﺟﻴﻦ ﺃﺛﻨﻴﻦ ﻳﻐﺸﻰ ﺍﻟﻴﻞ‬
‫ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﺇﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻵﻳﺎﺕ ﻟﻘﻮﻡ ﻳﺘﻔﻜﺮﻭﻥ( )‪(۳:۱۳‬‬

‫‪28‬‬
 ‫ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺗﻘﻮﻡ ﺃﺭﺑﻊ ﻣﻌﺎﻟﻢ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ‪ ،‬ﺍﻟﻜﻮﻥ‪ ،‬ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ‪.....‬‬
‫ﷲ ﻫﻮ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﻤﺮﻳﺪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ‪....‬‬
‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻝ‪...‬‬
‫ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻣﺴﺨﺮ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻭﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﷲ‪....‬‬
‫ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺤﺴﺎﺏ‪....‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ﺍﻟﺴﻨﻦ ﺗﺴﻮﺩ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﺑﺪءﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺭﺓ ﻭﺍﻧﺘﻬﺎءﺍ ﺏ ﺍﻟﻤﺠﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ‪ ،‬ﻭﺑﺪءﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻠﻴﺔ‬
‫ﻭﺍﻧﺘﻬﺎءﺍً◌َ ﺑﺎﻟﺠﺴﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﻀﻮﻱ‪ ،‬ﻣﺮﻭﺭﺍً ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻧﺘﻬﺎء‬
‫ﺑﺎﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺟﻤﻌﺎء ﻛﺠﺴﺪ ﻭﺍﺣﺪ ﻳﻀﻢ ﺍﻟﺠﻨﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻛﻠﻪ ‪) .‬ﻳﺄﻳﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻧﺎ ﺧﻠﻘﻨﻜﻢ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﻭﺃﻧﺜﻰ‬
‫ﻭﺟﻌﻠﻨﻜﻢ ﺷﻌﻮﺑﺎ ً ﻭﻗﺒﺎﺋﻞ ﻟﺘﻌﺎﺭﻓﻮﺍ ﺇﻥ ﺃﻛﺮﻣﻜﻢ ﻋﻨﺪ ﷲ ﺃﺗﻘﻜﻢ( )‪.(۱۳:٤۹‬‬
‫ﺃﺑﺤﺎﺙ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺗﺮﻛﺰﺕ ﻭﺗﻘﺪﻣﺖ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﺳﻨﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻓﻜﺎﻧﺖ‬
‫ﺍﻷﺑﺤﺎﺙ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻠﻴﻠﺔ‪ ،‬ﻣﻬﺘﺰﺓ‪ ،‬ﻏﻴﺮ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻭﺗﻀﺎﺭﺑﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻵﺭﺍء‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﺳﻨﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ‪ ،‬ﻭﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻷﺭ ﺽ ﻟﻼﺗﻌﺎﻅ‬
‫ﺑﺴﻴﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻴﻦ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺳﻨﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪..‬‬
‫ﺇﻥ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻣﺮﺩﻩ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ ‪ :‬ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﻳﻤﻜﻦ‬
‫ﺃﺧﺬ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺧﻼﻝ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺃﻭ ﻗﺪ ﺗﻤﺘﺪ ﺇﻟﻰ ﺃﻳﺎﻡ ﺃﻭ ﺳﻨﻮﺍﺕ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻓﻴﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻗﺮﻭﻥ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﻌﻤﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﺤﺪﻭﺩ ﻟﻠﻔﺮﺩ ﻓﻲ ﺃﻗﻞ ﻣﻦ ﻗﺮﻥ‪ ،‬ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﺰﻣﻦ‪ ،‬ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺗﻌﺪﺩ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﻤﺆﺛﺮ‬
‫ﻭﺗﻌﻘﻴﺪ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ‪.‬‬
‫ﺍﻗﺘﺮﺡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻹﻧﻜﻔﺎء ﺇﻟﻰ ﺣﻘﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻹﺩﺭﺍﻙ ﺳﻨﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ‪ .‬ﺍﻟﺠﻬﺪ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻟﻔﻬﻢ‬
‫‪ :‬ﺍﻷﻭﻝ ﻛﻮﻣﺔ‬ ‫ﺳﻨﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺗﺴﺠﻴﻞ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻣﻀﺎﻋﻔﺎ ً ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ‬
‫ﺍﻟﺤﻮﺩﺍﺙ ﻫﻲ ﻣﺎﺩﺓ ﻟﻠﺘﺤﻠﻴﻞ‪ ،‬ﻭﺑﻔﻘﺪ ﺃﺩﺍﺓ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﻓﻬﻢ ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻟﻠﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﺃﻱ ﺳﻨﺘﻪ ‪ :‬ﺟﻌﻞ ﻓﻬﻢ‬
‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻣﻀﻄﺮﺑﺎً‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺃﻥ ﺗﺴﺠﻴﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺃﻋﻄﻰ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‪ ،‬ﻭﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻠﻮﻙ ﻭﺍﻟﺤﺮﻭﺏ‬
‫ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻷﻋﻈﻢ‪ ،‬ﻭﺃﻫﻤﻞ ﺍﻟﺠﻮﺍﻧﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‪....‬‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺠﻴﻞ ﺟﻌﻞ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻓﻴﻪ ﻛﺒﻴﺮﺓ‪ ،‬ﻭﻟﻘﺪ ﺍﻧﺘﺒﻪ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻪ‬
‫ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻦ ﻓﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ :‬ﺇﻥ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﺧﺒﺎﺭ ﻋﻦ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻭﺍﻟﺪﻭﻝ‪ .....‬ﻭﻓﻲ‬
‫ﺑﺎﻁﻨﻪ ﻧﻈﺮ ﻭﺗﺤﻘﻴﻖ‪ ،‬ﻭﺗﻌﻠﻴﻞ ﻟﻠﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﻣﺒﺎﺩﺋﻬﺎ ﺩﻗﻴﻖ‪) ....‬ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ(‪..‬‬
‫ﺛﻢ ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺱﻧﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺑﻘﻮﻟﻪ‪) :‬ﻷﻥ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﺇﺫﺍ ﺍﻋﺘﻤﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻟﻨﻘﻞ ﻭﻟﻢ ﺗﺤﻜﻢ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ‪،‬‬
‫ﻭﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ‪ ،‬ﻭﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ‪ ،‬ﻭﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﻓﻲ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻭﻻ ﻗﻴﺲ ﺍﻟﻐﺎﺋﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺸﺎﻫﺪ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﺑﺎﻟﺬﺍﻫﺐ‪ ،‬ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺆﻣﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺜﻮﺭ ﻭﻣﺰﻟﺔ ﺍﻟﻘﺪﻡ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺤﻴﺪ ﻋﻦ ﺟﺎﺩﺓ ﺍﻟﺼﺪﻕ(‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﺫﻫﺐ ﻳﺸﻴﺮ ﻓﻲ ﺃﻣﺜﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻏﻼﻁ ﺍﻟﻤﺆﺭﺧﻴﻦ )ﻣﺜﻼً ﻣﺎ ﻧﻘﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺴﻌﻮﺩﻱ ﺃﻥ ﺟﻴﺶ ﻣﻮﺳﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻴﻪ‬
‫ﻛﺎﻥ ‪ ٦۰۰‬ﺃﻟﻒ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﻏﻴﺮ ﻣﻤﻜﻦ‪ ،‬ﻷﻥ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻮﺍﺻﻼﺕ ﻟﺘﺴﻴﻴﺮ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻘﺘﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ‬
‫ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻏﻴﺮ ﻣﻤﻜﻨﺔ‪ ،‬ﻭﻳﺼﺪﻕ ﻛﻼﻣﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺮﻯ ﺗﻄﻮﺭ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻻﺗﺼﺎﻝ‪ ،‬ﻭﻛﻴﻒ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﻫﺘﻠﺮ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺢﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺣﺸﺪ ﺟﻴﺶ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﺔ ﻣﻼﻳﻴﻦ ﺭﺟﻞ ﺿﺪ ﺍﻻﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﺘﻲ(‪.‬‬
‫ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻮﺩ ﺍﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﻫﻮ ﻓﻬﻢ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﻭﺩﻭﺭﺓ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻫﻮ‬
‫‪ ۱۹۲۱‬ـ ‪ ۱۹٦۱‬ﻭﺧﻠﺺ ﺑﺒﻌﺾ‬ ‫ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺩﺍﺭﺳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻟﺘﻮﻳﻨﺒﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻀﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻋﺎﻣﺎ ً‬
‫ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﺳﻔﺎﻟﺪ ﺍﺳﺒﻴﻨﺠﻠﺮ ‪ Oewald Spengler‬ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺩﺭﺍﺳﺘﻪ ﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪،‬‬
‫ﻭﻭﺿﻊ ﻛﺘﺎﺏ ﺃﻓﻮﻝ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻨﺒﺄ ﻭﻳﺘﺸﺎءﻡ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﺍﻧﺤﻄﺎﻁ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻭﺃﻧﻬﺎ ﻣﺮﻛﺐ ﻓﻲ‬
‫ﻁﺮﻳﻘﻪ ﺍﻟﺤﺘﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻧﻬﻴﺎﺭ‪ .‬ﻓﻤﺜﻼً ﻓﻲ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺘﻮﺳﻊ ﻗﺪﻳﻤﺎ ً ﻭﺣﺪﻳﺜﺎ ً ﻳﺮﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ )ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻻ ﻭﺳﻔﺎ ﻟﺪ‬
‫ﺍﺳﺒﻨﺠﻠﺮ ‪.(Oswald Spengler‬‬

‫‪29‬‬
 ‫ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺗﺸﻜﻞ ﻓﻲ ﺣﺪ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺳﻠﺒﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻭﻟﻴﺪﺓ‬
‫ﻓﻀﻠﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﻮﻳﺔ ﻟﻢ ﺗﺨﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻥ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺮﻭﻣﺎﻥ ﻗﺪ ﺍﺳﺘﻨﺰﻓﻮﺍ ﺁﺧﺮ ﻁﺎﻗﺎﺕ ﺣﻴﻮﻳﺘﻬﻢ ﻣﻨﺬ ﻋﻬﺪ ﺯﺍﻣﺎ‬
‫)ﺃﺧﺮ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺑﻴﻦ ﺭﻭﻣﺎ ﻭﻗﺮﻁﺎﺟﻨﺔ (‪ ،‬ﺑﻞ ﺇﻧﻤﺎ ﺟﺎءﺕ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻊ ﺟﺰ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ‬
‫ﻭﺍﻟﺪﻓﺎﻉ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺸﻲء ﺍﻟﻤﺆﻛﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻥ ﻟﻢ ﻳﻔﺘﺘﺤﻮﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‪ ،‬ﺑﻞ ﻭﺿﻌﻮﺍ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻏﻨﺎﺋﻢ ﻭﺃﺳﻼﺏ ﻛﺎﻧﺖ‬
‫ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎﻭﻝ ﻳﺪ ﻛﻞ ﺭﺍﻏﺐ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﺗﺴﻠﻚ ﺍﻹﻣﺒﺮﺍﻁﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻴﺔ ﻁﺮﻳﻘﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺠﺴﺪ ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻧﺘﻴﺠﺔ‬
‫ﺍﻟﺒﻮﻧﻴﺔ ﺑﻄﺎﺑﻌﻬﺎ ﺑﻞ ﺇﻧﻤﺎ ﻣﺎﺭﺳﺖ‬ ‫ﻟﻀﺮﻭﺭﺍﺕ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﺟﻬﻮﺩ ﻣﺎﻟﻴﺔ ﻛﺘﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﻁﺒﻌﺖ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ‬
‫‪ .‬ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻻ ﺗﺨﺪﻋﻨﺎ‬ ‫ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﻷﻥ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﺗﻨﺎﺯﻝ ﻋﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻗﻪ ﻓﻲ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻣﺼﻴﺮﻩ‬
‫ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺑﻌﺾ ﺍﻧﺘﺼﺎﺭﺍﺕ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﺭﺍﺋﻌﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ‪ ،‬ﻓـ ﻟﻮﻛﻮﻟﻮﺱ ﻭﺑﻮﻣﺒﺎﻱ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺎ ﺑﺤﻔﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﻟﻮﻳﺔ‬
‫ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺮﺩﻳﺌﺔ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺐ‪ ،‬ﺃﻥ ﻳﻔﺘﺘﺤﺎ ﻣﻤﺎﻟﻚ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﻭ ﻳﺨﻀﻌﺎ ﺃﻗﺎﻟﻴﻢ ﺷﺎﺳﻌﺔ ﻭﻭﻗﻮﻉ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺃﻣﺮ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﻛﺎﻟﻔﺘﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺸﺒﺖ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﺑﺴﻮﺱ"‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺭﺗﻜﺰﺕ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻹﻣﺒﺮﺍﻁﻮﺭﻳﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﻣﺼﺮﻳﺔ‬
‫ﻭﺭﻭﻣﺎﻧﻴﺔ ﻭﺻﻴﻨﻴﺔ ﻭﻫﻨﺪﻳﺔ )ﻭﻗﺎﻣﺖ ﻋﻠﻰ ﺃﺷﻼء ﺍﻟﻀﺤﺎﻳﺎ‪ ،‬ﻭﺇﺫﻻﻝ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻋﺘﺒﺮﺕ ﻧﻔﺎﻳﺎﺕ ﻣﻮﺍﺩ‬
‫ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻋﻈﻴﻢ ( ﺃﻗﻮﻝ ‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻣﺰ ﻻﺣﺘﻀﺎﺭ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻭﻣﻮﺗﻬﺎ ‪ ...‬ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻜﻞ‬
‫ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻱ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﻗﺪ ﺑﺖ ﺍﻵﻥ ﺑﻤﺼﻴﺮ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﺑﺘﺎ ً ﻻ ﻋﻮﺩﺓ ﻋﻨﻪ ﺃﻭ ﺗﻌﺪﻳﻞ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺣﻴﻮﻳﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ ﺗﺘﺠﻪ ﻓﻲ ﻣﺠﺮﺍﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺎﻁﻦ‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺘﺠﻪ ﺣﻴﻮﻳﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪ ﻧﻲ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ‪) "....‬ﺃﻓﻮﻝ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﺍﻟﺠﺰء ﺍﻷﻭﻝ(‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺃﻱ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﻭﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﻗﺎﻧﻮﻧﻪ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻋﻤﻼً ﺣﺪﻳﺜﺎ ﻣﻨﻬﺠﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ‬
‫ﺍﻟﻤﻠﻔﺖ ﻟﻠﻨﻈﺮ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺃﻛﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﻠﻞ‪..‬‬
‫ﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﻣﻘﺪﻣﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻟﻤﺆﻟﻔﻪ ﺑﺎﻗﺮ ﺍﻟﺼﺪﺭ ﺭﺡ ﻣﻪ ﷲ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ ‪) :‬ﻣﻦ‬
‫ﻣﺠﻤﻮﻉ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﻳﺘﺒﻠﻮﺭ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻭﻫﻮ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﺎﺣﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﺳﻨﻦ ﻭﻟﻬﺎ‬
‫ﺿﻮﺍﺑﻂ ﻛﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺳﻨﻦ ﻭﺿﻮﺍﺑﻂ ﻟﻜﻞ ﺍﻟﺴﺎﺣﺎﺕ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ ‪ ..‬ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻳﻌﺘﺒﺮ‬
‫ﻓﺘﺤﺎ ً ﻋﻈﻴﻤﺎ ً ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ‪ ..‬ﻷﻧﻨﺎ ﺑﺤﺪﻭﺩ ﻣﺎ ﻧﻌﻠﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺃﻭﻝ ﻛﺘﺎﺏ ﻋﺮﻓﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ‬
‫ﻭﻛﺸﻒ ﻋﻨﻪ ﻭﺃﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻭﻗﺎﻭﻡ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻗﻨﺎﻉ ﻭﺍﻟﺘﻔﻬﻴﻢ‪ ،‬ﻗﺎﻭﻡ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻟﻌﻔﻮﻳﺔ‪ ،‬ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﺍﻻﺳﺘﺴﻼﻣﻴﺔ ﺑﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ‪ ،‬ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻻﻋﺘﻴﺎﺩﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﻔﺴﺮ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ‬
‫ﻛﻮﻣﺔ ﻣﺘﺮﺍﻛﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ‪ ،‬ﻳﻔﺴﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﺼﺪﻓﺔ ﺗﺎﺭﺓ ﻭﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﻘﻀﺎء ﻭﺍﻟﻘﺪﺭ ﻷﻣﺮ ﷲ‬
‫ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ‪ ،‬ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻗﺎﻭﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻟﻌﻔﻮﻳﺔ‪ ،‬ﻭﻗﺎﻭﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻻﺳﺘﺴﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻧﺒﻪ ﺍﻟﻌﻘﻞ‬
‫ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﺎﺣﺔ ﻟﻬﺎ ﺳﻨﻦ ﻭﻗﻮﺍﻧﻴﻦ‪ ،‬ﻭﺃﻧﻪ ﻟﻜﻲ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎ ً ﻓﺎﻋﻼً ﻣﺆﺛﺮﺍً ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ‬
‫ﺗﻜﺘﺸﻒ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻦ‪ ،‬ﻻ ﺑﺪ ﻭﺃﻥ ﺗﺘﻌﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﻟﻜﻲ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺘﺤﻜﻢ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺇﻻ ﺗﺤﻜﻤﺖ ﻫﻲ‬
‫ﻓﻴﻚ ﻭﺃﻧﺖ ﻣﻐﻤﺾ ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﻦ‪....‬‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺘﺢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻬﺪ ﺇﻟﻰ ﺗﻨﺒﻴﻪ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺑﻘﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﺠﺮﻱ‬
‫ﻣﺤﺎﻭﻻﺕ ﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻓﻬﻤﺎ ً ﻋﻤﻠﻴﺎ ً ﺑﻌﺪ ﻧﺰﻭﻝ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻗﺮﻭﻥ ﺑﺪﺃﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﻻﺕ ﻋﻠﻰ ﺃﻳﺪﻱ‬
‫ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻘﺎﻡ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺑﻤﺤﺎﻭﻟﺔ ﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﻭﻛﺸﻒ ﺳﻨﻨﻪ ﻭﻗﻮﺍﻧﻴﻨﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺑﺄﺭﺑﻌﺔ‬
‫ﻗﺮﻭﻥ )ﻋﻠﻰ ﺃﻗﻞ ﺗﻘﺪﻳﺮ( ﺍﺗﺠﻪ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻷﻭﺭﺑﻲ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺎﺕ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﻌﺼﺮ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ‪ ،‬ﺑﺪ ﻟﻜﻲ ﻳﺠﺴﺪ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺿﻴﻌﻪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺍﻟﻤﺴﻞﻣﻮﻥ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﻏﻠﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻤﺎﻗﻪ‪ ،‬ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺃﺧﺬﻩ‬
‫ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺎﺕ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ‪ ،‬ﺑﺪﺃ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﺑﺤﺎﺙ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻭﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺣﻮﻝ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﻓﻬﻢ‬
‫ﺳﻨﻨﻪ‪ ،‬ﻭﻧﺸﺄﺕ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﺍﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﻣﺜﺎﻟﻴﺔ ـ ﻭﻣﺎﺩﻳﺔ ـ ﻭﻣﺘﻮﺳﻄﺔ ـ ﻭﻣﺪﺍﺭﺱ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪﺓ‬
‫ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﺗﺤﺪﺩ ﻧﻮﺍﻣﻴﺲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﺕ ﻛﻮﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺃﺷﻬﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻭﺃﻭﺳﻌﻬﺎ‬
‫ﺗﻔﻠﺴﻔﺎً‪ ،‬ﻭﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﺗﺄﺛﻴﺮﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﺇﺫﻥ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻮ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻟﻬﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‪ ،‬ﻭﻳﺒﻘﻰ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﺠﺪﻩ ﻓﻲ ﺃﻧﻪ ﻁﺮﺡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﻷﻭﻝ ﻣﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺣﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ‬
‫ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ" )ﺹ‪.(٥۹‬‬

‫‪30‬‬
 ‫ﺛﻢ ﻳﺴﺘﻄﺮﺩ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻟﻴﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ ﺛﻼﺙ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﺴﻨﺔ‪:‬‬

‫"ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪:‬‬
‫ﻫﻲ ﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺩ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻣﻀﻄﺮﺩﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﻋﻼﻗﺔ ﻋﺸﻮﺍﺋﻴﺔ‪ ،‬ﺫﺍﺕ ﻁﺎﺑﻊ ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ﻻ‬
‫ﺗﺘﺨﻠﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺍﻻﻋﺘﻴﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮﻱ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻁﺎﺑﻊ ﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺗﺄﻛﻴﺪﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺎﺑﻊ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻟﻠﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺃﻫﻢ ﻣﻤﻴﺰﺓ‬
‫ﻳﻤﻴﺰﻩ ﻋﻦ ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻻﺕ ﻭﺍﻟﻔﺮﻭﺽ ﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺩ ﻭﺍﻟﺘﺘﺎﺑﻊ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﺨﻠﻒ ‪ .‬ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺍﺳﺘﻬﺪﻑ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‬
‫ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻁﺎﺑﻊ ﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺃﻥ ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺎﺑﻊ ﺍﻟﻊ ﻟﻤﻲ ﻟﻬﺬﻩ‬
‫ﺍﻟﺴﻨﺔ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﻳﺨﻠﻖ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺷﻌﻮﺭﺍً ﻋﻠﻰ ﺟﺮﻳﺎﻥ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻣﺘﺒﺼﺮﺍً ﻻ ﻋﺸﻮﺍﺋﻴﺎ ً ﻭﻻ‬
‫ﻣﺴﺘﺴﻠﻤﺎ ً ﻭﻻ ﺳﺎﺫﺟﺎ ً‪.‬‬
‫)ﻭﻟﻦ ﺗﺠﺪ ﻟﺴﻨﺔ ﷲ ﺗﺒﺪﻳﻼ ( )‪) (٦۲:۳۳‬ﻭﻻ ﺗﺠﺪ ﻟﺴﻨﺘﻨﺎ ﺗﺤﻮﻳﻼ ( )‪) (۷۷:۱۷‬ﻻ ﺗﺒﺪﻳﻞ ﻟﻜﻤﺖ ﷲ (‬
‫)‪........ (٦٤:۱۰‬ﻭﺗﺴﺘﻨﻜﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﻖﺩﻡ ﻓﻲ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﺃﻭ ﻁﻤﻊ‬
‫ﻟﺪﻯ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺑﺄﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺴﺘﺜﻨﺎﺓ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ )ﺃﻡ ﺣﺴﺒﺘﻢ ﺃﻥ ﺗﺪﺧﻠﻮﺍ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﻟﻤﺎ ﻳﺄﺗﻜﻢ‬
‫ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺧﻠﻮ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻜﻢ ﻣﺴﺘﻬﻢ ﺍﻟﺒﺄﺳﺎء ﻭﺍﻟﻀﺮﺍء ﻭﺯﻟﺰﻟﻮﺍ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮﺍ ﻣﻌﻪ ﻣﺘﻰ‬
‫ﻧﺼﺮ ﷲ ﺇﻻ ﺇﻥ ﻧﺼﺮ ﷲ ﻗﺮﻳﺐ( )‪.(۲۱٤:۲‬‬

‫ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪:‬‬
‫ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ‪ ،‬ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎہﻠﻟ ﺳﺒﺤﺎﻧﺔ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ‪ ،‬ﺳﻨﺔ ﷲ‪ ،‬ﻛﻠﻤﺎﺕ ﷲ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻗﺎﻧﻮﻥ‬
‫ﻫﻮ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻋﻠﻰ ﻁﺎﺑﻌﻬﺎ ﺍﻟﻐﻴﺒﻲ‬
‫ﻳﺴﺘﻬﺪﻑ ﺷﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﺑﺎہﻠﻟ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ‪ ،‬ﻭﺇﺷﻌﺎﺭ‬
‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺄﻥ ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻟﻤﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﺴﺎﺣﺎﺕ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﻟﻴﺲ ﺇﻧﻌﺰﺍﻻً ﻋﻦ ﷲ‪ ،‬ﻷﻥ ﷲ ﻳﻤﺎﺭﺱ‬
‫ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻦ‪ ،‬ﻭﻷﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﻫﻲ ﻣﻤﺜﻠﺔ ﻟﺤﻜﻤﺔ ﷲ ﻭﺗﺪﺑﻴﺮﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ‪.‬‬
‫ﻭﻗﺪ ﻳﺘﻮﻫﻢ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺎﺑﻊ ﺍﻟﻐﻴﺒﻲ ﻟﻠﺲﻧﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻳﺒﻌﺪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ‬
‫ﻟﻠﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﻭﻳﺠﻌﻠﻪ ﻳﺘﺠﻪ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻟﻠﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﺜﻠﺘﻪ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﻣﻦ ﻣﺪﺍﺭﺱ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﻋﺪﺩ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﻴﻦ‪.‬‬
‫ﻭﺣﺎﺻﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﻟﻠﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻟﻠﺘﺎﺭﻳﺦ ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻳﺮﺑﻄﻬﺎ‬
‫ہﻠﻟ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻗﺎﻁﻌﺎ ً ﺻﻠﺘﻬﺎ ﻭﺭﻭﺍﺑﻄﻬﺎ ﻣﻊ ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﻓﻬﻮ ﻳﻄﺮﺡ ﺍﻟﺼﻠﺔ ﻣﻊ ﷲ ﺑﺪﻳﻼً ﻋﻦ ﺻﻠﺔ‬
‫ﺤﺎﺩﺛﺔ ﻣﻊ ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﺮﺑﻂ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺑﺎہﻠﻟ ﻭﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﺨﺪﻡ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ‪ :‬ﻗﺪ ﻳﺄﺗﻲ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻓﻴﻔﺴﺮ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﻁﺒﻴﻌﻴﺔ ﻓﻴﻘﻮﻝ‪ :‬ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﻧﺰﻝ ﺑﺈﺭﺍﺩﺓ ﷲ‪،‬‬
‫ﻭﻳﺠﻌﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺑﺪﻳﻼً ﻉ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻬﺎ ﻭﻻ ﻧﺴﺐ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ‬
‫ﺮﺩﺓ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺑﺎہﻠﻟ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻤﻌﺰﻝ ﻋﻦ ﺗﻴﺎﺭ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ‪ ،‬ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻳﺘﻌﺎﺭﺽ ﻣﻊ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ‬
‫ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻟﻠﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮ ﻋﻲ ﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻤﻄﺮ ‪ ...‬ﺇﺫﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺴﺒﻎ ﺍﻟﻄﺎﺑﻊ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﺆﻛﺪ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﻫﻲ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻟﻘﺪﺭﺓ ﷲ‪ ،‬ﻫﻲ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻟﻜﻲ ﺗﺒﻘﻰ‬
‫ﺍﻟﺼﻠﺔ ﺍﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ‪.‬‬
‫ﻭﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻓﻲ ﺣﺮﺻﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﺍﻟﻄﺎﺑﻊ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ﻟﻠﺴﻨﻦ ﺍﻟﺖ ﺍﺭﻳﺨﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻋﺪﻡ ﺟﻌﻠﻬﺎ‬
‫ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﺼﺪﻑ ﺃﻥ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﺃﻧﺎﻁﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ‬
‫ﺃﻳﻀﺎً‪ ،‬ﺍﻹﻣﺪﺍﺩ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﺍﻟﻐﻴﺒﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﻛﺴﺐ ﺍﻟﻨﺼﺮ‪ ،‬ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻣﺪﺍﺩ ﺟﻌﻠﻪ ﻣﺸﺮﻭﻁﺎ ً ﺑﺎﻟﺴﻨﺔ‬
‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ‪ ،‬ﻣﺮﺗﺒﻄﺎ ً ﺑﻈﺮﻭﻓﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻔﻚ ﻋﻨﻬﺎ" )ﻧﻘﻞ ﺑﺘﺼﺮﻑ(‪.‬‬

‫‪31‬‬
 ‫ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ‪:‬‬
‫ﻫﻲ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﻭﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‪ ،‬ﺇﻥ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺳﻨﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺧﻠﻖ ﻭﻫﻤﺎً‪ ،‬ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻌﺎﺭﺿﺎ ً ﺑﻴﻦ ﺣﺮﻳﺔ‬
‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺳﻨﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪.‬‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺃﻥ ﻳﺰﻳﺤﻪ ﻭﻫﻮ ﻳﻌﺎﻟﺞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺃﻛﺪ‬
‫ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ ﻓﻲ ﺗﺴﻠﺴﻞ ﺍﻷﻋﺪﺍﺩ ﻭﺍﻝﻗﻀﺎﻳﺎ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍ ﻫـ‪.‬‬
‫)ﺣﺘﻰ ﻳﻐﻴﺮﻭﺍ ﻣﺎ‬ ‫ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺃﻓﺮﺩ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ ﺟﻮﺩﺕ ﺳﻌﻴﺪ ﻛﺘﺎﺑﺎ ً ﻛﺎﻣﻼً ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ‬
‫ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ(ﻭﺍﺧﺘﺼﺮ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺎﻗﺸﻬﺎ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺑﺎﻷﺳﻄﺮ ﺍﻟﻘﻠﻴﻠﺔ‬
‫ﺍﻟﻘﺎﺩﻣﺔ‪:‬‬
‫ً‬
‫ﺇﻥ ﻛﻞ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﻳﻔﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺍ ﻟﺤﺘﻤﻴﺔ ﺗﻘﻴﺪ ﺗﺼﺮﻓﻪ ﻓﻲ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺠﺎﺫﺑﻴﺔ ﻗﺎﻧﻮﻥ‬
‫ﻁﺎﻟﻤﺎ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑﺤﺘﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻨﻘﻞ ﺑﺮﺍً ﻭﺑﺤﺮﺍً‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﻳﺘﺨﻠﺺ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺘﻤﻴﺔ ﺑﺈﻟﻐﺎء ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ‬
‫ﺑﺎﻟﺘﺼﺮﻑ ﻣﻊ ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻷﺯﻟﻴﺔ ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺗﺠﻌﻠﻪ ﻳﻌﺒﺮ ﺍﻟﻘﺎﺭﺍﺕ ﻭﺍﻟﻔﻀﺎء ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﺍﻟﻴﻮﻡ‪.‬‬
‫ﺷﻴﺊ‪ ،‬ﺇﻧﻤﺎ ﺗﻔﻴﺪﻧﺎ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻻ ﻳﻨﺺ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺪﺍﺋﺐ ﺍﺳﺘﺤﺎﻟﺔ‬ ‫ﻓﺈﺫﺍ ﺃﻓﺎﺩﺗﻨﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍً‬
‫ﻣﻄﻠﻘﺔ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻮﺍﺟﻬﻪ ﺑﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﻳﻔﺮﺽ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﺍً ﺟﺪﻳﺪﺍً ﻟﻠﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺳﺒﺒﻴﺔ ﺿﻴﻘﺔ ﺍﻟﻨﻄﺎﻕ‪.‬‬
‫ﻭﻛﺄﻧﻤﺎ ﺍﻷﺥ ﺟﻮﺩﺕ ﺳﻌﻴﺪ ﻳﻨﻘﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻣﻦ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻤﺮﺍﺣﻞ ﺍ ﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻣﺜﻠﻪ ﻗﺪ ﺗﺴﺘﻌﺼﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻜﺮﺓ ﺗﻄﻮﻳﻊ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ‪ ،‬ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻓﻬﻮ‬
‫ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺗﺨﻠﻴﺺ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﻦ ﻗﻴﻮﺩ ﺍﻟﺴﺒﺒﻴﺔ ﺍﻟﻤﻘﻴﺪﺓ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺗﺮﺑﻄﻪ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻟﺸﺎﺋﻌﺔ ﻋﻨﺪ‬
‫ﺍﻟﻤﺆﺭﺧﻴﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺝ‪.‬ﺍ‪ .‬ﺗﻮﻳﻨﺒﻲ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻭﻥ ﺃﻥ ﺍﻷﺷﻴﺎء ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺗﺴﻴﺮ ﻁﺒﻘﺎ ً ﻟﺴﺒﺒﻴﺔ ﻣﺮﺣﻠﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻭﺇﻥﻣﺎ ﺍﻷﺥ ﺟﻮﺩﺕ ﻳﻌﻠﻢ‪ ،‬ﻛﻤﺴﻠﻢ ﻣﺘﺸﺒﻊ ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﻳﺨﻀﻊ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻟﻘﺎﻧﻮﻥ‬
‫ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ‪.‬‬
‫ﻓﺘﺼﻔﻴﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﻀﺔ ﻫﻲ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﻷﺥ ﺟﻮﺩﺕ‪ ،‬ﺃﻧﻨﺎ ﻧﺮﺍﻩ ﻳﺘﺨﺬ ﻛﻤﺤﻮﺭ ﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ‬
‫)ﺇﻥ ﷲ ﻻ ﻳﻐﻴﺮ ﻣﺎ ﺑﻘﻮﻡ ﺣﺘﻰ ﻳﻐﻴﺮﻭﺍ ﻣﺎ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ( )‪ ،(۱۱:۱۳‬ﻭﻳﺘﺨﺬ ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻨﻮﺍﻧﺎ ً ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ‪.‬‬
‫ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺗﺘﻐﻴﺮ ﻭﺟﻬﺔ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺳﻴﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﺇﺫ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺮﺍﺣﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻘﺒﻞ ﺃﻭﻻً ﺗﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺣﺴﺐ‬
‫ﻁﺒﻴﻌﺘﻬﺎ‪ ،‬ﺗﺼﺒﺢ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻟﻠﺘﻐﻴﻴﺮ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﺤﺘﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻬﺎ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍً ﻳﺘﻘﺮﺭ ﻓﻲ‬
‫ﺃﻋﻤﺎﻕ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻟﻘﺪ ﺃﺷﺎﺩﺕ ﺃﻳﻀﺎ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺒﻘﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﻛﺸﻌﺎﺭ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪﻭﺍ ﺃﻧﻬﺎ‬
‫ﻟﻢ ﺗﻀﻊ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﺎﺭ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺘﺒﺮﻙ ﺑﻜﻼﻡ ﷲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻔﺎﺅﻝ ﺑﻪ‪ ،‬ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻴﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻷﻣﺮ‬
‫ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺗﻐﻴﻴﺮ‪ ،‬ﺃﻭ ﺇﺫﺍ ﺷﺌﻨﺎ ﻗﻠﻨﺎ ‪ :‬ﺇﻧﻬﺎ ﻭﺿﻌﺖ ﻓﻲ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ ﺍﻟﻐﻴﺒﻲ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ‬
‫ﺍﻟﻘﻮﻝ‪ :‬ﺑﺄﻥ ﺍﻝﻣﻔﻌﻮﻝ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻶﻳﺔ ﻗﺪ ﻋﻄﻞ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ"‪ .‬ﺃﻫـ‪.‬‬
‫ﺃﻭﻻً‪ :‬ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺳﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ‪.‬‬
‫ﺛﺎﻧﻴﺎ ً‪ :‬ﺳﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ ﺗﺸﻤﻞ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﻛﻠﻪ‪..‬‬
‫ﺛﺎﻟﺜﺎ ً‪ :‬ﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺗﻌﺎﻣﻞ ﻭﺧﻠﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﺴﻨﻦ‪.‬‬
‫ﺭﺍﺑﻌﺎ ً‪ :‬ﺗﺘﺠﻠﻰ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﻭﻛﻠﻤﺎﺕ ﷲ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺴﻨﻦ‪.‬‬
‫ﺧﺎﻣﺴﺎ ً‪ :‬ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻁﺎﺑﻊ ﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺩ ﻭﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻡ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ ﺗﺘﺒﻊ ﻣﻘﺪﻣﺎﺗﻬﺎ ﺑﺪﻭﻥ ﺗﺨﻠﻒ‪.‬‬
‫ﺳﺎﺩﺳﺎ ً‪ :‬ﺇﻥ ﺗﺨﻠﻒ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻋﻦ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﻟﻪ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻣﻌﻮﻗﺔ‪.‬‬
‫ﺳﺎﺑﻌﺎ ً‪ :‬ﺇﻥ ﺃﺩﺍﺓ ﻛﺸﻒ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﻤﻌﻮﻕ ﻫﻮ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔ‪.‬‬
‫ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻣﺨﺘﺼﺮﺓ ‪ :‬ﺁﻥ ﺗﺨﻠﻒ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ ﻣﻨﺎ ﺃﻣﺮﺍﻥ ‪ :‬ﺍﻓﺘﺮﺍﺽ ﺣﺼﻮ ﻝ ﺧﻄﺄ‪ ،‬ﺛﻢ ﺇﻋﻼﻥ ﺣﺎﻟﺔ‬
‫ﺍﻟﻄﻮﺍﺭﺉ ﻟﻼﺳﺘﻨﻔﺎﺭ ﻭﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺨﻠﻞ‪....‬‬
‫ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻫﺬﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﻮﺿﻌﻪ ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ‬
‫ﻳﺠﺐ ﻭﺑﺸﻜﻞ ﻣﻠﺢ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻪ ﻟﺘﺪﺍﺭﻙ ﺍﻟﺨﻠﻞ ﺍﻟﺤﺎﺻﻞ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫)ﻭﻗﺎﻟﺖ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﻨﺼﺮﻯ ﻧﺤﻦ ﺃﺑﻨﺆﺍ ﷲ ﻭﺃﺣﺒﺆﻩ ﻗﻞ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺬﺏﻛﻢ ﺑﺬﻧﻮﺑﻜﻢ ﺑﻞ ﺃﻧﺘﻢ ﺑﺸﺮ ﻣﻤﻦ ﺧﻠﻖ ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻤﻦ‬
‫ﺎء ﻭﻳﻌﺬﺏ ﻣﻦ ﻳﺸﺎء ﻭہﻠﻟ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﺴﻤﻮﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ ﻭﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻭﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮ( )ﻣﺎﺋﺪﺓ‪.(۱۸‬‬

‫ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕ ﻟﻔﻚ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‬

‫ـ ﻧﻮﺡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻓﺸﻞ ﻓﻲ ﻣﻬﻤﺔ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﺜﺎﻓﺔ‬
‫ﺍﻟﺠﻬﺪ‪ ،‬ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻁﻮﻝ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﻤﺒﺬﻭﻝ‪.‬‬
‫ـ ﻗﺼﺔ ﺃﺻﺢﺍﺏ ﺍﻷﺧﺪﻭﺩ ﻗﻀﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻭﺃﻫﻠﻬﺎ‪.‬‬
‫ـ ﺍﻟﺸﻚ ﻓﻲ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﻈﻢ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺪﻋﻮﺍﺕ‪.‬‬
‫ـ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﻓﻦ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﺑﻌﺪﻩ ﻋﻦ ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪.‬‬
‫ـ ﻛﻔﺎﻧﺎ ﻛﻼﻣﺎ ً ﻭﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻌﻤﻞ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺴﻴﻒ ﺃﺻﺪﻕ ﺃﻧﺒﺎء ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ‪.‬‬
‫ـ ﺇﻥ ﻣﺜﻞ ﺯﻭﺟﺔ ﻟﻮﻁ ﻭﻧﻮﺡ ﻭﺍﺑﻦ ﻧﻮﺡ ﻻ ﻳﺘﻄﺎﺑﻘﺎﻥ ﻣﻊ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉﻱ‪.‬‬

‫ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕ‪:‬‬
‫ﺇﺫﺍ ﺗﺒﻠﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ ﻣﺮ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻧﻨﺎ ﺍﺟﺘﺰﻧﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻘﺒﺔ ﺑﺴﻼﻡ؟!‪ ..‬ﻭﺇﺑﺮﺍﺯ ﺍﻋﺘﺮﺍﺽ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺿﻮﻉ‬
‫ﺭﺑﻂ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺑﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻝ ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺃﻋﻄﺎﻧﺎ ﻣﺜﻼً ﻓﻲ ﻗﺼﺔ ﻧﻮﺡ ﻋﻦ ﻋﺪﻡ ﺟﺪﻭﻯ‬
‫ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﺩﻋﻮﺓ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺎ‪.‬‬
‫ﻭﺗﺮﺟﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻟﻼﻋﺘﺮﺍﺽ‪ :‬ﺇﻧﻪ ﻣﻊ ﻛﻞ ﺍﻟﺠﻬﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺬﻟﻬﺎ ﻧﻮﺡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﻪ ﻓﺈﻧﻪ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻨﺠﺢ‪ ،‬ﺑﻞ ﻓﺸﻞ ﻓﻲ ﻣﻬﻤﺔ ﻫﺪﺍﻳﺔ ﻗﻮﻣﻪ‪..‬‬
‫ﻭﺍﻋﺘﺮﺍﺽ ﺛﺎﻥ‪ :‬ﻓﻲ ﻗﺼﺔ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻷﺧﺪﻭﺩ ﻭﻫﻲ ﺗﻔﻴﺪ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺍﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﻓﻼ ﻳﺒﻘﻰ‬
‫ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺼﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻋﺘﺮﺍﺽ ﺛﺎﻟﺚ‪ :‬ﺇﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺩﻉﻭﺓ ﺃﻭ ﻧﺸﺎﻁ ﻣﺎ ﺑﺄﻧﻪ ﻓﺸﻞ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺪﻓﻪ‪ ،‬ﻷﻥ ﻫﺬﺍ ﻣﺮﺗﺒﻂ‬
‫ﺑﺎﻟﻔﺘﺮﺓ ﺍﻟﺰﻣﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ ﺑﻴﺌﺔ ﻷﺧﺮﻯ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺮﺕ ﻓﺘﺮﺓ ﺯﻣﻨﻴﺔ ﻭﻟﻢ ﺗﻨﺠﺢ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ‪ :‬ﺃﻥ‬
‫ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻣﺎﺿﻴﺔ ﻓﻲ ﻁﺮﻳﻘﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻣﻮﻋﺪ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﺃﻣﺮ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻪ ﺇﻻ ﷲ؟!!‪...‬‬
‫ﻭﺍﻋﺘﺮﺍﺽ ﺭﺍﺑﻊ‪ :‬ﺇﻧﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﺪﻋﻮ ﺍﺕ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﻧﻔﻲ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﺇﻥ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻮﻧﻪ ﻫﻮ‬
‫ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﺗﺰﻭﻳﻖ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎﺕ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻣﺮﺩﻫﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ً ﺇﻟﻰ ﷲ!!!‪...‬‬
‫ﻭﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﺫﻟﻚ ﻧﻘﻮﻝ ‪ ........‬ﺳﻮﻑ ﻧﺤﺎﻭﻝ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﺽ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻷﻧﻨﺎ ﺑﺤﺜﻨﺎﻩ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻔﺼﻞ ﻓﻨﻌﻠﻖ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻵﻥ ﺑﺸﻜﻞ ﺧﻔﻴﻒ‪.‬‬

‫ﺍﻋﺘﺮﺍﺽ ﺃﻭﻝ‪:‬‬
‫ـ ﻻ ﻳﻮﺟﺞ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻳﻨﻈﻢ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺪﻋﻮﺍﺕ ﻓﻲ ﺗﻔﺎﻋﻠﻬﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ‪:‬‬
‫ـ ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻜﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻀﻴﻊ ﺍﻟﻮﻗﺖ‪ ،‬ﻓﻠﻨﺪﻉ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﻟﻨﻌﻤﻞ ﻭﻧﻌﻢ ﺃﺟﺮ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ‪.‬‬
‫ـ ﺇﻥ ﺧﻼﺻﺔ ﺍﻷﻣﺮ ﺃﻥ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻣﺮﺩﻫﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ً ﺇﻟﻰ ﷲ ‪....‬‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﺽ ﺿﻌﻴﻒ ﻭﻣﺘﻨﺎﻗﺾ ﻭﺗﻬﺮﺏ ‪ ..‬ﻓﺄﻣﺎ ﺃﻧﻪ ﺿﻌﻴﻒ ﻓﻸﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﻤﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻧﺎﻗﺸﺖ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺪﻳﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ﻭﺍﻟﻨﻘﻠﻲ ﻋﻦ ﺳﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ‪...‬‬

‫‪33‬‬
 ‫ﻭﺃﻣﺎ ﺃﻧﻪ ﻣﺘﻨﺎﻗﺾ ﻓﻠﺘﺼﻮﺭﻩ ﺃﻧﻨﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺟﻌﻨﺎ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﷲ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺗﺴﻴﺮ ﺑﻐﻴﺮ ﺳﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻷﻣﺮ ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍ ﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺗﺴﻴﺮ ﺑﺴﻨﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ‬
‫ﺑﺴﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﺗﺠﺎﻫﻴﻦ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﻴﻦ ﻳﺼﻼﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ‪،‬‬
‫ﻓﺄﺻﺤﺎﺑﻨﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺫﻛﺮﻧﺎﻫﻢ ﻳﺮﻭﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﺣﻮﺍﺩﺛﻪ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺪﻋﻮﺍﺕ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺴﻨﻦ‪ ،‬ﻭﻳﺮﻭﻥ‬
‫ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺿﺮﺑﺎ ً ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻁﺎﺋﻞ ﺗﺤﺘﻬﺎ ﻭﻫﻢ ﻫﻜﺬﺍ ﻳﺆﻣﻨﻮﻥ‪...‬؟‬
‫ﻭﻓﻲ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻳﺮﻯ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ـ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﻣﻤﺜﻠﻬﻢ ﺳﺎﻁﻊ ﺍﻟﺤﺼﺮﻱ ـ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ‬
‫ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ﻋﻦ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ـ ﺃﻥ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻭﻫﻮ ﻳﺘﻮﻟﻰ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻳﻌﻘﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺑﺤﺚ‬
‫ﻭﻗﻀﻴﺔ ﺗﻦﺍﻭﻟﻬﺎ ﺑﺂﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﺑﻴﻦ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻈﻢ ﺣﺮﻛﺔ‬
‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﻭﻫﻢ ﻫﻜﺬﺍ ﻳﻌﺘﻘﺪﻭﻥ؟‬
‫ﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ﻋﻦ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻟﺴﺎﻁﻊ ﺍﻟﺤﺼﺮﻱ ﺗﺤﺖ ﺑﺤﺚ ﺟﻮﻟﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‬
‫ﻭﺍﻟﻤﺆﺭﺧﻴﻦ ﺹ‪:۱۲ :‬‬
‫"ﻭﻟﻘﺪ ﻟﻘﻴﺖ ﻣﻦ ﻳﻘﻮﻝ‪ :‬ﺃﻥ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻳﻨﻬﻲ ﻛﻞ ﻓﺼﻞ ﻣﻦ ﻓﺼﻮ ﻝ ﻣﻘﺪﻣﺘﻪ ﺑﺬﻛﺮ ﷲ ﻭﺑﺎﻟﺮﺟﻮﻉ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﻢ‬
‫ﷲ‪ ،‬ﺇﻧﻪ ﻳﻜﺘﺐ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﻛﻞ ﺑﺤﺚ ﻣﻦ ﺑﺤﻮﺛﻪ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ً "ﻭﷲ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﺼﻮﺍﺏ " ‪ ،‬ﺃﻭ "ﻭﷲ ﻳﻌﻠﻢ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﻻ‬
‫ﺗﻌﻠﻤﻮﻥ" ‪ ،‬ﺃﻭ "ﻭﻓﻮﻕ ﻛﻞ ﺫﻱ ﻋﻠﻢ ﻋﻠﻴﻢ " ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻮﻓﻖ ﺑﻴﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺍﺕ‪ ،‬ﻭﺑﻴﻦ "ﻧﺰﻋﺔ‬
‫ﺍﻷﺑﺤﺎﺙ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ" ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﺃﻻ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺵﻱء ﻏﻴﺮ "ﺍﻟﺪﻻﺋﻞ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ"‬
‫ً‬
‫"ﺃﻣﺎ ﺃﻧﺎ ﻓﺄﻗﻮﻝ ﻟﻬﺆﻻء ﻭﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﻘﺪﻡ ﻋﻠﻰ ﻗﺮﺍءﺓ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ‪ :‬ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻻ ﻧﻨﺴﻰ ﺃﺑﺪﺍ ﺃﻥ ﻛﺎﺗﺐ‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﻣﻦ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻟﻠﻤﻴﻼﺩ‪ ،‬ﻓﻴﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺘﺴﺎءﻝ ‪ :‬ﺇﻟﻰ ﺃﻱ ﺩﺭﺟﺔ ﻳﺤﻖ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ‬
‫ﻧﺆﺍﺧﺬ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮ ﻭﻧﻠﻮﻣﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ ﺣﻮﻝ ﻫﺬ ﻩ ﺍﻷﻣﻮﺭ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ‪ ،‬ﻗﺒﻞ ﻣﺪﺓ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﺧﻤﺴﺔ‬
‫ﻗﺮﻭﻥ ﻭﻧﺼﻒ ﻗﺮﻥ" ﺇ ﻫـ ‪.‬‬
‫ﻭﺗﻨﺎﻗﺾ ﺁﺧﺮ ﻓﻲ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﺎﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺭﺃﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻭﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ ﺃﻧﻬﻢ ﺍﻟﺒﻨﺎﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﻮﻥ ﻟﻠﺤﻀﺎﺭﺓ‬
‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﺇﻧﻬﻢ ﻣﻔﺠﺮﻭ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ‪ ،‬ﺇﻧﻬﻢ ﻣﻨﺸﺌﻮ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ‪ ،‬ﺇﻧﻬﻢ ﻣﻐﻴﺮﻭ ﻣﺠﺮﻯ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪... ،‬‬
‫ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﺟﺘﻤﻌﺖ ﺑﻬﻢ ﻭﻧﺎﻗﺸﺘﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺑﺤﺚ ﻫﺎﺩﺉ ﻋﻠﻤﻲ ﺇﻻ ﺿﺮﺑﺎ ً ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﻛﻼﻣﺎ ً ﻻ ﻁﺎﺋﻞ ﺗﺤﺘﻪ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﺣﺎﺟﺘﻨﺎ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻭﺩﻋﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻼﻡ‪...‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ ﻫﻮ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﺗﺼﻮﺭ ﻣﻊ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ‪ ،‬ﺃﻱ ﺟﻮﺍﺏ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻭﻛﻴﻒ ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ‬
‫ﺃﻥ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺑﺪﻭﻥ ﺗﺺﻭﺭ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻣﻦ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﺍﻟﻤﺄﺳﺎﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺗﻘﻠﻴﻞ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬ﻭﺗﺼﻮﺭ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺳﻔﺴﻄﺔ‪ ،‬ﺃﻭ‬
‫ﻣﻀﻴﻌﺔ ﻟﻠﻮﻗﺖ‪ ،‬ﺃﻭ ﺗﺮﻑ ﻋﻘﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ ﺍﻟﺒﻌﺾ ‪ ...‬ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺑﺤﺚ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ‪.‬‬
‫ﻓﻤﺜﻼً ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﻌﺮﺽ ﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻣﺎ ﻭﻟﺘﻜﻦ ﺧﻼﻑ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲ‪ ،‬ﻗﻀﻴﺔ ﻣﻌﺎﺻﺮﺓ‪ ،‬ﺃﺯﻣﺔ ﺍﻟﺒﻄﺎﻟﺔ‪ ،‬ﺧﻼﻑ ﻉ ﻟﻲ ـ‬
‫ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺠﺪﻝ ﺣﺮﺍﻡ ﺃﻡ ﺣﻼﻝ‪ ،‬ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ‪ ،‬ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺃﻭ ﺗﺮﻙ ﺟﻤﺎﻋﺔ‪،‬‬
‫ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺟﻤﻊ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ....‬ﺇﻟﺦ ‪....‬ﺇﻟﺦ ‪.....‬‬
‫ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺤﺪﺙ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ً ﻣﺎ ﻳﻠﻲ ‪ :‬ﻳﻔﻌﻞ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘﻜﻠﻢ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺑﻘﺪ ﺑﻀﺎﻋﺘﻪ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ‬
‫ﺗﻌﺮﺕ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﺣﻤﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻗﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺤﺼﻠﺔ ﺩﻋﻮﻧﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺪﻝ‪ ،‬ﺛﻢ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﻟﻤﻠﻤﺔ‬
‫ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ‪ ،‬ﻭﻓﺮﺵ ﺍﻟﺒﺴﺎﻁ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻔﻈﺎ ً ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﺳﻮﻳﺔ‪...‬‬
‫ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺃﺳﺠﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﺃﻧﻬﺎ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺗﺘﻜﺮﺭ‪ ،‬ﻭﺗﻠﻔﺖ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻭﻳﺠﺐ ﻭﺿﻌﻬﺎ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻤﺠﻬﺮ‪ ،‬ﻓﻬﺬﻩ‬
‫ﻭﺩﻋﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺪﻝ‪ ،‬ﺣﺮﺻﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺓ ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ‪ ،‬ﻗﺎﺩ ﺇﻟﻰ ﻋﻜﺲ ﻣﺎ‬ ‫ﺍ‬ ‫ﺍﻟﻤﻘﺎﻟﺔ‪ :‬ﺩﻋﻮﻧﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ‪،‬‬
‫ﺃﺭﺍﺩﻭﺍ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺼﻒ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﻼﻗﻲ ﺍﻟﺘﺼﺪﻉ ﺧﻠﻒ ﺍﻷﺧﺮ ﻭﺍﻟﺤﺰﺏ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺻﺎﺭ ﺃﺟﻨﺤﺔ‬
‫ﻭﺭﻳﺸﺎ ً ﻭﺯﻏﺒﺎ ً !!!‪..‬‬
‫ﻫﻨﺎﻙ ﺗﺼﻮﺭ ﻣﻔﺎﺩﻩ ﺍﻻﺳﺘﺴﻬﺎﻝ ﺃﻭ ﺍﻻﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﺃﻱ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻨﻮﺍﺱ ﺗﺘﻢ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﺤﺪﻳﻦ‪ ،‬ﻓﺈﻣﺎ ﺃﻥ‬
‫ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ﻭﺳﻬﻠﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻘﻌﺪﺓ ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻧﺘﻌﺐ ﺃﺩﻣﻐﺘﻨﺎ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻓﻴﻬﺎ‪...‬‬

‫‪34‬‬
 ‫ﺇﻥ ﺗﺼﻮﺭ ﺍﻧﻜﺸﺎﻑ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﺑﺤﺚ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺃﻭ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﻫﻮ ﻋﻤﻞ ﺑﻬﻠﻮﺍﻧﻲ ﻓﻜﺮﻱ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻤﻦ‬
‫ﻳﺒﺤﺚ ‪....‬‬
‫ً‬
‫ﻛﻨﺖ ﺃﺿﺮﺏ ﻣﺜﻼ ﻟﻸﺧﻮﺓ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ﺣﻮﻝ ﻣﺎ ﺳﻤﻴﺘﻪ ﺗﻌﺒﻴﺪ ﻁﺮﻕ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ‪:‬‬
‫ﺇﻥ ﺑﺤﺚ ﺃﻱ ﻗﻀﻴﺔ ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﺩ ﺭﺟﺔ ﺗﻌﻘﻴﺪﻫﺎ ﻁﺮﺩﺍً ﻣﻊ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬ﺃﻭ ﻭﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺤﺘﺎﺟﻬﺎ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻓﻠﻜﻲ ﻳﺼﺒﺢ ﻁﺮﻳﻖ ﻣﺎ ﺻﺎﻟﺤﺎ ﻟﻤﺮﻭﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﺩ ﻣﺤﺪﺩ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻤﻬﻴﺪ‬
‫ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺪ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﺒﺢ ﺟﺎﻫﺰﺍً ﻟﻼﺳﺘﻌﻤﺎﻝ‪.‬‬
‫ﻭﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻫﺬﺍ ﻧﻘﻮﻝ‪:‬‬
‫ً‬
‫ﺣﺘﻰ ﺗﺴﻴﺮ ﺍﻟﻌﺮﺑﺎﺕ ﻓﻲ ﻁﺮﻳﻖ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺣﺘﻰ ﻳﺺﺑﺢ ﺟﺎﻫﺰﺍ ﻟﻼﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻋﺪﺓ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ‬
‫ﺗﺪﺍﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﺒﺢ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺷﺎﺭﻋﺎ ً ﻣﻌﺒﺪﺍً‪.‬‬
‫ﺑﺪءﺍً ﻣﻦ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ‪ ،‬ﺇﺯﺍﻟﺔ ﺍﻟﻌﻘﺒﺎﺕ‪ ،‬ﺗﺴﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻨﺨﻔﻀﺎﺕ‪ ،‬ﺗﺨﻔﻴﺾ ﺍﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺎﺕ‪ ،‬ﺑﻨﺎء ﺍﻟﺠﺴﻮﺭ‪،‬‬
‫ﺛﻢ ﻓﺮﺷﺔ‪ ،‬ﻭﺃﺧﻴﺮﺍً ﺇﻣﺮﺍﺭ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻹﺳﻔﻠﺖ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ‪.‬‬
‫ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻗﺪ ﺍﺳﺘﻮﻯ ﻟﻺﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻓﺘﻤﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ‪..‬‬
‫ﺇﺫﺍ ﺟﺌﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺑﺤﺚ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻛﻲ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺟﺎﻓﺔ ﻣﺠﻬﻮﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻣﻤﻬﺪﺓ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﻤﻬﻴﺪ‬
‫ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﻤﺮﻳﺮ ﻭﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺃﻗﻨﻴﺔ ﺍﻟﺪﻣﺎﻍ‪.‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺪﻣﺎﻍ ﻛﺠﻬﺎﺯ ﻛﻤﺒﻴﻮﺗﺮ ﻣﻌﻘﺪ ﻳﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺟﻮﺍﻧﺒﻪ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺃﻥ ﻭﺣﺪﺍﺕ‬
‫ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪ ،‬ﺛﻢ ﺇﻧﺸﺎء ﺷﺒﻜﺔ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﺣﻮﻝ ﻗﻀﻴﺔ ﻣﺎ ﻫﻲ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺗﻌﺒﻴﺪ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻫﻨﺎ ﻁﺮﻳﻖ‬
‫ﻓﻜﺮﻱ ﻭﺃﻗﻨﻴﺘﻪ ﻫﻨﺎ ﺍﻟﻤﺴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﻠﺔ ﺍﻟﻤﺦ‪...‬‬
‫ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻮﺍﺟﻪ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﺎ ﻟﻠﺒﺤﺚ‪ ،‬ﻓﻴﺠﺐ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻬﺮﺏ ﻣﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻣﻮﺍﺟﻬﺘﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﺻﺤﻴﺢ‪،‬‬
‫ﺗﺤﺪﻳﺪﻫﺎ‪ ،‬ﺗﺤﻠﻴﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺇﺩﺭﺍﻛﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺗﺠﻠﻴﺔ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻐﻤﻮﺽ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻭﺿﻮﺡ ﻓﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻛﻞ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﻋﻤﻞ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻨﺎ ﺍﺣﺘﺮﺍﻣﺎ ً ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻳﺠﺐ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﻗﻀﻴﺔ ﻣﺎ‬
‫ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﻹﻧﺘﺒﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺣﻠﻬﺎ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﻋﻤﻞ ﻣﺤﺪﺩﺓ‪.‬‬
‫ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻭﺑﺎﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺑﻨﺎء ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻓﻚﺭﻳﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ‪،‬‬
‫ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺳﻠﻮﻙ ﻣﺸﺘﺮﻙ‪...‬‬

‫ﺍﻋﺘﺮﺍﺽ ﺛﺎﻧﻲ‪:‬‬
‫ﺇﻧﻪ ﻣﻊ ﻛﻞ ﺍﻟﺠﻬﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺬﻟﻬﺎ ﻧﻮﺡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻓﺸﻞ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ‪ ...‬ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ‬
‫ﺇﺫﻥ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﻓﻲ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺗﻮﻟﻲ ﻗﻴﺎﺩﺗﻪ ﻛﻤﺎ ﺣﺪﺙ ﻟﻨﻮﺡ ﻣﻊ ﺃﻧﻪ ﺩﻋﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺗﺴﻌﺔ‬
‫ﻗﺮﻭﻥ!‪...‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﻭﻳﻠﺤﻖ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻋﺘﺮﺍﺽ ﻓﺮﻋﻲ ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺃﻥ ﺃﺣﺪ ﺃﺑﻨﺎء ﻋﻤﺮـﺮـ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺴﻠﻤﺎ ﺟﻴﺪﺍ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺸﺮﺏ‬
‫ﺍﻟﺨﻤﺮ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻪ ﻣﻊ ﻛﻞ ﺯﺧﻢ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺧﺮﺝ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺧﻼﻑ ﻣﺎ ﺃﺭﺍﺩﻩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪...‬‬
‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﺤﺜﻨﺎ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ـ ﺍﻷﺳﻠﻮﺏ ـ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﻗﻠﻨﺎ ‪ :‬ﺇﻥ ﻋﺠﺰ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻋﻦ ﺑﻠﻮﻍ ﻫﺪﻓﻪ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺧﻄﺄ ﻓﻲ ﺍ ﻟﻌﻤﻞ‬
‫ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﻭﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﺫﻟﻚ ﻧﻘﻮﻝ‪:‬‬
‫ً‬
‫ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﻋﻴﺔ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﺑﺎﻷﺻﻞ ﻣﻦ ﺗﺼﻮﺭ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﻤﺎﺭﺱ ﻋﻤﻠﻴﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ‬
‫ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﺪﻑ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﻋﺠﺰﺕ ﻛﺎﻥ ﺳﺒﺒﻪ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺘﺤﻘﻴﻖ ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺑﺎﻷﺻﻞ ﺧﻄﺄ‪ ،‬ﻷﻧﻪ‬
‫ﺃﻗﺪﻡ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻞ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻁﺎﻗﺘﻪ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻄﻠﻖ ﻣﺴﺘﺤﻴﻞ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻴﻪ‪ ،‬ﺃﻭ ﺃﻥ ﻁﺎﻗﺔ‬
‫ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺗﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﻭﻫﻲ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﺇﻣﺎ ﻛﻤﻴﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻓﻠﻦ ﺗﺼﻞ ﻗﻄﻌﺎً‪ ،‬ﻭﺇﻣﺎ ﻛﻤﻴﺔ‬
‫ﻣﺘﻄﻮﺭﺓ‪ ،‬ﻭﻫﺬﻩ ﺳﺘﺼﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﻣﻜﻦ ﺗﻄﻮﻳﺮﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺪﻯ ﻁﺎﻗﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻬﺪﻑ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺸﻲء ﺍﻟﺜﺎﺑﺖ ﻓﻲ ﻗﺼﺺ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎء ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻫﻮ ﺍﻧﺘﺼﺎﺭ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ‪ ،‬ﻭﺇﻧﺘﺶﺍﺭ ﺩﻋﻮﺗﻪ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺇﺫﺍ ﺃﺣﺴﻦ ﻓﻬﻤﻪ ﻭﻣﻤﺎﺭﺳﺘﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﺣﺘﻤﻴﺔ ﺍﻟﻨﺼﺮ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺗﺘﻜﺮﺭ ﺑﺪﻭﻥ ﺷﺬﻭﺫ ﻓﻲ ﻗﺼﺺ‬
‫ﺍﻷﻧﺒﻴﺎء ﺟﻤﻴﻌﺎً‪ ،‬ﻭﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﺡ ﻧﻘﻮﻝ‪:‬‬
‫ﻛﻠﻤﺎ ﻋﺎﻧﺖ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﻜﺴﺔ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻟﺴﺒﺐ ﺃﻭ ﺁﺧﺮ ﻟﺠﺌﺎﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﻣﺜﻞ ﻧﻮﺡ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻳﺴﺘﻘﻮﻥ ﻣﻨﻪ ﺩﻟﻴﻼً ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡ ﺟﺪﻭﻯ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ‪ ،‬ﻭﺗﺮﻛﻮﺍ ﻣﺜﻞ ﻣﺤﻤﺪ‬
‫ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻧﺠﺢ ‪ %۱۰۰‬ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺟﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺃﻋﺮﺍﺏ ﺍﻟﺠﺰﻳﺰﺓ‪.‬‬
‫ﻟﻨﺘﺼﻮﺭ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻭﻧﺤﻦ ﻧﺮﺑﻂ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﺳﻠﻔﺎ ً ﺑﻤﺒﺪﺍً ﻗﺪ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻔﺸﻞ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺗﺼﻮﺭ ﻓﺸﻞ ﻧﻮﺡ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﺧﺎﺻﺔ ﻭﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﻮﺓ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻳﺴﺎﻋﺪﻫﺎ ﻁﻮﻓﺎﻥ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﻋﺼﺮﻱ ﺟﺪﻳﺪ ‪ ..‬ﺇﻥ ﻧﻔﺲ‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻔﻬﻢ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﺮﺃﻩ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ – ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ‪ -‬ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺠﺢ!‪..‬‬
‫ﺇﻥ ﻗﺼﺔ ﻧﻮﺡ ﺗﻤﺜﻞ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺑﺪﺍﺋﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ‪ ،‬ﻭﻣﺴﺘﻮﻯ ﻣﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺗﻈﺎﻫﺮﺕ‬
‫ﺑﺸﻜﻞ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﺳﺘﻌﺼﺎء ﺍﺟﺖﻣﺎﻋﻴﺔ ﻣﺰﻣﻨﺔ ‪ ،‬ﻟﻢ ﺗﻨﻔﻌﻬﺎ ﺇﻻ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺇﺳﺘﺼﺎﻝ ﺟﺮﺍﺣﻴﺔ ﺇﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ‪ ،‬ﺑﺄﺩﻭﺍﺕ‬
‫ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ‪ ،‬ﺑﻴﺪﻱ ﺍﻟﻌﻠﻲ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ‪..‬‬
‫ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺼﻞ ﻫﻮ ﺧﻼﻑ ﻣﺎﻁﺮﺣﻪ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻋﺘﺮﺿﻮﺍ ﺣﻴﻦ ﻗﺎﻟﻮﺍ ﺑﻔﺸﻞ ﻧﻮﺡ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ‪ ،‬ﺇﻥ ﻣﺎ‬
‫ﺍﻟﺬﻱ‬‫ﺣﺼﻞ ﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﻣﻀﺎﻋﻒ ﺗﻮﻗﻒ ﻣﻬﻤﻪ ﻧﻮﺡ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮﺓ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ‪ ،‬ﻑ‬
‫ﺣﺼﻞ ﺃﻥ ﺟﺴﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺃﺟﺮﻳﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺟﺮﺍﺣﻴﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﺃﻟﻘﺖ ﻣﺎ ﻓﺴﺪ ﻣﻨﻪ ‪ ،‬ﺛﻢ ﺑﻮﺷﺮ ﺑﺒﻨﺎء ﺟﺪﻳﺪ‬
‫ﻟﻺﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻧﻮﺣﺎ ً ﻟﻢ ﻳﻔﺸﻞ ﺑﺪﻟﻴﻞ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ )ﻓﺪﻋﺎ ﺭﺑﻪ *ﺃﻧﻲ ﻣﻐﻠﻮﺏ ﻓﺎﻧﺘﺼﺮ( )‪(۱۰-٥٤‬‬
‫ﻓﺠﺎء ﺍﻟﻨﺼﺮ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ )ﻓﻔﺘﺤﻨﺎ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﺴﻤﺎء ﺑﻤﺎء ﻣﻨﻬﻤﺮ ﻭﻓﺠﺮﻧﺎ ﺍﻷﺭﺽ ﻋﻴﻮﻧﺎ ً ﻓﺎﻟﺖﻗﻰ ﺍﻟﻤﺎء‬
‫ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮ ﻗﺪ ﻗﺪﺭ ﻭﺣﻤﻠﺘﻪ ﺫﺍﺕ ﺃﻟﻮﺍﺡ ﻭﺩﺳﺮ ﺗﺠﺮﻱ ﺑﺄﻋﻴﻨﻨﺎ ﺟﺮﺍء ﻟﻤﻦ ﻛﺎﻥ ﻛﻔﺮ( )‪(۱٤-۱۱ :٥٤‬‬
‫ﻛﺎﻥ ﺍﻧﺘﺼﺎﺭ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻗﺪﻳﻤﺎ ً ﺑﺘﺪﺧﻞ ﺇﻟﻬﻲ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﺑﺘﺪﻣﻴﺮ ﺃﻋﺪﺍﺋﻬﻢ ‪...‬‬
‫)ﻓﻜﻼ ﺃﺧﺬﻧﺎ ﺑﺬﻧﺒﻪ ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﺭﺳﻠﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺎﺻﺒﺎ ً ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﺧﺬﺗﻪ ﺍﻟﺼﻴﺤﺔ ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﺴﻔﻨﺎ ﺑﻪ‬
‫ﺃﻏﺮﻗﻦ ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﷲ ﻟﻈﻠﻤﻬﻢ ﻭﻟﻜﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻳﻈﻠﻤﻮﻥ( )ﺍﻟﻌﻨﻜﺒﻮﺕ ‪.(٤۰‬‬ ‫ﺍ‬ ‫ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ‬
‫ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻧﺘﺼﺎﺭ ﻧﻮﺡ ﻫﻲ ﺍﻻﺳﺘﺌﺼﺎﻝ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ‪ ،‬ﻭﺣﻤﻞ ﻧﻮﺍﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ )ﺣﺘﻰ‬
‫ﺇﺫﺍ ﺟﺎء ﺃﻣﺮﻧﺎ ﻭﻓﺎﺭ ﺍﻟﺘﻨﻮﺭ ﻗﻠﻨﺎ ﺍﺣﻤﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺯﻭﺝ ﻳﻦ ﺇﺛﻨﻴﻦ ﻭﺃﻫﻠﻚ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺳﺒﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻭﻣﻦ‬
‫ءﺍﻣﻦ ﻭﻣﺎ ءﺍﻣﻦ ﻣﻌﻪ ﺇﻻ ﻗﻠﻴﻞ( )‪.(٤۰ :۱۱‬‬
‫‪ ،‬ﺑﻄﻞ ﺃﺑﻌﺎﺩﻩ ﺍﻟﺒﺸﺮ‬ ‫ﻫﺆﻻء ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻫﻢ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ ﺍﻟﺠﻨﻴﻨﻴﺔ ﺍﻟﺤﻴﺔ ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ‬
‫ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻭﺍﻟﻄﻴﺮ‪"...‬ﻣﻦ ﻛﻞ ﺯﻭﺟﻴﻦ ﺃﺛﻨﻴﻦ" ﻓﻨﻮﺡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻧﺘﺜﺮ ﺑﻐﻴﺮ‬
‫ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﺘﺼﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﺇﻥ ﻁﺮﻳﻖ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎء ﻭﺍﻟﺮﺳﻞ ﺻﻠﻮﺍﺕ ﷲ ﻋﻠﻴﻬﻢ‬
‫ﺍﻣﺘﺎﺯ ﺑﺎﻟﺼﻌﻮﺑﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻪ ﺗﻜﻠﻞ ﺑﺎﻟﻨﺠﺎﺡ ﺩﻭﻣﺎ ً ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻭﺍﺗﺒﻌﻬﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ‪.‬‬
‫)ﺇﻧﺎ ﻟﻨﻨﺼﺮ ﺭﺳﻠﻨﺎ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻣﻨﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻳﻮﻡ ﻳﻘﻮﻡ ﺍﻷﺷﻬﺎﺩ( )‪(٥۱ :٤۰‬‬
‫)ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﻈﻦ ﺃﻥ ﻟﻦ ﻳﻨﺼﺮﻩ ﷲ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻷﺧﺮﺓ ﻓﻠﻴﻤﺪﺩ ﺑﺴﺒﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎء ﺛﻢ ﻟﻴﻘﻄﻊ ﻓﻠﻴﻨﻈﺮ ﻫﻞ ﻳﺬﻫﺒﻦ‬
‫ﻛﻴﺪﻩ ﻣﺎ ﻳﻐﻴﻆ ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺃﻧﺰﻟﻨﻪ ﺃﻳﺎﺕ ﺑﻴﻨﺎﺕ ﻭﺃﻥ ﷲ ﻳﻬﺪﻱ ﻣﻦ ﻳﺮﻳﺪ ( )‪ (۱٦-۱٥ :۲۲‬ﻓﻔﻲ ﻗﺼﺔ ﻧﻮﺡ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﺍﺳﺘﺆﺻﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺑﻜﺎﻣﻞ ﺃﺑﻌﺎﺩﻩ ﺣﺘﻰ ﺑﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺗﻪ ‪ ،‬ﻭﺃﺧﺬﺕ ﻋﻴﻨﺔ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎﺗﻪ‬
‫ﻟﺘﺰﺭﻉ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﺁﺧﺮ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺍﻟﻄﻮﻓﺎﻥ‪.‬‬
‫)ﻭﻗﻴﻞ ﻳﺎ ﺃﺭﺽ ﺃﺑﻠﻐﻲ ﻣﺎءﻙ ﻭﺑﺎ ﺳﻤﺎء ﺃﻗﻠﻌﻲ ﻭﻏﻴﺾ ﺍﻟﻤﺎء ﻭﻗﻀﻰ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﺃﺳﺘﻮﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻮﺩﻱ ﻭﻗﻴﻞ‬
‫ﺑﻌﺪ ﻟﻠﻘﻮﻡ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ( )‪.(٤٤ :۱۱‬‬
‫ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺟﺎء ﺇﻟﻰ ﻣﺠﺘﻤﻊ )ﺧﺎﻡ( ﻓﻤﻸﻩ ﺑﻔﻜﺮﺓ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻓﺼﻨﻊ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‬
‫ﺍﻻﺳﻼﻣﻲ ﺍﻷﻭﻝ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺘﻴﺴﺮﺍً ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻧﻮﺡ‪.‬‬

‫‪36‬‬
 ‫ﺱ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺰﻳﺮﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺣﺼﻞ ﻣﻌﻬﺎ ﺗﺤﻮﻝ ﺟﺰﺋﻲ ﺷﺒﻴﻪ ﺑﻘﺼﺔ ﻧﻮﺡ ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﺣﻤﻞ‬ ‫ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﻧﻒ‬
‫ً‬
‫ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻴﺄﺱ ﻣﻦ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﻜﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻤﻠﻬﺎ ﻣﺘﺄﺧﺮﺍ ‪ ،‬ﻭﻟﺤﺴﻦ ﺍﻟﺤﻆ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻋﺎﻗﺒﺔ ﻣﻜﺔ‬
‫ﻣﺜﻞ ﻗﺼﺔ ﻧﻮﺡ ﺑﻞ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﻘﺼﺔ ﻳﻮﻧﺲ‪.‬‬
‫)ﻓﻠﻮﻻ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﻳﺔ ﺁﻣﻨﺖ ﻓﻨﻔﻌﻬﺎ ﺇﻳﻤﺎﻧﻬﺎ ﺇﻻ ﻗﻮﻡ ﻧﻮﻧﺲ ﻟﻤﺎ ﺁﻣﻨﻮﺍ ﻛﺶ ﻓﻨﺎ ﻋﻨﻬﻢ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﺨﺰﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ‬
‫ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﺘﻌﻨﺎﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﻦ(‬
‫ﻭﻥ‬
‫ﻫﻜﺬﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺼﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻣﺰﻳﺞ ﺟﺎﻣﻊ ﺑﻴﻦ ﻧﻤﻮﺫﺝ ﻧﻮﺡ ﻭﻳﻮﻧﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ‬
‫ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻨﺎ ﻓﻜﺮﺓ‪ :‬ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﺮﻳﻖ ﺑﻴﻦ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﺩﻋﻮﺓ ﺭﺳﻮﻝ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺎ ﻭﺧﺎﺗﻤﺔ ﺩﻋﻮﺗﻪ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﺒﺮﺓ ﺩﻭﻣﺎ ً‬
‫ﺑﺎﻟﺨﺎﺗﻤﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﺎﻗﺒﺔ ﻟﻠﻤﺘﻘﻴﻦ‪.‬‬
‫ﻣﻦ ﺟﻮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻫﻮ ﻳﺴﺘﻌﺮﺽ ﻗﺼﺺ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎء ﻧﺠﺪ ﻣﻼ ﺣﻈﺘﻴﻦ ﺗﻜﺬﻳﺐ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎء ﻭﺍﻟﻌﺎﻗﺒﺔ ﻓﻲ ﺗﺪﻣﻴﺮ‬
‫ﺍﻟﻤﻜﺬﺑﻴﻦ ﻭﻧﺠﺎﺓ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻭﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻣﻌﻪ ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﻗﺼﺺ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎء ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻴﻦ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﺪﺧﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻻﻟﻬﻴﺔ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﻓﻌﻦ ﻗﻮﻡ ﻋﺎﺩ‪) :‬ﺇﻧﺎ ﺃﺭﺳﻠﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺭﻳﺤﺎ ﺻﺮﺻﺮﺍ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻧﺤﺲ ﻣﺴﺘﻢ ﺭ ﺗﻨﺰﻉ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻛﺄﻧﻬﻢ ﺃﻋﺠﺎﺯ ﻧﺨﻞ‬
‫ﻣﻨﻘﻌﺮ( )‪.(۱۹-۱۸ :٥٤‬‬
‫ﻭﻋﻦ ﻗﻮﻡ ﻟﻮﻁ‪) :‬ﻭﻟﻘﺪ ﺻﺒﺤﻬﻢ ﺑﻜﺮﺓ ﻋﺬﺍﺏ ﻣﺴﺘﻘﺮ(‪.(۳۸ :٥٤) .‬‬
‫ً‬
‫ﻭﻋﻦ ﻓﺮﻋﻮﻥ‪) :‬ﻓﻠﻤﺎ ﺍﺳﻔﻮﻧﺎ ﺃﻧﺘﻘﻤﻨﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﺄﻏﺮﻗﻨﺎﻫﻢ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ ﻓﺠﻌﻠﻨﺎﻫﻢ ﺳﻠﻔﺎ ﻭﻣﺜﻼً ﻟﻸﺧﺮﻳﻦ ( )ﺍﻟﺰﺧﺮﻑ‬
‫‪ (٥٦-٥٥‬ﻭﺃﻣﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺨﺎﺗﻤﺔ ﻭﻧﺠﺎﺓ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﻴﻘﻮﻝ ‪ :‬ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ )ﻗﻠﻨﺎ ﻳﺎ ﻧﺎﺭ ﻛﻮﻧﻲ ﺑﺮﺩﺍً ﻭﺳﻼﻣﺎ ً ﻋﻠﻰ‬
‫ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻭﺃﺭﺍﺩﻭﺍ ﺑﻪ ﻛﻴﺪﺍً ﻓﺠﻌﻠﻨﺎﻫﻢ ﺍﻷﺧﺴﺮﻳﻦ( )‪.(۷۰-٦۹ :۲۱‬‬
‫ﻟﻮﻁ‪) :‬ﻭﻧﺠﻴﻨﺎﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻤﻞ ﺍﻟﺨﺒﺎﺋﺚ ﺇﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻗﻮﻡ ﺳﻮء ﻓﺎﺳﻘﻴﻦ(‪.‬‬
‫ﻧﻮﺡ‪) :‬ﻓﺎﺳﺘﺠﺒﻨﺎ ﻟﻪ ﻓﻨﺠﻴﻨﺎﻩ ﻭﺃﻫﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺮﺏ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻭﻧﺼﺮﻧﺎﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺬﺑﻮﺍ ﺑﺄﻳﺎﺗﻨﺎ ( )‪-۷٦ :۲۱‬‬
‫‪.(۷۷‬‬
‫ﺃﻳﻮﺏ‪) :‬ﻓﺎﺳﺘﺠﺒﻨﺎ ﻟﻪ ﻓﻜﺸﻔﻨﺎ ﻣﺎ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺿﺮ ﻭﺃﺗﻴﻨﺎﻩ ﺃﻫﻠﻪ ﻭﻣﺜﻠﻬﻢ ﻣﻌﻬﻢ ﺭﺣﻤﺔ ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻭﺫﻛﺮﻯ ﻟﻠﻌﺎﺑﺪﻳﻦ (‬
‫)‪.(۸٤ :۲۱‬‬
‫ﻳﻮﻧﺲ‪) :‬ﻓﺎﺳﺘﺠﺒﻨﺎ ﻟﻪ ﻭﻧﺠﻴﻨﺎﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻢ ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻧﻨﺠﻲ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ( )‪ (۸۸ :۲۱‬ﻭﺍﻟﺸﺎﻫﺪ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﺫﻭﻣﻐﺰﻯ‪.‬‬
‫ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺗﺘﻜﺮﺭ ﺑﻌﺪ ﻳﺄﺱ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺛﻢ ﺩﻋﺎﺋﻪ ﻓﻲ ﺍﻷﺧﻴﺮ‪) :‬ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﺇﺳﺘﻴﺄﺱ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻭﻅﻨﻮﺍ ﺃﻧﻬﻢ ﻗﺪ‬
‫ﻛﺬﺑﻮﺍ ﺟﺎءﻫﻢ ﻧﺼﺮﻧﺎ ﻓﻨﺠﻲ ﻣﻦ ﻧﺸﺎء ﻭﻻ ﻳﺮﺩ ﺑﺄﺳﻨﺎ ﻋﻠﻦ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺍﻟﻤﺠﺮﻣﻴﻦ( )‪.(۱۱۰ :۱۲‬‬
‫ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻹﻫﻼﻙ ﻗﺪﻳﻤﺎ ً ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺘﻜﺬﻳﺐ ﺑﺎﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﺖ ﻟﻬﻢ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻁﻠﺒﻬﻢ ‪ ،‬ﻟﺬﺍ ﻋﻘﺐ‬
‫ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺑﻘﻮﻟﻪ‪) :‬ﻭﻣﺎ ﻣﻨﻌﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺮﺳﻞ ﺑﺎﻷﻳﺎﺕ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻛﺬﺏ ﺑﻬﺎ ﺍﻷﻭﻟﻮﻥ( )‪.(٥۹ :۱۷‬‬
‫ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻜﺬﻳﺐ ﺑﺎﻵﻳﺎﺕ ﻭﻣﺎ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪) :‬ﻭﻟﻮ ﺃﻧﺰﻟﻨﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﻛﺘﺎﺑﺎ ً ﻓﻲ ﻗﺮﻁﺎﺱ ﻓﻠﻤﺴﻮﻩ ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ ﻟﻘﺎﻝ‬
‫ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭﺍ ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺇﻻ ﺳﺤﺮ ﻣﺒﻴﻦ ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﻭﻟﻠﺒﺴﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﻠﺒﺴﻮﻥ ﻟﻮﻻ ﺃﻧﺰﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻠﻚ ﻭﻟﻮ ﺃﻧﺰﻟﻨﺎ ﻣﻠﻜﺎ ً‬
‫ﻟﻘﻀﻰ ﺍﻷﻣﺮ ﺛﻢ ﻻ ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﻭﻟﻮ ﺟﻌﻠﻨﺎﻩ ﻣﻠﻜﺎ ً ﻟﺠﻌﻠﻨﺎﻩ ﺭﺟﻼً( )‪.(۹-۷ :٦‬‬
‫ﻭﻫﻨﺎ ﻓﻜﺮﺓ ﻳﺠﺪﺭ ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﺃﻣﺎﻣﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﻣﻦ‬
‫ﻱ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪.‬‬
‫ﺧﻼﻝ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻑ‬
‫ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺗﻮﻗﻒ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ‪ ،‬ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺧﺘﻢ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ‪...‬‬
‫ﺃﺩﺍﺓ ﻟﻺﻳﻤﺎﻥ ﻭﻋﺪﻡ‬ ‫ﻓﻲ ﺑﻌﺜﺔ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻙ‬
‫ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﻛﺄﺳﻠﻮﺏ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻭﺭﺋﻴﺲ ﻟﻺﻗﻨﺎﻉ‪...‬‬
‫ﻣﺜﺎﻝ ﺫﻟﻚ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻹﺳﺮﺍء ﻣﻦ ﻁﻠﺒﺎﺕ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ )ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻦ ﻧﺆﻣﻦ ﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﺗﻔﺠﺮ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻷﺭﺽ ﻳﻨﺒﻮﻋﺎ ً ﺃﻭ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻚ ﺟﻨﺔ ﻣﻦ ﻧﺨﻴﻞ ﻭﻋﻨﺐ ﻓﺘﻔﺠﺮ ﺍﻷﻧﻬﺎﺭ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺗﻔﺠﻴﺮﺍ ﺃﻭ ﺗﺴﻘﻂ ﺍﻟﺴﻤﺎء ﻛﻤﺎ‬

‫‪37‬‬
 ‫ﺯﻋﻤﺖ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻛﺴﻔﺎ ً ﺃﻭ ﺗﻲ ﺑﺎہﻠﻟ ﻭﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻗﺒﻴﻼً ﺃﻭ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻚ ﺑﻴﺖ ﻣﻦ ﺯﺧﺮﻑ ﺃﻭ ﺗﺮﻗﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎء ﻭﻟﻦ‬
‫ﻧﺆﻣﻦ ﻟﺮﻗﻴﻚ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺰﻝ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻛﺘﺎﺑﺎ ً ﻧﻘﺮﺅﻩ ﻗﻞ ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺭﺑﻲ ﻫﻞ ﻛﻨﺖ ﺇﻻ ﺑﺸﺮﺍ ﺭﺳﻮﻻً ﻭﻣﺎ ﻣﻨﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻥ‬
‫ﻳﺆﻣﻨﻮﺍ ﺇﺫ ﺟﺎءﻫﻢ ﺍﻟﻬﺪﻯ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻗﺎﻟﻮﺍ ﺃﺑﻌﺚ ﷲ ﺑﺸﺮﺍً ﺭﺳﻮﻻ( )‪.(۹٤-۹۰ :۱۷‬‬
‫ﻓﺎﻻﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﺗﻐﻴﺮ ﻭﺳﻤﺔ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺃﻧﻪ ﺑﺸﺮ ﻳﺘﺤﺮﻙ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﺿﻤﻦ ﺍﻹﻗﻨﺎﻉ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ‪،‬‬
‫ﺃﻱ ﺃﻥ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﺗﻐﻴﺮ‪...‬‬
‫ﺗﻐﻴﺮ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ‪:‬‬
‫ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻷﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺴﻴﺮﺓ ﺍﻻﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺩﺧﻞ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ‬
‫ﻣﻌﺠﺰﺓ ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺳﻤﺎﻩ ﻓﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻷﺳﻼﻡ ﻣﺤﻤﺪ ﺇﻗﺒﺎﻝ ﻣﻮﻟﺪ ﺍﻝ ﻋﻘﻞ ﺍﻻﺳﺘﺪﻻﻟﻲ ﺃﻥ ﺃﻛﻮﻥ ﻛﻠﻪ ﻣﻈﺎﻫﺮ‬
‫ﻣﻌﺠﺰﺓ‪.‬‬
‫ﻓﺘﺎﺭﺓ ﻳﻠﻔﺖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺍﺑﺔ ﻭﺍﻟﻄﻴﺮ )ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻮﻻ ﻧﺰﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺁﻳﺔ ﻣﻦ ﺭﺑﻪ ﻗﻞ ﺇﻥ ﷲ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ‬
‫ﻳﻨﺰﻝ ﺁﻳﺔ ﻭﻟﻜﻦ ﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺩﺍﺑﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻻ ﻁﻴﺮ ﻳﻄﻴﺮ ﺑﺠﻨﺎﺣﻴﺔ ﺇﻻ ﺃﻣﻢ ﺃﻣﺜﺎﻟﻜﻢ ﻣﺎ‬
‫ﻓﺮﻁﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻣﻦ ﺷﻲء ﺛﻢ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻬﻢ ﻳﺤﺸﺮﻭﻥ( )‪.(۳۸-۳۷ :٦‬‬
‫ﻭﺗﺎﺭﺓ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺃﻭ ﻣﺎ ﺳﻤﺎﻩ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﺁﺧﺮ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻷﻧﻔﺲ ﻭﺍﻵﻓﺎﻕ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﻤﺎ‬
‫ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻜﺤﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺏ‪.‬‬
‫)ﻘﻮﻟﻮﻧﻠﻮﻻ ﺃﻧﺰﻝ ﻋﻠﻪ ﺁﻳﺔ ﻣﻦ ﺭﺑﻪ ﻓﻘﻞ ﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﻐﻴﺐ ہﻠﻟ ﻓﺄﻧﺘﻈﺮﻭﺍ ﺇﻧﻲ ﻣﻌﻜﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﺮﻳﻦ( )‪.(۲۰ :۱۰‬‬
‫)ﺳﻨﺮﻳﻬﻢ ﺁﻳﺎﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﻓﺎﻕ ﻭﻓﻲ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﺒﺘﻴﻦ ﻟﻬﻢ ﺃﻧﻪ ﺍﻟﺤﻖ ﺃﻭﻟﻢ ﻳﻜﻒ ﺑﺮﺑﻚ ﺃﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء‬
‫ﺷﻬﻴﺪ( )‪ (٥٤ :٤۱‬ﻭﺗﺎﺭﺓ ﻫﻲ ﺩﻻﺋﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﻣﻦ ﺃﺣﺪﺍﺙ )ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻮﻻ ﻳﺄﺗﻴﻨﺎ ﺑﺂﻳﺔ ﻣﻦ ﺭﺑﻪ ﺃﻭ ﻟﻢ‬
‫ﺗﺄﺗﻬﻢ ﺑﻴﻨﺔ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺤﻒ ﺍﻷﻭﻟﻰ( )‪.(۱۳۳ :۲۰‬‬
‫ﻭﻳﺨﺘﺼﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻓﻲ ﻋﺪﻡ ﺇﺭﺳﺎﻝ ﺍﻵﻳﺔ ﺑﺸﻮﺍﻫﺪ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ‪) :‬ﻭﻣﺎ ﻣﻨﻌﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺮﺳﻞ ﺑﺎﻷﻳﺎﺕ ﺇﻻ ﺃﻥ‬
‫ﻛﺬﺏ ﺑﻬﺎ ﺍﻷﻭﻟﻮﻥ ﻭﺃﺗﻴﻨﺎ ﺛﻤﻮﺩ ﺍﻟﻨﺎﻗﺔ ﻣﺒﺼﺮﺓ ﻓﻈﻠﻤﻮﺍ ﺑﻬﺎ ﻭﻣﺎ ﻧﺮﺳﻞ ﺑﺎﻷﻳﺎﺕ ﺇﻻ ﺗﺨﻮﻳﻔﺎ( )‪(٥۹ :۱۷‬‬
‫ﻓﺎﻵﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻺﺭﻫﺎﺏ ﻭﺍﻟﺘﺨﻮﻳﻒ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻜﺬﻳﺐ ﺑﻬﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻹﻫﻼﻙ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻹﻗﻨﺎﻉ ﻫﻲ ﻟﻴﺴﺖ‬
‫ﻓﻲ ﻗﻬﺮﻩ ﻭﺗﻌﺠﻴﺰﻩ ﻛﻤﺎ ﻧﺎﺱﺑﻪ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﻗﺎﺕ ‪ ،‬ﻭﻟﺬﺍ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻊ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﻧﻮﻉ‬
‫ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﺗﻐﻴﺮ ﻟﻜﻲ ﻳﺘﺮﻙ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﺣﺮﺍً ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻌﻘﻞ‪.‬‬
‫)ﻭﻗﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﻣﻦ ﺭﺑﻜﻢ ﻓﻤﻦ ﺷﺎء ﻓﻠﻴﺆﻣﻦ ﻭﻣﻦ ﺷﺎء ﻓﻠﻴﻜﻔﺮ( )‪.(۲۹ :۱۸‬‬
‫ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﺗﺤﺪﺙ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻣﺤﻤﺪ ﺇﻗﺒﺎﻝ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺗﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺗﺤﺖ ﺑﺤﺚ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻣﺎ‬
‫ﻳﻠﻲ‪" :‬ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺤﻖ ﺃﻥ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻔﻆ "ﻭﺣﻲ " ﺗﺒﻴﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺻﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ‬
‫ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﻭﻁﺒﻴﻌﺘﻪ ﺗﺨﺘﻠﻔﺎﻥ ﺑﺎﺧﺘﻼﻑ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﺍﻟﺘﺪﺭﺝ ﻭﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟﻨﺒﺎﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺰﻛﻮ ﻁﻠﻴﻘﺎ ً ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻀﺎء‪ ،‬ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺸﺊ ﻟﻪ ﺗﻄﻮﺭﻩ ﻋﻀﻮﺍً ﺟﺪﻳﺪﺍً ﻟﻴﻤﻜﻨﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻜﻴﻒ‬
‫ﻣﻊ ﺑﻴﺌﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﺘﻠﻬﻢ ﻟﻠﻨﻮﺭ ﻣﻦ ﺃﻋﻤﺎﻕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ‪ ،‬ﻛﻞ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻓﻲ‬
‫ﻁﺒﻴﻌﺘﻬﺎ ﻭﻓﻘﺎ ً ﻟﺤﺎﺟﺎ ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺤﻜﻮﻡ ﺃﺳﺎﺳﺎ ً ﺑﺎﻟﻌﺎﻁﻔﺔ ﺍﻝ ﺕ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﻮﺣﻲ ‪ ،‬ﺃﻭ ﻟﺤﺎﺟﺎﺕ ﻧﻮﻋﻪ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﻳﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﻁﻔﻮﻟﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺗﺘﻄﻮﺭ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﺃﺱ ﻣﻴﻪ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻭﺳﻴﻠﺔ‬
‫ﻟﻺﻗﺘﺼﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﻔﺮﺩﻱ ﻭﺍﻷﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺘﺰﻭﻳﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺄﺣﻜﺎﻡ ﻭﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﻭﺃﺳﺎﻟﻴﺐ‬
‫ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺃﻋﺪﺕ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺃﺧﺬ ﺑﻤﻮﻟﺪ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭ ﻅﻬﻮﺭ ﻣﻠﻜﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﻭﺍﻟﺘﻤﺤﻴﺺ ‪ ،‬ﺗﻨﻜﺒﺖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ‪ ،‬ﺭﻋﺎﻳﺔ ﻟﻤﺼﻠﺤﺘﻬﺎ ‪،‬‬
‫ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻭﺍﻟﻨﻤﻮ ﻷﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻓﺎﺿﺖ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻓﻲ‬
‫ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﺒﻜﺮﺓ ﻣﻦ ﺣﺮﺍﺣﻞ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺤﻜﻮﻡ ﺃﺳﺎﺳﺎ ً ﺑﺎﻟﻌﻄﻔﺔ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻷﺳﺘﺘﺪﻻﻟﻲ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻭﺣﺪﻩ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺳﻴﺪﺍً‬
‫ﻟﺒﻴﺌﺘﻪ ‪ ،‬ﻓﺄﻣﺮ ﻛﺴﺒﻲ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺣﺼﻠﻨﺎﻩ ﻣﺮﺓ ﻭﺟﺐ ﺃﻥ ﻧﺜﺒﺖ ﺩﻋﺎﺋﻤﻪ ‪ ،‬ﻭﻧﺸﺪ ﻣﻦ ﺃﺯﺭﻩ ‪ ،‬ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻜﺒﺖ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ‬
‫ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﻚ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻗﺪ ﺃﺧﺮ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺑﻀﻌﺔ ﻣﺬﺍﻫﺐ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ‬

‫‪38‬‬
 ‫ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻧﺴﺒﻴﺎ ً ﻳﻜﺎﺩ ﻳﺤﻜﻤﻪ ﺍﻹﻳﺤﺎء‪ .‬ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻧﻨﺴﻰ ﺃﻥ‬
‫ﺟﺮﺩ ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﻌﺪﻭ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺗﻨﺴﻴﻘﺎ ً‬ ‫ﻗﻴﺎﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﻢ‬
‫ً‬
‫ﻟﻤﻌﺘﻘﺪﺍﺕ ﺩﻳﻨﻴﺔ ﻏﺎﻣﻀﺔ ﻭﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﺍﻟﺼﻄﻠﺢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ‪ ،‬ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﻟﻬﻢ ﺳﻠﻄﺎﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ‬
‫ﺍﻟﻤﺤﺴﻮﺱ‪.‬‬
‫ﻓﺈﺫﺍ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺰﺍﻭﻳﺔ ﻭﺟﺪﻧﺎ ﺃﻥ ﻧﺒﻲ ﺍﻷﺳﻼﻡ ﻳﺒﺪﻭﺍ ﺃﻧﻪ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‬
‫ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ‪ .‬ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻖﺩﻳﻢ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﻣﺼﺠﺮ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺘﻲ‬
‫ﺍﻧﻄﻮﺕ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻠﻠﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻩ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺃﺧﺮﻯ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﺗﻼﺋﻢ ﺍﺗﺠﺎﻫﻬﺎ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ‪ .‬ﻭﻣﻮﻟﺪ ﺍﻹﺳﻼﻡ ‪ ،‬ﻫﻮ‬
‫ﻣﻮﻟﺪ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻹﺳﺘﺪﻻﻟﻲ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻓﻲ ﺍﻷﺳﻼﻡ ﻟﺘﺒﻠﻎ ﻛﻤﺎﻟﻬﺎ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻓﻲ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺇﻟﻐﺎء ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻧﻔﺴﻬﺎ ‪ .‬ﻭﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﻳﻨﻄﻮﻱ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺇﺩﺭﺍﻛﻬﺎ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﻻ ﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﺑﻘﺎء ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻣﻌﺘﻤﺪﺍً ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺑﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻮﺩ ﻳﻘﺎﺩ ﻣﻨﻪ ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻜﻲ‬
‫ﻳﺤﺼﻞ ﻛﻤﺎﻝ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﻙ ﻟﻴﻌﺘﻤﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺳﺎﺋﻠﻪ ﻫﻮ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺇﺑﻄﺎﻝ ﺍﻷﺳﻼﻡ ﻟﻠﺮﻫﺒﻨﺔ ﻭﻭﺭﺍﺛﺔ ﺍﻟﻤﻠﻚ ‪ ،‬ﻭﻣﻨﺎﺷﺪﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻠﺘﺠﺮﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻭﺍﻡ ﻭﺇﺻﺮﺍﺭﻩ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ‪ .‬ﻭﺍﻟﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺃﺧﺒﺎﺭ ﺍﻷﻭﻟﻴﻦ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ‪ ،‬ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﺻﻮﺭ‬
‫ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻔﻜﺮﺓ ﺇﻧﺘﻬﺎء ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺇﻫـ‪.‬‬
‫ﺇﺫﺍ ﺗﺒﻠﻮﺭ ﻣﺎ ﻣﺮ ﻭﺻﻠﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ ﺧﻼﺻﺘﻬﺎ ﻧﺼﺮ ﻣﺤﺘﻢ ﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ ‪ ،‬ﺇﻥ‬
‫ﺻﻮﺭﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺼﺮ ﺗﻐﻴﺮﺕ ﺑﻌﺪ ﺑﻌﺜﺔ ﻣﺤﻢ ﺩ ﻋﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻓﻠﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﺍﻟﻤﺎﺷﺮ ‪،‬‬
‫ﺑﻞ ﺍﻟﻨﺼﺮ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺳﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ‪ .‬ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺃﺗﺒﻌﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻭﻧﺠﺢ ﺑﻪ‪..‬‬
‫ﺇﻥ ﻁﺮﻳﻖ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺧﺎﺗﻤﺘﻬﻨﺼﺮ‪ ،‬ﻭﻛﻞ ﻣﻦ ﺳﺎﺭ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﺎﺯ ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺳﻨﻦ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ‬
‫ﻛﺪﻭﺭﺍﻥ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺍﻟﻘﻤﺮ‪.‬‬
‫)ﻭﻟﻘﺪ ﻛﺬﺑﺖ ﺭﺳﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻚ ﻓﺼﺒﺮﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻛﺬﺑﻮﺍ ﻭﺃﻭﺫﻭﺍ ﺣﺘﻰ ﺃﺗﺎﻫﻢ ﻧﺼﺮﻧﺎ ﻭﻻ ﻣﺒﺪﻝ ﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﷲ‬
‫ﻭﻟﻘﺪ ﺟﺎءﻙ ﻣﻦ ﻧﺒﺄ ﺍﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ( )‪.(۳٤ :٦‬‬
‫)ﻭﻛﻼ ﻧﻘﺺ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ ﺃﻧﺒﺎء ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻣﺎ ﻧﺜﺒﺖ ﺑﻪ ﻓﺆﺍﺩﻙ ﻭﺟﺎء ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻣﻮﻋﻈﺔ ﻭﺫﻛﺮﻯ ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ (‬
‫)‪(۱۲۰ :۱۱‬‬
‫ﺇﺫﻥ ﻓﻤﻦ ﻳﺮﺑﻂ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﻛﺎﻥ ﺃﻣﺎﻣﻪ ﺣﺘﻤﺎ ً ﺍﻟﻨﺼﺮ‪ ،‬ﺳﻮﺍء ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺃﻭ ﺑﻌﺪ ﻣﻤﺎﺗﻪ )ﻓﺈﻣﺎ ﻧﺬﻫﺒﻦ ﺑﻚ‬
‫ﻓﺈﻧﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻨﺘﻘﻤﻮﻥ ﺃﻥ ﻧﺮﻳﻨﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﻋﺪﻧﺎﻫﻢ ﻓﺈﻧﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻘﺘﺪﺭﻭﻥ ﻓﺎﺳﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﻲ ﺃﻭﺣﻲ ﺇﻟﻴﻚ ﺇﻧﻚ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺻﺮﺍﻁ ﻣﺴﺘﻘﻴﻢ ﻭﺇﻧﻪ ﻟﺬﻛﺮ ﻟﻚ ﻭﻟﻘﻮﻣﻚ ﻭﺳﻮﻑ ﺗﺴﺄﻟﻮﻥ ( )‪ .(٤٤-٤۱ :٤۳‬ﻭﻧﻜﺮﺭ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﻨﺼﺮ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻷﺧﺮﺓ‪:‬‬
‫)ﺇﻧﺎ ﻟﻨﺺﺭﻧﺎ ﺭﺳﻠﻨﺎ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻣﻨﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻳﻮﻡ ﻳﻘﻮﻡ ﺍﻷﺷﻬﺎﺩ( )‪.(٥۱ :٤۰‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺼﺮ ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻤﺒﺪﺃ ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﺸﺨﺺ ‪ ،‬ﻷﻥ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻓﻴﺰﻳﻮﻟﻮﻳﺎ ً ﻭﺃﺟﻠﻴﻨﺎ ً ﺑﻴﺪ ﷲ ‪ ،‬ﻓﻼ‬
‫ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻌﻠﻴﻖ ﻣﺒﺪﺃ ﺑﺤﻴﺎﺓ ﺷﺨﺺ‪.‬‬
‫)ﻭﺇﻥ ﻣﺎ ﻧﺮﻳﻨﻚ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻌﺪﻫﻢ ﺃﻭ ﻧﺘﻮﻓﻴﻨﻚ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﺍﻟﺒﻼﻍ ﻭﻋﻠﻴﻨﺎ ﺍﻟﺤﺴﺎ ﺏ( )ﺍﻟﺮﻋﺪ ‪ (٤۰‬ﻓﻬﻨﺎﻙ‬
‫ﻋﺪﻡ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁ ﺑﻴﻦ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻭﻧﺘﻴﺠﺔ ﻋﻤﻠﻪ ‪ .‬ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﻭﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ‪ ،‬ﺇﻥ ﺗﻐﻴﺮ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ‬
‫ﻻ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻗﺮﻭﻧﺎ ً‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﻧﺠﺎﺯﻩ ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﺃﻭ ﺃﺳﺎﺑﻴﻊ‪ ،‬ﺑﻞ ﻟﻪ ﻗﻮﺍﻧﻴﻨﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻤﻪ‪ ،‬ﻓﻌﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ‬
‫ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺘﻔﺖ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﻗﻴﺎﻡ ﺍ ﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺍﻧﻬﻴﺎﺭﻫﺎ ﻭﺣﺪﺩﻫﺎ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺟﻴﺎﻝ ﻭﻫﻮ‬
‫‪۱۲۰‬ﺳﻨﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺮﺳﻮﻝ –ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ‪ -‬ﺍﺳﺘﻜﻤﻞ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻓﻲ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮﺍﺕ ‪ ،‬ﻭﺑﻨﺎء ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ‬
‫ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ‪۱۳‬ﺳﻨﺔ‪..،‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﺨﺒﺮﺍء ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻫﻢ )ﻓﺄﺳﺄﻝ ﺑﻪ ﺧﺒﻴﺮﺍ ( )ﻭﻻ ﻳﻨﺒﺌﻚ ﻣﺜﻞ ﺧﺒﻴﺮ ( ﻭﻛﻤﺎ ﻫﻮ‬
‫ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﻧﻤﻮ ﺍﻷﻁﻔﺎﻝ ﺟﺲ ﻳﺪﺍً ﻭﻋﻘﻠﻴﺎ ً ﻳﻌﺮﻑ ﺧﺒﺮﺍء ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﻧﻤﻮ ﺍﻟﺪﻋﻮﺍﺕ ﻭﺃﻣﺮﺍﺿﻬﺎ ﻭﻫﻞ ﺍﻟﻨﻤﻮ‬
‫ﻁﺒﻴﻌﻲ ﺃﻭ ﻣﺮﺿﻲ‪ ،‬ﻫﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﺁﻓﺎﺕ ﺧﻠﻘﻴﺔ ﺑﺪﺃﺕ ﻣﻊ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻜﺮﻭﻣﻮﺳﻮﻣﺎﺕ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻐﻮﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﻛﺎﺭﺛﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﻭﺟﺰﺋﻴﺎ ً ﺟﺴﺪﻳﺔ ﻣﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻓﻲ ﺷﻜﻠﻪ ﺍﻟﻈﻬﺮﻱ ﺍﻧﺴﺎﻧﻲ‪.‬‬

‫‪39‬‬
 ‫ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﻳﻌﺘﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻒﻳﺪ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺪﺭﺍﺳﺔﻣﻘﺎﺭﻧﺔ ﻟﻨﺸﻮء ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻋﻮﺍﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﻣﺮﺍﻗﺒﺔ‬
‫ﻓﺘﺮﺓ ﺣﻀﺎﻧﺘﻬﺎ ﻭﻗﻴﺎﻣﻬﺎ ﺛﻢ ﺳﻘﻮﻁﻬﺎ ﻭﺃﻓﻮﻟﻬﺎ‪.‬‬
‫‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺆﺭﺥ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﺗﻮﻳﻨﺒﻲ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ‬ ‫ﻭﺫﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺩﺭﺳﻬﺎ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺪﻭﻝ‬
‫ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺪﻋﻮﺍﺕ‪ ،‬ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﻳﺒﺤﺜﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻫﺎﺩﺉ‪ ،‬ﻻﺱﺗﺨﺮﺍﺝ ﻗﺎﻧﻮﻧﻬﺎ ﺍﻟﺪﻗﻴﻖ‪.‬‬
‫ﺑﻌﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻮﻟﺔ ﻧﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺗﻘﺮﻳﺮﻳﻦ ﻫﺎﻣﻴﻦ‪:‬‬
‫‪ -۱‬ﺍﻷﻭﻝ‪ :‬ﻗﻴﺎﺱ ﻧﺠﺎﺡ ﺩﻋﻮﺓ ﻣﺎ‪ ،‬ﻻ ﻳﻘﺎﺱ ﺑﻤﺪﻯ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﻬﺎ ﺍﻷﻭﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﺮﺟﺖ ﻓﻴﻪ ‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬
‫ﻳﺤﺪﺙ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﻛﺎﺫﺏ ﺛﻢ ﻧﻜﺲ ‪ ،‬ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﺗﻌﻮﻳﻖ ﻓﻲ ﺍﻷﻧﺘﺸﺎﺭ ‪ ،‬ﻟﺘﻨﺘﻘﻞ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺌﺔ ﺃﺧﺮﻯ‬
‫ﺗﺤﺴﻦ ﺍﻷﻧﺘﺸﺎﺭ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﺇﻥﻣﺎ ﻳﻘﺎﺱ ﺑﺎﻟﻌﺎﻗﺒﺔ‪ ،‬ﺃﻱ ﺍﻟﺨﺎﺗﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﺘﻬﺖ ﺇﻟﻴﻬﺎ ‪ ،‬ﻭﻫﺪﻓﻬﺎ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻫﻮ ‪ :‬ﺇﻣﺎ ﺗﻐﻴﻴﺮ‬
‫ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﺳﺘﺒﺪﺍﻟﻪ ﺑﺂﺧﺮ ﺑﺄﺣﺪ ﺻﻮﺭﺗﻴﻦ‪:‬‬
‫ﺃ‪ -‬ﺇﻫﻼﻛﻪ ﻭﺣﻤﻞ ﻧﻮﺍﺓ ﺟﻨﻴﻨﻴﺔ ﻣﻨﻪ ‪ ،‬ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺟﺪﻳﺪ ﺁﺧﺮ ‪ ،‬ﻳﻨﻤﻮ ﻭﻳﺘﻜﺎﺛﺮ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮﺓ ﻛﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﻣﻊ‬
‫ﻧﻮﺡ‪ ،‬ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻟﻢ ﺗﺘﻜﺮﺭ ﺑﻌﺪ‪.‬‬
‫ﺏ‪ -‬ﺃﻭ ﻧﻘﻞ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻡ ﺟﺘﻤﻊ ﺟﺪﻳﺪ ﻳﺘﺎﺑﻊ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﻣﻊ ﻳﻮﻧﺲ ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﻊ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ‬
‫ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻓﻲ ﺇﻧﺘﻘﺎﻟﻪ ﺇﻟﻰ ﻳﺜﺮﺏ‪ ،‬ﻭﺍﺣﺘﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻟﺪﻋﻮﺗﻪ‪.‬‬
‫‪ -۲‬ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ‪ :‬ﺟﺮﺕ ﺳﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻏﻠﺐ ‪ ،‬ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻨﻬﺎ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻻ‬
‫ﺗﺴﺘﺠﻴﺐ ﻟﻪ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻴﻠﻪ ﻭﺳﻠﻢ ‪ ،‬ﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﻣﻜﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻣﻦ‬
‫ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺭﻭﻣﺎ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺒﻮﺫﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﻴﻦ ‪ ،‬ﺑﻞ ﻭﻳﻨﻄﺒﻖ ﻫﺬﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻷﺧﺮﻯ ‪،‬‬
‫ﻛﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﻓﻲ ﺍﻧﺘﻘﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﻭﺭﺑﺎ ﻭﺗﻤﺮﻛﻮﻫﺎ ﻓﻲ ﺭﻭﺳﻴﺎ ﻭﺍﻟﺼﻴﻦ ‪ .‬ﺃﻱ ﻳﺤﺼﻞ ﺑﺤﺚ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﻋﻦ‬
‫ﻣﻨﺎﺧﻬﺎ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻳﺒﺤﺚ ﺍﻟﻨﻬﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﺤﺪﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎﺳﺒﻪ ‪ ،‬ﻟﻜﻲ ﻳﺸﻖ ﻁﺮﻳﻖ ‪ .‬ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﺇﻧﺘﺼﺮﺕ‬
‫ﺍﻟﺒﻮﺫﻳﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻷﺳﻼﻡ‪ ،‬ﻭﺃﺧﻴﺮﺍً ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ‪...‬‬

‫ﺍﻋﺘﺮﺍﺽ ﺛﺎﻟﺚ‪ :‬ﻗﺼﺔ ﺃﺻﺢﺍﺏ ﺍﻟﺨﺪﻭﺩ‪...‬‬

‫ﺇﻥ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻭﺃﻫﻠﻬﺎ ﻗﺪ ﻗﻀﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻖ ﺇﻻ ﺧﺒﺮﻫﻢ‪ ..‬ﻭﻫﺬﺍ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﻧﺼﺮﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺤﺎﻝ ‪ ،‬ﺇﺫﺍ ﻓﻬﻤﻨﺎ‬
‫ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻨﺼﺮ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺗﻮﻟﻲ ﻗﻴﺎﺩﺗﻪ؟!!‪...‬‬
‫ﺇﻥ ﻕﺻﺔ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻷﺧﺪﻭﺩ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﺑﻤﻌﺰﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺫﻛﺮﻧﺎﻩ ‪ ،‬ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻨﺘﻈﻤﻬﺎ‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ‪...‬‬
‫ﻓﻤﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺪﺙ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ‪....‬؟‪...‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﺗﻔﻬﻢ ﻣﻌﻜﻮﺳﺔ‪ .‬ﻓﻠﻮ ﺭﺍﺟﻌﻨﺎﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻟﻌﺮﻓﻨﺎ ﻣﻦ ﺳﻴﺎﻕ ﺍﻟﻘﺼﺔ ‪ ،‬ﺃﻥ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎ ً ﺁﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﺭﺍﻫﺐ ‪،‬‬
‫ﺃﻱ ﻫﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺣﻠﻘﺎﺕ ﺍﺿﻄﻬﺎﺩ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺁﻣﻦ ﺷﻔﻲ ﺍﻟﻤﻠﻠﻚ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﻳﺨﻒ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ –‬
‫ﺍﻟﻐﻼﻡ‪ -‬ﺳﺮ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ‪ ،‬ﻋﻘﻴﺪﺗﻪ ﺑﺎہﻠﻟ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﻟﺒﺖ ﺍﻟﺸﻔﺎء ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻚ ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺴﺤﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻌﻠﻤﻪ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﺴﺎﺣﺮ ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺰﻭﺭﻩ )ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺃﺭﺍﺩ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻐﻼﻡ ﺍﻟﺴﺤﺮ ﻣﻦ ﺳﺎﺣﺮ ‪،‬ﻭﺃﺛﻨﺎء ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺗﻌﺮﻑ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺍﻟﺮﺍﻫﺐ ﻓﺂﻣﻦ ﺑﺪﻋﻮﺗﻪ ﻭﺍﺳﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﺻﻠﺘﻪ ﺏﺍﻟﺴﺎﺣﺮ ﺗﻜﺘﻤﺎ ً ً◌ ً◌(‪ ،‬ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻐﻼﻡ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺇﻟﻰ‬
‫ﻟﻚ ﺳﺒﻴﻼً ‪ ،‬ﻓﺪﻟﻪ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﺴﻤﻴﺔ ﺑﺎﺳﻢ ﷲ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻬﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻄﻠﻖ ﺑﺸﺮﻁ ﺣﺪﻭﺙ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭ‪،‬‬
‫ﻭﺃﻣﺎﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﻭﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﺘﺸﺮﺗﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ ﺍ ﻟﻐﻼﻡ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺿﺤﻰ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ‬
‫ﻋﻘﻴﺪﺗﻪ‪ ،‬ﻓﺎﻧﺘﺸﺮﺕ ﺃﻛﺜﺮ ‪ ،‬ﻓﺎﻋﺘﻨﻘﺘﻬﺎ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ‪ ،‬ﻓﺼﺐ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﺮﺩﻫﻢ ﻋﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ‪،‬‬
‫ﻣﻨﻬﺎ‪ :‬ﺣﺮﻕ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﺣﻴﺎء‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﺗﺒﻌﻬﺎ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻥ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺃﺧﺮﻯ ﻟﺮﺩ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻦ ﺩﻳﻨﻬﻢ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻫﻞ ﻗﻀﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺃﺗﺒﺎﻋﻬﺎ؟ ﺃﻡ ﺯﺍﺩﻫﺎ ﺇﻧﺘﺸﺎﺭ؟ ﺇﻥ‬
‫ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻳﻘﻮﻝ ‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺇﺯﺩﺍﺩﺕ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭﺍً ﻣﻊ ﻛﻞ ﺍﻷﺿﻄﻬﺎﺩ )ﻫﺬﺍ ﺑﻐﺾ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ‬
‫ﺍﻷﻧﺤﺮﺍﻓﺎﺕ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﺧﻠﺖ ﺇﻟﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ ﻫﻮ ﻋﻦ ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻌﺎﻡ(‪..‬‬

‫‪40‬‬
 ‫ﺇﻥ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻳﻘﻮﻝ‪ :‬ﺇﻥ ﺍﺿﻄﻬﺎﺩ ﺃﻱ ﻓﻜﺮﺓ ﻫﻮ ﻋﺎﻣﻞ ﻣﺴﺮﻉ ﻓﻲ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭﻫﺎ ‪ ،‬ﻭﺍﻋﺘﻨﺎﻕ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻬﺎ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ‬
‫ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻠﻬﺎ‪ ،‬ﺧﺎﺻﺔ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺩﻳﻨﻴﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ‪...‬‬
‫ﻭﻓﻜﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻋﻦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻭﺍﻧﺘﺸﺎﺭﻩ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ‪ .‬ﻫﻞ ﻳﻌﻘﻞ ﺃﻥ ﻧﺘﺼﻮﺭ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻣﺤﻮ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺮﻳﻄﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ؟ ﺇﻥ ﻧﻤﻮ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﻛﺪﻩ ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﺳﺘﺤﺎﻟﺔ‬
‫ﺍﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻗﺪ ﻳﺘﻮﻓﻖ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺃﻭ ﻳﻀﺮﺏ ﻫﻨﺎ ﻭﻫﻨﺎﻙ ‪،‬ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍ ﻟﺨﺎﻟﺪ ‪ ،‬ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻡ ‪،‬‬
‫ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﺸﺮ ﺩﻭﻣﺎ ً ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻣﺎﻡ )ﻳﺮﻳﺪﻭﻥ ﻟﻴﻄﻔﺌﻮﺍ ﻧﻮﺭ ﷲ ﺑﺄﻓﻮﺍﻫﻬﻢ ﻭﷲ ﻣﺘﺘﻢ ﻧﻮﺭﻩ ﻭﻟﻮ ﻛﺮﻩ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻭﻥ (‬
‫)‪.(۸ :٦۱‬‬
‫ﻭﻓﻜﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ‪ ،‬ﺃﻥ ﻣﺼﺎﺋﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﻣﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻧﺘﺸﺎﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺗﺒﻠﻴﻐﻪ ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺍﺳﺘﺤﺎﻟﺔ‬
‫ﺍﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﺴﺤﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﺭﺽ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﺳﻴﺆﺩﻱ ﻭﻅﻴﻔﺘﻪ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻﺯﻣﺎﻥ‬
‫ﻟﻬﺎ ﻭﻻ ﻣﻜﺎﻥ‪...‬‬
‫ﻭﺃﺧﻴﺮﺍً ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺔ ﺍﻟﺠﺪﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺽ ﺿﺮﺏ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﺎﻻ ﻳﻌﻔﻴﻬﺎ ﻥ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺎﺭﺳﺖ ﺧﻄﺄ‬
‫ﻭﻟﻮ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻹﺣﺘﻤﺎﻝ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻜﺎﺷﻒ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﻫﻮ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔ‪...‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻻﺳﻼﻣﻲ ﻳﻄﻠﺐ ﺑﺸﻜﻞ ﺇﺳﻌﺎﻓﻲ ﺍﻵﻥ ﻋﻢ ﻟﻴﺔ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻪ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ‪ ،‬ﻭﻗﺎﺋﻤﺔ ﺣﺴﺎﺏ ﻁﻮﻳﻠﺔ‬
‫ﻋﻤﺎ ﺟﺮﻯ ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺣﻘﻪ‪..‬‬
‫ﺇﻧﻨﺎ ﺑﺄﻓﻜﺎﺭﻧﺎ ﻭﺃﺳﺎﻟﻴﺒﻨﺎ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﻓﺸﻠﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﺍﻷﻥ‪ ،‬ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﺜﻮﻳﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭﺍﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﺣﺘﻰ ﻧﺤﻘﻖ ﺷﻴﺌﺎ ً‬
‫ﺟﺪﻳﺪﺍً‪.‬‬

‫ﺍﻋﺘﺮﺍﺽ ﺭﺍﺑﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ!‬

‫ﺇﻥ ﻣﺜﻞ ﺯﻭﺟﺔ ﻟﻮﻁ ﻭﻧﻮﺡ ﻓﻲ ﻋﺪﻡ ﺍﻷﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻠﺪﻋﻮﺓ ﻣﻊ ﻛﻞ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺍﻟﻤﺸﺠﻌﺔ ‪ ،‬ﺃﻭ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻧﺤﺮﺍﻑ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺍﻷﻭﻝ! ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﺎ ﻳﻜﺮﺭ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻣﺜﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﻟﻌﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺭﺿﻲ‬
‫ﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ‪ ،‬ﺃﻥ ﺃﺣﺪ ﺃﺑﻨﺎﺋﻪ ﺷﺮﺏ ﺍﻟﺨﻤﺮ ﻭﺣﺪﻩ ﺃﺑﻮﻩ – ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺽ ﺻﺤﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﺒﺮ‪ -‬ﻭﻳﺘﺨﺬ ﻣﻨﻪ ﺩﻟﻴﻼً ﻋﻠﻰ‬
‫ﻋﺪﻡ ﺟﺪﻭﻯ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ً ﻣﻊ ﻛﻞ ﻅﺮﻭﻑ ﺍﻟﺘﺤﺺﻳﻦ ﻭﺍﻟﻮﻗﺎﻳﺔ ﺍﻻﺳﻼﻣﻴﺘﻴﻦ‪.‬‬
‫ﻭﺍﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻫﺬﺍ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻪ ﻛﺈﻧﺴﺎﻥ ﻟﻢ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺭﺗﻔﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﺃﺑﻮﻩ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ‬
‫ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ‪ ،‬ﺃﻭ ﺃﺧﻮﻩ ﻋﺒﺪ ﷲ‪،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻧﻌﻄﻴﻪ ﻋﻼﻣﺔ ﺍﻟﺼﻔﺮ ‪ ،‬ﻓﻠﻌﻠﻪ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ‬
‫ﻣﺴﻠﻤﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ‪).‬ﻳﺠﺐ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺨﻤﺮ ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ‪ ،‬ﻭﻟﻲﺱ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ(‪.‬‬
‫‪ ،‬ﻭﻟﻴﺶ ﻛﺤﺎﻻﺕ‬ ‫ﻭﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻭﺣﺘﻰ ﻳﻨﺎﻗﺶ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺑﻌﻠﻤﻴﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﻛﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‬
‫ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻻﺷﺘﺜﻨﺎء ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻳﺜﺒﺖ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻭﻻ ﻳﻨﻔﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ‪ ،‬ﻟﻪ ﺣﻈﻮﻅﻪ ﺍﻟﻘﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺃﻥ‬
‫ﻳﺨﺮﺝ ﺇﻧﺴﺎﻧﺄ ً ﺻﺎﻟﺤﺎ ً‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ‪ ،‬ﺃﻱ ﺑﺎﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﺰﻣﻦ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺑﺎﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ‬
‫ﺍﻟﻤﺘﻨﻜﺴﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻳﺎﻡ ‪ ،‬ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺭﻭﻣﺎ ﻭﻓﺎﺭﺱ ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺃﻱ ﻣﻮﻟﻮﺩ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻪ ﺣﻈﻮﻁﻪ ﺍﻟﻘﻮﻳﺔ ﺑﺎﺗﺠﺎﻩ‬
‫ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ‪،‬ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﺧﻠﻴﺔ ﺗﻨﺸﺄ ﻣﻦ ﺟﺴﻢ ﻣﺮﻳﺾ‪ ،‬ﻭﺗﺮﺑﺔ ﻣﻌﺘﻠﺔ‪.‬‬
‫)ﻭﺍﻟﺒﻠﺪ ﺍﻟﻄﻴﺐ ﻳﺨﺮﺝ ﻧﺒﺎﺗﻪ ﺑﺈﺫﻥ ﺭﺑﻪ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺧﺒﺚ ﻻﻳﺨﺮﺝ ﺇﻻ ﻧﻜﺪﺍ ﻛﺬﻟﻚ ﻧﺼﺮﻑ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﻟﻘﻮﻡ‬
‫ﻳﺸﻜﺮﻭﻥ( )‪ (٥۸ :۷‬ﻭﺇﺫﺍ ﻗﻠﺒﻨﺎ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺃﻱ ﺍﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻭﺍﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ـﻜﻤﺎ ﻟﻮ ﻗﺎﺭﻧﺎ ﻭﻻﺩﺓ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ‬
‫ﻣﻜﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻭﻗﺒﻞ ‪ ۱٤‬ﻗﺮﻧﺎ ً ﻓﺈﻥ ﺣﻈﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﺇﺍﺧﺘﻠﻒ ‪ ،‬ﻓﻼ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺰﻋﻢ ﺃﻥ ﻭﻻﺩﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻑ‬
‫ﻣﻜﺔ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻭﻻﺩﺓ ﺻﺤﺎﺑﻲ؟!‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﺴﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ‪ ،‬ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﺎﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪...‬‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻝﻣﻮﺿﻮﻉ ﺃﺗﺬﻛﺮﻩ ﺟﻴﺪﺍً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﻮﻥ ﻳﺤﺮﺟﻮﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﺎﻷﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻜﺎﻧﺎ ﻳﺤﺎﻭﻟﻮﺍ‬
‫ﻁﺮﺡ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻣﻐﻠﻮﻁﺎ ً‪ ،‬ﻭﻛﻨﺎ ﻧﺠﺪ ﺣﺮﺟﺎ ً ﻭﺻﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ‪.‬‬
‫ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ‪ :‬ﻓﻲ ﺍﻷﺳﻼﻡ ﻋﻨﺪﻛﻢ ﺍﻷﺟﻞ ﻣﻘﺪﺭ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻳﻨﺎﻗﺾ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻮﻥ ﻓﻠﻘﺪ ﺃﻣﻜﻦ ﺍﻟﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ‬
‫ﻣﺘﻮﺳﻂ ﻋﻤﺮ ﺍﻹﻥﺳﺎﻥ ﻭﺃﻣﻜﻦ ﺭﻓﻌﻪ ﻓﻤﺎﺫﺍ ﺗﻘﻮﻟﻮﻥ؟‬

‫‪41‬‬
‫‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ‬ ‫ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺷﻜﺎﻝ ‪ ،‬ﻫﻮ ﻣﻦ ﺟﻨﺲ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻋﻠٮﺎﻟﻘﻀﻴﺔﺍﻟﺘﻲ ﻧﺤﻦ ﺑﺼﺪﺩ ﺑﺤﺜﻬﺎ‬
‫ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺮﺩ ﺍﻟﺴﺮﻳﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﻣﺘﻮﺳﻂ ﻋﻤﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺩﺧﻠﻪ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺘﻐﻴﺮ‬
‫ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻝ ﻯ‪) :‬ﺇﻥ ﷲ ﻳﺎ ﻳﻐﻴﺮ ﻣﺎ ﺑﻘﻮﻡ ﺣﺘﻰ ﻳﻐﻴﺮﻭﺍ ﻣﺎ‬
‫ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ( )‪.(۱۱ :۱۳‬‬
‫ﻭﻟﻔﻈﺔ "ﻣﺎ ﺑﻘﻮﻡ" ‪ :‬ﻳﺪﺧﻞ ﺗﺤﺘﻬﺎ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺪﺧﻞ ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﻣﺘﻮﺳﻂ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮٮﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ‪،‬‬
‫ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻔﺮﺩ‪.‬‬
‫ﻓﻤﺘٮﻴﻤﻮﺕ ﻓﺮﺩ )ﺱ(؟ ﺃﻭ ﻛﻴﻒ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﺩﺧﻞ ﻓﻼﻥ؟ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﻨﺒﺆ ﺑﻪ ﻭﻟﻜﻦ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﻳﻮﻟﺪ ﻓﻲ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻟﻪ ﺣﻆ ﺃﻥ ﻳﻜﻦ ﻏﻨﻴﺎ ً ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ‪ ،‬ﻭﺃﺣﺘﻤﺎﻝ ﺃﻥ ﻳﻌﻤﺮ ﻓﻮﻕ ﺍﻟـ ‪٥۰‬ﺳﻨﺔ ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ‬
‫ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺍﻟﺤﺎﺳﻢ ﺑﻴﻦ ﻓﺮﺩ ﻳﻮﻟﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻮﻣﺎﻝ ﻣﺜﻼً‪ ،‬ﻭﻓﺮﺩ ﻳﻮﻟﺪ ﻓﻲ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ "ﻷﻥ ﺣﻈﻮﻅ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻔﺮﺩ"‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻳﺼﺪﻕ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﺁﺧﺮ ‪ ،‬ﻓﻜﺜﻴﺮﺍً ﻣﺎ ﻳﻘﺎﻝ ‪ :‬ﺇﻥ ﻓﻼﻧﺎ ﺩﺭﺱ ﺟﻴﺪﺍ ﻭﺭﺳﺐ ﻓﻲ ﺍﻹﻣﺘﺤﺎﻥ ‪.‬ﺃﻭ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﻣﻊ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺗﻌﻠﻴﻖ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺤﻆ ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﺠﻬﺪ ‪ .‬ﻓﻔﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻼﺕ‬
‫ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﺗﺨﺪﻋﻨﺎ ﺍﻟﺤﻼﺕ ﺍﻹﺳﺘﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻀﺒﻂ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺃﻛﺜﺮ ‪ ،‬ﻧﻘﻮﻝ‪ :‬ﻟﻮ ﺃﺧﺬﻧﺎ ﻋﻴﻨﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻠﺒﺔ )ﺃ( ﻭ)ﺏ( ﺍﻝﻣﺘﻮﺳﻂ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺘﻘﺎﺭﺏ ‪،‬‬
‫ﻭﺷﺮﻭﻁ ﺍﻹﻣﺘﺤﺎﻥ ﻭﺍﺣﺪﺓ‪ ،‬ﻓﺌﺔ ﺣﻀﺮﺕ ﺟﻴﺪﺍً ﻟﻺﻣﺘﺤﺎﻥ ﻭﺍﻷﺧﺮﻯ ﻻ ‪،‬ﺇﻥ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﻧﺠﺎﺡ ﺍﻷﻛﺜﺮﻳﺔ ﻥ ﺍﻟﻔﺌﺔ‬
‫)ﺃ( ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻨﺮﺍﻩ‪ ،‬ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻷﻏﻠﺒﻴﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺭﻓﻌﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ ‪ ،‬ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻔﻬﻢ ﺃﻋﻤﻖ ﻟﺸﺮﻭﻁﺎﻟﻨﺠﺎﺡ ﻣﻦ‬
‫ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﻘﺮﺃءﺓ ‪ ،‬ﺷﻮﻁﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻤﻜﻦ ﻡ ﻧﻬﺎ ‪ ،‬ﺍﻟﻨﻮﻡ ﺍﻟﺠﻴﺪ ‪ ،‬ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ‪ ،‬ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﺼﺤﺔ ‪....‬ﺍﻟﺦ‪....‬‬
‫ﻭﺑﺎﻟﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ‪ ،‬ﻗﺪ ﻳﺮﺳﺐ ﺃﻗﻞ ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﻟﻠﻤﺠﻤﻮﻋﺔ )ﺏ(‪ ،‬ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻗﺪ ﻳﺤﺼﻞ‬
‫ﻧﺠﺎﺡ ﺑﻌﺾ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺌﺔ ﻛﻌﻤﻞ ﺑﻬﻠﻮﺍﻧﻲ؟!‪.‬‬
‫ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﻧﻔﻬﻢ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﺭﻭﺣﻪ ‪ ،‬ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺮٮﺒﻌﺾ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﻓﻲﺟﺐ ﺃﻥ ﻻ ﺗﺨﺪﻋﻨﺎ ﻋﻦ‬
‫ﺍﻟﺠﻮ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻟﻠﻘﺎﻧﻮﻥ‪ ،‬ﻭﻳﺠﺐ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻀﻮء‪.‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻧﻘﻮﻝ ‪ :‬ﺇﻥ ﻣﺜﻞ ﺍﺑﻦ ﻋﻤﺮ ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﺑﻦ ﻧﻮﺡ ‪ ،‬ﺃﻭ ﺯﻭﺟﺔ ﻧﻮﺡ ﻭﻟﻮﻁ ‪ ،‬ﺃﻭ ﻧﺠﺎﺡ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﻓﻲ ﺇﻣﺘﺤﺎﻥ ﻟﻢ‬
‫ﻳﺤﻀﺮﻭﺍ ﻟﻪ‪ ،‬ﺃﻭ ﺭﻓﻊ ﻣﺘﻮﺳﻂ ﺍﻟﺪﺧﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻟﻠﻔﺮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ‪ ،‬ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ‪،‬‬
‫ﻓﻴﺠﺐ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻻ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﺩﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻧﺠﺮﺍﻑ ﺧﻠﻒ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻔﺴﺮ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ‪..‬‬
‫ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻫﻲ ﺩﻭﻣﺎ ً ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‪) ،‬ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﺷﻲء ﺟﺪﻻ( )‪.(٥٤ :۱۸‬‬
‫ﻓﺎﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻴﻄﺮ‪ ،‬ﺗﻘﻮﺩ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺗﻌﻤﻴﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﺍﻟﺘﻌﺐ ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺪﺍﺋﺐ ﻓﺈﻥ ﻓﻲ‬
‫ﺇﻣﻜﺎﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﻋﻘﺪﺓ ﺍﻟﺘﻌﺼﺐ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺭﻭﺡ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﻭﻳﻨﻄﻠﻖ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺃﻛﺜﺮ‬
‫‪....‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﻈﻢ ﺃﻛﺜﺮ ‪ ،‬ﻭﺃﺿﺨﻢ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﻤﻜﺮﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺇﺫﺍ ﺗﻮﺍﻓﺮﺕ‬
‫ﺷﻮﺭﻁﻬﺎ ﺍﻷﻭﻟﻴﺔ‪ ،‬ﺗﻮﻟﺪﺕ ﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ ﺗﺒﻌﺎ ً ‪ ،‬ﺃﻭ ﻫﻮ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺡ ﺗﻐﺒﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ‪...‬ﻭﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ـ ﻭﻫﻮ‬
‫ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺟﻤﻴﻞ ﻭﻣﻠﻔﺖ ﻟﻠﻨﻈﺮ ـ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺂﻥ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ ﺳﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺬﻛﺮ ﻭﻳﺆﻛﺪ ﺍﻟﺴﻨﺔ‬
‫ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺃﻏﻤﺾ ﺃﻻﻧﻮﺍﻉ ﻭﺃﻗﻠﻬﺎ ﺿﺒﻄﺎ ً ﻭﻓﻬﻤﺎ ً ﻭﻫﻀﻤﺎ ً ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬﺍ ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﻓﺎﻁﺮ‬
‫ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻜﺮ ﺍﻟﺴﻲء ﻭﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﺍﻟﺨﺒﻴﺚ ﻭﺍﻟﻜﻴﺪ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﻻ ﻳﻘﻮﺩ ﺇﻻ ﺇﻟﻰ ﺗﺪ ﻣﻴﺮ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ‪ ،‬ﺛﻢ ﻋﻘﺐ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺑﺄﻥ ﻫﺬﻩ ﺳﻨﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻣﻜﺮﺭﺓ ‪ ،‬ﻭﺷﻮﺍﻫﺪ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺮﺕ ﻫﻲ ﺃﻋﻈﻢ ﺷﺎﻫﺪ ﺛﻢ ﻳﻌﻘﺐ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻣﺴﺘﻨﺒﻄﺎ ً ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺳﻨﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﺔﻝ ﻟﻠﺤﺬﻑ ﺃﻭ ﺍﻹﺿﺎﻓﺔ ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭﻟﻨﺘﺄﻣﻞ‬
‫ﺍﻵﻳﺔ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ‪ :‬ﻗﺴﻤﻮﺍ ﺑﺎہﻠﻟ ﺟﺠﻬﺪ ﺃﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﻟﺌﻦ ﺟﺎءﻫﻢ ﻧﻴﺮ ﻟﻴﻜﻮﻧﻦ ﺃﻫﺪﻯ ﻣﻦ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻷﻣﻢ ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎءﻫﻢ‬
‫ﻧﺬﻳﺮ ﻣﺎ ﺯﺍﺩﻫﻢ ﺇﻻ ﻧﻔﻮﺭﺍً ﺃﺳﺘﻜﺒﺎﺭﺍً ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻣﻜﺮ ﺍﻟﺴﻴﺊ ﻭﻻ ﻳﺤﻴﻖ ﺍﻟﻤﻜﺮ ﺍﻟﺴﻴﺊ ﺇﻻ ﺑﺄﻫﻠﻪ ﻓﻬﻞ‬
‫ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺳﻨﺔ ﺍﻷﻭﻟﻴﻦ ﻓﻠﻦ ﺗﺠﺪ ﻟﺴﻨﺔ ﷲ ﺗﺒﺪﻳﻼً ﻭﻟﻦ ﺗﺠﺪ ﻟﺴﻨﺔ ﷲ ﺗﺤﻮﻳﻼ( )‪٤۲ :۳٥‬ـ‪.(٤۳‬‬

‫‪42‬‬
 ‫ـ‪۳‬ـ‬

‫" ﺛﺎﻟﺜﺎ ً "‬

‫ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ؟‬
‫ﻷﻥ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻳﺨﺼﺐ ﺟﻮ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺻﻤﻦ ﺟﺪﻟﻴﺔ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ‪....‬‬
‫ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻨﻤﻮ ﻭﺍﻟﺘﻜﺎﺛﺮ‬
‫)ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠﻖ ﺍﻷﺯﻭﺍﺝ ﻛﻠﻬﺎ(‬
‫)ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺧﻠﻘﻨﺎ ﺯﻭﺟﻴﻦ ﻟﻌﻠﻜﻢ ﺗﺬﻛﺮﻭﻥ(‬

‫ـ ﻓﻲ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ‪...‬‬

‫ـ ﻓﻲ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺼﻤﻢ‪ .‬ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﻮﻟﻮﺟﻲ‪ .‬ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ‪ .‬ﺍﻝﺛﻘﺎﻓﻲ‪.‬‬
‫ـ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﻤﺸﺆﻣﻮﻣﺔ ﺑﻴﻦ ﺣﺪﻱ ﻣﺠﺎﻣﻼﺕ ـ ﻣﻨﺎﺯﻋﺎﺕ‪.‬‬
‫ـ ﺗﻌﺎﻣﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻋﻠٮﻤﺎ ﻋﻨﺪﻩ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻣﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻮﺳﻂ‪.‬‬
‫ـ ﻓﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺇﺯﺍﻟﺔ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻌﻘﻢ‪.‬‬
‫ـ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻭﻓﻨﻪ ﻭﻓﻦ ﺿﺒﻂ ﺍﻟﻨﻔﺲ‪..‬‬

‫‪43‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﻋﺪﺍﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﺔ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﺼﺤﻤﺪ‬
‫ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﻠﺪ ﻭﻟﻢ ﻳﻮﻟﺪ ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﻛﻔﻮﺍً ﺃﺣﺪ‪..‬‬
‫)ﻭﻣﻨﻜﻞ ﺷﻲء ﺧﻠﻘﻨﺎ ﺯﻭﺟﻴﻦ ﻟﻌﻠﻜﻢ ﺗﺬﻛﺮﻭﻥ( )‪.(٤۹ :٥۱‬‬
‫ﻫﻨﺎﻙ ﺗﺴﻠﺴﻞ ﻓﻲ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ‪..‬‬
‫ﻫﻨﺎﻙ ﺣﻘﻴﻘﺘﺎﻥ ﺧﺎﻟﻖ‪....‬ﻣﺨﻠﻮﻕ‪...‬‬
‫ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺧﻠﻖ ﻓﻜﺎﻥ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎ ً ‪..‬ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﺷﻲء ‪ ،‬ﺃﻭ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻫﻮ ﻣﺨﻠﻮﻕ ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺨﻠﻘﻮ ﺃﻭ ﺍﻟﺸﻲء ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻤﻮ‬
‫ﻭﻳﻜﺒﺮ ﻭﻳﺘﻜﺎﺛﺮ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ‪..‬‬
‫ﷲ ﺧﺎﻟﻖ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻭﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻭﻛﻴﻞ‪...‬‬
‫)ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺧﻠﻘﻨﺎ ﺯﻭﺟﻴﻦ ( ﻓﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﻮﻟﺪ ﻣﻦ ﺯﺟﻴﻦ ﺃﺏ ﻭﺃﻡ ‪ ،‬ﻭﻛﺬﻟﻜﺎﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻭﺍﻟﻨﺒﺎﺕ ‪ ،‬ﻭﻛﺬﻟﻚ‬
‫ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ‪ ،‬ﻓﻜﻞ ﻓﻜﺮﺓ ﻫﻲ ﻣﻮﻟﻮﺩ ﻟﻪ ﺃﺏ ﻭﺃﻡ‪ ،‬ﻭﻓﺮﻭﻉ ﻭﺃﺻﻮﻝ‪..‬‬
‫)ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠﻖ ﺍﻷﺯﻭﺍﺝ ﻛﻠﻪ ﺍ ﻣﻤﺎ ﺗﻨﺒﺖ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻣﻦ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻭﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ( )‪ (۳٦ :۳٦‬ﻭﺗﺰﺍﻭﺝ‬
‫‪ .‬ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﻳﺤﺪﺙ‬ ‫ﻓﻜﺮﺗﻴﻦ ﺑﺸﺮﻭﻁ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ ﻳﺨﺼﺐ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﺬﺭﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ‬
‫ﺯﻭﺍﺝ‪،‬ﻭﻻﻳﻨﺠﺐ ﺍﻷﻁﻔﺎﻝ ﺑﻔﻌﻞ ﻋﻘﻢ ﺃﺣﺪ ﺃﻭ ﻛﻼ ﻁﺮﻓﻲ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ‪ .‬ﺍﻟﺸﺮﻁ ﺍﻟﻌﻀﻮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺃﺳﺎﺳﻲ ‪،‬‬
‫ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻏﻴﺮ ﺟﺎﻣﻊ ﻭﻻ ﻣﺎﻧﻊ‪..‬‬
‫ﺻﺤﻴﺢ ﺇﺫﺍ ﻓﺸﻠﺖ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻓﺸﻞ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﻧﺠﺤﺖ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ‬
‫ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺐ ﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ‪ ،‬ﺑﻞ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻁ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ‪ :‬ﺍﻟﻤﻮﺩﺓ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ‪) ،‬ﻭﻣﻦ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﺃﻥ ﺧﻠﻖ ﻟﻜﻢ ﻣﻦ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ‬
‫ﺃﺯﻭﺍﺟﺎ ً ﻟﺘﺴﻜﻨﻮﺍ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺟﻌﻞ ﺑﻴﻨﻜﻢ ﻣﻮﺩﺓ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺇﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻵﻳﺎﺕ ﻟﻘﻮﻡ ﻳﺘﻔﻜﺮﻭﻥ( )‪.(۲۱ :۳۰‬‬
‫ﻓﺤﺘﻰ ﻳﺄﺗﻲ ﺍﻷﻁﻔﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ،‬ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺯﻭﺍﺝ ﺑﻴﻦ ﺭﺟﻞ ﺍﻣﺮﺃﺓ ‪ ،‬ﻭﺣﺘﻰ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﺫﺭﻳﺘﻪ ﻣﻦ ﺃﻱ‬
‫ﻧﻮﻉ‪ ،‬ﻻ ﺑﺪ ﻡ ﺯﻭﺍﺝ ﺫﻛﺮﻩ ﺑﺄﻧﺜﺎﻩ ‪ ،‬ﻭﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ ﺇﺛﻤﺎﺭ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ‪ ،‬ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻘﺎﺡ ﻭﻻﺯﻭﺟﻴﺔ ‪ ،‬ﻓـ )ﻭﻻﺩﺓ( ﺍﻟﺒﺸﺮ‪،‬‬
‫ﻭ)ﺗﻜﺎﺛﺮ( ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ‪ ،‬ﻭ)ﺇﺛﻤﺎﺭ( ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ‪ ،‬ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻛﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻼﻗﺢ ﻭﺍﻟﺰﻭﺝﻳﺔ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺰﻭﺟﻴﺔ "‪:‬ﻫﻲ ﺃﺱ ﺍﻟﻜﻮﻥ‪ ،‬ﻭﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ‪ ،‬ﻋﺪﺍﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﺔ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ‪.‬‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ‪ ،‬ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻭﺣﺪﺍﺕ ﻣﺨﻠﻮﻗﺔ‪ ،‬ﻋﺪﺍ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻘﺂﻥ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻛﻼﻡ ﷲ‬
‫ﺍﻷﺯﻟﻲ ﺍﻷﺑﺪﻱ‪.‬‬
‫ﻓﺸﺮﻁ ﺍﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ﻭﺍﻟﺘﻜﺎﺛﺮ ﺍﻹﻳﺠﺎﺏ ‪ ،‬ﺑﻞ ﻭﺣﺘﻰ ﺍﻟﺴﻠﺒﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﻫﻮ ﺍﻟﺰﻭﺟﻲ ﺓ ‪ ،‬ﻭﺗﻌﺒﻴﺮ‬
‫ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ )ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ( ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺗﻌﻢ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻛﻠﻬﺎ ‪ ،‬ﻓﺘﺪﺧﻞ ﺟﻨﻴﺎ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺗﺤﺖ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ‪.‬ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﻝ ﻓﻜﺮﺓ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﻣﻦ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﷲ‪.‬‬
‫ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﺨﻠﻮﻕ‪ ،‬ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﺧﺎﺿﻊ ﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ﻭﺍﻟﻔﺮﻕ ﻛﺒﻴﺮ ﺑﻴﻦ ﺇﺣﺪﺍﺙ ﺳﺒﺐ ﺍﻟﺸﻲء‪ ،‬ﻭﺧﻠﻖ ﻧﺘﻴﺠﺘﻪ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻳﺼﺒﺢ ﻛﻴﺎﻧﺎ ﻱ ﺩﺏ‪ ،‬ﻓﺎﻋﻼ ﻣﺆﺗﻤﺮﺍ ‪ ،‬ﻓﻨﺤﻦ‬
‫ﻧﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻗﻄﺎﻉ ﺇﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺴﺒﺐ‪ ،‬ﻭﷲ ﻳﺨﻠﻖ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻓﻴﺘﺸﻜﻞ ﻛﻴﺎﻧﺎ ً ﺣﻴﺎ ً ﻓﺎﻋﻼً ﻣﺆﺗﻤﺮﺍً‪.‬‬
‫ﻭﺍﻷﺷﻴﺎء ﺗﺒﺪﺃ ﻣﻬﻴﻨﺔ ‪ ،‬ﻭﺧﻠﻖ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ ﻣﻦ ﻣﺎء ﻣﻬﻴﻦ ‪ ،‬ﻭﷲ ﺃﺭﺟﻊ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻘﺬﻑ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﺨﻠﻖ ﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ‪) :‬ﺃﻓﺮﺃﻳﺘﻢ ﻣﺎ ﺗﻤﻨﻮﻥ( ﻓﻬﻮ ﻟﻠﺒﺸﺮ ﻭﻭﺍﻗﻊ ﺗﺤﺖ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﻡ‪ ،‬ﻭﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ‪) :‬ﺃﺃﻧﺘﻢ ﺗﺨﻠﻘﻮﻧﻪ ﺃﻡ‬
‫ﻧﺤﻦ ﺍﻟﺨﺎﻟﻘﻮﻥ(‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺗﻔﺮﻳﻖ ﺻﻐﻴﺮ ﻭﺩﻗﻴﻖ ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﻓﻴﻪ ﻛﻼﻓﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ‪.‬‬
‫ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻓﻔﻜﺮﺓ )ﺃ( ﺗﺘﺰﺍﻭﺝ ﻣﻊ ﻓﻜﺮﺓ )ﺏ(‪ ،‬ﻳﺘﻮﻟﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻓﻜﺮﺓ)ﺝ(‪ ،‬ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻟﻪ ﺃﺏ ﻭﺃﻡ‪.‬‬
‫ﻛﺬﻟﻚ ﻛﻞ ﻓﻜﺮﺓﻭ ﻟﻬﺄ ﺁﺑﺎﺅﻫﺎ ﻭﺃﺑﻨﺎﺅﻫﺎ ‪ ،‬ﻭﺃﺣﻔﺎﺩﻫﺎ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻟﻠﺒﺸﺮ ﺃﺑﻨﺎء ﻭﺣﻔﺪﺓ‪) ،‬ﻭﺟﻌﻞ ﻟﻜﻢ ﻣﻦ ﺃﺯﻭﺍﺟﻜﻢ ﺑﻨﻴﻦ‬
‫ﻭﺣﻔﺪﺓ( )‪)(۷۲ :۱٦‬ﺍﻟﻨﺤﻞ(‪.‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ‪ :‬ﺇﻥ ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ ﻫﻲ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﺨﺼﺐ ‪ ،‬ﻛﺬﻟﻚ ﺗﺒﺎﺩﻝ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭﺍﻟﻠﻘﺎء ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ ‪ ،‬ﻓﺎﺟﺘﻤﺎﻉ‬
‫ﻋﺎﻗﻠﻴﻦ ﻳﺘﺒﺎﺩﻻﻥ ﺍﻵﺭﺍء ﻳﻨﺘﺞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ )ﺍﻟﺘﻼﻗﺢ ﺍﻟﻨﻮﻋﻲ ( ﻫﻨﺎ ‪ ،‬ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻛﻞ‬
‫ﺃﺯﻭﺍﺝ ﻋﻨﺪ ﻫﻢ ﺫﺭﻳﺔ )ﻭﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﻳﺸﺎء ﻋﻘﻴﻤﺎ ( )‪ ،(٥۰ :٤۲‬ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺟﺎﻫﻠﻴﻦ ﻫﻮ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﻋﻘﻴﻤﻴﻦ ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﻌﻘﻴﻢ ﻣﻦ ﻁﺮﻑ ﻭﺍﺣﺪ ﻳﺴﺒﺐ ﻋﺪﻡ ﺍﻹﻧﺠﺎﺏ ﻓﻜﻲ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ!!‪..‬‬

‫‪44‬‬
 ‫ﻓﺎﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻣﺨﺼﺐ ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﻨﺎﺱ‪...‬‬
‫ً‬
‫ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻢ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺎﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﻭﺑﺸﻜﻞ ﻣﻄﻠﻖ‪ ،‬ﻭﺛﺒﺖ ﻋﻠﻤﻴﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ‬
‫ﺍﻟﺮﺣﻢ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ـ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ـ ﻛﻲ ﻳﺼﺒﺢ ﻣﻨﺘﺠﺎ ً‪ ،‬ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻭﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭﺍﻟﻠﻘﺎءﺍﺕ‪ .‬ﻗﺪ ﻳﺤﺼﻞ‬
‫ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ‪ ،‬ﻭﺗﺒﺎﺩﻝ ﺁﺭﺍء ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻤﺎء‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺗﺒﺎﺩﻝ ﺍﻟﺠﻬﻞ ‪ ،‬ﻭﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﺎﺕ ﻫﻲ ﺇﻣﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺻﻮﺭﺓ )ﻣﺠﺎﻣﻼﺕ( ﺃﻭ ﺇﺫﺍ ﺣﺼﻞ ﺧﻼﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺣﺪﺙ)ﻧﺰﺍﻉ(‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﻜﺜﻲﺭ ﻻ ﻳﺘﺼﻮﺭ ﺧﻼﻑ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺇﻻ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ )ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ(‪ ،‬ﻣﻊ ﺃﻥ ﷲ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺑﺎﻷﺻﻞ ﻣﺨﺘﻠﻔﻴﻦ‪ ،‬ﻷﻥ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻹﺧﺘﻼﻑ ﺗﻔﺎﻋﻞ ‪ ،‬ﻭﺻﺤﺔ‪ ،‬ﻭﺧﺼﻮﺑﺔ‪ ،‬ﻭﻛﺸﻒ ﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﻖ ‪) ،‬ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺧﻠﻘﻬﻢ ( )‪ ،(۱۱۹ :۱۱‬ﻭﺇﺫﺍ‬
‫ﺣﺼﻞ ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ ﺣﺼﻞ ﺗﺒﺎﺩﻝ ﺍﻟﺠﻬﻠﻮ ﻭﺃﺭﺗﻔﻌﺖ ﺍﻷﺻﻮﺍﺕ ‪ ،‬ﻭﻋﻢ ﺍﻟﺼﺨﺐ‪ ،‬ﻭﺗﻔﺸﺖ ﺍﻟﻤﻬﺎﺗﺮﺓ‪ ،‬ﻟﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ‬
‫ﻱ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺟﻮﺍء ﺃﻥ ﻳﺘﻮﻭﻗﻒ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺔ ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﻌﺘﺒﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻫﻨﺎ ‪ ،‬ﻭﺗﺒﺪﺃ‬ ‫ﺍﻷﻓﻀﻞ ﻑ‬
‫ﻋﺘﺒﺔ ﺍﻟﺤﻨﺠﺮﺓ ﻭﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﺍﻟﺼﻮﺗﻴﺔ!!‪..‬‬
‫ﻭﺟﺮﺕ ﺳﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ ﺃﻥ ﺭﻓﻊ ﺍﻟﺼﻮﺕ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺳﻠﻮﺏ ﻭﻫﺬﺍﺍﻟﺠﻮ ﻳﺘﻤﺎﺷﻴﻰ ﺑﺸﻜﻞ ﻁﺮﺩﻱ ﻣﻊ‬
‫ﺿﻌﻒ ﺍﻟﺤﺠﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﻠﺠﺄ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺇﻟﻰ ﺗﺨﺎﻧﺔ ﺍﻟﺼﻮﺕ ﻭﺫﺑﺬﺑﺎﺕ ﺍﻟﺤﺐﺍﻝ ﺍﻟﺼﻮﺗﻴﺔ ﻛﺘﻌﻮﻳﺾ ﻋﻦ ﻋﻤﻖ‬
‫ﺍﻟﺤﺠﺔ ﻭﺑﺮﻫﺎﻧﻬﺎ‪ ،‬ﺑﻞ ﺃﺣﻴﺎﻧﺄ ً ﺭﻓﻊ ﺍﻟﻌﺼﺎ ‪ ،‬ﺃﻭ ﻓﻮﻫﺔ ﺍﻟﺒﺎﺭﻭﺩﺓ‪ ،‬ﺑﻞ ﻭﺣﺘﻰ ﺳﺒﻄﺎﻧﺔ ﺍﻟﻤﺪﻓﻊ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺮﺃﺱ ﺍﻟﻨﻮﻱ‬
‫ﺍﻟﻤﻮﺟﻪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻨﻘﺒﻠﺔ ﺍﻟﻨﻴﻮﺗﺮﻭﻧﻴﺔ؟!‪..‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺍﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﺗﺤﻜﻢ ﺍﻟﻌﺼﺎ ﺍﻟﻌﻘﻞ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﻗﺪ ﺗﻮﻗﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺤﻜﺎﻡ ﺍﻟﻤﺘﺴﻠﻄﻮﻥ ﺑﺎﻟﻌﺼﺎ‬
‫ﻳﻔﻜﺮ‪ ،‬ﺃﻭ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻌﻘﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﺮﻙ‪ ،‬ﻷﻥ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺧﻄﺮﺓ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺃﺧﻄﺮ ﻣﻦ ﺗﺤﺮﻙ‬ ‫ﻳﺤﺎﻛﻤﻮﻥ ﻣﻦ ﻳﺘﺠﺮﺃ ﻑ‬
‫ﻭﺣﺪﺓ ﺩﺑﺎﺑﺎﺕ؟!‪..‬‬
‫ﻷﻥ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﺎﺿﻴﺔ ﺣﻴﺔ ﺣﺎﺭ‪ ،‬ﻭﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ ﺑﺎﺭﺩﺓ ﺑﺮﻭﺩﺓ ﺍﻟﻤﻮﺕ‪ ،‬ﻭﺳﺘﻜﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻭﻟﻮ ﺑﻌﺪ‬
‫ﺣﻴﻦ ‪....‬‬
‫)ﻭﻣﺎ ﻳﺴﺘﻮﻱ ﺍﻷﻋﻤﻰ ﻭﺍﻟﺒﺼﻴﺮ ﻭﻻ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ ﻭﻻ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﻻ ﺍﻟﻈﻞ ﻭﻻ ﺍﻟﺤﺮﻭﺭ ﻭﻣﺎ ﻳﺴﺘﻮﻱ ﺍﻷﺣﻴﺎء ﻭﻻ‬
‫ﺍﻷﻣﻮﺍﺕ ﺇﻥ ﷲ ﻳﺴﻤﺢ ﻣﻦ ﻳﺸﺎء ﻭﻣﺎ ﺃﻧﺖ ﺑﻤﺴﻤﻊ ﻣﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ ﺇﻥ ﺃﻧﺖ ﺇﻻ ﻧﺬﻳﺮ ( )‪ (۲۳-۱۹ :۳٥‬ﻭﻛﻤﺎ‬
‫ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻭﺗﺒﺎﺩﻝ ﺍﻵﺭﺍء ـ ﺃﻱ ﺟﻮ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ـ ﻫﻮ ﺟﻮ ﺯﻭﺟﻴﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻓﺄﻥ ﺍﻟﺼﻤﻤﻴﺔ ﻫﻲ ﻋﻘﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻮ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﺼﻤﻢ ﺃﻧﻮﺍﻉ‪ :‬ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻀﻮﻳﺎ ً ﻓﻴﺰﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ً‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻐﻮﻳﺎ ً‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺛﻘﺎﻓﻴﺎ ً‪ ،‬ﻓﺎﻟﺼﻮﺕ ﺣﺮﻛﺔ ﻓﻲ‬
‫ﻭﺳﻂ ﻣﺎﺩﻱ‪ ،‬ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻋﺒﺮ ﻏﺸﺎء ﺍﻟﻄﺒﻞ ‪ ،‬ﻭﻋﻈﻴﻤﺎﺕ ﺍﻟﺴﻤﻊ‪ ،‬ﺛﻢ ﺍﻟﻌﺼﺐ ﺍﻟﺴﻤﻌﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﺾ‬
‫ﺍﻟﺼﺪﻏﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻣﺎﻍ ﻛﻲ ﻳﻔﺴﺮﻫﺎ ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺣﺪﺙ ﺧﻠﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﻀﻮﻱ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻦ ﺷﺮﻳﻂ‬
‫ﺍﻷﻧﺘﻘﺎﻝ‪ ،‬ﺗﻌﻄﻞ ﺍﻧﺘﻘﺎﻝ ﺍﻟﺼﻮﺕ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺼﻤﻢ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻋﻀﻮﻳﺎ ً ﻓﻴﺰﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ً ﺑﺤﺘﺎ ً‪.‬‬
‫ﻭﻗﺪ ﻳﺤﺪﺙ ﺻﻤﻢ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺁﺧﺮ ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻟﻴﺲ ﻗﺼﻮﺭﺍً ﻓﻲ ﺍﻧﺘﻘﺎﻝ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺼﻮﺕ ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮﻫﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻐﺾ ﺍﻟﺼﺪﻏﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻣﺎﻍ‪ ،‬ﻓﻴﺤﺪﺙ ﻋﺠﺰ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﺎﻫﻢ‪ ،‬ﻭﻳﺤﺪﺙ ﺣﺪﻳﺚ )ﻁﺮﺷﺎﻥ( ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺟﺪﻳﺪ ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ‬
‫ﻣﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻟﻸﺟﺎﻧﺐ ﻓﻲ ﺑﻼﺩ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﻠﻐﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ‪ ،‬ﺃﻱ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺴﻤﻌﻮﻥ ﺷﻲ ﺋﺎ ً ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ‬
‫ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻌﻮﻥ‪ ،‬ﻭﺟﺎء ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺷﺒﻴﻪ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻭﻫﻲ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻣﺠﺮﺩ ﺳﻤﺎﻉ ﺍﻷﺻﻮﺍﺕ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻱ‬
‫ﺗﻔﺴﻴﺮ‪.‬‬
‫)ﻭﻣﺜﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭﺍ ﻛﻤﺜﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻌﻖ ﺑﻤﺎ ﻻﻳﺴﻤﻊ ﺇﻻ ﺩﻋﺎء ﻭﻧﺠﺎء ﺻﻢ ﺑﻜﻢ ﻋﻤﻲ ﻓﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﻘﻠﻮﻥ ( )‪:۲‬‬
‫‪ (۱۷‬ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺼﻤﻢ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﺤﺎﻭﺭ ﺷﺨﺼﺎﻥ ﺑﻠﻐﺔ ﻭﺍ ﺣﺪﺓ ﻭﻟﻜﻦ ﺑﺨﻠﻔﻴﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺃﻥ‬
‫ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﻟﻬﺎ ﺷﻴﻔﺮﺗﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ ﻟﻜﻞ ﺣﺮﻑ ﻭﻛﻠﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻣﺎﻍ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻞ ﻟﻐﺔ‪ ،‬ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ‪.‬‬
‫ﺇﺫﺍ ﺍﺟﺘﻤﻊ ﺷﻴﻮﻋﻲ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﻭﻓﺎﺋﺾ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ‪ ،‬ﻭﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ‪ ،‬ﻣﻊ ﻣﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺻﻮﻓﻴﺔ‪،‬‬
‫ﻋﺎﺵ ﻋﻤﺮﻩ ﻻ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﺇﻟﻰ ﻓﻲ ﺇﻁﺎﺭ ﺃﺩﺏ ﺍﻟﺤﻀﺮ ﺓ‪ ،‬ﻭﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﺮﻳﺪ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺍﻟﺸﻴﺦ ‪ ،‬ﻭﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻘﺒﺮ ‪،‬‬
‫ﻭﻣﻨﻜﺮ ﻧﻜﻴﺮ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﻣﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻋﺠﺒﺎ ً ﻟﻴﺲ ﻷﻥ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﻭﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﻔﻬﻮﻣﺔ ‪ ،‬ﺑﻞ ﻷﻥ‬
‫ﻣﻮﺟﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ ً ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺟﻬﺎﺯ ﺍﻟﺮﺍﺩﻳﻮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻮﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺟﺔ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮﺓ ‪ ۱۹‬ﺃﻭ ‪۳۱‬‬
‫ﺃﻭﺑﻌﺪ ﺗﺤﻮﻳﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﺟﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﺳﻄﺔ ﺏﺗﻐﻴﻴﺮ ﻣﻮﺟﺔ ﺍﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ﻛﻠﻬﺎ‪.‬‬

‫‪45‬‬
 ‫ﻛﺬﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﺼﻞ ﺗﺒﺎﺩﻝ ﺍﻵﺭﺍء ﻭﺇﻧﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻫﻢ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻣﻮﺟﺔ ﺍﻷﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺑﻜﺒﺲ ﺃﺯﺭﺍﺭ‬
‫ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺗﻼﻓﻴﻒ ﺍﻟﺪﻣﺎﻍ!! ﻠﻟ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ ﺷﺆﻭﻥ‪ .‬ﻓﺎﻟﺼﻤﻢ ﻫﻨﺎ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﺰﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ً ‪ ،‬ﻭﻻ ﻟﻐﻮﻳﺎ ً ‪ ،‬ﺑﻞ ﺛﻘﺎﻓﻲ‬
‫ﺑﺒﻌﺪ ﺟﺪﻳﺪ‪ ..‬ﻭﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﺡ ﻧﻘﻮﻝ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬

‫ﻋﻞﻯ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﺗﻌﺎﻣﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﻪ؟‬

‫ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺏ‪ :‬ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻩ ﻫﻮ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ‪.‬ﺯﺃﻱ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺭﻣﻮﺯ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ‪ ،‬ﺑﻘﺪﺭ‬
‫ﺷﻴﻔﺮﺗﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‪..‬‬
‫ﺇﻥ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺗﻌﺎﻣﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻊ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ‪ ،‬ﺃﻭ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﻪ ‪ ،‬ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺪﺭﺟﺔ‬
‫ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ ،‬ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ‪ ،‬ﻓﻔﻬﻢ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻨﺎ ﻳﺘﻢ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ‪ ،‬ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﺮﺃ‬
‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺳﻄﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻼﻡ ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻔﻬﻢ ﺍﻟﺮﻣﻮﺯ ‪ ،‬ﺃﻋﻨﻲ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻫﻲ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺳﻮﻣﺎﺕ‬
‫ﺍﻟﻤﺠﺮﺩﺓ‪ ،‬ﻓﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺎﻷﺻﻞ ﻛﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﺘﻔﺎﻫﻢ ﻣﻊ ﺍﻷﺧﺮﻳﻦ ‪ ،‬ﻭﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺷﻲء ﻣﺎ ﺃﺣﻀﺮﻩ‬
‫ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻵﺧﺮ ‪ ،‬ﺃﻭ ﺫﻫﺐ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻲء ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻳﺪﻩ ﻛﺠﺒﻞ ﺃﻭ ﺷﺠﺮﺓ ‪ ،‬ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺒﺪﺍﺋﻴﺔ ﻣﺎ ﺯﻟﻨﺎ‬
‫ﻧﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ً ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﻄﻖ ﺑﺸﻜﻞ ﺭﻣﺰﻱ ﻣﺠﺮﺩ ﺇﻟﻰ ﺷﻲء ﻣﺎ ﻓﻨﻠﺠﺄ ﺇﻟﻰ ﺭﺳﻤﻪ ﻭﺗﺼﻮﻳﺮﻩ‪..‬‬
‫ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻮﺻﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﺳﻢ ﺍﻷﺷﻴﺎء ﺛﻢ ﺗﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻢ ﻋﻨﻰ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩ‬
‫ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﻟﺘﺮﺳﻢ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ‪..‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍﻓﻜﻠﻤﺔ "ﻧﻬﺮ"ﻫﻲ ﻛﻤﺎ ﻳﻞ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩ ‪ :‬ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪ :‬ﻧﻬﺮ‪ ،‬ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺔ ‪:‬ـــــــــــ ﺍﻟﻠﻐﺔ‬
‫ﺍﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ‪ :‬ــــــــــــ‪ ،‬ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻣﺮﺍﺩﻓﺎﺗﻬﺎ ﺑﺒﻘﻴﺔ ﻟﻐﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‪.‬‬
‫ﻭﻓﻬﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻣﻮﺯﻳﻌﺘﻤﺪ ﺑﺎﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻠﻔﻴﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ‬
‫ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﻟﻒ ﺍﻟﺸﻐﺮ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻳﻘﻒ ﺃﺧﺮﺳﺎ ً ﺃﺻﻤﺎ ً ﺃﻣﺎﻡ ﺳﻄﺮ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﻟﻐﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻭﻛﺄﻧﻪ‬
‫ﺃﻋﻤﻰ ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﺪﺭﻙ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﺎ ﻳﻘﺮﺃ ﺑﻔﻌﻞ ﻓﺮﺍﻍ ﺍﻟﻤﺬﺧﻮﺭ ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ ﻋﻨﺪﻩ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﺴﺮ ﺑﻤﻮﺟﺒﻪ ﻣﺎﻳﻘﺮﺃ‪..‬‬
‫ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ‪..‬ﻭﻟﺘﺒﺴﻴﻂ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻧﻘﻮﻝ‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺮﺃ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ‬ ‫ﺓ‬ ‫ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﺍﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻐﺔ‬
‫ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﺤﺘﻮﺍﻫﺎ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻋﺮﺑﻴﺎ ً‪ ،‬ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﻘﺮﺍءﺓ ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ‪..‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ‪ ،‬ﺇﺫﺍ ﻗﺮﺃ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﺨﻂ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻛﻤﺎ ﻩ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻔﺎﺭﺳﻴﺔ ﺃﻭﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ‪ ،‬ﻋﺞﺯ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻋﻦ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﻣﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﺨﻂ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ‪ .‬ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻫﺬﺍ ﻓﻲ‬
‫ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬ﺇﺫﺍ ﺃﺧﺬﻧﺎ ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻹﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻨﺴﺒﻲ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺮﺃ ﻧﺼﺎ ً ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺔ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻓﻬﻤﻪ ﻟﻠﻨﺺ ﻋﻠﻰ ﻣﺬﺧﻮﺭﻩ ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻌﻤﻖ‬
‫ﺍﻟﺸﺨﺚ ﻳﺘﻘﺎﺑﻞ ﻣﻊ ﻋﻤﻖ ﺍﻟﻨﺺ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺣﺪﻭﺩ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻗﺪ ﻳﺘﻌﺜﺮ ﺍﻹﺱﺗﻴﻌﺎﺏ ﺣﺴﺐ ﻋﻤﻖ ﺍﻟﻨﺺ ﻭﻭﺿﻮﺣﻪ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﺧﻠﻔﻴﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻨﺺ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻳﺘﻢ ﺍﺳﺘﻴﻌﺎﺑﻪ ﺑﻘﺪﺭ ﺍﻟﺨﻠﻔﻴﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ‬
‫ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﺍﺟﻪ ﺍﻟﻨﺺ‪..‬‬
‫‪ ،‬ﻭﻓﻬﻢ ﻫﺬﻩ‬ ‫ﻭﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﺃﻣﺎﻣﺎ ﻭﺍﻟﺬ ﻧﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ ﻫﻮ ﻛﺘﺎﺏ ﺿﺨﻢ ﻣﻠﻲء ﺑﺎﻟﺮﻣﻮﺯ‬
‫ﺍﻟﺮﻣﻮﺯ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻞﻓﻴﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻔﻬﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‪..‬‬
‫ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺻﻒ ﻁﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺑﻮﺻﻒ ﻋﺠﻴﺐ ‪ ،‬ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻗﺎﻝ )ﻭﻛﺄﻳﻦ ﻣﻦ ﺁﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﻮﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ‬
‫ﻳﻤﺮﻭﻥ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻫﻢ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻌﺮﺿﻮﻥ( )‪.(۱۰٥ :۱۲‬‬
‫ﺃﻭ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﺁﺧﺮ‪) :‬ﻭﺇﻧﻜﻢ ﻟﺘﻤﺮﻭﻥ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﺼﺒﺤﻴﻦ ﻭﺑﺎﻟﻴﻞ ﺃﻟﻔﻼ ﺗﻌﻘﻠﻮﻥ( )‪۱۳۷ :۳۷‬ـ‪.(۱۳۸‬‬
‫ﺇﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻌﻤﻰ ﺍﻷﺑﺼﺎﺭ ﻭﻟﻜﻦ ﺗﻌﻤﻰ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺪﻭﺭ( )‪.(٤٦ :۲۲‬‬ ‫ﺃﻭ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻰ )ﻑ‬
‫ﻓﺘﻌﻄﻞ ﺟﻬﺎﺯ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺳﻄﺤﻴﺔ ﻫﺎﻣﺸﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﺗﻔﺴﻴﺮﻳﺔ‪..‬‬
‫ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻟﻪ ﻋﻴﻨﺎﻥ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺇﺩﺭﺍﻛﻪ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﻻﻣﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔﺍﺇﻧﻌﻜﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﺸﺮﻁﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ‬
‫‪ ،‬ﻭﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺗﻌﺎﻣﻠﻪ ﻣﺸﺮﻭﻁ ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﺘﻄﻮﺭ ‪.‬‬ ‫ﺗﻜﻴﻒ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻏﺮﻳﺰﺗﻪ ﻟﻠﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﻪ‬

‫‪46‬‬
 ‫ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‪،‬ﻫﻮ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﺮ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﻔﺰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘﻄﻮﺭ‪ ..‬ﺇﺫﺍ ﺗﺒﻠﻮ ﻣﺎ ﻣﺮ ‪ ،‬ﻭﺻﻠﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻭﺿﻊ‬
‫ﺍﻟﻨﻘﺎﻁ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ‪:‬‬
‫ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ‪ ،‬ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﺃﻓﻜﺎﺭﻫﻢ‪ ،‬ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ‪ ..‬ﺳﻮﺍء ﻓﻲ ﺗﻜﺎﺛﺮﻫﻢ ﺍﻟﺠﻨﺴﻲ‪ ،‬ﺗﻜﺎﺛﺮ ﺍﻟﻨﻮﻉ‬
‫ﺃﻭ ﺭﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻨﻮﻉ‪..‬‬
‫ﻉ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻳﺘﻢ ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﺠﺪﻟﻴﺔ ‪ ،‬ﺃﻱ ﺟﻮ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ‪ ..‬ﺑﺸﺮﻭﻁ ‪ ،‬ﻣﻊ ﻣﻼﺣﻈﺔ‬ ‫ﺭﻑ‬
‫ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺇﺯﺍﻟﺔ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻌﻘﻢ‪.‬‬
‫ﻧﻔﺲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﺑﺎﻟﺠﺪﻝ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺎﻟﻀﻤﻴﺮ‬
‫ﺃﻥ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺼﺤﺔ‪.‬‬
‫ﺟﺪﻝ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﻧﺎﻫﺎ ﻳﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻧﻤﻮﻫﺎ ﻭﻣﻨﺤﻬﺎ ﺟﻮ ﺍﻟﺼﺤﺔ ‪،‬‬
‫ﻭﺇﻻ ﺍﺧﺘﻨﻘﺖ ﺑﺎﻟﺮﻛﻮﺩ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ‪..‬‬
‫ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻳﻤﺸﻲ ﻓﻲ ﻁﺮﻳﻖ ﻛﻤﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺠﺪﻝ ﺍﻟﺠﻮﺍﻧﻲ ‪ ،‬ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻤﺸﻲ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﻁﺮﻳﻖ‬
‫ﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ‪..‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﺪﻟﻴﺔ ﺃﻱ ﺟﻮ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ ﺇﺫﺍ ﺳﻴﻄﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﺟﻮ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻙ ﺍﻓﺔ ﻗﻄﺎﻋﺎﺗﻬﺎ ‪ :‬ﺍﻷﺳﺮﺓ ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‬
‫ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ‪ ،‬ﺣﻮﺍﺭ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ‪ ..‬ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻁﺮﻳﻖ ﺍﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ﻭﺍﻟﻨﻤﻮ‬
‫ﻭﺍﻟﺼﺤﺔ‪...‬‬
‫ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺪﺭﺟﻮﻥ ﻓﻲ ﻟﻘﺎءﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﻌﻜﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ﻁﺮﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﺴﺆﻭﻣﺔ ﻫﻲ ‪:‬‬
‫"ﻣﺠﺎﻣﻼﺕ ـــ ﻣﻨﺎﺯﻋﺎﺕ"‪ ،‬ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳﺘﻌﻄﻞ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﺍﻟﻌﻖﻟﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﻘﺎء ﻓﻼ ﻳﺜﻤﺮ‪..‬‬
‫ﺇﻥ ﺟﻮ ﺍﻟﻤﺠﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ‪ ،‬ﻳﻌﻨﻲ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺒﻄﻦ ‪ ،‬ﻭﺍﻹﺣﺘﻔﺎﻅ‬
‫ﺑﺎﻟﺨﻨﺎﺩﻕ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻻ ﺗﺘﻌﺮﺽ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻟﻠﺘﺠﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻤﺤﻴﺺ ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺍﻟﻨﻤﻮ ﻭﺍﻟﺒﻠﻮﺭﺓ ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺗﺮﻫﺐ‬
‫ﻟﺒﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻂ ﻓﻜﺮﺓ ‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺳﻴﻘﻮﺩﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ ﻑﺣﻔﺎﻅﺎ ً ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺘﻨﺎ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻳﺠﺐ‬
‫ﺃﻥ ﻧﺘﺠﻨﺐ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺠﺪﻱ ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﺍﻟﻔﻌﺎﻝ‪.‬‬
‫ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻌﺘﺮﻑ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﺍﻟﻔﻌﺎﻝ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﻷﺭﺿﻴﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﺧﺼﺒﺔ ﻭﻁﺎﻗﺔ ﻧﻔﺴﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻓﻬﻮ‬
‫ﻣﻔﺘﺎﺡ ﺩﺧﻮﻝ ﻭﺗﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﻌﻘﺒﺔ‪) :‬ﻓﻼ ﺍﻗﺘﺤﻢ ﺍﻟﻌﻘﺒﺔ()‪ (۱۱ :۹۰‬ﺃﻱ ﺩﺧﻮﻝ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻨﻤﻮ‪..‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻳﺘﺤﺮﺭ ﺗﻤﺎﻣﺎ ً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﻋﺘﺒﺔ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺤﺚ ‪ ،‬ﺇﻥ ﺍﻷﻣﺎﻥ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻷﻧﻪ‬
‫ﻳﺘﺄﺳﺲ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺽ ﺻﻠﺪﺓ ‪.‬‬
‫ﺃﻣﺎ ﺍﻻﻧﻌﻜﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻵﺧﺮ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﻤﺸﺆﻭﻣﺔ ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ ﻭﺍﻻﻧﻨﻔﻌﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ‪ ،‬ﻭﻓﻘﺪ ﺿﺒﻂ‬
‫ﺍﻟﻨﻔﺲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻷﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺘﺒﺮﻳﺮﻱ ﻟﺪﻋﻢ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ‪ ،‬ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺠﻮ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺃﻳﻀﺎًﻏﻴﺮ ﻣﻨﺘﺞ ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻡ ﺣﺎﻭﻟﺔ‬
‫ﺩﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻵﺭﺍء ﺑﺄﻱ ﺛﻤﻦ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻷﺣﺘﻔﺎﻅ ﺑﻬﺎ ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺗﻨﻤﻴﺔ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ‪ ..‬ﺃﻭ ﺗﺒﻴﻦ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺼﻮﺍﺏ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ‪..‬‬

‫ﺭﺍﺑﻌﺎ ً‬
‫ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ؟‬
‫ﻷﻥ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺘﻔﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﻌﺐ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﺤﺎﺳﻢ ﻓﻲ ﻭﻻﺩﺓ‬
‫ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ‪.‬‬
‫"ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺍﻟﺘﻔﺘﻮﺍ ﻭﺭﻛﺰﻭﺍ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻋﻞﻯ ﺧﺼﻮﻣﻬﻢ‪ ،‬ﻭﺣﺬﻓﻮﺍ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻦ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ‪،‬‬
‫ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺘﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ‪ ،‬ﻣﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻫﻮ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﻓﻲ ﻭﻻﺩﺓ‬
‫ﺍﻟﺤﻮﺍﺟﺚ‪ ،‬ﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﻗﺎﺳﻴﺔ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﻻﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﻄﺎﻉ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ‪"...‬‬

‫‪47‬‬
‫ـ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﻭﻻﺩﺓ ﺍﻟﺤﺪﺙ‪ .‬ﺷﺮﻳﺤﺔ ﺃﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﻗﻄﺎﻉ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺳﻘﻮﻁ ﻏﺼﻦ‪ .‬ﺷﺮﻳﺤﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺣﺪﻭﺙ‬
‫ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ ﻋﻨﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻧﻤﻮﺫﺝ ﻓﻲ ﻓﻘﺮ ﺍﻟﺪﻡ ﺍﻟﺨﺒﻴﺚ ـ ﺷﺮﻳﺤﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻨﻔﺲ‬
‫ﻭﺍﻧﻄﺒﺎﻉ ﺍﻹﻧﻔﻌﺎﻻﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ـ ﺷﺮﻳﺤﺔ ﺭﺍﺑﻌﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ـ ﺷﺮﻳﺤﺔ ﺧﺎﻣﺴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ‬
‫ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﻰ ـ ﺷﺮﻳﺤﺔ ﺳﺎﺩﺳﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ‪ .‬ﻓﻲ ﻣﻔﻪ ﻭﻡ ﻣﻮﺕ ﺍ ﻷﻣﺔ ﻭﻣﻮﺕ ﺍﻟﻔﺮﺩ ‪ .‬ﻓﻲ ﻅﺎﻫﺮﺓ‬
‫ﺍﻟﺴﺘﻌﻤﺎﺭ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ‪ :‬ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ـ ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ـ ﺭﺟﻞ ﺍﻟﻌﺼﺎ ﻭﺭﺟﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ـ ﻧﻈﺮﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‪.‬‬

‫ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻝ ﻋﻦ ﻣﻮﺟﺔ ﺍﻹﻧﺤﺴﺎﺭ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﺎ؟‬

‫ﻳﻄﻴﺐ ﻟﻺﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺃﻥ ﻳﺒﺤﺜﻮﺍ ﻋﻦ "ﺃﻛﺒﺎﺵ ﻓﺪﺍء " ﺩﻭﻣﺎ ً ﻟﺘﺒﺮﻳﺮ ﺍﻧﺤﺴﺎﺭ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍ ﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ‬
‫ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﺎ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺒﺮﻳﺮ ﻳﻌﻄﻲ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ " ﺣﻖ ﺍﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ"‪ .‬ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺷﺤﻨﺔ ﺗـ "ﺣﻘﻨﺔ ﻗﻠﻖ "‬
‫ﺣﺘﻰ ﻧﻔﺠﺮ ﻟﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻮﺍﺯﻥ ﺍﻟﺨﺎﻣﺪ ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺴﻨﻰ ﺃﻣﺎﻣﻪ ﺗﺄﺩﺟﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﺟﺒﺎﺕ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﺍﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﻔﻞ‬
‫ﻧﻘﻠﺔ ﻣﻦ ﻭﺍﻗﻊ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﻗﻊ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻬﻞ ﺍﻟﻌﺜﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﺃﻛﺒﺎﺵ ﻓﺪﺍء ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﻛﺜﻴﺮ ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺗﺎﺭﺓ ﺃﻋﺪﺍء ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍ ﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻦ‬
‫"ﺍﻹﺳﺘﻌﻤﺎﺭ"‪ " ،‬ﺍﻟﺼﻬﻴﻮﻧﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ"‪" ،‬ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ"‪ ،‬ﺃﻭ "ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻤﻀﺎﺩﺓ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ"‪ ،‬ﺃﻭ ﻫﻲ "ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻹﺳﺘﺨﺒﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻳﺔ ﺳﻲ ﺁﻱ ﺃ "‪ ،‬ﺃﻭ ﻫﻲ "ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ "‪ ،‬ﺃﻭ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ‬
‫"ﺇﺭﺍﺩﺓ ﷲ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻣﺮﺩ ﻟﻬﺎ "‪ ،‬ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺗﺒﺮﻳﺮ ﺁﺧﺮ ‪ ،‬ﻭﻛﺄﻥ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﷲ ﺷﺎءﺕ ﺃﻥ ﻳﺘﻔﻮﻕ ﺍﻟﻤﻼﺣﺪﺓ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ؟!‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻣﺼﻴﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﺤﺪﺩ ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺘﻴﻦ ﺃﻥ )ﻳﻜﻮﻥ ( ﺃﻭ )ﻻ ﻳﻜﻮﻥ (‪ .‬ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﻤﻌﺮﻗﻠﺔ‬
‫ﻟﻤﻨﻮﻩ ﻫﻲ ﺫﺍﺕ ﻣﻨﺸﺄﻳﻦ )ﺩﺍﺧﻠﻲ( ﻭ )ﺧﺎﺭﺟﻲ(‪.‬‬
‫ﻭﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﺃﺷﺪ ﺗﺄﺛﻴﺮﺍً ‪ ،‬ﻷﻥ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﺪﺍﺧﻞ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ‪ ..‬ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ‬
‫ﺇﻟﻰ ﻓﻬﻢ ﺃﻧﻀﺞ‪ ،‬ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺩﺭﺳﺎﺓ ﻭﻻﺩﺓ ﺍﻟﺤﺾ ‪ ،‬ﺃﻱ ﺣﺪﺙ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺪﺧﻠﻲ ﻭﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ‪ ،‬ﻭﺳﻨﺮﻯ‬
‫ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻤﻮﺳﻊ‪ ،‬ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﻌﺐ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﺤﺎﺳﻢ‪.‬‬
‫ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺭﺩﻧﺎﺍﺳﺘﻄﻼﻉ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ـ ﺃﻱ ‪" :‬ﻗﺎﻧﻮﻥ ﻭﻻﺩﺓ ﺍﻟﺤﺪﺙ" ـ ﻓﻠﻨﺤﺎﻭﻝ ﺍﻟﻤﺮﻭﺭ ﺑﻌﺪﺓ ﺷﺮﺍﺋﺢ‪..‬‬
‫ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ـ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻨﻔﺲ ـ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ـ ﺍﻟﺪﻭﻝ ـ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ‪.‬‬

‫‪۱‬ـ ﺷﺮﻳﺤﺔ ﺃﻭﻟﻰ‪ :‬ﻣﻦ ﻗﻄﺎﻉ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ـ ﺳﻘﻮﻁ ﻋﺼﻦ ﻣﻦ ﺷﺠﺮﺓ‪..‬‬

‫ﺃﻭ ﺳﻘﻮﻁ ﻭﺭﻗﺔ ﻓﻲ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﺨﺮﻳﻒ ‪ ،‬ﻟﻨﺘﺴﺎءﻝ‪ :‬ﻟﻢ ﺳﻘﻂ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻐﺼﻦ ﻭﺣﺪﻩ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺒﻘﻴﺔ؟ ﻛﻤﺎ ﻧﺘﺴﺎءﻝ ‪ :‬ﻟﻢ‬
‫ﺗﺘﺴﺎﻗﻂ ﺍﻷﻭﺭﺍﻕ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﺨﺮﻳﻒ ﻣﻊ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺮﻳﺢ ﻓﻲ ﺑﻘﻴﺔ ﻓﺼﻮﻝ ﺍﻟﺴﻨﺔ؟‬
‫ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺳﺒﺐ ﺳﻘﻮﻁ ﺍﻟﻐﺼﻦ ﺍﻟﺮﻳﺦ ﻟﻮﺟﺐ ﺳﻘﻮﻁ ﺍﻷﻏﺼﺎﻥ ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬ﺇﻥ ﻟﻢ ﻧﻘﻞ ﺃﻗﺘﻼﻉ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ!!‬
‫ً‬
‫ﺇﺫﻥ ﻳﺠﺐ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﺁﺧﺮ )ﻋﻠﻰ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺒﻮﺍﻗﻲ‪ :‬ﻭﻫﻲ ﺇﺑﻌﺎﺩ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﺛﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﺧﻠﻒ‬
‫ﺍﻵﺧﺮ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻘﻰ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﺧﻴﺮ‪ ،‬ﺍﻟﻌﻨﺼﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺍﻟﻤﺆﺛﺮﺓ(‪.‬‬
‫‪ ،‬ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻴﺄ ﺍﻟﻐﺼﻦ‬ ‫ﻫﻨﺎﻙ ﺳﺒﺐ ﺁﺧﺮ ﻫﻮ ﺍﻟﻨﺨﺮ ﻭﺍﻟﻀﻌﻒ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻓﻲ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁ ﺍﻟﻐﺼﻦ ﺑﺎﻟﺸﺠﺮﺓ‬
‫ﻟﻠﺴﻘﻮﻁ‪ ،‬ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﺮﻳﺢ ﻣﺒﺮﺭ ﺍﻟﺴﻘﻮﻁ ﻭ ﻟﻮ ﺗﺄﺕ ﺍﻟﺮﻳﺦ ﻟﺴﻘﻂ ﺑﻌﺪ ﺣﻴﻦ ‪ ،‬ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﺍﻟﺮﻳﺢ ﺃﻧﻪ ﻋﺠﻞ‬
‫ﺑﺴﻘﻮﻁﻪ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﺃﺻﺒﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﻋﺪﺍﺩ ﺍﻟﺴﻘﻮﻁ‪ ،‬ﺍﻧﺘﻬﻰ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁﻪ ﺑﺎﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﺏﻗﺎﺅﻩ ﻣﻌﻠﻘﺎ ﻫﻜﺬﺍ ﻟﻴﺲ ﻟﻘﻮﺗﻪ ﻓﻬﻮ ﺿﻌﻴﻒ‬
‫ﻛﻤﺎ ﺭﺃﻳﻨﺎ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻻ‪،‬ﻩ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﻐﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺰﻳﻒ ‪ ،‬ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺍﻟﺮﻳﺦ ﺳﺒﺒﺎ ً ﻣﻌﻤﻤﺎ ً ‪ ،‬ﺳﺒﺒﺎ ً‬
‫ﻣﺒﺮﺯﺍً ﻭﻣﻈﻬﺮﺍً ﻟﻤﺮﺽ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺍﻷﻋﻤﺎﻕ ‪ .‬ﻓﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ‪ ،‬ﻣﺸﻌﺮ ﻭﻣﺆﺷﺮ ﻭﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ‬
‫ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻮﺣﺪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﻣﺘﻌﺪﺩ ﻣﺘﺒﺎﻳﻦ‪،‬ﻓﻲ ﻣﺜﻠﻨﺎ ﻛﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﺮﻳﺦ ﺑﻀﺮﺑﺔ‪،‬ﺃﻭ‬
‫ﺟﺬﺑﺔ ﺑﺎﻟﻴﺪ ﺃﻭ ﺃﺗﻘﺎء ﻋﻠﻴﻪ ‪ ،‬ﺃﻭ ﺳﻘﻮﻁ ‪ ،‬ﺃﻭ ﺻﻌﻮﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺗﺴﻠﻘﻪ ‪ ..‬ﺃﻟﺦ ‪ ...‬ﻳﻠﺘﻔﺖ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺩﻭﻣﺎ ً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‬

‫‪48‬‬
 ‫ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ‪ ،‬ﻭﻳﻨﺴﻰ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﺃﻭﻻ ﻳﺘﻔﻄﻦ ﺇﻟﻴﻪ ‪ ،‬ﻣﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻫﻮ ﺳﺒﺐ ﺃﻻﻭﻝ ‪ .‬ﻭﻣﻨﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ‬
‫ﻳﻨﻄﻠﻖ ﺿﺒﻂ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ‪ .‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﺘﻜﺎﻣﻞ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﻟﻴﺤﺪﺙ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﺍﻟﺤﺪﺙ ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﺃﻧﻪ ﺑﺪﻭﻥ ﻫﺬﺍ )ﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ( ﻻ‬
‫ﻳﺤﺪﺙ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺮﺯ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻄﺢ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ )ﺍﻟﺤﺪﺙ(‪ ،‬ﻭﻟﻨﺮﺳﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻟﺔ‪:‬‬
‫ﻋﺎﻣﻞ ﺧﺎﺭﺟﻲ ‪ +‬ﻋﺎﻣﻞ ﺩﺍﺧﻠﻲ = ﺍﻟﺤﺪﺙ‪..‬‬
‫ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻛﺎﻥ ﻗﺼﺪﻧﺎ ﺃﻥ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺇﺫﺍ ﻣﺸﺖ ﺑﺸﻜﻠﻬﺎ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺑﺪﻭﻥ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎءﺍﺕ ﻭﻟﺪ‬
‫ﺍﻟﺤﺪﺙ‪.‬‬
‫ﻓﻤﺜﻼً‪ :‬ﻫﺒﻮﺏ ﺍﻟﻌﻮﺍﺻﻒ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪﺓ ‪ ،‬ﻭﻓﻴﻀﺎﻧﺎﺕ ﺍﻷﻧﻬﺎﺭ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺰﻻﺯﻝ ‪ .‬ﻭﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ ‪ ،‬ﻟﺴﻨﺎ ﻓﻲ ﺻﺪﺩﺩ ﺑﺤﺜﻬﺎ ‪،‬‬
‫ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﺳﺎﺭﺕ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻭﻓﻖ ﻧﺎﻣﻮﺳﻬﺎ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ‪.‬‬
‫ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺳﻘﻮﻁ ﺍﻟﻔﺎﻛﻬﻪ ﻓﻬﻲ ﺗﺴﻘﻂ ﻟﻮﺣﺪﻫﺎ ﺑﻔﻌﻞ ﺍﻟﻨﻀﺞ ﻭﺍﻟﺜﻘﻞ ﻭﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺠﺎﺫﺑﻴﺔ ‪ ،‬ﻷﻥ ﻋﻼﻗﺎﺕ‬
‫ﺍﺭﺗﺒﺎﻁﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﺍﻧﺘﻬﺖ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻧﺮﻯ ﺳﻬﻮﻟﺔ ﻗﻄﻒ ﺍﻟﺘﻮﺕ ﻣﺜﻼً ﻓﻲ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﺼﻴﻒ ‪ ،‬ﻭﺳﻘﻮﻁ ﺍﻷﻭﺭﺍﻕ‬
‫ﻓﻲ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﺨﺮﻳﻒ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻜﻞ ﻟﻪ ﻗﺎﻧﻮﻧﻪ‪.‬‬

‫‪ ۲‬ـ ﺷﺮﻳﺤﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ـ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﺍﻟﺒﺪﻧﻴﺔ ـ ﻓﻘﺮ ﺍﻟﺠﻢ ﺍﻟﺨﺒﻴﺚ ﻣﺜﻼً ـ ﺣﺪﻭﺙ‬
‫ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ‪.‬‬
‫ﻛﻴﻒ ﻳﺤﺪﺙ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﻓﻘﺮ ﺍﻟﺪﻡ ﺍﻟﺨﺒﻴﺚ؟ ﻓﻬﻮ ﻛﺎﻥ ﻱﺳﻤﻰ ﻗﺪﻳﻤﺎ ً ﺧﺒﻴﺜﺎ ً ﻷﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﻤﻴﺘﺎ ً‪ ،‬ﺃﻧﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ‪ ،‬ﻓﻠﻢ‬
‫ﻳﻌﺪ ﺧﺒﻴﺜﺎ ً‪ ،‬ﻻ‪،‬ﻩ ﺃﻣﻜﻦ ﻛﺸﻒ ﺳﻨﺘﻪ ﻭﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻴﻪ ‪ ،‬ﺗﻤﺎﻣﺎ ً ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺮﻁﺎﻥ ﻓﻬﻮ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﺮﺿﺎ ً ﺧﺒﻴﺜﺎ ً ﻷﻧﻪ‬
‫ﻻ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﻟﻪ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻐﺪ ﺳﻮﻑ ﻳﺼﺒﺢ ﻋﺎﺩﻳﺎ ً‪ ،‬ﻭﺗﻔﺎﺅﻟﻨﺎ ﻳﻨﺒﻊ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ‬
‫ﺃﻧﻪ‪" :‬ﻣﺎ ﺃﻧﺰﻝ ﷲ ﻣﻦ ﺩﺍء ﺇﻻ ﻭﺟﻌﻞ ﻟﻪ ﺩﻭﺍء ﺇﻻ ﺍﻟﻬﺮﻡ "‪ ،‬ﻭﺍﻟﺴﺮﻁﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺍﻟﻤﻌﻀﻞ ﻟﺤﻀﺎﺭﺓ‬
‫ﺍﻟﻴﻮﻡ‪ ،‬ﻭﻳﻤﺜﻞ ﺗﺤﺪﺛﺎ ً ﺷﺮﺳﺎ ً ﻟﻺﻣﻜﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻏﻴﺐ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﻻ‬
‫ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺳﻨﺘﻪ ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺳﻨﺘﻪ )ﺃﻱ‪ :‬ﻁﺮﻳﻖ ﺍﻷﺻﺎﺑﺔ‪ ،‬ﻭﺗﻄﻮﺭﻫﺎ‪ ،‬ﻭﺳﺒﺐ ﺍﻷﺻﺎﺑﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﺮﻳﺎﻕ‪...‬ﺍﻟﺦ(‬
‫ﻫﻲ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻭﻣﻊ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺳﺘﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺷﻬﺎﺩﺓ‪.‬‬
‫ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﻤﻰ ﻓﻘﺮ ﺍﻟﺪﻡ ﺍﻟﺨﺒﻴﺚ ‪ ،‬ﺇﻥ ﺍﻟﺴﺮ ﻓﻴﻪ ﻫﻮ ﻧﻘﺺ ﻓﻴﺘﺎﻣﻴﻦ ﻣﺘﻮﺍﺿﻊ ﻭﻣﺘﻮﺍﻓﺮ ﺑﺸﻜﻞ‬
‫ﻭﺍﻓﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ‪ ،‬ﻭﺣﺎﺟﺔ ﺍﻟﺒﺪﻥ ﺍﻟﻴﻤﻴﺔ ﻣﻨﻪ ﺗﺎﻓﻬﺔ )ﻓﻲ ﺃﻋﺘﺒﺎﺭﻧﺎ(‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻳﻴﺴﻨﺎ ﺟﺰء ﻣﻦ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﻎﺭﺍﻡ‪ ،‬ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻔﻴﺘﺎﻣﻴﻦ "ﺏ‪.(۱۲‬‬
‫ﻓﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﺮ ﻳﺎ ﺗﺮﻯ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻴﺘﺎﻣﻴﻦ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺍﻟﺨﻄﻴﺮ؟‬
‫ﻟﻘﺪ ﻭﺟﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺤﻤﺮ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺼﺎﻧﻊ ﻣﺘﻨﻘﻠﺔ‪ ،‬ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﺭﺍﻥ ﻭﺗﻌﺪﺍﺩﻫﺎ ﺧﻤﺴﺔ ﻣﻼﻳﻴﻦ‬
‫ﻛﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻠﻤﺘﺮ ﺍﻟﻤﻜﻌﺐ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ‪ ،‬ﺗﺤﺘﺎﺝ ﻟﻜﻲ ﺗﺒﻠﻎ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻨﻀﺞ ﻭﺍﻟﺮﺷﺪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻝ ﻓﻴﺘﺎﻣﻴﻦ ! ﺛﻢ ﺗﻘﻮﻡ‬
‫ﺑﻮﻅﻴﻔﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ﻭﻫﻲ ﻧﻘﻞ ﺍﻷﻭﻛﺴﺠﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻧﺴﺠﺔ ﺍﻟﻌﻄﺸﻰ ﻟﻪ ﻛﻲ ﻳﺘﺎﺑﻊ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ‪ ،‬ﻭﺣﺮﻕ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻷﻭﻛﺴﺠﻴﻦ ﻫﻮ ﺍ ﻟﻮﻗﻮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﺩﺍﺋﻤﺎ ً‪ ،‬ﻭﻳﺨﺮﺝ ﻡ ﺍﻟﻔﺮﻥ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻗﺎﻡ ﺑﺎﻟﺤﺮﻕ !! ﻻﻥ ﻏﺰ‬
‫ﺍﻟﻔﺤﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﺍﻹﺣﺘﺮﺍﻕ ﻫﻮ ﺍﺗﺤﺠﺎﺩ ﺍﻷﻭﻛﺴﺠﻴﻦ ﻣﻊ ﺍﻟﻜﺮﺑﻮﻥ )ﺍﻟﻔﺤﻢ (‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻳﻤﺘﺼﻪ‬
‫ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ ﻓﻴﺒﻨﻲ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺜﻤﺮ ﺍﻟﻄﻴﺐ‪ ،‬ﻭﻳﻄﻠﻖ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺤﻤﺮ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻭﻫﻮ "ﻧﻘﻲ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ "‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﻔﻴﺘﺎﻣﻴﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ‪ ،‬ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ‪ ،‬ﻭﺍﻷﻏﺬﻳﺔ‪ ،‬ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺆﺩﻱ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﻤﻬﻢ‬
‫ﺣﺘﻰ ﻳﺄﺧﺬ ﺗﺄﺷﻴﺮﺓ ﺩﺧﻮﻝ ﻋﺒﺮ ﺍﻷﻣﻌﺎء ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻡ ‪ ،‬ﻭﻩ ﺫﻩ ﻻ ﺗﺘﻢ ﺇﻻ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﻋﺎﻣﻞ ﺩﺍﺧﻠﻲ ﺍﻛﺘﺸﻔﻪ ﻋﺎﻟﻢ‬
‫ﻏﺮﺑﻲ )ﻛﺎﺳﻞ(‪ ،‬ﻭﺳﻤﻲ ﺑﺄﺳﻤﻪ ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﻣﻔﺮﺯﺍﺕ ﺍﻟﻤﻌﺪﺓ ﻭﻳﺴﻤﻰ ﻋﺎﻣﻞ ﻛﺎﺳﻞ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ‪.‬‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻨﺢ ﺗﺄﺷﻴﺮﺓ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻟﻠﻔﻴﺘﺎﻣﻴﻦ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﻓﻴﻌﺒﺮ ﺍﻷﻣﻌﺎء ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻡ ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ‬
‫ﺍﻟﻜﺒﺪ ﻟﻴﺨﺘﺰﻥ ﻓﻴﻬﺎ ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺼﺮﻑ ﺇﻟﻰ ﻣﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺪﻡ ﻓﻲ ﻥ ﻗﻲ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ‪ ،‬ﻭﻟﺆﺩﻱ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺮﺷﺪ‬
‫ﻭﺍﻟﻨﻀﺞ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ!!‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻳﺘﻈﺎﻫﺮ ﺑﺄﻋﺮﺍﺽ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﻭﺩﻣﻮﻳﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﺗﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﺎﻟﺞ ﺑﺤﻘﻨﺔ‬
‫ﻣﺘﻮﺍﺿﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻴﺘﺎﻣﻴﻦ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ‪..‬‬

‫‪49‬‬
 ‫ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻟﻄﺒﻲ ﻳﺘﺒﻴﻦ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺍﻟﺨﻄﻴﺮ ﺣﻠﻘﺔ ﺍﻟﻨﻘﺺ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻓﻴﻪ ﺩﺍﺧﻠﻴﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﺪﺭﺝﺓﺍﻷﻭﻟﻰ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﻳﻠﺐ ﺩﻭﺭﺍً ﺛﺎﻧﻮﻳﺎ ً‪.‬‬
‫ﺇﺫﺍ ﺗﺒﻠﻮﺭ ﻣﺎ ﻣﺮ ‪ ،‬ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻥ ﻧﺒﺤﺚ ﺍﻵﻥ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺍﻟﻌﻀﻮﻱ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ‬
‫ﻗﺎﻧﻮﻥ ﻭﻻﺩﺓ ﺍﻟﻤﺮﺽ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻴﻦ ﻣﺜﻼً ﻓﻲ ﻣﺘﺴﻮﻯ ﺍﻻﻣﺮﺍﺽ ﺍﻹﻟﺘﻬﺎﺑﻴﺔ ﺍﻹﻧﺘﺎﻧﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻡ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﺴﺆﺍﻝ‪ :‬ﻫﻞ ﺿﻌﻒ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻳﺸﻜﻞ ﺣﻠﻖﺓ ﺍﻟﻨﻘﺺ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺃﻭ ﺳﻄﻮ ﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻡ؟ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻫﻞ ﺇﻧﻜﺴﺎﺭ‬
‫ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻤﺤﺖ ﻟﻠﺠﺮﺛﻮﻡ ﺑﺎﻟﺴﻄﻮ ﺃﻡ ﺃﻥ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻡ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺴﺮﺕ ﺍﻟﻤﻌﺎﻭﺿﺔ؟‪.‬‬
‫ﻛﻴﻒ ﻳﺤﺪﺙ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ ﻋﻨﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ؟‬
‫ﻫﻞ ﻳﺤﺪﺙ ﻟﻔﻘﺪﺍﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻡ؟ ﺃﻡ ﺃﻧﻪ ﻣﻮﺟﻮﺩ ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻊ ﺟﻔﺎﻉ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻣﺴﺘﻘﺮﺓ ‪ ،‬ﺇﻥ‬
‫ﺍﻝﻣﺮﺽ ﻫﻮ ﺍﺧﺘﻼﻝ ﻛﻔﺔ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻟﺤﺴﺎﺏ ﺍﻟﺠﺮﺍﺛﻴﻢ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻋﺎﻣﻠﻴﻦ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﻫﺠﻮﻡ ﺍﻷﺣﻴﺎء ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ‬
‫ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺠﺮﺍﺛﻴﻢ ﻣﺜﻼً ﻭﺩﻓﺎﻉ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺔ‪.‬‬
‫ﻭﺷﺪﺓ ﺍﻹﻧﺘﺎﻥ ﺍﻭ ﻣﺮﺽ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﺑﻴﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﻮﺍﻣﻞ‪ :‬ﻋﺪﺩ ﺍﻟﺠﺮﺍﺛﻴﻢ ﺍﻟﻤﻬﺎﺟﻤﺔ ـ ﺣﻤﺔ ﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻡ ‪ ،‬ﺃﻱ‪:‬‬
‫ﺩﺭﺟﺔ ﺳﻤﻴﺘﻪ‪ ،‬ﻭﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﻀﻴﻒ‪ ،‬ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺘﺒﻨﺎ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺗﺒﻴﻦ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ‬
‫ﺷﺪﺓ ﺍﻹﻧﺘﺎﻥ = ﺍﻟﻌﺪﺩ )ﺍﻟﺠﺮﺍﺛﻴﻢ * ﺍﻟﺤﻤﺔ ﺃ ﺍﻟﻔﻮﻋﺔ )ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﺴﻤﻴﺔ(‬
‫‪U‬‬ ‫‪U‬‬

‫ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ )ﺍﻟﻤﻨﺎﻋﺔ(‬
‫ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﻮﺍﺯﻥ ﺣﺮﻛﻲ‪..‬‬
‫ﺑﺎﻟﻔﺤﺺ ﺍﻟﻤﺠﻬﺮﻱ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﺧﺬ ﻋﻴﻨﺎﺕ )ﻟﻄﺎﺧﺎﺕ( ﻟﻠﻔﺤﺺ ﺍﻟﻤﺠﻬﺮﻱ ﻣﻨﺄﻣﺎﻛﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬ﻟﻠﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ‬
‫ﺍﻟﺠﺮﺍﺛﻴﻢ‪ ،‬ﻭﺳﻮﻑ ﻧﻼﺣﻆ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺠﺮﺍﺛﻴﻢ‪ ،‬ﻭﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻠﺪ‪ ،‬ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻮﻫﺎﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﺜﻞ ﻓﻮﻫﺔ‬
‫ﺍﻷﻧﻒ‪ ،‬ﺃﻭ ﺑﺎﻁﻦ ﺍﻟﻔﻢ‪ ،‬ﺑﻞ ﻭﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﻌﺎء‪ ،‬ﻓﻠﻘﺪ ﻗﺪﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻠﻎ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺮﺍﺯﻓﻲ ﺍﻷﻣﻌﺎء ﺑﺤﻮﺍﻟﻲ‬
‫‪۱٤۰‬ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺟﺮﺛﻮﻡ؟‬
‫ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺤﺪﺙ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺇﺫﻥ؟ ﻭﻛﻴﻒ ﻳﺪﺧﻞ ﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻡ ﺇﻟﻰ ﺃﻭﺳﺎﻁ ﺍﻟﺒﺪﻥ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﺍﻟﻌﻘﻴﻤﺔ؟‬
‫‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺿﻌﻔﺖ‬ ‫ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻮﺍﺯﻥ ﺩﻗﻴﻖ ﺑﻴﻦ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻡ ﺍﻟﻤﺘﺮﺑﺺ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ‬
‫ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﻟﺴﺒﺐ ﺃﻭ ﺁﺧﺮ ‪ ،‬ﺃﺍﻧﻘﺾ ﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻡ ﻓﺤﺼﻠﺖ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺿﺎﺭﻳﺔ ﺑﻴﻦ ﺩﻓﺎﻋﻪ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ‬
‫ﺍﻟﻜﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺒﻴﺾ ﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬ﻭﻫﺠﻮﻡ ﺍﻟﺠﺮﺍﺛﻴﻢ ﻭﻣﺎ ﺗﻔﺮﺯ ﻣﻦ ﺫﻳﺎﻓﻴﻦ ﻭﺳﻤﻮﻡ ‪ ،‬ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻐﻠﺐ ﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻡ ‪ ،‬ﺃﻭ‬
‫ﺑﺎﻷﺣﺮﻯ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻣﺠﺪﻳﺔ ﻳﺨﺘﻞ ﺍﻟﺘﻮﺍﺯﻥ ﻭﻳﺤﺪﺙ ﺍﻟﻤﺮﺽ‪.‬‬
‫ﻫﻜﺬﺍ ﻳﺤﺪﺙ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻬﺘﺰ ﺃﺧﻼﻁﻪ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ‪ ،‬ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻀﻌﻒ ﻣﻘﺎﻭﻣﺘﻪ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻹﺟﻬﺎﺩ ﻭﺍﻟﺒﺮﺩ‬
‫ﻭﺍﻟﻮﻫﻦ ﻭﺍﻟﺴﻜﺮﻱ ﻭﺳﻮء ﺍﻟﺘﻐﺬﻳﺔ ﻭﺍﻟﺮﺿﻮﺿﻮ ﻭﺍﻹﻧﻔﻌﺎﻻﺕ‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﻧﺘﺴﺎﺋﻞ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻋﻦ ﺍﻵﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺪﻭﺍء ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ )ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﺞﺳﻢ ـ ﻫﺠﻮﻡ ﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻡ( ﺃﻧﻪ‬
‫ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠٮﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ ﺑﺄﺣﺪ ﺍﺗﺠﺎﻫﻴﻦ ﺣﺴﺐ ﺧﺎﺻﺔ ﺍﻟﺪﻭﺍء ‪ ،‬ﺇﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﺼﺎﺭ ﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻣﻮﺇﻳﻘﺎﻑ ﻧﺸﺎﻁﻬﻮ‬
‫ﻭﻳﻌﻨﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﺠﺴﻢ ‪ ،‬ﻭﺗﻜﻤﻠﺔ ﺍﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻡ‪ ،‬ﺃﻭ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺗﺪﻣﻴﺮ ﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻡ ‪ ،‬ﻭﺣﻠﻪ‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺗﺨﻔﻴﻒ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺎﺑﻊ ﺍﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﺃﺿﺮ ﺍﺭ ﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺣﺪﺛﻬﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺒﺪﻥ‪ .‬ﻭﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﺿﺎﻓﺔ ﻓﻬﻢ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻠﻘﺎﺡ ﻓﻲ ﺿﻮء ﺍﻟﻤﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ‬
‫ﻧﻔﻬﻢ ﻓﻜﺮﺓ )ﺍﻟﻠﻘﺎﺡ( ﻛﺘﺪﺭﻳﺐ ﻟﻠﺠﺴﻢ ﻋﻠٮﺘﻌﻠﻴﻤﻪ ﻓﻨﻴﺔ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻻ ﺃﻛﺜﺮ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻠﻘﺎﺡ ﻫﻮ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﺠﺴﻢ‬
‫ﻟﻠﻤﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺟﺮﺛﻮﻡ‪ ،‬ﺃﻭ ﻓﻴﺮﻭﺱ )ﺣﻤﺔ ﺭﺍﺷﺤﺔ(‪ ،‬ﺇﻣﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻘﺘﻮﻝ ﺃﻭ ﻣﻀﻌﻒ ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺇﺟﺨﺎﻝ ﻓﻨﻲ‬
‫ﻟﻠﺠﺮﺛﻮﻡ ﻛﻲ ﺗﺘﺸﻜﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﻥ ﺍﻷﺟﺴﺎﻡ ﺍﻟﻤﻀﺎﺩﺓ )ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ( ﺿﺪ )ﺷﻜﻞ ﻭﻫﻤﻲ (‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺩﺧﻠﺖ ﺍﻟﺠﺮﺍﺛﻴﻢ‬
‫ﻟﻠﻤﺮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻗﺪ ﺗﻌﺮﻑ ﻋﻠﻴﻪ ‪ ،‬ﻭﺃﻋﺪ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﻌﺪﺓ ﻣﺴﺒﻘﺎ ً ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻠﻘﺎﺡ ﻓﻲ ﺟﻮﻫﺮ ﺇﺫﻥ ﻟﻴﺲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ‬
‫ﺗﺪﺭﻳﺐ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ )ﺧﻠﻄﻴﺎ ً( ﺑﺸﻜﻞ ﻓﻨﻲ‪.‬‬
‫‪ ۳‬ـ ﺷﺮﻳﺤﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ ـ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ‪..‬‬
‫ﺷﻌﻮﺭ ﺍﻟﻤﺬﻧﺐ ﻳﻨﺼﺐ ﻓﻲ ﺳﻠﻮﻛﻪ ﻭﻳﻔﻀﺤﻪ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﺼﺔ ﺍﻟﺴﺎﺭﻕ ‪ ،‬ﻭﺧﻼﺻﺘﻬﺎ ﺃﻥ ﺳﺮﻗﺔ ﺣﺪﺛﺖ ﻓﻲ‬
‫ﻗﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺃﺣﺘﺎﺭ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﻛﺸﻒ ﺍﻟﺴﺎﺭﻕ ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺣﻜﻴﻢ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﺇﻻ ﺃﻥ ﺟﻤﻊ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺻﻌﻴﺪ‬

‫‪50‬‬
 ‫ﻭﺍﺣﺪ ﺛﻢ ﻗﺎﻡ ﻳﺨﻄﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ‪ ،‬ﻳﺬﻛﺮﻫﻢ ﺑﺎﻟﺤﺎﺩﺛﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﺇﺳﺘﻄﺮﺩ ﻳﻘﻮﻝ‪ :‬ﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﺍﻟﺴﺎﺭﻕ ﺃﻧﻪ ﺳﺮﻕ ﺑﻞ ﺟﺎء‬
‫ﻓﺪﺧﻞ ﻣﺤﻔﻠﻨﺎ ﻫﺬﺍ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﻭﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻪ ﺭﻳﺸﺔ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺎﺭﻕ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻣﺪ ﻳﺪﻩ ﺇﻟﻰ ﺭﺃﺳﻪ ﻟﻤﺴﺤﻬﺎ‬
‫ﻟﻴﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﻭﻗﻮﻑ ﺍﻟﺮﻳﺸﺔ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻪ ؟! ﻓﺈﻧﻔﻀﺢ ﺃﻣﺮﻩ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻛﺸﻔﻪ ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﻣﻌﺮﻭﻑ ‪ ،‬ﻭﻳﺪﺭﺱ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻔﺼﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺐ ﺍﻝ ﺷﺮﻋﻲ ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﺠﻨﺎﺋﻲ‪ ،‬ﻭﻋﻠﻢ ﺍﻟﻨﻔﺲ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻳﺼﺐ ﻧﻔﺴﻪ ﺣﺘﻰ ﺇﻟﻰ ﺗﻌﺒﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻭﺣﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﻴﺪﻳﻦ ‪ ،‬ﻭﻧﻐﻤﺔ ﺍﻟﺼﻮﺗﻮ ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ‬
‫ﻋﺒﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﻭﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﺮﺻﻴﺪ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻣﻊ ﻧﻐﻤﺔ ﺍﻟﺼﻮﺕ ﻭﺗﻘﺎﺳﻢ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ‪) :‬ﻭﻟﻮ ﻧﺸﺎء ﻷﺭﻳﻨﺎﻛﻢ ﻓﻠﻌﺮﻓﺘﻬﻢ ﺑﺴﻴﻤﺎﻫﻢ ﻟﺘﻌﺮﻓﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻟﺤﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻭﷲ ﻳﻠﻌﻢ ﺃﻋﻤﺎﻟﻜﻢ ( )‪:٤۷‬‬
‫‪.(۳۰‬‬

‫‪ ٤‬ـ ﺷﺮﻳﺤﺔ ﺭﺍﺑﻌﺔ ـ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪.‬‬

‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺮﻯ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﺎ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺗﻔﺴﻴﺮﻫﺎ ﻳﻘﻮﺩﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﺃﺫﻛﺮ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺭﺃﻳﺘﻬﺎ ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ‪:‬‬
‫ﺍﺑﺘﺪﺃ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺑﻌﺪ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ ﺣﻴﺚ ﺍﻣﺘﺪ ﺍﻟﻨﺸﻲﺩ ﻭﺍﻟﻐﻨﺎء ﻫﻜﺬﺍ ﺣﺘﻰ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺑﺜﻼﺛﺔ ﺃﺭﺑﺎﻉ‬
‫ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﻗﺎﻣﻮﺍ ﻗﻮﻣﻪ ﺭﺟﻞ ﻭﺍﺣﺪﻭﺍﺑﺘﺪﺃﻭ ﻳﻐﻨﻮﻥ ﻭﻳﺘﻤﺎﻳﻠﻮﻥ ﺛﻢ ﺣﻤﻲ ﺍﻟﻮﻁﻴﺲ ‪ ،‬ﻓﺎﺑﺘﺪﺃﻭﺍ ﻳﻘﻔﺰﻭﻥ ﺑﺸﻜﻞ‬
‫ﻛﺄﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ‪ ،‬ﻭﺩﺍﻡ ﻫﺬﺍ ﻗﺮﺍﺑﺔ ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺠﻮ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ً ﻳﺤﻤﻰ ﻭﻳﺸﺘﺪ ﺣﺘﻰ ﻟﻜﺄﻧﻲ ﺃﺭﺍﻫﻢ‬
‫ﻭﺗﺤﺖ ﺃﻗﺪﺍﻣﻬﻢ ﻧﻮﺍﺑﺾ ﻗﻮﻳﺔ ﺗﻘﻔﺰ ﺑﻪ ﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ )‪٤۰‬ﺳﻢ (‪ ،‬ﻭﺃﻣﺎ ﺃﻛﺘﺎﻓﻬﻢ ﻭﺭﺅﻭﺳﻬﻢ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺘﻤﺎﻳﻞ‬
‫ﻛﺎﻟﻘﻨﺎﺩﻳﻞ ﺍﻟﻤﻌﻠﻘﺔ ‪ ،‬ﻭﺃﺛﻨﺎء ﺣﻤﺎﺱ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻮ‪ ،‬ﺍﻧﻔﺮﺟﺖ ﺍﻟﺼﻔﻮﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﻟﺘﺘﺮﻙ ﻓﺮﺟﺔ ﻁﻮﻳﻠﺔ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ‬
‫ﻟﻠﺸﻴﺦ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﻦ ﻭﺍﻵﺧﺮ ﻳﻨﺰﻝ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻮﻗﺔ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺮﺟﺔ ﻓﻴﺘﻘﺪﻡ ﻭﻳﻨﺤﻨﻲ ﻭﻫﻮﻳﺴﺘﻠﻬﻢ‬
‫ﺍﻟﺒﺮﻛﺎﺕ ﻭﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﺍﻟﻤﺪﺩ ﻡ ﻥ ﺍﻟﺸﻴﺦ‪ ،‬ﻭﺃﻣﺎ ﺣﻠﻮﻗﻬﻢ ﻓﺄﺧﺬﺕ ﺗﺮﺩﺩ ﺃﻧﺎﺕ ﻭﺗﺄﻭﻫﺎﺕ ﻭﺣﺸﺮﺟﺎﺕ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ‬
‫ﻛﻠﻤﺔ ﷲ ﺇﻻ ﺷﻜﻼً ﻣﻤﺴﻮﺧﺎ ً‪ ،‬ﻭﻟﺤﺴﻦ ﺍﻟﺤﻆ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻔﻮﻑ ﺍﻟﺨﻠﻔﻴﺔ ﻭﺇﻻ ﻷﺟﺒﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻧﺨﺮﺍﻁ ﻓﻲ‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻮﻗﺔ!‪.‬‬
‫ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﻫﺬ ﺍﻟﺤﻔﻠﺔ ﺍﻟﺴﺎﺧﻨﺔﻭﺑﺠﺎﻧﺒﻲ ﺯﻣﻴﻞ ﻋﺰﻳﺰ ﻫﻮﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﺣﻀﻮﺭﻱ ﻣﻦ‬
‫ﺃﺟﻞ ﻣﻌﺎﻧﺔ ﻣﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻋﻦ ﻗﺮﺏ ‪ ،‬ﺃﺧﺬﺕ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﻭﺃﺭﺩﺕ ﺇﻟﺤﺎﻕ ﺍﻟﻠﻮﻡ‬
‫ﺑﺎﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺒﺚ ﺑﻬﻢ ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﺃﻗﻠﻬﻢ ﺭﻗﺼﺎ ً ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻤﻮﺟﻮﻥ ﺃﻭ ﻳﻬﺪﺃﻭﻥ ﺑﺤﺮﻛﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻣﻨﻴﺪﻩ ‪،‬‬
‫ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻤﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﻒ ﺃﺳﺎﺗﺬﺓ ‪ ،‬ﻭﺧﺮﻳﺠﻮﺍ ﺟﺎﻣﻌﺎﺕ‪ ،‬ﻭﺃﻁﺒﺎء ﻭﻣﻬﻨﺪﺳﻮﻥ ﻭﺿﺒﺎﻁ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻴﺶ‪.‬‬
‫ﻭﻛﻠﻦ ﺟﻮﻫﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ‪ ،‬ﻫﻮ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﻳﺪ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺑﻘﺪﺭ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻮﻉ ﻟﻠﻘﻔﺰ ﺍﻟﻤﻨﻈﻢ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺭﺃﻳﻨﺎ‪.‬‬

‫‪ ٥‬ـ ﺷﺮﻳﺤﺔ ﺧﺎﻣﺴﺔ ـ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ‪.‬‬

‫ﺩﺧﻠﺖ ﺑﺎﻛﺴﺘﺎﻥ ﺣﺮﺑﻴﻦ ﺿﺪ ﺍﻟﻬﻨﺪ ﻋﺎﻡ ‪ ، ۱۹٦٥‬ﻭﻋﺎﻡ ‪ ۱۹۷۰‬ـ ‪ ، ۱۹۷۱‬ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻣﺘﻌﺎﻛﺴﺔ ‪،‬ﻭﻛﻞ‬
‫ﻣﻦ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﺑﺎﻛﺴﺘﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺑﻴﻦ ‪ ،‬ﻳﺸﻌﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﺢﺭﺏ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺩﺧﻠﺘﻬﺎ ﺑﺎﻛﺴﺘﺎﻥ ﻭﻫﻲ ﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺔ‬
‫ﺩﺍﺧﻠﻴﺎ ً‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺮﺑﺎ ﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺩﺧﻠﺘﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﺗﻔﻜﻜﺎ ً ﺩﺍﺧﻠﻴﺎ ً ﻭﻫﻲ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﺗﻔﻜﻜﺎ ً ﺩﺍﺧﻠﻴﺎ ً ﺧﻄﻴﺮﺍً ﻅﻬﺮ‬
‫ﻓﻲ ﺟﺒﻬﺔ ﺑﺎﻛﺴﺘﺎﻥ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻜﻞ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻅﻬﻮﺭ ﺩﻭﻟﺔ ﺑﺎﻧﻐﻼﺩﺵ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﻘﺎﺑﻴﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﺏ‪.‬‬
‫ﻭﺣﺮﻭﺏ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻣﻊ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺤﺎ ﺿﺮ ﺃﺑﺮﺯ ﻭﺃﺿﺨﻢ ﻣﺜﻞ ﻟﺘﻔﻜﻚ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻳﻠﺔ‪ ،‬ﻓﺈﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﻋﺎﺷﺒﺖ ﻭﻣﺎ ﺯﺍﻟﺖ ﺗﻌﻴﺶ ﺑﻔﻀﻠﺘﻨﺎﻗﻀﺎﺕ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ‪.‬‬

‫‪51‬‬
 ‫‪ ٦‬ـ ﺷﺮﻳﺤﺔ ﺳﺎﺩﺳﺔ ـ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ‪.‬‬
‫ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ‪ ،‬ﻧﺘﺄﻣﻞ ﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﻛﻤﺎﻝ ﺃﺗﺎﺗﻮﺭﻙ ﻫﻞ ﻫﻲ‬
‫ﻗﻲ ﻗﻮﺓ ﺃﺗﺎﺗﻮﺭﻙ ﻭﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ؟ ﺃﻡ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺿﻌﻒ ﻭﺷﻴﺨﻮﺧﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺻﺎﺑﻪ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺍﺑﺘﺪﺍ ًء ﻋﻠﻰ‬
‫ﻳﺪ ﺍﻷﻣﻮﻳﻴﻦ‪ ،‬ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺍﻣﺘﺺ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻫﻢ ﺟﺮﺍﺛﻴﻢ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﻤﺠﺎﻭﺭﺓ ﺍﻟﻘﻴﺼﺮﻳﺔ ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺸﻮﺭﻯ ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻋﺘﻞ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﻣﻴﻌﺔ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ‪ ،‬ﻭﻻ ﻏﺮﺍﺑﺔ ﻓﻤﺮﺽ ﺍﻟﺰﻫﺮﻱ ﺍﻹﻓﺮﻧﺠﻲ ﻳﺼﻴﺐ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻭﻫﻮ ﺣﺼﻴﻠﺔ‬
‫ﺍﻹﺣﺘﻜﺎﻙ ﺍﻟﺴﺮﻱ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﻈﻴﻒ ﻣﻊ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻭﻣﺮﺽ ﺍﻟﺴﻞ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻪ ﻭﻟﻌﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﻌﻤﺮ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻣﻤﺎ‬
‫ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺗﺪﻣﻴﺮ ﺟﻬﺎﺯﺍﻟﺘﻨﻔﺲ ﺑﻞ ﺃﻛﺜﺮ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻭﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺿﺮﺑﺔ ﻗﺎﺿﻴﺔ ‪ ،‬ﻓﺎﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻮﺭﻯ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻠﻜﻴﺔ ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺘﺎﺑﻊ ﻣﺴﻠﺴﻞ‬
‫ﺍﻹﻧﺤﺪﺍﺭ ﺑﻌﺪ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺻﻔﻴﻦ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﺗﺼﺪﻉ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﻭﺣﺪﺗﻪ ﺍﻟﺮﻭﺡﻳﺔ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺃﻗﺴﻰ ﺿﺮﺑﺔ ‪،‬‬
‫ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻠﻪ ﺑﺈﻗﻔﺎﻝ ﺑﺎﺏ ﺍﻹﺟﺘﻬﺎﺩ ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺑﺘﻌﻄﻴﻞ ﺣﺮﻛﺘﻪ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﻜﺎﻣﻞ ﺍﻟﺸﻠﻞ ‪ ،‬ﻓﺄﺿﻴﻒ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻟﺸﻠﻞ ﺍﻟﻌﻀﻮﻱ ﻣﻤﺜﻼً ﺑﺈﻓﺴﺎﺩ ﺍﻵﻟﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ‪ ،‬ﺷﻠﻞ ﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﺃﺳﻠﻤﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﺕ ‪،‬‬
‫ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻷﻱ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ ﺍﺳﺘﻜﻤﻞ ﺩﻭﺭﺓ ﺣﻴﺎﺗﻪ ‪ ،‬ﻭﺗﻌﺮﺽ ﻟﻤﺮﺽ ﺧﻄﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﻄﻠﻊ ﺣﻴﺎﺗﻪ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻔﺮﻳﻖ‬
‫ﻣﻬﻢ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﺍﻟﻤﺮﺽ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺜﺎﻧﻲ ﻁﺎﺭﺉ ﺩﺧﻴﻞ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻷﻭﻝ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻣﺎﺗﺖ ﻣﻨﺬ ﺯﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ‪ ،‬ﻭﻏﺼﻦ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﺟﻒ ﻭﺫﺑﻞ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﺴﻜﺮﺗﺎﺭﻳﺔ‬
‫ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺔ ﺑﺎﻟﺒﺎﺭﻭﺩ ﻭﺍﻟﻨﺎﺭ ﺩﺧﻠﺖ ﺷﺮﻕ ﺃﻭﺭﺑﺎ ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻓﺮﻕ ﻛﺒﻴﺮ ﺑﻴﻦ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺍﻷﻭﺱ ﻁ‬
‫ﺃﻭﺍﻟﻬﻨﺪ ﻣﺜﻼً‪،‬ﻭﺑﻴﻦ ﺩﺧﻮﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﺍﻷﺗﺮﺍﻙ ﺇﻟﻰ ﺷﺮﻕ ﺃﻭﺭﺑﺎ‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﻳﺘﺄﻣﻞ ﻳﺪﺭﻙ‪.‬‬
‫ﻭﺑﻘﻴﺖ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻠﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻬﺎ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺭﻭﻯ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻘﺂﻥ ﻗﺼﺔ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ‬
‫ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ‪ ،‬ﻓﺒﻘﻲ ﺷﻜﻠﻪ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﺘﻐﻴﺮ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺠﻦ ﺗﻌﻤﻞ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﻭﻫﻲ ﺗﻈﻦ ﺃﻧﻪ ﺣﻲ ﻳﺮﺯﻕ؟!‬
‫)ﻓﻠﻤﺎ ﻗﻀﻴﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻣﺎ ﺩﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺗﻪ ﺇﻻ ﺩﺍﺑﺔ ﺍ ﻷﺭﺽ ﺗﺄﻛﻞ ﻣﻨﺴﺄﺗﻪ ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮ ﺗﺒﻴﻨﺖ ﺍﻟﺠﻦ ﺃﻥ ﻟﻮ‬
‫ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻣﺎﻟﺒﺜﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﺍﻟﻤﻬﻴﻦ( )‪.(۱٤ :۳٤‬‬
‫ﺇﻥ ﻛﻤﺎﻝ ﺃﺗﺎﺗﻮﺭﻙ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺩﻓﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﺜﺔ ﺍﻟﻤﻴﺘﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﻤﺎﺓ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ـ ﺑﻜﻞ ﺃﺳﻒ ـ‬
‫ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻋﺐ ﺟﻨﺪ ﺃﻭﺭﺑﺎ ﻓﻲ ﺫﻝﻙ ﺍﻟﺤﻴﻦ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻤﺮﻳﺾ ‪ ،‬ﻭﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤﺮﻳﺾ ﺑﻌﺪ‬
‫ﻁﻮﻝ ﺳﻘﻢ ﻭﺍﻋﺘﻼﻝ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﺗﻔﻠﺢ ﺣﻘﻦ ﺍﻹﻧﻌﺎﺵ ﻭﺣﺮﻛﺎﺕ ﺗﻤﺴﻴﺪ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺎﻡ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺤﻤﻴﺪ‬
‫ﺣﻴﻦ ﺃﺭﺍﺩ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﻧﺒﺾ ﺍﻟﻘﻠﺐ ‪ ،‬ﻭﺿﺦ ﺍﻟﺪﻡ ﺣﻴﻦ ﺃﻁﻠﻖ ﻧﺪﺍءﺍﺗﻪ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ‪" :‬ﻳﺎ ﻣﺴﻠﻤﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﺗﺤﺪﻭﺍ" ﻷﻧﻬﺎ‬
‫ﺟﺎءﺕ ﻣﺘﺄﺧﺮﺓ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻮ ﺇﻥ ﺃﺭﺍﺩ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﻘﻠﻴﺪ ﻛﺎﺭﻝ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺃﻁﻠﻖ ‪" :‬ﻳﺎ ﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﺗﺤﺪﻭﺍ " ﻓﺈﻥ ﺭﺻﻴﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻛﺎﻥ ﻣﻼﺋﻤﺎ ً ﻟﻺﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﻧﻮﺭﺓ ﺷﻴﻮﻋﻴﺔ ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺴﻦ‬
‫ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ‪ ،‬ﻳﻔﺮﻙ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﻡ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺍﺳﺘﻴﻘﻆ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻔﻘﺔ ﺍﻷﺳﺘﻌﻤﺎﺭﻳﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﺘﻨﺎﻗﺾ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻭﺑﺪﺍءﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻫﻨﺎ ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﻣﻮﺕ ﺍﻷﻣﻢ ﻓﻲ ﻧﻮﻋﻴﺘﻪ ﻫﻮ‬
‫ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺕ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻓﻠﻜﻞ ﻣﻈﻬﺮﻩ‪ .‬ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ ﻳﻌﻨﻲ ﺗﻮﻗﻒ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺼﻴﺮ ﺍﻟﺸﻜﻞ‬
‫ﺇﻣﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻧﺤﻼﻝ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻀﻴﺎﻉ‪ ،‬ﺃﻭ ﺗﺤﺖ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﻣﻊ ﻓﻘﺪ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ ﻭﻫﻮ‬
‫ﺍﻟﺘﺤﺠﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻨﻂ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻤﺎﻣﻮﺕ‪ ،‬ﺃﻭ ﺑﻌﺾ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺸﺠﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻮﻣﻴﺎء‪...‬‬
‫ﻭﺗﻮﻗﻒ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ ﻛﻤﺆﺷﺮ ﻟﺘﻮﻗﻒ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻳﻔﻴﺪ ﺃﻳﻀﺎ ً ﺍﻟﺒﻌﺪ ﺍﻟﻨﻮﻋﻲ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻭﺍﻟﻨﺒﺎﺕ‪،‬‬
‫ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻨﺒﺘﺔ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﺘﻐﺬﻱ ﻭﺍﻟﺘﻜﺎﺛﺮ ﻣﺜﻼً ‪ ،‬ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ‬
‫ﺃﻭﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺎﺕ ﺍﻟﺸﺮﻁﻴﺔ ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻣﺜﻼً‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ ﻣﻀﺎﻓﺎ ً ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻌﺪ ﺟﺪﻳﺪ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﺟﺎﻧﺒﺎﻥ ﻫﺎﻣﺎﻥ‪ ،‬ﺍﻷﻭﻝ ‪ :‬ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻮﻉ‪ ،‬ﻣﺜﻞ ‪ :‬ﺍﻷﺭﺍﻧﺐ ﻭﺍﻟﺴﻼﺣﻒ‪ ،‬ﻭ ‪:‬‬
‫ﺟﺎﻧﺐ ﺗﺮﻗﻴﺔ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻭﻫﻮ ﻋﻤﻞ ﺇﻧﺴﺎﻧﻲ ﺑﺤﺖ‪.....‬‬
‫ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﻭﻝ ﻫﻮ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﻌﻢ ﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺮﺍﻛﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻭﻗﺪ ﺃﺷﺎﺭ ﺍﺑﻦ ﻣﺴﻜﻮﻱ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ‪" :‬ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﺮﺍﺗﺐ‪ ،‬ﻭﻛﻠﻬﺎ ﺳﻠﺴﻠﺔ‪ .‬ﻣﺘﺼﻠﺔ ‪ ،،،‬ﻭﻛﻞ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻳﺒﺪﺃ ﺑﺎﻟﺒﺴﺎﻁﺔ ﺛﻢ‬

‫‪52‬‬
 ‫ﻻﻳﺰﺍﻝ ﻳﺘﺮﻗﻰ‪ ،‬ﻭﻳﺘﻌﻘﺪ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻠﻎ ﺃﻓﻖ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻨﺒﺎﺕ ﻓﻲ ﺃﻓﻖ ﺍﻟﺠﻤﺎﺩ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﺘﺮﻗﻰ ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻠﻎ‬
‫ﺃﻋﻠﻰ ﺩﺭﺟﺔ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺯﺍﺩ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ‪ .‬ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻳﺒﺪﺃ ﺑﺴﻴﻄﺎ ً ﺛﻢ ﻳﺘﺮﻗﻰ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ‬
‫ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ" )ﻋﻦ ﻛﺘﺎﺏ ﻗﺼﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻟﻨﺪﻳﻢ ﺍﻟﺠﺴﺮ(‬
‫ﻭﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﻭﻣﻮﺕ ﺍﻷﻣﻢ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺟﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ ﺃﻭﺍﻷﻣﺔ ﺍﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ‬
‫ﻛﺄﻓﺮﺍﺩ ﻣﺎ ﺯﺍﻟﺖ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ‪ ،‬ﻭﻝﻛﻦ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺃﻣﺔ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺟﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ‬
‫ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ "ﻣﻴﻼﺩ ﻣﺠﺘﻤﻊ" ﻋﻦ ﺍﻧﻘﺮﺍﺽ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻭﺫﻭﺑﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺟﺪﻳﺪ‪..‬‬
‫ﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ "ﻣﻴﻼﺩ ﻣﺠﺘﻤﻊ " ﻣﺎ ﻳﻠﻲ ‪" :‬ﻓﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮﺩ ﺟﻤﻊ ﻟﻌﻨﺎﺻﺮ‪ ،‬ﺃﻭ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﺗﺪﻋﻮﻫﻢ‬
‫ﻏﺮﻳﺰﺓ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺘﻜﺘﻠﻮﺍ ﻓﻲ ﺇﻁﺎﺭ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﻌﻴﻦ"‪.‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻹﻧﺸﺎء ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﺳﺒﺒﺎ ً ﻓﻲ ﺇﻧﺸﺎﺋﻪ‪ ،‬ﺇﺫ ﻳﻀﻢ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺠﺮﺩ‬
‫ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺆﻟﻔﻮﻥ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﻳﻀﻢ ﻋﺪﺩﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻮﺍﺑﺖ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺪﻳﻦ ﻟﻬﺎ ﺑﺪﻭﺍﻣﻪ‪ ،‬ﻭﺑﺘﺤﺪﻳﺪ‬
‫ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩﻩ‪.‬‬
‫ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻔﺼﻞ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﻄﺮﻳﻘﺘﻴﻦ‪:‬‬
‫ﺃـ ﻓﻘﺪ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺃﻥ ﻳﻔﻘﺪ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺎ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ‪ ،‬ﻭﻳﻤﺤﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ‬
‫ﻓﺈﻥ ﻋﺪﺩ ﺃﻓﺮﺍﺩﻩ ﻗﺪ ﻻ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﺤﺘﻔﻆ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﺑﻐﺮﻳﺰﺓ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺟﻤﺎﻋﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻲ‬
‫ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪ ﻣﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻛﻜﺎﺋﻦ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺃﺻﺒﺢ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻣﺠﺮﺩ ﺃﻧﻘﺎﺽ ﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺎﺋﺪ‪،‬‬
‫ﺃﻧﻘﺎﺽ ﻣﻬﻴﺎ’ ﻷﻥ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﺟﺴﺪ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺟﺪﻳﺪ‪.‬‬
‫ﻓﻔﻲ ﺃﻋﻘﺎﺏ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﻴﺰﻳﺎ ﺍﺧﺘﻔﻰ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻐﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻐﺎﻝ ﻛﺄﻓﺮﺍﺩ ﻟﻢ ﻳﺨﺘﻔﻮﺍ ﺑﻞ ﺗﺤﻮﻟﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺍﺩ‬
‫ﻣﻬﻴﺄﺓ ﻟﻠﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﺑﻨﺎﻱ ﺟﺴﺪ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺁﺧﺮ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻲ‪.‬‬
‫ﺏ ـ ﻓﺈﺫﺍ ﺣﺪﺙ ﺃﻥ ﺃﺧﺘﻔﻰ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﻮﻧﻮﻥ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎ ً ﻣﺎ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺟﻴﻞ ﻣﻌﻴﻦ ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻳﺒﻘﻰ‬
‫ﻭﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﺸﺨﺼﻴﻪ ﻻ ﻳﻤﺴﻬﺎ ﺷﻲء‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪.‬‬
‫ﺑﻞ ﺇﻧﻪ ﻳﻔﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺎﺩﻣﻴﻦ ﺍﻟﺠﺪﺩ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ـ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﺟﺎﻧﺐ ـ ﻋﺒﻘﺮﻳﺘﻪ ﻭﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻩ ﻭﻋﺎﺩﺍﺗﻪ ﻭﻗﺪ ﺭﺃﻳﻨﺎ‬
‫ﺫﻟﻚ ﻋﻨﺪﺯﺍ ﺃﺑﺘﻠﻊ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺼﻨﻲ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﻨﺎﻧﺸﻮ ﻭﺍﻟﻤﻐﻮﻝ ﺣﻴﻦ ﻏﺰﻭﺍ ﻣﻤﻜﻠﺔ ﺍﻟﺼﻴﻦ ‪ .‬ﻓﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺬ ﻱ‬
‫ﻳﺤﻤﻞ ﺇﺫﻥ ﻓﻲ ﺩﺍﻟﺨﻠﻪ‪ ،‬ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻀﻤﻦ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭﻩ‪ ،‬ﻭﺗﺤﻔﻆ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ ﻭﺩﻭﺭﻩ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮ ﺍﻟﺜﺎﺑﺖ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻀﻤﻮﻥ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻱ ﻟﻠﻜﻴﺎﻥ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﺇﺫ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺪﺩ ﻋﻤﺮ‬
‫ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪،‬ﻭﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺭﻩ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺰﻣﻦ‪ ،‬ﻭﻳﺘﻴﺢ ﻟﻪ ﺃ‪ ،‬ﻳﻮﺍﺟﻪ ﻅﺮﻭﻑ ﺗﺎﺭﻳﺨﻪ ﺟﻤﻴﻌﺎ ً ‪ ...‬ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺠﺴﺪ ﻓﻲ‬
‫ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻲ ﺷﺒﻜﺔ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺮﺑﻂ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻭﺗﻮﺟﻪ ﺃﻟﻮﺍﻥ ﻧﺸﺎﻁﻬﻢ‬
‫ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻫﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻪ‪.‬‬
‫ﻓﺘﻜﻮﻥ ﻫﺬﻫﺎﻟﺸﺒﻜﺔ ﻭﻟﻮ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﺑﺘﺪﺍﺋﻴﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺣﺪﺙ"ﻣﻴﻼﺩ ﻣﺠﺘﻤﻊ" ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪..‬‬
‫ﻭﻳﺘﺤﺪﺙ ﺑﺎﻗﺮ ﺍﻟﺼﺪﺭ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ " ﻣﻘﺪﻣﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ " ﻋﻦ ﺍﻟﺒﺪﺍﺋﻞ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﺗﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺷﺒﺢ ﺃﻣﺔ ‪" :‬ﺇﺫﺍ ﺿﺎﻉ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﻭﺗﻔﺘﺖ ﻭﺳﻘﻂ‪ ،‬ﻗﻠﻨﺎ ﺑﺄﻥ ﺍﻷﻣﺔ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺷﺒﺢ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﺃﻣﺔ‬
‫ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﺒﺢ ﺃﻣﺔ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺃﻧﻪ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺒﻴﻞ ﺗﻮﺟﺪ ﺛﻼﺙ ﺇﺟﺮﺍءﺍﺕ‪،‬‬
‫ﺛﻼﺙ ﺑﺪﺍﺋﻞ‪ ،‬ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻫﻪ ﺍﻷﻣﺔ ﺍﻟﺸﺒﺢ‪.‬‬
‫ﺍﻹﺟﺮﺍء ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﺍﻷﻭﻝ‪ :‬ﻫﻮ ﺃﻥ ﺗﺘﺪﺍﻋﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﻏﺰﻭ ﻋﺴﻜﺮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ‪ ،‬ﻷﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﺔ‬
‫ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﻣﺤﺘﻮﺍﻫﺎ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠﺖ ﻋﻦ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﻛﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻭﺑﻘﻴﺖ ﻛﺄﻓﺮﺍﺩ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﻁﻌﺎﻡ ﻩ‬
‫ﻭﻟﺒﺎﺳﻪ ﻭﺩﺍﺭ ﺳﻜﻨﺎﻩ ﻭﻻ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺔ ﻣﻦ ﻳﻔﻚﺭ‪ ،‬ﺇﺫﺍً ﻓﻔﻲ ﻭﺿﻊ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺒﻴﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺘﺪﺍﻋﻰ ﻫﻪ‬
‫ﺍﻷﻣﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﻏﺰﻭ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ )ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺘﺘﺎﺭ ( ﺍﻹﺟﺮﺍء ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ‪ :‬ﻫﻮ‬
‫ﺍﻟﺰﻭﺑﺎﻥ ﻭﺍﻹﻧﺼﻬﺎﺭ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﺃﻋﻠﻰ ﺃﺟﻨﺒﻲ‪..‬‬
‫ﺍﻹﺟﺮﺍء ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﺃﻥ ﻳﻨﺸﺄ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻕ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﺔ ﺑﺬﻭﺭ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺟﺪﻱ ﺩ ﻟﻤﺴﺘﻮﻯ‬
‫ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻌﻴﺸﻪ ﺍﻷﻣﺔ ﺇﻫـ )ﺹ‪.(۱۳٥‬‬

‫‪53‬‬
 ‫ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﺍﻟﻤﺆﺭﺥ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﺻﺎﺣﺐ )ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ( ﺍﻟﺴﻴﺪﺟﻮﻥ ﺃﺭﻧﻮﻟﺪ ﺗﻮﻳﻨﺒﻲ ﻋﻦ ﻋﻠﺔ ﺇﻧﻬﻴﺎﺭ‬
‫ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺮﺟﻌﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻀﺎء ﻭﺍﻟﻘﺪﺭ ﺑﻤﻌﻨﺎﻩ ﺍﻟﺠﺒﺮﻱ‪ ،‬ﻭﻻ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﺎﺑﺜﺔ ﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ‬
‫ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ‪ ،‬ﻭﻻ ﺇﻟﻰ ﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻟﺲﻳﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ‪ ،‬ﻁﺒﻴﻌﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻡ ﺑﺸﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﺮﺟﻊ ﺍﻷﻧﻬﻴﺎﺭ ‘ﻟﻰ‬
‫ﺍﻹﻧﺤﻄﺎﻁ ﻓﻲ ﺍﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻻ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﺍﻟﻤﻬﻠﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻨﻪ ﺧﺼﻮﻡ ﺩﺧﻼء ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻋﻠﺔ ﺇﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ ﻋﻨﺪﻩ ﻫﻲ ﻓﻲ )ﺍﻹﻧﺘﺤﺎﺭ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ (‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻷﻧﺤﻼﻝ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻧﻬﻴﺎﺭﻫﺎ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻕﺩ ﺗﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺳﺘﻨﺎﺝ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻗﺎﻡ ﺑﻬﺎ ﻟـ ‪ ٦۰۰‬ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻧﻬﺾ ﻣﻨﻬﺎ ‪۲۱‬‬
‫ﺣﻀﺎﺭﺓ‪ ،‬ﻭﺑﻘﻲ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺧﻤﺲ‪ ،‬ﺃﺣﺪﻫﺎ ﻫﻲ‪ :‬ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ "ﻣﺨﺘﺼﺮ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ" )ﺟﺰء ﺃﻭﻝ ﺹ‪": (٤۱۲:‬ﻓﺎﻋﺘﺒﺮﻧﺎ ﺍﻹﻧﻬﻴﺎﺭ ﺧﺴﺎﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ‬
‫ﺍﻟﻤﺒﺪﻋﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻀﻤﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﺟﻨﺒﺎﺗﻬﺎ ﻧﻔﻮﺱ ﺍﻟﻤﺒﺪﻉ ﻳﻦ ﺃﻭ ﺍﻷﻗﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺒﺪﻋﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺧﺴﺎﺭﺓ ﺗﺠﺪﺭﻫﻢ ﻣﻦ‬
‫ﻗﺪﺭﺗﻬﻢ ﺍﻟﺴﺤﺮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻮﺱ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻲ ﺍﻟﻌﺎﻁﻠﺔ ﻋﻦ ﺍﻹﺑﺪﺍﻉ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻧﻪ ﺣﻴﺜﻤﺎ ﻳﻨﺘﻔﻲ‬
‫ﺍﻹﺑﺪﺍﻉ‪ ،‬ﺗﻨﺘﻔﻲ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﺎﺓ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺰﻣﺎﺭ ﺍﻟﻲ ﻳﻔﻘﺪ ﻣﻬﺎﺭﺗﻪ ﻳﻌﺠﺰ ﺑﻼ ﺭﻳﺐ ﻋﻦ ﺇﻏﺮﺍء ﺃﺭﺟﻞ ﺍﻟﺠﻤﻊ‬
‫ﺑﺎﻹﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻠﺮﻗﺺ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺣﺎﻭﻝ ﻋﻨﺪﻣﺎﺗﺴﻴﻄﺮ ﻉﻟﻴﻪ ﺳﻮﺭﺓ ﻏﻀﺒﻪ ﻭﺫﻋﺮﻩ ـ ﺃ‪ ،‬ﻳﺤﻴﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺪ ﺯﺑﺎﻧﻴﺔ‬
‫ﺍﻟﻘﻬﺮ ﻭﺃﻥ ﻳﻘﻬﺮ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺒﺪﻧﻴﺔ ﺟﻤﻬﻮﺭﺍً ﻏﺪﺍ ﻫﻮ ﻋﺎﺟﺰﺍً ﻋﻦ ﻗﻴﺎﺗﻪ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺒﺪﻧﻴﺔ‬
‫ﺟﻤﻬﻮﺭﺍً ﻏﺪﺍ ﻫﻮ ﻋﺎﺟﺰﺍً ﻋﻦ ﻗﻴﺎﺩﺗﻪ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻓﺘﻨﺘﻪ ﺍﻟﺠﺬﺍﺑﺔ‪ ،‬ﻓﻐﻨﻪ ﻛﻠﻤﺎ ﻭﺍﺻﻞ ﺇﺻﺮﺍﺭﻩ ﻭﺗﻌﻨﺘﻪ ﻛﻠﻤﺎ ﻫﺰﻡ‬
‫ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻖ ﻋﺎﻳﺘﻪ ﺫﺍﺗﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻮﻥ ﻗﺪ ﺗﺨﺎﺫﻟﻮﺍ ﻭﺍﺿﻄﺮﺏ ﻧﻈﺎﻡ ﺧﻄﻮﺍﺗﻬﻢ ـ ﻟﻤﺎ ﺃﻧﻘﻄﻊ ﻋﻦ‬
‫ﺃﺳﻤﺎﻋﻬﻢ ﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﺍﻟﻌﻠﻮﻳﺔ ـ ﻓﺄﺣﺮﻯ ﺑﻠﻤﺴﺔ ﺍﻟﺴﻮﻁ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﺴﻌﻬﻢ ﺃﻥ ﺗﺪﻓﻌﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺛﻮﺭﺓ ﻋﺎﺭﻣﺔ‪.‬‬
‫ﻭﺣﻘﺎ ً ﻳﻨﺒﺌﻨﺎ ﺗﺮﺍﻳﺦ ﺃﻱ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺃﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﺤﻠﻞ ﺃﻗﻠﻴﺔ ﻣﺒﺪﻋﺔ ﻓﺘﻐﺪﻭ ﺃﻗﻠﻴﺔ ﻣﺴﻴﻄﺮﺓ ﺗﺴﻌﻰ‬
‫ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺣﺘﻔﺎﻅ ﺑﻢ ﺭﻛﺰ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺟﺪﻳﺮﺓ ﺑﻪ‪ ،‬ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻘﻮﺓ‪ ،‬ﻳﺤﺪﺙ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮ ﻓﻲ ﻁﺎﺑﻊ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ‪،‬‬
‫ﺍﻧﺸﻘﺎﻗﺎ ً ﻓﻲ ﺑﺮﻭﻟﻴﺘﺎﺭﻳﺎ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻻ ﺗﻌﺠﺐ ﺑﺤﻜﺎﻣﻬﺎ ﻓﻼ ﺗﺤﺎﻛﻴﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﺜﻮﺭ ﺿﺪ ﺍﺳﺘﻌﺒﺎﺩﻫﻢ‬
‫ﻳﻦ‬ ‫ﺇﻳﺎﻫﺎ‪ ،‬ﻭﺷﺎﻫﺪﻧﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﺮﻭﻟﻴﺘﺎﺭﻳﺎ ﺗﻨﻘﺴﻢ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ـ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻤﻜﻦ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎـ ﻗﺴﻤﻴﻦ ﻣﺤﻴﺮ‬
‫ﻣﻤﻴﺰﻳﻦ‪:‬‬
‫ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ :‬ﺑﺮﻭﻟﻴﺘﺎﺭﻳﺎ ﺩﺍﺧﻠﻴﺔ ﻋﻨﻴﺪﺓ ﺫﻟﻴﻠﺔ‬
‫ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪ :‬ﺑﺮﻭﻟﻴﺘﺎﺭﻳﺎ ﺧﺎﺭﺟﻴﺔ ﻭﺭﺍء ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺗﻘﺎﻭﻡ ﺍﻹﻧﺪﻣﺎﺝ ﻓﻲ ﻋﻨﻒ ـ ﻭﺻﻔﻮﺓ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻳﺘﺄﺗﻰ ﺇﻳﺠﺎﺯ ﻁﺒﻴﻌﺔ‬
‫ﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ ﻓﻲ ﺛﻼﺙ ﻧﻘﺎﻁ‪:‬‬
‫ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ :‬ﻗﺼﻮﺭ ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ ﺍﻹﺑﺪﺍﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺔ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪ :‬ﻋﺰﻭﻑ ﺍﻷﻏﻠﺒﻴﺔ ﻋﻦ ﻣﺤﺎﻛﺔ ﺍﻷﻗﻠﻴﺔ ﺑﻊﺩ ﻗﺼﻮﺭ ﻁﺎﻗﺘﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ‪ :‬ﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻤﺎﺗﻘﺪﻡ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ ﺍﻟﺸﻬﻴﺮ "ﺃﻓﻮﻝ ﺍﻟﻐﺮﺏ" ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻣﺘﺪﺍﺩ ﺭﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺑﻔﻌﻞ ﻓﻘﺪﺍﻥ‬
‫ﻷﻣﻢ‪ ،‬ﻭﻟﻮ ﺟﺎء‬ ‫ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺭﻭﻣﺎ ﺍﻷﺳﺘﻴﻼء ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍ‬
‫ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻟﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﺭﻭﻣﺎ‪ ،‬ﻷﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻣﺘﺎﻋﺎ ً ﻟﻜﻞ ﻳﺪ ﺗﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ‬
‫ﺗﻤﺪ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺇﻟﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫ﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺃﻓﻮﻝ ﺍﻟﻐﺮﺏ )ﺍﻟﺠﺰء ﺍﻷﻭﻝ‪ :‬ﺹ‪ ،(۹٦:‬ﻣﺎ ﻳﻠﻲ ‪" :‬ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‬
‫ﺗﺸﻜﻞ ﻓﻲ ﺣﺪ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺳﻠﺒﻴﺔ ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻭﻝﻳﺪﺓ ﻓﻀﻠﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﻮﻳﺔ ﻟﻢ ﺗﺨﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻥ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟﺮﻭﻣﺎﻥ ﻗﺪ ﺍﺳﺘﻨﺰﻓﻮﺍ ﺁﺧﺮ ﻁﺎﻗﺎﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺯﺍﻣﺎ ﺑﻞ ﺇﻧﻤﺎ ﺟﺎءﺕ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻌﺠﺰ ﺍﻟﺸﻐﻮﺏ ﺍﻷﺧﺮ ﻋﻦ‬
‫ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﻭﺍﻟﺪﻓﺎﻉ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺸﻲء ﺍﻟﻤﺆﻛﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻥ ﻟﻢ ﻳﻔﺘﺘﺤﻮﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﻞ ﺇﻧﻤﺎ ﻭﺿﻌﻮﺍ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻏﻨﺎﺋﻢ‬
‫ﻭﺃﺳﻼﺏ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎﻭﻝ ﻛﻞ ﺭﺍﻏﺐ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﺗﺴﻠﻚ ﺍﻹﻣﺒﺮﺍﻁﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻴﺔ ﻁﺮﻳﻘﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺠﺴﺪ ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﺩ‬
‫ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻀﺮﻭﺭﺍﺕ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﺟﻬﻮﺩ ﻣﺎﻟﻴﺔ ﻛﺘﻠﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﻁﺒﻌﺖ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﺍﻟﺒﻮﻧﻴﺔ ﺑﻄﺎﺑﻌﻬﺎ‪ ،‬ﺑﻞ ﺇﻧﻤﺎ‬
‫ﻣﺎﺭﺳﺖ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﻷﻥ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﺗﻨﺎﺯﻝ ﻋﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻗﻪ ﻓﻲ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻣﺼﻴﺮﻩ ‪ ....‬ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻻ‬
‫ﺗﺨﺪﻋﻨﺎ ﺑﻌﺾ ﺍﻧﺘﺼﺎﺭﺍﺕ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﺭﺍﺋﻌﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻮﻛﻮﻟﻮﺱ ﻭﺑﻮﻣﺒﺎﻱ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺎ ﺑﺤﻔﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﻟﻮﻳﺔ ﺭﺩﺋﻴﺔ‬

‫‪54‬‬
 ‫ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺐ ﺍﻥ ﻳﻔﺘﺘﺤﺎ ﻣﻤﺎﻟﻚ ﻭﺍﺳﻌﺔ‪ ،‬ﻭﻳﺨﻀﻌﺎ ﺃﻗﺎﻟﻴﻢ ﺷﺎﺳﻌﺔ‪ ،‬ﻭﻭﻗﻮﻉ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺃﻣﺮ ﻏﻴﺮ‬
‫ﻣﻌﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﻛﻼﻓﺘﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺸﺒﺖ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺃﺑﺴﻮﺱ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﺤﻖ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻥ ﻋﻘﺐ ﻣﻌﻜﺮﺓ ﺯﺍﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﻮﺩﺍ ﻗﺎﺩﺭﻳﻦ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻋﻦ ﺷﻦ ﺡ ﺭﺏ ﻋﻠٮﺪﻭﻟﺔ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ‬
‫ﻋﻈﻤﻰ‪ ،‬ﻓﺤﺮﻭﺑﻬﻢ ﺍﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﺎﺿﻮﺍ ﻋﻤﺎﺭﻫﺎ ﺿﺪ ﺍﻟﺴﻴﺨﺖ ﻭﺑﻴﺮﻭﺱ‬
‫ﻭﻗﺮﻁﺎﺟﺔ‪ .‬ﺃﻣﺎ ﺳﺎﻋﺘﻬﻢ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻓﻘﺪ ﺃﺯﻓﺖ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻛﺎﻧﺎ ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ـ ﺃﻱ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔـ‬
‫ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻔﻬﻢ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻷﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻹﺳﺘﻌﻤﺎﺭ‪:‬‬

‫ﺇﻥ ﻓﺮﺳﻨﺎ ﺃﺳﺘﻌﻤﺮﺕ ﺳﻮﺭﻳﺎ ﻭﻟﺒﻨﺎﻥ ‪ .‬ﻭﻟﻢ ﺗﺴﺘﻌﻤﺮ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﻭﺳﻮﻳﺴﺮﺍ ‪ ،‬ﻭﺃﻧﻜﻠﺘﺮﺍ ﺇﺳﺘﻌﻤﺮﺕ ﻣﺼﺮ ﻟﻢ‬
‫ﺗﺴﺘﻌﻤﺮ ﺍﻟﺴﻮﻳﺪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺴﺮ ﻫﻮ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ ﻭﺍﻹﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻻﺫﻱ ﺍﻣﺘﺺ ﺟﻨﻮﺩﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺑﻼﺩﻧﺎ‪ ،‬ﻭﻋﺪﻡ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﺭ‬
‫ﺍﻟﻴﻤﻦ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺨﺪﻋﻨﺎ ﻷﻥ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﺍﺣﺪﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻷﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﻫﻮ ﺣﺎﻝ ﺓ ﻧﻔﺴﻴﺔ‬
‫ﻭﻋﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺑﺎﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ ،‬ﻓﻠﻴﺲ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺟﻠﺪ ﺃﺑﻴﺾ ﻷﺳﻤﺮ‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﻋﻴﻮﻥ ﺯﺭﻗﺎء ﻟﺴﻮﺩﺍء‪ ،‬ﺇﻧﻤﺎ‬
‫ﻫﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻭﺇﻧﺴﺎﻥ ﺟﻮﻫﺮﻫﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻬﺎ ﺑﻠﻮﻥ ﺟﻠﺪ ﺃﻭ ﻟﺴﺎﻥ ﺃﻭ ﻭﺿﻊ ﺟﻐﺮﺍﻓﻲ‬
‫ﻓﺎﻟﻌﺮﺑﻲ ﻗﺪ ﻳﺴﺘﻌﻤﺮ ﺗﻤﺎﻣﺎ ً ﻛﻤﺎ ﺃﺳﺘﻌﻤﺮﻩ ﺍﻻﺟﻨﺒﻲ ﺑﻞ ﺃﺳﻮﺃ ﻭﻭﺍﻕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﻤﺄﺱﺍﻭﻱ ﺃﻛﺒﺮ ﺷﺎﻫﺪ‪.‬‬
‫ﻭﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﻓﺈﻥ ﺟﻨﻮﺩ ﺍﻹﺣﺘﻼﻝ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﻭﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ ﻭﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻤﺎﺭﻙ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﺍﺭﺗﻔﻊ ﺑﺸﻜﻞ‬
‫ﻣﻠﺤﻮﻅ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻻﺭ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ‪ ،‬ﻭﺩﻟﻴﻞ ﺍﻟﻌﺎﻓﻴﺔ ﺍﻹﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ‪ ،‬ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻴﺎﺑﺎﻥ‪ ،‬ﻓﻘﻴﻤﺔ ﺍﻟﺪﻭﻻﺭ‬
‫ﻋﺎﻡ ‪ ۱۹۸٦‬ﻛﺎﻧﺖ ‪ ۳,۹۹‬ﻣﺎﺭﻙ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﻣﻊ ﺗﺤﺴﻦ ﺍﻟﺪﻭﻻﺭ ﻋﺎﻡ ‪ ۲,٥ ،۱۹۸۲‬ﻣﺎﺭﻙ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‬
‫ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺟﻨﺪﻱ ﺃﺟﻨﺒﻲ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﻟﻜﻦ ﺃﺭﺧﺺ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻫﻮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺮﺍﺑﻲ‪ ،‬ﻭﻟﻘﺪ ﺑﻠﻎ‬
‫ﻣﻦ ﺳﺤﻖ ﺍﻟﻤﻮﺍﻁﻦ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﻨﺎﻁﻖ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ‪" ،‬ﺇﻧﻪ ﻻ ﺿﻤﺎﻧﺔ ﻷﻱ ﺇﻧﺴﺎﻥ‬
‫ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﻜﺎﻥ ﺃﻭ ﻣﻜﺎﻥ" ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺭﺑﺎﻋﻲ ﻣﺸﺆﻭﻡ‪.‬‬
‫ﻣﻤﺎ ﻳﺬﻙﺭﻧﺎ ﺑﺎﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ)ﻭﺿﺮﺏ ﷲ ﻣﺜﻼً ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺁﻣﻨﺔ ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ ﻳﺄﺗﻴﻬﺎ ﺭﺯﻗﻬﺎﺭﻏﺪﺍً ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ‬
‫( )‪ .(۱۱۲ :۱٦‬ﺇﻥ ﻁﺒﻴﻌﺔ‬ ‫ﻓﻜﻔﺮﺕ ﺑﺄﻧﻌﻢ ﷲ ﻓﺄﺫﺍﻗﻬﺎ ﷲ ﻟﺒﺎﺱ ﺍﻟﺠﻮﻉ ﻭﺍﻟﺨﻮﻑ ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺼﻨﻌﻮﻥ‬
‫ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻫﻲ ﻣﺎ ﺃﺳﻤﺎﻫﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‪ :‬ﺍﻹﺳﺘﻀﻌﺎﻑ ﻭﺍﻹﺳﺘﻜﺒﺎﺭ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﺤﺚ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ـ‬
‫ﺃﻱ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻔﺼﻞ ﺣﻴﺚ ﻳﺨﻠﺺ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻘﺪﺓ ﺍﻟﻤﺸﺆﻭﻣﺔ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺃﻁﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﺑﺎﻹﺳﺘﻌﻤﺎﺭ‪.‬‬

‫ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ‪:‬‬
‫ﺃﻭ ﺑﺤﺚ ﻓﻲ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻹﺳﺘﻀﻌﺎﻑ ـ ﺍﻹﺳﺘﻜﺒﺎﺭ‪..‬‬
‫)ﻭﻟﻮ ﺗﺮﻯ ﺇﺫ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻮﻥ ﻣﻮﻗﻮﻓﻮﻥ ﻋﻨﺪ ﺭﺑﻬﻢ ﻳﺮﺟﻊ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﺳﺘﺾ ﻋﻔﻮﺍ ﻟﻠﺬﻳﻦ‬
‫ﺃﺳﺘﻜﺒﺮﻭﺍ ﻟﻮﻻ ﺍﻧﺘﻢ ﻟﻜﻨﺎ ﻣﺆﻣﻨﻴﻦ( )ﺳﺒﺄ ‪.(۳۱‬‬
‫ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﻗﻊ ﺍﻟﻈﻠﻢ‬ ‫ﻳﻜﺸﻒ ﺍﻟﺴﺘﺎﺭ ﻟﻨﺮﻯ ﻓﻮﺝ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺘﺎﺩﺭ ﺇﻟﻰ ﺫﻫﻨﻨﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻈﺎﻟﻢ‬
‫ﺑﺎﻵﺧﺮﻳﻦ‪ .‬ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻨﺎ ﻧﻔﺎﺟﺄ؟‪..‬‬
‫ً‬
‫ﺃﻥ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﻫﻢ ﺃﻭﻻً ﻟﻴﺴﻮﺍ ﺻﻨﻔﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ًﺑﻞ ﺻﻨﻔﻴﻦ‪ ،‬ﺃﻭ ﺑﺎﻷﺻﺢ ﺻﻨﻒ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻗﻪ ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻨﻈﺮﻩ‬
‫ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﻣﺰﺩﻭﺝ‪..‬‬
‫ﺇﻥ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﺮﺣﻠﺔ ﻫﻲ ﻣﻊ ﻓﻮﺝ ﺍﻟﻤﺴﺘﻀﻌﻔﻴﻦ‪ ،‬ﺇﻧﻬﻢ ﺇﺫﻥ ﺃﻭﻝ ﻓﻮﺝ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ‬
‫ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺇﺑﺘﺪﺍ ًء‪.‬‬
‫ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﺘﻌﻤﻖ ﻓﻲ ﺟﺬﺭ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻓﻴﺮﺩﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﺻﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﻠﻔﺖ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺃﻥ ﻣﺮﻛﺐ ﺍﻹﺳﺘﻀﻌﺎﻑ‬
‫ﻳﻦ ﻭﺍﻋﻴﻴﻦ‪ ،‬ﻗﺪ ﻱﻛﻮﻥ ﺑﻴﻦ ﻓﺮﺩ ﻭﻓﺮﺩ‪ ،‬ﺩﻭﻟﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﺩﻭﻟﺔ‪ ،‬ﺣﺎﻛﻢ‬ ‫ﻭﺍﻹﺳﺘﻜﺒﺎﺭ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺟﺬﺭﻩ )ﻋﻼﻗﺔ( ﺑﻴﻦ ﻁﺮﻑ‬

‫‪55‬‬
 ‫ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻣﺔ ﻭﺑﺎﻟﻌﻜﺲ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ‪ ...‬ﺇﻥ ﺍﻷﺳﺨﺎﺹ ﺃﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ ﺿﺤﻴﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺑﺎﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪،‬‬
‫ﻭﺻﻮﺭﺗﻪ ﻣﻜﺒﺮﺓ ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﺩﻭﻟﺔ ﻣﺴﺘﻀﻌﻔﺔ ﺃﻭ ﻣﺴﺘﻜﺒﺮﺓ ﻟﻠﻤﺴﺘﻘﺒﻞ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻧﺸﻮﺅ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﻤﺸﺆﻭﻣﺔ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺎﺥ ﻧﻔﺴﻲ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺻﻮﺭﺓ ﺗﺸﻜﻠﻪ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻫﻲ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻝﻣﺴﺘﻀﻌﻒ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺩﻳﻨﺎﻣﻴﻜﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﻁﺮﻓﻴﻦ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﻁﺮﻑ ﺇﻻ ﺑﺎﻧﺨﻔﺎﺽ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻷﺧﺮ ﺇﺑﺘﺪﺍ ًء‪،‬‬
‫ﺃﻱ ﻣﺜﻞ ﻛﻔﺘﻲ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﺇﺫﺍ ﺛﻘﻞ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ ﺑﻮﺯﺭ ﺍﻹﺳﺘﻀﻌﺎﻑ ﺍﺭﺗﻔﻊ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﺁﻟﻲ ﺇﻟﻰ‬
‫ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻷﺳﺘﻜﺒﺎﺭ‪ .‬ﻓﺎﻷﺳﺘﻜﺒﺎﺭ ﻫﻮ ﺗﻨﺸﺆﺗﺎﻟﻲ ﻟﺤﺎﻟﺔ ﻣﺮﺿﻴﺔ ﺃﻭﻟﻰ ﻛﻤﺎ ﻳﺘﺮﺍﻛﻢ ﺍﻟﺒﻌﻮﺽ ﺑﺸﻜﻞ ﺁﻟﻲ ﺡ ﻭﻝ‬
‫ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﻘﻊ‪ ،‬ﺃﻭ ﻫﻮ ﺍﺧﺘﻼﻁ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﻟﻤﺮﺽ ﺳﺎﺑﻖ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﻱء ﻳﺘﺸﻜﻞ ﻭﻳﺘﺪﻓﻖ ﻓﻲ ﺗﻜﺎﻣﻞ ﺍﻟﺴﺎﻟﺐ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﺐ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻬﻨﺪﺳﻲ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ‪:‬‬
‫ﺇﻥ ﻋﻠﺔ ﺳﺮﻳﺎﻥ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﻲ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻄﺐ ﺍﻟﺴﺎﻟﺐ ﺑﺎﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﺃﻛﺜﺮ ‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﻛﻠﻪ‬
‫ﻟﻴﺲ ﺇﻻ ﺷﺤﻨﺔ ﺇﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻴﺔ ﺳﻠﺒﻴﺔ ﺧﺎﺽﻋﺔ ﺫﻟﻴﻠﺔ ﺑﺎﺗﺠﺎﻩ ﻗﻄﺐ ﺍﻷﺳﺘﻜﺒﺎﺭ ﺍﻟﻤﻮﺟﺐ‪..‬‬
‫ﻭﺍﻟﻤﺜﻞ ﻟﻠﺘﻘﺮﻱ!‬
‫ﻭﺍﻟﻤﺮﺽ ﺍﻟﻌﻀﻮﻱ ﻳﻘﻮﻝ ﻋﻨﻪ ﺍﻷﻁﺒﺎء ‪ :‬ﺃﻧﻪ ﺍﺳﺘﻜﺒﺎﺭ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﺳﺘﻜﺒﺎﺭ ﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﺎ ﻗﺎﻡ‬
‫ﺑﺎﺳﺘﻜﺒﺎﺭﻩ ﻭﺳﻄﻮﺗﻪ ﻟﻮﻻ ﺣﺎﻟﺔ ﺿﻌﻒ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺠﺴﻢ!‬
‫ﺇﻥ ﺍﻻﺳﺘﻀﻌﺎﻑ ﻳﻮﻟﺪ ﺍﻻﺳﺘﻜﺒﺎﺭ ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻳﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﺄﻟﻪ ﺍﻟﻜﺎﺫﺑﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺃﻛﺪﻩ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‬
‫ﻋﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻹﺳﺘﻜﺒﺎﺭ ﻭﺍﻟﻄﻐﻴﺎﻥ ﻭﺍﺩﻋﺎء ﺍﻷﻟﻮﻫﻴﺔ ‪) :‬ﻭﻗﺎﻝ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﻸ ﻣﺎ ﻋﻠﻤﺖ ﻟﻜﻢ ﻣﻦ ﺇﻟﻪ‬
‫ﻏﻴﺮﻱ( )‪.(۳۸ :۲۸‬‬
‫ﻭﺇﺫﺍ ﺳﻘﻂ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺃﻱ ﺗﺤﻮﻝ ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻜﺒﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺁﻟﻬﺔ ﻛﺎﺫﺑﺔ‬
‫ﻭﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻋﺒﻴﺪ ﻣﺴﺘﻀﻊﻓﻴﻦ‪):‬ﻭﺗﻠﻚ ﻧﻌﻤﺔ ﺗﻤﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻋﺒﺪﺕ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ( )‪ .(۲۲ :۲٦‬ﻛﺎﻥ‬
‫ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻹﻧﻬﻴﺎﺭ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﻚ ‪ ..‬ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺇﺻﺮﺍﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻠﻰ ﺗﺜﻘﻴﻒ‬
‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺿﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺮﻛﺐ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺴﻘﻂ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﻷﻧﻪ ﻋﻤﻞ ﺑﻄﻮﻟﻲ ﺃﻭ ﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ‪ ،‬ﺑﻞ ﻫﻮ ﺿﺮﻭﺭﺓ‬
‫ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻟﺼﺤﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﺍﻟﻤﺞ ﺗﻤﻊ ‪ ..‬ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻌﺘﺒﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺴﺘﻀﻌﻒ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻜﺒﺮ ﻫﻤﺎ ﺻﻮﺭﺗﺎﻥ ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‬
‫ﻧﻔﺴﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ‪ ،‬ﺑﺤﻴﺚ ﺍﻥ ﺗﺤﻮﻝ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﺼﻮﺭﺗﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻯ ﻳﻘﻨﻌﻨﺎ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺼﻮﺭﺗﻴﻦ ﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺇﺷﺘﻘﺎﻕ‬
‫ﻭﺍﺣﺪ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺑﺎﻷﺻﻞ ﺻﻮﺭﺓ ﺳﻮﺩﺍء ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻴﻨﺔ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﺗﻢ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺘﺤﻤﻴﺺ‬
‫ﺗﺨﺮﺝ ﺻﻮﺭﺓ ﺑﻴﻀﺎء ﺇﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻠﺒﻲ ﺍﻷﺻﻠﻲ‪ .‬ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻷﺳﺘﻀﻌﺎﻑ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻻﺣﺴﺎﺱ ﻹﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻮﻻ ﻫﺎ ﻟﻤﺎ ﺗﺸﻜﻠﺖ ! ﻭﻻ ﺍﺳﺘﺨﺮﺟﺖ‬
‫ﺑﺎﻷﺻﻞ ! ﻓﺎﻟﺼﻮﺭﺗﺎﻥ ﺗﻌﻮﺩﺍﻥ ﺇﺫﻥ ﺇﻟﻰ ﺃﺻﻞ ﻭﺍﺣﺪ ‪ .‬ﻭﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﻠﻮﻧﺔ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ‪ ،‬ﻭﻣﺤﺒﺒﺔ‪،‬‬
‫ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻷﺳﺘﻜﺒﺎﺭ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻳﻨﺨﺪﻉ ﺑﻪ ﻭﻻ ﻳﺮﻭﻧﻪ ﺻﻮﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﻠﻢ ﺍﻷﺳﻮﺩ ﺍﻟﺒﺎﺋﺲ!!‬
‫ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﺁﻧﻔﺎ ً ﺃﻥ ﻧﺘﺨﻴﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﻨﻈﺮ ﺑﻮﻟﻴﺲ ﺍﻟﺴﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﻭﺍﺿﺢ ﻓﻲ‬
‫ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ‪ ،‬ﻭﺃﻗﻞ ﻭﺿﻮﺣﺎ ً ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻟﻮﺛﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ "ﻟﻴﺲ‬
‫ﻏﻴﺎﺑﻬﺎ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ ﺇﻻ ﺑﺘﺤﺮﺭ ﺍﻟﻤﻮﺍﻁﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﺒﻮﻟﻴﺲ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺭﻭﺡ ﺍﻷﺳﺘﻀﻌﺎﻑ ﻟﻴﺲ‬
‫ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻜﺒﺮ ﺑﺎﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﻄﺎﺋﺸﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﺑﺎﻟﺘﺴﻠﺢ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺎﻟﻮﺍﺟﺐ " ﺑﻮﻟﻴﺲ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻓﻲ‬
‫ﻋﻼﻗﺘﻪ ﻣﻊ ﺳﺎﺋﻖ ﺍﻻﺟﺮﺓ‪ ،‬ﻛﻴﻒ ﻳﺼﻔﺮ ﺑﺎﻟﺼﻔﺎﺭﺓ‪ ،‬ﻛﻴﻒ ﻳﻤﺸﻲ ﻣﺒﺎﻋﺪﺍً ﺑﻴﻦ ﺭﺟﻠﻴﻪ ﻭﻳﺪﻳﻪ )ﺗﻘﻠﻴﺪ ﺧﻔﻴﻒ‬
‫ﻟﻐﻮﺭﻳﻼ ﺍﻟﻐﺎﺏ!!(‪ ،‬ﺑﺄﻱ ﺷﻜﻞ ﻳﻨﻈﺮ ﻭﻳﻄﻠﺐ ﺍﻷﻭﺭﺍﻕ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﺭﺗﺒﺎﻙ ﻳﺪﻳﻪ‪ ،‬ﻭﺧﻔﻘﺔ ﻗﻠﺒﻪ‪ ،‬ﻭﺍﻓﺮﺍﺭ‬
‫ﻭﺟﻬﻪ‪ ،‬ﻭﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﻟﺘﺰﻟﻒ ﻭﺍﻟﺘﻘﺮﺏ ﺇﻟﻴﻬﺒﺎﻟﺒﺴﻤﺔ ﺍﻟﻜﺎﺫﺑﺔ ﻭﺍﻟﻜﻤﻠﺔ ﺍﻟﺨﺪﺍﻋﺔ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﺸﺘﻴﻤﺔ ﻓﻲ‬
‫ﻅﻬﺮﻩ!!‪.‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﺮﺓ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ‪ ،‬ﻟﻮ ﺣﺎﻭﻟﻨﺎ ﻋﻜﺴﻬﺎ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﻗﻠﺐ ﺍﻷﺩﻭﺍﺭ ـ ﻓﻨﺠﻌﻞ ﺍﻟﺴﺎﺋﻖ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺑﻮﻟﻴﺲ ﺍﻟﻤﺮﻭﺭ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﺒﻮﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺴﺎﺋﻖ‪ .‬ﺃﻗﻮﻝ‪ :‬ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻔﺴﺎ ﻟﻤﻨﻈﺮ ﺳﻮﻑ ﻳﺘﻜﺮﺭ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺍﻟﺴﺎﺋﻖ ﺳﻴﻘﻮﻡ ﺑﻨﻔﺲ‬
‫ﺗﺼﺮﻓﺎﺕ ﺍﻟﺸﺮﻁﻲ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻮﻗﻦ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﺘﻜﺒﺮ ﻗﺒﻞ ﻗﻠﻴﻞ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻗﻪ ﻣﺴﺘﻀﻌﻔﺎً‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻔﻌﻞ‬
‫ﺷﺮﻭﻁ ﺧﺎﺻﺔ ﺃﺻﺒﺢ ﻣﺴﺘﻜﺒﺮﺍً‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺃﺻﻐﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺧﺬﻫﺎ ﺃﻭ ﺃﻭﻛﻠﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻴﺤﺪﺙ ﻓﻴﻪ ﺗﻮﺭﻡ‬
‫ﻣﺮﺿﻲ؟!‪.‬‬

‫‪56‬‬
 ‫ﺍﻻﺳﺘﻀﻌﺎﻑ‪ :‬ﻫﻮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﺑﺎﻟﻔﻘﺮ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﺪﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﺸﻌﺮ ﺃﻧﻪ ﻣﺴﺘﺤﻘﺮ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺳﻨﺪﺕ ﺇﻟﻴﻪ‬ ‫ﻑ‬
‫ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺎﺕ ﺍﻧﺴﺮﺕ ﺍﻟﻤﻌﺎﻭﺿﺔ ﻟﺪﻳﻪ‪،‬ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺫﻭ ﺳﺒﻌﺔ ﺗﻨﺎﺳﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻲء ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻘﻦ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻬﻮ‬
‫ﺃﺻﻐﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺧﺬﻫﺎ ﺃﻭ ﺃﻭﻛﻠﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻴﺤﺪﺙ ﻓﻴﻪ ﺗﻮﺭﻡ ﻣﺮﺿﻲ؟!‬
‫ﻓﺎﻟﺘﻮﺭﻡ ﺃﻭ ﺍﻷﻧﺘﻔﺎﺥ ﺃﻭ ـ ﺑﻤﺼﻄﻠﺢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ـ ﺍﻟﺘﻜﺒﺮ ﻫﻮ ﺍﻣﺘﻼﻙ )ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺳﺨﻴﻔﺔ ﻫﺰﻳﻠﺔ ( ﻟـ )ﺻﻔﺎﺕ‬
‫ﻛﺒﻴﺮﺓ( ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﺼﻔﺔ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺨﺺ ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﺤﻘﻦ ﺑﻬﺎ ﻳﻨﺘﻔﺦ ! ﻓﺈﺫﺍ ﺗﻤﺪﺩﺕ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻭﺍﻧﺘﻔﺨﺖ‪،‬‬
‫ﻭﺗﺸﻮﻫﺖ‪ ،‬ﻭﻣﺮﺿﺖ‪ ،‬ﻭﻟﺬﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﺍﺑﺔ ﺃﺑﺪﺍً ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺤﺘٮﺈﺫﺍ ﺳﺤﺐ ﻣﻨﺎﻟﺤﺎﻭﻱ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮٮﺘﻌﺮﺽ‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺠﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺩ ﺇﻝﻯ ﺍﻟﺘﺮﻫﻞ‪ .‬ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺴﻮﻱ ﻻ ﺇﺫﺍ ﺃﻋﻄﻴﺘﻪ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺑﻄﺮ‪ ،‬ﻭﻻ ﺇﺫﺍ ﺳﺤﺒﺖ‬
‫ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻧﻘﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺒﻮﺫ ﻭﺣﻘﻴﺮ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﻭﻧﺔ ﻭﺍﻟﺴﻌﺔ ﻣﺎ ﺗﺘﺤﻤﻞ ﺍﻟﺼﻔﺔ ﺍﻟﺠﻴﺪﺓ ﻓﻼ‬
‫ﺗﻨﺘﻔﺦ ﺃﻭ ﺗﺘﺮﻫﻞ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻈﺮ ﻫﻮ ﻣﺮﺽ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺳﺎﺭﻳﺎﻟﻤﻔﻌﻮﻝ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺒﺸﺮ‪ ،‬ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎﺹ ﻓﻲ ﺩﻭﻝ ﺍﻝﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ‬
‫ﻭﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻷﻭﻝ ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ!‪.‬‬
‫ﻧﺠﺪﻩ ﺑﻴﻦ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻡ )ﺍﻟﺸﻐﻴﻞ (‪ .‬ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻭﺍﻟﻤﺮﺅﻭﺱ‪ ،‬ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻀﺎﺑﻂ ﻭﺍﻟﺠﻨﺪﻱ‪ ،‬ﺑﻴﻦ‬
‫ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﻭﺍﻟﻤﺮﻳﺾ‪ ،‬ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﻅﻒ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻁﻦ‪ ،‬ﺑﻴﻦ ﺭﺟﻞ ﺍﻟﻤﺨﺎﺑﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻁﻦ ﻓﻲ ﺣﻔﻠﺔ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ‬
‫ﻭﺍﻷﺳﺘﺠﻮﺍﺏ )ﻭﻫﻨﺎ ﺍﻟﻌﺠﺐ ﺍﻟﻌﺠﺎﺑﻸﻧﺎ ﻟﻤﻮﺍﻁﻦ ﻣﺘﻬﻢ ﺣﺘٮﻴﺜﺒﺖ ﺍﻟﻌﻜﺲ؟!(‪..‬‬
‫ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﻤﺪﻋﻰ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﺏ ﻭﺍﺑﻨﻪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﺯﻭﺟﺘﻪ‪ ،‬ﻭﻓﺎﺭﻕ ﻧﺠﻤﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺑﻴﻦ‬
‫ﺿﺎﺑﻄﻴﻦ )ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺪﻋﻮﻣﺎً؟ !(‪ .‬ﻓﻌﻨﺪ ﺫﻟﻚ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﺃﺳﻔﻞ ﻭﺍﻷﺳﻔﻞ ﺃﻋﻠﻰ‪ ،‬ﻭﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﻤﺮﺽ‬
‫ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺴﺮﻁﺎﻥ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﺴﺮﻁﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺗﻘﺮﻳﺒﻪ ﻟﻠﻔﻬﻢ ﺑﺘﻌﺮ ﻳﻒ ﻣﻨﺎﺳﺐ ﻟﻴﺲ ﺇﻻ‬
‫ﺍﺧﺘﻼﻝ ﻭﻅﻴﻔﻲ ﺯﻣﺎﻧﻲ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﻟﻠﺨﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﺼﺒﺢ ﺧﻼﻳﺎ ﺍﻟﻐﺪﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺋﺔ‪ ،‬ﻭﺧﻼﻳﺎ ﺍﻟﺜﺪﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻷﻣﻌﺎء ﺍﻟﻐﻠﻴﻈﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺒﺪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺸﺮﺝ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻣﺎﻍ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﻫﻨﺎ ﻳﺼﺒﺢ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﻫﺪﺍﻣﺔ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﺴﺮﻁﺎﻥ ﻫﻮ‬
‫ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺃﻧﺎﻟﻌﻀﻮﻳﺔﺗﻌﻤﻞ ﺿﺪ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻳﺤﺪﺙ ﻣﺎ ﻳﺶ ﺑﻪ ﺫﻟﻚ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ‬
‫ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﺔ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻭﺍﻟﺰﻣﺎﻥ‪ ،‬ﻓﻤﺜﻼً ‪ :‬ﺟﻬﺎﺯ ﺍﻷﻣﻦ ﻣﺸﺘﻖ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻦ ﻭﺍﻷﻣﺎﻥ ﻳﺘﺤﻮﻝ‬
‫ﺇﻟﻰ ﺟﻬﺎﺯ ﺭﻋﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺠﻴﺶ ﺗﺤﺖ ﺃﺳﻢ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ـ ﺃﻱ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻷﻣﺔ ﺗﺘﺤﻮﻝ‬
‫ﻣﻬﻤﺘﻪ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺇﺫﻻﻝ ﻭﺍﺳﺘﻌﺒﺎﺩ ﺍﻷﻣﺔ ﻭﻫﻜﺬﺍ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻡ ﻫﻤﺘﻪ ﺍﻟﺤﺮﺍﺳﺔ ﺣﺎﻛﻤﺎً‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻬﻤﺘﻪ‬
‫ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻭﺍﺷﻴﺎً‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻬﻤﺘﻪ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﻣﺘﺴﻠﻄﺎ ً‪.‬‬
‫ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺃﻥ ﻧﻔﺨﻢ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻗﻠﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺑﻴﻦ ﺟﻬﺎﺯﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺍﻟﻔﺮﺩ ﻓﻴﻪ ﻓﻬﻲ ﻗﺎﺋﻤﺔ‬
‫ﻝ‬ ‫ﺃﻳﻀﺎ ً ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻤﺮﻛﺐ ﺍﻟﻤﺸﺆﻭﻡ ﺍﺳﺘﻜﺒﺎﺭ ـ ﺇﺳﺘﻀﻔﻌﺎﻑ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺆﻛﻞ ﺍﻟﻤﻮﺍﻁﻦ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﻋﻢ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﺸﺎﺭ ﻭﻫﻮ ﻳﺄﻛﻞ ﺍﻟﺨﺸﺐ ﺫﻫﺎﺑﺎ ً ﻭﺇﻳﺎﺑﺎً‪ ،‬ﻓﻤﺜﻼً ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ‪ ،‬ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻮﺍﻁﻦ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺪﻓﻊ ﻣﻊ ﻛﻞ‬
‫ﺩﺧﻮﻝ ﻭﺧﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﻭﻁﻨﻪ ﺿﺮﻳﺒﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻨﺘﺼﻮﺭ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﻐﺎﺩﺭﺓ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﺃﻭﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﺇﻟﻴﻪ‬
‫ﻣﺮﺗﺒﻂ ﻓﻲ ﺫﻫﻨﻪ ﺩﻭﻣﺎ ً ﺑﺒﻼء ﺍﻟﺪﻓﻊ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﻛﺮﺍﻫﻴﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﻠﻔﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺯﺭ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﺘﺤﻮﻝ‬
‫ﺍﻷﻣﺮ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺇﻟﻰ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻷﺷﻴﺎء ﻭﻟﺬﺍ ﻳﻔﺎﺟﺄ ﺣﺘﻰ ﻣﻮﻅﻒ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭﺣﻴﻦ ﻳﺮﻯ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻤﻮﺍﻁﻦ‬
‫ﻗﺎﺩﻣﺎ ً ﻣﻦ ﺩﻭﻟﺔ ﻏﺮﺑﻴﺔ ﻣﺜﻼً ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ ﻣﺆﻗﺘﺔ ﻫﻨﺎﻙ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺍﻟﻤﻮﻅﻒ ﻋﺒﺜﺎ ً ﻋﻦ ﺗﺄﺷﻴﺮﺓ ﺧﺮﻭﺝ ﺍﻟﻤﻮﺍﻁﻦ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﺒﻠﺪ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﺣﺘﻰ ﻳﻠﻔﺖ ﺍﻟﻤﻮﺍﻁﻦ ﻧﻈﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺩﺧﻮﻝ ﻭﺧﺮﻭﺝ ﺍﻟﻤﻮﺍﻁﻦ ﺃﻭﺍﻟﻤﻘﻴﻢ ﺣﺘﻰ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺃﺟﻨﺒﻴﺎ ً‬
‫ﻳﻌﻨﻲ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺧﺪﻣﺔ ﻛﻞ ﻁﺮﻑ ﻟﻶﺧﺮ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﺮﻛﺐ ﺍﻻﺳﺘﻀﻌﺎﻑ ﻭﺍﻷﺳﺘﻜﺒﺎﺭ‬
‫ﺑﻴﻦ ﺟﻬﺎﺯ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻁﻦ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻤﻀﺤﻜﺔ ﺃﻳﻀﺎً‪ ،‬ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﻓﻲ ﺑﻼﺩﻧﺎ ﺑﺎﻟﻄﻮﺍﺑﻊ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﺃﻥ ﺃﻱ ﺍﺳﺘﺪﻋﺎء ﺍﻭ ﻁﻠﺐ‬
‫ﻣﺮﺑﻮﻁ ﺑﺈﻟﺼﺎﻕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺎﺑﻊ ﻋﻠﻲﻩ‪ ،‬ﻭﻣﻬﻤﺔ ﺍﻟﻄﺎﺑﻊ ﺑﺎﻻﺻﻞ ﻫﻲ ﺃﻥ ﻳﻮﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻐﻠﻒ ﻛﺄﺟﺮﺓ ﻟﺤﻤﻠﻪ‬
‫ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻥ ﻵﺧﺮ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺑﻼﺩﻧﺎ ﺃﺻﺒﺢ ﻟﻪ ﻣﻌﻨﻰ ﺟﺪﻳﺪﺍً ﻓﻜﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﻟﻠﻤﻮﺍﻁﻦ ﻓﻲ ﺟﻬﺎﺯ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﻛﻞ‬
‫ﺳﻄﺮ ﻳﻜﺘﺐ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺸﻔﻊ ﻣﻌﻪ ﺑﻄﺎﺑﻊ ﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﻓﻲ ﻳﺪ ﺍﻟﻤﻮﺍﻁﻦ ﻭﻫﻮ ﻳﺘﻘﺪﻡ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻟﻤﻮﻅﻒ‪.‬‬

‫‪57‬‬
 ‫ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ‪ ،‬ﺃﺩﺭﻛﻨﺎﻫﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎﻋﺸﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﻓﺄﻱ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺃﻭ ﺷﺨﺼﻴﺔ‬
‫ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻣﺮﺍﻥ ‪ :‬ﺍﻷﻭﻝ‪ :‬ﻏﻴﺎﺏ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻤﻀﺤﻜﺔ‪ ،‬ﺃﻱ ﻗﻀﻴﺔ ﺍﻟﻄﻮﺍﺑﻊ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﻠﺐ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﻳﺘﻘﺪﻡ ﺑﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ‪ :‬ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﺳﻞ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺗﺮﺳﻞ ﻟﻚ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻣﻊ ﻛﻞ‬
‫ﺍﻷﺣﺘﺮﺍﻡ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﻛﻤﺎ ﻭﺻﻠﻚ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻦ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻤﻀﺤﻜﺔ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻧﻘﻠﺘﻪ ﺳﻔﺎﺭﺍﺗﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﻣﻌﻬﺎ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻟﻤﻮﺍﻁﻦ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩ‬
‫ﻣﺮﺍﺳﻠﺔ ﺳﻔﺎﺭﺗﻪ ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻀﻊ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﺭﺟﻮﻉ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﺇﻟﻴﻪ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﻐﻠﻒ ﻣﻐﻠﻔﺎ ً ﺁﺧﺮ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ﻋﻨﻮﺍﻧﻪ ﻭﻁﺎﺑﻊ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ‪،‬؟!!!‬
‫ﺇﻥ ﺳﻔﺎﺭﺍﺕ ﺑﻼﺩﻧﺎ ﻣﻦ ﺷﺪﺓ ﺡﺭﺻﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻘﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﺍﻟﻬﺎﻡ ﺗﺮﺳﻞ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺆﻛﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﺍﻁﻦ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﺃﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻨﺴﻰ ﻁﺎﺑﻊ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ؟!!‬
‫ﻭﻳﻤﻀﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺮﻛﺐ ﺍﻟﻤﺸﺆﻭﻡ ﺍﻻﺳﺘﻀﻌﺎﻑ ـ ﺍﻻﺳﺘﻜﺒﺎﺭ ﻟﻴﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺑﺒﻌﻀﻬﺎ‪،‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍﻧﻘﺴﻢ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺼﻐﺎﺭ ﺃﻭ ﺑﻚ ﻟﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺴﺘﻀﻌﻔﻴﻦ ﻭﻋﺎﻟﻢ‬
‫ﺍﻟﻤﺴﺘﻜﺒﺮﻳﻦ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﺍﻷﻗﻮﻯ ـ ﺗﺴﺘﻀﻌﻒ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﻭﺑﻤﻨﻄﻖ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺤﻖ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺑﺎﻁﻞ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺒﺎﻁﻞ ﺇﻟﻰ ﺣﻖ‪ ،‬ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺮﻭﺽ ﺍﻟﺸﻐﻮﺏ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﻮﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻹﺭﺍﺩﺍﺕ ﻭﻟﻮ ﻛﻠﻒ ﺑﺤﺎﺭ ﺍﻟﺪﻡ‬
‫ﻭﻁﻮﻓﺎﻧﺎﺕ ﺍﻷﺷﻼء ﻭﺍﻟﻀﺤﺎﻳﺎ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﻗﺼﺔ ﻟﺒﻨﺎﻥ ﺑﺐﻋﻴﺪﺓ‪ .‬ﻭﺗﺼﺒﺢ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺑﺎﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﻋﻼﻗﺔ‬
‫ﺍﺳﺘﻀﻌﺎﻑ ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻣﻴﺰﺍﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻴﻮﻡ‪ ،‬ﻭﻗﻀﻴﺔ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ‪ ،‬ﻫﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺑﺼﻤﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ‪.‬‬
‫ﺘﻰ ﻳﺘﺤﺮﺭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻌﺪﺓ ﺍﻟﻤﺸﺆﻭﻣﺔ‪ ،‬ﻓﻌﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺎہﻠﻟ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻣﻌﻬﺎ ﻳﺘﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻮﻯ‬
‫ﻭﺍﻟﻈﻦ‪ ،‬ﻭﺃﻭ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﻫﻮﻯ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻝﺗﺤﺮﺭ ﻣﻨﺎﻟﻬﻮﻯ ﻳﺼﺒﺢ ﻋﺎﺩﻻً ﻣﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻣﻊ ﺍﻷﺧﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﺘﺤﺮﺭ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻦ ﻳﺼﺒﺢ ﻋﺎﻟﻤﺎ ً ﻣﺎ ﻟﻴﻪ ﻭﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ‪.‬‬
‫ﻓﺈﺫﺍ ﺗﻌﻠﻢ ﺍﻻ ﻳﻈﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻈﻠﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ‪ ،‬ﻭﺇﺫﺍ ﺭﺃﻱ ﻣﻈﻠﻮﻣﺎً‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺃﻥ ﻳﺴﻜﺖ ﻷﻧﻪ ﺗﺪﺭﺏ ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺞ‬
‫ﻣﻌﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺟﺎء ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ‪" :‬ﺍﻧﺼﺮ ﺃﺧﺎﻙ ﻅﺎﻟﻤﺎ ً ﺃﻭ ﻣﻈﻠﻤﻮﻣﺎً‪ ،‬ﻗﺎﻟﻮﺍ ‪ :‬ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ‪ ،‬ﻗﺪ ﻧﺼﺮﻧﺎﻩ‬
‫ﻣﻈﻠﻮﻣﺎ ً ﻓﻜﻴﻒ ﻧﻨﺼﺮﻩ ﻅﺎﻟﻤﺎً؟ ﻗﺎﻝ‪ :‬ﺃﻥ ﺗﺄﺧﺬ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ ﻓﻼ ﻳﻈﻠﻢ "‪.‬‬
‫ﻭﺧﺘﺎﻣﺎ ً ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻧﺘﻌﺮﺽ ﻟﻔﻜﺮﺓ "ﺭﺟﻞ ﺍﻟﻌﺼﺎ" ﻭ"ﺭﺟﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ"‪.‬‬

‫ﺭﺟﻞ "ﺍﻟﻌﺼﺎ" ﻭﺭﺟﻞ "ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ"‪..‬‬

‫ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺤﺮﺭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺐ ﺍﻻﺳﺘﻀﻌﺎﻑ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﻘﺪﻡ ﻭﻓﻖ ﻣﺮﺍﺣﻞ‪ ،‬ﺍﻷﻭﻟﻰ ‪ :‬ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻢ ﺍﻹﺳﻼﻡ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪ :‬ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﻁﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻤﻌﺼﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ‪ :‬ﻣﻨﻊ ﺍﻷﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻈﻠﻢ‪.‬‬
‫ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪ :‬ﻳﻨﺘﻘﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻌﺼﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻵﺩﻣﻴﺔ ﺃﻱ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺨﻀﻊ‬
‫ﻭﻳﻄﻴﻊ ﺇﻻ ﺑﺘﻔﻜﻴﺮ ﻭﻗﻨﺎﻋﺔ‪.‬‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ‪ ،‬ﻭ ﻫﺬﺍ ﻳﻮﺻﻠﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ‪.‬ﻭﻟﻴﺲ‬
‫ﻣﻦ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺃﻥ ﺗﺤﺮﻕ ﺍﻟﻤﺮﺍﺣﻞ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﺘﻢ ﻣﺴﻴﺮﻫﺎ ﻛﻞ ﺣﻠﻘﺔ ﺗﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ‬
‫ﺟﺪﻟﻴﺔ‪ ،‬ﻷﻥ ﻛﻞ ﺣﺪﺙ ﻫﻮ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻤﺎ ﻗﺒﻠﻪ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺑﻨﻔﺴﺎﻟﻮﻗﺖ ﺳﺒﺐ ﻟﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪﻩ‪.‬‬
‫ﻭﻳﻤﻜﻦ ﻋﺮﺽ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺑﺄﺳﻠﻮﺏ ﺁﺧﺮ‪.‬‬
‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﻤﺮ ﺑﺜﻼﺛﺔ ﺃﺣﻮﺍﻝ‪:‬‬
‫‪۱‬ـ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻌﺼﺎ‪ ،‬ﻫﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻤﺮﺗﺰﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻨﺎﺯﻝ ﻋﻠﻦ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺘﻪ ﻟﻤﻦ ﻳﻌﻄﻴﻪ ﻗﻮﺕ ﻳﻮﻣﻪ‪ ،‬ﻓﻬﻮ‬
‫ﻛﺎﻟﻌﺼﺎﺓ ﻳﻀﺮﺏ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﻄﺎﻟﺢ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻔﻀﻞ ﻟﻠﻤﺴﺘﻜﺒﺮ ﻷﻧﻪ ﻳﺨﺪﻣﻪ ﻭﻳﺪﻋﻢ ﻭﺟﻮﺩﻩ‪.‬‬
‫‪۲‬ـ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﻓﻜﺮﺓ‪ :‬ﺗﺨﺮﺝ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻌﺼﺎ‪،‬ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺼﺒﺢ ﻟﻪ ﻣﻘﻴﺎﺳﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺳﻪ ﻳﻘﺒﻞ ﺃﻭ‬
‫( )‪ ،(۱٥ :۳۱‬ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻭﻝ‬ ‫ﻳﺮﻓﺾ‪) ،‬ﻭﻥ ﺟﺎﻫﺪﺍﻙ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﺸﺮﻙ ﺑﻲ ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻚ ﺑﻪ ﻋﻠﻢ ﻓﻼ ﺗﻄﻌﻬﻤﺎ‬

‫‪58‬‬
 ‫ﺃﺳﺎﺱ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻐﺮﺱ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺃﻱ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻄﻴﻊ ﺇﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪﻩ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻓﺾ‬
‫ﺃﻭ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﻣﻊ ﻭﺍﻟﺠﻴﻪ ﺃﻱ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﻓﻌﻠﻪ ﻓﻠﻴﻔﻌﻠﻪ ﻏﻴﺮﻱ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﻓﻌﻠﻪ ﻏﻴﺮﻱ ﺃﻣﺎﻡ ﻱ ﻓﻼ‬
‫ﺃﻋﺘﺮﺍﺽ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﻓﻌﻠﻪ‪ ..‬ﻭﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻳﻔﻜﺮ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻣﺮﺓ‬
‫ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺼﺪﺭ ﺃﻭﺍﻣﺮﻩ ﻷﻧﻪ ﻣﻀﻄﺮ ﺃﻥ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﻘﻖ ﻁﺎﻋﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻟﻘﺎﺋﻞ "ﺇﻥ ﺃﺭﺩﺕ ﺃﻥ‬
‫ﺗﻄﺎﻉ ﻓﻤﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﺴﺘﻄﺎﻉ"‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﻣﻜﺔ ﻣﺜﻞ ﺑﻼﻝ ﺣﻴﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﺩﺩ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ‪ :‬ﺃﺣﺪ‪،‬‬
‫ﺃﺣﺪ‪ .‬ﻭﻛﺎﻥ ﺳﺎﺩﺓ ﻗﺮﻳﺶ ﻳﺘﻤﻴﺰﻭﻥ ﻏﻀﺒﺎ ً ﻷﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻣﺴﺨﺮﺍً ﻟﻬﻢ‪ ،‬ﺑﻞ ﺻﺎﺭ ﻳﻘﺒﻞ ﻭﻳﺮﻓﺾ‬
‫ﻭﻓﻖ ﻣﻘﻴﺎﺱ ﺍﺧﺘﺎﺭﻩ ﻟﻨﻔﺴﻪ‪.‬‬
‫‪۳‬ـ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ‪ :‬ﻫﻲ ﻟﻦ ﺗﻔﻌﻠﻪ ﻭﺃﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ‪ ،‬ﺃﻱ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻤﻨﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﺃﻱ ﻟﻦ ﺃﺳﻤﺢ ﻟﻚ‬
‫ﺑﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﺣﺘﻰ ﺃﻣﻮﺕ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺴﻮﻕ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻣﺜﻼً ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺮﺓ‪ ،‬ﻗﻮﻝ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﻭﻫﻮ‬
‫ﺟﺮﻳﺢ ﻳﻤﻮﺕ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺃﺣﺪ‪ ،‬ﻗﺎﻝ ﻳﺨﺎﻁﺐ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ‪" :‬ﻻ ﻋﺬﺭ ﻟﻜﻢ ﻋﻨﺪ ﷲ ﺇﻥ ﺧﻠﺺ ﺇﻟﻰ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ‬
‫ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻓﻴﻜﻢ ﻋﻴﻦ ﺗﻄﺮﻑ " ﺇﻧﻨﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺠﺪﻳﺪ ﻧﻔﺴﻴﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ‪ ،‬ﻭﻧﻘﻠﻪ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻝﺛﺎﻟﺜﺔ‪ ...‬ﺇﻥ ﻭﺿﻊ ﺍﻻﺳﺘﻀﻌﺎﻑ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻴﺸﻪ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ‪ ،‬ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ‬
‫ﺃﻧﻪ ﻟﻮ ﺃﻣﺮ ﺑﻬﺪﻡ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ‪ ،‬ﻭﻓﻌﻞ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﺤﺮﻣﺎﺕ‪ ،‬ﻟﻔﻌﻞ ﺫﻟﻚ‪ ،‬ﻭﺟﻮﺍﺑﻪ ﻋﻠٮﺬﻟﻚ ‪" :‬ﺃﻧﻨﻲ ﺃﻣﺮﺕ ﺑﺬﻟﻚ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ‬
‫ﻓﻲ ﻁﺎﻗﺘﻲ ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ"‪.‬‬
‫"ﻋﺼﺎ "‪ ،‬ﺃﻱ‪" :‬ﺃﺩﺍﺓ‬ ‫)ﻭﻻ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﺍﻷﻭﺍﻣﺮ !!(‪..‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺃﻱ ﺟﻨﺪﻱ ﺃﻭ ﺟﻴﺶ ﺃﻣﺮ ﺃﺻﺒﺢ‬
‫ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ"‪ ،‬ﻭﻣﻴﺰﺓ "ﺍﻟﻌﺼﺎ" ﺃﻧﻪ ﺍﻧﺴﻠﺦ ﻋﻦ ﺁﺩﻣﻴﺘﻬﺎﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺎﺯ ﺑﺎﻟﻔﻬﻢ ﻭﺍﺗﺨﺎﺫ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺣﺮﻳﺔ‬
‫ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻘﻞ ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻌﺼﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﺩﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻫﻲ ﺃﻥ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﺍﻷﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺍﻟﻀﺎﻣﺮﺓ‪ ،‬ﻛﻲ ﻳﺘﺤﻮﻝ‬
‫ﻣﻦ ﻋﺒﺪ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﺍﻷﻭﺍﻣﺮ ﻓﻘﻂ ﺇﻟﻰ ﺳﻴﺪ ﻳﻨﻔﺬ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻨﻊ ﺑﻪ‪..‬‬
‫ﺇﻥ ﺑﻼﻝ ﺳﺎﺑﻘﺎ ً ﻛﺎﻥ ﻋﺒﺪﺍً‪ ،‬ﻭﻧﺤﻦ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺃﺣﺮﺍﺭ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺑﺤﻘﺎﺋﻘﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺑﺮﺻﻴﺪﻫﺎ ﻓﻤﻦ ﻳﻘﻮﻝ‬
‫ﺃﻧﻨﺎ ﻟﺴﻨﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻋﺒﻴﺪﺍً ﻭﻫﻮ ﺣﺮ؟!‪..‬‬
‫ﻟﻌﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻀﺤﻜﺎﺕ ﺍﻟﻤﺒﻜﻴﺎﺕ ﺃﻥ ﺍﻷﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﻛﺎﻥ ﻳﻔﺘﺢ ﺍﻟﻤﻤﺎﻟﻚ ﺍﻻﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﻌﺴﺎﻛﺮ ﻣﺴﻠﻤﻴﻦ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ‬
‫ﺍﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻓﻲ ﺍﺣﺘﻼﻝ ﺳﻮﺭﻳﺎ ﺟﻨﻮﺩﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻐﺎ‪ ،‬ﻭﺃﺳﺘﺨﺪﻡ ﺕ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻓﻲ ﻗﺘﺎﻟﻬﺎ ﺿﺪ ﺍﻷﻟﻤﺎﻥ ﺟﻨﻮﺩﺍً‬
‫ﺟﺰﺍﺋﺮﻳﻴﻦ‪ ،‬ﻭﻗﺎﺗﻞ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﺍﻷﺗﺮﺍﻙ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻧﻴﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﺎﻥ ﻓﻲ ﻛﻮﺭﻳﺎ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺃﻥ ﺟﻼﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺭﺍﺭﻱ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺍﺳﻤﻪ ﺃﺑﻮ ﻫﺸﺎﻡ ﻭﻣﺤﻤﺪ‬
‫ﻭﻁﻼﻝ‪ ،‬ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﺼﻠﻲ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ‪ ،‬ﺑﻞ ﻗﺪﻳﻘﻮﻡ ﺇﻟﻰ ﺻﻼﺓ ﺍﻝ ﻋﺸﺎء ﻳﺆﺩﻱ ﺻﻼﺗﻪ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻳﺤﺮﺳﻚ‬
‫ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺑﻄﻮﻟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﻭﺃﻧﺖ ﻭﺍﻗﻒ ﻋﻞ ﻗﺪﻣﻴﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺮﺍء‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﺭﻓﻌﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻴﻚ ﺛﻘﻼً ﻣﺎ ﻛﺄﺳﻠﻮﺏ‬
‫ﻟﻠﺘﻌﺬﻳﺐ ﺍﻟﺒﻄﻴﺊ ﻣﻤﺎ ﺗﻔﺘﻘﺖ ﻋﻨﻪ ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻌﺬﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﺎﺩﻳﻴﻦ ‪ ....‬ﺇﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺣﻔﻼﺕ ﺗﻌﺬﻳﺐ‬
‫ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﺸﺎﺭﻙ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺄﺗﻴﻪ ﺍﻷﻭﺍﻣﺮ‪ ،‬ﻻ ﻣﺮﺩ ﻟﻬﺎ ﻭﻻ ﻣﻌﻘﺐ؟!‪..‬‬
‫‪ ،‬ﻓﻘﺎﻝ ‪ :‬ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ‬ ‫ﺗﺤﺪﺙ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﻋﻦ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻷﺳﺘﻌﻤﺎﺭ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﻧﻘﻄﺔ ﺍﻷﻧﻄﻼﻕ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ‬
‫ﺣﺮﻛﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻻ ﺗﻐﻴﺐ ﻋﻦ ﻧﻮﺍﻅﺮﻧﺎ‪ ،‬ﻭﺇﻻ ﻏﺎﺑﺖ ﻋﻨﺎ ﺟﻮﺍﻫﺮ ﺍﻷﺷﻴﺎء‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻧﺮﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﻏﻴﺮ‬
‫ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ‪ ،‬ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻻﺗﺒﺪﺃ ﺑﺎﻷﺳﺘﻌﻤﺎﺭﺑﻞ ﺑﺎﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ ﻟﻪ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺪ ﻋﻮﻩ‪ ....‬ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺤﺪﺙ ﻫﻨﺎ ﺗﻔﺮﻗﺔ‬
‫ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﻣﻐﺰﻭ ﻣﺤﺘﻞ ‪ ،‬ﻭﺑﻠﺪ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮ‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ ،‬ﻳﻮﺟﺪ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺳﺎﺑﻖ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺏ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻮﻗﺖ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻳﺴﺘﺘﺒﻊ ﻓﺮﺩﺍً ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻺﺳﺘﻌﻤﺎﺭ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻓﺈﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ‬
‫ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻁ ﺍﻟﻔﺮﺩ‪ ،‬ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﺑﻠﻴﺔ ﻟﻺﺳﺖﻋﻤﺎﺭ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻷﺟﻨﺒﻲ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﺭﺍً‬
‫ﻗﺪﺭﺍً ﻣﺤﺘﻮﻣﺎ ً‪.‬ﻓﺮﻭﻣﺎ ﻟﻢ ﺳﺘﻌﻤﺮ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻥ ﺑﻞ ﻏﺰﺗﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺍﻧﺠﻠﺘﺮﺍ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﻌﻤﺮﺗﺄﺭﺑﻌﻤﺎءﺓ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻨﻮﺩ ﺇﺫﺍ‬
‫ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ‪ .‬ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻌﻤﺮ ﺇﻳﺮﻟﻨﺪﺍ ﺍﻟﺨﺎﺿﻌﺔ ﺩﻭﻥ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﺴﻼﻡ ‪ .‬ﻭﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺫﻟﻚ ﻧﺠﺪ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ‬
‫ﻟﻢ ﺗﻔﻘﺪ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ﻝﺣﻈﺔ‪ ،‬ﻟﻢ ﺗﻔﺪ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻹﺳﺘﻘﻼﻝ ﺃﺩﻧﻰ ﻓﺎﺋﺪﺓ‪ ،‬ﻷﻧﻬﺎ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻺﺳﺘﻌﻤﺎﺭ‪ ،‬ﺃﻋﻨﻲ ﻋﺎﺟﺰﺓ ﻋﻦ‬

‫‪59‬‬
 ‫ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺄﻱ ﺟﻬﺪ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﻻ ﻳﺪﻳﻦ ﺑﺎﺳﺘﻘﻼﻟﻪ ﺇﻻ ﻟﻤﺤﺾ ﺍﻟﺼﺪﻓﺔ ﺣﻴﺚ ﻭﺟﺪﺕ‬
‫ﻣﻼﺑﺴﺎﺕ ﺩﻭﻟﻴﺔ ﻣﻮﺍﺗﻴﺔ ﺣﻔﻈﺖ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻪ‪.‬‬
‫ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺇﺫﻥ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺪﺭﺱ ﻭﺿﻊ ﺑﻠﺪ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮ ﺃﻻ ﻧﻐﻔﻞ ﺍﻟﻦ ﻅﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﻔﻜﺮﺗﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﻼﺯﻣﺘﻴﻦ‪،‬‬
‫"ﻭﺟﻬﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪،‬‬ ‫ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺘﻤﺎﻳﺰﺗﻴﻦ ﺍﻹﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﻭﺍﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ ﻟﻺﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﺇﻫـ‬
‫ﺹ‪"۱۰٤:‬‬
‫ﺇﺫﻥ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﺗﺒﻠﻮﺭ ﻣﻌﻨﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﻳﻠﻌﺐ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﺤﺎﺳﻢ ﻓﻲ ﻭﻻﺩﺓ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ‪ ،‬ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﺼﻨﺎ ﻭﻓﻴﻪ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺘﻨﺎ‪ ،‬ﺃﻱ‬
‫ﺃﻧﻪ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺆﺛﺮ ﻓﻴﻪ ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺃﻥ ﻧﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺗﻐﻴﺮ ﻣﺠﺮﻯ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ‪.‬‬

‫ﻧﻈﺮﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‪...‬‬
‫ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺿﻊ ﻳﺪﻩ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻊ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺭﺩﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻔﺲ )ﻭﻟﻜﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻳﻈﻠﻤﻮﻥ ( )‪ ،(٥۷ :۲‬ﺇﻧﻪ‬
‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﺩﺩ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﻠﻞ ﻭﻫﻮ ﺳﺒﻖ ﻣﻠﻔﺖ ﻟﻠﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻤﺸﻜﺎﻝ ﻋﻦ ﺟﻤﻴﻊ‬
‫ﻣﻦ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺑﺎﻥ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﻫﻮ ﻅﻠﻢ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻛﻨﺖ ﺃﺳﺘﻤﻊ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺪ ﺧﻄﺒﺎء ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ‬
‫ﻭﻫﻮ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﻣﺬﺑﺤﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﻐﺪﺍﺩ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﺍﻟﺘﺘﺎﺭ‪ ،‬ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻘﻄﺖ ﺍﻟﺨﺎﻟﻔﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔﺍﻟﻌﻀﻮﺿﻮ‬
‫ﻋﺎﻡ ‪٦٥٦‬ﻫﺠﺮﻱ ‪ .‬ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻘﻮﻝ ‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻟﺘﺘﺎﺭ ﻗﺘﻠﻮﺍ ﺃﻟﻒ ﺃﻟﻒ ﻧﺴﻤﺔ ـ ﺃﻱ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻧﺴﻤﺔـ ﻭﺭﺩﺩﻫﺎ ﻣﺘﺄﺛﺮﺍً ‪،‬‬
‫ﻣﺘﺄﻟﻤﺎً‪ ،‬ﻭﻧﺤﻦ ﻧﺸﺎﺭﻛﻪ ﻭﻻ ﺷﻚ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻟﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺸﺮ‪ ،‬ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺗﻠﻒ ﺃﻳﻀﺎ ً ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ‪،‬‬
‫ﻟﻌﻠﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻘﻒ ﻗﻠﻴﻼً ﻧﺘﺴﺎءﻝ ﻭﻧﺤﻠﻞ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ؟‬
‫ﺗﺮﻯ ﻟﻮ ﺻﺪﺭﺗﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﻣﻨﻬﺬﺍﺍﻟﻘﻄﻴﻊ ﺍﻵﺩﻣﻲ‪ ،‬ﻫﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺨﺴﺎﺭﺓ ﺳﺘﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﻋﺸﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺪﺩ؟ ﺃﻭ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺍﻷﻗﻞ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺮﺍﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺬﺑﺤﺔ؟ ﻧﻌﻢ‪ ،‬ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺮﺍﺭ ﻭﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺗﻮﻗﻔﺖ !!ﻫﻜﺬﺍ ﻳﺮﻭﻱ ﻟﻨﺎ ﺑﺄﻣﺎﻧﺔ‬
‫ﺍﻟﻤﺆﺭﺥ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﺍﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻓﻲ "ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ " ﻋﻦ ﺗﻔﺎﻫﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻓﻴﺴﻮﻕ ﻟﻨﺎ ﻫﺎﺗﻴﻦ‬
‫ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺘﻴﻦ‪ ،‬ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ :‬ﺃﻥ ﺟﻨﺪﻳﺎ ً ﺗﺖﺍﺭﻳﺎ ً ﺃﺭﺍﺩ ﻗﺘﻞ ﻣﺴﻠﻤﻮﻟﻜﻦ ﺃﻋﻮﺯﻩ ﺍﻟﺴﻼﺡ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻘﺪﻩ ﺃﺛﻨﺎء ﺍﻟﻬﺠﻮﻡ ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ‬
‫ﻣﻨﻪ ﺇﻻ ﺃﻥ ﺃﺻﻄﺤﺒﻪ ﻟﻠﺬﺑﺢ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ ‪ :‬ﺍﺑﻖ ﻫﻨﺎ ﻭﻻ ﺗﺘﺤﺮﻙ‪ ،‬ﺛﻢ ﻏﺎﺏ ﻋﻨﻪ ﻟﺤﻈﺔ‪ ،‬ﻭﻋﺎﺩ ﺑﻴﺪﻩ ﺍﻟﺴﻼﺡ‬
‫ﻓﺬﺑﺤﻪ؟!‬
‫ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺨﺮﻓﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﻟﺦ ﻭﺍﻷﺭﺍﻧﺐ ﺗﺒﺪﻱ ﺗﺼﺮﻓﺎ ً ﺃﺭﺷﺪ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﻟﻺﺑﻘﺎء ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ‬
‫ﺧﻼﻝ ﻏﺮﻳﺰﺓ ﺍﻟﺒﻘﺎء‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪ :‬ﺃﻥ ﺟﻨﺪﻳﺎ ً ﺗﺘﺎﺭﻳﺎ ً ﻣﻠﺜﻤﺎ ً ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻭﺟﻬﻪ ﺩﺧﻞ ﺧﺎﻧﺎ ً ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻟﺘﺠﺄﺕ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﺒﺪﺃ‬
‫ﺑﻘﺘﻠﻬﻢ ﻛﻴﻔﻤﺎ ﺍﺗﻔﻖ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻭﺣﻴﺪ ﻭﻫﻢ ﻛﺜﺮﺓ‪ ،‬ﻭﻫﻢ ﻻ ﻳﻔﻌﻠﻮﻥ ﺷﻴﺌﺎ ً ﺳﻮﻯ ﺃﻥ ﻳﺴﻠﻤﻮﺍ ﺭﻗﺎﺑﻬﻢ ﻟﻠﺬﺑﺢ‪ ،‬ﺛﻢ ﺣﺎﻧﺖ‬
‫ﻓﻜﺮﺓ ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺃﻥ ﻗﺎﺗﻠﻬﻢ ﻟﻴﺲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻓﺘﺎﺓ ﺿﻌﻴﻔﺔ‪ ،‬ﻓﺎﺟﺘﻤﻌﻮﺍ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﻭﻗﺘﻠﻮﻫﺎ؟!! ﻫﻜﺬﺍ ﺍﻧﻌﻜﺴﺖ‬
‫ﺍﻷﺩﺍﺭ ﻓﺄﺻﺒﺢ ﺍﻟﺘﺘﺎﺭ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺴﻤﻠﻴﻦ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺧﺮﺟﻮﺍ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﻭﺗﺤﻮﻟﺖ ﻧﻔﻮﺱ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺧﻨﻮﻉ ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﻭﺍﻷﻣﺒﺮﺍﻁﻮﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﻬﺎﺭﺓ‪.‬‬
‫ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺬﺑﺤﺔ ﺑﻐﺪﺍﺩ ﻗﺼﺎﺻﺎ ً ﻋﺎﺩﻻً‪ ،‬ﻭﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺻﺎﺭﻣﺔ‪ ،‬ﻻﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻣﺨﻠﻔﺎﺕ‪ ،‬ﻭ ﺳﻘﻂ ﺣﻀﺎﺭﺓ‬
‫ﺟﺮﻓﺖ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻣﺴﺘﺤﻘﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ‪ ،‬ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻬﻢ ﻧﺒﺾ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺣﻴﻮﻳﺘﻬﺎ ﻟﺪﺍﻓﻌﻮﺍ ﻭﺩﻓﻌﻮﺍ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮﺍ‬
‫ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﻤﺎﺗﻮﺍ !! ﺟﺮﺕ ﻓﻴﻬﻢ ﺳﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ‪ ،‬ﻷﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻌﻮﺩﺍ ﻳﺆﺩﻭﻥ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ‬
‫ﻓﺄﺻﺒﺤﻮﺍ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻘﻮﻧﻬﺎ‪ ،‬ﺃﻧﻔﺼﻤﻮﺍ ﻋﻦ ﻣﺒﺪﺋﻬﻢ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﻮﺩﻭﺍ ﻳﺼﻠﺤﻮﻥ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺟﺮﺕ ﺳﻨﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‬
‫)ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻧﺪﺍﻭﻟﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ( )‪) ...(۱٤۰ :۳‬ﻣﻦ ﻳﻌﻤﻞ ﺳﻮء ﻳﺠﺰﺍ ﺑﻪ ( )‪) (۱۲۳ :٤‬ﻭﺃﻥ ﻟﻴﺲ‬
‫ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺇﻻ ﻣﺎ ﺳﻌﻰ( )‪) ...(۳۹ :٥۳‬ﻭﻟﻜﻞ ﺃﻣﺔ ﺃﺟﻞ( )‪..(٤۹ :۱۰‬‬
‫ﻭﻧﺨﺘﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺑﺤﺪﻳﺚ ﻗﺪﺳﻲ ﺟﻤﻴﻞ‪ ،‬ﻳﻠﺨﺺ ﻧﻔﺲ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻦ ﻅﻠﻢ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﺠﺐ‬
‫ﺃﻥ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﺑﺎﻟﻠﻮﻡ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ‪.‬‬

‫‪60‬‬
 ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻗﺪﺳﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻈﻠﻢ‪..‬‬
‫‪.‬ﺟﺎء ﻓﻲ "ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺴﻠﻢ " ﺃﺑﻲ ﺫﺭ ـ ﺭﺿﻲ ﷲ ﻋﻨﻪ ـ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺒﻲ ـ ﺻﻠٮﺎہﻠﻟ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ ﻓﻴﻤﺎ ﺭﻭﻯ ﻋﻦ ﷲ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ‪" :‬ﻳﺎ ﻋﺒﺎﺩﻱ ‪ :‬ﺇﻧﻲ ﺣﺮﻣﺖ‬
‫ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ‪ ،‬ﻭﺟﻌﻠﺘﻪ ﺑﻴﻨﻜﻢ ﻣﺤﺮﻣﺎ ً ﻓﻼﺗﻈﺎﻟﻤﻮﺍ ‪ ...‬ﻳﺎ ﻋﺒﺎﺩﻱ ﻛﻠﻜﻢ ﺿﺎﻝ ﺇﻻ‬
‫ﻣﻦ ﻫﺪﻳﺖﻩ‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘﻬﺪﻭﻧﻲ ﺃﻫﺪﻛﻢ ‪...‬‬
‫ﻳﺎ ﻋﺒﺎﺩﻱ ﻛﻠﻜﻢ ﺟﺎﺋﻊ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺃﻁﻌﻤﺘﻪ‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘﻄﻌﻤﻮﻧﻲ ﺃﻁﻌﻤﻜﻢ ‪....‬‬
‫ﻳﺎ ﻋﺒﺎﺩﻱ‪ :‬ﻛﻠﻚ ﻋﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﻛﺴﻮﺗﻪ‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘﻜﺴﻮﻧﻲ ﺃﻛﺴﻜﻢ‪....‬‬
‫ﻳﺎ ﻋﺒﺎﺩﻱ‪ :‬ﺇﻧﻜﻢ ﺗﺨﻄﺆﻭﻥ ﺑﺎﻟﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﺭ‪ .‬ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻏﻔﺮ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﺟﻤﻴﻌﺎً‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘﻐﻔﺮﻭﻧﻲ‬
‫ﺃﻏﻔﺮ ﻟﻜﻢ‪...‬‬
‫ﻳﺎ ﻋﺒﺎﺩﻱ‪ :‬ﺇﻧﻜﻢ ﻟﻦ ﺗﺒﻠﻐﻮﺍ ﺿﺮﻱ ﻓﺘﻀﺮﻭﻧﻲ ‪ ،‬ﻭﻟﻦ ﺑﺘﻠﻐﻮﺍ ﻧﻔﻌﻲ ﻓﺘﻨﻔﻌﻮﻧﻲ‪..‬‬
‫ﻳﺎ ﻋﺒﺎﺩﻱ ﻟﻮ ﺃﻥ ﺃﻭﻟﻜﻢ ﻭﺃﺧﺮﻛﻢ ﻭﺇﻧﺴﻜﻢ ﻭﺟﻨﻜﻢ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﺗﻘﻰ ﻗﻠﺐ ﺭﺟﻞ ﻭﺍﺣﺪ‬
‫ﻣﻨﻜﻢ ﻣﺎ ﺯﺍﺩ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻲ ﺷﻴﺌﺎ ً‪...‬‬
‫ﻳﺎ ﻋﺒﺎﺩﻱ ﻟﻮ ﺃﻥ ﺃﻭﻟﻜﻢ ﻭﺁﺧﺮﻛﻢ ﻭﺇﻧﺴﻜﻢ ﻭﺟﻨﻜﻢ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﻓﺠﺮ ﻗﻠﺐ ﺭﺟﻞ ﻭﺍﺣﺪ‬
‫ﻣﻨﻜﻢ ﻣﺎ ﻧﻘﺺ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻲ ﺷﻴﺌﺎ ً ‪..‬‬
‫ﻳﺎ ﻋﺒﺎﺩﻱ ﻟﻮ ﺃﻥ ﺃﻭﻟﻜﻢ ﻭﺁﺧﺮ ﻛﻢ ﻭﺇﻧﺴﻜﻢ ﻭﺟﻨﻜﻢ ﻗﺎﻣﻮﺍ ﻓﻲ ﺻﻌﻴﺪ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﺴﺄﻟﻮﻧﻲ‬
‫ﻓﺎﻋﻄﻴﺖ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻣﺴﺄﻟﺘﻪ ﻣﺎ ﻧﻘﺺ ﺫﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻋﻨﺪﻱ ﺇﻻ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﻘﺾ ﺍﻟﻤﺨﻴﻂ ﺇﺫﺍ‬
‫ﺃﺩﺧﻞ ﺍﻟﺒﺤﺮ‪..‬‬
‫ﻳﺎ ﻋﺒﺎﺩﻱ‪ :‬ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺃﻋﻤﺎﻟﻜﻢ ﺃﺣﺼﻴﻬﺎ ﻟﻜﻢ‪ ،‬ﺛﻢ ﺃﻭﻓﻴﻜﻢ ﺇﻳﺎﻫﺎ ﻓﻤﻦ ﻭﺟﺪ ﺧﻴﺮﺍً ﻓﻠﻴﺤﻤﺪ‬
‫ﷲ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﻭﺟﺪ ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻓﻼ ﻳﻠﻮﻣﻦ ﺇﻻ ﻧﻔﺴﻪ"‪...‬‬
‫ﻗﺎﻝ ﺱﻋﻴﺪ‪ :‬ﻛﺎﻥ ﺃﺑﻮ ﺇﺩﺭﻳﺲ ﺍﻟﺨﻼﻧﻲ ﺇﺫﺍ ﺣﺪﺙ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺟﺜﺎ ﻋﻠﻰ ﺭﻛﺒﺘﻴﻪ‪...‬‬
‫)ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺴﻠﻢ ـ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻈﻠﻢ(‬

‫‪61‬‬
 ‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ‬
‫ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ‬
‫ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ؟‬
‫ﻷﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺗﺪﺭﻳﺐ ﻋﻠﻰ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﻭﻗﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ‬
‫ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ‪...‬ﺃﻱ ‪ :‬ﻫﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻝ ﻋﻘﻠﻴﺔ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺔ‪..‬‬
‫ﻓﻬﻲ ﺃﺩﺍﺓ ﺿﺮﻭﺭﻳﺔ ﻟﻠﺠﺎﻧﺐ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﻭﺍﻟﻌﻘﻠﻲ‪..‬‬
‫ـ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﻨﻘﻠﻴﺔ‪...‬‬
‫ـ ﺭﺣﻠﺔ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ـ ﻗﺼﺔ ﻣﻦ ﺳﻮﺭﺓ ﻳﺲ‪.‬‬
‫ـ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﻋﻨﺪ ﺭﻳﻨﻴﻪ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ـ ﺳﺒﻴﻨﻮﺯﺍ ﻭﺗﺤﺴﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ‪.‬‬
‫ـ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻭﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﻨﻘﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﻧﻘﺪﻫﺎ‪.‬‬
‫ـ ﺍﻟﻨﺺ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ـ ﻭﺣﺪﻩ ﺍﻟﻨﺺ ﻭﺍﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ‪.‬‬
‫ـ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺩﺭء ﺗﻌﺎﺭﺽ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻨﻘﻞ‪.‬‬

‫‪62‬‬
 ‫ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ؟‬
‫ﻓﻴﻤﺎ ﻣﺮ ﻣﻦ ﺃﺑﺤﺎﺙ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻓﻜﺮﺓ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﻭﻻﺩﺓ ﺍﻟﺤﺪﺙ‪ ،‬ﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪ ،‬ﻭﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﻨﺘﻴﺠﺘﻪ‪،‬‬
‫ﻭﻋﻼﻕ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ‪.‬‬
‫ﺓ‬ ‫ﻭﺍﻟﺠﺪﻟﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍ ﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺟﻮ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ‪،‬‬
‫ﺃﻭ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﻭﺿﺢ‪ ،‬ﻗﻠﻨﺎ ‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪ ،‬ﺷﺎﺭﻙ ﻓﻲ ﻭﻻﺩﺓ ﺍﻟﺤﺪﺙ‪ ،‬ﻭﺗﻤﺎﻣﻪ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫ﻓﻲ ﺣﻔﻈﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻓﻲ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﻮﻅﻴﻔﺘﻪ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺒﻘﻰ ﻋﻘﻴﻤﺎً‪ ،‬ﺛﻢ ﻫﻮ ﻓﺼﻼً ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺟﻮ ﺍﻟﻨﻤﻮ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻣﺎ ﻣﺮ ﻛﺎﻥ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺥ ﺗﺎﻡ ﺑﺤﺚ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ ﻋﻦ ﻣﺒﺮﺭ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‬
‫ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺃﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﻠﻌﺐ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﺤﺎﺳﻢ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺿﻌﻒ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻑ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺿﻌﻒ ﻓﻲ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺗﺸﻤﻞ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻏﻴﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺑﺎﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺇﻟﻰ ﻧﻈﺎﻡ ﻭﻣﻨﻬﺞ ﻳﺴﻴﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺣﺸﻮﻩ ﺑﺎﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪.‬‬
‫ﺃﻱ ﻫﻲ ﺑﻨﺎء ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ "ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ" ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ "ﺍﻟﻨﻘﻠﻴﺔ" ﻭﻓﻲ ﺟﻮ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻄﺎﻏﻴﺔ‬
‫ﻫﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﻝ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻗﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺗﻮﺟﻴﻬﻪ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﺗﺸﻤﻞ ﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﻗﻄﺎﻋﺎ ﺗﻬﺎ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﺟﻮ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔ ﻭﺍﻟﻨﻘﺪ‬
‫ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪.‬‬
‫ﻣﻦ ﻫﻨﺎ‪ ،‬ﻛﺎﻥ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﺮﺽ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻟﻔﻜﺮﺓ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺑﺬﻟﻚ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻷﺷﻴﺎء ﺑﺸﻜﻞ ﺻﺤﻴﺢ‪ ،‬ﺛﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺛﻢ ﻓﻲ ﺟﻮﺍﻟﻨﻤﻮ‬
‫ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﺒﺮ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻌﻘﻞ‪.‬‬

‫ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ "ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ" ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ "ﺍﻟﻨﻘﻠﻴﺔ"‪:‬‬

‫ﻭﺇﻥ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻫﻲ ﺃﻓﻀﻞ ﺷﺮﺡ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺍﻹﻣﺎﻡ‬
‫ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﺍﻟﻤﺘﻮﻓﻰ ﻋﺎﻡ ‪٥۰٥‬ﻫـ ﻣﺜﺎﻻً ﻣﺪﻫﺸﺎ ً ﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺤﻠﻰ ﺑﻬﺎ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺃﻭﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺸﻚ ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻭﺻﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻴﻴﻦ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ‪ ،‬ﻭﻟﻌﻞ ﺗﺠﺮﺑﺔ‬
‫ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ ﻣﺆﺳﺴﻲ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ )ﺍﻟﺒﻨﺎﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﻮﻥ (‪ .‬ﻭﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﻳﻈﻬﺮ ﺗﺄﺛﺮﻩ ﻭﺍﺿﺤﺎ ً ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﺣﻴﺚ ﻭﺿﻊ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﻟﻠﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ‬
‫"ﺍﻟﻤﻘﺎﻟﻌﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ " ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ـ ﺃﻱ ﺍﻝ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔـ ﺗﻤﻴﺰ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻪ ﺃﻳﻀﺎ ً ﺑﻌﺪﻡ‬
‫ﺍﻹﻋﺘﻤﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻟﻨﻘﻞ ﻓﻲ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﺑﻞ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺫﻫﺒﻴﺔ‪ .‬ﻭﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺣﻴﺜﻤﺎﻧﺤﺎﻭﻝ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ‪،‬ﻳﺨﺮﺝ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻫﻮ ﻳﺤﻤﻞ ﻧﺼﺎ ً ﻣﻦ‬
‫ﻗﺮﺁﻥ ﺃﻭ ﺣﺪﻳﺚ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻟﺠﻢ ﺃ ﻱ ﺣﺮﻛﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﻭﻫﻮ ﺑﻬﺬﺍ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﻳﻮﺍﺟﻪ ﺑﻪ ﻫﻮ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺗﺤﺖ ﺷﻌﺎﺭ ﺍﻟﻨﺺ‪ ،‬ﻟﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺺ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ‬
‫ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺍﺳﺘﺤﻀﺎﺭ ﻧﺺ ﻳﻮﺍﺟﻪ ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺎء ﺑﻪ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻫﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ ﺗﻨﺎﻗﺾ‬
‫ﺍﻟﻨﺼﻮﺻﻮ ﻭﺗﻌﺎﺭﺿﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺼﺮﺍﺣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺺ ‪) :‬ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ‬
‫ﻏﻴﺮ ﷲ ﻟﻮﺟﻮﺍ ﻓﻴﻪ ﺍﺧﺘﻼﻓﺎ ً ﻛﺒﻴﺮﺍ( )‪ ،(٤:۸۲‬ﻟﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻨﺺ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﺼﺪﺩ ﺃﻳﻀﺎ ً‪..‬‬
‫ﻟﻨﺒﺪﺃ ﺑﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﻭﺗﺠﺮﺑﺘﻪ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﺍﻟﺒﺤﺚ‪:‬‬

‫‪63‬‬
 ‫ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎﺷﻬﺎ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍ ﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺟﺎﻧﺐ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻤﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻵﻥ‪،‬‬
‫ﻭﻫﻲ ﺗﺪﻓﻖ ﻓﻜﺮ ﺟﺪﻳﺪ ﺗﺮﻙ ﺍﻫﺘﺰﺍﺯﺍً ﺧﻠﻔﻪ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ‪ ،‬ﻳﺄﺧﺬ ﺍﻣﺘﺎﺩﺍً‬
‫ﺳﻠﺒﻴﺎ ً ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻭﻗﻒ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﺰﺑﺎﻥ‪ ،‬ﺍﻷﻭﻝ ‪ :‬ﻳﺮﺩﺩﻩ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻧﻪ ﻣﺘﺨﻠﻔﺎ ً ‪ ،‬ﻳﺮﻯ‬
‫ﻓﻴﻪ ﺳﺒﻴﻼً ﻟﻨﻘﺾ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺪﻳﻦﻱ ﻭﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻋﻦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﻔﻨﻴﺔ ﻭﺑﺤﺠﺔ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ‪ ،‬ﻭﺍﻵﺧﺮ ‪ :‬ﻳﺮﻯ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻜﻔﺮ‬
‫ﻭﺳﻼﺣﻪ ﻓﺮﻓﻀﻪ ﺟﻤﻠﺔ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﻐﺎﻟﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺭﺳﻰ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻁﺊ ﺍﻷﻣﺎﻥ‬
‫ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺰﻭﺍﺑﻊ‪..‬‬
‫ﻟﻘﺪ ﺃﺳﺘﺠﺎﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺁﻧﺬﺍﻙ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻹﻫﺘﺰﺍﺯ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ‪ ،‬ﺇﺣﺪﺍﻫﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ‬
‫ﺍﻟﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺎﻡ ﺑﻬﺎ ﺍﻹﻣﺎﻡ‪.‬‬

‫ﺭﺣﻠﺔ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ‪:‬‬

‫ﺇﻥ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﻟﻢ ﻳﻘﺒﻞ ﻛﻠﻴﺔ ﻭﻟﻢ ﻳﺮﻓﺾ ﻛﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻟﻘﺪ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﻫﺎﺩﺉ ﻭﻋﻤﻴﻖ‪ ،‬ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺗﻌﺒﻴﺮﻩ‬
‫ﺭﺍﺋﻌﺎ ً ﻭﻣﺒﺪﻋﺎ ً ﻭﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺎ ً‪.‬‬
‫ﻣﻬﺎ‪ ،‬ﺳﺒﺮ‬ ‫ﺇﻧﻬﺎ ﺣﻠﻘﺎﺕ ﻣﺘﺮﺍﺑﻄﺔ ﺑﺈﻧﺠﺎﺯ ﻋﻘﻠﻲ ﻋﻈﻴﻢ ﻣﺘﺴﻠﺴﻞ‪ ،‬ﻓﻬﻢ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺨﺼﻢ‪ ،‬ﻫﻀﻤﻬﺎ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻤﻜﻦ‬
‫ﻏﻮﺭﻫﺎ‪ ،‬ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻋﻤﻘﻬﺎ ﻭﺿﺤﺎﻟﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻏﺜﻬﺎ ﻭﺳﻤﻴﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻣﺎ ﻟﻬﺎ ﻭﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﺳﻠﺒﻴﺎﺗﻬﺎ ﻭﺇﻳﺠﺎﺑﻴﺎﺗﻬﺎ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ‬
‫ﻧﻀﺤﺖ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﻭﺍﺳﺘﻮﺕ ﻋﻠﻰ ﺳﻮﻗﻬﺎ ﻗﺎﻡ ﻟﻴﺨﻂ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻷﻭﻝ "ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ" ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ‬
‫ﻣﺮﺟﻌﺎ ً ﻓﻠﺴﻔﻴﺎ ً ﻟﻢ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﻑ ﻣﺎﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻳﺪﻭﺭ ﻣﻦ ﻓﻜﺮ ﻓﻠﺴﻔﻲ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺼﺮ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻨﺘﺼﻮﺭ ﺃﻥ ﻛﺎﺗﺒﺎ ً ﺇﺳﻼﻣﻴﺎ ً ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﺱ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ ﻣﺜﻼً ﻓﻜﺘﺐ ﻛﺘﺎﺑﺎ ً ﻳﺸﺮﺥ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ‬
‫ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮﺍﻥ "ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ"؟‪.‬‬
‫ﻟﻘﺪ ﺃﺩﻯ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ ،‬ﺍﻻ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ‪ ،‬ﻓﺸﻬﺪ ﻭﺣﻀﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﻭﺣﻮﻯ ﺩﻣﺎﻏﻪ ﻣﺎ ﺗﻬﺐ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺗﻴﺎﺭﺍﺕ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻨﺴﻤﻊ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﻭﻫﻮ ﻳﺮﻭﻱ ﻟﻨﺎ ﻁﺮﻓﺎ ً ﻣﻦ ﺗﺠﺮﺗﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ‪:‬‬
‫"ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﻌﻄﺶ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﻙ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺩﺃﺑﻲ ﺩﻳﺪﻧﻲ ﻣﻦ ﺃﻭﻝ ﻋﻤﺮﻱ‪ ،‬ﻏﺮﻳﺰﺓ ﻭﻓﻄﺮﺓ ﻣﻦ ﷲ ﻭﺿﻌﺘﺎ‬
‫ﻓﻲ ﺟﺒﻠﺘﻲ‪ ،‬ﻻ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎﺭﻱ ﻭﺣﻴﻠﺘﻲ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﺍﻧﺤﻠﺖ ﻋﻨﻲ ﺭﺍﺑﻄﺔ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﻭﺍﻧﻜﺴﺮﺕ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺛﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻗﺮﺏ ﻋﻬﺪ ﻣﻦ ﺍ ﻟﺼﺒﺎ‪ ،‬ﺇﺫ ﺭﺃﻳﺖ ﺻﺒﻴﺎ ﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻬﻢ ﻧﺸﻮء ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻨﺼﺮ‪ ،‬ﻭﺻﺒﻴﺎﻥ‬
‫ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻻ ﻧﺸﻮء ﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻬﻮﺩ‪ ،‬ﻭﺻﺒﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻨﻲ ﻻ ﻧﺸﻮء ﻟﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ‪ ،‬ﻭﺳﻤﻌﺖ‬
‫ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻤﺮﻭﻱ ﻋﻦ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻝ‪ " :‬ﻛﻞ ﻣﻮﻟﻮﺩ ﻳﻮﻟﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ‪ ،‬ﻓﺄﺑﻮﺍﻩ‬
‫ﻳﻬﻮﺩﺍﻧﻪ ﺃﻭ ﻳﻢ ﺟﺴﺎﻧﻪ ﺃﻭ ﻳﻨﺼﺮﺍﻧﻪ ﻓﺘﺤﺮﻙ ﺑﺎﻁﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ ﺍﻷﺻﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺃﻭﺍﺋﻠﻬﺎ ﺗﻠﻘﻴﻨﺎﺕ‪ ،‬ﻭﻓﻲ‬
‫ﺗﻤﻴﻴﺰ ﺍﻟﺤﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﺎﻁﻞ ﺍﺧﺘﻼﻓﺎﺕ ﻓﻘﻠﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺃﻭﻻً ‪ :‬ﺇﻧﻤﺎ ﻣﻄﻠﻮﺑﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻷﻣﻮ‪ ،‬ﻓﻼ ﺏ \‬
‫ﻣﻦ ﻁﻠﺐ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻫﻲ؟ ﻓﻈﻬﺮ ﻟﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻴﻘﻴﻨﻲ ﻫﻮ ‪ :‬ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻜﺸﻒ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﻠﻌﻮﻡ ﺇﻧﻜﺸﺎﻓﺎ ً ﻻ ﻳﺒﻘﻰ‬
‫ﻣﻌﻪ ﺭﻳﺐ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﻘﺎﺭﻧﻪ ﺇﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻐﻠﻂ ﺍﻟﻮﻫﻢ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﺘﺴﻊ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ﺫﻟﻚ‪ ،‬ﺑﻞ ﺍﻷﻣﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ‬
‫ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻘﺎﺭﻧﺎ ً ﻟﻠﻴﻘﻴﻦ ﻣﻘﺎﺭﻧﺔ‪ ،‬ﻟﻮ ﺗﺤﺪﻯ ﺑﺈﻅﻬﺎﺭ ﺑﻄﻼﻧﻪ‪،‬ﻣﺜﻼً ﻣﻦ ﻳﻘﻠﺐ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﺫﻫﺒﺎً‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﺼﺎ ﺛﻌﺒﺎﻧﺎً‪ ،‬ﻟﻢ‬
‫ﻳﻮﺭﺙ ﺫﻟﻚ ﺷﻜﺎ ً ﻭﺇﻧﻜﺎﺭﺍً‪ ،‬ﻓﻐﻨﻲ ﺇﺫﺍ ﻋﻠﻤﺖ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﺓ ﺃﻛﺚ ﺭﻣﻦ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻮ ﻗﺎﻝ ﻟﻲ ﻗﺎﺋﻞ‪ :‬ﻻ ﺑﻞ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ‬
‫ﺃﻛﺜﺮ‪ ،‬ﺑﺪﻟﻴﻞ ﺃﻧﻲ ﺃﻗﻠﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺼﺎ ﺛﻌﺒﺎﻧﺎًﻥ ﻭﻗﻠﺒﻬﺎ ﻭﺷﺎﻫﺪﺕ ﺫﻟﻚ ﻣﻨﻪ‪ ،‬ﻟﻢ ﺃﺷﻜﻞ ﺑﺴﺒﺒﻪ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺘﻲ ﻭﻟﻢ‬
‫ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻲ ﻣﻨﻪ ﺍﻻ ﺍﻟﺘﻌﺠﺐ ﻣﻦ ﻛﻴﻔﻴﺘﺔ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻓﺄﻣﺎ ﺍﻟﺸﻚ ﻓﻴﻤﺎ ﻋﻠﻤﺘﻪ ﻓﻼ‪..‬‬
‫ﺛﻢ ﻋﻠﻤﺖ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻻ ﺃﻋﻠﻤﻪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ‪ ،‬ﻭﻻ ﺃﺗﻴﻘﻨﻪ ﻩ ﺫﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﻓﻬﻮ ﻋﻠﻢ ﻻ ﺛﻘﺔ ﺑﻪ‪ ،‬ﻭﻻ‬
‫ﺃﻣﺎﻥ ﻣﻌﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻴﺲ ﺑﻌﻠﻢ ﻳﻘﻴﻨﻲ" ﺃﻫـ‬
‫ﻭﻳﺬﻛﺮ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻛﻴﻒ ﻓﺘﺶ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻓﻮﺟﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﺎﻁﻠﺔ ﻋﻦ ﻋﻠﻢ ﻳﻘﻴﻨﻲ ﻣﻮﺻﻮﻑ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺼﻔﺔ‬
‫ﺇﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺴﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﺛﻢ ﺗﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺴﻮﺳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﻓﺘﺸﻜﻚ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎ ً ﺣﺘﻰ ﺑﻄﻠﺖ‬
‫ﺍﻟﺜﻘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺢﺳﻮﺳﻴﺎﺕ‪.‬‬

‫‪64‬‬
 ‫ﻳﻘﻮﻝ‪" :‬ﻓﺄﻋﻀﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﺍء‪ ،‬ﻭﺩﺍﻡ ﻗﺮﻳﺒﺎ ً ﻣﻦ ﺷﻬﺮﻳﻦ‪ ،‬ﺃﻧﺎ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺬﻫﺐ ﺍﻟﺴﻔﺴﻄﺔ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﺤﺎ‪ ،‬ﻻ ﺑﺤﻜﻢ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﻝ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﺷﻔﻰ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺮﺽ ‪ ،‬ﻭﻋﺎﺩﺕ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺇﻟﻰ ﺍﺻﺤﺔ ﻭﺍﻹﻋﺘﺪﺍﻝ‪،‬‬
‫ﻭﺭﺟﻌﺖ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﻣﻮﺛﻮﻗﺎ ً ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻦ ﻭﻳﻘﻴﻦ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻨﻈﻢ ﻭﺩ ﻟﻴﻞ ﻭﺗﺮﺗﻴﺐ ﻛﻼﻡ‪،‬‬
‫ﺑﻞ ﺑﻨﻮﺭ ﻗﺬﻓﻪ ﷲ ﺗﻌﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺪﺭ"‪.‬‬
‫ﻭﺑﻌﺪ ﺍﻟﺸﻔﺎء ﻣﻦ ﻣﺮﺽ ﺍﻟﺴﻔﺴﻄﺔ ﻭﺍﻟﺸﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺴﻮﺳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻐﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﺃﺻﻨﺎﻑ‬
‫ﺍﻟﻄﺎﻟﻴﺒﻦ ﺣﻮﻟﻪ‪ ،‬ﻓﻮﺟﻬﺎ ﺗﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﺃﺑﻊ ﻓﺮﻕ ﻫﻢ‪ :‬ﺍﻟﻤﺘﻜﻠﻤﻴﻦ‪ ،‬ﺍﻟﺒﺎﻁﻨﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺑﺪﺃ ﻳﺴﺒﺮ‬
‫ﻏﻮﺭﻫﺎ‪ ،‬ﻭﻳﻨﺸﺪ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺸﻔﺎء ﻣﻦ ﻣﺮﺿﻪ ﻋﻦ ﺩﻫﺎ‪ ،‬ﻭﺍﺑﺘﺪﺃ ﺑﻌﻠﻢ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﺤﺼﻠﻪ ﻭﻋﻘﻠﻪ‪ ،‬ﻭﻁﺎﻟﻊ ﻛﺘﺐ‬
‫ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﻣﻨﻬﻢ‪ ،‬ﻭﺃﺣﻜﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺣﺘﻰ ﺻﻨﻒ ﻓﻴﻪ‪..‬‬
‫ﻗﺎﻝ‪" :‬ﻓﺼﺎﺩﻓﺘﻪ ﻋﻠﻤﺎ ً ﻭﺍﻓﻴﺎ ً ﺑﻤﻘﺼﻮﺩﻩ ﻏﻴﺮ ﻭﺍﻑ ﺑﻤﻘﺼﻮﺩﻱ‪ ،‬ﺇﻧﻤﺎ ﻣﻘﺼﻮﺩﺓ ﺣﻔﻆ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣﻘﺪﻣﺎﺕ ﺗﺴﻠﻤﻮﻫﺎ ﻣﻦ‬ ‫ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ‪ ،‬ﻭﺣﺮﺍﺳﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺸﻮﻳﺶ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﺪﻋﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻋﺘﻤﺎﺩ ﺍﻟﻤﺘﻠﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺧﺼﻮﻣﻬﻢ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﺧﻮﺿﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﺨﺮﺍﺝ ﻣﻨﺎﻗﻀﺎﺕ ﺍﻟﺨﺼﻮﻡ‪ ،‬ﻭﻣﺆﺍﺧﺬﺗﻬﻢ ﺑﻠﻮﺍﺯﻡ ﻣﺴﻠﻤﺎﺗﻬﻢ ﻭﻫﺬﺍ‬
‫ﻗﻠﻴﻞ ﺍﻟﻨﻔﻊ ﻓﻲ ﺣﻖ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺴﻠﻢ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﺷﻴﺌﺎ ً ﺃﺻﻼً‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻲ ﺣﻘﻲ ﻛﺎﻓﻴﺎً‪ ،‬ﻭﻻ ﻟﺪﺍﺋﻲ‬
‫ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻨﺖ ﺃﺷﻜﻮﻩ ﺷﺎﻓﻴﺎ ً"‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﺃﻗﺒﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺴﻠﻔﺔ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺰﻋﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﻤﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺴﺎﻋﺎﺩﺓ‬
‫ﻭﺍﻟﻴﻘﻴﻦ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻤﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﻭﺍﻷﺳﺘﺪﻻﻝ‪ ،‬ﻭﺭﺃ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﺑﻌﺪ ﻫﻤﺘﻪ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﻓﻄﺮ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺪ ﻭﺍﻟﺼﺮﺍﺣﺔ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﻮﻍ ﻟﻪ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻭﺑﺖ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﻓﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﺘﻨﻬﻬﺎ ‪ ،‬ﻭﻳﺤﻴﻂ ﺑﻤﻘﺎﺻﺪﻫﺎ‬
‫ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﻻ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﺎﻝ ﻋﻨﻬﺎ‬ ‫ﻭﻛﻠﻴﺎﺗﻬﺎ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺎﻭﻱ ﺃﻋﻠﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺧﺼﻮﻣﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﻬﺎﺟﻤﻮﻥ ﻟﻬﺎ ﺑﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺩﻭ ﻧﻪ ﺍﻟﺜﻘﺎﺕ ﻣﻨﻬﻢ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺪﺍﻓﻌﻮﻥ ﻋﻨﻬﺎ ‪ .‬ﻗﺄﻗﺒﻞ ﻳﺪﺭﺱ ﺍﻟﻔﺴﻠﻔﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺟﺪ ﻭﺇﺧﻼﺹ ﻭﻧﻬﻢ ﻭﺷﻐﻒ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﻗﺼﻰ ﻣﺎ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﻋﺎﻟﻢ ﻳﺘﻮﻓﺮ ﻋﻠﻰ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ‬
‫ﻭﻳﺘﻌﻤﻖ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﺃﻭ ﻋﺎﻟﻢ ﺩﻳﻨﻲ ﻓﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻉﺻﺮﻩ‪ .‬ﻭﻧﺴﻤﻌﻪ ﺍﻷﻥ ﻭﻫﻮ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺩﺭﺍﺳﺘﻪ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ‪:‬‬
‫"ﺛﻢ ﺃﻧﻲ ﺍﺑﺘﺪﺃﺕ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻔﺮﺍﻍ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻜﻼﻡ‪ ،‬ﺑﻌﻠﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﻋﻠﻤﺖ ﻳﻘﻴﻨﺎ ً ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻓﺴﺎﺩ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻣﻦ ﻻﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺎﻭﻱ ﺃﻋﻠﻤﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﺻﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ﻭﻳﺠﺎﻭﺯ ﺩﺭﺟﺘﻪ‪ ،‬ﻓﻴﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﻏﻮﺭ ﻭﻋﺎﺋﻠﺔ ﻭﺇﺫﺍ ﺫﺍﻙ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ‬
‫ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻴﻪ ﻣﻦ ﻓﺴﺎﺩﻩ ﺣﻘﺎً‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﺃﺭﺍ ﺃﺣﺪﺍً ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء ﺍﻷﺳﻼﻡ ﺻﺮﻑ ﻋﻨﺎﻳﺘﻪ ﻭﻫﻤﺘﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﻤﺘﻠﻜﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻬﻢ ـ ﺣﻴﺚ ﺍﺷﺘﻐﻠﻮﺍ ﺑﺎﻟﺮﺩ ﻋﻠﻴﻬﻢ ـ ﺇﻻ ﻛﻠﻤﺎﺕ ﻣﻌﻘﺪﺓ ﻣﺒﺪﺩﺓ ﻅﺎﻫﺮﺓ‬
‫ﺍﻟﺘﻨﺎﻗﺾ ﻭﺍﻟﻔﺴﺎﺩ‪ ،‬ﻻ ﻳﻈﻦ ﺍﻹ ﻏﺘﺮﺍﺭ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺎﻗﻞ ﻋﺎﻣﻲ‪ ،‬ﻓﻀﻼً ﻋﻤﻦ ﻳﺪﻋﻲ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ‪ ،‬ﻓﻌﻠﻤﺖ ﺃﻥ ﺭﺩ‬
‫ﺍﻟﻤﺬﻫﺐ ﻗﺒﻞ ﻣﻨﻬﺠﻪ ﻭﺍﻹﻁﻼﻉ ﻋﻠﻰ ﻛﻨﻬﺔ ﺭﺩ ﻓﻲ ﻋﻤﺎﻳﺔ‪ ،‬ﻓﺸﻤﺮﺕ ﻋﻦ ﺳﺎﻕ ﺍﻟﺠﺪ ﻓﻲ ﺗﺤﺼﻴﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻠﻢ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻝ‪:‬ﺗﺐ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﻌﺔ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺄﺳﺘﺎﺫ ﻭﺃﻗﺒﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﻓﺮﺍﻏﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻒ‬
‫ﻭﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻝﺷﺮﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺃﻧﺎ ﻣﻤﻨﻮ ﺑﺎﻟﺘﺪﺭﻳﺲ ﻭﺍﻹﻓﺎﺩﺓ ﻟﺜﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﻧﻔﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻠﺒﺔ ﺑﺒﻐﺪﺍﺩ‪ ،‬ﻓﺄﻁﻠﻌﻨﻲ‬
‫ﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﺔ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﻌﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻭﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﺴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﻋﻠﻮﻣﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﻗﻞ ﻣﻦ ﺳﻨﺘﻴﻦ‪،‬‬
‫ﺛﻢ ﻟﻢ ﺃﺯﻝ ﺃﻭﺍﻅﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺪ ﻓﻬﻤﻪ ﻗﺮﻳﺒﺎ ً ﻣﻦ ﺳﻨﺔ‪ ،‬ﺃﻋﺎﺩﻭﻩ ﻭﺃﺭﺩﺩﻩ ﻭﺃﺗﻔﻘﺪ ﻏﻮﺍﺋﻠﻬﻮ ﺃﻏﻮﺍﺭﻩ"‪.‬‬
‫ﻭﻟﻢ ﻳﺘﻬﻮﺭ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﺠﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻴﻪ ﻣﻘﻠﺪﺍً ﻟﻐﻴﺮﻩ ﻭﻻ ﺿﻴﻖ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ‪ ،‬ﺇﻧﻪ ﺩﺭﺱ‬
‫ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺃﻭﻻً ﻛﻤﺎ ﺣﻜﻰ ﻫﻮ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ "ﺍﻟﻤﻨﻘﺬ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﻼﻝ"‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺄﻧﻪ "ﻻ ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻓﺴﺎﺩ ﻧﻮﻉ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻣﻦ ﻻ ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺎﻭﻱ ﺃﻋﻠﻤﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﺻﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻝﻋﻠﻢ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ﻭﻳﺠﺎﻭﺯ ﺩﺭﺟﺘﻪ‪ ،‬ﻓﺠﺪ ﻭﺃﺟﺘﻬﺪ ﻓﻲ ﺩﺭﺍﺳﺘﻬﺎ ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﻭﺃﻏﻮﺍ ﺭﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﺃﻁﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﻋﻠﻮﻣﻬﻢ‪،‬‬
‫ﺛﻢ ﻟﻴﻢ ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ ﻛﺬﻟﻚ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﻳﺒﺪﺃ ﺑﺎﻟﻬﺠﻮﻡ ﺑﻞ ﺭﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺣﺚ ﺍﻟﻔﺴﻠﻔﻴﺔ ﻻﺗﺰﺍﻝ ﻏﺎﻣﻀﺔ ﻣﻌﻘﺪﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ‬
‫ﻣﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻷﻭﺳﺎﻁ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻗﺪ ﺃﻟﻔﺖ ﻓﻲ ﻟﻐﺔ ﺭ ﻣﺰﻳﺔ ﻭﻓﻲ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﻏﻴﺮ ﻭ ﺍﺿﺢ‪،‬‬
‫ﻭﻛﺄﻥ ﻣﺆﻟﻔﻴﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﻌﻤﺪﻭﺍ ﺫﻟﻚ‪ ،‬ﻟﻴﻘﻴﻤﻮﺍﺳﻴﺎﺟﺎ ً ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻔﺴﻠﻔﺔ ﻳﺤﻮﻁﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ‬
‫ﻳﺤﺴﻨﻮﻥ ﺍﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﺃﻭ ﺍﺟﺘﻤﻊ ﺍﻷﻣﺮﺍﻥ‪ ،‬ﻓﺮﺃ ﺃﻥ ﻳﺆﻟﻒ ﻛﺘﺎﺑﺎ ً ﻳﺬﻛﺮ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﺒﺎﺣﺚ ﺍﻟﻔﺴﻠﻔﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻧﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻔﺴﻔﺔ‬
‫ﺭﺯﻕ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﻗﺪﺭﺓ ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻓﻲ ﺗﺒﺴﻴﻂ‬ ‫ﻭﻣﺴﺎﺋﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻟﻐﺔ ﺳﻬﻠﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ‪،‬ﻭﻓﻲ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﻣﺸﺮﻕ‪ ،‬ﻭﻗﺪ‬

‫‪65‬‬
 ‫ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻭﺇﻳﻀﺎﺣﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻜﺴﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﻴﺎﺝ ‪ ،‬ﻭﺭﻓﻊ ﺍﻻﺣﺘﻜﺎﺭ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ‪ ،‬ﻭﺃﻟﻒ ﻛﺘﺎﺏ "ﻣﻘﺎﺻﺞ‬
‫ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ"‪ ،‬ﻭﺫﻛﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺒﺎﺣﺚ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﻌﻠﻴﻖ ﻭﻧﻘﺪ‪ ،‬ﻭﻋﺮﺽ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ‬
‫ﻛﺄﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻳﻌﺮﺿﻬﺎ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ‪.‬‬
‫ﻭﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺍﻧﺘﻬﻰ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ـ ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻌﺪﻩ ﻣﻘﻤﻪ ﻻﺯﻣﺔ ﻻ ﺗﻜﻔﻠﻪ ﻣﻦ ﺗﺰﻳﻴﻒ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﺒﺎﻁﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ‬
‫ﻭﺇﺳﻘﺎﻁ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ‪ ،‬ﺷﺮﻉ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ ﺍﻟﺜﻨﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﺤﻖ ﺑﻪ ﺃﻥ ﻳﻠﻘﺐ ﺣﺠﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ‪،‬ﻭﻫﻮ ﻧﻘﺪ ﺍﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ‬
‫ﻭﺍﻟﻬﺠﻮﻡ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻭﺷﻌﺒﻬﺎ ﺑﺎﻹﻧﻜﺎﺭ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﺘﻬﻮﺭﺍ ﺃﻭ ﺟﺎﻣﺪﺍ ﻳﺸﻤﻞ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﻔﺮﻭﻋﻬﺎ‬
‫ﻭﻳﻄﻠﻖ ﺍﻟﻘﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﻄﻘﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﺨﻠﻘﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻋﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ‬
‫ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻓﻴﻐﻠﻄﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻳﻜﻔﺮﻫﻢ ﺑﻬﺎ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻤﻦ ﺗﻘﺪﻣﻪ ﺃﻭ ﻋﺎﺻﺮﻩ‪ ،‬ﻓﺄﺛﺒﺘﻮﺍ ﺑﺬﻟﻚ ﺃﻧﻬﻢ ﻣﻌﺎﻧﺪﻭﻥ‬
‫ﻣﻜﺎﺑﺮﻭﻥ ﻓﻜﺎﻥ ﺿﺮﺭﻫﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﻧﻔﻌﻬﻢ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻷﻗﻮﺍﻟﻬﻢ ﻭﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻬﻢ ﻗﻴﻤﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﻓﻘﺪ ﺍﻋﺘﺮﻑ ﺑﻜﻞ ﺻﺮﺍﺣﺔ‪ ،‬ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﻧﺎﻫﺎ ﻟﻴﺲ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺷﻲء‬
‫ﻣﻨﻪ ﺑﺎﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻧﻔﻴﺎ ً ﻭﺇﺛﺒﺎﺗﺎً‪ ،‬ﺑﻞ ﻫﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺑﺮﻫﺎﻧﻴﺔ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﺎﺣﺪﺗﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﻭﻣﻌﺮﻓﺘﻬﺎ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻧﺘﻘﺪ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻭﻥ ﺃﻥ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻭﻫﺬ ﻩ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺧﺪﻣﺔ ﺩﻳﻨﻴﺔ ﻭﻧﺼﺮﺓ ﻟﻺﺳﻼﻡ‬
‫ﻭﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﻟﻠﻜﻔﺮ ﻭﺍﻟﻀﻼﻝ ﻓﻜﺎﻥ ﺟﺎﺟﻬﻢ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﻋﺪﻭ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺟﻨﺎﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻳﻦ‪.‬‬
‫ﻭﺑﻌﺪ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻓﺮﻭﻉ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻹﻋﺮﺍﻑ ﺑﺼﺤﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻭﺇﻓﺎﺩﺗﻬﺎ ﺃﻧﺘﻬﻰ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻷﻟﻬﻴﺎﺕ ﻓﻴﻬﺎ‬
‫ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻏﺎﻟﻴﻄﻬﻢ ﻭﻋﻠﻠﻪ "ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻣﺎ ﻗﺪﺭﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﻓﺎء ﺑﺎﻟﺮﺍﻫﻴﻦ ﻉ ﻟٮﻤﺎ ﺷﺮﻁﻮﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻛﺜﺮ‬
‫ﺍﻹﺧﺘﻼﻑ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ"‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻭﺑﻌﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺧﻠﺺ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﺍﻟﺠﺪ‪ ،‬ﻳﺌﺲ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﺍﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺴﻔﺔ‪،‬ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ‬
‫ﻳﺴﺘﻌﺠﻞ‪ ،‬ﻭﻟﻦ ﻳﺴﺮﻉ ﻓﻲ ﺇﺑﺪﺍء ﺭﺃﻳﻪ‪ ،‬ﺷﺄﻥ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻩ ﻭﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﻋﺼﺮﺭﻩ‪ ،‬ﻭﻟﻢ‬
‫ﻳﻈﻠﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔﻧﻮﻟﻢ ﻳﺸﻤﻠﻬﺎ ﺑﺎ ﻟﻠﻌﻦ ﻭﺍﻟﺘﻜﻔﻴﺮ‪ ،‬ﺷﺄ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎء ﻭﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﻔﺘﻮﻯ‪ ،‬ﺑﻞ ﺗﻨﺎﻭﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺤﻠﻴﻞ‬
‫ﻭﺍﻟﺘﻘﺴﻴﻢ‪ .‬ﻭﺫﻛﺮ ﺃﺻﻨﺎﻑ ﺍﻟﻔﺎﻟﺴﻔﺔ‪ ،‬ﻭﺃﻗﺴﺎﻣﻬﻢ‪ ،‬ﻭﺫﻛﺮ ﻣﺎ ﻟﻬﻢ ﻭﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﻳﻤﺲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﺁﺭﺍءﻫﻢ‬
‫ﻭﺑﺤﻮﺛﻬﻢ ﻭﻳﺘﺼﻞ ﺑﻪ‪،‬ﻭﻣﺎ ﻻ ﻳﻤﺴﻪ ﻭﻻ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻪ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻘﻮﻥ ﺑﻪ ﺍﻟﺘﻜﻔﻴﺮ‪ ،‬ﻭﻣﻼ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ‬
‫ﻗﻠﻴﻞ ﺃﻭ ﻛﺜﻴﺮ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺃﻭﻝ ﻋﺎﻟﻢ ﺩﻳﻨﻲ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ‪،‬ﻭﻳﺜﺒﺖ ﻫﺎ ﺍﻟﺘﺜﺒﺖ‪ ،‬ﻭﻳﻌﺮﻑ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻔﺴﻔﺔ‬
‫ﻁﺒﻘﺎﺕ ﺭﺟﺎﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻣﺪﻭﻧﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺃﻭﻝ ﻋﺎﻟﻢ ﺩﻳﻨﻴﻦ ﻳﻨﺼﻒ ﻋﻠﻮﻣﻬﻢ‪ ،‬ﻭﻳﻌﺘﺮﻑ ﺑﺼﺤﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻭﺇﻓﺎﺩﺗﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻤﺎ ﺃﺭﺍﺩ ﻧﻘﺪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ‪ ،‬ﻗﺎﻡ ﻓﺄﻟﻒ ﻛﺘﺎﺑﻪ "ﺗﻬﺎﻓﺖ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ" ﻓﻘﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻪ‪" :‬ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﺈﻧﻲ ﻗﺪ ﺃﻳﺖ ﻁﺎﺉﻓﺔ‬
‫ﻳﻌﺘﻘﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺍﻟﺘﻤﻴﺰ ﻋﻦ ﺍﻷﺗﺮﺍﺏ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮﺍء ﺑﻤﺰﻳﺪ ﺍﻟﻔﻄﻨﺔ ﻭﺍﻟﺬﻛﺎء‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﺭﻓﻀﻮﺍ ﻭﻅﺎﺋﻒ ﺍﻹﺳﻼﻡ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ‪ ،‬ﻭﺍﺳﺘﺤﻘﺮﻭﺍ ﺷﻌﺎءﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﻭﻅﺎﺋﻒ ﺍﻟﺼﻠﻮﺍﺕ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻮﻗﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺤﻈﻮﺭﺍﺕ‪ ،‬ﻭﺍﺳﺘﻬﺎﻧﻮﺍ‬
‫ﺑﺘﻌﻬﺪﺍﺕ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﻭﺣﺪﻭﺩﻩ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﻳﻔﻮﺍ ﻋﻨﺪ ﺗﻮﻗﻴﻔﺎﺗﻪ ﻭﻗﻴﻮﺩﻩ ﺑﻞ ﺧﻠﻌﻮﺍ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ ﺭﺑﻘﺔ ﺍﻟﺪﻱﻥ ﺑﻔﻨﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻨﻮﻥ‬
‫ﻳﺘﺒﻌﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺭﻫﻄﺎ ً ﻳﺼﺪﻭﻥ ﻋﻦ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﻭﻳﺒﻐﻮﻧﻬﺎ ﻋﻮﺟﺎً‪ ،‬ﻭﻫﻢ ﺑﺎﻵﺧﺮﺓ ﻫﻢ ﻛﺎﻓﺮﻭﻥ‪.‬‬
‫ﻏﻴﺮ ﺩﻳﻦ ﺍﻹﺳﻼﻡ‬ ‫ﻭﻻ ﻣﺲﺗﻨﺪ ﻟﻜﻔﺮﻫﻢ ﻏﻴﺮ ﺗﻘﻠﻴﺪ ﺳﻤﺎﻋﻲ ﻛﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ‪ ،‬ﺇﺫﺍ ﺟﺮﻯ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻧﺸﻮﺅﻫﻢ ﻭﺃﻭﻻﺩﻫﻢ‪ ،‬ﻭﻋﻠﻴﻪ ﺩﺭﺝ ﺁﺑﺎﺅﻫﻢ ﻭﺃﺟﺪﺍﺩﻫﻢ‪ ،‬ﻭﻏﻴﺮ ﺑﺤﺚ ﻧﻈﺮﻱ ﺻﺎﺩﺭ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺴﺘﺮ ﺑﺄﺫﻱﺍﻝ ﺍﻟﺸﺒﻪ‬
‫ﺍﻟﺼﺎﺭﻓﺔ ﻋﻦ ﺻﻮﺏ ﺍﻟﺼﻮﺍﺏ‪ ،‬ﻭﺍﻹﻧﺨﺪﺍﻉ ﺑﺎﻟﺨﻴﺎﻻﺕ ﺍﻟﻤﺰﺧﺮﻓﺔ ﻛﻼ ﻣﻊ ﺍﻟﺴﺮﺍﺏ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺍﺗﻔﻖ ﻟﻄﻮﺍﺋﻒ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻭﺍﻵﺭﺍء ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﺪﻉ ﻭﺍﻷﻫﻮﺍء؟ ‪ ..‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻣﺼﺪﺭ ﻛﻔﺮﻫﻢ ﺳﻤﺎﻋﻬﻢ‬
‫ﺃﺳﻤﺎء ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻛﺴﻘﺮﺍﻁ ﻭﺑﻘﺮﺍﻁ ﻭﺃﻓﻼﻁﻮﻥ ﻭﺃﺭﺳﻄﺎ ﻁﺎﻟﻴﺲ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻭﺇﻁﻨﺎﺏ ﻁﻮﺍﺋﻒ ﻣﻦ ﻣﺘﺐ ﻋﻴﻬﻢ‬
‫ﻭﺿﻼﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﺻﻒ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻭﺣﺴﻦ ﺃﺻﻮﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻭﺩﻗﺔ ﻋﻠﻮﻣﻬﻢ ﺍﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻨﻄﻘﻴﺔ ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻭﺍﻹﻟﻬﻴﺔ‪،‬‬
‫ﻭﺍﺳﺘﺒﺪﺍﻟﻬﻢ ـ ﻟﻔﺮﻁ ﺍﻟﺬﻛﺎء ﻭﺍﻟﻔﻄﻨﺔـ ﺑﺎﺳﺘﺨﺮﺍﺝ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﺨﻔﻴﺔ ﻭﺣﻜﺎﻳﺘﻬﻢ ﻋﻨﻬﻢ ﺃﻧﻬﻢ ﻣﻊ ﺭﺯﺍﻧﺔ‬
‫ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﻭﻏﺰﺍﺭﺓ ﻓﻀﻠﻬﻢ ﻣﻨﻜﺮﻭﻥ ﻟﻠﺸﺮﺍﺋﻊ ﻭﺍﻟﻨﺤﻞ‪ ،‬ﻭﺟﺎﻫﺪﻭﻥ ﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﻭﺍﻟﻤﻠﻞ‪ ،‬ﻭ ﻣﻘﻌﺘﺪﻭﻥ ﺃﻧﻬﺎ‬
‫ﻧﻮﺍﻣﻴﺲ ﻣﺆﻟﻔﺔ‪ ،‬ﻭﺣﻴﻞ ﻣﺰﺧﺮﻓﺔ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺮﻕ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻤﺎﻗﺔ ﻧﺎﺑﻀﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺆﻻء ﺍﻷﻏﺒﻴﺎء‪ ،‬ﺍﻧﺘﺪﺑﺖ ﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ‪،‬ﺭﺩﺍ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺍﻟﻔﺎﻟﺴﻔﺔ ﺍﻟﻘﺪﻣﺎء‪ ،‬ﻣﺒﻴﻨﺎ ً ﺗﻬﺎﻓﺖ ﻋﻘﻴﺪﺗﻬﻢ‪ ،‬ﻭﺗﻨﺎﻗﺾ ﻛﻠﻤﺘﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻹﻟﻬﻴﺎﺕ ﻭﻛﺎﺷﻔﺎ ً ﻋﻦ ﻏﻮﺍﺋﻞ‬

‫‪66‬‬
 ‫ﻣﺬﻫﺒﻬﻢ ﻭﻋﻮﺭﺍﺗﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺤﻖﻳﻖ ﻣﻀﺎﺣﻚ ﺍﻟﻌﻘﻼء‪ ،‬ﻭﻋﺒﺮﺓ ﻋﻨﺪ ﺍﻷﺫﻛﻴﺎء‪ ،‬ﺃﻋﻨﻲ ﻣﺎ ﺃﺧﺘﺼﻮﺍ ﺑﻪ‬
‫ﻋﻠﻦ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﻭﺍﻟﺠﻬﻤﺎء ﻣﻦ ﻓﻨﻮﻥ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻭﺍﻵﺭﺍء‪،‬ﻫﺬﺍﻣﻊ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻣﻀﻬﺒﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﻪ ﻟﻴﺘﺒﻴﻦ ﻫﺆﻻء‬
‫ﻤﻼﺣﺪﺓ ﺗﻘﻠﻴﺪﺃﺙ ﺍﺗﻔﺎﻕ ﻛﻞ ﻣﺮﻣﻮﻕ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﺍﺋﻞ ﻭﺍﻷﻭﺍﺧﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎہﻠﻟ ﻭﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻷﺧﺮ‪ ،‬ﻭﺃﻥ‬
‫ﺍﻻﺧﺘﻼﻓﺎﺕ ﺭﺍﺟﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﻔﺎﺹ ﻳﻞ ﺧﺎﺭﺟﺔ ﻋﻦ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻘﻄﺒﻴﻦ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﻷﺟﻠﻬﻤﺎ ﺑﻌﺚ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎء ﺍﻟﻤﺆﻳﺪﻭﻥ‬
‫ﺑﺎﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ‪ ،‬ﻭﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﻜﺎﺭﻫﻢ ﺇﻻ ﺷﺮﺫﻣﺔ ﻳﺴﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﻨﻜﻮﺳﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻵﺭﺍء‬
‫ﺍﻟﻤﻌﻜﻮﺳﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺆﺑﻪ ﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﻌﺒﺎ ً ﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﻈﺎﺭ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﻌﺪﻥ ﺇﻻ ﺯﻣﺮﺓ ﺍﻟﺸﻴﺎﻁﻴﻦ ﺍﻷﺷﺮﺍﺭ‪،‬‬
‫ﻭﻏﻤﺎﺭ ﺍﻷﻏﺒﻴﺎء ﻭﺍﻷﻏﻤﺎﺭ‪ ،‬ﻟﻴﻜﻒ ﻋﻦ ﻏﻠﻮﺍﺋﻪ ﻣﻦ ﻳﻈﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﺘﻤﻞ ﺑﺎﻟﻜﻔﺮ ﺗﻘﻠﻴﺪﺍً ﻳﺪﻝ ﻋﻠٮﺤﺴﻦ ﺭﺃﻳﻪ‬
‫ﻭﻳﺸﻌﺮ ﺑﻔﻄﻨﺘﻪ ﻭﺫﻛﺎﺋﻪ ‪ ،‬ﺇﺫﺍ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﺃﻥ ﻫﺆﻻء ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺸﺒﻪ ﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﺯﻋﻤﺎء ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻭﺭﺅﺳﺎﺋﻬﻢ ﺑﺮﺁء ﻣﻤﺎ‬
‫ﻓﻮﺍ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺟﺤﺪ ﺍﻟﺸﺮﺍﺋﻊ‪ ،‬ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺆﻣﻨﻮﻥ ﺑﺎہﻠﻟ ﻭﻣﺼﺪﻗﻮﻥ ﺑﺮﺳﻠﻪ ﻭﺃﻧﻬﻢ ﻗﺪ ﺃﺧﺘﺒﻄﻮﺍ ﻓﻲ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﺑﻌﺪ‬
‫ﻩ ﺫﻩ ﺍﻷﺻﻞ ﻗﺪ ﺯﻟﻮﺍ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻀﻠﻮﺍ ﻭﺃﺿﻠﻮﺍ ﻋﻦ ﺳﻮﺍء ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ‪ ،‬ﻭﻧﺤﻦ ﻧﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻓﻨﻮﻥ ﻣﻦ ﺧﺪﻋﻮﺍ ﺑﻪ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﺘﺨﺒﻴﻞ ﻭﺍﻷﺑﺎﻁﻴﻞ ‪.‬ﻭﺑﻴﻦ ﺃﻥ ﻟﻴﺲ ﻛﻞ ﻧﻬﻮﻳﻞ ﻭﺭﺍءﻩ ﺗﺤﺼﻴﻞ‪ ،‬ﻭﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﻟﻲ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﻹﻅﻬﺎﺭ ﻣﺎ‬
‫ﻗﺼﺪﻧﺎﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ‪.‬ﺃﻫـ ﺑﺘﺼﺮﻑ ﻋﻦ "ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺍﻟﻨﺪﻭﻱ"‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺚ ﺭﺓ ﻭﺍﻟﻤﺒﺪﻋﺔ ﻛﻌﻘﻞ ﻣﺴﻠﻢ ﺣﻲ ﺃﺩﻯ ﻭﻅﻴﻔﺔ )ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ( ﺃﻱ ﺣﻀﻮﺭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‬
‫ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎ ﻳﺪﺏ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﻭﻣﺬﺍﻫﺐ ﻭﻣﺎ ﺗﻌﺼﻒ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺭﻳﺎﺡ ﻭﺟﻌﺎﺻﻴﺮ‪ ،‬ﺛﻢ ﻗﺎﻡ ﺑﻮﻅﻴﻔﺔ )ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ (‬
‫ﻓﻜﺘﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﻌﺪ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻷﻭﻝ ـ ﺃﻱ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ـ ﻭﺑﻌﺪﻩ ﺗﻬﺎﻓﺖ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ‪ ،‬ﻓﻨﻘﺾ ﺑﻨﻴﺎﻧﻬﻢ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﻢ‪ ،‬ﻭﺧﺮ ﻋﻞﻳﻬﻢ ﺍﻟﺴﻘﻒ ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻬﻢ‪ .‬ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺤﻲ ﻳﻔﻌﻞ ﻣﻊ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺗﻤﺎﻣﺎ ً ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﺍﻟﺒﺪﻥ ﺍﻟﺤﻲ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻷﻏﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺪ ﺇﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﻳﻔﻌﻞ ﻫﺬﺍ ﻣﻊ ﺍﻷﻏﺬﻳﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻓﻴﺤﻠﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻭﺣﺪﺍﺗﻬﺎ ﺍﻻﻭﻟﻴﺔ ﻓﻲ‬
‫ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ ﺇﻧﺘﻘﺎء ﻭﺍﻋﻴﺔ ﻓﻴﺎ ﻳﺘﺴﻤﻢ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺒﺪﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺈﻳﺼﺎﻝ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﻤﻌﻘﺪﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﺷﻜﺎﻟﻬﺎ ﺍﻟﻤﺒﺴﻄﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﺣﺮﻭﻓﻬﺎ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ ً ﻛﻤﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺗﻔﻜﻴﻚ ﺟﻤﻞ ﺍﻟﻠﻐﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻨﻀﺮﺏ ﻣﺜﻼً ﻟﻐﻮﻳﺎ ً ﻣﻮﺿﺤﺎً‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﻛﻠﻤﺔ )ﻓﺮﻙ (‪ :‬ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔﻣﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ‬
‫ﺣﺮﻭﻑ ﻓﻘﻂ ﻫﻲ )ﻑ‪+‬ﺭ‪+‬ﻙ( ﻭﻟﻨﺤﺎﻭﻝ ﺍﻵﻥ ﺍﺳﺘﻨﺒﺎﻁ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺘﻐﻴﻴﺮ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ‪.‬‬
‫ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺃﻭﻝ‪ :‬ﻙ‪+‬ﻑ‪+‬ﺭ= ﻙﻓﺮ ﺿﻼﻝ ﻧﻔﺴﻲ‪.‬‬
‫ﺍﺣﺘﺎﻝ ﺛﺎﻧﻲ‪ :‬ﻑ‪+‬ﻙ‪+‬ﺭ= ﻓﻜﺮ ﻋﻤﻞ ﺫﻫﻨﻲ ﺭﺍﻗﻲ‪.‬‬
‫ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺛﺎﻟﺚ‪ :‬ﻙ‪+‬ﺭ‪+‬ﻑ= ﻛﺮﻑ )ﺷﻢ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ ﺑﻮﻝ ﻓﺮﻓﻊ ﺭﺃﺳﻪ ﻭﻗﻠﺐ ﺷﻔﺘﻪ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ!(‪.‬‬
‫ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺭﺍﺑﻊ ـ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﺳﺎﺑﻘﺎ ً ﺃﻱ ‪":‬ﻑ‪،‬ﺭ‪،‬ﻙ" ﻓﺮﻙ = ﻋﻤﻞ ﻳﺪﻭﻱ‪.‬‬
‫ﻳﺒﻘﻰ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺧﺎﻣﺲ ﻭﺳﺎﺩﺱ ـ ﺭﻓﻚ ‪ ،‬ﺭﻛﻒ = ﻣﺒﺪﺋﻴﺎ ً ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻬﻤﺎ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻚﺫﺍ ﻧﺮﻯ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ ﺳﺖ ﺍﺣﺘﻤﺎﻻ ﺕ‪ ،‬ﺇﺛﻨﺎﻥ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﻌﻨﻰ‪ ،‬ﻭﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻨﺘﺠﺔ ﻟﻀﻴﺎﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺷﻘﺎﺋﻪ‬
‫ﻭﻫﻲ )ﺍﻟﻜﻔﺮ(‪ ،‬ﻭﻭﺍﺣﺪﺓ ﺻﺎﻋﺪﺓ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺇﻧﺴﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ‪ ،‬ﻭﻭﺍﺣﺪﺓ ﻋﻤﻞ ﻳﺪﻭﻱ‬
‫ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﺳﻠﺒﺎ ً ﺃﻭ ﺇﻳﺠﺎﺑﺎ ً ﻭﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻟﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﺤﻤﺎﺭ !ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﺪﻥ ﻳﻔﺘﺖ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﺇ ﻟﻰ ﻭﺣﺪﺍﺗﻬﺎ‬
‫ﺍﻷﻭﻟﻴﺔ ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺒﻨﺎء ﻭﺣﺪﺍﺗﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﺕ ﺍﻷﻭﻟﻴﺔ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﺮﻣﻮﻧﺎﺕ‬
‫ﻭﺍﻟﺨﻤﺎﺋﺮ‪ ،‬ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻳﻔﻌﻞ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺰﻳﺞ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺣﻴﺚ ﻳﺤﻠﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﻭﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻷﻭﻟﻴﺔ ﻟﻴﺒﻨﻲ ﻣﻨﻬﺎ‬
‫ﺟﻬﺎﺯﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﻪ ‪ .‬ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﺇﻝ ﻯ ﻓﻜﺮ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﺗﻤﺜﻞ‬
‫ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻮﺟﺔ ﺍﻷﺭﺗﺪﺍﺩ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ‪ ،‬ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﺍﻟﻤﻨﺤﻰ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﻲ ﺍﻟﺼﺎﻋﺪ ﻟﻜﻴﻨﻮﻧﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‪.‬‬

‫ﻗﺼﺔ ﻣﻦ ﺳﻮﺭﺓ ﻳﺲ‪:‬‬

‫ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﺮﺩﺍﺩ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﺧﺮ ﺳﻮﺭﺓ ﻳﺲ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﻳﻠﺢ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺼﺮ‬
‫ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﻜﺮﺍﺭﻩ‪ ،‬ﻭﻟﻨﺼﻎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ‪":‬ﻭﺿﺮﺏ ﻟﻨﺎ ﻣﺜﻼً" ﻣﺸﺮﻙ ﻳﻌﺘﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺒﻌﺚ‬
‫ﻭﺍﻟﻨﺸﻮﺭ‪ ،‬ﻭﻣﻌﻪ ﺣﺠﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ‪ ،‬ﺣﺠﺘﻪ ﺳﻬﻠﺔ ﻭﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻘﻨﻌﺔ ﻭﺧﺎﺩﻋﺔ‪.. ،‬ﻋﻈﻢ ﻧﺨﺮ ﻭﺑﻠﻲ‪ ..‬ﻳﺖ ﺑﺎﻟﻴﺪ‪ ..‬ﺛﻢ‬

‫‪67‬‬
 ‫ﻳﻨﻔﺦ ﻓﻴﺼﺒﺢ ﺗﺮﺍﺑﺎ ً ﻳﺬﺭﻩ ﺍﻟﺮﻳﺢ ‪ ..‬ﻭﻳﻘﻮﻝ ﻟﻤﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ‪ :‬ﺃﺭﺑﻚ ﻳﻌﻴﺪ ﻫﺬﺍ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺭﻡ؟‪ ،‬ﻓﻴﺠﺐ‬
‫ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ‪ :‬ﻧﻌﻢ ﻭﻳﺪﺧﻠﻚ ﺟﻬﻨﻢ‪.‬‬
‫ً‬
‫)ﺃﻭﻟﻢ ﻳﺮﺍ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻧﺎ ﺧﻠﻘﻨﺎﻩ ﻣﻦ ﻧﻄﻔﺔ ﻓﺈﺫﺍ ﻫﻮ ﺧﺼﻴﻢ ﻣﺒﻴﻦ ﻭﺿﺮﺏ ﻟﻨﺎ ﻣﺜﻼ ﻭﻧﺴﻲ ﺧﻠﻘﻪ ﻗﺎﻝ ﻣﻦ ﻳﺤﻲ‬
‫ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﻭﻫﻲ ﺭﻣﻴﻢ( )‪.(۷۸ :۳٦‬‬
‫ﻭﻳﺘﻜﻠﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻴﻔﺼﻞ‪ ..‬ﻳﻌﺮﺽ ﺣﺠﺔ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻘﻮﺻﺔ‪ ،‬ﻭﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ﻏﻴﺮ ﻣﺨﻞ‪ ،‬ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﻣﺎ‬
‫ﺑﻌﺪﻩ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﻟﻠﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‪ ،‬ﺣﻘﺎ ً ﺇﻧﻪ ﺗﻜﺮﻱ ﻡ ﻳﺨﺸﻊ ﻣﻌﻪ ﻗﻠﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻫﻮ ﻳﺮﻯ ﷲ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ‬
‫ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﺣﺠﺔ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﻓﻴﻌﺮﺿﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺑﺪﻭﻥ ﻧﻘﺺ ﺃﻭ ﺇﺧﻼﻝ )ﻭﺿﺮﺏ ﻟﻨﺎ ﻣﺜﻼً‪....(...‬‬
‫ﻭﺍﻟﻘﻠﻢ ﻳﻌﺠﺰ ﺃﻣﺎﻡ ﻟﻔﻈﺔ )ﻟﻨﺎ( ﻓﺎﻟﺤﻖ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻀﺮﺏ ﻟﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺩ ﻋﻠﻴﻪ!! ﻭﻣﻤﻦ؟‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ! ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ ﻳﺎ ﺭﺏ ﻛﻢ ﺃﻛﺮﻣﺖ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‪ ،‬ﺛﻢ ﺇﻧﻪ )ﻣﺜﻞ( ﻭﺍﻟﻤﺜﻞ ﻟﻠﺘﻘﺮﻳﺐ ﻭﺍﻟﺘﻔﻴﻬﻢ ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‬
‫ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﻮﺿﻴﺢ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﺒﺮﻫﻦ ﺑﻀﺮﺏ ﺍﻟﻤﺜﻞ‪،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﻌﺮﺽ‬
‫ﺣﺠﺔ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﺑﻜﻞ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺗﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﻓﻜﺮﺓ ﻭﻛﺎﻣﻠﺔ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﻭﻣﻤﺜﻠﺔ ﻭﻣﻘﺮﺑﺔ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﻏﺒﺮﺓ‪ ،‬ﻷﻥ‬
‫ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻮﺍﺟﻬﻪ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ‪ ،‬ﻭﻻ ﻏﺮﺍﺑﺔ ﺇﺫﺍ ﻋﺮﺿﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺠﺔ ﺑﻜﺎﻣﻠﻬﺎ ﻷﻧﻬﺎ‬
‫ﺷﺒﻬﺔ ﻋﻘﻞ ﺇﻧﺴﺎﻧﻲ ﺗﻌﺮﺽ ﻷﻱ ﻋﻘﻞ ﻓﻲ ﺃﻱ ﺯﻣﺎﻥ ﻭﻣﻜﺎﻥ‪.‬‬
‫ﺛﻢ )ﻭﻧﺴﻲ ﺧﻠﻘﻪ (‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ‪ ،‬ﻭﻛﺄﻧﻪ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻀﺮﺑﺔ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﻭﺍﻟﻘﺎﺻﻤﺔ ﻳﻜﻤﻦ ﺟﻮﻫﺮ‬
‫ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻮ ﻟﻢ ﻳﻨﺲ ﺧﻠﻘﻪ ﻟﻤﺎ ﻁﺮﺡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ‪ ،‬ﻗﺎﻝ‪ :‬ﻣﻦ ﻳﺤﻲ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﻭﻩ ﻱ ﺭﻣﻴﻢ؟ ﺟﻤﻠﺘﻪ ﺗﺎﻣﺔ‪ ،‬ﺣﺠﺘﻪ‬
‫ﻛﺎﻣﻠﺔ‪ ،‬ﻗﻮﻟﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ‪.‬‬
‫‪ :‬ﻟﻮ‬ ‫ﺇﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺃﻥ ﺗﻀﻌﻒ ﺣﺠﺔ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﺛﻢ ﻳﻨﻘﺾ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﻣﻦ ﻳﻘﺮﺃ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻟﻜﺘﺎﺏ ﻳﻘﻮﻝ‬
‫ﺧﺮﺝ ﻫﺆﻻء ﻣﺮﺓ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﺃﺣﻴﺎء ﻣﻦ ﻗﺒﻮﺭﻫﻢ ﻭﻗﺮﺃﻭﺍ ﺃﻓﻜﺎﺭﻫﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻄﺮﺗﻬﺎ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﻭﺃﻓﺮﺯﺗﻬﺎ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ‬
‫ﻷﻧﻜﺮﻭﻫﺎ ﻫﻢ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ!!‬
‫ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﻋﺮﺽ ﺣﺞ ﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﻙ ﻛﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ‪ ،‬ﻭﺃﻣﺎﻡ ﻭﺟﻬﻪ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻳﺨﺠﻞ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻳﺮﺍﺟﻊ‪ ،‬ﻭﻫﺬﻩ‬
‫ﻫﻲ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻔﺮﻳﺪﺓ!!‪..‬‬
‫)ﻗﻞ ﻳﺤﻴﻬﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﺸﺄﻫﺎ ﺃﻭﻝ ﻣﺮﺓ ﻭﻫﻮ ﺑﻜﻞ ﺧﻠﻖ ﻋﻠﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻌﻞ ﻟﻜﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻷﺧﻀﺮ ﻧﺎﺭﺍً ﻓﺈﺫﺍ ﺃﻧﺘﻢ‬
‫ﻣﻨﻪ ﺗﻮﻗﺪﻭﻥ ﺃﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﺴﻤﻮﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ ﺑﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺨﻠﻖ ﻣﺜﻠﻢ ﺑﻠﻰ ﻭﻩ ﻭ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ (‬
‫)‪۷۹ :۳٦‬ـ‪.(۸۱‬‬

‫ﺍﻟﻨﻘﺪﻱ ـ‬ ‫ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﻭﻣﻨﻬﺎﺟﻪ‬

‫ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺮﺕ ﻋﺎﻡ ‪٥۰۰‬ﻫﺠﺮﻱ ﺣﻴﺚ ﻫﺎﺟﺮ ﻣﻦ ﺑﻐﺪﺍﺩ ﻋﺎﻡ ‪٤۸۸‬ﻫﺠﺮﻱ ﻭﺭﺟﻊ ﺇﻟﻴﻬﺎ‬
‫ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻌﺰﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﺍﻣﺖ ‪۱۱‬ﺳﻨﺔ ﻋﺎﻡ ‪٤۹۹‬ﻫـ‪ .‬ﻭﺗﻮﻓﻲ ﻋﺎﻡ ‪٥۰٥‬ﻫﺠﺮﻱ‪ .‬ﺃﻱ‪ :‬ﻗﺒﻞ ﺗﺴﻌﺔ ﻗﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﺃﻳﺎﻣﻨﺎ‬
‫ﻫﺬﻩ‪.‬‬
‫ﻭﺃﻣﺎ ﺭﺣﻠﺔ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭ ﺡ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻣﺘﺎﺯ ﺑﻬﺎ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻣﻴﻼﺩﻱ‪،‬‬
‫ﻷﻧﻪ ﻭﻟﺪ ﻓﻲ ﻋﺎﻡ ‪۱٥۹٦‬ﻡ ﻭﺗﻮﻓﻲ ﻋﺎﻡ ‪۱٦٥۰‬ﻣﻴﻼﺩﻱ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﺸﻰ ﻓﻴﻪ ﻳﺸﺎﺑﻪ ﻣﻦ ﻋﺪﺓ‬
‫ﻭﺟﻮﻩ ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ‪ ،‬ﻭﺃﻫﻢ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻫﻮ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻣﺘﺎﺯ ﺑﻬﺎ‪.‬‬
‫ﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ "ﺍﻟﻤﻘﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻦﻫﺞ" ﻣﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫"ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻫﻮ ﺃﺣﺴﻦ ﺍﻷﺷﻴﺎء ﺗﻮﺯﻋﺎ ً ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻟﺘﺴﺎﻭﻱ‪ ،‬ﺇﺫ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﺃﻧﻪ ﺃﻭﺗﻲ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻜﻔﺎﻳﺔ‪ ،‬ﺣﺘﻰ‬
‫ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻﻳﺴﻬﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻘﻨﻌﻮﺍ ﺑﺤﻈﻬﻢ ﻣﻦ ﺷﻲء ﻏﻴﺮﻩ‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﻣﺎ ﻋﺎﺩﺗﻬﻢ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻳﺎﺩﺓ ﻟﻤﺎ ﻟﺪﻳﻬﻢ‬
‫ﻣﻨﻪ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺮﺍﺟﺢ ﺃﻥ ﻳﺨﻄﺊ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ‪ ،‬ﺑﻞ ﺍﻟﺮﺍﺟﺢ ﺃﻥ ﻳﺸﻬﺪ ﻫﺬﺍ ﺑﺄﻥ ﻗﻮﺭﺓ ﺍﻹﺻﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ‪،‬‬
‫ﻭﺗﻤﻴﻴﺰ ﺍﻟﺤﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺎﻁﻞ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ ﺍ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ‪ ،‬ﺗﺘﺴﺎﻭﻯ ﺑﻴﻦ ﻛﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ‬
‫ﺑﺎﻟﻔﻄﺮﺓ‪ ،‬ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻳﺸﻬﺪ ﺑﺄﻥ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺁﺭﺍﺋﻨﺎ ﻻ ﻳﻨﺸﺄ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺍﻋﻘﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺍﻵﺧﺮ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻨﺸﺄ‬
‫ﻣﻦ ﺃﻧﻨﺎ ﻧﻮﺟﻪ ﺃﻓﻜﺎﺭﻧﺎ ﻓﻲ ﻁﺮﻕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﻨﻈﺮ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﻣﺎ ﻳﻨﻈﺮ ﺍﻵﺧﺮ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﺃﻥ‬

‫‪68‬‬
 ‫ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻠﻤﺮء ﻋﻘﻞ‪ ،‬ﺑﻞ ﺍﻟﻤﻬﻢ ﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﺤﺴﻦ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻣﻪ ‪ .‬ﻭﺇﻥ ﺃﻛﺒﺮ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻟﻤﺴﺘﻌﺪﺓ ﻷﻛﺒﺮ ﺍﻟﺮﺫﺍﺋﻞ ﻣﺜﻞ‬
‫ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻫﺎ ﻷﻛﺒﺮ ﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ‪،‬ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺴﻴﺮﻭﻥ ﺇﻻ ﺟﺪ ﻣﺒﻄﺌﻴﻦ‪ ،‬ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺣﻴﻦ ﻳﻠﺰﻣﻮﻥ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ‬
‫ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ ﺃﻥ ﻳﺴﺒﻘﻮﺍ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﻳﻌﺪﻭﻥ ﻭﻳﺒﺘﻌﺪﻭﻥ ﻋﻨﻪ‪".‬‬
‫ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬﻤﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭﺃﺧﺺ ﻣﻦ ﺿﻠﻚ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻟﻘﺪ ﻭﺿﻊ ﺃﺻﻮﻻ ﻟﻠﺘﻔﻜﻴﺮ ﺟﻤﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻨﻘﺪ‬
‫ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ "ﺍﻟﻤﻘﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ" ‪) :‬ﻭﻫﻮ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ ﻗﻮﺍﻋﺪﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ(‪" :‬ﺍﻷﻭﻝ‪ :‬ﺃﻻﺃﻗﺒﻞ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﺎ ﻋﻠٮﺄﻧﻪ‬
‫ﺣﻖ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺃﻋﺮﻑ ﻳﻘﻴﻨﺎ ً ﺃﻧﻪ ﻛﺬﻟﻚ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺃﺗﺠﻨﺐ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﺍﻟﺘﻬﻮﺭ ﻭﺍﻟﺴﺒﻖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻨﻈﺮ‪ ،‬ﻭﺃﻻ‬
‫ﺃﺩﺧﻞ ﻓﻲ ﺃﺣﻜﺎﻣﻲ ﺇﻻ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻘﻠﻲ ﻓﻲ ﺟﻼء ﻭﺗﻤﻴﺰ‪ ،‬ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﺪﻱ ﺃﻱ ﻣﺠﺎﻝ ﻟﻮﺿﻌﻪ‬
‫ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺸﻚ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﺃﻥ ﺃﻗﺴﻢ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻀﻼﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺄﺧﺘﺒﺮﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﺟﺰﺍء ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻄﺎﻉ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﻣﺎ‬
‫ﺗﺪﻋﻮ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟٮﺤﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺧﻴﺮ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﺃﻥ ﺃﺳﻴﺮ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺑﻨﻈﺎﻡ‪ ،‬ﺑﺎﺩﺋﺎ ً ﺑﺄﺑﺴﻂ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻭﺃﺳﻬﻠﻬﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻛﻲ ﺃﺗﺪﺭﺝ ﻗﻠﻴﻼً ﻗﻠﻴﻼً‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﺃﺻﻞ‬
‫ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﺗﺮﻛﻴﺒﺎً‪ ،‬ﺑﻞ ﻭﺃﻥ ﺃﻓﺮﺽ ﺗﺮﺗﻴﺒﺎ ً ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺴﺒﻖ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺍﻵﺧﺮ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻷﺧﻴﺮ‪ :‬ﺃﻥ ﺃﻋﻤﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﻣﻦ ﺍﻹﺣﺼﺎءﺍﺕ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺎﺕ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺔ‬
‫ﻣﻦ ﺃﻧﻲ ﻟﻢ ﺃﻏﻔﻞ ﺷﻴﺌﺎ ً‪.‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻼﺳﻞ ﺍﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺠﺞ‪ ،‬ﻭﻛﻠﻬﺎ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻭﺳﻬﻠﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻋﺘﺎﺩ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ﺍﻹﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻬﺎ‬
‫ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺃﺻﻊﺏ ﺑﺮﺍﻫﻴﻨﻬﻢ‪ ،‬ﻳﺴﺮﺕ ﻟﻲ ﺃﻥ ﺃﺗﺨﻴﻞ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺍﻷﺷﻴﺎء‪ ،‬ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎﻭﻝ‬
‫ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺗﺘﺒﻊ ﻋﻠﻰ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ‪ ،‬ﻭﺃﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﺗﺤﺎﺷﻰ ﺍﻟﻤﺮء ﻗﺒﻮﻝ ﺷﻲء ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﺣﻖ ﻣﻊ ﺃﻧﻪ‬
‫ﻟﻴﺲ ﺣﻘﺎً‪،‬ﻭﺇﺫﺍ ﺣﺎﻓﻆ ﺩﺍﺋﻤﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﺗﻴﺐ ﺍﻟﻼﺯﻡ ﻻﺳﺘﻨﺒﺎﻁ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻥ ﺑﻌﺾ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻮﺟﺪ ﺑﻴﻦ‬
‫ﺕﻟﻚ ﺍﻷﺷﻴﺎء ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﺑﺤﻴﺚ ﻻﻳﻤﻜﻦ ﺇﺩﺭﺍﻛﻪ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺨﻔﺎء ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﺎﻉ ﻛﺸﻔﻪ"ﺇﻫـ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺸﻲء ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺒﺤﺜﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﻫﻮ ﺍﻹﻟﺘﻔﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻓﻲ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻭﻛﻨﺎ ﻗﺪ‬
‫ﺃﺷﺮﻧﺎ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ ﻓﻴﻤﺎ ﻣﻀﻰ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻫﻨﺎ ﻣﺒﻠﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻭﺍﺗﺴﺎﻗﻪ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻝﺻﺪﺩ ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺳﺒﻴﻨﻮﺯﺍ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﻟﺪ ﻋﺎﻡ ‪ ۱٦۳۲‬ﻭﺗﻮﻓﻲ ﻭﻋﻤﺮﻩ ‪٤٤‬ﺳﻨﺔ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺗﺄﺛﺮ‬
‫ﺑﻤﺪﺭﺳﺔ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ‪ ،‬ﻗﺎﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻟﻬﻮﻟﻨﺪﻱ ﺑﺘﺄﻟﻴﻒ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﻛﺘﺐ‪ ،‬ﻣﻨﻬﺎ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻓﻲ "ﺗﺤﺴﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ " ﺃﻱ‬
‫ﺃﻧﻪ ﺍﻟﺘﻔﺖ ﺃﻳﻀﺎ ً ﺇﻟﻰ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻗﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻹﻧﺘﺎﺝ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺻﺎﺋﺒﺔ‪ ،‬ﻫﻮ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺤﻦ ﺑﺼﺪﺩﻩ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺍﻝﻋﻘﻠﻴﺔ‬
‫ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﺄﻣﻠﻴﺔ )ﻛﺘﺒﻪ ﺍﻷﺧﺮﻯ‪" :‬ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻬﻮﺕ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ " ‪" ،‬ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻣﺆﻳﺪﺓ ﺑﺎﻟﺪﻟﻴﻞ ﺍﻟﻬﻨﺪﺳﻲ " ‪،‬‬
‫"ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺪﻳﻜﺎﺭﺗﻴﺔ"‪.‬‬
‫ﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ "ﻗﺼﺔ ﺍﻟﻔﺴﻠﻔﺔ" ﻭﻳﻞ ﺩﻳﻮﺭﺍﻧﺖ‪:‬‬
‫"ﺃﻣﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻜﺘﺎﺑﻪ "ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻣﺆﻳﺪﺓ ﺑﺎﻟﺪﻟﻴﻞ ﺍﻟﻬﻨﺪﺳﻲ" ﻓﻘﺪ ﻓﺮﻍ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﺘﻪ ﻋﺎﻡ ‪۱٦٦٥‬ﻡ ﻭﻟﻢ ﻱﺣﺎﻭﻝ‬
‫ﻧﺸﺮﻩ ﻁﻴﻠﺔ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻓﻔﻲ ﻋﺎﻡ ‪۱٦٦۸‬ﻡ ﻗﺎﻡ ﺇﺩﺭﻳﺎﻥ ﻛﻮﻳﺮﺑﺎﻍ ﺑﻨﺸﺮ ﺁﺭﺍء ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻵﺭﺍء ﺳﺒﻴﻨﻮﺯﺍ‪،‬‬
‫ﻭﺣﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻣﺎﺕ ﺑﻌﺪ ﻗﻀﺎء ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮ ﺷﻬﺮﺍً ﻣﻨﻬﺎ"!‬
‫ﻭﻣﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ "ﺗﺤﺴﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ"‪:‬‬
‫"ﺇﻥ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﻫﻮ ﻣﻌﺮﺓ ﺍﻹﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺑﻂ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻛﻠﻤﺎ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻤﺎ ً ﺇﺯﺩﺍﺩ‬
‫ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻤﺎ ً ﺇﺯﺩﺍﺩ ﻓﻬﻤﺎ ً ﻟﻘﻮﺍﻩ ﻭﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ‪ ،‬ﻭﻛﻠﻤﺎ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﻓﻬﻤﺎ ً ﻟﻘﻮﺍﻩ ﺇﺯﺩﺍﺩﺕ ﻣﻘﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﻧﻔﺴﻪ‬
‫ﻭﻭﺿﻊ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻛﻠﻤﺎ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﻓﻬﻤﺎ ً ﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﻣﻘﺪﺭﺓ ﻭﺳﻬﻮﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﺷﻴﺎء‬
‫ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﺇﺫﻥ ﻓﺎﻟﻌﻠﻢ ﻭﺣﺪﻩ ﻫﻮ ﺍ ﻟﻘﻮﺓ ﻭﺍﻟﺤﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺪﺍﺋﻤﺔ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﻫﻲ ﻁﻠﺐ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ‬
‫ﻭﻟﺬﺓ ﺍﻟﻔﻬﻢ" )ﻗﺼﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ـ ﻭﻳﻞ ﺩﻳﻮﺭﺍﻧﺖ ـ ﺹ‪.(۲۰۹‬‬

‫‪69‬‬
 ‫ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ‬
‫ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﻡ ﺑﻪ ﺍﻟﻤﺆﺭﺥ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺗﻄﺒﻴﻘﺎ ً ﻟﻠﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻤﺤﻴﺼﻴﺔ ﻷﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‬
‫ﻭﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﻓﻴﻪﺍ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻟﻨﻘﻞ‪.‬‬
‫ﺟﺎء ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ ‪" :‬ﻷﻥ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﺇﺫﺍ ﺍﻋﺘﻤﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻟﻨﻘﻞ ﻭﻟﻢ ﺗﺤﻜﻢ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﻭﻗﻮﺍﻋﺪ‬
‫ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﻭﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﻓﻲ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻭﻻ ﻗﻴﺲ ﺍﻟﻐﺎﺋﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺸﺎﻫﺪ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺤﺎﺿﺮ‬
‫ﻋﻦ ﺟﺎﺩﺓ ﺍﻟﺼﺪﻕ‪ ،‬ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﺎ ﻭﻗﻊ‬ ‫ﺑﺎﻟﺬﺍﻫﺐ‪ ،‬ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺆﻣﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺜﻮﺭ ﻭﻣﺰﻟﺔ ﺍﻟﻘﺪﻡ ﻭﺍﻟﺤﻴﺪ‬
‫ﻟﻠﻤﺆﺭﺧﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﻔﺴﺮﻳﻦ ﻭﺃﺋﻤﺔ ﺍﻟﻨﻘﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻐﺎﻟﻂ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﻻ ﻋﺘﻤﺎﺩﻫﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻟﻨﻘﻞ‬
‫ﻏﺜﺎ ً ﺃﻭ ﺳﻤﻴﻨﺎ ً ﻭﻟﻢ ﻳﻌﺮﺿﻮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﺻﻮﻟﻬﺎ ﻭﻻ ﻗﺎﺳﻮﻫﺎ ﺑﺄﺷﺒﺎﻫﻬﺎ ﻭﻻ ﺳﺒﺮﻭﻫﺎ ﺑﻤﻌﻴﺎﺭ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﻮﻗﻮﻑ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻁﺒﺎﺋﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﺗﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻭﺍﻟﺒﺼﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ‪ ،‬ﻓﻀﻠﻮﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺗﺎﻫﻮﺍ ﻓﻲ ﺑﻴﺪﺍء ﺍﻟﻮﻫﻢ‬
‫ﻭﺍﻟﻐﻠﻂ"ﺇﻫـ‪.‬‬
‫ﻭﻳﺒﺪﺃ ﻓﻲ ﺫﻛﺮ ﺃﻣﺜﻠﺔ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻧﻢ ﻣﺰﺍﻟﻖ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﻭﺍﻹﻋﺘﻤﺎﺩ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻟﻨﻘﻞ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﺆﺭﺧﻴﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻥ‬
‫ﺍﻟﻤﺮﺭﺥ ﺍﻟﻤﺴﻌﻮﺩﻱ ﺫﻛﺮ ﺃﻥ ﺟﻴﺶ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺘﻴﻪ ﻛﺎﻥ ﻋﺪﺩﻩ ‪٦۰۰‬ﺃﻟﻒ ﺟﻨﺪﻱ؟ !‪ ..‬ﺛﻢ ﻳﻌﻘﺐ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﺑﻘﻮﻟﻪ ‪" :‬ﻭﻣﺎ ﺫﻟﻚ ﺇﻻ ﻟﻮﻟﻮﻉ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺑﺎﻟﻐﺮﺍﺋﺐ‪،‬ﻭﺳﻬﻮﻟﺔ ﺍﻟﺘﺠﺎﻭﺯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺍﻟﻤﺘﻌﻘﺐ ﻭﺍﻟﻤﺘﻨﻘﺪ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺤﺎﺳﺐ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺄ ﻭﻻ ﻋﻤﺪ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﻄﺎﻟﻬﺒﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺒﺮ ﺑﺘﻮﺳﻂ ﻭﻻ ﻋﺪﺍﻟﺔ‬
‫ﻭﻻ ﻳﺮﺟﻌﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺑﺤﺚ ﻭﺗﻔﺘﻴﺶ ﻓﻴﺮﺳﻞ ﻋﻨﺎﻧﻪ‪ ،‬ﻭﻳﺴﻴﻢ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﺗﻊ ﺍﻟﻜﺬﺏ ﻟﺴﺎﻧﻪ"‪.‬‬
‫ﺃﻭ ﻣﺜﻞ ﺁﺧﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻘﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ‪" :‬ﺇﻥ ﻣﻠﻮﻙ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻐﺰﻭﻥ ﻣﻦ ﻗﺮﺍﻫﻢ ﺑﺎﻟﻴﻤﻦ ﺇﻟﻰ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻭﺍﻟﺒﺮﺑﺮ‬
‫ﻣﻦ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ‪ ،‬ﻭﻳﻔﻨﺪ ﻫﺬﺍ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﻄﻴﺎﺕ ﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻓﻨﺬ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ‬
‫ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻤﻌﻄﻴﺎﺕ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﺛﺎﻟﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻔﺴﺮ ﺍﻟﻘﺮﻁﺒﻲ ﻭﺍﻟﺜﻌﺎﻟﺒﻲ ﻭﺍﻟﺰﻣﺨﺶﺭﻱ ﻋﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻗﻼﺑﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻋﻦ‬
‫ﺗﻔﺴﻴﺮ )ﺇﺭﻡ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻌﻤﺎﺩ( ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻨﻴﺖ ﻓﻲ ﺻﺤﺎﺭﻯ ﻋﺪﻥ ﻓﻲ ﻣﺪﺓ ‪۳۰۰‬ﺳﻨﺔ !!‪ ..‬ﻭﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮ ﺷﺪﺍﺩ‬
‫ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ‪۹۰۰‬ﺳﻨﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻔﻨﺪ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻤﻌﻄﻴﺎﺕ ﺍﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﺭﺍﺑﻊ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﻧﻜﺒﺔ ﺍﻟﺒﺮﺍﻣﻜﺔ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﺍﻟﺮﺷﻴﺪ ﺃ ﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺴﺒﺐ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﺔ ﺃﺧﺖ ﺍﻟﺮﺷﻴﺪ‬
‫ﻣﻊ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﺑﺮﻣﻚ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻔﻨﺪ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻤﻌﻄﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‪.‬‬

‫ﺍﻟﻨﺺ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻭﻗﺎﻧﻮﻧﻪ‬

‫ﺳﻮﻑ ﻧﺘﻨﺎﻭﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻔﺼﻞ ﺗﺤﺖ ﺑﺤﺚ ﺍﻟﺘﻄﺒﻴﻘﺎﺕ‪ ،‬ﻭﻧﺸﻴﺮ ﻫﻨﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﻼﻗﺔ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺑﺎﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ‪.‬‬
‫ﻛﺚﻳﺮﺍً ﻣﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻨﺪ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺃﻱ ﻗﻀﻴﺔ ﺃﻥ ﻳﺮﻓﻊ ﻧﺼﺎ ً ﻭﻳﻮﺿﻊ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﻛﺈﻳﺠﺎﺩ ﻋﺎﺋﻖ ﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺔ‬
‫ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻭﺩﻓﻊ ﺍﻟﺸﻠﻞ ﻓﻴﻪ ﺗﺤﺖ ﺷﻌﺎﺭ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﻭﺍﻹﻟﺘﺰﺍﻡ‪.‬‬
‫ﺃﻭﻻً ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺬﻛﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﺍﻓﻊ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺑﻮﺍﻋﺜﻪ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻻ ﻧﺴﻤﺢ ﻟﻌﻘﻮﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻳﻐﺘﺎﻟﻬﺎ‬
‫ﺃﺣﺪ ﻣﺎ ﺇﺳﺘﻄﻌﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺳﺒﻴﻼ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﺗﺨﺘﺼﺮ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﻤﻞ ﻣﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻫﻮﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﻨﺺ ﻓﻲ ﺿﻮء ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‬
‫ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻟﻨﺺ ﻳﻤﺜﻞ ﺇﻧﻌﻜﺎﺱ ﻓﻬﻤﻪ ﻋﻠﻰ ﺫﻫﻦ ﻣﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﺍﻟﻨﺺ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ‪.‬‬
‫ﺃﻣﺎﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﻳﺠﺐ ﺍﻟﻔﺼﻢ ﻭﺑﺸﻜﻞ ﺣﺎﺳﻢ ﺑﻴﻦ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻭﺍﻟﻨﺺ‪ ،‬ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻧﺺ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﻣﻔﺎﻫﻴﻢ‬
‫ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﻓﻮﻕ ﻛﻞ ﺫﻱ ﻋﻠﻢ ﻋﻠﻴﻢ‪.....‬‬
‫ﺃﻣﺎﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻛﺘﺐ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺇﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧﻪ ﺍﻟﺸﻬﻴﺮ ﺃﻥ ﺻﺮﻳﺢ ﺍﻟﻤﻌﻘﻮﻝ ﻟﻦ ﻳﻨﺎﻗﺾ ﺑﺤﺎﻝ ﺻﺤﻴﺢ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻹﻳﺠﺎﺩ ﻭﺣﺪﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺼﺪﺭﻳﻦ ﺑﺈﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﻤﺼﺪﺭﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻷﺻﻞ ﻣﺼﺪﺭ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﷲ‬
‫ﺗﻌﺎﻟﻰ )ﺍﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﻗﻄﻌﻲ ﺍﻟﺴﻤﻊ ﻣﻊ ﻗﻄﻌﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑﺨﻼﻑ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻅﻨﻲ ﻭﺍﻷﺧﺮ ﻗﻄﻌﻲ(‪.‬‬
‫ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ‪) :‬ﺇﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﺎﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺩﻟﻴﻞ ﻗﻄﻌﻲ ﺳﻤﻌﻲ ﻳﻤﺘﻨﻊ ﺃﻥ ﻳﻌﺎﺭﺿﻪ ﻗﻄﻌﻲ ﻋﻘﻠﻲ(‪.‬‬

‫‪70‬‬
 ‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻛﻴﻒ؟‬
‫ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ "ﻟﻤﺎﺫﺍ" ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺃﻛﺘﺸﺎﻑ ﺍﻟﻤﺒﺮﺭ ﺃﻭ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻲ ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ‬
‫ﺍﻟﻮﺍﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ "ﻛﻴﻒ" ﻫﻲ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ‪.....‬‬
‫ﺗﻨﻬﻴﺞ ﺍﻟﻌﻘﻞ )ﺇﻛﺘﺴﺎﺑﻪ ﻟﻠﻤﻨﻬﺞ( ـ ﺍﻟﺘﺴﻠﺢ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ـ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ـ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻈﻨﻲ ﻭﺍﻟﻬﻮﻯ ـ ﻫﻞ‬
‫ﻧﺴﺤﺐ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ ﻅﺮﻑ ﻣﺎ )ﻭﺃﺿﻠﻪ ﷲ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ( ـ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺠﺎﻣﻠﺔ ﻭﺍﻟﻨﺰﺍﻉ ـ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﻮﻟﻴﺔ ـ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻹﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻭﺍﻟﺼﺒﺮـ ﺍﻟﺘﻌﺎﻧﻖ ﻣﻊ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺍﻝ ﻧﻈﺮﻓﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺑﺪء ﺍﻟﺨﻠﻖ ـ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‬
‫ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ـ ﻓﻲ ﺭﻭﺡ ﺭﺑﻂ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺑﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ـ ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ ﺍﻟﺪﻋﺎء )ﺍﻟﺠﻬﺪ ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ‪،‬‬
‫ﺍﻟﺪﻋﺎء ﻳﻮﺍﺟﻪ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ(‪.‬‬
‫ﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻣﺒﺪﺃ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺘﻄﺮﻑ ﻭﺫﻫﺎﺏ ﺍﻟﻌﻠﻢ ـ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﻷﻗﺘﻠﻨﻚ ـ ﻭﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﻭﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ـ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻣﺮﺽ ﺍﻟﻌﺼﺮ ـ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ "ﻟﻤﺎﺫﺍ " ﻫﻮ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺇﻛﺘﺸﺎﻑ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻲ ﻓﻲ ﺗﺒﺮﻳﺮ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﻮﺍﻋﻴﺔ ﺃﻱ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ‬
‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺘﺎﺯ ﺑﺎﻟﻮﻋﻲ ﺧﻼﻓﺎ ً ﻟﻠﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﻱ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻤﻞ ﺃﻭ ﺍ ﻟﻨﺤﻞ ‪ .‬ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ "ﻛﻴﻒ "‬
‫ﻓﻬﻲ ﺗﺒﻴﻦ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﻟﻤﺒﺪﺃ ﺃﻭ ﻓﻜﺮ ﺓ ﻣﺎ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺇﻛﺘﺸﺎﻑ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻠﻨﺸﺎﻁ‬
‫ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻓﻜﺮﺓ ﻣﺎ ﻗﺪ ﺗﺘﻌﺮﺽ ﺃﺛﻨﺎء ﺍﻟﺘﻄﺒﻴﻖ ﻟﻔﺸﻞ ﻓﻲ ﺣﺼﻮﻝ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺱ ﻣﻦ‬
‫ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺩﻭﺭﺓ ﺣﻠﺰﻭﻧﻴﺔ ﺑﺈﺗﺠﺎﻩ‬
‫ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ‪ ،‬ﺃﻱ ﻧﻘﺪ ﺍﻝﻧﻘﺪ ﻭﻫﻜﺬﺍ‪ ......‬ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻄﻲ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺃﻋﻈﻢ ﺻﻮﺭ ﺍﻟﺒﻠﻮﺭﺓ ﺍﻟﻨﻘﻴﺔ ﻭﺗﺮﻛﻴﺰ ﺍﻟﻜﺜﺎﻓﺔ ‪ .‬ﻫﻨﺎﻙ‬
‫ﻋﻼﻗﺔ ﺟﺪﻟﻴﺔ ﺑﻴﻦ "ﻟﻤﺎﺫﺍ" ﻭ"ﻛﻴﻒ" ﺃﻭ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺒﺮﺭ ﻭﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ‪ ،‬ﻓﻤﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﻳﺤﺼﻞ ﺇﻧﻀﺎﺝ‬
‫ﻭﺗﻌﺪﻳﻞ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺼﺐ ﻓﻲ ﻗﻮﺍﻟﺐ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻟﺪﻓﻌﺎﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻖ ﻭﺍﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺔ ﻭﺍﻟﻤﻼﺣﻘﺔ ﺍﻟﻤﻀﻨﻴﺔ ﻟﻮﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﻒ ﻛﺮ ﻓﻲ ﻗﻄﺎﻉ ﺍﻟﻤﺒﺮﺭ ﻛﻤﺎ ﻣﺮ‪ ،‬ﻳﻌﻄﻲ ﺻﻔﺎ ًء‬
‫ﻟﻠﻔﻜﺮ‪ ،‬ﻭﻳﻘﻠﻞ ﻋﻨﺎء ﺃﺛﻨﺎء ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﺑﺈﻋﺘﺒﺎﺭ ﺗﺠﻠﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﻭﺭﻭﺣﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ‪،‬‬
‫ﻭﻟﻜﻨﻪ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻻ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﻋﻤﻖ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺗﺒﺎﻳﻦ ﻭﺟﻬﺎﺕ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﺛﻨﺎء ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﺃﻭ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻄﺒﻴﻘﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻤﺒﺪﺃ ﺿﺒﻂ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﺍﻟﻜﻞ ﻳﺴﻠﻢ ﺑﻪ ﻭﻳﺮﺍﻩ ﺧﻠﻘﺎ ً ﻳﺠﺐ ﺍﻟﺘﺴﻠﺢ ﺑﻪ ﻭﻟﻜﻨﻪ‬
‫ﻣﻊ ﺍﻟﺘﻄﺒﻴﻖ ﻳﺼﺒﺢ ﻋﻤﻠﺔ ﻧﺎﺩﺭﺓ‪.‬‬
‫ﻣﺎﺫﺍ ﻧﺤﺘﺎﺝ ﺃﺛﻨﺎء ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ؟‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺑﺎﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﻤﻞ ﻋﻘﻠﻲ ﺷﺎﻕ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺎﻁﻔﺔ ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﺻﻼﺑﺔ ﻭﺑﺮﻭﺩﺓ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻋﻤﻞ‬
‫ﻋﻘﻠﻲ ﻣﻨﻬﺞ‪ ،‬ﺃﻱ ﺃﻥ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺃﻭﻝ ﻋﻤﻠﻪ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﺴﻠﺢ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﻓﻬﻮ ﻣﺰﻳﺞ ﺍﻟﻌﻘﻞ‬
‫ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﺃﻭ ﻗﻞ ﻋﻘﻞ ﻣﻨﻬﺞ ﻣﺴﻠﺢ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻳﻔﺘﺮﺽ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ‪ ،‬ﻓﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ‬
‫ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﻪ ﻭﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﺻﻌﺐ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﺴﺘﺤﻴﻼً ﻣﻊ ﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺐ ﺍﻟﺸﺎﻕ‪ ،‬ﻭﺑﺬﻝ ﺍﻟﺠﻬﺪ‬
‫ﺍﻟﻤﻜﺎﻓﺊ‪ ،‬ﻹﻥ ﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﺑﺬﻝ ﺍﻝﺟﻬﺪ ﺍﻟﻤﻜﺎﻓﺊ ﻭﺍﻹﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﺗﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﻻ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﻣﻦ ﺑﺬﻝ ﺍﻟﺠﻬﺪ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺯﻛﺎﻫﻤﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺳﺤﺐ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﻣﻦ ﺃﺿﺎﺩﻫﻤﺎ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺍﻟﻬﻮﻯ ﻭﺍﻟﻈﻦ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ‬
‫ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻨﻘﺪﻱ ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﺗﺴﻠﺢ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ‪ ،‬ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﻭﺍﻟﻈﻦ‪.‬‬
‫ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻋﺘﺮﺍﺽ ﻳﻘﻮﻝ‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻻ ﻳﻘﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﻼﻝ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻳﻀﻞ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻵﻳﺔ ﺗﺒﺪﺃ ﺑﺄﻧﻪ ﺃﺗﺨﺬ‬
‫ﺍﻟﻬﻮﻯ ﺇﻟﻬﺎ ً ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ‪) :‬ﺃﻓﺮﺃﻳﺖ ﻣﻦ ﺃﺗﺨﺬ ﺇﻟﻬﻪ ﻫﻮﺍﻩ ﻭﺃﺿﻠﻪ ﷲ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ( )‪.(۲۳ :٤٥‬‬
‫ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺳﻴﻄﺮ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﺿﺎﻉ ﺍﻟﻌﻘﻞ‪ ،‬ﻭﺑﻀﻴﺎﻉ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺇﻧﻬﺎﺭ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺿﺪ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺃﺟﻮﺍء ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻟﻌﻠﻪ ﻟﻲ ﺱ ﺑﺎﻟﻘﻠﻴﻞ‪ ،‬ﻗﺪ ﺳﻴﻄﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﺄﺭﺟﺢ ﺑﻴﻦ ﺃﻣﺮﻳﻦ ﻓﻸﻥ ﺗﻨﺎﻭﻝ‬
‫ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ‪ ،‬ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ‪ ،‬ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ‪ ،‬ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ‪ ،‬ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻓﻲ ﺣﺮﺝ ﻓﻼ ﺑﺪ ﺇﺫﺍ ﻓﻴﻪ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﺎﻣﻠﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻻ ﺗﻤﺲ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﻭﺗﺘﺮﻙ ﺑﺪﻭﻥ ﺣﻞ‪ ،‬ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﺇﺫﺍ ﺣﺪﺙ ﺑﺤﺚ ﻓﻴﻬﺎ‬

‫‪71‬‬
 ‫ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺗﻜﻬﺮﺏ ﺍﻟﺠﻮ ﻭﺗﻮﺗﺮ ﺍﻷﻋﺼﺎﺏ ﻭﺍﻟﻨﺰﺍﻉ ﺃﻭﺍﻟﻤﻬﺎﺗﺮﺓ ﻭﺭﻭﺡ ﺍﻹﻧﺘﻘﺎﻡ ﻭﺍﻟﺘﺤﻄﻴﻢ ﻣﻦ ﺍﻷﻁﺮﺍﻑ‬
‫ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ‪ ،‬ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﻣﻦ ﻗﻀﻴﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻗﻀﻴﺔ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻟﻜﻞ ﻓﻴﻬﺎ‬
‫ﻣﺰﺍﺟﻪ ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻔﻜﺮ ﻭﻳﺘﺮﻙ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﺸﻤﻮﻟﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺩﺍﺧﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻮﺍﺭ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ‪ ،‬ﻭﺟﺪﻝ‬
‫ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻹﺳﺘﻨﻜﺎﺭ ﻓﻲ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ‪،‬ﻭﺍﻹﻋﺘﺮﺍﺽ ﻓﻲ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻹﺣﺘﺠﺎﺝ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ‪،‬‬
‫ﺛﻢ ﻫﻲ ﺷﻤﻮﻟﻴﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﺃﺩﺍﺓ ﺗﻨﻈﻴﻒ ﻟﻠﻮﻋﻲ ﻭﺍﻟﺨﻠﻖ ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺿﻤﻴﺮ ﺍﻟﻔﺮﺩ‪ ،‬ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ‬
‫ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻱ‪ ،‬ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔ ﺍﻟﻤﺨﺒﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺪﺃﺏ ﻭﺭﺡ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﻲﺭﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺃﺩﺍﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻼﻭﻋﻲ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻠﺰﻣﺎﺕ ﺍﻟﻨﻘﺪ‬
‫ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻳﺘﻌﺎﻧﻖ ﻣﻊ ﻣﺒﺪﺃ ‪ :‬ﻗﻞ ﺳﻴﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﺎﻧﻈﺮﻭﺍ ﻛﻴﻒ ﺑﺪﺃ ﺍﻟﺨﻠﻖ‪ ،‬ﻓﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺃﻳﺎ ﻛﺎﻧﺖ‬
‫ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﻭﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺗﻄﻮﺭﻫﺎ‪ ،‬ﻫﻲ ﻣﻦ ﻭﻅﺎﺋﻒ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ‪ .‬ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﺩﺍﺓ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ‬
‫ﻭﻣﻊﺍﺻﺮﺓ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻓﻬﻲ ﺗﻤﺴﺢ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻭﺍﻟﺰﻣﺎﻥ‪ ،‬ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ‪ ،‬ﺍﻷﺳﺨﺎﺹ‪ .‬ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻊ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻳﺤﺼﻞ ﺗﺄﻣﻞ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺭﺑﻂ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺑﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‪ ،‬ﻓﻤﻊ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺤﺼﻞ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﺸﻌﺮﺍﺕ ﻟﺴﻴﺮ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺇﺗﺠﺎﻫﻪ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ‪ ،‬ﺃﻱ ﺃﻥ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻳﺮﺍﻓﻖ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ‬
‫ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ‪.‬‬
‫ﺳﻨﺤﺎﻭﻝ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﺍﻻﻥ ﺇﻟﻘﺎء ﺍﻟﻀﻮء ﺑﺸﻜﻞ ﺃﻭﺳﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻮﻉ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺮﺕ ‪.... :‬‬

‫‪ :‬ﻛﺴﺐ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺃﻱ‬ ‫ـ ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻫﻲ‬

‫ﺗﻨﻬﻴﺞ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻗﺒﻞ ﻣﺪﺓ ﺑﺎﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪..‬‬
‫ﻓﻲ ﺗﺸﺨﻴﺺ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﻨﻬﺞ ﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ‬
‫ﻫﻮﺍﻟﺼﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﺩ ﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﺻﺎﺋﺒﺔ‪ ،‬ﺧﻼﻓﺎ ً ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺍﻟﺒﻬﻠﻮﺍﻧﻲ ﻓﻲ ﺇﻛﺘﺸﺎﻑ ﺳﺮﻳﻊ ﻟﻠﻤﺮﻳﺾ ﺑﺪﻭﻥ‬
‫ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘﺸﺨﻴﺺ ﺍﻟﺴﺮﻳﻊ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ ﻫﻮﺃﺳﻮﺍء ﻣﻦ ﺗﺸﺨﻴﺺ ﺧﺎﻁﺊ ﻣﻊ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻘﺪ ﺑﺤﺜﻨﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﺗﺪﺭﻳﺐ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﻭﺭﻭﺡ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﻧﺔ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺻﺎﺋﺒﺔ‪ ،‬ﺇﻥ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺳﻮﻑ ﻳﻦﺿﺞ ﻭﻳﺘﺼﺤﺢ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺗﺼﻮﺭ ﺍﻟﺸﻲء ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺍﺟﻬﺘﻪ‪ ،‬ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﺗﺸﻜﻞ ﺍﻟﻘﺎﻟﺐ ﻟﻠﺤﺪﻳﺪ ﺍﻟﻤﺼﻬﻮﺭ ﺣﺘﻰ ﻳﺄﺧﺬ ﺷﻜﻠﻪ‬
‫ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻲ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﻷﺩﺍﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ‪ ،‬ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺇﻛﺘﺸﺎﻑ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻭﺇﺑﻌﺎﺩﻩ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ ﺗﻨﻤﻴﺔ ﻭﺗﻜﺎﻣﻞ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ‪ .‬ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﺠﻮ ﻧﻈﻴﻔﺎ ً‬
‫ﻭﻣﺜﻤﺮﺍً‪ ،‬ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺩﺍﺓ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺤﺮﺹ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ ﻭﻧﻤﻮﻩ ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﻴﻘﻈﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺩﺍﺓ‪ ،‬ﻭﻳﻘﻈﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺩﺍﺓ ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﻨﻘﺪﻫﺎ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ‪ ،‬ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﻳﺒﻘﻰ‬
‫ﺣﻴﺎ ً ﺑﺎﻟﻨﻘﺪ ﻭﻫﻮ ﺃﻓﻀﻞ ﺧﻼﺻﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻘﺮﻳﺮﻫﺎ‪.‬‬
‫ـ ﺍﻟﺘﺲﻟﺢ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ‪....‬‬
‫ﺃﻋﻄﻰ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ‪ ،‬ﻭﺳﺤﺐ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻦ ﻭﺍﻟﻬﻮﻯ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ ﻭﺿﻊ ﻣﺘﻘﺎﺑﻼﺕ ﻓﻲ‬
‫ﺻﻮﺭﺓ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎﺕ‪:‬‬
‫ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻳﻘﺎﺑﻠﻪ‪ ...........‬ﺍﻟﻈﻦ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻌﻘﻞ‪ ............... :‬ﺍﻟﻬﻮﻯ‪.‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﺗﺒﻘﻰ ﺭﺍﺳﺨﺔ ﻻ ﺗﺘﺰﻋﺰﻉ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻧﺼﻮﺹ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‪....‬‬

‫‪72‬‬
 ‫ﻳﺠﻤﻊ ﺍﻷﻣﺮﺍﻥ ﻓﻲ ﻧﺼﻒ ﺁﻳﺔ ﻓﻲ ﺱﻭﺭﺓ ﺍﻟﻨﺠﻢ‪) :‬ﺇﻥ ﻳﺘﺒﻌﻮﻥ ﺇﻻ ﺍﻟﻈﻦ ﻭﻣﺎ ﺗﻬﻮﻯ‬
‫ﺍﻷﻧﻔﺲ ﻭﻟﻘﺪ ﺟﺎءﻫﻢ ﻣﻦ ﺭﻫﻢ ﺍﻟﻬﺪﻯ( )‪.(۲۳ :٥۳‬‬
‫ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻼﻗﺔ ﺟﺪﻟﻴﺔ ﺃﻳﻀﺎ ً ﺑﻴﻦ )ﺍﻟﻌﻘﻞ ‪ +‬ﺍﻟﻌﻠﻢ(‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﻞ )ﺍﻟﻈﻦ ‪ +‬ﺍﻟﻬﻮﻯ ( ﻳﻤﻜﻦ ﺭﺳﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ‬
‫ﻛﻤﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫ﺍﻟﻌﻘﻞ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ﺍﻟﻌﻠﻢ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ﻓﻲ ﻧﻘﻄﺔ ﺇﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﻳﺤﺪﺙ ﻣﺮﻛﺐ ﺇﻧﻔﺠﺎﺭﻱ ﺃﻧﺸﻄﺎﺭﻱ ﺣﻠﺰﻭﻧﻲ ﺻﺎﻋﺪ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻳﺸﺒﻊ ﺍﻷﺧﺮ‬
‫‪ :‬ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﻫﻦ‪ ،‬ﻭﺑﺈﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﻌﻘﻞ‬ ‫ﻭﻳﻜﺎﻣﻠﻪ‪ ،‬ﺇﺫﺍ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺈﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﺇﻧﻌﻜﺎﺱ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﺭﻱ‬
‫ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺮﻛﺐ‪.‬‬
‫ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻈﻦ ـ ﺍﻟﻬﻮﻯ‪ ،‬ﻻ ﺕﺧﺮﺝ ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻋﻜﺲ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻤﺎ ﻣﺮ‪......‬‬
‫ﺍﻟﻈﻦ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ﺍﻟﻬﻮﻯ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ﺇﻥ ﺣﺬﻑ ﺃﻭ ﻗﺼﻮﺭ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻻ ﻣﻌﺎﻭﺿﺔ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺗﺼﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺃﻭ ﺑﻌﺾ‬
‫ﺃﻋﻀﺎء ﺍﻟﺒﺪﻥ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﺘﻜﺎﺱ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺿﺒﻂ ﻭﺩﻗﺔ ﻭﺣﺪﻭﺩ ﻭﺗﻜﺜﻴﻒ ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻬﻮﻯ ﺑﻌﺜﺮﺓ ﻭﺗﻔﻠﺖ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ ﻭﻣﻊ ﺍﻹﻧﻄﻼﻕ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ‬
‫ﻭﺗﻔﻠﺖ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﺗﺨﻒ ﺣﺪﺓ ﺍﻷﺩﺍء ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻖ ﻁﺮﻳﻖ ﺍﻟﻮﻋﻲ‪ ،‬ﺇﻥ ﺇﺗﻘﺎﺩ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﺘﺄﻟﻖ ﻭﻫﻮ‬
‫ﻣﺎ ﻋﺒﺮ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﺎﻟﻨﻮﺭ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ )ﺃﻭ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﻴﺘﺎ ً ﻓﺄﺣﻴﻴﻨﺎﻫﺎ ﻭﺟﻌﻠﻨﺎ ﻟﻪ ﻧﻮﺭﺍً ﻳﻤﺸﻲ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻛﻤﻦ‬
‫ﻣﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ ﻟﻴﺲ ﺑﺨﺎﺭﺝ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﺯﻳﻦ ﻟﻠﻜﺎﻓﺮﻳﻦ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ( ﺍﻻﻧﻌﺎﻡ ‪۱۲۲‬‬

‫ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ‪:‬‬
‫ﺇﻧﻬﺎ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺷﺎﻗﺔ ﺃﺛﻨﺎء ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭﻫﻲ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺩﻋﻮﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻝ ‪) :‬ﺃﻋﺪﻟﻮﺍ ﻫﻮ ﺃﻗﺮﺏ‬
‫ﻟﻠﺘﻘﻮﻯ( )‪(۸ :٥‬‬
‫ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻫﻮ ﺍﻹﻟﺘﺰﺍﻡ ﺍﻟﺠﺎﻡ ﺩ ﺑﺎﻟﻨﺼﻮﺹ‪ ،‬ﻭﻫﻨﺎ ﻧﺮﺍﻫﺎ ﺑﺎﻹﻧﻀﺒﺎﻁ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺘﺤﺮﻱ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ‬
‫ﺁﺩﺍﺓ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺃﺧﺘﻼﻁ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺘﺠﺮﻳﺢ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻣﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺘﺤﺮﻱ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ﻭﻫﺬﺍ‬
‫ﻳﻌﻨﻲ ﻋﻤﻞ ﻋﻘﻠﻲ ﺟﺎﺩ‪ ،‬ﻭﻫﺪﻭء‪ ،‬ﺿﺒﻂ ﻧﻔﺲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻘﺪﻭﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮ ﻣﺎ ﺑﻐﻴﺮ ﻣﻘﺪﻣﺎﺕ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺑﺤﺚ ﺃﻣﺮ ﻣﺎ ﺃﻥ‬
‫ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺄﺳﻠﻮﺏ ﺕﺑﺮﻳﺮﻱ‪ ،‬ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﻤﻦ ﻧﺮﻳﺪ ﺃﻭ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺇﺿﻌﺎﻓﻪ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﻤﻦ ﻻ ﻧﺤﺐ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻨﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﺗﻌﺎﺭﺽ ﺷﺪﻳﺪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺤﺰﺑﻲ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺤﺰﺑﻲ ﺃﻧﺴﺎﻥ ﺃﻋﻤﻰ ﻷﻧﻪ ﻳﻔﻘﺪ‬
‫ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔ ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﺘﻤﻠﻚ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺑﺎﻷﺻﻞ‪ ،‬ﺃﻭ ﺃﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺴﻦ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﻗﺪ ﺃﺿﻌﻔﺖ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ‬
‫ﻛﺒﻴﺮ‪.‬‬

‫ـ ﻫﻞ ﺗﺴﺤﺐ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﻡ ﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﻅﺮﻑ ﻣﺎ؟‬

‫ﻣﻊ ﻛﻞ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻋﻄﺎﻩ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺍﻟﺒﻌﺾ‪ ،‬ﻭﻳﺮﺩ ﺑﺈﻋﺘﺮﺍﺿﻴﻦ‪ ،‬ﺍﻷﻭﻝ ‪ :‬ﺁﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ‪:‬‬
‫)ﻭﺃﺿﻠﻪ ﷲ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ(‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻋﻦ ﻛﺎﺗﺐ ﺃﻭﺭﺑﻲ ﻫﻮ ﺳﻮﻣﺮﺳﺖ ﻣﻮﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻘﻞ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻛﺎﺋﻦ ﻣﺘﻘﻠﺐ‬
‫ﻓﻬﻮ ﻳﻨﻔﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﺎ ﺃﺛﺒﺘﻪ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻭﻟﺬﺍ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻨﺤﻪ ﺍﻟﺜﻘﺔ‪.‬‬
‫ﺃﻣﺎ ﻣﻨﻄﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﻓﻬﻮ ﻭﺍﺿﺢ‪......‬‬
‫ہﻠﻟ ﺃﺛﻨﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎء ﻭﺯﻛﺎﻫﻢ ﻭﺃﻧﻬﻢ ﺳﻴﺪﺭﻛﻮﻥ ﺍﻟﺤﻖ ‪) :‬ﻭﻟﻴﻌﻠﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻭﺗﻮﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﺍﻟﺤﻖ ﻣﻦ ﺭﺑﻚ‬
‫ﻓﻴﺆﻣﻨﻮﺍ ﺑﻪ ﻓﺘﺨﺒﺖ ﻟﻪ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ( )‪.(٥٤ :۲۲‬‬

‫‪73‬‬
 ‫ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻭﺗﻮﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻳﺮﻭﻥ ﻣﺎ ﺃﻭﺣﻲ ﺃﻧﻪ ﺍﻟﺤﻖ ‪) :‬ﻭﻳﺮﻯ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻭﺗﻮﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﺰﻝ ﺇﻝ ﻳﻚ ﻣﻦ ﺭﺑﻚ ﻫﻮ‬
‫ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻳﻬﺪﻱ ﺇﻟﻰ ﺻﺮﺍﻁ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺤﻤﻴﺪ( )‪.(٦ :۳٤‬‬
‫ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻭﺗﻮﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻟﻢ ﻳﺨﺪﻋﻬﻢ ﻣﻮﻛﺐ ﻭﺯﻳﻨﺔ ﻗﺎﺭﻭﻥ ‪) :‬ﻓﺨﺮﺝ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻣﻪ ﻓﻲ ﺯﻳﻨﺘﻪ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻳﺪﻭﻥ‬
‫ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻳﺎﻟﻴﺖ ﻟﻨﺎ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﺃﻭﺗﻲ ﻗﺎﺭﻭﻥ ﺇﻧﻪ ﻟﺬﻭ ﺣﻆ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻭﺗﻮﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﻳﻠﻜﻢ ﺛﻮﺍﺏ ﷲ ﺧﻴﺮ (‬
‫)‪۷۹ :۳۸‬ـ‪.(۸۰‬‬
‫ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻋﻨﺪﻩ ﻋﻠﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺳﺒﻖ ﺍﻟﻤﺮﺩﺓ ﻭﺍﻟﺠﻦ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ‪) :‬ﻗﺎﻝ ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﻠﺆﺍ ﺃﻳﻜﻢ ﻳﺄﺗﻴﻨﻲ‬
‫ﺑﻌﺮﺷﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻮﻧﻲ ﻣﺴﻠﻤﻴﻦ ﻗﺎﻝ ﻋﻔﺮﻳﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻦ ﺃﻧﺎ ﺃﺗﻴﻚ ﺑﻪ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻡ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻣﻚ ﻭﺃﻧﻲ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ﻟﻘﻮﻱ ﺃﻣﻴﻦ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﻨﺪﻩ ﻋﻠﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺃﻧﺎ ﺃﺗﻴﻚ ﺑﻪ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺮﺗﺪ ﺇﻟﻴﻚ ﻁﺮﻓﻚ( )‪۳۸ :۲۷‬ـ‪.(٤۰‬‬
‫ﺃﻣﺎ ﺍﻵﻳﺔ‪) :‬ﻭﺃﺿﻠﻪ ﷲ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ( ﻓﻴﺠﺐ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻭﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻟﻨﻌﺮﻑ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﺎﻗﺾ ﺑﻌﻀﻪ‬
‫ﺑﻌﻀﺎً‪ ،‬ﻓﻴﺠﻌﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﻣﻜﺎﻧﺎ ً ﻟﻠﺜﻘﺔ ﻭﺁﺧﺮﻯ ﻳﻨﺰﻋﻬﺎ ﻋﻨﻪ )ﺃﻓﻼ ﻳﺘﺪﺑﺮﻭﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ‬
‫ﻏﻴﺮ ﷲ ﻟﻮﺟﻮﺩﻭﺍ ﻓﻴﻪ ﺇﺧﺘﻼﻑ ﻛﺜﻴﺮﺍً( )ﺍﻟﻨﺴﺎء‪.(۸۲‬‬
‫ﻭﺍﻵﻳﺔ ﺟﺎءﺕ ﻓﻲ ﻡ ﻛﺎﻧﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻗﺎﻥ ‪) :‬ﺃﺭﺃﻳﺖ ﻣﻦ ﺃﺗﺨﺬ ﺇﻟﻬﻪ ﻫﻮﺍﻩ ﺃﻓﺄﻧﺖ‬
‫ﺗﻜﻮﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻛﻴﻼ( )‪ (٤۳ :۲٥‬ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﺠﺎﺛﻴﺔ‪) :‬ﺃﻓﺮﺃﻳﺖ ﻣﻦ ﺃﺗﺨﺬ ﺇﻟﻬﻪ ﻫﻮﺍﻩ ﻭﺃﺿﻠﻪ ﷲ ﻋﻠﻰ‬
‫( )‪:٤٥‬‬ ‫ﻋﻠﻢ ﻭﺧﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﺳﻤﻌﻪ ﻭﻗﻠﺒﻪ ﻭﺟﻌﻞ ﻋﻠﻰ ﺑﺼﺮﻩ ﻏﺸﺎﻭﺓ ﻓﻤﻦ ﻳﻬﺪﻳﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﷲ ﺃﻓﻼ ﺗﺬﻛﺮﻭﻥ‬
‫‪.(۲۳‬‬
‫ﻭﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻧﻨﺴﻰ ﻧﻀﻴﻒ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻤﻠﺤﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﻲ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻗﺎﻥ ‪) :‬ﺃﻡ ﺗﺤﺴﺐ ﺃﻥ ﺃﻛﺜﺮﻫﻢ‬
‫ﻳﺴﻤﻌﻮﻥ ﺃﻭ ﻳﻌﻘﻠﻮﻥ ﺇﻥ ﻫﻢ ﺇﻻ ﻛﺎﻷﻧﻌﺎﻡ ﺑﻞ ﻫﻢ ﺃﺿﻞ ﺳﺒﻴﻼ( )‪.(٤٤ :۲٥‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﻓﻲ ﺍﻵﻳﺘﻴﻦ ﻫﻮ ﺗﻌﻄﻞ ﺍﻟﻔﻬﻢ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻫﺒﻄﺖ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺇﺭﺗﻔﻊ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﺣﺘﻰ ﺳﻴﻄﺮ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎﻓﺬ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﻨﻔﻌﻬﻢ ﻋﻠﻢ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺗﺰﻛﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻟﻠﻌﻠﻢ‪.‬‬
‫ﺃﻣﺎ ﻋﻦ ﺗﻘﻠﺐ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﻴﺠﺐ ﺍﻟﺘﻔﺮﻳﻖ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﻮﻫﺮﻱ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻈﻦ‪ ،‬ﻗﺪ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺍﻟﻈﻦ ﺃﻱ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺼﺒﺢ ﺑﻌﺪ‬
‫ﻋﻠﻤﺎً‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﻬﻮ ﺛﺎﺑﺖ ﻻ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﺭ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺑﺠﻮﻫﺮﻫﺎ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻫﻲ ﺗﺒﻴﻦ ﺍﻷﻣﺮ ﻫﻞ ﻫﻮ ﻋﻠﻢ ﺃﻡ ﻻ‪............‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﺒﻊ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﺳﻮﺍء ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﺭﺓ ﺃﻡ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺒﻨﺎﺕ‪ ،‬ﺍﻷﻋﻀﺎء‪ ،‬ﺍﻟﻨﻔﺲ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ‪ ،‬ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﺑﻨﺎء ﺍﻟﻤﺠﺮﺍﺕ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻳﻮﺍﺟﻪ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺳﻨﻦ ﻛﺴﻨﺔ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎء‪ ،‬ﺍﻟﻤﻐﻨﺎﻁﻴﺲ‪ ،‬ﺍﻟﺮ ﻋﺪ‪ ،‬ﻧﺰﻭﻝ ﺍﻟﻤﻄﺮ‪،‬‬
‫ﺍﻟﺘﻮﺍﻟﺪ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺮﺽ‪ ،‬ﺍﻟﺴﺮﻁﺎﻥ‪ .....‬ﺇﻟﺦ‪....‬‬
‫ﺇﻥ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺴﻨﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﺇﻛﺘﺸﺎﻓﻬﺎ ﻭﻓﻬﻤﻬﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﺜﻞ ﺇﻧﻌﻜﺎﺱ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻫﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ‬
‫ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪.....‬‬
‫ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ ﻋﻦ ﻛﺮﻭﻳﺔ ﺍﻷﺭﺽ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺑﺄﻥ ﺍﻟﻤﺎء ﻳﺘﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﻭﻛﺴﺠﻴﻦ‬
‫ﻭﻫﻲﺩﺭﻭﺟﻴﻦ‪ ،‬ﻭﺑﺄﻥ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻣﺤﺎﻁﺔ ﺑﺄﻓﻼﻙ ﺗﺴﻌﺔ ﻛﺤﻘﺎﺋﻖ ﻋﻠﻤﻴﺔ‪ ،‬ﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺸﻌﺮﺍﺕ ﺗﻮﺛﻖ ﺍﻷﻣﺮ‬
‫ﺑﺄﻧﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻭﻟﻴﺲ ﻅﻨﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻛﻮﺍﺷﻒ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻫﻤﺎ ﺃﻣﺮﺍﻥ "ﺍﻟﺘﺴﺨﻴﺮ" ﻭ"ﺍﻟﺘﻨﺒﺆ"‪ ....‬ﺇﺫﺍ ﺃﺣﻀﺮﻧﺎ ﺃﻭﻛﺴﺠﻴﻦ ﻭﻫﻴﺪﺭﻭﺟﻴﻦ ﺑﻨﺴﺒﺔ ‪۱/۲‬‬
‫ﻭﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺷﺮﺍﺷﺔ ﻛﻬﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺪﻣﺞ ﻳﺘﻜﻮﻥ ﻣﻌﻨﺎ ﺍﻟﻤﺎء‪ ،‬ﺛﻢ ﺇﺫﺍ ﺣﻠﻠﻨﺎ ﺍﻟﻤﺎء‪ ،‬ﻭﺻﻠﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻐﺎﺯﻳﻦ‪ ،‬ﺇﻥ‬
‫ﻗﺪﺭﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻨﺒﺆ ﺳﻠﻔﺎ ً ﺑﻤﺎ ﺳﻴﺘﻜﻮﻥ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺛﻢ ﺗﺴﺨﻴﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻲء ﻭﺍﻟﺴﺨﺮﺓ ﺗﻌﻨﻲ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻤﺠﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻱ ﺃﻥ‬
‫ﻓﻬﻤﻪ ﻳﻤﻨﺤﻚ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻴﻪ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻪ ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺇﻧﺤﺮﺍﻑ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺃﻭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺟﻤﻌﺘﻬﺎ‬
‫ﺁﻳﺘﺎﻥ‪ :‬ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎء )ﺑﻞ ﺃﻛﺜﺮ ﻻ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻬﻢ ﻣﻌﺮﺿﻮﻥ ( )‪ (۲٤ :۲۱‬ﻭﺍﻷﺧﺮﻯ ﻓﻲ‬
‫ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻷﺣﺰﺍﺏ ﻋﻦ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ ‪) :‬ﻭﺣﻤﻠﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻅﻠﻮﻣﺎ ً ﺟﻬﻮﻻ ( )‪ (۷۲ :۲۳‬ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻤﺎﺳﻚ‬
‫ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻟﺘﻌﻄﻲ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ‪ :‬ﺍﻷﻭﻝ‪ :‬ﺇﻥ ﺳﺒﺐ ﺃﻋﺮﺍﺽ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻫﻮ ﻋﺪﻡ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺤﻖ‬
‫ﻓﺠﻮﻫﺮﻫﺎ ﻋﺪﻡ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺤﻖ‪ .‬ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺣﺎﻝ ﺍﻷﻛﺜﺮﻳﺔ‪ .‬ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻷﻗﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻬﻞ ﻣﺮﻛﺐ‬

‫‪74‬‬
 ‫ﺃﻭ ﻅﻠﻢ ﺃﻭ ﻣﺎ ﻋﺒﺮ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺁﺧﺮ ﺑﺎﻟﻬﻮﻯ ﺃﻱ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻋﺪﻡ ﺇﺗﺒﺎﻋﻪ ﻷﻥ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﺳﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺍﻟﻨﻔﺲ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﺣﺎﻝ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺘﺒﻊ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﻤﻌﺮﻓﺘﻪ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺪﻓﻌﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺴﻠﺢ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﻷﻧﻪ ﻣﻊ ﻧﺸﺮ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﺘﺒﺔ ﺍ ﻷﻭﻟﻰ ﻟﺪﺧﻮﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻡ‪.‬‬

‫ـ ﺗﺄﺭﺟﺢ ﺍﻷﺑﺤﺎﺙ ﻓﻲ ﻭﺳﻂ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺠﺎﻣﻠﺔ ﻭﺍﻟﻨﺰﺍﻉ‬

‫ﺇﻥ ﺻﺮﺍﺣﺔ ﺍﻷﺳﻠﻮﺏ‪ ،‬ﻭﻭﺿﻮﺡ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ‪ ،‬ﻭﺩﻗﺔ ﺍﻟﻌﺮﺽ‪ ،‬ﻣﻊ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ‪ ،‬ﺟﻮ ﺍﻟﺒﺤﺚ‪،‬‬
‫ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ‪ ،‬ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ‪ ،‬ﻛﻠﻪ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺩﻭﺭ ﻓﻲ ﺃﺧﺬ ﺍﻟﻤﺮﺩﻭﺩ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻲ ﻣﻦ ﺍﻷﺑﺤﺎﺙ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻳﺠﺐ ﺗﻨﺎﻭﻟﻬﺎ ﺑﺼﺮﺍﺣﺔ ﻭﺑﻬﺪﻭء‪ ،‬ﻭﺗﺠﻨﺐ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺑﺪﻋﻮﻯ ﺍﻟﻤﺠﺎﻣﻠﺔ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻒ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻤﺰﻕ ﻭﻫﻢ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻭﺑﻠﻮﺭﺗﻪ ﻭﺇﻛﺘﺸﺎﻑ ﺟﻮﺍﻧﺒﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺗﻼﺣﻢ ﺍﻟﺼﻒ‬
‫ﻷﻥ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﻟﻸﻓﻜﺎﺭ ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻭﻫﻤﻴﺔ‪) .‬ﻛﺎﻥ ﺷﻌﺎﺭ ﻣﺎﻭﺗﺴﻲ ﺗﻮﻧﻎ‬
‫ﻭﺣﺪﺓ ـ ﻧﻘﺪ ـ ﻭﺣﺪﺓ ( ﺇﻥ ﺷﻌﻮﺭﻧﺎ ﺑﺘﺒﺎﻳﻦ ﺍﻷﺭﺍء ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﺑﻔﺰﻋﻨﺎ‪ ،‬ﺑﻞ ﺍﻟﻔﺰﻉ ﺣﻴﻦ ﻳﺘﺮﻙ ﺍﻷﻣﺮ ﻣﻌﻠﻘﺎ ً‬
‫ﺣﺘﻰ ﻧﺼﻄﺪﻡ ﺑﻪ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﺻﻄﺪﺍﻣﺎ ً ﺧﺸﻨﺎ ً ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺴﻮﺏ‪.‬‬
‫ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻭﺍﺿﺤﺎ ً ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﺃﻱ ﺑﺤﺚ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﻋﻤﻞ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﺍﻟﺬﺧﻴﺮﺓ ﺍﻟﻔﻚ ﺭﻳﺔ‬
‫ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ‪ ،‬ﺇﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ‪ ،‬ﻭﺻﻌﻮﺑﺔ ﺍﻟﺒﺤﺚ ‪ .‬ﺃﻱ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﺫﺍﺕ ﺃﺭﺑﻌﺔ‬
‫ﺃﻁﺮﺍﻑ‪:‬‬
‫)ﺍﻟﺒﺤﺚ = ﺍﻟﺬﺧﻴﺮﺓ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻟﻠﺒﺎﺣﺚ ‪ x‬ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻷﺧﺮ(‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺍﻟﺒﺤﺚ‬
‫ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺗﺘﻨﺎﻗﺺ ﻣﻊ ﺇﺭﺗﻔﺎﻉ ﺫﺧﻴﺮﺓ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ ﻭﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻷﺧﺮ ﻓﻤﺜﻼً ﺍﻟﺴﻔﺮ ﻣﻦ‬
‫ﺑﻠﺪ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﻭﺻﻌﻮﺑﺘﻪ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻌﻮﺍﻣﻞ ﻣﻨﻬﺎ ‪ :‬ﻗﻮﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ‪ ،‬ﻭﺳﻬﻮﻟﺔ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ‪ ،‬ﻓﺈﻥ‬
‫ﺍﻟﺴﻠﺒﻲ‪ ،‬ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ‬ ‫ﺳﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﺗﺰﺩﺍﺩ ﻭﺻﻌﻮﺑﺘﻪ ﺗﻜﺜﺮ ﻣﻊ ﺗﻐﻴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺟﺮﺍﺣﻴﺔ ﻣﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺟﺮﺍﺡ ﻣﺘﻤﻜﻦ ﻳﺘﺪﺍﺧﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻹﺳﺘﺌﺼﺎﻝ ﻭﺭﻡ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺷﺮﻭﻁ ﻣﺎ ﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﻨﻬﻲ‬
‫ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﻭﺟﺮﺍﺡ ﺁﺧﺮ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻭﻗﺖ ﻣﻀﺎﻋﻒ ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ‪.‬‬
‫ﻭﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺇﺣﺘﺮﺍﻣﺎ ً ﻟﻌﻘﻮﻟﻨﺎ ﻭﺇﺣﺘﺮﺍﻣﺎ ً ﻟﻠﺒﺤﺚ‪.‬‬
‫ﺇﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﺒﻴﻦ ﻟﻨﺎ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺍﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺤﺎﻭﻝ ﺿﺒﻂ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺃﻛﺜﺮ ﻭﻧﻌﺎﻟﺞ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺑﺼﺒﺮ ﺃﻛﺜﺮ‪،‬‬
‫ﻓﻤﺎﺫﺍ ﻧﻘﻮﻝ ﻟﺠﺮﺍﺡ ﺍﻋﺘﺮﺿﺘﻪ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻓﺒﺪﺃ ﻳﺼﻴﺢ‪ ،‬ﻭﻓﻘﺪ ﺃﻋﺼﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻭﺃﺭﺍﺩ ﺇﻏﻼﻕ ﺍﻟﺒﻄﻦ‬
‫ﻭﺇﺳﺘﺌﺼﺎﻝ ﺍﻟﻮﺭﻡ ﻣﺜﻼً؟!‪......‬‬
‫ﺇﻥ ﺇﻏﻼﻕ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻭﺍﻹﻧﻔﻌﺎﻝ ﻋﻨﺪ ﻅﻬﻮﺭ ﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺎﺕ ﺳﻮﻑ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻮﺭﻡ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻌﻪ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻥ‪،‬‬
‫ﻭﻗﺪ ﻱﺗﻄﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﺧﺒﺚ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ‪ ،‬ﻻﺗﺪﺭﻱ؟!!‪.....‬‬
‫ﺇﻥ ﻓﻦ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻫﻮ ﺍﻹﺻﻐﺎء ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻹﻛﺘﺸﺎﻑ ﺍﻟﻤﺘﻜﻠﻢ‪ ،‬ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺇﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ﻫﻲ‬
‫ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻻﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻤﻬﻴﺪﻳﺔ ﻟﻤﺨﺎﻁﺒﺘﻪ‪ ،‬ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﺭﺳﺎﻝ ﻣﻮﺟﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ‬
‫ﻭﺍﻟﺘﻮﺍﺗﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻤﻌﻪ؟‪....‬‬
‫ً‬
‫ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺳﺎﻋﺎﺕ‪ ،‬ﺃﻱ ﻟﻮﺣﺪﺍﺕ ﻭﻗﺖ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﺏ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺴﺒﻘﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻤﺸﺎﻛﻞ‬
‫ﺗﺤﻞ ﺑﺘﺒﺴﻴﻄﻬﺎ‪ ،‬ﺃﻱ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺣﻠﻬﺎ ﻟﻮﺣﺪﺍﺗﻬﺎ ﺍﻷﻭﻟﻴﻪ ﻭﻓﻬﻢ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﻟﻮﺣﺪﺍﺕ ﻭﻗﺖ ﻣﻜﺎﻓﺌﺔ‪.‬‬
‫ﻳﺪﺧﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺯﺍﺩﻩ‪ ،‬ﻭﺗﻤﻜﻨﻪ ﻣﻨﻪ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ‪ ،‬ﻳﺮﻯ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻵﺧﺮ‬
‫ﻟﻠﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬ﻳﺤﺘﺮﻡ ﺍﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬ﻳﻬﻴﺊ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻤﻘﺪﺍﺭ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺍﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬ﻳﻘﺪﺭ ﻣﺒﺪﺋﻴﺎ ً ﻭﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﻮﻗﺖ‬
‫ﺍﻟﻤﻘﺘﺮﺣﺔ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬ﺃﺛﻨﺎء ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺃﺩﺍﺓ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﻳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺩﻭﻣﺎ ً ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺼﻴﻠﺔ ﻭﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺗﻤﺪﻳﺪ‬

‫‪75‬‬
 ‫ﺍﻟﻮﻗﺖ‪ ،‬ﺇﻥ ﺩﻓﻌﺔ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻗﺪ ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺗﺠﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﻣﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺑﺤﺜﺎ ً ﺁﺧﺮ ﻗﺪ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ‬
‫ﻉﺷﺮﺓ ﺩﻓﻌﺎﺕ ﺃﻭ ﻳﺰﻳﺪ‪ ،‬ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻮﺿﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺴﺎﺏ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻗﺪ ﺣﻮﺻﺮ ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻴﻪ ﻓﻔﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻁﻮﻟﺔ ﺍﻟﺒﺎﻝ‬
‫ﻭﺍﻟﺼﺒﺮ ﻭﺇﻧﺘﻈﺎﺭ ﻓﺮﺻﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﺣﺘﻰ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺳﻼﻡ ﻭﻫﺠﺮ ﺟﻤﻴﻞ‪.‬‬
‫)ﻭﺍﺻﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻭﺍﻫﺠﺮﻫﻢ ﻫﺠﺮﺍًﺟﻤﻴﻼ( )‪....(۱۰ :۷۳‬‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻪﻡ ﺃﻥ ﻻ ﻧﻀﻴﻒ ﺳﻠﺒﻴﺎﺕ ﺗﻌﻴﻖ ﺷﻖ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ‪...‬‬

‫ـ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﻮﻟﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﺩﻳﻨﺎﻣﻴﻜﻴﺔ ﺣﻴﺔ ﻣﺘﻄﻮﺭﺓ ﻧﺎﻣﻴﺔ ﻭﺃﺩﺍﺓ ﺇﻧﻀﺎﺝ ﻟﻠﻮﻋﻲ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺩﺍﺓ ﺳﺘﺮﺍﻓﻖ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺣﻴﺚ ﺃﻋﻤﻞ ﻋﻘﻠﻪ‪ ،‬ﺳﻮﺍء ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺔ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺗﻠﻔﺰﻳﻮﻧﻲ‪ ،‬ﻗﺮﺍءﺓ ﻗﺼﺔ‪ ،‬ﺗﻨﺎﻭﻝ‬
‫ﺽ ﻣﺴﺘﻤﺮﺓ ﻟﻠﻮﻋﻲ ﻟﻜﻲ ﻳﺒﻘﻰ ﻧﺸﻴﻄﺎ ً ﺣﻴﺎ ً‪.‬‬ ‫ﺑﺤﺚ‪ ،‬ﻓﻚ ﻋﻠﺒﺔ‪ ،‬ﻁﺒﺨﺔ‪ ،‬ﺭﻛﺐ ﺳﻴﺎﺭﺓ‪ ،‬ﺇﻧﻬﺎ ﺃﺩﺍﺓ ﻧﻒ‬
‫ﺇﻧﻬﺎ ﺇﺩﺍﺓ ﻳﻘﻈﺔ ﻟﻠﻮﻋﻲ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ‪ ،‬ﻭﺗﻄﻬﻴﺮ ﺃﺧﻼﻗﻲ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻔﺮﺩ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺑﻨﺎء ﺃﺳﺮﺓ ﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻴﺶ‬
‫ﻓﻲ ﺟﻮ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺻﺤﻲ‪ ،‬ﻭﺗﻄﻬﻴﺮ ﻟﻠﻮﺳﻂ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻣﻦ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ ﻭﺍﻟﺘﺴﻠﻂ ﻭﺑﻨﺎء ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺣﺴﻨﺔ ﺑﻴﻦ‬
‫ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻧﻬﺎ ﻋﻘﻞ ﻳﻘﻆ‪ ،‬ﻭﺻﺤﺔ ﻁﻴﺒﺔ‪ ،‬ﻭﻓﺮﺍﺵ ﺻﺤﻲ‪ ،‬ﻭﺛﻴﺎﺏ ﻧﻈﻴﻔﺔ‪ ،‬ﻭﺇﻋﺘﺪﺍﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﻘﺔ‪ ،‬ﻭﺷﺎﻣﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ‪.‬‬
‫)ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺪﺛﺮ ﻗﻢ ﻓﺄﻧﺬﺭ ﻭﺭﺑﻚ ﻓﻜﺒﺮ ﻭﺛﻴﺎﺑﻚ ﻓﻄﻬﺮ ﻭﺍﻟﺮﺟﺲ ﻓﻬﺠﺮ ﻭﻻ ﺗﻤﻨﻦ ﺗﺴﺘﻜﺜﺮ ﻭﻟﺮﺑﻚ ﻓﺎﺻﺒﺮ (‬
‫)‪۱ :۷٤‬ـ‪.(۷‬‬

‫ـ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻭﺍﻟﺼﺒﺮ‪.‬‬
‫)ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﺃﻗﻢ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺃﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻭﺇﻧﻬﻰ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﻜﺮ ﻭﺍﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺃﺻﺎﺑﻚ ( )‪ .(۱۷ :۳۱‬ﻣﻌﻨﻰ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻜﺮﺍﺭ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﻠﻞ ﻟﻘﺎﻋﺪﺓ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻫﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﻻ ﻳﺸﻌﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻤﻠﻞ‬
‫ﻣﻦ ﺗﻜﺮﺍﺭﻫﺎ ﻭﺗﺄﻛﻴﺪﻫﺎ ﻟﻮﺿﻮﺣﻬﺎ ﻭﻭﺛﺎﻗﺘﻬﺎ ﻭﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺓ ﺧﻼﻑ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ ﺃﻭﺍﻟﻘﻄﻌﺔ‬
‫ﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﺃﻭ ﻣﻨﻈﺮ ﺍﻟﻤﻮﺑﻴﻠﻴﺎ ﻭﺍﻟﻤﻔﺮﻭﺷﺎﺕ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻨﻈﺮ ﺣﻲ ﻳﺸﻌﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺘﺠﺪﺩﻩ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺓ‪ ،‬ﻹﺭﺗﺒﺎﻁﻪ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ‪ ،‬ﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ‪ ،‬ﺃﻣﺎ‬
‫ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﻹﻧﺸﺎﺋﻲ ﻓﻤﻊ ﻛﻞ ﺟﻤﺎﻟﻪ ﻳﻤﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺗﻜﺮﺍﺭﻩ ﺑﻌﺪ ﻋﺪﺓ ﻣﺮﺍﺕ‪.‬‬
‫ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﺴﻠﻴﺢ ﻋﻘﻮﻝ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﺑﺎﻟﻌﺼﻰ‬
‫ﻭﺍﻷﺳﻠﺤﺔ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻳﻤﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻔﻠﺖ ﻭﺍﻟﻘﻔﺰ ﻡ ﻥ ﻣﻜﺎﻥ ﻷﺧﺮ‪ ،‬ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻮ ﺗﺮﻙ ﺑﺪﺍﺋﻴﺎ ﺑﺪﻭﻥ ﺇﺩﺧﺎﻟﻪ ﻋﺠﻠﺔ ﺍﻟﺘﻜﻴﻒ‬
‫ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻳﺔ ﻟﺨﺮﺝ ﻻ ﻳﺤﺴﻦ ﺃﻱ ﺷﻲء ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻭﺗﻨﻈﻴﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻟﻜﺎﻥ ﻣﻨﻈﺮﻩ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻣﻨﻪ‬
‫ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺗﺪﺭﻳﺐ ﻭﺗﻜﻴﻒ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﻳﺒﻨﻲ ﻟﻪ ﻋﺎﺩﺍﺕ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺼﺒﺮ‪ ،‬ﺃﻱ ﺣﻤﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﺪﺭﻳﺐ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﻣﻨﻬﺞ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻹﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻳﻨﻘﻞ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺇﻟﻰ ﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﻼ ﻭﻋﻲ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ‬
‫ﺍﻟﻤﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ ﻭﻫﺬﺍ ﻫﺎﻡ ﻓﻲ ﺗﺼﺮﻓﺎﺕ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺑﻤﻌﻨﺎﻫﺎ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ‪ :‬ﻫﻲ ﺗﺼﺮﻓﺎﺕ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒﺜﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻼﻭﻋﻲ‪ ،‬ﺃﻱ ﺗﻜﻴﻒ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻊ‬
‫ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺇﻧﻌﻜﺎﺳﺎﺗﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺪﺭﺏ ﻋﻞﻳﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺳﺒﻖ‪.‬‬

‫‪76‬‬
 ‫ـ ﺍﻟﺘﻌﺎﻧﻖ ﻣﻊ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺑﺪء ﺍﻟﺨﻠﻖ‪.‬‬
‫)ﻗﻞ ﺳﻴﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﺎﻧﻈﺮﻭﺍ ﻛﻴﻒ ﺑﺪﺃ ﺍﻟﺨﻠﻖ( )‪.(۲۰ :۲۹‬‬
‫ﺇﻥ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺒﺪﺍﺋﺎﺕ ﺍﻷﻭﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺷﻴﺎء ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﻓﻬﻢ ﺃﻓﻀﻞ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺻﺎﺋﺒﺔ ﻋﻨﺪ ﺑﺮﻭﺯ‬
‫ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺃﺧﻄﺎء ﺗﺸﻜﻞ ﺍﻟﺠﻨﻴﻨﻴﺔ ﺗﺘﺮﻙ ﺏﺻﻤﺎﺗﻬﺎ ﻭﺃﺛﺎﺭﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺎﺭﻕ ﺍﻟﺤﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﺮﺽ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻐﻮﻟﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ـ ﺃﻱ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺑﺪﺃ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ـ ﻁﺮﺣﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺑﻨﺎء‬
‫ﻋﻘﻠﻲ ﻣﻨﻬﺠﻲ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﺸﻤﻮﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻤﺘﺪ ﻣﺎ ﺃﻣﺘﺪ ﺍﻟﺨﻠﻖ‪.....‬‬
‫ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻓﻴﻪ ﻗﻄﺎﻋﺎﻥ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﻭﺍﻟﺨﻠﻖ ﺃﻭ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﻭﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ‪...‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺳﺮﻳﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻗﻄﺎﻉ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻛﻠﻪ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻧﻘﺎﻁ ﺗﺸﻜﻠﻪ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ .‬ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻳﺼﻌﺪ‬
‫ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺧﻠﻒ ﺍﻷﺧﺮﻯ‪.‬‬
‫ﺇﻧﻪ ﻳﺸﻤﻞ ﺑﻨﺎء ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ‪ ،‬ﻭﺗﺸﻜﻞ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺎﺕ‪ ،‬ﻭﺑﺪء ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺗﺸﻜﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻝ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻬﻴﺎﺭ‬
‫ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ‪ ...‬ﺃﻟﺦ ‪.....‬‬
‫ﻓﻜﻲﻓﻴﺔ ﺗﺸﻜﻞ ﺍﻟﻜﻮﻥ‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﺟﺎءﺕ ﺍﻷﺭﺽ؟ ﺃﻭ ﻛﻴﻒ ﺗﺸﻜﻠﺖ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻟﺸﻤﺴﻴﺔ ‪ ،‬ﺃﻭ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ‬
‫ﺗﺸﻜﻞ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺎﺕ ﻭﺍﻷﺣﻴﺎء ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺒﺴﻴﻄﺔ‪.‬‬
‫ﺃﻭﺍﻟﺘﺨﻠﻖ ﺍﻟﻌﻀﻮﻱ ﺍﻟﺠﻨﻴﻨﻲ‪ ،‬ﺃﻭ ﻧﻘﻄﺔ ﺗﺸﻜﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ‪ ،‬ﺃﻭ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻭﺇﻧﻬﻴﺎﺭﻫﺎ ﺃﻭ ﺩﻭﺭﺓ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ‪،‬‬
‫ﻛﻠﻬﺎ ﺗﻨﻀﻢ ﺗﺤﺖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ‪ ،‬ﺃﻱ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻓﻬﻢ ﻧﻘﺎﻁ ﺗﺸﻜﻠﻪ ﻭﺗﻄﻮﺭﻩ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻤﺴﺢ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﺍﻟﺮﺍﺩﺍﺭ ﻭﻫﻮ ﻳﻜﺘﺸﻒ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻪ‬
‫ﻳﺮﺳﻞ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﺼﺤﻴﺢ ﺍﻟﺪﺍﺋﻤﺔ ﺳﻮﻑ ﻳﺘﻌﺎﻧﻖ ﺑﻼ ﺷﻚ ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﻋﻦ ﺗﻨﻬﻴﺞ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﺇﻥ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺍﻷﺷﻴﺎء ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺒﺪﺃ ﺩﻭﻣﺎ ﻣﻦ ﻧﻘﻄﺔ ﺍﻟﺼﻔﺮ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻓﻬﻢ ﺃﺧﻄﺎء ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻦ‬
‫ﺳﺘﻜﻮﻥ ﺃﻧﻀﺞ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺠﻨﻴﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻨﻬﺎ ‪ .‬ﻭﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺳﻴﺼﺒﺢ ﺗﻄﺒﻴﻘﺎ ً‬
‫ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻋﻤﻼً ﺇﻧﻘﻼﺑﻴﺎ ً ﻷﻥ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻓﻜﺮ ﻣﺎ‪ ،‬ﺗﺒﺪﺃ ﻣﻊ ﻧﻘﺎﻁ ﺗﺸﻜﻠﻪ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ ،‬ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻷﻭﺍﺋﻞ‪ ،‬ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﻮﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺑﺪﺃﻭﺍ ﺍﻝﻛﺘﺐ ﻭﺍﻟﻨﺸﺮﺍﺕ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ‪ ،‬ﺗﻄﻮﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ‪ ،‬ﺍﻹﺧﺘﻼﻁﺎﺕ‬
‫‪....‬‬ ‫ﺍﻟﺘﻲ ﺩﺧﻠﺖ ﻣﻊ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻤﻜﻦ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺃﻱ ﻓﻜﺮ ﻣﺎﺭﻛﺴﻲ‪ ،‬ﻗﻮﻣﻲ‪ ،‬ﺣﺮ‬
‫ﺍﻟﺦ‪.....‬‬

‫ـ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ‪.‬‬
‫ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ‪) :‬ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺘﺎﺩ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﻳﺼﺒﺢ ﻏﺮﻳﺒﺎ ً ﻓﻲ ﻭﻁﻨﻪ ( ﻭﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻊ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﻭﺍ ﻟﻤﺎﺿﻲ‬
‫ﻳﺼﺒﺢ ﻏﺮﻳﺒﺎ ً ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﻧﻮﺍﺳﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﺍﻟﺤﺎﺿﺮ‪ ،‬ﻭﻷﻧﻪ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻳﻬﻴﺊ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺠﺪﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮﺯ‬
‫ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻣﻦ ﺩﻓﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺇﻟﻰ ﺷﺎﻁﺊ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﻳﻌﻨﻲ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﺑﺤﺜﻪ ﻭ )ﻏﺮﺑﻠﺘﻪ(‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺃﺩﺍﺓ ﺗﺼﻔﻴﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻟﻴﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺿﻎ ﻁﻪ‬
‫ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺑﻨﺎء ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺻﻔﻴﻦ ﻣﺜﻼً ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻟﻤﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻤﻨﻬﺎ ﺑﺪء ﺗﺼﺪﻉ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‬
‫ﻭﺇﻓﺘﺮﺍﻕ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺰﻣﻨﻴﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺃﺧﻄﺎء ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﻣﺼﺎﺋﺒﻪ ﺗﺘﺮﻙ ﺁﺛﺎﺭﺍً ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻣﺜﻞ‬
‫ﺍﻹﻧﻬﻴﺎﺭﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ‪.‬‬

‫‪77‬‬
 ‫ﻭﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺇﻥ ﺗﺸﻜﻞ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻫﻮ ﻁﺒﻘﺔ ﺭﺳﻮﺑﻴﺔ ﻓﻮﻕ ﻁﺒﻘﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﻢ‬
‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﻔﻬﻢ ﺍﻟﻤﻘﻄﻊ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﺤﻲ ﺍﻟﻌﺮﺿﺎﻧﻲ ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺳﻮﻑ ﺗﻌﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻓﻬﻢ ﺃﻋﻤﻖ‪ ،‬ﻭﺑﻮﺟﻪ ﺧﺎﺹ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻭﺍﺿﺢ ﻟﺴﻨﺔ‬
‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻫﺘﻢ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎﺹ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍ ﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ﺿﻤﻦ ﺣﺪﻱ )ﻻ ﺗﻌﺼﺐ ـ ﻻ ﺗﺴﻠﻴﻢ ( ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‬
‫ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻨﻈﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺬﻭﻕ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻨﻈﺎﻡ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻬﺪﻭء ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺇﺟﺎﺑﻴﺔ‪ ،‬ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻷﺻﻞ‬
‫ﺗﺬﻛﻴﺮ ﺛﻘﺎﻓﻲ ﻟﻨﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺟﺪﻳﺪ ﻣﺒﺪﻉ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻟﻠﺪﺍﺧﻞ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﺒﻄﺮ‪ ،‬ﻭﺿﻌﻒ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﺿﻤﻮﺭ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺠﻮﺍﺭ‪ ،‬ﺍﻟﻤﻴﻞ ﻟﻶﻟﻴﺔ ﻭﺗﺮﻙ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ‪ ،‬ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻤﺴﺒﻘﺔ‪،‬‬
‫ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻹﻧﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻣﺎﻡ ﻛﺎﺭﺛﺔ ﺍﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮﻥ‪ ،‬ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﻻ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﺑﺤﺎﻝ‪.‬‬

‫ـ ﻓﻲ ﺭﻭﺡ ﺭﺑﻂ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺑﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‪.‬‬

‫ﻣﻊ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﻳﺤﺼﻞ ﺇﻛﺘﺸﺎﻑ ﺩﺍﺋﻢ ﻟﺘﺤﻘﻖ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‪ ،‬ﻛﻞ ﺣﺴﺐ ﻣﻴﻘﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻣﻊ ﺯﻳﺎﺩﺓ‬
‫ﺣﺪﺓ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﺳﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺮﺍﺣﺔ‪ ،‬ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺗﻈﻬﺮ ﺁﺛﺮﻫﺎ ﺧﻼﻝ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﻭﺗﺘﺎﺑﻊ ﻣﺮﺍﻗﺒﺘﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺟﺮﺍﺣﺔ‬
‫ﺍﻟﺸﺮﺍﻳﻴﻦ ﺃﻣﺎ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﺪﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻷﻣﻌﺎء‪ ،‬ﻓﺘﺤﺘﺎﺝ ﻷﻳﺎﻡ‪ ،‬ﻭﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺗﺘﻔﺎﻭﺕ ﺃﻳﻀﺎً‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺕﺗﺪﺭﺝ‬
‫ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻟﻴﻤﺘﺪ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ .‬ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻭﺻﻔﺔ ﺳﺤﺮﻳﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺑﻨﺎء ﻣﺘﺘﺎﺑﻊ ﻟﺤﺼﻮﻝ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ‪ ،‬ﺃﻱ ﻟﺘﺤﻘﻖ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻭﺍﺭﺗﺒﺎﻁﻬﺎ ﺑﺄﺳﺒﺎﺑﻬﺎ‪ ،‬ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻣﺤﺼﻠﺔ ﺗﺮﺍﻛﻤﻴﺔ‬
‫ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺒﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺍﻛﻢ ﻣﻼﻳﻴﻦ ﺍﻷﺣﺠﺎﺭ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺗﺘﺸﻜﻞ ﻓﻮﺭﺍً ﺇﻣﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻭﺍﺿﺢ ﺃﻭ ﻛﻮﻧﻲ‪ ،‬ﺃﻱ ﺃﻧﻬﺎ ﺑﺪﺃﺕ ﺗﺸﻜﻠﻬﺎ‪ .‬ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻐﻴﺐ ﻋﻦ ﺃﻋﻴﻨﻨﺎ‪.‬‬
‫ﻓﻌﺪﻣﺎ ﻳﺘﺴﻠﻂ ﺟﺮﺛﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﻢ ﻟﻴﺤﺪﺙ ﻣﺮﺿﺎ ً ﻣﺎ‪ ،‬ﻭﻳﺒﺪﺃ ﻋﻤﻠﻪ ﻻ ﺗﻈﻬﺮ ﺁﺛﺎﺭﺓ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ‬
‫ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ ﻟﻨﻈﺮ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﻁﺮﻕ ﻣﻌﻘﺪﺓ ﺍﻛﺘﺸﺎﻓﻪ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤﺮﻭﺭ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱ ﻻ ﻳﻨﺘﺒﻪ ﻟﺘﺴﻠﻠﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ ﻣﻄﺎﺭﺩﺓ‬
‫ﻣﻀﻦﻳﺔ ﻻﻛﺘﺸﺎﻑ ﻫﻮﻳﺘﻪ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻓﺘﺮﺓ ﻏﻄﺲ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﻤﻤﺮﺽ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﺭﺃﺳﻪ ﻓﻲ ﺃﻋﺮﺍﺽ ﺍﻟﻤﺮﺽ‪ ،‬ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﻫﻲ ﻓﺘﺮﺓ‬
‫ﺣﻀﺎﻧﺔ ﻭﺍﺧﺘﺒﺎء‪...‬‬
‫ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﺃﻥ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺑﺪﺃﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺸﻜﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﺍﻟﺤﻀﺎﻧﺔ‪ ،‬ﺃﻱ ﺃﻥ ﻓﺘﺮﺓ‬
‫ﺍﻟﺤﻀﺎﻧﺔ ﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺽ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﺁﺛﺎﺭﻩ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻮﺯﻉ ﻋﻠﻰ ﺩﻓﻌﺎﺕ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﺘﻤﻞ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﻭﻣﺪ‬
‫ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ‪.‬‬
‫ﺣﺘﻰ ﺗﻤﺸﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﺸﺮﺍﺕ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻤﻬﻴﺪ ﻭﺍﻟﺘﺴﻮﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺳﻮﺍﻫﺎ‪ ،‬ﻗﺪ ﺗﻤﺖ ﺣﺘﻰ‬
‫ﻳﺴﺘﻮﻱ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﺘﻤﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺣﺎﺳﺔ ﺍﻟﺸﻢ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﻫﺬﻩ‪ ،‬ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺩﻭﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻼﺣﻘﺔ ﻭﺷﻢ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻫﻲ ﻣﺸﻌﺮ ﺑﺪء ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺻﺤﺔ ﺍﻟﺴﺒﺐ‪..‬‬

‫‪78‬‬
 ‫ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﺔ ﺍﻟﺪﻋﺎء‬
‫ﺍﻟﺠﻬﺪ ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ‪ ،‬ﻭﺍﻟـــــﺪﻋــﺎء ﻳﻘﺎﺑـــﻞ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ‪ ،‬ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺍﻟﺴﻨﻦ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﻳﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻌﻬﺎ ﻟﻴﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﺴﺨﻴﺮ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻢ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ‪ ،‬ﻓﺄﻳﻦ ﻡ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﺪﻋﺎء‬
‫ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ؟ ﻭﺍﻟﺪﻋﺎء ﻣﺦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ؟‪...‬‬
‫ﻟﻺﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻐﻞ ﺑﺎﻝ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ‪ ،‬ﻭﺗﻨﺪﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﺧﺮﻭﺗﺸﻮﻑ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻁﺎﺡ ﺑﻪ ﺍﻟﺮﻓﺎﻕ ﻓﻲ‬
‫ﻣﻜﺘﺐ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻜﻢ ﺍﻻﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﺘﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﻣﻀﻰ ﻓﻘﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻋﺎء ﻟﻢ ﻳﻨﻔﻊ ﺃﺣﺪﺍً؟ ﻭﻛﺬﻟﻚ‬
‫ﻓﻘﺪ ﺳﺨﺮ ﻣﻨﻪ ﻓﺮﺍﻧﺴﻴﺲ ﺑﻴﻜﻮﻥ ﺣﻴﻦ ﻗﻴﻞ ﻟﻪ ﺃﻥ ﷲ ﺍﺳﺘﺠﺎﺏ ﺩﻋﺎء ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﻏﺮﻕ ﺍﻟﺴﻔﻦ؟‬
‫ﻛﺎﻥ ﺟﻮﺍﺑﻪ ﻭﻟﻜﻦ ﻛﻢ ﻋﺪﺩ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﺠﺐ ﻟﻬﻢ؟‬
‫ﻭﺃﻧﺎ ﺷﺨﺼﻴﺎ ﻛﺘﺒﺖ ﻛﺘﺎﺑﺎ ﻛﺎﻣﻼ ﻓﻲ ﻧﻘﺪ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ‪ ،‬ﻭﻭﻗﻔﺖ ﺃﻣﺎﻡ ﻫﺬ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻟﺘﺠﻠﻴﺘﻪ ﺑﻴﻦ ﺭﻏﺒﺔ‬
‫ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﺳﺨﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ‪ ،‬ﻓﻔﺘﺢ ﷲ ﻟﻲ ﺭﻭﺯﻧﺔ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺁﻟﻴﺔ ﺃﻭ ﻣﺎ ﺳﻤﻴﺘﻪ ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ ﺍﻟﺪﻋﺎء؛ ﻑﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‬
‫ﻳﺴﺒﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﺑﻴﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﻐﻴﺐ‪ ،‬ﻭﷲ ﻭﺻﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺄﻧﻪ‪)..‬ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻭﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ(‪..‬‬
‫‪ ،‬ﺃﻱ ﻻ ﻳﻌﺰﺏ ﻋﻦ ﺭﺑﻚ ﻣﻦ ﻣﺜﻘﺎﻝ ﺫﺭﺓ ﻓﻲ‬ ‫ﻭﻮﺟﻮﺩ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ہﻠﻟ ﺳﺒﺤﺎﻧﺔ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻫﻮ ﻋﺎﻟﻢ ﺷﻬﺎﺩﺓ‬
‫ﺍﻟﺴﻤﻮﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ ﻭﻻ ﺃﺻﻐﺮ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻭﻻ ﺃﻛﺒﺮ ﺇﻻ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﻣﺒﻴﻦ‪ .‬ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ ﻓﻬﻮ ﻋﺎﻟﻤﺎﻥ ‪:‬‬
‫ﻋﺎﻟﻢ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﻏﻴﺐ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻧﻌﺮﻓﻪ )ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﺃﻋﻠﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻻﺳﺘﻜﺜﺮﺕ ﻣﻦ ﺍ ﻟﺨﻴﺮ ﻭﻣﺎ ﻣﺴﻨﻲ ﺍﻟﺴﻮء(‪..‬‬
‫ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻫﻲ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺮﺕ ﻭﻻ ﺱﺏﻳﻞ ﻟﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﺎ )ﺗﻠﻚ ﻣﻦ ﺃﻧﺒﺎء ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻧﻮﺣﻴﻬﺎ‬
‫ﺇﻟﻴﻚ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺗﻌﻠﻤﻬﺎ ﺃﻧﺖ ﻭﻻ ﻗﻮﻣﻚ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻫﺬﺍ ﻓﺎﺻﺒﺮ ﺇﻥ ﺍﻟﻌﺎﻗﺒﺔ ﻟﻠﻤﺘﻘﻴﻦ(‪...‬‬
‫ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﻐﻴﺐ ﺛﺎﻟﺜﺎ ﻫﻮ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ‪ ،‬ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻴﻨﻴﻪ ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﺪﺭﻙ‬
‫ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻏﺎﺏ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺑﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺇﻻ ﺟﺜﺔ‪:‬‬
‫)ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮ ﺗﺒﻨﺖ ﺍﻟﺠﻦ ﺃﻥ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻣﺎ ﻟﺒﺜﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﺍﻟﻤﻬﻴﻦ(‪.‬‬
‫ﺇﺫﻥ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﺛﻼﺛﻲ؛ ﺃﻥ ﺍﻝﻏﻴﺐ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻏﺎﺏ ﻋﻨﺎ ﻓﻠﻢ ﻧﺪﺭﻛﻪ ﺃﻳﺎ ً ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ‬
‫ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺃﻭﺍﻟﻤﻜﺎﻥ‪.‬‬
‫)ﻭﻋﻨﺪﻩ ﻣﻔﺎﺕﺡ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ ﺇﻻ ﻫﻮ ‪ ،‬ﻭﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺮ ﻭﺍﻟﺒﺤﺮ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﺗﺴﻘﻂ ﻣﻦ ﻭﺭﻕ ﺓ ﺇﻻ ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻻ‬
‫ﺣﺒﺔ ﻓﻲ ﻅﻠﻤﺎﺕ ﺍﻷﺭﺽ‪ ،‬ﻭﻻ ﺭﻁﺐ ﻭﻻ ﻳﺎﺑﺲ ﺇﻻ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﻣﺒﻴﻦ(‬
‫ﻩ ﺍﻹﺣﺎﻁﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ہﻠﻟ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﺎﻟﻚ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺮﺍﺭ ﻫﻮ ﻛﻞ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻭﺃﻛﺜﺮ ﻣﻨﻪ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺬﻱ‬ ‫ﻑ‬
‫ﻳﻌﻠﻢ ﺍﻟﺴﺮ ﻭﺃﺧﻔﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺮ؟‬
‫‪ ،‬ﺃﻱ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻐﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﺩﻳﺮ‬ ‫ﺛﻢ ﺇﻥ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻭﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺩﻳﻨﺎﻣﻴﻜﻴﺔ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﺳﺘﺎﺗﻴﻜﻴﺔ‬
‫ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ‪.‬‬
‫ﻓﻤﺜﻼ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻨﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺃﻥ ﻧﺮﻯ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻠﺤﻢ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺃﺷﻌﺔ ﺭﻭﻧﺘﺠﻦ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺤﻴﻂ ﺑﻤﻘﺎﺩﻳﺮ‬
‫ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻬﻮﺭﻣﻮﻧﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ‪ ،‬ﺃﻱ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻟﻨﺎ ﻋﻴﻮﻥ ﺟﺪﻳﺪﺓ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻛﺐﱠ ﺭ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺃﻣﺎﻡ‬
‫ﺃﻋﻴﻨﻨﺎ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻗﺪﻳﻤﺎ ً ﺃﺻﺒﺢ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺣﺪﻳﺜﺎ ً‪.‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﻤﺪﺩ ﻭﻛﺒﺮ ﻭﺯﻳﺎﺩﺓ )ﻳﺰﻳﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء( ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺑﻜﻠﻤﺔ‬
‫ﺃﺩﻕ ﺃﻥ ﻣﻌﺮﻓﺘﻨﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ‪ ،‬ﻣﻬﻤﺎ ﺗﻌﻤﻘﺖ ﻭﺍﻣﺘﺪﺕ ‪ .‬ﻭﺗﺘﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ ﺃﺭﻗﺎﻡ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﺃﻣﺎﻡ‬
‫ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻼﻣﺘﻨﺎﻫﻲ‪ ،‬ﻭﻧﺴﺒﺔ ﺍﻟﺮﻗﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻼﻣﺘﻨﺎﻫﻲ ﺗﺲﺍﻭﻱ ﺍﻟﺼﻔﺮ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎﺕ ‪ ،‬ﻭﺃﻓﻀﻞ ﻧﻈﺮﻳﺔ‬
‫ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻐﻄﻲ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ ً‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻴﻪ ﺣﺮﻛﺔ ﺗﺪﺍﺧﻞ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﺭ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻈﻼﻡ ﻭﺍﻟﻨﻮﺭ‪ ،‬ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻭﺍﻟﺠﻬﻞ‪،‬‬
‫ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﻐﻴﺐ‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫ﻭﺍﻟﺘﻐﻄﻴﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻨﺎﻭﻝ ﻛﺎﻓﺔ ﺍﻟﺴﻄﻮﺡ ﻭﺍﻟﻤﺠﺎﻻﺕ ﻭﺍﻟﺤﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻑ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻳﻮﺍﺟﻪ‬
‫ﺑﺎﻟﺠﻬﺪ ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ‪،‬ﺃﻣﺎ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻓﻪ ﻭ ﺍﻓﺘﻘﺎﺭ ﻭﺍﻧﻜﺴﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﷲ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺑﺎﺭﺉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ ‪ ،‬ﻓﻴﻘﺎﺑﻞ‬
‫ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء‪ ،‬ﻟﻠﺼﻠﺔ ﺑﻤﻨﺒﻊ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻑﻓﻲ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻳﺘﺄﺭﺟﺢ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻴﻦ ﻋﺎﻟﻤﻲ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﻐﻴﺐ‪ ،‬ﺃﻭ ﺃﻭﻻ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺛﻢ‬
‫ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ‪ ،‬ﻭﻟﺘﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻪﺓ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻛﺎﻥ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻝﻣﺰﺝ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ ﻭﺍﻟﺪﻋﺎء‪.‬‬
‫ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺗﺪﺧﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺿﻤﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻁﺎﺭ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ‪ ،‬ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﺣﺎﺳﺔ ﻭﻋﻲ ﻟﻤﻄﺎﺭﺩﺓ ﺍﻷﺧﻄﺎء‪،‬‬
‫ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻔﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ ﻟﻠﺘﻄﻬﻴﺮ ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء ﺇﻟﻰ ﷲ ﺑﻮﺿﻊ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﺜﺒﻴﺖ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻦﻣﻮ ﻓﻲ ﺍﻹﻛﺘﻤﺎﻝ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻭﺗﺬﻙ ﻱﺭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻧﻔﺴﻪ ﺩﻭﻣﺎ ً ﺃﻥ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻟﻪ ﺃﻗﺮﺏ ﻣﻦ ﺣﺒﻞ‬
‫ﺍﻟﻮﺭﻳﺪ‪..‬‬

‫ـ ﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻨﻒ‬
‫)ﺍﺩﻓﻊ ﺑﺎﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺣﺴﻦ ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻴﻨﻚ ﻭﺑﻴﻨﻪ ﻋﺪﺍﻭﺓ ﻛﺄﻧﻪ ﻭﻟﻲ ﺣﻤﻴﻢ( )‪.(۳٤ :٤۱‬‬
‫ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺐ ﻭﺍﻟﺪﻓﻊ ﺑﺎﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺣﺴﻦ‪ ،‬ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻑ ﻱ ﺻﻮﺭﺓ‬
‫ﺍﻟﻬﻴﺌﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ‪ ،‬ﺃﻱ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﺍﻹﻗﻨﺎﻉ ﻟﻠﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭﻻ ﺗﺤﺎﻭﻝ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺑﺎﻟﻘﻮﺓ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ‬
‫ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺗﺒﺪﻳﻞ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺎﺕ ﻭﻫﺬﻩ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﻔﻬﻢ ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻘﻮﺓ‪.‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺗﺒﻘﻰ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺃﺳﻮﺃ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ‪ ،‬ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻕ ﻣﺤﺪﻭﺩ‪ ،‬ﺑﺄﻗﻞ‬
‫ﺟﺮﻋﺔ ﻣﻤﻜﻨﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﻡ ﻉ ﺫﻟﻚ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺧﻄﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ‪ ..‬ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﺢ ﻫﻮ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺃﺧﺮﻯ‬
‫ﻟﻠﺠﻬﺎﺩ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺭﻛﺰ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻜﺜﻒ‪ ،‬ﻭﺑﺸﻠﻚ ﺟﺎﻧﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻨﻲ ﺑﻪ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ‬
‫ﺍﻟﻤﺴﻠﺢ‪ ،‬ﻭﻣﻊ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺑﺪﺃ ﻣﻔﺎﻫﻴﻤﻪ ﺍﻟﺤﺮﻛﻴﺔ‪ ،‬ﻓﺒﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺟﺎﻫﺪ )ﻓﻼ ﺗﻄﻊ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ ﻭﺟﺎﻫﺪﻫﻢ ﺑﻪ ﺟﻬﺎﺩﺍً‬
‫ﻛﺒﻴﺮﺍ( )‪ (٥۲ :۲٥‬ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ )ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺟﺎﻫﺪﻭﺍ ﻓﻴﻨﺎ ﻟﻨﻬﺪﻳﻨﻬﻢ ﺳﺒﻠﻨﺎ ( )‪ (٦۹ :۲۹‬ﻁﺎﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻌﺜﺔ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﺧﻄﺔ ﻣﻘﺮﺭﺓ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺎﺑﻊ ﺍﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻲ‬
‫ﻓﻘﻂ ﻭﻟﻢ ﻧﺆﻣﺮ ﺑﻘﺘﺎﻝ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﺡﺻﻠﺖ ﺑﻌﺾ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ ﻣﻦ ﺍﻹﻧﻔﻼﺕ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺠﻮ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻛﺎﻥ ﺩﺍﻓﻌﺎ ﻟﻠﻌﻤﻞ‬
‫ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ‪.‬‬
‫ﺗﻀﺒﻂ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺳﻴﻬﺊ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺃﻥ ﻻ ﺗﺴﺘﺒﺪ ﺇﺫﺍ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﺃﻥ ﻻ‬
‫ﺗﺘﺼﺎﺭﻉ ﺑﻴﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ‪ ،‬ﺃﻭ ﺇﺫﺍ ﺣﺪﺙ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺎﻗﻼً ﻓﻼ ﻳﻨﻜﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﺗﻌﺠﺰ ﺣﺮﻛﺔ ﻋﻦ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ‪ ،‬ﺃﻭﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‪ ،‬ﺃﻭ ﻗﺪ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻨﺠﺢ‬
‫ﺑﺎﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﻓﻲ ﺛﻮﺭﺓ ﻧﺠﺎﺣﺎ ً ﻓﻲ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﻧﺎﻡ ﻣﺒﺪﻉ ﻓﻴﻪ‬
‫ﺟﺎﺫﺑﻴﺔﺍﻹﻗﺘﺪﺍء‪.‬‬
‫ﻛﺎﻥ ﻗﻮﻡ ﻣﻮﺳﻰ ﻳﺴﺘﻌﺠﻠﻮﻥ ﻫﻼﻙ ﻓﺮﻋﻮﻥ )ﻗﺎﻟﻮﺍ ﺃﻭﺫﻳﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﺄﺗﻴﻨﺎ ﻭﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻡ ﺍ ﺟﺌﺘﻨﺎ ( )‪:۷‬‬
‫‪ (۱۲۹‬ﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ ﻣﻮﺳﻰ ‪ :‬ﺍﻟﻌﺒﺮﺓ ﻫﻲ ﺑﻌﺪ ﺍﻷﺳﺘﺨﻼﻑ ﻭﻟﻴﺲ ﻗﺒﻠﻪ ‪) :‬ﻗﺎﻝ ﻋﺴﻰ ﺭﺑﻜﻢ ﺃﻥ ﻳﻬﻠﻚ ﻋﺪﻭﻛﻢ‬
‫ﻭﻳﺴﺘﺨﻠﻔﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﻴﻨﻈﺮ ﻛﻴﻒ ﺗﻌﻤﻠﻮﻥ( )‪ (۱۲۹ :۷‬ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ ﺫﻫﺒﺖ ﻣﺜﻼً ﺃﻥ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺗﺄﻛﻞ ﺃﺑﻨﺎءﻫﺎ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﺃﺭﺍﺩﺕ ﺃﻥ ﺗﺤﻤﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﺎﺧﺘﺮﻋﺖ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﻀﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪،‬‬
‫ﺃﻱ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺃﺭﺍﺩﺕ ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺟﺎءﺕ ﺍﻟﻘﺎﺿﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺒﻨﺎ ﺃﻭﺟﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ‪ ،‬ﺛﻢ ﻻﺣﻆ ﺗﻄﻮﺭﻩ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻧﻤﻮﻩ ﺍﻟﺨﻄﻴﺮ ﻛﺎﻥ ﺃﺳﺮﻉ ﻓﺎﻧﻔﺠﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻬﺎﺯ‬
‫ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺍﻟﻤﺨﺘﺮﻉ ﻑ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻘﻀﻰ ﻋﻠﻴﻪ ‪ ..‬ﺇﻥ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻨﻘﺮﺍﺷﻲ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺨﺎﺹ‬
‫ﻛﺎﻥ ﺛﻤﻨﺎ ً ﺑﺴﻴﻄﺎ ً ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻘﺾﺍء ﻋﻠﻰ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺒﻨﺎ ﻭﻋﻤﺮﻩ ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ‪٤٤‬ﺳﻨﺔ‪.‬‬

‫‪80‬‬
 ‫ﺇﻥ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺍﻷﻭﺳﻂ ﻣﻦ ﻛﻮﺍﺭﺙ ﻟﻢ ﺗﻮﺿﻊ ﺑﻌﺪ ﻟﻠﺘﺤﻠﻴﻞ ﻭﻟﻢ ﻳﻨﻢ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ‬
‫ﻭﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭﻟﺬﺍ ﺗﺘﻜﺮ ﺍﻷﺧﻄﺎء ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺍﻟﻜﻮﺍﺭﺙ ‪ .‬ﺇﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ ﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻣﺪﺗﻤﻊ ﻣﺎ ﺣﺪﻭﺙ‬
‫ﺍﻧﻘﻼﺏ ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﺛﻮﺭﺓ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻁﻮﻳﻞ ﺍﻷﻣﺪ ﻋﻤﻴﻖ ﺍﻟﺠﺬﻭﺭ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺤﻜﺎﻡ‬
‫ﻳﻀﻄﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻋﺘﻨﺎﻕ ﺃﺩﻳﺎﻥ ﻣﻮﺍﻁﻨﻴﻬﻢ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﻌﻜﺲ ‪ .‬ﺃﻱ ﺃﻥ ﺩﻓﻌﺔ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺗﺄﺗﻲ ﺩﻭﻣﺎ ً ﻣﻦ ﺍﻷﺳﻔﻞ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺃﻋﻠﻰ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﻌﻜﺲ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻳﻀﺮﺏ ﺑﺘﺄﺛﻴﺮﻩ ﻓﻲ ﻛﺎﻓﺔ ﺣﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﺗﻤﺖ ﺍﻟﺼﺒﻐﺔ ﻭﺣﺪﺙ ﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺠﻲ‪،‬‬
‫ﺃﻣﻜﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺇﻓﺮﺍﺯ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺃﻳﻀﺎ ً‪.‬‬
‫ﻷﻭﻝ ﻣﺮﺓ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺃﻥ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻘﻮﻯ‬ ‫ﺇﻥ ﻣﻦ ﺷﻮﺍﻫﺪ ﺍﻵﻓﺎﻕ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺃﻧﻨﺎ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ‬
‫ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ‪ ،‬ﻓﺠﺄﻭﺍ ﻷﻭﻝ ﻣﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻭﺗﺮﻙ ﺍﻷﺳﻠﺤﺔ ﺍﻟﻐﻠﻴﻈﺔ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ‪ :‬ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻼﺡ ﻣﺎ ﺯﺍﻝ‬
‫ﺳﻮﻗﻪ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﺘﺨﻠﻒ‪ ،‬ﺃﻭ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﻛﻠﻤﺔ ﺃﺻﺢ ﺳﻮﻕ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻣﻪ‪.‬‬
‫ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﻋﻤﻼً ﻋﻘﻠﻴﺎ ً ﻭﻟﻴﺲ ﻳﺪﻭﻳﺎً‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻨﻒ ﻫﻮ ﻣﺰﻳﺞ ﺍﻟﻌﺎﻁﻔﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻴﺪﻭﻱ‪ ،‬ﻭﺗﻮﻗﻒ‬
‫ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ‪.‬‬

‫ـ ﺍﻟﺘﻄﺮﻑ ﻭﺫﻫﺎﺏ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪.‬‬

‫ﻛﺘﺐ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺟﻮﺩﺕ ﺳﻌﻴﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ‪" :‬ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻠﻢ ﻛﻴﻒ ﺑﺪﺃ ﷲ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻳﻜﺸﻒ‬
‫ﺃﻥ ﷲ ﻳﻌﻄﻲ ﺑﺎﻟﺮﻑ ﻣﺎ ﻻ ﻱﻋﻄﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻨﻒ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺮﻓﻖ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺷﻲء ﺇﻻ ﺯﺍﻧﻪ ﻭﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻨﻪ‬
‫ﺷﻲء ﺇﻻ ﺷﺎﻧﻪ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻮﻋﻆ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺘﺪﻋﻢ ﺑﺂﻳﺎﺕ ﷲ ﻓﻲ ﺍﻵﻓﺎﻕ ﻭﺍﻷﻧﻔﺲ ﻟﻴﺄﺧﺬ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﺎ ﻟﻌﺎﻡ‬
‫ﻓﺴﺘﻀﻴﻊ ﻗﻴﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﺧﻀﻢ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻨﺎ ﺭﺑﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻈﻬﺮ ﺿﺂﻟﺔ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻼﺝ ﺑﺎﻟﻦﺻﻮﺻﻮ‬
‫ﺣﻴﻦ ﺗﻔﻘﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺂﻳﺎﺕ ﷲ ﻓﻲ ﺍﻵﻗﺎﻕ ﻭﺍﻷﻧﻔﺲ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺒﺘﻼء ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻌﺎﻳﺸﻪ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻜﻲ ﺗﺆﺩﻱ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺩﻭﺭﻫﺎ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻲ ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﺄﺧﺬ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻵﻓﺎﻕ ﻭﺍﻷﻧﻔﺲ ﺩﻭﺭﻫﺎﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻲ ﺃﻳﻀﺎً‪،‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻈﻬﺮ ﺟﻠﻴﺎً‪ ،‬ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﺩﺍﺭ ﺑﻴﻦ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﺑﻦ‬
‫ﻟﺒﻴﺪ ﺣﻴﻦ ﺍﻋﺘﺮﺽ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻢ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺍﻧﻄﻼﻗﺎ ً ﻣﻦ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ‬
‫ﺍﻟﻨﺼﻮﺻﻮﺍﻟﻤﺠﺮﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻋﻢ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ )ﺁﻳﺎﺕ ﷲ ﻓﻲ ﺍﻵﻓﺎﻕ ﻭﺍﻷﻧﻔﺲ (‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﺫﻛﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﺍﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ‬
‫ﻭﺻﺤﺤﻪ ﻋﻨﺪ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪) :‬ﻟﻮﻻ ﻳﻨﻬﺎﻫﻢ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﻮﻥ ﻭﺍﻷﺣﺒﺎﺭ ﻋﻦ ﻗﻮﻟﻬﻢ ﺍﻷﺛﻢ ﺃﻭ ﺃﻛﻠﻬﻢ ﺍﻟﺴﺤﺖ‬
‫ﻟﺒﺌﺲ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺼﻨﻌﻮﻥ( )‪ ،(٦۳ :٥‬ﻗﺎﻝ‪ :‬ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺷﻴﺌﺎ ً ﻓﻘﺎﻝ‪ :‬ﻭﺫﺍﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﺫﻫﺎﺏ‬
‫ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻗﻠﻨﺎ‪ :‬ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ‪ ،‬ﻭﻛﻴﻒ ﻳﺬﻫﺐ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪ ،‬ﻭﻧﺤﻦ ﻗﺮﺃﻧﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻧﻘﺮﺋﻪ ﺃﺑﻨﺎءﻧﺎ‪ ،‬ﻭﺃﺑﻨﺎﺅﻧﺎ ﻳﻘﺮﺅﻭﻥ‬
‫ﺃﺑﻨﺎءﻫﻢ‪ ،‬ﻗﺎﻝ ‪" :‬ﺛﻜﻠﺘﻚ ﺃﻣﻚ ﻳﺎ ﺍﺑﻦ ﻟﺒﻴﺪ ﺇﻥ ﻙ ﻧﺖ ﻷﺭﺍﻙ ﻣﻦ ﺃﻓﻘﻪ ﺭﺟﻞ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺃﻭ ﻟﻴﺲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ‬
‫ﻭﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻳﻘﺮﺃﻭﻥ ﺍﻟﺘﻮﺭﺍﺓ ﻭﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ﻭﻻ ﻳﻨﺘﻔﻌﻮﻥ ﻣﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺸﻲء"‪.‬‬
‫ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻣﺪﺧﻼً ﻣﻬﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﺎﻧﻴﻬﺎﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻭﺳﻮﺍﻫﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ‬
‫ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺠﺎﺫﻭﻧﻬﺎ ﻭﻳﺘﻄﺎﺭﺣﻮﻧﻬﺎ‪ ،‬ﺳﻮﺍء ﻓﻲ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺛﺒﻮﺕ ﺍﻟﻨﺼﻞ )ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺔ( ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻮﺳﻊ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ‬
‫ﺃﻭ ﻓﻲ ﺩﻻﻟﺔ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ )ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺪﺭﺍﻳﺔ ( ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺿﺌﻴﻞ ﺍﻟﺤﺠﻢ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﻢ‬
‫ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺿﺎﻉ ﻣﻔﻬﻮﻣﻪ ﻋﻨﺪﻧﺎ‪ ،‬ﻋﺰﺍﻟﺸﻔﺎء ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺍء ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻷﺳﻠﻮﺏ‬
‫ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺘﻨﺎﻭﻟﻪ ﺑﻪ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻓﻔﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﺑﻦ ﻟﺒﻴﺪ ـ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﺫ ﻛﺮﻩ ـ ﻧﺠﺪ ﺍﺧﺘﻼﻓﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺑﻴﻦ‬
‫ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺭﺿﻲ ﷲ ﻋﻨﻪ ﻓﺮﺳﻮﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﺸﺮﺡ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﺙ‬
‫ﻋﻨﺪ ﺫﻫﺎﺏ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺼﺤﺎﺑﻲ‪ ،‬ﻳﻔﺮﺽ ﺑﺄﻧﺎﻟﻨﺼﻮﺹ ﻣﻌﻨﺎﻭﻧﻮﺭﺛﻬﺎ ﺃﺑﻨﺎءﻧﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻢ ﻳﻨﻘﺾ ﻟﻪ ﺭﺃ ﻳﻪ ﺑﻨﺺ ﻗﺮﺁﻧﻲ ﺁﺧﺮ ﻭﺑﺄﻧﻪ ﻻﻳﻨﻄﻖ ﻋﻦ ﺍﻟﻬﻮﻯ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﺮﺩﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻋﺘﺒﺎﺭ ﺑﺤﺪﺙ‬

‫‪81‬‬
‫ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ‪ ،‬ﺣﺪﺙ ﻟﻪ ﺗﺎﺭﻳﺨﻪ ﻭﺣﺎﺿﺮﻩ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﻭﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻫﻨﺎ‬
‫ﻳﺮﻯ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﺁﻳﺎﺕ ﷲ ﻓﻲ ﺍﻵﻓﺎﻕ ﻭﻓﻲ ﺍﻷﻧﻔﺲ ‪ .‬ﻭﻳﺴﻦ ﻟﻨﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻻﺳﺘﺪﻻﻝ ﺑﺎﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻹﻫﺘﺪﺍء ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﺎﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ ﻣﻔﺴﺮ ﺑﺎﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻗﺪ ﻋﺎﻧﻰ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﻓﻔﻲ ﻭﺻﻴﺔ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻋﻞ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻁﺎﻟﺐ ﻛﺮﻡ‬
‫ﷲ ﻭﺟﻬﻪ ﻻﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺭﺿﻲ ﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ ‪ :‬ﺃﻥ ﻳﺘﺠﻨﺐ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﻣﻊ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻭﺃﻥ ﻳﻨﺎﻗﺸﻬﻢ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺴﻦ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻷﻥ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﻭﺍﺳﻊ ‪.‬‬ ‫ﺓ‬
‫ً‬
‫ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﺎﺓ‪ ،‬ﺟﻌﻠﺖ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻳﺼﺮﺡ ﺑﺎﻥ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻟﺮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﻟﻴﺲ ﺣﻼ ﻟﻠﻤﺸﻜﻠﺔ‪ ،‬ﻷﻥ ﻟﻜﻞ‬
‫ﻁﺎﺋﻔﺔ ﻣﻔﺎﻫﻴﻤﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺴﺮ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺩﻋﻮﺍ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺗﺤﻜﻴﻢ ﻛﺘﺎﺏ ﷲ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻼﻑ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﺃﻧﺰﻩ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ ﻭﻻ ﺃﺑﺮﺃﻫﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻮﻯ‪.‬‬
‫ﻭﻳﺬﻛﺮ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻗﺎﻋﺪﺓ ‪) ...‬ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺿﺎﺭ ﺩﺍﺋﻤﺎ ً ﺃﻭ ﻏﺎﻟﺒﺎ ً ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ‬
‫ﻧﺎﻓﻌﺎ ً ﺩﺍﺋﻤﺎ ً ﺃﻭ ﻏﺎﻟﺒﺎ ً(‪.‬‬
‫ﻭﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮ ﺍﺑﻦ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺠﻮﺯﻳﺔ ﻓﻲ )ﺇﻋﻼﻡ ﺍﻟﻤﻮﻗﻌﻴﻦ( ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻭﺫﻛﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺜﺎﻻً‪ :‬ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻜﺎﻡ‪،‬‬
‫ﻓﺬﻛﺮ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻣﺜﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻐﺎ ﺭ ﻏﺎﻟﺒﺎ ً ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﺣﺮﻡ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ‪ ،‬ﻭﺃﻧﻬﻰ ﻋﻨﻪ ﻟﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻹﻋﺘﺒﺎﺭﺍﺕ‪.‬‬
‫ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺣﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﻦ ﻣﻦ ﺩﻋﺎﺓ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻨﺪ ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻳﻐﻔﻠﻮﻥ ﻋﻦ‬
‫ﺳﻨﻦ ﷲ ﻓﻲ ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻭﺍﻟﻤﻤﺎﻟﻚ ﻭﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭﻫﺎ‪.‬‬

‫ـ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﻷﻗﺖﻟﻨﻚ‪:‬‬
‫ﻭﺁﻳﺎﺕ ﺍﻵﻓﺎﻕ ﻭﺍﻷﻧﻔﺲ ﺗﻔﻴﺪ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺃﻫﺪﺍﻑ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﻭﺗﺤﺪﻳﺪﻫﺎ‪ ،‬ﻭﺗﻔﻴﺪ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺒﺪﻳﻠﺔ‬
‫ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺼﻞ ﺑﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻏﺎﻳﺘﻪ‪.‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ ﻣﺜﻼً‪ ،‬ﺗﺴﻮﻝ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻥ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﺒﺎﻁﻞ ﺃﺳﻬﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺇﺑﺮﺍﺯﺍﻟﺤﻖ‪ ،‬ﺟﺎﻫﻼً ﺃﻥ‬
‫ﺍﻟﺒﺎﻁﻞ ﻳﺰﻭﻝ ﺣﻴﻦ ﻳﺠﻴﺊ ﺍﻟﺤﻖ‪.‬‬
‫ﻭﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﺐﺩﺍﺋﻞ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﻣﺮﺍً ﺳﻬﻼً ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺒﺪﺍﺋﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ـ ﻭﻫﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻌﻼً ـ ﻭﻟﻜﻦ ﺩﻭﻥ ﺇﺑﺼﺎﺭﻫﺎ‬
‫ﻣﻔﺎﻭﺯ )ﻭﻛﺄﻳﻦ ﻣﻦ ﺁﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ ﻳﻤﺮﻭﻥ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻫﻢ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻌﺮﺿﻮﻥ( )‪.(۱۰٥ :۱۲‬‬
‫ﺃﻭ ﻟﻴﺲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ ﻭﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﻗﺪ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺘﺎ ﺃﻥ ﺗﺘﺠﺎﻭﺯﺍ ﺃﺯﻣﺔ ﻣﻦ ﺃﻗﺴﻰ ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﺑﺤﺮﻣﺎﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﻥﻅﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻻ ﺗﺤﻞ ﺇﻻ ﺑﻪ؟ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻌﻨﻔﻴﺔ ﺍﻟﻌﺘﻴﻘﺔ!!‬
‫)ﺇﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺼﻠﺢ ﺁﺧﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﺔ ﺇﻻ ﺑﻤﺎ ﺻﻠﺢ ﺑﻪ ﺃﻭﻟﻬﺎ (‪ .‬ﺇﻥ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻢ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺑﺎﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﻟﻪ ﻭ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺑﻪ‪.‬‬

‫ـ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﻭﺍﻟﺨﺮﻭﺝ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺿﺎﻋﺖ ﻣﻔﺎﺗﻴﺤﻬﺎ ﻭﺇﺩﺭﺍ ﻙ ﺳﻨﻨﻬﺎ ﻭﺷﺮﻭﻁﻬﺎ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺧﻀﻢ ﺍﻟﻔﺘﻦ ﺍﻟﻤﺘﺘﺎﻟﻴﺔ ﻫﻲ‬
‫ﺗﺤﻠﻴﻞ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﻡ ﺑﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺍﺧﺘﻼﻁ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺑﺠﻬﺎﺩ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻨﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﻓﺮ ﻓﻴﻤﻦ ﺗﻮﺿﻊ ﻟﺪﻳﻪ ﺃﻣﺎﻧﺔ ﺩﻣﺎء ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺃﻣﻮﺍﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺗﻨﻔﻴﺬ‬
‫ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﻭﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ‪ ،‬ﻳﺤﺘﺎﺩ ﻣﻦ ﻳﺘﻘﻠﺪﻫﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺆﻫﻼً ﻟﺤﻤﻞ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﺚ‬
‫ﻫﻮ ﺑﺪﻭﻥ ﺧﺮﻕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ‪.‬‬
‫ﻓﺤﻴﻦ ﺗﺒﻴﺢ ﻟﻨﻔﺴﻚ ﺃﻥ ﺗﺨﺮﺝ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﺨﺎﻟﻔﻚ ﻓﻲ ﺍﻧﻈﺮ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺃﺑﺤﺖ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻞ ﻫﺬﺍ‪ ،‬ﻭﺍﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ‬
‫ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻟﺰﻣﺖ ﺃﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺍﻟﻤﻀﻄﻬﺪﻳﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻧﻀﺒﺎ ﻁ ﺍﻟﺼﻌﺐ ﻓﻠﻢ‬
‫ﻳﺒﺢ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻷﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﺣﻖ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺍﻟﻔﺮﺩﻱ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺎﺡ ﻓﻲ‬
‫ﻅﺮﻭﻑ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﻟﻢ ﻳﺸﺬ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ‪.‬‬

‫‪82‬‬
 ‫ﺇﻧﻪ ﺗﺪﺭﻳﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺄﻫﻴﻞ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺘﺤﻜﻢ ﺑﻬﻢ ﺍﻷﻫﻮﺍء ﺣﻴﻦ ﻳﺴﺘﺨﻠﻔﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ‪ ،‬ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺳﺒﺐ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ‪ ،‬ﻅﺎﻫﺮﺓ ﻣﻨﻊ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺃﻭﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻓﻲ ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻷﻭﻝ‪ ،‬ﻓﻠﻴﺲ‬
‫ﺍﻷﻣﺮ ﻣﺠﺮﺩ ﻋﻬﺪ ﻣﻜﻲ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﺪﻧﻲ‪ ،‬ﻭﻻ ﺭﺍﺷﺪﻱ‪ ،‬ﻭﺃﻣﻮﻱ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻤﻐﺰﻯ ﺃﻥ ﻗﻄﻊ ﺩﺍﺑﺮ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺎﻟﺨﺮﻭﺝ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺬﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻛﺘﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﺇﻥ ﺁﻳﺎﺕ ﷲ ﻓﻲ ﺍﻵﻓﺎﻕ ﻭﺍﻷﻧﻔﺲ‪ ،‬ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﺰﻱﻝ ﺍﻹﺷﺘﺒﺎﻩ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﻭﺍﻟﺨﺮﻭﺝ‪ ،‬ﻭﺗﻀﻊ ﺣﺪﺍ ﻳﻤﻨﻊ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻹﻟﺘﺒﺎﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ‪) .‬ﻭﻟﺘﻌﻠﻤﻦ ﻧﺒﺄﻩ ﺑﻌﺪ ﺣﻴﻦ( )‪.(۸۸ :۳۸‬‬
‫ﻭﺑﻐﻴﺮ ﻫﺬﺍ ﻓﺴﻮﻑ ﺗﻀﻴﻊ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﻭﺍﻷﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﻔﺘﻦ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ‪ :‬ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺃﺭﺃﻳﺖ ﺇﻥ ﺩﺧﻞ ﻋﻠﻲ ﺏﻳﺘﻲ ﻭﺑﺴﻂ ﻳﺪﻩ ﻟﻴﻘﺘﻠﻨﻲ ﻗﺎﻝ ‪ :‬ﻓﻘﺎﻝ‬
‫ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ‪" :‬ﻛﻦ ﻛﺎﺑﻦ ﺁﺩﻡ " ﻭﺗﻠﻰ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ ﺍﻟﺮﻣﻠﻲ ‪) :‬ﻟﺌﻦ ﺑﺴﻄﺖ ﺇﻟﻲ ﻳﺪﻙ‬
‫ﻟﺘﻘﺘﻠﻨﻲ ﻣﺎ ﺃﻧﺎ ﺑﺒﺎﺳﻂ ﻳﺪﻱ ﺇﻟﻴﻚ ﻷﻗﺘﻠﻚ ﺇﻥ ﺃﺧﺎﻑ ﷲ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ( )‪ ،(۲۸ :٥‬ﺛﻢ ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﺸﺄ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻷﻭﻝ ﺗﻘﺎﻁﻊ ﺗﺴﻠﺴﻞ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﺡﻳﺚ ﻻ ﻳﺒﺮﺭ ﺇﺯﺍﻟﺔ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﺑﺎﻟﺨﻄﺄ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻬﻀﻤﻮﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭﻻ ﻳﺮﺍﻋﻮﻧﻬﺎ ﻭﻳﺘﺠﺎﺯﻭﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﺠﻠﺔ ﺳﻴﻔﺎﺟﺄﻭﻥ ﺑﻤﺎ ﻟﻢ‬
‫ﻳﺤﺘﺴﺒﻮﻩ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻈﻨﻮﻥ ﺃﻧﻪ ﺷﻔﺎء ﻣﻦ ﻛﻞ ﺩﺍء ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺮﺁﺓ ﺗﻌﻜﺲ ﺳﻴﺌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺃﺗﻢ ﺑﺸﺎﻋﺘﻪ ﻭﻋﻨﻔﻮﺍﻧﻪ‪ ،‬ﻭﺳﻴﺘﺒﻴﻦ ﻟﻬﻢ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻷ ﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﺨﺪﻣﻮﻩ ﻣﻊ ﻣﺨﺎﻟﻔﻴﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺳﻴﺮﺟﻊ‬
‫ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻭﺳﻴﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺔ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺮﺿﻰ ﻋﻦ ﺳﻠﻮﻛﻬﻢ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻓﻲ ﻋﺪﻙ ﻋﻠﻲ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺭﺿﻲ ﷲ‬
‫ﻋﻨﻬﻤﺎ‪.‬‬

‫ـ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻣﺮﺽ ﺍﻟﻌﺼﺮ‪.‬‬

‫ﺇﻥ ﻣﺮﺽ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻟﻴﺲ ﻣﺮﺽ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﺟﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﺣﻤﻠﻪ‪ ،‬ﺇﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﺮﻳﺾ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻣﺔ‪،‬‬
‫ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻭﺍﻟﻲﺳﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻮﺍء ﻭﺣﺘﻰ ﺍﻟﺰﻭﺍﻳﺎ ﺍﻟﻄﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺳﺮﺍﺋﺮ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﺗﺠﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﻮﺭﺛﺎﺕ )ﺍﻟﺠﻴﻨﺎﺕ (‬
‫ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺮﺽ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻧﻘﻼﺏ ﺷﺎﻫﻤﻞ ﻓﻲ ﺳﻠﻮﻙ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻓﻨﺤﻦ ﻻﻧﺰﺍﻝ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﻟﺘﻬﻤﺔ‬
‫ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻟﺒﻨﻲ ﺁﺩﻡ ﺑﺎﻟﻔﺴﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻷﺽ ﻭﺳﻔﻚ ﺍﻟﺪﻣﺎء‪.‬‬
‫ﺇﻧﻨﺎ ﻧﺤﻤﻞ ﺟﺮﺛﻮﻣﺔ ﺍﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﺍﻟﻔﺎﺷﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﺘﻘﺒﻞ ﻗﺮﺑﺎﻧﻪ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺃﺳﻠﻮﺑﻪ ﻓﻲ ﻋﻼﺝ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺃﻥ ﻗﺎﻝ‬
‫ﻷﺧﻴﺔ‪ :‬ﻷﻗﺘﻠﻨﻚ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻦ ﻗﺐ ﻧﺘﺬﻛﺮ ﻛﻴﻒ ﻭﺍﺟﻪ ﺑﻨﻮ ﺍﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ‪ ،‬ﺣﻴﻦ ﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ ‪) :‬ﻗﺎﻟﻮﺍ ﺃﻭﺫﻳﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ‬
‫ﺗﺄﺗﻴﻨﺎ ﻭﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺟﺌﺘﻨﺎ ( )&‪ .(۱۲۹ :‬ﻗﺎﻝ ﻣﻮﺳﻰ ﻓﻲ ﺟﻮﺍﺑﻪ ﺍﻟﻤﻤﺰﻭﺝ ﺑﺎﻷﺳﻰ ﻭﺍﻷﻟﻢ ‪) :‬ﻗﺎﻝ ﻋﺴﻰ‬
‫ﺭﺑﻜﻢ ﺃﻥ ﻳﻬﻠﻚ ﻋﺪﻭﻛﻢ ﻭﻳﺴﺘﺨﻠﻔﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﻴﻨﻈﺮ ﻛﻴﻒ ﺗﻌﻤﻠﻮﻥ( )‪.(۱۲۹ :۷‬‬

‫ـ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻧﺘﺒﻮﺃ ﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺃﻭ ﻓﺮﻋﻮﻥ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﺎﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻛﻴﻒ ﺳﻨﻌﻤﻞ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻭﻣﺎ‬
‫ﺍﻟﻤﺆﻫﻼﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻟﻨﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺘﻄﻠﻊ ﺇﻟﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻮ ﺗﻮﺟﻬﻨﺎ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﻭﺑﻼ ﻍ ﻣﺒﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ‬
‫ﻧﻀﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﺿﻤﺎﺋﺮ ﺷﺒﺎﺑﻨﺎ ﺍﻟﻤﺘﻄﻠﻊ ﺑﺸﻮﻕ ﻭﺣﺮﻗﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﺎﺓ ﺷﺮﻳﻔﺔ ﻭﻛﺮﻳﻤﺔ‪ ،‬ﻟﻮ‬
‫ﺟﺪﻧﺎﻫﻢ ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﺓﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻭﺣﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻭﺑﺮﺍءﺓ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ‪ ،‬ﺇﻧﻬﻢ‬
‫ﺳﻴﻘﻮﻣﻮﻥ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺃﻳﻀﺎ ً ﺃﺣﺴﻦ ﻣﻨﺎ‪.‬‬
‫ﻭﺇﻧﻲ ﻷﺗﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻲ ﺑﻜﻠﻤﺎﺕ ﺁﺩﻡ ﺣﻴﻦ ﻫﻮﻯ‪) :‬ﺭﺑﻨﺎ ﻅﻠﻤﻨﺎ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻐﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﻭﺗﺮﺣﻤﻨﺎ ﻟﻨﻜﻮﻧﻦ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺳﺮﻳﻦ( )‪..(۲۳ :۷‬ﺃﻫـ‬

‫‪83‬‬
 ‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻄﺒﻴﻘﺎﺕ‬
‫ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺺ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ـ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺴﻄﺎﻥ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ـ ﺍﻧﻜﻤﺎﺵ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ـ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺟﺪﻳﺪ‬
‫ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ "ﻭﺿﻊ ﺍﻷﺳﺘﻌﻤﺎﻝ" ـ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻄﺒﻴﻘﺎﺕ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ‪ :‬ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺬﻛﺮ‬
‫ﻛﺎﻷﻧﺜﻰ = ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ‪ .‬ﻣﺮﺽ ﺍﻟﻼﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻳﺼﻴﺐ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ـ‬
‫ﻅﺎﻫﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ـ ﺍﻟﺼﻴﻦ ـ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ ـ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ـ ﺍﻟﺴﻴﻒ ﺃﺻﺪﻕ ﺃﻧﺒﺎء‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻭﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‬

‫ـ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺺ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ‬

‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺮﻓﻊ ﻧﺺ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻢ ﺧﺘﺒﺊ‬
‫ﺧﻠﻒ ﺍﻟﻨﺺ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬ﺗﻄﺎﻟﻌﻨﺎ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ‪ ،‬ﺃﻋﻨﻲ ﺑﺎﻧﺺ‬
‫ﺍﻵﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ‪.‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻗﺪﻡ ﺍﻟﻨﺺ‪.‬‬
‫ﺣﺘﻰ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ )ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ( ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﺣﺎﻟﻴﺎ ً ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻳﺪﻳﻨﺎ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮﺍﻥ‬
‫ﻁﺎﺋﻔﺔ ﺃﺱﻣﻬﺎ ﺍﻟﻜﺘﺒﺔ ﻭﺍﻟﻔﺮﻳﺴﻴﻮﻥ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻨﺸﺄ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻳﻦ )ﻧﻔﺴﻲ(‪ ،‬ﻭ)ﻋﻘﻠﻲ ( ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺇﻣﺎ ﺑﺎﻟﻬﻮﻯ ﻭﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺇﻣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻨﺺ ﻣﻊ ﻫﻮﻯ‬
‫ﺍﻟﻨﻔﺲ؛ ﺃﻭ ﺗﻔﺎﻭﺕ ﺃﻓﻬﺎﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﻨﺺ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺫﻛﺮ ﻋﻦ ﺗﺤﺮﻳﻒ ﺑﻴﻦ ﺇﺳﺮﺍﺋﻞ ﻟﻠﻜﺘﺎﺏ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ ‪) :‬ﻭﻣﻨﻬﻢ ﺃﻣﻴﻮﻥ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺇﻻ ﺃﻣﺎﻧﻲ ﻭﺇﻥ‬
‫ﻫﻢ ﺇﻻ ﻳﻈﻨﻮﻥ ﻑﻭﻳﻞ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﻜﺘﺒﻮﻥ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﷲ ﻟﻴﺸﺘﺮﻭﺍ ﺑﻪ ﺛﻤﻨﺎ ً ﻗﻠﻴﻼً ﻓﻮﻳﻞ‬
‫ﻟﻬﻢ ﻣﻤﺎ ﻛﺘﺒﺖ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﻭﻭﻳﻞ ﻟﻬﻢ ﻣﻤﺎ ﻳﻜﺴﺒﻮﻥ ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻦ ﺗﻤﺴﻨﺎ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺇﻻ ﺃﻳﺎﻣﺎ ً ﻣﻌﺪﻭﺩﺓ( )‪۷۸ :۲‬ـ‪.(۸۰‬‬
‫ﻓﻤﻨﻬﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻟﺒﺴﻄﺎء ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺪﺭﻛﻮﻥ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺇﻻ ﺑﺸﻜﻞ ﺳﻄﺤﻲ‪ ،‬ﺍﺳﻢ ﺟﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﻢ ﻯ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﻫﻮ‬
‫ﺗﻌﻠﻢ ﻟﻐﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻻ ﺗﺘﻐﻴﺮ‪ ،‬ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺮ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺍﻟﺮﻣﻮﺯ ﺃﻛﺜﺮ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺔ ﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﺮﺑﻲ‪ ،‬ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﺻﻔﺤﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺎﻧﻲ ﻳﺘﻮﻗﻒ‬
‫ﻓﻬﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻹﺿﺎﻓﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻣﻮﺯ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ ﺃ ﻳﻀﺎ ً ﻛﺘﺎﺏ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻊ ﻓﺎﺭﻕ ﺃﻥ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱ ﺗﺸﺘﺮﻙ ﻓﻲ ﺇﺩﺭﺍﻛﻪ‪ ،‬ﺃﻣﺎ‬
‫ﺍﻛﺘﺎﺏ ﻓﺘﺒﻘﻰ ﺣﺎﺳﺔ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻫﻲ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻨﺺ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺃﻭ ﺃﻱ ﻧﺺ ﻣﻘﺪﺱ ﻻ ﻳﺨﺮﺝ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻓﻬﻮ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻣﻮﺯ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩﺓ ﻟﻬﺎ‬
‫ﺩﻻﻻﺕ‪ .‬ﻭﺇﺩﺭﺍﻙ ﻫﺬﺍ ﻭﻋﻤﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺩﺭﺍﻙ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺼﻴﺮﺓ ﺍﻟﺨﻠﻔﻴﺔ ﺍﻟﺖﻱ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‪..‬‬
‫ﻟﺬﺍ ﻭﺻﻒ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫ﺃﻭﻻً‪ :‬ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺭﻓﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎ ﺗﺘﻢ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ‪:‬‬
‫)ﻳﺮﻓﻊ ﷲ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻣﻨﻮﺍ ﻣﻨﻜﻢ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻭﺗﻮﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺩﺭﺟﺎﺕ( )‪.(۱۱ :٥۸‬‬
‫ﻭﺑﺎﻷﺻﻞ ﻳﺨﺮﺝ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺭﺣﻢ ﺃﻣﻪ ﻻ ﻳﻌﻤﻞ ﺷﻴﺌﺎ ً‪:‬‬
‫)ﻭﷲ ﺃﺧﺮﺟﻜﻢ ﻣﻦ ﺑﻄﻮﻥ ﺃﻣﻬﺎﺗﻜﻢ ﻻ ﺗﻌﻠﻤﻮﻥ ﺷﻴﺌﺎ( )‪.(۷۸ /۱٦‬‬
‫ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺩﺭﺟﺎﺕ‪) :‬ﻭﻓﻮﻕ ﻛﻞ ﺫﻱ ﻋﻠﻢ ﻋﻠﻴﻢ( )‪ ،(۷٦ :۱۲‬ﺑﺪﻭﻥ ﺗﻮﻗﻒ‪.‬‬

‫‪84‬‬
 ‫ﻭﺍﻟﺮﺳﻮﺥ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺘﻤﻜﻦ ﻣﻨﻪ ﺩﺭﺟﺎﺕ‪) :‬ﻭﺍﻟﺮﺍﺳﺨﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻋﻠﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﺃﻣﻨﺎ ﺑﻪ( )‪.(۷ :۳‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪ ،‬ﺍﻟﺨﺒﻴﺮ ﻫﻮﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺴﺄﻝ‪ ،‬ﻭﺳﻮﺍﻩ ﻟﻦ ﻳﻨﺒﺄ ﻣﺜﻠﺔ )ﻓﺴﺌﻞ ﺑﻪ ﺧﺒﻴﺮﺍ ( )‪) ،(٥۹ :۲٥‬ﻭﻻ‬
‫ﻳﻨﺒﺌﻨﻚ ﻣﺜﻞ ﺧﺒﻴﺮ( )‪.(۱٤ :۳٥‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺩﻭﻣﺎ ﺻﺎﻋﺪﺓ )ﻭﻗﻞ ﺭﺏ ﺯﺩﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎ( )‪.(۱۱٤ :۲۰‬‬
‫ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺇﺫﺍ ﺩﺭﺱ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻪ )ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﺗﻴﻨﺎﻫﻢ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻳﺘﻠﻮﻧﻪ ﺣﻖ ﺗﻼﻭﺗﻪ ﺃﻭﻟﺌﻚ‬
‫ﻳﺆﻣﻨﻮﻥ ﺑﻪ( )‪ .(۱۲۱ :۲‬ﺛﻢ )ﻭﺳﻜﻦ ﻛﻮﻧﻮﺍ ﺭﺑﺎﻧﻴﻦ ﺑﻤﺎ ﻛﻨﺘﻢ ﺗﻌﻠﻤﻮﻥ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺑﻤﺎ ﻛﻨﺘﻢ ﺗﺪﺭﺱ ﻭﻥ( )‪:۳‬‬
‫‪ (۷۹‬ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﺠﺪﻟﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺩﺭﺍﺳﺘﻪ ﻭﺗﻌﻠﻴﻤﻪ ﻳﺼﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﺥ‪.‬‬
‫ﻭﺗﻌﺮﺽ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺗﻮﺳﻴﻌﻪ ﻭﺍﻟﺘﻤﻜﻦ ﻣﻨﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻤﺮ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺩﻭﺍﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﻭﺭ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪.‬‬
‫ﺇﺫﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺤﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ‪ ،‬ﻭﺃﻁﺮﺍﻑ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﻫﻨﺎ ﻫﻲ ‪ :‬ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻨﺺ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎﺗﺘﻌﺮﺽ ﻟﺨﻠﻞ‬
‫ﻓﻴﺼﺒﺢ ﺃﻋﻈﻢ ﺍﻷﺷﻴﺎء ﻓﺎﺋﺪﺓ ﻣﻀﺤﻜﺔ ﻟﻠﻨﺎﺱ‪ ،‬ﻭﻳﺮﻭﻯ ﻋﻦ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺑﺪﻭﻳﺔ ﺗﺮﻋﻰ ﻏﻨﻤﻬﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻋﺜﺮﺕ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻗﻠﻢ ﺣﺒﺮ ﻓﺎﺧﺮ ﻓﺘﺄﻣﺘﻠﻪ ﻭﻗﻠﺒﺘﻪ ﺛﻢ ﺭﺃﺕ ﺃﺛﺮ ﺗﻠﻮﻳﻦ ﺍﻟﺤﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻬﺎ ﻓﻬﺪﺍﻫﺎ ﻋﻘﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻛﺴﺮ ﺍﻟﻘﻠﻢ ﻭﺭﺵ‬
‫ﻱ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺗﺴﺨﻴﺮ ﻫﺬﺍ‬ ‫ﺍﻟﺤﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺱ ﺧﺮﻭﻑ ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻋﻼﻣﺔ ﻓﺎﺭﻗﺔ ﺗﻤﻴﺰﻩ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻩ! ﻓﻬﻲ ﻟﻢ ﺗﺮﻯ ﻑ‬
‫ً‬
‫ﺍﻟﺸﻲء ﻭﺍﻹﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻨﻪ ﺇﻻ ﻓﻲ ﺗﺤﻄﻴﻢ ﻭﻅﻴﻔﺘﻪ ﻟﻨﺪﻟﻖ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺤﺒﺮ ! ﻭﻻ ﻧﻀﺤﻚ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﻓﻨﺤﻦ‬
‫ﻧﺤﻄﻢ ﺃﺷﻴﺎء ﺃﻋﻈﻢ‪ ،‬ﻧﺤﻄﻢ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻨﺨﺮﺝ ﻣﻨﻪ ﺣﺒﺮﺍً ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺁﺧﺮ!‪..‬‬
‫ﻛﻤﺎ ﻣﺮ ﻣﻌﻨﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ً ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﺑﻦ ﻟﺒﻴﺪ ﺃﻥ ﺍﻹﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺺ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺃﺩﺍﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺦ ﻟﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ‬
‫ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻭ ﻣﺎ ﺳﻤﺎﻫﺎ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ‪" :‬ﺍﻟﻌﻠﻢ"‪.‬‬

‫ـ ﻧﻈﺮﺓ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻭﺍﻟﻈﻼﻝ‪.‬‬

‫ﻭﻣﻦ ﺃﺛﺮ ﺍﻟﺨﻠﻔﻴﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺍﻟﺠﺪﻟﻴﺔ ﺑﻤﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻧﺮﻯ ﺗﺒﺎﻳﻦ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ‬
‫ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻻﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﻅﻼﻝ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﺴﻴﺪ ﻗﻄﺐ ﺃﻭ ﺗﻔﺴﻴﺮﺍﻟﻤﻨﺎﺭ ﻟﺮﺷﻴﺪ ﺭﺿﺎ ﺃﻭ ﺣﺘﻰ‬
‫ﺑﻴﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﻁﺒﻲ ﻗﺪﻳﻤﺎ ً ﻭﺍﻟﻘﺎﺳﻤﻲ ﺣﺪﻳﺜﺎ ً‪ ..‬ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻋﻄﻰ ﺍﻟﺠﺎﺫﺑﻴﺔ ﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻈﻼﻝ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮ‬
‫ﺍﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ؟ ﺇﻥ ﻫﺬ ﺍ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎﻭﻟﻬﺎ ﻭﻧﺎﻗﺸﻬﺎ ﻛﻞ ﺗﻔﺴﻴﺮ‪ ،‬ﻓﻤﺤﺘﻮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﻟﻴﺴﺖ‬
‫ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﺟﺎﻣﺪﺓ ﺗﺼﺐ ﻣﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﺗﻜﺮﺭ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺨﻼﻑ ﺍﻟﻨﺺ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻭﻗﻒ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻨﺺ ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻧﻌﻜﺎﺱ ﺍﻟﻨﺺ ﻛﺎﻥ ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ ً ﺑﻴﻦ ﻋﺼﺮ ﻭﺁﺧﺮ ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻁﺎﺋﻔﺔ ﺧﺒﻴﺜﺔ ﺗﺒﻴﻊ‬
‫ﻧﺼﻮﺻﺎ ً ﻣﺤﺮﻓﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﻟﻌﻠﻬﺎ ﻓﺘﺎﻭﻯ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻛﺴﺐ ﺩﻧﻴﻮﻱ ﺭﺧﻴﺺ‪ ،‬ﻭﻓﺴﺎﺩ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﺯﻳﻦ ﻟﻬﻢ ﺃﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﻮﺃ‬
‫ﺍﻷﺣﺘﻤﺎﻻﺕ ﻓﺎﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺑﺴﻴﻄﺔ!!‪..‬‬
‫ﻭﺍﺧﺘﺼﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺑﺄﻥ ﻣﺼﺪﺭﻫﺎ ﻫﻮﻯ ﻭﺍﺳﺘﻜﺐﺍﺭ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫)ﺃﻓﻜﻤﺎ ﺟﺎءﻛﻢ ﺭﺳﻮﻝ ﺑﻤﺎ ﻻ ﺗﻬﻮﻯ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﺍﺳﺘﻜﺒﺮﺗﻢ ﻓﻔﺮﻳﻘﺎ ﻛﺬﺑﺘﻢ ﻭﻓﺮﻳﻘﺎ ﻳﻘﺘﻠﻮﻥ( )‪.(۸۷ :۲‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﺒﻊ ﺍﻷﻭﻝ ﻓﻲ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻨﺺ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻫﻨﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻬﻤﺎ ً ﺑﻞ ﺇﺩﺭﺍﻛﺎ ً ﻟﻠﻨﺺ ﻭﺗﺤﺮﻳﻔﺎ ً ﻣﺘﻌﻤﺪﺍً‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ‪ً،‬‬
‫ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ ﺑﺒﺴﺎﻁﺔ ﻫﻨﺎ‪ :‬ﺃﻧﻪ ﻻ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻨﺺ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻁﺎﺭ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﻤﻨﺒﻊ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑﺎﻟﻨﺺ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﻨﺺ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻨﺎﺱ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻨﺺ ﺇﺫﻥ‪،‬‬
‫ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺗﺰﻳﻴﻒ ﻣﺘﻌﻤﺪ ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ‪ ،‬ﻭﺇﻣﺎ ﻗﺼﻮﺭ ﺃﻭ ﺗﺒﺎﻳﻦ ﻋﻘﻠﻲ ﻓﻲ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﻨﺺ‪.‬‬
‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻮﺍﺟﻪ ﻣﻜﺸﻠﺔ ﻭﻳﺨﺮﺝ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻭﺍﺣﺪ ﺑﺎﻟﻨﺺ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻔﻬﻮﻣﻪ ﻟﻠﻨﺺ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻨﺺ ﻭﺍﺣﺪ‬
‫ﻭﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬ﻭﻩ ﺫﺍ ﻫﻮ ﺳﺒﺐ ﺗﻌﺪﺩ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪.‬‬
‫ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺇﺫﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺺ ﻭﺍﻟﺸﺨﺺ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻻ ﻧﻘﻊ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺺ ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺨﺮﺝ ﻳﻜﻮﻥ‬
‫ﺇﻣﺎ ﺑﺎﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺑﺪﻭﻥ ﻗﻨﺎﻋﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺧﻴﺎﻧﺔ ﻟﻠﻀﻤﻴﺮ ﻭﺇﻣﺎ ﺑﺮﻓﺾ ﺍﻟﻨﺺ ﻭﻫﻮ ﻛﻔﺮ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻳﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺺ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ‪ ،‬ﻑﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻣﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻓﻴﺎﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﺇﺩﺭﺍﻙ‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻘﻞ‪ ،‬ﺃﻭ ﻫﻮ ﺍﻧﻌﻜﺎﺱ ﺍﻟﻨﺺ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻧﻌﻜﺎﺱ ﺍﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ‪ ،‬ﻭﺑﻘﺪﺭ ﺻﻘﻞ‬

‫‪85‬‬
 ‫ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻭﻧﻌﻮﻣﺔ ﺳﻄﺤﻬﺎ ﺃﻭ ﺧﺸﻮﻧﺘﻬﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻝ ﺍﻧﻌﻜﺎﺱ ﻛﺎﻣﻞ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻀﻮء ﺃﻭ ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻪ ﺃﻭ ﺑﻌﺜﺮﺓ ﺍﻟﻀﻮء‬
‫ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻱ ﺃﻧﻌﻜﺎﺱ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺺ ﻧﻮﺭ‪ ،‬ﻭ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺟﻬﺎﺯ ﻣﺴﺘﻘﺐ‪ ،‬ﻭﻣﺪﻯ ﺍﻷﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺠﻬﺎﺯ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ‬
‫ﺑﺎﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﻘﻮﻝ‪ :‬ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﺭ ـ ﺃﻱ ﺍﻵﻳﺔ ـ ﻗﺪ ﺗﺘﺮﻙ ﺁﺛﺎﺭ ﺳﻠﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ؟ ﻟﻨﺴﻤﻊ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‪:‬‬
‫ً‬
‫ﺗﻬﻢ ﺇﻳﻤﺎﻧﺎ ﻭﻫﻢ‬ ‫)ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﻧﺰﻟﺖ ﺳﻮﺭﺓ ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻘﻮﻝ ﺃﻳﻜﻢ ﺯﺍﺩﺗﻪ ﻫﺬﻩ ﺇﻳﻤﺎﻧﺎ ً ﻓﺄﻣﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻣﻨﻮﺍ ﻓﺰﺍﺩ‬
‫)‪:۹‬‬ ‫ﻳﺴﺘﺒﺸﺮﻭﻥ ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﺮﺽ ﻓﺰﺍﺩﺗﻬﻢ ﺭﺟﺴﺎ ً ﺇﻟﻰ ﺭﺟﺴﻬﻢ ﻭﻣﺎﺗﻮﺍ ﻭﻫﻢ ﻛﺎﻓﺮﻭﻥ‬
‫‪۱۲٤‬ـ‪.(۱۲٥‬‬
‫ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ‪ ،‬ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ‪ ،‬ﺇﻧﻪ ﻟﻐﺔ ﺑﺮﺓ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻣﺎ ﻳﺤﻤﻞ ﻣﻦ‬
‫ﺫﺧﻴﺮﺓ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻪ‪.‬‬
‫ﺇﺫﻥ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻳﻤﺎ ﻳﺤﻴﻄﻪ‪...‬‬
‫ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻫﻲ ﻓﻴﺾ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ‪ ،‬ﻫﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺟﻮﺍﻧﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭﺁﺛﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻟﻨﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﺮﺑﻲ ﻳﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻣﻮﺯ‪ ،‬ﻓﻬﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ‬
‫ﻭﺇﺩﺭﺍﻙ ﻣﺤﺘﻮﺍﻫﺎ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﺧﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‪ ،‬ﺇﻥ ﺍﻟﺤﺮﻑ ﺃﻭ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺭﻣﺰ ﻣﺠﺮﺩ‪،‬‬
‫ﻗﺪﻳﻤﺎ ً ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩﻭﺍ ﺍﻟﺘﺨﺎﻁﺐ ﺃﺣﻀﺮﻭﺍ ﺍﻷﺷﻴﺎء‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻷﻣﺮ‪ ،‬ﺑﺮﺳﻢ ﺍﻟﺸﻲء‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ‪ ،‬ﻓﺈ‬
‫ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺗﺮﺳﻢ ﻭﻻ ﺗﻜﺘﺐ ﺷﺠﺮﺓ "ﺷﺠﺮﺓ" ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ‪ ،‬ﻓﺘﺸﻜﻠﺖ ﺍﻟﺮﻣﻮﺯ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩﺓ ﻭﻫﺬﻩ ﻗﺪﺭﺓ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻗﺎﻝ‬
‫ﻋﻨﻪ ﺍﻝﻗﺮﺁﻥ‪) :‬ﻭﻋﻠﻢ ﺁﺟﻢ ﺍﻷﺳﻤﺎء ﻛﻠﻬﺎ( )‪ ،(۳۱ :۲‬ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻳﺮﻣﺰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ‬
‫ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﺑﺮﻣﻮﺯ ﻣﺠﺮﺩﺓ ﺃﻭ ﻳﺴﻤﻴﻬﺎ ﺑﺄﺳﻤﺎء ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﺮﺗﻔﻊ ﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻢ ﻋﻨﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‪ ،‬ﻣﺴﺘﻌﻴﻨﺎ ً ﺑﺎﻟﻘﺪﺭﺓ‬
‫ﺍﻟﻜﻤﻮﻧﻴﺔ ﺍﻷﺻﻠﻴﺔ ﻋﻨﺪﻩ ﺛﻢ ﺻﺎﻋﺪﺍً ﺑﺎﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﺍﻟﺮﺳﻮﺑﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻠﻰ‪...‬‬
‫ﺇﻥ ﺇﺿﺎﻓﺔ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻨﻘﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻴﻔﺮﺓ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻷﺳﻤﺎء ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺼﺒﺢ ﺇ ﺍﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﺗﺤﺪﺙ ﻓﻲ‬
‫ﻗﺮﺍﺑﺔ ﻋﺸﺮ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﻋﻦ ﺳﺤﺮ ﻫﺎﺭﻭﺕ ﻭﻣﺎﺭﻭﺕ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺗﺤﺪﺙ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ ﻓﻲ ﻭﻗﻔﺎﺕ ﻁﻮﻳﻠﺔ‬
‫ﻋﻨﺪ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﻗﻮﻝ ﻳﻮﺳﻒ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ )ﺍﺟﻌﻠﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺧﺰﺍﺋﻦ ﺍﻷﺭﺽ ﺇﻧﻲ‬
‫ﺣﻔﻴﻆ ﻋﻠﻴﻢ( )‪ .(٥٥ :۱۲‬ﻭﻓﻲ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ )ﻭﻋﻨﺪﻩ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ ﺇﻻ‬
‫ﻫﻮ( )‪ (٥۹ :٦‬ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻨﺺ ﻋﻨﺪ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪) :‬ﻟﺌﻼ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﷲ ﺣﺠﺔ ﺑﻌﺪ‬
‫ﺍﻟﺮﺳﻞ( )‪.(۱٦٥ :٤‬‬
‫ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻧﻠﻮﻡ ﺍﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﺃﻧﻪ ﺗﻌﺮﺽ ﻓﻲ ﺑﺤﺚ ﻣﻔﺼﻞ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺶ ﻛﻠﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﺑﻦ ﺣﻨﺐ ﻓﻲ ﻗﻀﻴﺔ ﺧﻠﻖ‬
‫ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‪ ،‬ﺃﻭﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﺃﻥ ﷲ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﻦ ﻧﺎﻗﺶ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻓﻲ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﺗﻜﻔﺮ ﺃﻭ‬
‫ﻻ!!‬
‫ﺇﻧﻬﻢ ﺭﺟﺎﻝ ﻋﺎﺻﻮﺭﺍ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﻭﺟﺐ ﺍﻟﺘﺼﺪﻱ ﻟﻬﺎ ﻭﺑﺤﺜﻬﺎ ﻭﺇﻋﻄﺎء ﺍﻟﺮﺃﻱ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﺗﻤﺎﻣﺎ ً ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ‬
‫ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻁﺮﻗﻬﺎ ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ ﻓﻲ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺢﺍﻛﻤﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺭﺍﻓﻘﻪ ﺗﻄﻮﺭ ﻣﺸﺎﻛﻠﻬﺎ ‪ ،‬ﻭﺑﺮﻭﺯ ﺩﻓﻌﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ‪ ،‬ﺃﻓﺮﺯﺕ ﺃﻓﻜﺎﺭﺍً ﻭﺍﺗﺠﺎﻫﺎﺕ‬
‫ﺟﺪﻳﺪﺓ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ‪،‬ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺠﺪﻟﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻀﻤﺎﻧﺎﺕ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺄﻣﻴﻦ ﺿﺪ‬
‫ﺍﻟﺘﻘﺎﻋﺪ‪ ،‬ﺿﺪ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪ ...‬ﺃﻟﺦ‪ ..‬ﻫﻲ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺭﺍﻫﻨﺔﻭﻫﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﺇﻓﺮﺍﺯ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ‬
‫ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﺩ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﺗﺮﻛﺖ ﺑﺼﻤﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺧﻂ ﺍﻟﺤﺰﺍﻡ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‬
‫ﻁﻨﺠﺔ ـ ﺟﺎﻛﺮﺗﺎ ﻓﻮﺟﺐ ﺍﻟﺘﺼﺪﻱ ﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻟﺬﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﺴﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻀﻮء ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺎﺫﺑﻴﺔ ﺃﻛﺚ‬
‫ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﺟﺎﺑﻴﺘﻬﺎ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﻋﻨﺪﻡ ﺍ ﻛﺘﺒﺖ ﻟﻌﺼﺮﻫﺎ‪.‬‬
‫ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﻫﺬﺍ ﺗﻄﻠﻴﻖ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ‪ ،‬ﺑﻞ ﺍﻷﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻀﻮء‪ ،‬ﺃﻱ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ‬
‫ﻭﺍﻟﺤﺎﺿﺮ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫ﺑﻞ ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺿﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﺇﻻ ﻓﻲ ﺿﻮء ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﺃﻥ ﻓﻬﻢ ﺃﻱ ﻣﺸﻜﻠﺔ‬
‫ﻣﻌﺎﺻﺮﺓ ﺣﺘﻰ ﺗﻬﻀﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﻴﺪ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺟﻮﺭﻫﺎ ﺍﻟﺘﺎ ﺭﻳﺨﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﻧﺸﺄﺓ ﻅﺎﻫﺮﺓ‬
‫ﺍﻟﺘﺸﻴﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺑﺪﻭﻥ ﺇﺩﺭﺍﻛﻬﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﺤﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ ﺑﻨﺎء ﺟﺪﻳﺪﺓ‬
‫ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻣﺤﻤﺪ ﺇﻗﺒﺎﻝ ﻛﺎﻥ ﻧﻤﻮﺫﺟﺎ ﺭﺍﺋﻌﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﺑﻴﻦ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺍﻟﺘﺸﺒﻊ ﺑﻪ‪ ،‬ﻭﺇﺩﺍﺭﻙ‬
‫ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻭﺍﻟﺖﺷﺒﻊ ﺑﻪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ "ﺗﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ"‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻳﻔﺮﺽ ﺍﺗﺠﺎﻫﺎ ً ﺍﻣﺘﺼﺎﺻﻴﺎ ً ﺧﺎﺻﺎ ً ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺗﺼﻮﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻭ ﻣﻔﺎﻫﻴﻤﺔ ﺗﺘﺒﺎﻳﻦ‬
‫ﺑﺤﺠﻢ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻹﻧﺘﻘﺎﺋﻲ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ‪ ،‬ﻓﻤﺜﻼً ﺇﺫﺍ ﺯﺍﺭ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺑﻠﺪﺓ ﻣﺎ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻪ ﺑﺤﺴﺐ ﺇﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﻳﺒﺮﺯ ﺃﻣﺎﻡ‬
‫ﻭﻋﻴﻪ ﻣﺎ ﻱﺭﺍﻩ ﻣﻬﻤﺎ ً ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﺒﺪﻭ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻟﻠﻔﻨﺎﻥ ﻗﺒﻴﺤﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻟﺮﺟﻞ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﻣﻤﺘﺎﺯﺓ ﺟﺪﺍً ﻭﻫﻜﺬﺍ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻦ ﺃﺛﺮ ﻫﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺃﻓﻜﺎﺭﺍً ﻣﺎ ﺳﺮﺕ ﻣﻊ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﻭﺍﺻﺒﺤﺖ ﻫﻲ ﺍﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ﺍﻟﺮﺍﺋﺠﺔ ﻭﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪﺓ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﻧﺬﻛﺮ ﻗﻀﻴﺔ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻌﻴﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺼﻠﻰ ﻓﻬﻲ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺺ ﺑﺸﻜﻞ ﻭﺍﺿﺢ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻳﺆﻛﺪ‬
‫ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻠﻰ ﺧﺮﻭﺝ ﺍﻟﺤﻴﺾ ﺃﻱ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻲ ﺣﻴﻀﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﺳﺘﻌﺮﺍﺽ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻟﻘﻮﺗﻬﻢ ﺣﻴﻦ ﻳﺠﺘﻤﻌﻮﺍ‬
‫ﻓﻲ ﺻﻌﻴﺪ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﺈﻥ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﺟﻤﻴﻌﺎ ً ﻓﻲ ﻣﻈﺎﻫﺮﺓ ﺟﺒﺎﺭﺓ ﻛﻠﻬﻢ ﻳﻬﺘﻒ‪ ،‬ﻳﻜﺒﺮ‪ ،‬ﻭﻳﻬﻠﻞ‪ ،‬ﻟﻪ ﺃﺛﺮ ﺑﻌﻴﺪ‬
‫ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺱ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﺘﻤﻊ ﻭﺃﻋﺪﺍﺋﻬﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻭﻧﻬﻢ‪.‬‬
‫ﻣﻊ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺴﺮﺏ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺜﻘﺎ ﻓﺔ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﻫﻮ ﺧﻼﻑ ﺫﻟﻚ‪ ،‬ﺑﻞ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ‬
‫ﻫﺬﺍ‪ ،‬ﻳﺴﻤﻊ ﻫﺬﺍ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﻄﺮﻕ ﺫﻫﻨﻪ ﻟﻠﻤﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪.‬‬
‫ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻣﺘﺼﺎﺻﺎ ً ﺧﺎﺻﺎ ً ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ ﺗﺤﺖ ﺿﻮء ﻭﻋﻲ ﺍﻧﺘﻘﺎﺋﻲ ﺟﻌﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺗﻀﻐﻂ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﺗﺸﻜﻠﻪ ﺑﻘﺎﻟﺒﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻧﺘﺒﻪ ﻟﻬﺎ ﺻﺤﺎﺑﻲ ﺣﻴﻦ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻳﻔﺴﺮ ﺍﻵﻳﺔ ﻋﻠٮﻐﻲﺭ ﻭﺟﻬﻬﺎ ﻫﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪) :‬ﻭﺃﻧﻔﻘﻮﺍ‬
‫ﻓﻲ ﺳﺒﻲ ﷲ ﻭﻻ ﺗﻠﻘﻮﺍ ﺑﺄﻳﺪﻳﻜﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻬﻠﻜﺔ( )‪ (۱۹٥ :۲‬ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ‪ :‬ﻟﻘﺪ ﺯﻟﺖ ﻓﻴﻨﺎ ﻣﻌﺸﺮ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭ ﺣﻴﻦ ﻣﻠﻨﺎ‬
‫ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺰﺭﻉ ﻭﺗﺮﻛﻨﺎ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻬﻢ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﻛﺎﻣﻞ ﻧﺸﺄ ﻣﻊ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ‪ .‬ﻓﺎﻟﻘﻀﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﻤﻔﻬﻮﻡ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻭ ﺍﺛﻨﻴﻦ‪ ،‬ﺃﻭ‬
‫ﺣﺪﻳﺚ ﻭﺍﺣﺞ ﺃ ﺍﺛﻨﻲ‪ ،‬ﺑﻞ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ‪.‬‬

‫ـ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‬

‫ﻭﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭﻁﺮﺯ ﺗﺄﺛﻴﺮﻫﺎ‪ ،‬ﻭﻛﻴﻒ ﺗﻔﻌﻞ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻣﺘﺼﺎﺹ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﻭﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻁﺒﻴﻌﺔ‬
‫ﺗﺮﻛﻴﺒﻬﺎ ﺃﻥ ﺍﻛﺜﻴﺮ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺄﺛﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﻗﻮﻝ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ‪:‬‬
‫"ﺇﻥ ﷲ ﻝﻳﺰﻉ ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺰﻉ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ "‪ ،‬ﺇﻥ ﻋﺜﻤﺎﻥ ـﺮﺿﻲ ﷲ ﻋﻨﻬـ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻢ ﻳﺰﻉ ﻭﻳﺼﺮﻑ‬
‫ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻧﻪ ﺑﺎﻟﺴﻄﺎﻥ ﺑﻞ ﺭﺿﻲ ﺃﻥ ﻳﻘﺘﻞ ﻫﻮ ﻭﻻ ﻳﺪﻓﻊ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ﻭﺍﻟﺪﻡ !! ﻭﺭﺿﻲ‬
‫ﺃﻥ ﻳﺰﻉ ﺍﻟﺜﻮﺍﺭ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﺤﺎﺟﺠﻬﻢ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺗﺮﻙ ﺩﻣﻪ ﺃﺛﺮﺍً ﺗﺎﺭﻳﺨﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺳﻼﺡ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ!!‪..‬‬
‫ﻭﻻ ﻧﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻧﻨﺎﻗﺶ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺄﺛﻮﺭ ﻭﻋﺪﻡ ﺣﺠﻴﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻷﺳﺘﺪﻻﻝ ﺃﻭ ﺣﺠﺘﻪ ﻓﻬﺬﺍ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺁﺧﺮ‬
‫)ﻗﻮﻝ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﻭﻫﻞ ﻫﻮ ﺣﺠﺔ ﺃﻭ ﻻ (‪.‬‬ ‫ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻭﻫﻮ ﺑﺤﺚ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻓﻴﻪ ﻓﻲ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺗﺤﺖ ﺑﺤﺚ‬
‫ﺇﻧﻤﺎ ﻧﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻧﺴﻮﻕ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﻟﻠﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﻧﺎﻫﺎ ﻭﻫﻲ ﺃﻥ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻳﻔﺮﺽ ﺍﻣﺘﺼﺎﺻﺎ ً ﻳﻨﺎﺳﺐ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻌﻮﺍﻡ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻳﻨﺘﻈﺮﻭﻥ ﺍﻟﻤﻬﺪﻱ ﻭﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﷲ ﻛﺎﺷﻔﺔ‪ ،‬ﻭﻟﺬﺍ ﻓﻬﻢ‬
‫ﻳﻨﺘﻈﺮﻭﻥ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭﻏﻔﻠﻮﺍ ﻋﻦ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻋﻨﺪﻫﻢ‪ ،‬ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ‬
‫ﻣﺜﻞ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺤﻤﺼﻲ‪.‬‬

‫‪87‬‬
 ‫ـ ﺍﻧﻜﻤﺎﺵ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‬
‫)ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻳﺎﺭﺏ ﺇﻥ ﻗﻮﻣﻲ ﺍﺗﺨﺬﻭﺍ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻬﺠﻮﺭﺍ ( )‪ (۳۰ :۲٥‬ﻭﻣﺜﻞ ﺁﺧﺮ ﻡ ﺧﻄﺒﺔ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ‬
‫ﻭﺧﻄﺒﺎء ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻫﻮﻳﻀﻢ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺳﺘﺔ ﺁﻻﻑ ﺁﻳﺔ ﻓﻲ ‪ ۱۱٤‬ﺳﻮﺭﺓ‪ ،‬ﻧﺮﻯ ﺃﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻥ‬
‫ﺧﻄﺒﺎء ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ ﻗﺪﻡ ﺇﻧﻜﻤﺶ ﺇﻟﻰ ﺁﻳﺎﺕ ﻣﻌﺪﺩﺓ ﺗﻜﺮﺭ ﺩﻭﻣﺎ ً ﻓﻤﺜﻼً ﻣﺸﻜﻠﺔ )ﺍﻟﺨﻜﺐ ﺍﻟﻤﻮﺳﻤﻴﺔ( ﺃﻭ )ﺧﻄﺐ‬
‫ﺍﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻧﺒﺎﺗﻪ( ﺣﻴﺚ ﺗﻘﺴﻢ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺷﻬﺮ‪ ،‬ﻭﺃﺳﺎﺑﻴﻊ‪ ،‬ﻭﻣﻨﺎﺳﺒﺎﺕ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﻜﺮﺭ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻤﻮﺍﺿﻴﻊ ﻣﻦ ﺣﺞ‬
‫ﻭﺗﺼﻮﻡ ﻭﻋﻤﺮﺓ ﻭﻫﺠﺮﺓ ﻭﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ‪ ،‬ﺑﻞ ﻭﺃﺳﺘﻌﺎﺭﺓ ﻋﻴﺪ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺷﻌﺮ ﺕ ﺑﺄﻫﻤﻴﺘﻪ‬
‫ﺃﺛﻨﺎء ﻭﺟﻮﺩﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺏ‪.‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﺤﻮﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻛﻘﻮﺓ ﻣﻨﻤﻴﺔ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﻭﻛﻔﻜﺮ ﻣﺘﻄﻮﺭ ﻳﻀﻊ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪﺩ ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺔ‬
‫ﻟﻴﺤﻞ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺘﺠﺪﺩﺓ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻳﺘﺤﻮﻝ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺇﻟﻰ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻬﻨﻮﺕ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩ!!‬
‫ﻭﻣﺎ ﺯﻟﺖ ﺃﺗﺬﻛﺮ ﺧﻄﻴﺐ ﻣﺪﻳﻨﺘﻨﺎ ﻭﺃﻧﺎ ﺻﻐﻴﺮ ﺍﻟﺴﻦ ﻭﻫﻮ ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ‪ ٥۲‬ﺧﻄﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﺍﺭ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺟﻴﺒﻪ ﻟﻴﻜﺮﺭﻫﺎ ﻛﻞ ﻋﺎﻡ‪ ،‬ﺑﻞ ﻭﻳﺤﺪﺙ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ً ﺧﻠﻂ ﻭﻧﺴﻴﺎﻥ ﻓﻴﺘﻜﻠﻢ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻋﻦ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ‪ ،‬ﻭﺇﺫﺍ ﻧﺴﻴﻬﺎ‬
‫ﻓﺎﻟﻤﺼﻴﺒﺔ ﺃﺩﻫﻰ ﻭﺃﻣﺮ؟!!‬
‫ﻭﺃﻣﺎ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻭﺧﺎﺗﻤﺔﺍﻟﺨﻄﺒﺔﻓﻘﺪ ﺣﻔﻈﻨﺎﻫﺎ ﻋﻦ ﻅﻬﺮ ﻗﻠﺐ!!‬
‫ﻭﻗﺪ ﻳﻈﻦ ﺍﻟﻤﺜﻘﻔﻮﻥ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻮﻥ ﺃﻧﻬﻢ ﺗﻘﺪﻣﻴﻮﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﻭﺃﻧﻬﻢ ﺗﺠﺎﻭﺯﻭﺍ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺘﺒﺔ‪.‬‬
‫ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻌﺘﺮﻑ ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺃﻣﻜﻦ ﺗﺠﺎﻭﺯﻫﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺑﻜﻞ ﺛﻘﻠﻪ ﻳﻀﻐﻂ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺃﻱ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺍ ﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ ﻋﻠﻤﺎء ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻟﺰﻣﻨﻬﻢ ‪ ..‬ﻫﺬﺍ ﻳﺪﻝ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﺣﺘﻰ‬
‫ﻓﻬﻢ ﻭﻫﻀﻢ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻟﻢ ﻳﺘﻢ ﺟﺪﻳﺎً‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﺯﻟﺖ ﺃﺗﺬﻛﺮ ﻭﻧﺤﻦ ﻁﻠﺒﺔ ﻑ ﻛﻠﻴﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺃﻥ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺆﻟﻔﺎﺕ ﺃﺑﺪﻉ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﺆﻟﻔﺎﺕ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺍﻟﺰﺭﻗﺎ‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺆﻟﻔﺎﺕ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ‬
‫ﻓﺮﻭﻉ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻟﻮ ﻗﺮﺃﻫﺎ ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ ﻟﻜﺎﻥ ﺃﻓﻀﻞ‪ ،‬ﺃﻱ ﺃﻧﻪ ﺣﺘﻰ ﻣﻬﻤﺔ ﺍﻟﻨﻘﻞ ﺗﻌﺜﺮﻭﺍ ﻓﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﺑﺤﺎﺛﺎ ً ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﻮ ﺍﻟﺸﺒﻴﺒﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ‪ ،‬ﻭﻳﺒﻘﻰ‬
‫ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻁﺎﺭ ﺣﺘﻰ ﻳﻐﻴﺐ ﺍﻟﺘﻮﺍﺯﻥ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻌﻴﺎﺏ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻓﻜﺮﺓ ﺗﻠﻮﺙ‬
‫ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ‪ ،‬ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺍﻟﻊ ﺍﻟﻤﻲ‪ ،‬ﺍﻟﻀﻤﺎﻧﺎﺕ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺒﻄﺎﻟﺔ‪ ،‬ﺍﻹﺧﺘﻼﻁ‪ ،‬ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻟﻠﺰﻭﺍﺝ‬
‫ﺍﻟﻤﺒﻜﺮ‪ ...‬ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺎﻟﺬﻭﻕ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻨﻈﺎﻓﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻬﺪﻭء‪ ....‬ﺍﻟﺦ‪....‬‬

‫ـ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺟﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ "ﻭﺿﻊ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻝ"‬

‫ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﺿﻨﺎ ﻟﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻜﻠﻤﻮﻥ ﻣﻦ ﻣﻨﺒﺮ ﺭﺳﻮ ﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ‬
‫ﺑﻐﺾ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﻔﻲ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﻌﺮﺽ ﻟﻠﺴﻄﻠﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻗﺪ ﺃﺻﺎﺑﻬﺎ‬
‫ﺷﻠﻞ ﻓﻈﻴﻊ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻘﻢ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﺿﺮﺏ ﺑﻌﻤﻖ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺑﻘﺴﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺃﺩﺍﺓ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺰﻣﻨﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﻫﻲ‬
‫ﺃﺩﺍﺓ ﺗﺄﻣﻴﻢ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺷﻜﻼً ﻣﺰﺭﻳﺎ ً ﻣﺜﻞ‬
‫ﺍﻟﻜﺎﺭﻳﻜﺎﺗﻮﺭ ﺍﻟﻤﻀﺤﻚ‪..‬‬
‫ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻤﺴﺦ ﻧﺼﻮﺹ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﺒﺮﺯ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓﻓﻲ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﻋﻠﻢ‬
‫ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻓﻲ ﺣﺴﺎﺏ ﺃﺋﻤﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺳﺎﺑﻘﺎ ً ﻭﻫﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ ﺻﺤﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺃﻭ ﻭﺿﻌﻪ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻄﻠﻖ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺣﺎﺩﻳﺚ ﺃﻧﻬﺎ )ﻣﻮﺿﻮﻋﺔ(‪ ،‬ﻭﺍﻵﻥ ﺑﺮﺯ ﻭﺿﻊ ﺟﺪﻳﺪ ﻫﻮ ﻟﻴﺲ )ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻤﺘﻦ ( ﺑﻞ )ﻭﺿﻊ‬
‫ﺍﻷﺳﺘﻌﻤﺎﻝ(!!‪...‬‬
‫ً‬
‫ﻓﺎﻟﻨﺺ ﻳﺒﻘﻰ ﺻﺤﻴﺤﺎ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻣﺘﻨﻪ‪ ،‬ﻭﻳﻤﺴﺦ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ‪ ،‬ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺑﺤﺠﻢ ﺧﻄﻴﺮ‪،‬‬
‫ﺃﻋﻨﻲ ﺗﺮﺍﺑﻂ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺑﺎﻟﺴﻠﻮﻙ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻳﻮﻣﻴﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﺍﻷﻣﺮ‬
‫ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺖﺭﺍﺙ ﻫﻮ "ﺭﻛﺎﻡ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ" ﻓﻤﺜﺎﻝ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺭﺩ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻤﺜﺎﻝ ﻭﻋﺎﻅ ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻟﺆﻛﺪ ﻁﺒﻴﻌﺔ‬
‫ﺗﻔﻜﻴﺮ ﺳﺎﺩ ﻓﻲ )ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻟﻠﺘﻐﻴﻴﺮ( ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻓﻬﻢ ﺻﺤﻴﺢ ﻟﻠﻨﺼﻮﺹ‪ ،‬ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺳﺎﺩ ﻓﻲ ﺗﺮﺍﺛﻨﺎ ﻧﻤﻮﺫﺝ‬

‫‪88‬‬
 ‫ﻣﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﺎﺩﻳﺚ ﻭﺍﻟﻨﺼﻮﺹ‪ ،‬ﻭﺗﻜﺮﺍﺭ ﺩﺍﺋﻢ ﻟﻔﻬﻢ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ‪ ،‬ﻭﻳﺤﺘﺎﺝ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﺳﺘﻨﻔﺎﺫ ﻭﻛﺬ ﺫﻫﻨﻲ ﻣﻀﻨﻲ ﻟﻠﻜﺸﻒ ﻋﻦ ‪" :‬ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ"‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﺜﻼً ﺗﻤﺖ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺑﻪ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻨﺺ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻀﺒﻂ ﻭﺍﻟﻨﻘﻞ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺣﻖ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ‬
‫ﺷﺮﻭﻁ ﺃﻭ ﻣﻨﺎﺳﺒﺎﺕ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ‪ ،‬ﺃﻱ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﻏﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﻫﻤﻴﺔ ﻭﻟﻢ ﺗﺤﺪﺙ‪،‬‬
‫ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ )ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺪﺭﺍﻳﺔ(‪.‬‬

‫ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻂﺑﻲﻗﺎﺕ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔـ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﻛﺎﻷﻧﺜﻰ = ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺃﻓﻀﻞ ﺃﻡ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ؟‬

‫ﻟﻨﺮ ﺍﻵﻥ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻜﺎﺭﺛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺺ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺧﺎﻁﺌﺔ ﻣﻦ ﻧﺼﻮﺹ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻓﺄﻣﺎﻡ ﻗﻀﻴﺔ‬
‫ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ ﺿﻢ ﺍﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺧﺮﺝ ﺷﺎﺏ ﻣﺴﻠﻢ ﻣﺘﺤﻤﺲ ﻟﻴﻘﻮﻝ ‪ :‬ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ‬
‫ﺑﺪﻟﻴﻞ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ‪) :‬ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﻛﺎﻷﻧﺚﻯ( )‪ ،(۳٦ :۳‬ﻣﻊ ﺃﻥ ﺍﻵﻳﺔ ﻻ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻓﻀﻠﻴﺔ ﺑﻞ ﺍﻟﻐﻴﺮﻳﺔ‪،‬‬
‫ﺃﻱ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﻋﻦ ﺍﻷﻧﺜﻰ ﻭﻟﻜﻦ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻂ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﺃﺻﺒﺢ ﺍﻣﺘﺼﺎﺹ‬
‫ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻭﻓﻬﻢ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺳﻠﺒﻴﺎً‪ ،‬ﺧﺎﺻﺔ ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺠﻮ ﻓﻲ ﺑﻼﺩﻧﺎ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ﺃﻥ ﻭﻻﺩﺓ ﺍﻷﻧﺜﻰ ﻻ ﻳﺒﺸﺮ ﺑﺨﻴﺮ‪،‬‬
‫ﺣﺲﺎ ً ﺑﻞ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﻭﺳﺎﻁ ﺇﺫﺍ ﺗﻜﺮﺭ ﻭﻭﻟﺪﺕ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺃﻧﺎﺛﺎ ً ﻓﻘﻂ ﻳﺠﺮﺏ ﺣﻤﻞ ﺟﺪﻳﺪ‪،‬‬ ‫ﻭﻻ ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﺳﺘﻘﺒﺎﻻً ﻧ‬
‫ﺃﻭ ﺯﻭﺟﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﻼﻕ؟!‪.‬‬
‫ﻣﻊ ﺃﻥ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎء ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺘﻮﺟﻬﻮﻥ ﻓﻲ ﺩﻋﺎﺋﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﷲ ﺑﺎﻟﺬﺭﻳﺔ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﺑﺪﻭﻥ ﺍﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﺃﻭ ﺍﻷﻧﺜﻰ‬
‫‪،‬ﻧﻠﻤﺲ ﻫﺬﺍ ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺯﻛﺮﻳﺎ )ﻫﺐ ﻟﻲ ﻣﻦ ﻟﺪﻧﻚ ﺫﺭﻳﺔ ﻁﻴﺒﺔ ﺇﻧﻚ ﺳﻤﻴﻊ ﺍﻟﺪﻋﺎء( )‪.(۳۸ :۳‬‬
‫ﻭﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﻧﺎﻫﺎ ﺗﻈﻬﺮ ﻋﺒﺮﺓ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ‪ ،‬ﻭﻟﻨﻌﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ‪.‬‬
‫ﺃﻣﺎﻡ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻻﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺑﺎﻟﻨﺺ‪ ،‬ﺍﺳﺘﻮﻟﻰ ﺣﺮﺝ ﺷﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﺟﻮ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ‬
‫ﺣﺪﻭﺙ ﺍﻟﻨﺰﻑ ﺃﺛﻨﺎء ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺟﺮﺍﺣﻴﺔ‪ ،‬ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﺗﺪﺍﺧﻞ ﺳﺮﻳﻊ ﻹﺭﻗﺎء ﺍﻟﻨﺰﻑ‪ ،‬ﻭﻫﺬ ﺍ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﺃﺛﻨﺎء‬
‫ﺍﻟﺒﺤﺚ ‪ .‬ﻷﻥ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻵﺧﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﻤﻊ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺇﺳﻼﻣﻴﺎ ً ﻣﻠﺘﺰﻣﺎ ً ﻛﺎﻥ ﺃﻣﺎﻣﻪ ﺧﻴﺎﺭﺍﺕ‬
‫ﺻﻌﺒﺔ‪ ،‬ﺇﻣﺎ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﺍﻟﻨﺺ ﻭﺗﻜﺬﻳﺐ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻫﻮ ﻛﻔﺮ‪ ،‬ﻭﺇﻣﺎ ﺍﻟﺴﻜﻮﺕ ﻣﻊ ﻋﺪﻡ ﺍﻷﻗﺘﻨﺎﻉ ﻭﻓﻴﻪ ﺧﻴﺎﻧﺔ ﻟﻠﻀﻤﻴﺮ‪.‬‬
‫ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻟﻄﻴﻔﺎ ً ﻭﺳﺮﻳﻌﺎ ً ﻭﻫﻲ ﺃﻥ ﻧﺘﺄﻣﻞ ﺍﻟﻨﺺ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺺ‬
‫ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﻓﻲ ﺣﺪﻭﺙ ﺍﻟﺘﻤﺎﺱ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻲ )ﻛﻮﻧﺘﺎﻛﺖ ( ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻭﻝ ﻹﻧﻘﺎﺫ ﺍﻟﺠﻮ ﻣﻦ ﺃﺛﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻤﺎﺱ‬
‫ﺍﻟﻀﺎﺭ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﺗﺄﻣﻞ ﺍﻟﻨﺺ ﻧﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺫﻛﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺃﻱ )ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﻛﺎﻷﻧﺜﻰ ( ﻓﻲ ﻗﺼﺔ ﺃﻣﺮﺃﺓ ﻋﻤﺮﺍﻥ‪،‬‬
‫ﻭﻫﻮ ﻳﻨﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻧﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻘﺮﺁ ﻳﻨﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻥ ﺍﻟﻜﻔﺮﺓ ﻭﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﺍﻟﺸﻴﺎﻁﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺇﻅﻬﺎﺭ‬
‫ﺣﺠﺘﻪ ﻭﻓﻜﺮﺗﻪ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺃﻣﺮﺃﺓ ﻋﻤﺮﺍﻥ ﺩﻗﻴﻘﺎ ً ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻟﺖ‪) :‬ﻗﺎﻟﺖ ﺭﺏ ﺇﻥ ﻭﺿﻌﺘﻬﺎ ﺃﻧﺜﻰ( ﻟﻌﻠﻬﺎ ﺗﺘﺴﺎءﻝ‬
‫ﻣﻦ ﺃﺛﺮ ﺿﻐﻂ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ﺍﻟﻤﻮﻟﻮﺩ ﺍﻷﻧﺜﻰ ‪ ...‬ﺛﻢ ﻳﺘﺎﺑﻊ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ‪ ،‬ﻟﻨﺤﺎﻭﻝ ﺍﻵﻥ ﺗﺮﺗﻴﺐ‬
‫ﻓﻘﺮﺍﺕ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ‪...‬‬
‫ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﻣﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺧﻤﺲ ﻓﻘﺮﺍﺕ‬
‫‪۱‬ـ ﻗﺎﻟﺖ ﺭﺏ ﺇﻧﻲ ﻭﺿﻌﺘﻬﺎ ﺃﻧﺜﻰ‪.‬‬
‫‪۲‬ـ ﻭﷲ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﻤﺎ ﻭﺿﻌﺖ‪.‬‬
‫‪۳‬ـ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﻛﺎﻷﻧﺜﻰ‪.‬‬
‫‪٤‬ـ ﻭﺇﻧﻲ ﺳﻤﻴﺘﻬﺎ ﻣﺮﻳﻢ‪.‬‬
‫‪٥‬ـ )ﻭﺇﻧﻲ ﺃﻋﻴﺬﻫﺎ ﺑﻚ ﻭﺫﺭﻳﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﻴﻢ( )‪.(۳٦ :۳‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﻣﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺧﻤﺲ ﻓﻘﺮﺍﺕ‪ :‬ﺟﻤﻠﺔ ‪ ،۱،٤،٥‬ﻫﻲ ﺑﻜﻞ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﻷﻣﺮﺃﺓ ﻋﻤﺮﺍﻥ ‪ .‬ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﻢ ﻟﺔ ‪۲‬‬
‫ﻫﻲ ﺟﻤﻠﺔ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﻴﺔ ﺃﻭ ﺗﻌﻘﻴﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻠﻰ ﻛﻼﻣﻬﺎ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﺣﺘﻤﺎﻻﻥ ﺃﻱ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﺘﻌﻘﻴﺐ ﺃﻭ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ ‪ ...‬ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﺬﻛﺮ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﻟﻠﻌﺒﺮﺓ‪،‬‬
‫ﻲ ﻅﻨﺖ ـ ﻭﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻧﻈﺮﻳﺎً ـ ﺃﻥ ﺍﻷﻧﺜﻰ ﺗﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ‪ ،‬ﻓﺎہﻠﻟ ﺳﺒﺤﺎﻧﺔ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻋﻄﺎﻫﺎ ﺃﻧﺜﻰ‬

‫‪89‬‬
 ‫ﻟﻴﺜﺒﺖ ﻟﻬﺎ ﻓﺴﺎﺩ ﻧﻈﺮﺗﻬﺎ ـ ﻭﻋﻤﻠﻴﺎ ً ـ ﺇﻧﺎ ﻷﻧﺜﻰ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺬﻛﺮ‪ ،‬ﻭﻟﺬﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺜﻼً ﻟﻠﺬﻛﻮﺭ‬
‫ﻭﺍﻹﻧﺎﺙ ﺁﻳﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻤﻴﻦ‪.‬‬
‫)ﻭﺿﺮﺏ ﷲ ﻣﺜﻼً ﻟﻠﺬﻳﻦ ﺃﻣﻨﻮﺍ ﺃﻣﺮﺃﺓ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻭﻣﺮﻳﻢ ﺃﺑﻨﻪ ﻋﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺣﺼﻨﺖ ﻓﺮﺟﻬﺎ ﻓﻨﻔﺨﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ‬
‫ﺭﻭﺣﻨﺎ ﻭﺻﺪﻗﺖ ﺑﻜﻠﻤﺎﺕ ﺭﺑﻬﺎ ﻭﻛﺘﺒﻪ ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺎﻧﺘﻴﻦ( )‪۱۱ :٦٦‬ـ‪.(۱۲‬‬
‫ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺁﺧﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺜﻼً ﻟﻠﻜﺎﻓﺮﻳﻦ )ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻧﻮﺡ ﻭﺍﻣﺮﺃﺓ ﻟﻮﻁ ( ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﻓﻲ ﻛﻼ‬
‫ﺍﻟﺤﺎﻟﺘﻴﻦ ﺯﻭﺟﺔ ﺍﻟﻨﺒﻲ؟!‪..‬‬
‫ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻲ ﻛﻼ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﻦ ﻁﻠﻴﻌﺔ ﺭﺍﺋﺪﺓ ﻟﻜﻼ ﺍﻹﺗﺠﺎﻫﻴﻦ ﻭﺗﺄﻣﻞ!!‪.‬‬
‫ﻭﺃﻣﺎﻡ ﻫﺬﺍﺍﻟﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺗﺮﺍﺛﻨﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﻛﻮﻣﺔ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ )ﺍﻟﺘﺼﻔﻴﺔ ( ﺃﻱ ﺍﻟﻨﻘﺪ‬
‫ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ‪ ،‬ﺛﻢ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ )ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ (‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺟﻮ ﺍﻟﺘﺼﻔﻴﺔ ﻓﻠﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﻧﻔﺼﺎﻝ‬
‫ﻭﺍﻧﺘﻈﺎﺭ ﺑﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﺟﺪﻟﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻌﻞ ﻗﺎﺋﻞ ﻳﻘﻮﻝ‪ :‬ﻭﻟﻜﻦ ﻛﻴﻒ ﺗﻘﻮﺩ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺧﺎﻁﺌﺔ؟ ﻭﺍﻷﺻﺢ ﺃﻥ ﻳﺮﺗﺐ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ‬
‫ﻛﻴﻒ ﻳﻘﻊ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺧﺎﻁﺊ ﻣﻦ ﻧﺺ ﺻﺤﻴﺢ؟‪.‬‬
‫ﺇﺫﺍ ﻭﺿﻌﻦﺍﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺑﺪﺍ ﺃﻭﺿﺢ ﻭﺃﺳﻬﻞ ﺣﻴﺚ ﻳﺮﺟﻊ ﺍﻹﺷﻜﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺽ ﺍﻟﻌﻘﻞ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻫﻮ‬
‫ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﺮﺽ ﻳﺼﻴﺐ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﺣﻴﻦ ﻻ ﺗﺆﺩﻱ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻻﻛﻤﻞ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺧﻄﻮﺭﺓ‬
‫ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻵﺧﺮ ﺃﻥ ﻛﺎﻓﺔ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺗﻌﺘﻞ ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺷﻮﺍﻫﺪ‬
‫ﻣﻀﺎﺩﺓ ﻟﻠﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﺴﺐ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺃﺻﺎﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺣﻴﺚ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺃﻛﺒﺮ ﺷﺎﻫﺪ‬
‫ﺿﺪ ﻣﺒﺪﺋﻪ؟!‪..‬‬

‫ـ ﻣﺮﺽ ﺍﻟﻼﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻳﺼﻴﺐ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ‬

‫ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﺴﻠﺒﻲ ﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﻳﺸﻜﻞ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺗﻐﻴﺮ ﺍﺗﺠﺎﻫﻪ ﻓﺄﺻﺒﺢ ﻻ ﺇﺳﻼﻣﻴﺎً‪ ،‬ﻷﻥ‬
‫ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺎﺯﺍﻟﺖ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ‪ ،‬ﻭﺃﻗﺼﺪ ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﻼﻭﻋﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﻪ ﺳﻠﻚ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‬
‫ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻼﻓﻌﺎﻟﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺒﻴﻞ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻫﻮ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻲ ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻭﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ‪ ،‬ﺣﻴﺚ‬
‫ﻓﺤﺘﻰ‬ ‫ﻳﻤﺘﺎﺯ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻲ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﺑﺎﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﻳﻔﺴﺮ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﺸﻮﻋﻴﺔ ﻳﻔﻬﻤﻬﺎ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺑﻤﺎ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺒﺎﺕ ﻓﻜﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻮﻋﻲ ﺍﻧﺘﻘﺎﺋﻲ ﻣﻌﻴﻦ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻣﺘﺼﺎﺹ ﺛﻘﺎﻓﻲ ﺧﺎﺹ‪ ،‬ﻭﺗﻤﺜﻞ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻣﺘﺒﺎﻳﻦ‪ ،‬ﻓﻴﺨﺮﺝ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻲ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻨﺘﺎﺋﺞ ﻏﻴﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺨﺮﺝ‬
‫ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ‪.‬‬
‫ﻭﺭﺩ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ‬ ‫ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﺠﻨﺎ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻣﺮﺍﺩﻑ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ـ ﺃﻱ ﻣﻦ ﺧﺎﻝ ﻣﻌﺎﺩﻥ ﺍﻟﺒﺸﺮـ ﻓﻠﻘﺪ‬
‫ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ ‪" :‬ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻌﺎﺩﻥ ﻛﻤﻌﺎﺩﻥ ﺍﻟﻔﻀﺔ ﻭﺍﻟﺬﻫﺐ‪ ،‬ﺧﻴﺎﺭﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﺧﻴﺎﺭﻫﻢ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺇﺫﺍ ﻓﻘﻬﻮﺍ‪ ،‬ﻭﺍﻷﺭﻭﺍﺡ ﺟﻨﻮﺩ ﻣﺠﻨﺪﺓ ﻓﻤﺎ ﺗﻌﺎﺭﻑ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﺋﺘﻠﻒ ﻭﻣﺎ ﺗﻨﺎﻛﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﺧﺘﻠﻒ " )ﺻﺤﻴﺢ‬
‫ﻣﺴﻠﻢ(‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺩﺧﻮﻝ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻋﻤﺮـ ﺭﺿﻲ ﷲ ﻋﻨﻪ ـ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﺳﻼ ﻡ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻋﺰﺍ ﻭﻧﺼﺮﺍ ﻛﻤﺎ ﺟﺎء‬
‫ﻋﻦ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ "ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺃﻋﺰ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﺄﺣﺪ ﺍﻟﻌﻤﺮﻳﻦ"‪.‬‬
‫ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﺮﺷﺢ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻫﻲ ﻧﻮﻋﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻣﻌﺪﻧﻪ ﻭﺗﻜﻴﻔﻪ‬
‫ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ ﻭﺻﻴﺎﻏﺘﻪ ﺍﻷﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﺎﻝ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﺟﺪﻟﻲ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ‪ .‬ﻭﺍﻟﺘﺎﺭ ﻳﺦ ﻳﻨﺒﺌﻨﺎ ﺑﺄﻥ ﻋﻠﻢ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺗﻨﺎﻭﺏ ﻓﻲ ﺣﻤﻠﻪ ﺃﻣﻢ ﺷﺘﻰ ﻛﺎﻥ ﺁﺧﺮﻫﺎ ﺍﻷﺗﺮﺍﻙ‪ ،‬ﻭﻻ ﻧﺪﺭﻱ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﺠﻠﺐ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻵﻥ‪.‬‬
‫ﻗﺎﻝ ﺷﻴﻮﻋﻲ ﻋﺮﺑﻲ ﻭﻫﻮ ﻳﻔﻠﺴﻒ ﺟﺪﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ :‬ﺇﻥ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺇﻧﺘﻈﺎﺭ )ﺍﻟﺘﺮﺍﻛﺘﻮﺭ( ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ‬
‫ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ )ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺇﻧﺘﺎﺝ (‪ ،‬ﻭﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻛﺎﻓﺔ ﺑﻨﺎﻫﺎ ﺗﺘﻐﻴﺮ‬
‫ﺑﺘﻐﻴﺮ ﺍﻟﺒﻨﺎء ﺍﻟﺘﺤﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﺯﻋﻤﻬﻢ ﻭﻫﻮ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ‪.‬‬

‫‪90‬‬
 ‫ﻭﺍﻟﻌﺠﺎﺋﺰ ﺍﻟﻄﺎﻋﻨﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻦ ﻓﻲ ﺑﻼﺩﻧﺎ ﻳﻨﺘﻈﺮﻥ ﺍﻟﻤﻬﺪﻱ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ ﺇﺻﻼﺡ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﻻ ﺃﻣﻞ‬
‫ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﷲ ﻛﺎﺷﻔﺔ!!!!‪..‬‬
‫ﻓﺎﻹﺭﺍﺩﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺗﻜﺒﻠﺖ ﺑﻜﻼ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭﻱﻥ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﻢ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﻼﻭﻋﻲ ﻣﺎ ﺯﺍﻟﺖ ﺗﺘﻤﺘﻊ‬
‫ﺑﺤﺼﺎﻧﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻲ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻋﻨﺪ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﻤﺘﻄﺮﻑ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﺭ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﺧﺎﺭﺟﻴﺔ‬
‫ﻟﻠﺘﻐﻴﻴﺮ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﻼﻭﻋﻲ ﻓﺮﺿﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻼ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮﻳﻦ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻲ ﻫﻮ‬
‫ﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻗﺸﺮﻱ ﻑ ﻗﺪ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺍﻟﺴﺎﻋﺎﺕ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ ﻭﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﻭﺍﺟﻪ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ‬
‫ﺇﺭﺗﻜﺲ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﻮﻧﺎﺗﻪ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻢ ﺑﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻼﻓﻌﺎﻟﻴﺔ‪ .‬ﻭﻟﺬﺍ ﻓﺮﺽ ﺍﻟﻼﻓﺎﻋﻠﻴﺔ ﻫﻲ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺇﻧﺴﺎﻥ‬
‫ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻛﻴﻔﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﺗﺠﺎﻫﻪ ﺳﻮﺍء ﻛﺎﻥ ﺷﻴﻮﻋﻴﺎً‪ ،‬ﺃﻡ ﻗﻮﻣﻴﺎً‪ ،‬ﺃﻡ ﺇﺳﻼﻣﻴﺎً‪ ،‬ﺃﻡ ﻭﺟﻮﺩﻳﺎً‪ ،‬ﺃﻡ ﻣﺘﺤﺪﺍً‪ ،‬ﺃﻡ‬
‫ﻣﺆﻣﻨﺎ ً‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻜﻞ ﻳﻘﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﺭ ﻗﻮﻯ ﺧﺎﺭﺝ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﻟﻠﺘﻐﻴﻴﺮ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﻬﺪﻱ‬
‫ﺃﻭ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺘﺮﺍﻛﺘﻮﺭﺍﺕ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﺭﺑﻤﺎ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﺭ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻤﻠﻬﻢ ﺃﻭ ﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻭﻛﻞ ﻓﻲ‬
‫ﻓﻠﻚ ﻳﺴﺒﺤﻮﻥ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻤﻼﺣﻈﺔ ﻓﻲ ﺣﺰﺍﻡ ﺍﻟﺨﻂ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻫﻲ ﺃﻥ ﺵ ﻋﻮﺑﻪ ﻋﺎﺟﺰﺓ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻋﻦ‬
‫ﺍﻹﻣﺴﺎﻙ ﺑﺰﻣﺎﻡ )ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮ(‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺃﺛﺒﺘﺖ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ﺃﻧﻪ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﺴﻚ ﺭﻗﺒﺘﻬﺎ ﻭﺍﻹﻣﻼء ﻋﻠﻴﻬﺎ‬
‫ﻓﻲ ﻗﺮﺍﺭ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻣﺎﻟﻜﺔ ﺃﻭ ﺿﺎﺑﻂ ﺗﺴﻠﻖ ﺳﻠﻢ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺟﻨﺎﺡ ﺍﻟﻈﻼﻡ‬
‫ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺩﺑﺎﺑﺎﺕ‪ ،‬ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺠﺰ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﻓﻲ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﻗﺮﺍﺭ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮ ﻳﺞ ﻋﻠﻨﺎ ﻧﺮﻯ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺒﺪﺃ ﺑﻌﺪ ﻣﺴﻴﺮﺓ‬
‫ﺑﻨﺎء ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺣﻀﺎﺭﻳﺎ ً‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﺗﻄﺎﻟﻌﻨﺎ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﺑﺜﻼﺛﺔ ﻭﺟﻮﻩ‪ :‬ﺃﻭﻻً‪ :‬ﺑﻠﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻭﻭﺿﻮﺣﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﺃﺯﻣﺔ ﺍﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻮﻗﻊ ﺃﻥ ﺗﺼﻞ ﻓﻲ ﻋﺎﻡ ‪۱۹۸۳‬ﻡ ﺇﻟﻰ ‪ ۲.۳‬ﻣﻠﻴﻮﻥ‪ ،‬ﻭﺗﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻳﺔ ﻓﻲ‬
‫ﻗﻀﺎﻳﺎﻫﻢ‪ ،‬ﺛﺎﻧﻴﺎ ً ‪ :‬ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺔ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻤﺠﻬﺮ ﻟﻠﺒﺤﺚ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻜﻞ ﻳﻨﺎﻗﺶ ﻓﻴﻬﺎ ‪ .‬ﺛﺎﻟﺜﺎ ً ‪ :‬ﻭﻫﻮ ﻣﻔﺘﺎﺡ‬
‫ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ‪ :‬ﺍﻟﺠﺮﺃﺓ ﻭﺍﻧﻔﺘﺎﺡ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻟﻠﻤﺸﻜﻠﺔ‪ ،‬ﺗﻮﻓﺮ ﺟﻮ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺑﺤﺚ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﺧﻂ ﺍﻟﺤﺰﺍﻡ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻣﺘﺮﺍﺟﻌﺔ ﺑﺎﻟﻨﻘﺎﻁ ﺍﻟﺜﻼﺙ ﻓﻼ ﺗﻮﺟﺪ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻁﻼﻕ ﻻ ﺃﺯﻣﺔ‬
‫ﺑﻄﺎﻟﺔ‪ ،‬ﻻ ﺃﺯﻣﺔ ﻣﻮﺍﺻﻼﺕ‪ ،‬ﻻ ﺃﺯﻣﺔ ﻏﺬﺍء‪ ،‬ﻻ ﺃﺯﻣﺔ ﺣﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻻ ﺃﺯﻣﺔ ﻫﺰﺍﺋﻢ ﺣﺮﺑﻴﺔ‪ ،‬ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﺃﺣﺪ ﺃﻱ‬
‫ﺷﻲء ﻋﻦ ﺃﻱ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻓﻲ ﺃﻱ ﺯﻣﺎﻥ ﻭﻣﻜﺎﻥ ‪ .‬ﺿﺒﺎﺏ ﻣﻄﺒﻖ‪ ....‬ﻭﻁﺎﻟﻤﺎ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻠﺒﺤﺚ‪،‬‬
‫ﻭﻁﺎﻟﻤﺎ ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﺘﻮﻓﻴﺮ ﺟﻮ ﺑﺤﺚ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ ﻋﻦ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻱ ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ ﺃﻧﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﻀﻊ ﺃﻗﺪﻣﻨﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ؟!!‪...‬‬
‫ﺇﻥ ﻋﻤﻮﻣﻴﺔ ﻣﺮﺽ ﺍﻟﻼﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻋﻤﻮﻣﻴﺔ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻓﻤﺮﺽ ﺍﻟﻜﻮﻟﻴﺮﺍ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺠﺘﺎﺡ‬
‫ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﻋﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ‪ ،‬ﺃﻟﻮﺍﻧﻬﻢ‪ ،‬ﺃﻭ ﻟﻐﺎﺗﻬﻢ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﻟﻺﺻﺎﺑﺔ‪ ،‬ﻭﻛﺬﻟﻚ‬
‫ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻤﺜﻼً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺨﺮﻕ ﺽﻣﺎﻧﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﻭﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻓﺈﻥ ﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺃﺻﺒﺢ ﻣﻬﺪﺩﺍً‬
‫ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻹﺻﺎﺑﺔ ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﺗﻌﺪﻱ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻖ ﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻓﺈﻥ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺃﻥ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻗﺪ‬
‫ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻣﻬﺪﺩﺓ ﺑﺎﻟﻐﺮﻕ‪.‬‬
‫ﻫﺬﺍ ﻳﻠﻘﻲ ﺿﻮ ًء ﺟﺪﻳﺪﺍً ﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻵﻳﺔ )ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺫﻟﻚ ﻛﺘﺒﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻧﻔﺴﺎ ً ﺑﻐﻴﺮ ﻧﻔﺲ ﺃﻭ‬
‫ﻓﺴﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﻜﺄﻧﻤﺎ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺟﻤﻴﻌﺎ ً ﻭﻣﻦ ﺃﺣﻴﺎﻫﺎ ﻓﻜﺄﻧﻤﺎ ﺃﺣﻴﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺟﻤﻴﻌﺎ ً( )‪.(۳۲ :٥‬‬
‫ﺇﻥ ﺃﻱ ﻓﺮﺩ ﻣﻦ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﻫﺪﺭﺕ ﻛﺮﺍﻣﺘﻪ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻖ ﻓﻬﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﻓﺘﺢ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﺬﻳﻦ‬
‫ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬ﻣﻦ ﻫﻮ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺃﻭ ﺧﺎﺭﺟﻬﺎ ‪ .‬ﺇﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺳﻮﺍء ﺗﺤﺖ‬
‫ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻌﺮﻓﻴﺔ ﺃﻭ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻌﺮﻓﻴﺔ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ ﻭﺑﻐﻴﺮ ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ ﺃﻧﻪ ﻳﻌﻴﺶ ﺗﺤﺖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ‬
‫ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺮ‪" :‬ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺃﻳﺔ ﺿﻤﺎﻧﺔ ﻷﻱ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﻱ ﺯﻣﺎﻥ ﺃﻭ ﻣﻜﺎﻥ"‪.‬‬
‫ﻭﻗﺪ ﻳﻈﻦ ﻣﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻭﺟﺪﻭﻩ ﻗﺪ ﺣﻤﺎﻫﻢ‪ ،‬ﺑﻞ ﻫﻢ ﻓﻲ ﻏﻲ ﻳﻌﻤﻬﻮﻥ‪ ،‬ﺇﻥ ﺍﻧﻘﻼﺏ‬
‫ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺷﻴﺌﺎ ً ﻳﺴﻴﺮﺍً ﻳﺠﻌﻠﻬﻢ ﻳﺴﻘﻄﻮﻥ ﻭﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﺯﺑﺎﺋﻦ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ؟!!‪.‬‬

‫‪91‬‬
 ‫ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺃﺩﺭﻛﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻘﺒﻄﻲ ﻗﺪﻳﻤﺎ ً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎءﻩ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺘﺤﺮﺭﻳﺔ ﻓﺎﻟﻘﺒﻄﻲ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﺳﺎﺑﻖ ﺍﺑﻨﻪ ﺃﺑﻦ ﺣﺎﻛﻢ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻭﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﻌﺎﺹ ﺛﻢ ﺻﻔﻊ ﺻﻔﻌﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﺑﻦ ﺣﺎﻛﻢ‬
‫ﻣﺼﺮ ﻷﻧﻪ ﺳﺒﻖ‪ ،‬ﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﺃﺗﺴﺒﻘﻨﻲ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺑﻦ ﺍﻷﻛﺮﻣﻴﻦ ﺇﻥ ﻭﺍﻟﺪﻩ ﺭﻓﺾ ﻫﺬﻩ ﺍﻹﻫﺎﻧﺔ ﻭﺳﺎﻓﺮ ﺷﻬﺮﺍً ﺇﻟﻰ ﻋﻤﺮ‬
‫ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﻳﺸﻜﻮﺍ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻣﻨﺎ ﻣﻀﺤﻜﺔ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﺃﺩﺭﻙ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻔﻌﺔ ﺑﻐﻴﺮ‬
‫ﺣﻖ ﻫﻲ ﺃﻭﻝ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﺨﺮﻕ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ‪...‬‬
‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺨﺮﻕ ﺧﺮﻕ ﺑﺴﻴﻂ ﻓﻲ ﺍ ﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﺪ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻟﺤﻠﻮﻝ ﺍﻟﻜﺎﺭﺛﺔ‪ ،‬ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺃﺷﺎﺭ ﻟﻪ ﺣﺪﻳﺚ ﺟﻤﻴﻞ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺃﺷﺎﺭ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﻤﻴﻞ ﺇﻟﻰ‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺭﺳﻢ ﺻﻮﺭﺓ ﺣﻴﺔ ﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﻁﺎﺋﻔﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ‪ ،‬ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻄﺎﺑﻖ ﺍﻟﺴﻔﻠﻲ ﻭﺍﻷﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻱ‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻘﺴﻴﻢ ﺗﻢ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺩﻳﻤﻘﺮﺍﻁﻴﺔ ﺷﻮﺭﻳﺔ‬
‫)ﺷﻮﺭﻯ ﻭﺍﺗﻔﺎﻕ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺍﻷﻣﺎﻛﻦ ﺑﺎﻟﻘﺮﻋﺔ ( ‪" :‬ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻘﺎﺋﻢ ﻓﻲ ﺣﺪﻭﺩ ﷲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻓﻴﻪ ﻛﻤﺜﻞ ﻗﻮﻡ‬
‫ﺇﺳﺘﻬﻤﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺳﻔﻴﻨﺔ‪ ،‬ﻓﺼﺎﺭ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﻋﻼﻫﺎ ﻭﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﺳﻔﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻓﻲ ﺃﺳﻔﻠﻬﺎ ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﻘﻮﺍ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎء ﻣﺮﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ ﻟﻮ ﺃﻧﺎ ﺧﺮﻗﻨﺎ ﻓﻲ ﻧﺼﻴﺒﻨﺎ ﺧﺮﻗﺎً‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﻧﺆﺫ ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻨﺎ ﻓﺈﻥ ﺗﺮﻛﻮﻫﻢ‬
‫ﻭﻣﺎ ﺃﺭﺍﺩﻭﺍ ﻫﻠﻜﻮﺍ ﺟﻤﻴﻌﺎً‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﺃﺧﺬﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﻧﺠﻮﺍ ﻭﻧﺠﻮﺍ ﺟﻤﻴﻌﺎ ً"‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﻄﺮﺍﻓﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﺭﺍﺩﻭﺍ ﺍﻟﻀﺮﺭ ﺑﺎﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻓﻌﻠﻮﻫﺎ ﺑﻨﻴﺔ ﺣﺴﻨﺔ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﺧﻄﺮ ﻟﻬﻢ ﺃﻥ ﺛﻘﺐ‬
‫ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﻔﻞ ﺳﻴﻌﻄﻴﻬﻢ ﺍﻟﻤﺎء‪ ،‬ﻭﻳﺤﺼﻞ ﺍﻟﺘﺨﻔﻴﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻬﻢ ﻓﻼ ﻳﺰﻋﺠﻮﻧﻬﻢ ﻛﻞ ﻣﺮﺓ ﺑﻄﻠﺐ‬
‫ﺍﻟﻤﺎء‪.‬‬
‫ً‬
‫ﺇﻧﻤﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﻘﺮﻳﺮﻩ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ‪ ،‬ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻁﺮﺍﻑ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ‪ ،‬ﺑﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻋﻤﻮﻣﺎ ﻣﺪﻋﻮﺍ‬
‫ﺇﻟﻰ ﺑﺬﻝ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﺍﻟﻔﺮﺩﻱ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺮﺽ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ ﻣﻊ ﺍﻷﻣﻞ ﻻ ﺑﻨﺎءﻧﺎ ﺃﻥ ﻻ‬
‫ﻳﺬﻭﻗﻮﺍ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺫﻗﻨﺎﻩ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻛﻴﻔﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﺗﺠﺎﻫﻪ ﻣﻬﺪﺩ‪ ،‬ﺃﻳﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻬﺪﺩ‪ ،‬ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺃﻭ ﺧﺎﺭﺟﻬﺎ‪ ،‬ﻛﻞ ﻣﻘﻮﻣﺎﺕ‬
‫ﻭﺟﻮﺩﻩ ﻣﻬﺪﺩﺓ‪ ،‬ﺇﻧﻪ ﺇﻧﺬﺍﺭ ﻛﺒﻴﺮ‪.‬‬

‫ـ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ـ ﺍﻟﺼﻴﻦ ـ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ ـ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ‪.‬‬

‫ﻭﻅﺎﻫﺮﺓ ﻣﻠﻔﺘﺔ ﻟﻠﻨﻈﺮ‪ ،‬ﺗﻈﻬﺮ ﻛﻴﻒ ﺃﻥ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺲﺑﺐ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻓﻲ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ‬
‫ﻅﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻔﺴﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﺑﻌﻴﺪ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺼﻴﻦ‬
‫ﻭﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻧﺮﻯ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻁﺊ ﺑﺤﺮ ﻭﺍﺣﺪ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻜﺒﻴﺮ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ‬
‫ﻭﺍﻟﺼﻴﻦ‪ ،‬ﻓﻨﺮﻯ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ ﻳﺘﺒﻨﻰ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻧﺮﻯ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻵﺧﺮ ﻳﺘﺒﻨﻰ ﻧﻈﺎﻣﺎ ً ﻣﻨﺎﻗﻀﺎ ً‬
‫ﻟﻸﻭﻝ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻲ‪ ،‬ﻭﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻗﻔﺰ ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ ﻛﺎﻟﻌﻤﻼﻗﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﺃﻥ ﻛﺎﺗﺒﺎ ً ﻧﺸﺮ ﻛﺘﺎﺑﺎ ً‬
‫ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ )ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﻴﻘﻈﺖ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﺍﻫﺘﺰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ(‪.‬‬
‫ﻧﻈﺎﻡ‬ ‫ﻭﻓﻲ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻳﺤﺪﺙ ﺗﺒﻨﻲ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ ﻓﻼ ﻳﺤﺪﺙ ﺗﻘﺪﻡ ﻭﻳﺤﺪﺙ ﺑﻌﺪﻩ ﺗﺒﻨﻲ ﺍﻝ‬
‫ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻲ ﻓﻼ ﻳﺤﺪﺙ ﺗﻘﺪﻡ ﻣﻠﺤﻮﻅ‪ ،‬ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﺟﺘﺮﺍﺭ ﻻ ﻁﺎﺋﻞ ﺗﺤﺘﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺇﺫﺍً ﻫﻲ ﺃﻋﻤﻖ ﻣﻦ ﺭﻓﻊ ﺍﻟﺸﻌﺎﺭﺍﺕ ﻭﺗﺒﻨﻲ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ‪ ،‬ﻷﻥ ﺳﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺳﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‪ ،‬ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﺎﻝ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺘﻴﻦ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺘﻴﻦ‪ ،‬ﻓﻠﻴﺲ ﺍﻟﺴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ ﺑﻞ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ‬
‫ﻭﻓﻊﺍﻟﻴﺘﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﻭﺟﺪ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺃﻋﻤﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‪.‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺗﺠﺪ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﻠﻜﻲ‪ ،‬ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺜﻮﺭﻱ‪ ،‬ﺑﺪﻭﻥ ﻓﺎﺭﻕ ﻛﺒﻴﺮ ﻳﺬﻛﺮ ‪ .‬ﻛﻤﺎ ﺃﻥ‬
‫ﺗﻘﻠﺐ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻄﺮ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺷﻜﻞ ﻷﺧﺮ‪ ،‬ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺷﻴﺌﺎ ً ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺤﺪﺙ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ‬
‫ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺃ ﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺑﻘﻲ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻌﺘﺒﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺃﻱ ﺍﻟﺨﻄﺎﺑﺎﺕ‪ ،‬ﻭﺭﻓﻊ‬
‫ﺍﻟﺸﻌﺎﺭﺍﺕ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﺟﻮﻫﺮ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﻋﺮﺿﻴﺎ ً ﻭﺳﻄﺤﻴﺎً‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻳﻤﺮ ﺍﻟﻬﻮﺍء ﻓﻮﻕ ﻣﺪﺍﺧﻦ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ!!!‪...‬‬

‫‪92‬‬
 ‫ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻬﺒﻂ ﺇﻟﻰ ﺗﻀﺎﻋﻴﻒ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﻴﺤﻞ ﻣﺸﺎﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻳﻄﻠﻖ ﻋﻘﺎﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻳﺤﺮﺭ ﻛﻤﻮﻧﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺃﺅﻛﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﺖﻏﻴﻴﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ ﺃﺻﺒﺢ ﻟﻪ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺮﻥ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﺑﺪﺃﺕ ﺛﻮﺭﺓ‬
‫ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻓﺎﺧﺘﺼﺮﺕ ﺍﻟﻮﻗﺖ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻄﺎﻏﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﺃﻧﺤﺎء ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻬﻲ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﺗﺎﺭﻳﺔ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻻﻧﻘﻼﺏ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﺣﺎﻭﻟﺖ ﺃﻥ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﻬﺎ ‪ .‬ﻭﻓﺮﻕ ﻛﺒﻴﺮ ﺑﻴﻦ ﺍﻻﻧﻘﻼﺏ‬
‫ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻷﻭﻝ ﻫﻮ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺗﻐﻴﺮ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻳﺘﺒﺪﻝ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺑﺸﺨﺺ ﺁﺧﺮ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﺳﻮﺃ ﻣﻨﻪ ﻳﺄﺗﻲ ﺟﺎﺋﻌﺎ ً ﺧﺎﺋﻔﺎً‪ ،‬ﻓﻴﻤﻠﺊ ﺟﻴﻮﺑﻪ ﻭﺳﺠﻮﻧﻪ ﻣﻦ‬
‫ﺟﺪﻳﺪ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺗﻐﻴﺮ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺑﻌﻘﻠﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ‪ .‬ﻭﺷﺘﺎﻥ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻗﻄﻌﺔ ﺍﻟﺴﻼﺡ‪ ،‬ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﺘﺄﻟﻖ‪ ،‬ﺑﻴﻦ‬
‫ﺍﻟﺸﻲء ﻭﺍﻟﻔﻜﺮﺓ‪ ،‬ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻤﺎﺩ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ‪ ،‬ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ‪.‬‬
‫)ﻭﻣﺎ ﻳﺴﺘﻮﻱ ﺍﻷﻋﻤﻰ ﻭﺍﻟﺒﺼﻴﺮ ﻭﻻ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ ﻭﻻ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﻻ ﺍﻟﻈﻞ ﻭﻻ ﺍﻟﺤﺮﻭﺭ ﻭﻣﺎ ﻳﺴﺘﻮﻱ ﺍﻷﺣﻴﺎء ﻭﻻ‬
‫ﺍﻷﻣﻮﺍﺕ( )‪۱۹ :۳٥‬ـ‪.(۲۲‬‬
‫ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﺪﺍ ﺑﺎﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻓﻲ ﻏﺎﺭ ﺣﺮﺍء‪ ،‬ﻭﺍﻧﺘﻬﻰ ﺑﺎﻝ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺔ‪،‬‬
‫ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﻬﺖ ﻛﻞ ﺩﻓﻌﺔ ﺣﻴﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪.‬‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻬﻢ ﺇﺫﺍَ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﻋﻼﻗﺔ )ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ( ﺑـ )ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ( ﻷﻥ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺸﻜﻞ ﺃﺳﺎﺳﻲ ﺑﺎﻷﻭﻝ‪ ،‬ﻭﺍﻷﻓﻜﺎﺭ‬
‫ﺳﻮﺍء ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﺒﺎﺭﺯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻄﺢ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ )ﺍﻟﻮﻋﻲ(‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻷﺧﺮ ﺍﻟﻐﺎﻁﺲ ﻓﻲ ﻛﻴﺎﻥ ﺍﻟﻼﻭﻋﻲ‪ ،‬ﻭﻳﻮﺟﻪ ﻣﻌﻈﻢ‬
‫ﺃﻭﺟﻪ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﻴﻮﻣﻲ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﺮﻛﺐ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﻋﻜﺴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺷﺎﺭ‬
‫ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‪:‬‬
‫)ﻭﺿﺮﺏ ﷲ ﻣﺜﻼً ﺭﺟﻠﻴﻦ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﺃﺑﻜﻢ ﻻ ﻳﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻭﻫﻮ ﻛﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺍﻟﻪ ﺃﻳﻨﻤﺎ ﻳﻮﺟﻬﻪ ﻻ ﻳﺄﺗﻲ‬
‫ﺑﺨﻴﺮ ﻫﻞ ﻳﺴﺘﻮﻱ ﻫﻮ ﻭﻣﻦ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﻌﺪﻝ ﻭﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﺻﺮﺍﻁ ﻣﺴﺘﻘﻴﻢ( )‪.(۷٦ :۱٦‬‬
‫ﻭﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻢ ﺇﻋﻂﺍء ﺍﻷﻫﻤﻴﺔ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ‪،‬ﻭﺗﺴﻠﻴﻂ ﺍﻟﻀﻮء ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻼ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﻣﻦ ﺗﺮﺍﻛﻢ ﻋﻤﻞ ﺟﺪﻳﺪ ﺃﻭ ﺑﺪء‬
‫ﻣﺸﺮﻭﻉ ﺟﺪﻳﺪ‪،‬ﺃﻭ ﺇﻧﺸﺎء ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ‪،‬ﺃﻭ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺘﺄﺳﻴﺲ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﺟﺪﻳﺪ ‪ ،‬ﺃﻭ ﺗﺠﺪﻳﺪ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻗﺪﻳﻢ‪ ،‬ﻓﻜﻠﻪ ﺃﻣﺮ‬
‫ﻳﺠﺘﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻭﻳﻌﻴﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ‪.‬‬
‫ﻭﻁﺎﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻮﺍﺑﻖ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺨﺒﻂ ﻭﻻ ﻭﺿﻮﺡ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﻁﺒﻴﻌﻲ‬
‫ﻟﻜﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺘﺨﻠﻒ ﺗﺤﺎﻭﻝ ﻁﻠﻴﻌﺔ ﻗﻴﺎﺩﻳﺔ ﺷﻖ ﻁﺮﻳﻖ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻲ ﻳﻌﻴﺪ ﺑﻨﺎء ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ‬
‫ﺑﻘﺪﺭ ﺍﺗﻘﺎﺩ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻳﺨﻒ ﺍﻟﺘﺨﺒﻂ‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻲء ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻣﺠﺎﻝ ﻟﻐﺾ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻪ ﻫﻮ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺍﻟﻨﺎﻣﻴﺔ ﻣﻊ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﺰﻣﻦ‪ ،‬ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺎﻝ ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﺳﺒﻘﺖ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻣﺮﺗﻴﻦ ﻓﻲ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﺴﻼﺡ‬
‫ﺍﻟﻨﻮﻭﻱ‪ ،‬ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺎﺧﺘﺰﺍﻝ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺎﺗﻪ ﻣﺘﻴﺴﺮﺓ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻣﻨﺎ ﻫﺬﻩ ﺑﻌﺪ ﻛﺸﻒ ﺳﻨﻦ ﺍﻷﺷﻴﺎء‪،‬‬
‫ﻷﻥ ﻛﺸﻒ ﺳﻨﺔ ﺍﻟﺸﻲء ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺗﺴﺨﻴﺮﻫﺎ )ﻭﺳﺨﺮ ﻟﻜﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﺟﻤﻴﻌﺎ ً‬
‫ﻣﻨﻪ( )‪.(۱۳ :٤٥‬‬
‫ﻭﻟﻘﺪ ﻗﻴﻞ ﻋﻦ ﺍﺧﺘﺮﺍﻉ ﺍﻟﺴﻼﺡ ﺍﻟﺬﺭﻱ ﺑﻌﺪ ﻛﺸﻒ ﺍﻟﻠﺜﺎﻡ ﻋﻦ ﺳﺮﻩ‪ ،‬ﻭﺗﻮﺿﺢ ﺑﺸﻜﻞ ﻧﻈﺮﻱ‪ ،‬ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ‬
‫ﺃﺧﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﺑﺘﺪﺃﺕ ﺍﻟﻤﺮﺍﺣﻞ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻹﻧﺘﺎﺟﻪ ﻓﻌﻼً‪ ،‬ﻗﻴﻞ ﺇﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ‬
‫ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻭﺍﻟﺠﻬﺪ ﻭﺍﻟﻤﺎﻝ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﻭﺍﻟﻤﺎﻝ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﺧﺘﺼﺎﺭ ﺍﻟﻮﻗﺖ‪ ،‬ﻭﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻓﻲ‬
‫ﺣﺪ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻫﻲ ﻭﺣﺪﺓ ﺟﻬﺪ ﻭﺇﻧﺘﺎﺝ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻤﺎﻝ ﻟﻴﺲ ﺇﻻ ﺟﻬﺪ ﻣﻜﺜﻔﺎ ً ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺒﻄﺎﺭﻳﺔ‪ ،‬ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ‬
‫ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻟﺔ ﺇﺫﺍً ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﻭﺍﻟﺰﻣﻦ‪ ،‬ﻣﻊ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﺍﺧﺘﺼﺎﺭ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻓﻲ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ‪،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺳﺎﺭﺕ‬
‫ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ ﻗﻴﻞ‪:‬ﺇﻥ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﺧﺘﺼﺮ ﺇﻟﻰ ﻋﺸﺮﺓ ‪،۱/۱۰‬ﺃﻱ‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻟﻘﻨﺐﻟﺔ ﺃﻧﺘﺠﺖ ﻓﻲ ﻣﺪﻯ ﺛﻼﺙ ﺳﻨﻮﺍﺕ‬
‫ﺑﻴﻦ ﻋﺎﻣﻲ ‪ ۱۹٤٥-۱۹۲٤‬ﻣﻦ ﺧﻼ ﺗﺼﻌﻴﺪ ﻣﺨﻴﻒ ﻟﻠﺠﻬﺪ ﺍﻟﺒﺸﺮﻯ ‪ .‬ﻭﺟﺮﺏ ﻓﻲ ﺻﺤﺮﺍء ﻧﻴﻮ ﻣﻜﺴﻴﻜﻮ ‪،‬‬
‫ﻭﻗﻴﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ‪ :‬ﺇﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺼﺪﻕ‪.‬‬

‫‪93‬‬
 ‫ﺍﻟﺴﻴﻒ ﺃﺻﺪﻕ ﺃﻧﺒﺎء ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ؟‪...‬‬
‫ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻧﻐﻢ ﻁﺎﻍ ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻓﻲ ﺍﺧﺘﻼﻝ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻭﻋﺪﻡ ﺗﻮﺍﺯﻧﻪ ﺑﻴﻦ ﺻﻔﻮﻑ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ‪ ،‬ﻭﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺑﻬﺎ‪ ،‬ﺇﻥ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻭﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻋﻨﺪﻫﻢ‪ -‬ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﻻ‬
‫ﻳﻈﻠﻢ ﺃﺣﺪ‪ ،‬ﻋﻨﺪ ﻁﺎﺋﻔﺔ ﻣﻨﻬﻢ‪-‬ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻓﺎﺭﻏﺔ‪ ،‬ﻭﺗﻀﻴﻊ ﻟﻠﻮﻗﺖ‪ ،‬ﻭﺍﻥ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﺢ‪ ،‬ﻭﻣﻘﺎﺭﻋﺔ ﺍﻟﺤﻜﺎﻡ‬
‫ﻫﻮ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﻔﻴﺪ ﺍﻵﻥ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻣﺎ ﻳﻠﻔﺖ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﻫﻮ ﻋﺪﻡ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺟﻮﻫﺮ ﺍﻟﻤﺸﻚ ﻟﺔ ﻭﺭﻭﺡ ﺍﻟﻌﺼﺮ ‪ .‬ﺇﻧﻪ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻤﻴﻞ ﺍﻟﻰ‬
‫ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﻟﻪ ﺷﺮﻭﻁﻪ ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻤﻪ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﺸﺨﻴﺺ ‪،‬ﻭﺍﺿﺢ ﻟﻠﻤﺸﻜﻠﺔ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻤﺮﻳﺾ ﻻ ﻳﻘﺪﻡ ﺇﻟﻰ‬
‫ﻣﺒﻀﻊ ﺍﻟﺠﺮﺍﺡ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺠﺮﺍﺣﻴﺔ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﺸﺨﻴﺺ ‪ ،‬ﻭﺍﺳﺘﻄﺒﺎﺏ ﻭﺍﺿﺢ ﻟﻠﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺠﺮﺍﺣﻴﺔ‪،‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﻭﺍﺣﺪﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﻘﻞ ﻓﻲ ﺍﻷﻫﻤﻴﺔ ﻋﻦ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﻊﻣﻞ ﺍﻟﺘﻘﻨﻲ ﺍﻟﺠﺮﺍﺣﻲ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺘﺪﺍﺧﻞ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ‬
‫ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩ‪ ،‬ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩ ‪ ،‬ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩ ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺴﺮﻋﺔ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺔ ‪ ،‬ﺑﺄﺻﺎﺑﻊ ﻧﺎﻋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻀﻮ‬
‫ﺍﻟﻤﺼﺎﺏ‪ ،‬ﻭﺇﺟﺮﺍء ﺃﻗﻞ ﺭﺽ ﻣﻤﻜﻦ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﺍﺳﺘﺌﺼﺎﻝ ﺍﻟﻮﺭﻡ ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻻﻟﺘﻬﺎﺏ ﻣﺜﻼ ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻧﺴﻤﻰ ﻱ ﻣﺜﻞ‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺑﺮﺍﻋﺔ ﺟﺮﺍﺣﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺑﻬﺬﺍ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﺟﺮﺍﺡ ﻋﻦ ﺁﺧﺮ‪.‬‬
‫ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻧﺮﻯ ﻋﺠﺒﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻫﺪ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪.‬‬
‫ﺇﻧﻪ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ﻟﻪ ﻓﻬﻤﻪ ‪ ،‬ﻭﺇﺩﺭﺍﻛﻪ‪ ،‬ﻭﻗﺎﻧﻮﻧﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻜﻤﻪ ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮﺩ ﺿﺮﺑﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻄﻮﻟﺔ‬
‫ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﺘﺒﺨﺮ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ‪.‬‬
‫ﺇﻧﻪ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺽ ﺻﺤﺘﻪ ﻟﻪ ﺃﺳﻠﻮﺑﻪ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻨﻔﺬ ﻓﻴﻪ‪.‬‬
‫ﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻟﻠﻤﻴﺠﻮﺭ ﺟﻨﺮﺍﻝ ﺩ‪.‬ﻙ‪ .‬ﻳﺎ ﻟﻴﺖ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫"ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﻲ‪ :‬ﻳﻤﻜﻦ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻣﻦ ﻧﻮﺍﺡ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ‪ ،‬ﻓﻤﻦ ﻭﺟﻬﺔ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﻴﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻘﺴﻴﻤﻬﺎ‬
‫ﺇﻟﻰ ﻧﻮﺍﺡ ﺛﻼﺙ ﺭﺋﻴﺴﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻨﺘﻔﻴﺬ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍﻹﺩﺍﺭﻳﺔ‪......‬‬
‫ﻟﻘﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﻟﻠﺤﺮﺏ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﻌﻘﺪﺓ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻤﻬﻨﻴﺔ ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ‬
‫ﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﺗﺘﻮﻻﻩ ﻓﺌﺔ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻋﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺐ ﻋﺮﻓﺖ‬
‫ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻷﺭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ‪..‬‬
‫ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻘﻴﺾ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﻟﻢ ﻳﺪﺭﻙ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﺇﻻ ﻣﻨﺬ ﻋﻬﺪ ﻗﺮﻳﺐ ﻓﻘﻂ ﻭﺑﻌﺪ‬
‫ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻁﻮﻳﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻮﺍﺭﺙ‪....‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﻫﻲ ﻓﻦ ﺗﺨﻄﻴﻂ ﺣﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﻭﺗﻮﺟﻴﻬﻬﺎ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺘﻜﺘﻴﻚ ﻓﻬﻮ ﻓﻦ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﻛﻘﺎﻋﺪﺓ‪ ،‬ﺗﺨﺘﺺ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺘﺪﺍﺑﻴﺮ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﺍﻟﻤﺪﻯ ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺨﺪﻡ ﻓﻲ ﺗﺤﺮﻳﻚ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻟﺠﺒﻬﺔ ﺍﻟﺤﺎﺳﻤﺔ ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﻣﻼﺋﻢ ﺓ ‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺨﺘﺺ ﺍﻟﺘﻜﺘﻴﻚ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻻﺷﺘﺒﺎﻙ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻜﻦ‬
‫ﺃﻥ ﻧﺴﻤﻲ ﺍﻹﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺘﻜﺘﻴﻚ ﻋﻠﻢ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ‪.‬‬
‫ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻋﻤﻮﻣﺎ ٌ ﺑﺄﻥ ﺍﻹﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﻫﻲ ﻋﻤﻞ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﺃﺳﺎﺳﺎ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ‪ ،‬ﻭﻳﻤﺎﺭﺱ‬
‫ﺃﺳﺎﺳﺎ ﻓﻲ ﺗﻨﻔﻴﺬ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ‪...‬‬
‫ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺆﻛﺪ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺮﺳﺎﻧﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻟﻠﻘﺎﺋﺪ )ﺃﻱ ﺍﻟﺘﻜﺘﻴﻚ (‪،‬ﺗﺘـﺄﻟﻒ ﻣﻦ ﻋﻨﺼﺮﻳﻦ ﺃﺳﺎﺳﻴﻦ‬
‫ﻣﺘﺴﺎﻭﻳﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻷﻫﻤﻴﺔ ﻫﻤﺎ ﻗﻮﺓ ﺍﻷﺳﻠﺤﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻬﺎﺭﺓ ﻓﻲ ﺑﻘﺎء ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﻠﺤﺔ ﻣﺘﺤﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎء ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﺗﻘﺴﻴﻤﺎ ﻓﺮﻋﻴﺎ ﺇﻟﻰ ﺛﻼﺙ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﺭﺋﻴﺴﻴﺔ ‪ :‬ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻘﺘﺼﺮ‬
‫ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻨﺼﺐ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﻣﻮﺭ‬
‫ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻷﺣﻼﻑ ﻭﻛﺬﺍ ﺃﻭﺟﻪ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻷﺧﺮﻯ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻫﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﺤﻀﻴﺮ‪ ،‬ﻭﺗﺘﻀﻤﻦ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤﺨﺎﺑﺮﺍﺕ ﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ‪،‬‬
‫ﻭﺗﻘﻴﻴﻢ ﺍﻟﻤﻬﺎﻡ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻬﺪﻳﺪﺍﺕ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ‪ ،‬ﻭﺇﻋﺎﺩﺓ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ‪ ،‬ﻭﺗﻮﻓﻴﺮ ﺍﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺕ ﻟﻠﺤﺮﺏ ‪،‬‬
‫ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺐ ﻭﺍﻟﺘﻨﺴﻴﻖ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫‪ ،‬ﻭﺗﺨﺼﻴﺺ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﺩ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ‪ ،‬ﻭﺗﻮﺯﻳﻌﻬﺎ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻔﺘﺢ‬ ‫ﻭﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻫﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺃﻱ ﺍﻟﺘﻌﺒﺌﺔ‬
‫ﺍﻟﺘﻤﻬﻴﺪﻱ ﻟﻠﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻘﺪ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺗﺨﺖ ﺍﻟﺨﺮﺏ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩﺓ ﻣﺎ ﻱ ﻟﻲ ‪ :‬ﺍﻻﻏﺘﻴﺎﻻﺕ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﺴﻠﻞ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﺨﺮﻳﺐ ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻤﺮﺩ‬
‫ﻭﺍﻻﻧﺘﻔﺎﺿﺎﺕ‪ ،‬ﻭﺣﺮﺏ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻨﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺤﺮﺏ ﺑﺎﻷﺳﻠﺤﺔ ﺍﻟﺘﻜﺘﻴﻜﻴﺔ‪...........‬‬
‫ﺛﻢ ﺗﺤﺪﺙ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﻋﻦ ﺗﻜﺘﻴﻚ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ‪ ،‬ﻭﺗﻄﻮﺭﻩ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻋﻠﻰ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮ ﺑﺪﺃ‬
‫ﻣﻦ ﺗﺸﻜﻴﻠﺔ ﺍﻟﻐﺎﻻﺗﻜﺲ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻱﺗﻌﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﺸﻜﻴﻠﺔ ﻣﻜﺜﻔﺔ ﺟﺎﻣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﺓ ﺍﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ﻛﺄﺩﺍﺓ ﻟﻠﺼﺪﻡ ‪،‬‬
‫ﻣﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﺤﺮﺍﺏ ﺍﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ‪ ،‬ﻭﻣﺮﻭﺭﺍ ﺑﺎﻟﻠﺠﻴﻮﻥ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻲ ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻧﺘﺒﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻨﺎﻭﺭﺓ ﻭﺍﻻﺣﺘﻴﺎﻁ ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫ﺍﻻﻋﺘﻤﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻴﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ﺍﻟﻮﺳﻄﻰ ‪ ،‬ﺑﻞ ﻭﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺍﻟﺒﻨﺪﻗﻴﺔ ﺑﺎﻟﺴﻮﻧﻜﻲ ‪،‬ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻥ‬
‫ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺒﻨﺎﺩﻕ ﺑﻄﻠﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺗﻌﻤﺮ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺤﺮﺍﺏ ﺃﺩﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﻄﻮﻳﺮ‬
‫ﺍﻟﺒﻨﺪﻗﻴﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﺤﺮﺑﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻟﻤﺪﻓﻌﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﻧﺎﺑﻠﻴﻮﻥ ﺑﻮﻧﺎﺑﺮﺕ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻤﺎ ﺍﺳﺘﻔﺎﺩ ﺍﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻨﻮﺩ ﺍﻟﺤﻤﺮ ﻫﻮ ﻗﺪﺭﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﺎﻭﺷﺔ ‪ ،‬ﻭﺇﻁﻼﻕ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ‪ ،‬ﻭﻟﻘﺪ ﻗﺎﻭﻡ‬
‫ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪء ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﻤﺘﺴﻠﻞ ﺍﻟﻤﺘﺨﻔﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﻗﺘﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻓﺎﺕ ﺑﻌﻴﺪﺓ‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﺣﺼﻞ ﺗﻄﻮﺭﺍﻥ ﺭﺋﻴﺴﻴﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺪﺍﻓﻌﺔ ﻟﻠﻤﺘﺎﺭﻳﺲ‬
‫ﺍﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻜﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺒﻨﺪﻗﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﺟﻬﺎﺯ ﺗﻌﻤﻴﺮ ﺧﺎﺹ )ﺍﻟﺘﺮﺑﺎﺱ (‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﺭﻓﻊ ﻣﻌﺪﻝ ﻧﻴﺮﺍﻥ ﺍﻟﺒﻨﺎﺩﻕ ‪ .‬ﻭﻫﻜﺬﺍ‬
‫ﺍﻧﺘﻬﻰ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﺼﺪﻣﺔ ﺑﻔﻀﻞ ﺗﻔﻮﻕ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻭﻏﺰﺍﺭﺓ ﺍﻟﻨﻴﺮﺍﻥ ‪ ،‬ﻭﺍﻧﺘﻬﻰ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﺴﻮﻧﻜﻲ ‪ ،‬ﺛﻢ ﺟﺎء ﺩﻭﺭ‬
‫ﺍﻟﺪﺑﺎﺑﺔ ﺣﻴﺚ ﻅﻬﺮﺕ ﻷﻭﻝ ﻣﺮﺓ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ) ﺍﻟﺴﻮﻡ( ﻋﺎﻡ‪ ۱۹۱٦‬ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺣﻴﺚ ﺗﺄﻛﺪﺕ‬
‫ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﺍﻟﺘﻜﺘﻴﻜﻴﺔ ﻟﻠﺪﺑﺎﺑﺎﺕ‪ ،‬ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺷﺎﺷﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺪﻓﻌﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻳﻌﺰﻱ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺃﻥ ﺳﺒﺐ ﻫﻼﻙ ﺍﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﺒﺮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍ ﻷﻭﻟﻰ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩ ﻣﺒﺪﺃ‬
‫ﺍﻟﺼﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ‪ ،‬ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺳﻠﺤﺔ ﻭﺍﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟﺘﻜﺘﻴﻜﻴﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺪﺑﺎﺑﺎﺕ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﺨﺪﻡ‬
‫ﺑﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﺴﻮﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻠﻚ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺸﺮﺍﺕ ﺍﻵﻻﻑ ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﻮ ﻋﺪﻡ‬
‫ﺧﻠﻂ ﺍﻟﻨﻴﺮﺍﻥ ﺑﺎﻟﺤﺮﻛﺔ‪.‬‬
‫"ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻧﻪ ﻣﺎ ﺇﻥ ﺗﺢ ﻭﻟﺖ ﺍﻟﺠﺒﻬﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺣﺮﺏ ﺧﻨﺎﺩﻕ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﺣﺘﻰ ﺍﺧﺘﻔﺖ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ﺗﻜﺘﻴﻜﺎﺕ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﺎﻭﺭﺓ ﻣﻦ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ ‪ ،‬ﻭﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺣﺮﺏ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ‪ -‬ﻧﻴﺮﺍﻥ ﺍﻟﺘﻐﻄﻴﺔ ﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ‪،‬‬
‫ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻘﻞ ﺍﻵﻟﻲ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻄﻮﺭﺍﺕ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﺭﻋﺎﺕ‪ -‬ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻬﺒﻂ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ﻗﻂ‬
‫ﻟﻴﻜﺘﺸﻔﻬﺎ"‪).‬ﺹ ‪(۷۹‬‬
‫"ﺇﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻷﺧﻄﺎء ﺷﻴﻮﻋﺎ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻘﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﻴﻦ ﻣﻌﺪﻭﻣﻲ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺍﻓﺘﺮﺍﺿﻬﻢ ﺃﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ‬
‫‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﺃﺛﺒﺘﺖ‬ ‫ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻜﺘﻴﻚ ﺑﻌﻨﺼﺮ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﺫﻛﺮﻫﺎ ﺃﻻ ﻭﻫﻮ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻷﺳﻠﺤﺔ‬
‫ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﺽ ﻣﻀﻠﻞ " )ﺹ ‪ .(۷۹‬ﻭﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﻫﺘﻠﺮ‬
‫ﺍﻧﺘﺼﺮ ﻡ ﻉ ﺃﻥ ﺧﺼﻮﻣﻪ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺘﻤﺘﻌﻮﻥ ﺑﺎﻟﺘﻔﻮﻕ ﺍﻟﻌﺪﺩﻱ ﺳﻮﺍﺭ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﺓ ﺃﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﺭﻋﺎﺕ‪ ،‬ﻟﻘﺪ‬
‫ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺍﻷﻟﻤﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺑﻔﻀﻞ ﺗﻜﺘﻴﻜﺎﺕ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻔﻀﻞ ﺍﻟﺘﻔﻮﻕ ﺍﻟﻌﺪﺩﻱ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻜﺘﻴﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺗﺒﻌﻪ ﺍﻷﻟﻤﺎﻥ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﺧﺘﺮﺍﻕ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﻓﻲ ﻧﻘﺎﻁ ﻣﺨﺘﺎﺭﺓ‬
‫ﻗﻠﻴﻠﺔ‪ ،‬ﻳﺘﻠﻮﻩ ﺗﻮﻏﻞ ﺑﺎﻧﺪﻓﺎﻉ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺍﻻﺧﺘﺮﺍﻕ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﺪﻣﻴﺮ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ‪ ،‬ﺟﺎء ﻣﻦ‬
‫ﻻﻓﺎﺭﺝ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺣﻴﺚ ﻛﺘﺐ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻓﻲ ﻛﺘﻴﺐ ﺻﻐﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺴﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻜﺘﻴﺒﺔ ‪ ،‬ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﻴﺐ‬
‫ﻻﻗﻰ ﺍﻹﻫﻤﺎﻝ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻴﻦ ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﻳﺘﺮﺟﻢ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻷﻟﻤﺎﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﺳﺘﻮﻟﻮﺍ ﻉﻟﻰ‬
‫ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻨﻪ ﺃﺩﺭﻛﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻮﺭ ﺃﻫﻤﻴﺘﻪ‪،‬ﻭﻗﺎﻣﻮﺍ ﺑﺘﺮﺟﻤﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ،‬ﻭﺃﺻﺪﺭﻭﻩ ﻛﺄﺣﺪ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺤﺮﺏ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻁﻮﺭﻭﺍ ﻧﻮﺍﺓ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ‪ ،‬ﻭﺟﻌﻠﻮﻫﺎ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﻤﻮﺟﻪ ﻟﻠﺘﻜﺘﻴﻜﺎﺕ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻔﺮﻗﺔ ﻭﺍﻟﻔﻴﻠﻖ ‪) .‬ﻟﻘﺪ‬
‫ﺑﺎﻹﺗﻘﺎﻥ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ‬ ‫ﺗﻤﻜﻦ ﺍﻟﻨﺎﺯﻳﻮﻥ ﻣﻦ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ ﺍﻷﺳﺒﺎﻧﻴﺔ‬
‫ﺍﻟﻤﻌﻬﻮﺩﻳﻦ‪ ،‬ﻭﺃﻋﺪﻭﺍ ﻛﺎﻓﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﺍﻟﻼﺯﻣﺔ ﻟﻮﺿﻊ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﺗﻜﺘﻴﻜﻴﺔ ﻓﻲ ﻧﺼﻮﺹ ﺩﻗﻴﻘﺔ( )ﺻﻔﺤﺔ‪.(۸۳‬‬

‫‪95‬‬
 ‫ﻭﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ﻓﻨﻘﻞ ﻋﻦ ﻧﺎﺑﻠﻴﻮﻥ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ ‪" :‬ﺇﻧﻨﻲ ﺃﺣﺎﻭﻝ ﺟﺎﻫﺪﺍً ﺃﻥ ﺃﺳﺘﻌﺮﺽ ﻓﻲ ﺫﻫﻨﻲ ﻛﺎﻓﺔ‬
‫ﺍﻷﺧﻄﺎﺭ ﺍﻟﻤﺤﺘﻤﻠﺔ ﻷﺗﻨﺒﺄ ﺑﻜﻞ ﺍﻟﺼﻌﺎﺏ "‪ .‬ﻭﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﺁﺧﺮ "ﺇﻥ ﺍﻝﻋﻠﻢ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ﻳﺘﻠﺨﺺ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﻮﺯﻥ‬
‫ﻛﻞ ﺍﻟﻌﻮﺍﻗﺐ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﺇﺑﻌﺎﺩ ﺍﻟﺼﺪﻓﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺣﺴﺎﺑﻴﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒﻴﺎ ً"‪.‬‬
‫ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺣﺮﺏ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺎﺕ ﻓﻠﻘﺪ ﺟﺎء ﻣﺎ ﻳﻠﻲ ‪" :‬ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺻﺪﻳﻘﻨﺎ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻛﻼﻭﺯﻓﺘﺰ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﻡ ﺑﺄﻭﻝ‬
‫ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺟﺪﻳﺔ ﻟﻮﺿﻊ ﺗﻜﺘﻴﻜﺎﺕ‪ ،‬ﻭﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺣﺮﺏ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺎﺕ ﻓﻲ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ‬
‫ﻛﺎﻥ ﺗﺤﻠﻴﻠﻪ ﻛﺎﻵﺗﻲ ‪ :‬ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﻞ ﻭﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻗﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﻴﻠﻴﺸﻴﺎ ﻭﺍﻟﻤﺪﻧﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﻴﻦ ﺿﺪ ﺍﻟﻘﻮﺓ‬
‫ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﻟﻠﻌﺪﻭ‪ ،‬ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﺿﺪ ﻭﺣﺪﺍﺕ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﺍﻟﺤﺠﻢ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺤﺎﻭﻝ ﺍﻗﺘﺤﺎﻡ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ‪ ،‬ﺑﻞ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻘﺘﻄﻊ ﺃﺟﺰﺍء ﻓﻘﻂ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻄﺢ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻭﺗﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻦﺍﻁﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ‬
‫ﻣﺴﺮﺡ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪ ،‬ﻭﺗﺘﺒﻊ ﻋﻦ ﻗﺮﺏ ﻣﺆﺧﺮﺓ ﻗﻮﺍﺗﻪ ﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎء ﺗﻘﺪﻣﻬﺎ‪ ،‬ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﻭﺳﻴﻠﺔ‬
‫ﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﻴﻦ ﺳﻮﻯ ﺇﺭﺳﺎﻝ ﻣﻔﺎﺭﺯ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﻟﺤﺮﺍﺳﺔ ﻗﻮﺍﻓﻠﻪ‪ ،‬ﻭﻟﺘﺤﺘﻞ ﺍﻟﻤﺮﺍﻛﺰ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﻤﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﻜﺒﺎﺭﻱ‪.‬‬
‫ﻟﻘﺪ ﺃﺣﺼﻰ ﻛﻼﻭﺯﻓﺘﺰ ﺧﻤﺴﺔ ﺷﺮﻭﻁ ﻋﺎﻣﺔ ﻝ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺎﺕ ﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺗﻬﺎ ﺑﻨﺠﺎﺡ‪ ،‬ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﻫﻲ ‪:‬‬
‫"ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺎﺕ ﺃﻥ ﺗﻤﺎﺭﺱ ﻧﺸﺎﻁﻬﺎ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ـ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻤﺘﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﻟﻴﺸﻤﻞ ﻣﻨﻄﻘﺔ‬
‫ﺷﺎﺳﻌﺔ ـ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺎﺕ ﺃﻥ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﺃﻭ ﺗﺪﻭﺭ ﺣﻮﻝ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ـ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ‬
‫ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﺃﻥ ﺗﺴﺎﻧﺪ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﺃﺧﻴﺮﺍً ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻋﺮﺓ ﻭﺻﻌﺒﺔ ﺍﻟﻌﺒﻮﺭ"‪.‬‬
‫ﻳﺘﺒﻠﻮﺭ ﻣﻌﻨﺎ ﻣﻤﺎ ﻣﺮ ﺃﻥ ﺳﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺴﺎﺣﺔ‪ ،‬ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺮﺿﻨﺎﻫﺎ ﻫﻲ‬
‫ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ﻟﺸﻲء ﻣﺎ ﻟﻦ ﻳﺨﺪﻣﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺸﻔﻮﻋﺎ َ ﺑﺄﺳﻠﻮﺑﻪ ﺍﻟﻔﻨﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺗﺤﻘﻴﻘﻪ‪.‬‬
‫ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻭﺟﻪ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﻫﻲ ﺃﻥ ﺃﺳﻞﻭﺏ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻳﺪﻭﻟﻮﺟﻴﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﻋﺮﺿﻨﺎﻩ‪.‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ ﺷﺎﻫﺪ ﻣﻦ ﺩﻭﻟﺔ ﺇﻳﺮﺍﻥ ﺣﻴﺚ ﻳﻈﻦ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺳﻘﻂ‬
‫ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﺸﺎﻩ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺣﺪﺙ ﺃﻥ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺑﺴﻴﻄﺎ ً ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺇﺳﻘﺎﻁ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺃﻻ ﻭﻫﻮ ﺍﻹﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕ‬
‫ﻭﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮﺍﺕ‪.‬‬
‫ﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﻤﻌﻘﺪﺓ ﺍﻟﻤﺘﻔﺎﻋﻠﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﻀﺠﺖ ﺟﻮ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ‪،‬ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻮﺟﻪ ﻋﺎﻡ‬
‫ﻻﺩﻣﻮﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺑﻬﺬﺍ ﺍﻧﺘﺼﺮ ﺍﻟﺪﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻴﻒ ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﺳﻠﻮﺑﺎ‪ ،‬ﺑﻞ ﻣﺎﻥ ﺍﻟﻤﺘﻈﺎﻫﺮﻭﻥ ﻳﺼﻔﻮﻥ ﺍﻟﻮﺭﺩ‬
‫ﻓﻲ ﻓﻮﻫﺎﺕ ﺑﻨﺎﺩﻕ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ‪ ،‬ﻭﻫﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻻﺗﻘﺘﻞ ﺃﺧﺎﻙ‪.....‬‬
‫ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺍﺧﺘﺼﺎﺭ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﻤﻌﻘﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﻀﺠﺖ ﺟﻮ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ ﻣﺎﻳﻠﻲ ‪ :‬ﺃﻭﻻ ﺑﻘﻲ‬
‫ﺍﻟﺮﺃﺱ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻳﺮﻋﻰ ﺍﻟﻐﻨﻢ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ‪ ،‬ﺍﻟﺘﺠﺄ ﺍﻟﻤﻀﻄﻬﺪﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ‪ ،‬ﺣﺎﻓﻆ ﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺷﺒﻜﺔ‬
‫ﺫﺍﺕ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ‪ ،‬ﺗﻤﺘﻌﺖ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﺑﻤﺴﺘﻮﻯ ﺭﻓﻴﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻋﻲ ‪ ،‬ﻧﻔﺬﺕ ﺍﻟﻜﻮﺍﺩﺭ ﺍﻟﺴﻔﻠﻴﺔ ﺑﺰﺧﻢ ﻋﺎﻟﻲ ﻣﻦ ﺭﻭﺡ‬
‫ﺍﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﻭﺍﻻﺱﺗﺸﻬﺎﺩ ﻭﺍﻟﺤﻤﺎﺱ‪ ،‬ﻣﻬﺪ ﻟﻠﺜﻮﺭﺓ ﻣﻔﻜﺮﻭﻥ ﻳﺤﻠﻠﻮﻥ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻓﻲ ﺟﻮ ﻣﺘﻔﺘﺢ ﻋﻘﻠﻴﺎ‪ ،‬ﺑﺮﺯ ﺷﺒﺎﺏ‬
‫ﺣﺮﻛﻴﻮﻥ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺟﻮ ﺟﻬﺎﺩ ﻋﺎﻟﻲ ‪ ،‬ﻭﻗﻊ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺒﻬﻠﻮﻱ ﻓﻲ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻷﺧﻄﺎء ‪ ،‬ﺍﻧﻔﺼﻠﺖ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﺔ‬
‫ﺍﻟﻤﺎﻟﻜﺔ ﻋﻦ ﺍﻷﻣﺔ‪ ،‬ﺷﺎﺭﻛﺖ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﻴﺮﺗﻪ ﺟﻨﺒﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺐ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺳﺎﻧﺪﺕ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ‬
‫ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ‪ ،‬ﻭﺩﻓﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺍﻟﻬﻢ ﺍﻟﺨﻤﺲ ﻭﺃﻛﺜﺮ ﺗﻤﻮﻳﻼ ﻟﻠﺜﻮﺭﺓ ﻓﻼ ﻏﺮﺍﺑﺔ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﺍﻧﻔﺠﺮﺕ‪.‬‬
‫ﻭﺃﻣﺎﻡ ﻣﺎ ﻣﺮ ﻣﻌﻨﺎ ﻧﺮﻯ ﺑﺸﻜﻞ ﻭﺍﺿﺢ ﺃﺛﺮ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻘﻮﺓ ‪ ،‬ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﺣﺼﻞ ﺗﻄﻮﺭ‬
‫ﻫﺎﻡ‪ ،‬ﻭﻷﻭﻝ ﻣﺮﺓ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺑﺎﻛﺘﺸﺎﻑ ﺍﻟﺴﻼﺡ ﺍﻟﻨﻮﻭﻱ ﺑﺤﻴﺚ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﻟﺒﺤﺚ ﺟﺪﻳﺪ ﻓﻲ‬
‫ﺿﻮء ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ‪....‬‬
‫ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﺄﻣﻠﻬﺎ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻮﻥ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﻴﺪ ﺣﺘﻰ ﻳﺪﺭﻛﻮﺍ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻭﺗﻄﻮﺭﻩ‬
‫ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ‪.‬‬

‫‪96‬‬
 ‫ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻭﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ!‪...‬‬
‫ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻟﺴﻼﺡ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻣﺮ ﻛﻤﺎ ﻣﺮ ﺃﻭﻻ ﺑﺸﻜﻞ ﺗﻄﻮﺭﻱ ﺑﻄﻲء ﻧﺎﻣﻲ ﻣﺘﻀﺨﻢ ‪ ،‬ﺛﻢ ﺑﻘﻔﺰﺍﺕ ﺧﻄﺮﺓ‬
‫ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﺗﻜﻠﻠﺖ ﺑﺎﻧﻔﺠﺎﺭ ﺍﻟﺬﺭﺓ‪.‬‬
‫ﻁﻮﺭ ﺍﻹ ﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺑﺪءﺍ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻳﺪﻩ ﻻﺳﺘﻨﺒﺎﻁ ﺍﻷﺭﺽ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﻄﺶ ﺑﺄﺧﻴﻪ ﺛﻢ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺤﺠﺮ‬
‫ﻓﺎﻟﻌﺼﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﻁﻮﺭ ﺍﻟﻌﺼﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻮﺱ ﻭﺍﻟﻨﺒﻞ ‪ ،‬ﻭﻁﻮﺭ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺻﻘﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺁﻟﺔ ﻗﺎﻁﻌﺔ ‪ ،‬ﺛﻢ ﺩﺧﻞ‬
‫ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﻤﻌﺪﻧﻲ‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘﺨﺪﻡ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ ﻭﺍﻟﻨﺤﺎﺱ ﻭﺍﻟﺒﺮﻭﻧﺰ ‪ ،‬ﻭﺻﻘﻞ ﺍﻟﺴﻴﻮﻑ ﺍﻟﻤﺮﻫﻔﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻥ ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫ﺍﻟﺮﻣﺎﺡ ﺍﻟﺜﺎﻗﺒﺔ ﻓﻘﻄﻊ ﻭﺑﻘﺮ ﻭﺛﻘﺐ!!‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﺍﻛﺘﺸﻒ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭﺍﻟﺒﺎﺭﻭﺩ ﻓﺄﺻﺒﺢ ﻣﺮﻣﻰ ﺍﻟﻤﻘﺬﻭﻑ ﻭﺗﺄﺛﻴﺮﻩ ﻛﺒﻴﺮﺍ ‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﻓﻲ ﻓﻨﻮﻥ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ‬
‫ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻨﺒﻠﺔ ﺍﻟﺪﻓﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻬﺠﻮﻣﻴﺔ ﺃﻥ ﻧﺼﻒ ﻗﻄﺮ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺃﻛﺒﺮ ‪ ،‬ﻭﻟﻤﺎ ﻭﺻﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﺴﻼﺡ ﺑﺪﺃ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﻳﻘﻔﺰ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺮﻋﺐ‪.‬‬
‫ﺣﻴﺚ ﺗﻄﻮﺭ ﻥﺻﻒ ﺍﻟﻘﻄﺮ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻼﺡ ﺍﻟﺬﺭﻱ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻋﻢ ﻧﺼﻒ ﻗﻄﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺮﺓ‬
‫ﺍﻻﺭﺿﻴﺔ ﺑﻜﺎﻣﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺼﻮﺍﺭﻳﺦ ﺍﻟﺤﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﺮﺅﻭﺱ ﺍﻟﻨﻮﻭﻳﺔ ﻻ ﺗﺴﻠﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺃﻱ ﻧﻘﻄﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺭﺽ‪.‬‬
‫‪ ،‬ﻭﺍﺧﺘﺮﺍﺡ ﺍﻟﺼﻮﺍﺭﻳﺦ ﺍﻟﻌﺎﺑﺮﺓ‬ ‫ﺩﺧﻞ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻫﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺘﻴﻨﺎﺕ ﺑﻌﺪ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺍﻟﺴﻼﺡ ﺍﻟﻨﻮﻭﻱ‬
‫ﻟﻠﻘﺎﺭﺍﺕ‪ ،‬ﻭﺗﻘﺪﻡ ﻁﻴﺮﺍﻥ ﺍﻟﻔﻀﺎء‪ ،‬ﻭﺍﺧﺘﺮﺍﻉ ﺍﻟﻐﻮﺍﺻﺎﺕ ﺍﻟﻨﻮﻭﻳﺔ ﻛﻘﻮﺍﻋﺪ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﻣﺘﺤﺮﻛﺔ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﺑﻌﺪ‬
‫ﺍﺯﻣﺔ ﻛﻮﺑﺎ ﺣﻴﺚ ﻭﺟﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻁﺮﻳﻖ ﻣﺴﺪﻭﺩ !!‪..‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺣﻜﻢ ﻣﻨﻄﻖ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ!!‪..‬‬
‫ﻳﺬﻛﺮﻧﺎ ﻫﺬﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﺍﻟﻄﺒﻲ ﺑﻮﺭﻡ ﺍﻟﻐﺪﺓ ﺍﻟﻨﺨﺎﻣﻴﺔ ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺪﺙ ﻣﺮﺽ ﺿﺨﺎﻣﺔ ﺍﻷﻁﺮﺍﻑ ﺣﻴﺚ ﻳﻀﺨﻢ‬
‫ﺍﻹﻧﺲﺍﻥ ﻓﻲ ﺷﻜﻠﻪ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺤﻮﺍﺟﺐ ﺿﺨﻤﺔ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺸﻔﺎﻩ ﻏﻠﻴﻈﺔ ‪ ،‬ﻭﺍﻷﻧﻒ ﻋﺮﻳﺾ ﺑﺎﺭﺯ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻔﻚ ﺍﻟﺴﻔﻠﻲ ﻣﺘﻘﺪﻡ‬
‫ﺑﺎﺭﺯ‪ ،‬ﺍﻷﻳﺎﺩﻱ ﻗﻄﻊ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻭﺍﻷﺭﺟﻞ ﺗﺪﺏ ﺑﻘﻮﺍﻋﺪ ﻛﺒﻴﺮﺓ ‪ .‬ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺭﻡ ﻳﻀﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺣﺪﺍ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻓﻼ‬
‫ﻳﻨﻤﻮ ﻫﻜﺬﺍ ﺑﺪﻭﻥ ﺗﻮﻗﻒ‪ ،‬ﺑﻞ ﻟﻪ ﺣﺪﻭﺩ‪ ،‬ﻟﻘﺪ ﺍﻛﺘﺸﻒ ﺃﻧﻪ ﻳﻮﻗﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺑﻔﻌﻞ ﻣﺘﻀﺎﺩ‪.‬‬
‫ﻫﻜﺬﺍ ﻓﻌﻠﺖ ﺍﻟﻖﻭﺓ ﺣﻴﺚ ﺃﺑﻄﻠﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﺗﻄﻮﺭﺍ ﻋﺠﻴﺒﺎ‪..‬‬
‫ﻟﻬﺬﺍ ﻧﺴﻤﻊ ﺳﻴﺎﺳﻴﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ﻭﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺣﺪ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﺸﻮﺏ ﺣﺮﺏ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ‬
‫ﺍﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ‪.‬‬
‫ﻷﻥ ﺣﺪﻭﺙ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻳﻌﻨﻲ ﻧﻘﺾ ﺑﻨﺎء ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻌﺒﺖ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﺎءﻩ ﻓﻲ ﻣﺪﻯ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ‬
‫‪ ۳.٥‬ﻣﻞﻳﻮﻥ ﺳﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪﺙ ﺍﻟﺘﻘﺮﻳﺮﺍﺕ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﻛﻮﻛﺐ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍﻷﺭﺿﻴﺔ ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ‬
‫ﺍﺳﺘﺸﻬﺪﻭﺍ ﺑﻘﻮﻝ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ‪ -‬ﻭﺑﻤﻨﻄﻖ ﻋﻤﻠﻲ – ﺑﺸﻜﻞ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮ ) ﻭﻻﺗﻜﻮﻧﻮﺍ ﻛﺎﻟﺘﻲ ﻧﻘﻀﺖ ﻏﺰﻟﻬﺎ ﻣﻦ‬
‫ﺑﻌﺪ ﻗﻮﺓ ﺃﻧﻜﺜﺎ( )‪(۹۲:۱٦‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﻻﻳﻌﻨﻲ ﺃﻧﻪ ﻻﺗﺤﺪﺙ ﻣﻦ ﺣﻴﻦ ﻷﺧﺮ ﺣﺮﺏ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻓﻬﺬﺍ ﻗﺪ ﻳﺒﻘﻰ ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﺍﻟﺬﺭﻳﺔ‬
‫ﺃﺻﺒﺢ ﺍﻟﺘﻔﻴﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﺣﺘﻤﺎﻻﺗﻬﺎ ﺷﻲء ﻳﺨﺘﻠﻒ ﺟﺬﺭﻳﺎ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ‬
‫ﺍﻷﺭﺽ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﻳﺬﻛﺮﻧﺎ ﺑﻤﺜﻞ ﺻﻐﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻳﺤﺪﺙ ﺍﻥ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﺭﺟﻼﻥ ﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﺃﺳﻮﺍﻕ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ‬
‫ﻭﻳﺘﻌﺎﺭﻛﺎﻥ‪ ،‬ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﻘﺘﻞ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﺍﻵﺧﺮ ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻻﻳﻌﻨﻲ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻛﻠﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺍﻟﺒﻌﺾ‬
‫ﻓﻴﺘﻔﺎﻧﻮﺍ‪.‬‬
‫ﺍﺿﻄﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‪-‬ﻣﺮﻏﻤﺎ‪ -‬ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺟﻮﻉ ﺇﻟﻰ ﻁﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍﻧﻔﺘﺤﺖ ﻣﻐﺎﻟﻴﻖ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻏﻠﻘﺖ ﻣﻨﺬ‬
‫ﺯﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺑﺪﺍ "ﺍﻟﻀﻤﻴﺮ" ﻳﺘﺤﺪﺙ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺳﻜﺖ ﻓﺘﺮﺓ ﻁﻮﻳﻠﺔ!‪..‬‬
‫ﺑﺪﺃ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻛﺎﻥ ﻳﻠﺠﺄ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺼﺎ ﻟﺘﺘﺤﺪﺙ ! ﻭﻋﺒﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﺘﺒﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ‪ ،‬ﻟﻴﺘﺤﻮﻝ‬
‫ﺻﺮﺍﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻌﺼﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﺗﻐﻴﺮﺕ ‪ ،‬ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﺻﺮﺍﻉ‬
‫ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺮﺍﻉ ﻗﻮﺓ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫ﻣﻦ ﻳﺤﻤﻞ ﺃﻓﻜﺎﺭﺍ ﺻﺤﻴﺤﺔﺧﺎﺩﻣﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﺜﺒﺖ ﻭﺟﻮﺩﻩ ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻴﺪﻩ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺖ ‪،‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺑﺪﺃ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺘﺢﻭﻝ ﻣﻦ ﻁﻔﻞ ﻣﺸﺎﻏﺐ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻗﻞ ﺭﺍﺷﺪ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﻬﺪﻭء ‪ ،‬ﻭﺗﻜﻠﻢ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‬
‫ﻣﺮﺓ ﺍﺧﺮﻯ‪.‬‬
‫) ﻓﺄﻣﺎ ﺍﻟﺰﺑﺪ ﻓﻴﺬﻫﺐ ﺣﻔﺎ ًء ﻭﺃﻣﺎ ﻣﺎ ﻳﻨﻔﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻴﻤﻜﺚ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻀﺮﺏ ﷲ ﺍﻷﻣﺜﺎﻝ ( ) ‪: ۱۳‬‬
‫‪. ( ۱۷‬‬
‫ً‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺗﻔﺎﺅﻻ ﻟﻠﻤﺴﺘﻘﺒﻞ‪ ،‬ﻭﺿﻮءﺍ ﺃﺧﻀﺮ ﻟﻠﻔﻜﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ – ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻥ ﺃﺩﺭﻙ ﺗﻄﻮﺭ ﺍ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ‪،‬‬
‫ﻭﻫﻀﻢ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺃﺩﻯ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺣﻀﻮﺭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺷﻬﻮﺩﻩ ﻭﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﺛﻢ ﻫﻀﻤﻪ‬
‫– ﻭﺗﺤﻮﻝ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ )ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﻯء (‪ ،‬ﺧﺎﺻﺔ ﻭﻗﺪ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺧﺎﺩﻣﺔ ﻣﻤﺘﺎﺯﺓ‬
‫ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻔﻜﺮ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺮﻗﻰ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻳﻄﻮﺭﻩ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﻜﺘﺐ ﻟﻪ ﺍﻟﺒﻘﺎء ‪ ،‬ﺍﻟﻔﻜﺮﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﺒﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﻭﻓﻄﺮﺓ‬
‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‪ ).‬ﻛﺘﺐ ﷲ ﻷﻏﻠﺒﻦ ﺃﻧﺎ ﻭﺭﺳﻠﻰ ﺇﻥ ﷲ ﻗﻮﻯ ﻋﺰﻳﺰ ( )‪.(۲۱:٥۸‬‬
‫ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ )ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ً(‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ ﻓﻜﺮﻳﺎ‪ ،‬ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﻌﻠﻢ‬
‫ً‬
‫ﻳﻦ ﻧﺤﺘﺎﺝ ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺃﺷﻬﺮ‬ ‫ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻧﻌﺒﺮ ﺑﺎﻟﻄﻴﺮﺍﻥ ﻣﻦ ﻗﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻗﺎﺭﺓ ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﻣﻌﺪﻭﺩﺓ‪ ،‬ﻓﻲ ﺡ‬
‫ﻭﺳﻨﻮﺍﺕ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﺍﺧﺘﺮﺍﻕ ﺟﺪﺍﺭ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪،‬ﻭﺗﻔﺎﻫﻢ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻓﻼ ﻳﺘﻢ ﺑﻌﺸﺮﺍﺕ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ‪ ،‬ﻭﻳﺒﻘﻰ ﺍﻷﺟﻨﺒﻲ ﺑﻌﺪ ﻣﻜﺜﻪ‬
‫ﻋﺸﺮﺍﺕ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﺃﺟﻨﺒﻴﺎ ً ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻐﻴﺮ ﻟﻮﻥ ﺟﻠﺪﻩ ﺑﻌﺪ ﻣﺜﻼً‪ ،‬ﺃﻭ ﻗﺴﻤﺎﺕ ﻭﺟﻬﻪ‪ ،‬ﺃﻭ ﻟﻜﻨﺔ ﻟﻐﺘﻪ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻟﻮ‬
‫ﺣﺼﻞ ﺟﻨﺴﻴﺔ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﺍﻷﻭﺭﺑﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺎﺵ ﻓﻴﻪ ﻭﺻﺎﻫﺮﻩ ﻭﻧﺬﺭ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﺨﺪﻣﺘﻪ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺒﻘﻰ ﺃﺟﻨﺒﻴﺎً‪ ،‬ﻛﻞ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺑﻔﻌﻞ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺌﻦ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻂ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪.‬‬
‫ﻛﺎﻥ ﻧﻤﻮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﺳﻖ‪ ،‬ﻧﻤﺖ ﺃﻁﺮﺍﻓﻪ‪ ،‬ﺍﺷﺘﺪﺗﻌﻀﻼﺗﻪ‪ ،‬ﺗﻀﺨﻤﺖ ﺃﻋﻀﺎﺅﻩ ﺍﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﺃﺷﺒﻪ‬
‫ﺑﺎﻷﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﻐﺪﻳﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺩﻣﺎﻏﻪ ﺿﻤﺮ‪ ،‬ﻭﻗﻠﺒﻪ ﺍﻋﺘﻠﻰ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻭﻳﺔ ﺟﺚ ﻣﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻭﺃﺻﻴﺐ ﻛﻤﺎ‬
‫ﻳﺴﻤﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺐ ﺑﺎﻻﺭﺗﺪﺍﺩ ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺟﻊ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺻﻔﺔ ﻣﺮﺍﻓﻘﺔ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺗﻀﺨﻢ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻭﺗﺼﻮﺭ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ‬
‫ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻛﺎﻥ ﻧﻤﻮ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺣﻠﻘﺎﺕ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﻠﺴﻞ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻗﺼﺔ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻁﺮﻳﻔﺔ ﻭﻣﺤﺰﻧﺔ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ‪ ،‬ﺍﻧﺴﺎﻕ ﻋﻘﻞ ﺍﻟﻌﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺧﻠﻒ ﺍﻟﻘﻮﺓ‪ ،‬ﺃﻋﺠﺐ ﺑﻬﺎ‬
‫‪ ،‬ﺃﺻﺎﺑﺘﻪ ﻧﺸﻮﺓ ﺍﻟﻘﻮﺓ‪ ،‬ﻋﺒﺪﻫﺎ!!‬
‫)ﺃﺗﺒﻌﺪﻭﻥ ﻣﺎ ﺗﻨﺤﺘﻮﻥ ﻭﷲ ﺧﻠﻘﻜﻢ ﻭﻣﺎ ﺗﻌﻤﻠﻮﻥ( )‪.(۹٦-۹٥ :۳۷‬‬
‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺇﻧﻔﺠﺮﺕ ﺍﻟﺬﺭﺓ ﻛﺎﻧﺖ ﺇﺫﺍﻧﺎ ً ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ ﻛﺠﺮﺱ ﺇﻧﺬﺍﺭ ﻟﻠﻮﻗﻮﻑ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘـ ﻁﺮﻳﻖ ﺍﻟﻘﻮﺓـ ﻗﺎﻝ ﺧﺒﻴﺮ‬
‫ﻓﺮﻧﺴﻲ ﻓﻲ ﺇﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻨﻮﻭﻳﺔ )ﺑﻴﻴﺮﺟﺎﻟﻮﺍ ( ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻦ ﻣﺮﻛﺰﺍً ﺣﻴﻮﻳﺎ ً ﻓﻲ‬
‫ﺃﻣﺮﻱﻛﺎ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺒﻌﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻹﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﺘﻲ‪ ،‬ﻭﻣﻌﻨﻰ ﺍﻧﺪﻻﻉ ﺣﺮﺏ ﻧﻮﻭﻳﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻫﻮ ﺗﺪﻣﻴﺮ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻟﻤﺮﺍﻛﺰ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﻌﻤﻼﻗﻴﻦ‪ ،‬ﻭﺳﻮﻑ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ ﻣﺪٮﻌﺸﺮ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﺇﻟٮﻤﺮﺣﻠﺔ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ‬
‫ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻟﻪ ﺛﻘﻠﻬﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﺪ ﻋﻦ ﺧﺒﻴﺮ )ﻭﻻ ﻳﻨﺒﺌﻨﻚ ﻣﺜﻞ ﺧﺒﻴﺮ(‪.‬‬
‫ﺍﻟﺴﻼﺡ ﺍﻟﻨﻮﻭﻱ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺤﻖ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻭﻳﻄﺤﻨﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎً‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪﺩﻫﺎ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﻭﺣﺘﻰ ﻟﻮ‬
‫ﺗﻀﺎﻋﻒ ﻋﺪﺩﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺛﻼﺙ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﺿﻌﻔﺎً‪ ،‬ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻳﻘﺘﺮﺏ ﻋﺪﺩﻫﺎ ﻣﻦ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﻣﻠﻴﺎﺭﺍﺕ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻜﻦ‬
‫ﻟﻠﺴﻼﺡ ﺍﻟﻨﻮﻭﻱ ﺍﻟﻤﺘﻮﻓﺮ ﺍﻵﻥ ﺑﻴﻦ ﺃﻳﺪﻱ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺗﺪﻣﻴﺮ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪﻋﻦ ﺛﻤﺎﻧﻴﻦ ﻣﻠﻴﺎﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ‪.‬‬
‫ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺍﻟﻖﺍﻧﺒﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﺠﺮﺗﻬﺎ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ ﻓﻲ ﺻﺤﺮﺍء ﻧﻴﻔﺎﺩﺍ ﻗﻨﺒﻠﺔ ﺑﻠﻐﺖ ﻗﻮﺗﻬﺎ )‪(۱۰۰‬ﻣﻴﺠﺎ ﻁﻦ ﻣﻦ ﻣﺎﺩﺓ‬
‫)ﺕ‪.‬ﻥ‪.‬ﺕ( ﻭﻫﺬﻩ ﺗﺒﻠﻎ ﻓﻲ ﻗﻮﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺭﻧﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻨﺒﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻟﻘﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺮﻭﺷﻴﻤﺎ ﻋﺎﻡ ‪ ۱۹٤٥‬ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ‬
‫ﺍﻟﻤﻈﻠﻮﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺴﺤﺖ ﻳﻮﻣﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﺭﺽ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻘﻨﺒﻠﺔ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ )‪ (۲۰‬ﺃﻟﻒ ﻁﻦ‪ ،‬ﺍﻟﻘﻨﺒﻠﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﻭﻫﻲ‬
‫ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻘﻨﺒﻠﺔ ﺍﻟﻬﻴﺪﺭﻭﺟﻴﻨﻴﺔ ﺃﻗﻮﻯ ﻣﻦ ﻗﻨﺒﻠﺔ ﻫﻴﺮﻭﺷﻴﻤﺎ ﺑـ‪ ۷٥‬ﺃﻟﻒ ﻣﺮﺓ!!‪.‬‬
‫ﺟﺎء ﻓﻲء ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﻴﻮﻧﺴﻜﻮ ﻋﺪﺩ ‪ ۲٥٥‬ﻣﺎ ﻳﻠﻲ‪" :‬ﺇﻥ ﺍﻟﺘﻘﺪﻳﺮﺍﺕ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﻟﻌﺪﺩ ﺿﺤﺎﻳﺎ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﻲ‬
‫ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻭﻗﻮﻉ ﻫﺠﻮﻡ ﻧﻮﻭﻱ ﻭﺍﺳﻊ ﺍﻟﻨﻄﺎﻕ ﺗﺘﺮﺍﻭﺡ ﺑﻴﻦ ‪۱٥۰‬ـ ‪ ۱٦٥‬ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺿﺤﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺗﺘﺮﺍﻭﺡ‬
‫ﺍﻟﺘﻘﺪﻳﺮﺍﺕ ﺍﻟﻢ ﻧﺎﻅﺮﺓ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻺﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﺘﻲ ﺑﻴﻦ ‪٥۰‬ـ‪ ۱۰۰‬ﻣﻠﻴﻮﻥ‪،‬ﻭﻓﻲ ﻛﻠﺘﺎ ﺍﻟﺤﺎﻟﺘﻴﻦ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻷﻓﺘﺮﺍﺽ‬

‫‪98‬‬
 ‫ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺍﻷﻗﺘﻀﺎﺩﻳﺔ ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﺩﻣﺮﺕ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﻳﻐﺪﻭ ﺍﻟﺘﻨﺒﺆ ﺑﺎﻟﻌﻮﺩﺓ‬
‫ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺧﻼﻝ ﺟﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﺿﺮﺑﺎ ً ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﺎﺅﻝ ﺍﻟﺴﺎﺫﺝ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻧﺴﻴﺞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺳﻴﺘﻔﺴﺦ‪ ،‬ﻭﺳﻴﺘﺤﻮﻝ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﻌﻼﺝ ﺍﻟﻄﺒﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻘﻮﺭﻥ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻳﺠﺮﺩ‬
‫ﻣﻤﺎ ﻁﻮﺭ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﻓﻘﻪ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ‪ ،‬ﻭﺳﻮﻑ ﻳﺴﻴﺮ ﺍﻟﺒﻘﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ‪ ،‬ﺃﻁﺒﺎء ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﻡ ﺃﻧﺎﺳﺎ ً ﻋﺎﺩﻳﻴﻦ‬
‫ﺣﺎﻣﻠﻴﻦ ﺇﺻﺎﺑﺘﻬﻢ ﻭﺟﺮﺍﺣﻬﻢ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻮﺳﻌﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﺘﺒﺎﺩﻟﻮﺍ ﺇﻻ ﻣﺎ ﺗﺘﻴﺤﻪ ﻟﻬﻢ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺘﻬﻢ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﻗﺪﺭﺓ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺍﺳﺎﺓ‪ ،‬ﻭﺳﺘﻜﻮﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﺫﺍﻭﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎء ﻣﺤﻤﻠﺔ ﺑﺘﺠﻤﻌﺎﺕ ﻗﺎﺗﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺰﻳﺌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺸﻌﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻦ‬
‫ﻳﺘﺴﻨﻰ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺘﻮﻗﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺐ ﺗﻠﺒﻴﺔ ﻣﺎ ﻧﺤﺘﺎﺟﻪ ﻣﻦ ﺗﺪﺍﺑﻴﺮ ﺍﻟﻮﻗﺎﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻼﺝ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻷﻱ ﺣﺮﺏ ﻣﺎ‬
‫ﺿﻴﺔ ﺃﻥ ﺗﺴﺎﻋﺪﻧﺎ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺃﻱ ﺣﺮﺏ ﻧﻮﻭﻳﺔ‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻟﻢ ﻳﺤﺪﺙ ﺃﻱ ﺍﻧﻪ ﻳﺎﺭ ﺷﺎﻣﻞ‬
‫ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺃﻭ ﻟﻠﺮﻭﺡ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻟﻠﺸﻌﻮﺏ ﻋﻠٮﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺍﻷﺭﻗﺎﻡ ﺍﻫﺎﺋﻠﺔ ﻟﻤﺎ ﺣﺼﺪﺗﻪ ﻣﻦ ﺃﺭﻭﺍﺡ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﺍﺗﺴﻤﺖ‬
‫ﺑﻪ ﻣﻦ ﻭﺣﺸﻴﺔ ﻣﻮﺭﻋﺔ‪ ،‬ﻭﻧﺎﺩﺭﺍً ﻣﺎ ﺃﺣﺪﺛﺖ ﺍﻟﻐﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺠﻮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﻭﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺎﺕ ﺿﺮﺭﺍً ﺃﻭ ﻋﻀﻼً ﻻ‬
‫ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﺁﺛﺎﺭﻩ ﻓﻲ ﻏﻀﻮﻥ ﺃﻳﺎﻡ ﻗﻼﺋﻞ‪ ،‬ﻭﻣﻤﺎ ﻻ ﺷﻚ ﻓﻴﻪ ﺃﻥ ﻣﻦ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻣﻦ ﻋﺎﻧﻮﺍ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ‪ ،‬ﻏﻴﺮ ﺃﻧﻪ‬
‫ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻜﺜﻴﺮﻳﻦ "ﻅﻠﺖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺿﺎﺣﻜﺔ ﺗﻤﺸﻲ ﻓﻲ ﻣﺴﻴﺮﺗﻬﺎ ﻻ ﻳﻘﻬﺮﻫﺎ ﺷﻲء " ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻨﻮﻭﻳﺔ‬
‫ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﻓﻼ ﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﺤﺪﺙ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻮﺿﻰ ﻭﺍﻻﺭﺗﺒﺎﻙ ﻣﺎ ﻻ ﻗﺒﻞ ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ ﺑﻪ ﻭﻣﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﺃﺑﺪﺍً ﺃﻥ ﺗﺘﻬﻴﺄ‬
‫ﻟﻠﺘﺼﺪﻱ ﻟﻪ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﻳﻌﻨﻲ ﺫﻟﻚ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻛﺄﻥ ﷲ ﻗﺎﻝ ﻟﻘﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﻤﻴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻮﺩﻭﻧﻪ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻻﻧﺘﺤﺎﺭ ‪:‬ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻔﻮﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻀﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﺴﻮﻑ ﺃﺑﻴﺪﻛﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ ً ﻭﺑﺄﻳﺪﻳﻜﻢ‪.‬‬
‫)ﻗﻞ ﻫﻮ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﻋﻠٮﺄﻥ ﻳﺒﻌﺚ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻋﺬﺍﺑﺎ ً ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻜﻢ ﺃﻭ ﻣﺖ ﺗﺤﺖ ﺃﺭﺟﻠﻜﻢ ﺃﻭ ﻳﻠﺒﺴﻜﻢ ﺷﻴﻌﺎ ً ﻭﻳﺬﻳﻖ ﺑﻌﻀﻜﻢ‬
‫ﺑﺄﺱ ﺑﻌﺾ ﺃﻧﻈﺮ ﻛﻴﻒ ﻧﺼﺮﻑ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﻟﻌﻠﻬﻢ ﻳﻔﻘﻬﻮﻥ( )‪.(٦٥ :٦‬‬
‫ﻛﺄﻧﻨﺎ ﻧﺘﺬﻛﺮ ﻗﺼﺔ ﺷﻤﺸﻮﻥ ﺍﻟﺠﺒﺎﺭ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻫﺪﻡ ﺍﻟﺒﻨﺎء ﻋﻠٮﺮﺃﺳﻪ ﻭﺭﺅﻭﺱ ﺃﻋﺪﺍﺋﻪ‪ ،‬ﻫﻜﺬﺍ ﺍﺻﺒﺢ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‬
‫ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻤﻀﺮﻭﺏ ﻧﻮﻭﻳﺎ ً ﺍﻟﻤﺤﺘﻀﺮ ﺍﻟﻤﻐﺮﻏﺮ ﻓﻲ ﺳﻜﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺃﻥ ﻳﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ ﺧﺼﻤﻪ‬
‫ﻓﻴﺄﺧﺬ ﺑﺨﺼﻤﻪ ﻣﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﺎﻭﻳﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺪﻣﺎﺭ!!‪..‬‬
‫ﻳﻜﻔﻲ ﺃﻥ ﻧﻌﺮﻑ ﺃﻥ ﺃﻱ ﻧﻘﻄﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺪﻣﺮﻫﺎ ﺭﺃﺱ ﻧﻮﻭﻱ ﻓﻲ ﺛﻠﺚ ﺳﺎﻋﺔ ﻓﻘﻂ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺸﻴﺎﻁﻴﻦ‬
‫ﺍﻟﻤﺘﺤﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻕ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﻣﺎﺓ ﺑﺎﻏﻠﻮﺍﺻﺎﺕ ﺍﻟﻨﻮﻭﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺩﺓ ﺍﻟﻌﻤﻼﻗﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻟﺘﺨﺘﺮﻕ‬
‫ﺍﻟﻐﻼﻑ ﺍﻟﺠﻮﻱ ﻟﻸﺭﺽ ﺍﻟﻤﺴﻤﺎﺓ ﺑﻌﺎﺑﺮﺍﺕ ﺍﻟﻘﺎﺭﺍﺕ ﻟﺘﺪﻙ ﺃﻱ ﻣﺮﻛﺰ ﺍﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻲ ﻭﻏﻴﺮ ﺍﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻲ‪ ،‬ﻣﻦ‬
‫ﻫﻨﺎ ﻧﻔﻬﻢ ﻋﻤﻖ ﻛﻼﻡ ﻣﺎ ﻭﺗﺴﻲ ﺗﻮﻥ ﻍ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺧﺎﻁﺐ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭ ﺑﻘﻮﻟﻪ "ﺇﻧﻲ ﺳﻮﻑ ﺃﺳﻤﺢ ﻟﻤﻦ ﻳﺮﻳﺪ‬
‫ﺿﺮﺑﻲ ﺑﺎﻟﺴﻼﺡ ﺍﻟﻨﻮﻭﻱ ﻟﻠﻤﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻌﻠﻢ ﺍﻧﻨﻲ ﺳﻮﻑ ﺍﺭﺩ ﻋﻠﻴﻪ"‪.‬‬
‫ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ﺧﻄﻴﺮﺍً ﻭﻣﻬﻤﺎ ً ﺣﻴﺚ ﺍﻧﺤﺮﻑ ﻣﺴﺎﺭ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻟﺘﺮﺟﻊ ﺭﻏﻤﺎ ً ﻋﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻖ‬
‫ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺇﻟﻰ ﺧﻂ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻷﺧﻼﻕ‪ ،‬ﻣﻊ ﺍﻷﺳﻒ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺗﺨﻠﻔﺎ ً ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﻳﺔﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﺩ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‪ ،‬ﻷﻧﻬﻢ‬
‫ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻨﺒﺆ ﺑﻤﺼﻴﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺳﻠﻔﺎ ً ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﺻﺪﻣﻮﺍ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔﻓﺘﺮﺍﺟﻌﻮﺍ ﻋﻨﻬﺎ‬
‫ﺭﻏﻤﺎ ً ﻋﻨﻬﻢ ﻻ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﺑﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺎﻝ ‪:‬‬ ‫ﻛﺘﺐ ﺍﻹﺳﺘﺎﺫ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﺕ ﺭﺣﻤﺔ ﷲ ﺗﻌﺎﻟٮﺖ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺣﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ‬
‫"ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻣﻢ ﻭﺍﻟﺸﻌﻐﻮﺏ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﻗﻮﺓ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻷﻣﺔ ﻳﻘﺪﺭ‬
‫ﺑﻌﺪﺩ ﻣﺼﺎﻧﻌﻬﺎ ﻭﻣﺪﺍﻓﻌﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺃﺳﺎﻁﻴﻠﻬﺎ ﺍﻟﺒﺤﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺭﺻﻴﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻫﺐ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺳﺠﻞ ﻓﻲ‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﺗﻄﻮﺭﺍً ﻣﻌﻠﻮﻣﺎً‪ ،‬ﻫﻮ ﺃﻧﻪ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻗﻴﻤﺔ ﻗﻮﻣﻴﺔ ﻭﺩ ﻭﻟﻴﺔ‪ ،‬ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﻟﻢ‬
‫ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻪ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬ﻷﻥ ﻋﻘﺪﺓﺗﺨﻠﻔﻬﺎ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻗﺪ ﻧﺼﺒﺖ ﻓﻲ ﻁﺮﻳﻘﻬﺎ ﺿﺮﺑﺎ ً ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺴﻘﻴﻢ‬
‫ﺑﻤﻘﻴﺎﺱ ﺍﻟﻘﻮﺓ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﻳﻴﺲ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺷﻴﺎء‪ ،‬ﻓﺎﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺑﻠﺪ ﻣﺘﺨﻠﻒ ﻳﻼﺣﻆ ﺑﺪﻭﻥ‬
‫ﺭﻳﺐ ﺗﺨﻠﻔﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺑﻠﺪ ﻣﺘﻘﺪﻡ‪ ،‬ﻭﻩ ﻭ ﻳﻼﺣﻆ ﺷﻴﺌﺎ ً ﻓﺸﻴﺌﺎ ً ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ‬
‫ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺴﺎﻓﺎﺕ ﺫﺍﺕ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺃﺧﺮﻯ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺑﺴﺒﺐ‬
‫ﻋﻘﺪﺓﺗﺨﻠﻔﻪ ﻣﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻧﻘﺺ ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ ﻣﺪﺍﻓﻊ ﻭﻁﺎﺋﺮﺍﺕ ﻭﺑﻨﻮﻙ ‪ ،‬ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻳﻔﻘﺪ ﻣﺮﻛﺐ ﺍﻟﻨﻘﺺ ﻟﺪﻳﻪ‬
‫ﻓﺎﻋﻠﻴﺘﻪ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﺇﺫ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺸﺎﺅ ﻡ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ‬
‫ﺍﻁﻠﻘﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﻜﺪﻳﺲ‪ ،‬ﻓﻠﻜﻲ ﻳﺼﺒﺢ ﻣﺮﻛﺐ ﺍﻟﻨﻘﺺ ﻟﺪﻳﻪ ﻋﺎﻻً ﻣﺆﺛﺮﺍً ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﺮﺩﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺗﺨﻠﻔﻪ ﺇﻟﻰ‬

‫‪99‬‬
 ‫ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻻ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻷﺷﻴﺎء‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺳﻮﻑ ﻳﺪﺧﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻌﻼً ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ‬
‫ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻋﺼﻮﺭﻧﺎ ﻟﻠﻤﺴﺘﻘﺐﻝ ﻗﺪ ﺗﺴﻤﻰ ﻋﺼﻮﺭ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﻋﺼﻮﺭ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺳﻔﻚ ﺍﻟﺪﻣﺎء‪،‬‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﻮﺿﻲء ﻳﺤﻘﻖ ﻋﻠﻢ ﷲ ﻓﻴﻨﺎ )ﺇﻧﻲ ﺃﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﻻ ﺗﻌﻠﻤﻮﻥ( )‪.(۳۰ :۲‬‬
‫ﻟﻘﺪ ﺗﺴﺎءﻟﺖ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻋﻦ ﺳﺮ ﺧﻠﻖ ﻫﺬﻩ ﺍﺍﻹﻧﺴﺎﻥ )ﺃﺗﺠﻌﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﻔﺴﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻳﺴﻔﻚ ﺍﻟﺪﻣﺎء ﻭﻧﺤﻦ ﻧﺴﺒﺢ‬
‫ﺑﺤﻤﺪﻙ ﻭﻧﻘﺪﺱ ﻟﻚ( )‪ ،(۳۰ :۲‬ﻓﻜﺎﻥ ﺟﻮﺍﺏ ﺍﻟﺐﺍﺭﺉ ﺟﻞ ﻭﻋﻼ )ﺇﻧﻲ ﺃﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﻻ ﺗﻌﻠﻤﻮﻥ ( )‪ (۳۰ :۲‬ﺇﻧﻨﺎ‬
‫ﻣﺎ ﺯﻟﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﻅﻦ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﻧﺤﻘﻖ ﺑﻌﺪ ﻋﻠﻢ ﷲ ﻓﻴﻨﺎ"‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻔﻘﻪ‪ ،‬ﻭﻣﺸﺎﻛﻠﻪ ﻋﻤﻮﻣﺎ ً ﺑﺪﺃﺕ ﺗﺘﺠﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻧﺮﻯ‬
‫ﻣﻌﺎﻟﺠﺔﺗﻠﻮﺙ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺼﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻀﺨﻢ ﺍﻟﻨﻘﺪﻱ‪ ،‬ﺍﻟﺒﻄﺎﻟﺔ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺤﻞ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ‬
‫ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻟﻌﻬﺎﻟﻤﻴﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺃﺻﺒﺢ ﻛﺎﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ‪.‬‬
‫ﻭﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺠﻮﺍﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺃﺧﺬﺕ ﺍ ﻟﻴﻮﻡ ﺑﻌﺪﺍً ﺟﺪﻳﺪﺍً‪ ،‬ﻓﺎﺻﺒﺢ ﺍﻟﺠﻮﺍﺭ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪﺁﻻﻑ‬
‫ﺍﻟﻜﻴﻠﻮﻣﺘﺮﺍﺕ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺲﺍﻓﺎﺕ ﺿﺎﻗﺖ ‪ ،‬ﻭﺻﺪﻕ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ "ﻭﺗﻘﺎﺭﺏ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ"‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻳﺪ ﻓﺮﺽ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﺎﻟﻘﻮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻘﺪ ﺍﻧﺘﻬﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻗﺖ‪ ،‬ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺣﺪﺙ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺮﺽ ﻣﺸﺎﺑﻪ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﺣﺪﺙ ﻁﺮﺡ ﻟﻌﻤﻠﺔ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ ﻭﻟﻴﺲ ﻟﺴﻠﺔ ﻋﻤﻼﺕ ‪،‬ﺣﻴﺚ‬
‫ﺗﺮﺍﻛﻤﺖ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺪ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎً‪ ،‬ﻭﺗﺠﺘﺮ ﻧﻔﺲﻫﺎ‪ .‬ﺇﻥ ﺍﻟﻌﺒﺮﺓ ﻟﻤﻦ ﻳﻜﺘﺐ ﻟﻴﺲ ﺃﻥ ﻳﻔﺮﻕ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺄﻧﻪ‬
‫ﺃﻟﻒ ﻛﺘﺎﺑﺎ ً ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ )ﻛﺬﺍ( ﺻﻔﺤﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﺃﻧﻪ ﺃﻟﻒ )ﻛﺬﺍ ﻋﺪﺩﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ(‪ ،‬ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻜﻢ‪،‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺮﺽ ﺣﺘﻰ ﻓﻴﻤﻦ ﻳﻜﺘﺐ‪ ،‬ﻭﻻ ﻏﺮﺍﺑﺔ ﻓﻜﻞ ﻗﻄﺎﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻟﻪ ﺃﻣﺮﺍﺿﻪ ﻭﻋﻠﻠﻪ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻌﺒﺮﺓ ﻫﻲ ﺑﺎﻟﻤﺤﺘﻮﻯ ﺃﻱ ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﺔ ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺿﻴﻒ ﺇﻝ ﻳﻬﺎ ﺍﻟﻜﻤﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺒﺎﺭﻯ ‪ .‬ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻬﻢ ﻫﻮ ﺍﻹﺑﺪﺍﻉ‬
‫ﻭﺍﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﺣﻴﻦ ﻳﻜﺘﺐ ﺑﺤﺜﺎ ً ﻣﺎ‪.‬‬
‫ﺩﺍﺭﻭﻳﻦ ﺍﻟﻒ ﻛﺘﺎﺑﻴﻦ ﻓﻘﻂ ﻫﻤﺎ "ﺃﺻﻞ ﺍﻷﻧﻮﺍﻉ"‪ ،‬ﻭ "ﺃﺻﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ " ﻓﺄﺣﺪﺙ ﻫﺰﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻟﻢ‬
‫ﺗﻨﺘﻪ ﺑﻌﺪ‪.‬‬
‫ﺑﻞ ﻭﻗﺒﻞ ﺩﺍﺭﻭﻳﻦ ﻓﻐﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺫﻭ ﺍﻟﺤﺠﻢ ﺍﻟﻤﺘﻮﺳﻂ‪ ،‬ﺃﺣﺪﺙ ﻋﺎﺻﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻧﺤﻦ ﺃﺣﺪ‬
‫ﺁﺛﺎﺭﻫﺎ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﻳﺴﺘﺪﺭﻙ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻓﻴﻘﻮﻝ ‪ :‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﻤﺜﻠﻮﻩ ﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﺣﺪﺛﻮﺍ ﺍﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﺇﻧﻨﺎ‬
‫ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺠﺮﺩ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﻓﻨﻘﻮﻝ ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻴﻔﻬﻢ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ‪..‬‬
‫)ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﻬﺪﻱ ﻟﻠﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﻗﻮﻡ ﻭﻳﺒﺸﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ( )‪.(۹ :۱۷‬‬
‫ﻭﺗﺄﺛﻴﺮﻩ ﺧﺎﻟﺪ‪ ،‬ﻭﺃﺛﺮﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺍﺿﺢ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻋﺎﺷﺮﻩ ﻭﺁﺙﺭ ﺻﺤﺒﺘﻪ‪..‬‬
‫ﻭﺍﻟﺘﻔﺮﻳﻖ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻭﺍﺫﺣﺎ ً ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﻭﺍﻟﺒﺸﺮ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﻳﺒﻘﻰ ﺛﺎﺑﺘﺎ ً ﻭﺍﻟﺒﺸﺮ ﻳﺘﻐﻴﺮﻭﻥ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ‬
‫ﺍﻟﻤﻜﺘﺒﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺻﺤﻴﺢ ﺃﻧﻬﺎ ﻏﻄﺖ ﻁﺮﻓﺎ ً ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪،‬ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻧﺎﻗﺼﺔ ﻭﻓﻘﻴﺮﺓ‬
‫ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ‪.‬‬
‫ﻣﻴﻦ ﻭﻋﺼﻔﺖ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ‬ ‫ﻭﻣﺜﻼً ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﺠﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼ‬
‫ﻭﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻭﺍﻹﺷﺘﺮﺍﻣﻜﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻷﺳﻤﺎء ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻠﻰ ﻁﺮﻳﻘﺔ )ﻗﻠﻲ ﺳﻴﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ‬
‫ﻓﺎﻧﻈﺮﻭﺍ ﻛﻴﻒ ﺑﺪﺃ ﺍﻟﺨﻠﻖ( )‪.(۲۰ :۲۹‬‬
‫ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻳﺠﺐ ﺗﺘﺒﻊ ﺧﻠﻘﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺑﺪﺍءﺍﺗﻬﺎ ﺍﻷﻭﻟﻴﺔ ﻭﻣﺆﺳﺴﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺗﻄﻮﺭﻫﺎ‪ ،‬ﻭﺁﺛﺎﺭﻫﺎ‪ ،‬ﻭﻭﺟﻪ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻴﻬﺎ‪،‬‬
‫ﻭﻣﺤﻮﺭﻫﺎ ﺍﻷﺳﺎﺱﻱ ﻭﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ ﺻﺎﺭﺕ؟‪..‬‬
‫ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﺴﻢ ﻛﻤﺎ ﻋﺮﺿﻨﺎ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﻋﺮﺽ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﻛﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ ﻫﻮ‪ ،‬ﻻ ﻛﻤﺎ‬
‫ﻧﺮﻳﺪﻫﺎ ﻧﺤﻦ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺣﻴﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺮﺽ ﺣﺠﺔ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻭﻫﻮ ﻳﻌﺘﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻌﺚ ﻭﺍﻟﻨﺸﻮﺭ‬
‫ﻓﻌﺮﺽ ﻓﻜﺮﺗﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻘﻮﺻﺔ‪.‬‬
‫)ﻭﺿﺮﺏ ﻟﻨﺎ ﻣﺜﻼً ﻭﻧﺴﻲ ﺧﻠﻘﻪ ﻗﺎﻝ ﻣﻦ ﻳﺤﻲ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﻭﻫﻲ ﺭﻣﻴﻢ( )‪.(۸۷ :۳٦‬‬
‫ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺃﻥ ﺗﻀﻌﻒ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺨﺼﻢ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻨﻘﺾ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﺘﻬﺪﻡ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﺮﺽ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺎ ً‬
‫ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻋﺮﺽ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﻋﺼﺮﻩ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺗﻬﺎﻓﺖ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﺃﺻﺒﺢ ﻛﺘﺎﺑﻪ‬

‫‪100‬‬
 ‫ﻣﺮﺟﻌﺎ ً ﻟﻤﻦ ﻳﺮﻳﺪﺃﻥ ﻳﺘﻌﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻩ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻕﺍﻝ‪ :‬ﺇﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺮﺩ ﻋﻠٮﻤﺬﻫﺐ ﻣﺎ‬
‫ﺍﻟﻐﻮﺹ ﻓﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﻤﻘﻪ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺎﻭﻱ ﺃﻋﻠﻤﻬﻢ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﺩﺭﺟﺔ ﻓﻴﻈﻬﺮ ﺑﺎﻁﻠﻬﻢ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻸﺳﻒ ﻓﺈﻥ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺸﺘﺎﺋﻢ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﻻ ﻳﺤﻞ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﺃﺛﻨﺎء ﺍﺳﺘﻌﺮﺍﺽ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺧﺼﻮﻡ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ‪ ،‬ﻭﻣﺎﺫﺍ ﻧﻘﻮﻝ ﻟﻮ ﻗﺎﻡ ﺭﺟﻞ ﻓﻜﺘﺐ ﻛﺘﺎﺑﺎ ً ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺘﺜﻘﻒ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻲ ﺇﻥ ﺃﺭﺍﺩ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻳﺪ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ!!‪..‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺎﺕ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻣﺎ ﺃﺗﺴﻤﺖ ﺗﻤﺎﻣﺎ ً ﺑﺮﻭﺡ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻷﺩﻣﻐﺔ‬
‫ﺍﻟﻨﺎﺿﺠﺔ ﻓﻲ ﻣﺤﻴﻄﻨﺎ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻗﻠﻴﻠﺔ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻮﺍﺩﺭ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺍ ﻟﻤﺜﻘﻒ ﻫﻲ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﻁﺎﻏﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻧﻪ ﻟﺘﺜﻘﻴﻒ ﺷﺒﺎﺑﻨﺎ ﻭﺗﻠﻘﻴﺤﻬﻢ ﺑﻔﻜﺮ ﺇﺳﻼﻣﻲ ﺣﻲ ﻣﻌﺎﺻﺮ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻨﺸﺄ "ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ﻣﺼﺪﺭﻳﺔ "‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﻛﺘﺐ‬
‫ﺩﺳﻤﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﻛﺘﺎﺏ ﺃﻭ ﺍﺛﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﻳﻐﻄﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﺎﺓ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻛﺘﺎﺑﺎ ً‬
‫ﻋﻤﻴﻘﺎ ً ﺗﻔﺮﻍ ﻟﻪ ﺩﻣﺎﻍ ﻧﺎﺿﺞ ﺗﺎﺑﻊ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺧﻼﻝ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻣﺜﻼً ﺣﺘﻰ ﺃﻭﺻﻞ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺇﻟﻰ ﺩ ﺭﺟﺔ ﺍﻟﺘﻤﻜﻦ‬
‫ﻭﺍﻟﻬﻀﻢ‪ ،‬ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﺮﺽ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻳﺸﻌﺮ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﺃﻧﻪ ﺃﺩﺭﻙ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ‪ ،‬ﻭﻟﺬﺍ ﻗﻴﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﺨﺒﻴﺮ ‪ :‬ﺇﻧﻪ‬
‫ﺇﺫﺍ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎ ً ﺗﺸﻌﺮ ﺃﻧﻚ ﺗﻌﺮﻓﻪ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺗﻨﺎﻭﻟﻪ ﺷﻌﺮﺕ ﺍﻧﻚ ﻻ ﺗﻌﺮﻓﻪ‪.‬‬
‫)ﻓﺴﺌﻞ ﺑﻪ ﺧﺒﻴﺮﺍ( )‪) (٥۹ :۲٥‬ﻭﻻ ﻳﻨﺒﺌﻚ ﻣﺜﻞ ﺧﺒﻴﺮ( )‪.(۱٤ :۳٥‬‬
‫ﻭﻟﺬﺍ ﻻ ﻳﻔﺮﺡ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻮﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻛﻮﺍ ﺃﻥ ﺍﻷﺑﺤﺎﺙ ﺍﻟﺪﺳﻤﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ‬
‫ﻭﻗﻠﻴﻠﺔ ﺟﺪﺃ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻐﻦ ﺗﺄﻟﻴﻔﺎﺕ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ‪ ،‬ﻭﻟﻨﻔﺮﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻹﺷﺘﺮﺍﻛﻲ ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﻮﺟﻮﺩﻱ‪ ،‬ﺑﺤﻴﺚ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﻳﺠﺪ ﻣﺼﺎﺩﺭﻩ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺮﺍﺟﻌﺎﺗﻬﺎ ﺗﻔﻲ ﺑﺎﻟﻐﺮﺽ‪ ،‬ﻭﺟﻞ ﻣﺎ ﻛﺘﺐ‬
‫ﺣﺘﻰ ﺍﻷﻥ ﻣﺎ ﺍﺗﺲﻡ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﺡ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺇﻣﺎ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺗﻌﻠﻴﻘﺎﺕ ﻗﺼﻴﺮ‪ ،‬ﺃﻭ ﺷﺘﺎﺋﻢ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﺳﺘﺨﻔﺎﻑ‪ ،‬ﺃﻭ ﺑﺤﺚ‬
‫ﻏﻴﺮ ﻛﺎﻓﻲ ﻭﻻ ﻳﻐﻄﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬ﻭﻋﻠﻰ ﻓﺮﺽ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﻓﻬﻲ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻧﺎﺩﺭﺓ‪.‬‬
‫ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﻋﻠﻢ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﺳﻴﺎﺳﺔ‬
‫)ﺑﻮﻟﻴﺘﻴﻜﺎ(‪ ،‬ﻓﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻋﻠﻢ ﻟﻪ ﻗﻮﺍﻧﻴﻨﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻔﻬﻢ ﻭﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ ﻳﺘﻢ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﺤﺪﺙ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻬﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮﺷﺮﻉ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎء ﻷﻭﻝ ﻣﺮﺓ ﻑ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪.‬‬
‫ﻭﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻪ ﺳﺒﺎﻗﺎ ً ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻀﻤﺎﺭ‪ ،‬ﻭﻋﻠﻤﺎء ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻗﺪﻳﻤﺎ ً ﺍﺷﺘﻐﻠﻮﺍ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻫﺬﻩ ﺭﻭﺣﻪ ﻭﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﻁﺒﻴﻌﺘﻪ‪.‬‬
‫ﻭﺣﺘﻰ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻨﻔﺲ ‪ ،‬ﺍﻹﻗﺘﺼﺎﺩ‪ ،‬ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ‪ ،‬ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺣﻴﻦ ﻳﺒﺤﺜﻪ ﻓﺮﻭﻳﺪ ﺇ‪،‬ﻩ‬
‫ﻳﻬﻮﺩﻱ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﻔﺴﺪ ﺍﺧﻼﻕ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺘﺸﻮﻳﻪ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻭﻻ ﺑﺪ ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ‬
‫ﻳﻔﻬﻢ ﺃﻥ ﻫﺤﺘﻰ ﺍﻟﺘﺨﺮﻳﺐ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﻋﻠﻤﻴﺔ‪ ،‬ﺇﻥ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﺳﺘﺨﺪﻣﻮﺍ ﻫﺬﺍ ﺍﻋﻠﻢ ـ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻨﻔﺲ ـ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻭﻋﻠﻴﻨﺎ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﻛﺴﺔ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻣﻪ ﺑﺸﻜﻞ ﺻﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻭﻻ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻐﻨﻲ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻋﻠﻢ ﺍﻟﻤﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺳﺘﻌﺮﺍﺽ ﺍﻟﺒﺴﻴﻂ‪ ،‬ﺃﺷﻌﺮ ﺃﻧﻨﺎ ﻟﺴﻨﺎ ﻣﺘﺨﻤﻮﻥ ﻓﻜﺮﻳﺎ ً ﺑﻞ ﻓﻘﺮﺍء ﻓﻜﺮﻳﺎً‪ ،‬ﺻﺤﻴﺢ ﺃﻥ‬
‫ﻋﻠﻤﻪ‪،‬‬ ‫ﺗﺤﺮﻳﻚ ﺍﻟﻨﻔﺲ‪ ،‬ﻭﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺷﺤﻨﺔ ﺃﺧﻼﻗﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻋﺰﻣﺔ ﺭﺟﺎﻝ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻟﻪ‬
‫ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﻐﻴﺮ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ‪ ،‬ﺃﻭ ﻳﺤﺪﺙ ﺃﺛﺮﺍً ﻓﻴﻬﺎ ﻫﻢ ﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎء‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻟﺜﻮﺭﻳﻮﻥ ﺍﻟﻤﺴﺒﻘﻮﻥ ﺑﻨﻈﺮﻳﺔ ﺃﻭﻟﺌﻚ‬
‫ﺍﻟﻌﻠﻤﺎء‪.‬‬

‫ﺍﻟﺸﺨﺼﺎﻧﻴﺔ‬
‫ﻭﻣﻦ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍﻧﻌﻜﺎﺳﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﺸﺨﺼﺎﻧﻴﺔ ﺳﻮﺍء ﻣﻊ ﺃﻭ ﺿﺪ‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﺎﺯﺍﻝ‬
‫ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺰﻋﻴﻢ ﺍﻟﻤﻠﻬﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻊ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﻳﺴﻴﻄﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻚ ﻳﺮﻧﺎ ﻓﻨﺤﻦ ﺇﺫﻥ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻣﺘﺤﺎﺭﺟﺘﻴﻦ‬
‫ﺧﻼﺻﺘﻪ ‪ :‬ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻻ ﺅﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻨﺎ‪ ،‬ﻓﻨﺤﻦ ﺇﺫﻥ ﻓﻲ ﺇﺟﺎﺯﺓ‬
‫ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ‪.‬‬

‫‪101‬‬
 ‫ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﻗﺎﺋﺪ ﻓﺬ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﻔﻜﺮ ﻣﺒﺪﻉ‪ ،‬ﻓﻼ ﻧﺮﻯ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ )ﻭﻻﺩﺗﻪ( ﺃﻣﺮﺍً ﺧﺎﺿﻌﺎ ً ﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﻮﺍﺳﻄﺘﻬﺎ‬
‫ﺗﻜﺮﺍﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ‪ ،‬ﺃﻭ ﺗﺼﺤﻴﺢ‪ ،‬ﺃﻭ ﺗﻨﻤﻴﺔ ﻡ ﺍ ﻋﻨﺪﻩ ‪ ...‬ﻭﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﻣﺆﺷﺮ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﻡ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‪،‬‬
‫ﺑﻞ ﺍﻧﺘﻈﺎﺭ ﻋﺎﻣﻞ ﺧﺎﺭﺟﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻮﻗﻊ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﺮﺽ ﺍﻟﻼﻓﻌﺎﻟﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻏﺘﻴﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻋﻴﻢ‪ ،‬ﺃﻭ ﺃﻋﺪﻡ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﺎﺕ ﻟﻢ ﻧﻌﺮﻑ ﻛﻴﻒ ﺟﺎء‪ ،‬ﻭﻻ ﻛﻴﻒ ﺫﻫﺐ‪ ،‬ﻭﻻ ﻛﻴﻒ ﺗﻌﻮﻳﻀﻪ‪،‬‬
‫ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﻧﻔﻌﻠﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻛﺮﻯ ﺍﻟﺤﺰﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻹﻋﺠﺎﺏ ﺍﻟﺜﺮ‪ ،‬ﻭﺇﺟﺘﺮﺍﺭ ﺫﻛﺮﻳﺎﺗﻪ !!‪..‬ﺇﻥ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﺸﺨﺺ‬
‫ﺑﻤﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺫﺍﺕ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ‪ ،‬ﻭﺇﺭﺗﺒﺎﻁ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻟﻴﺘﻦ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻟﻌﺒﺔ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ‬
‫ﻳﺪﺭﻛﻮﻥ ﺟﻴﺪﺍً ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺇﺯﺍﺣﺔ ﻓﻜﺮﺓ ﺃﻭ ﺗﻘﺪﻳﻤﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺫﻟﻚ ﻭﻓﻖ ﻋﻼﻗﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪..‬‬
‫ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻐﻢ‬ ‫ﻭﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻟﺘﻴﻦ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺘﻴﺴﺮﺓ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪،‬‬
‫ﺍﻟﺮﻭﺣﻲ ﺣﻴﺚ ﺗﻈﻬﺮ ﻋﻼﻗﺔ )ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻭﺍﻟﻤﺮﻳﺪ(‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﻔﺮﺍﻍ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﻐﻴﺎﺏ ﺍﻟﺰﻋﻴﻢ‪ ،‬ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺮﺍﻍ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﺒﺪﺍﺩ )ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ‬
‫ﺍﻟﺸﺨﺺ(‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ )ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﻓﻜﺮﺓ(‪.‬‬
‫ﻭﻗﺪ ﻳﻘﻮﻝ ﻗﺎﺋﻞ ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺩﻭﻣﺎ ً ﻫﻮ ﻁﺒﻴﻌﺔ )ﻋﻼﻗﺔ ﻋﺾﻭﻳﺔ( ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮﺓ‪،‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺳﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺁﺧﺮ ﺣﻴﻦ ﻓﺼﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮﺓ‪:‬‬
‫( )‪(۱٤٤ :۳‬‬ ‫)ﻭﻣﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺇﻻ ﺭﺳﻮﻝ ﻗﺪ ﺧﻠﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﺃﻓﺄﻳﻦ ﻣﺎﺕ ﺃﻭ ﻗﺘﻞ ﺍﻧﻘﻠﺒﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﻘﺎﺑﻜﻢ‬
‫ﻭﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻟﻠﺸﺨﺼﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺿﺪﻫﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻳﺴﺘﻮﻟﻲ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺃﻥ ﻳﻨﺴﻰ ﺍﻟﻤﺮء ﻫﺪﻓﻪ‬
‫ﺍﻷﺻﻠﻲ ﻓﻲ ﺯﺣﻤﺔ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ‪ ،‬ﻭﻟﻜﺄﻧﻨﺎ ﻧﺘﺬﻛﺮ ﻟﻌﺒﺔ ﺍﻟﺜﻮﺭ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺭﻉ ﺣﻴﺚ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﻛﻞ ﺍﻫﺘﻤﺎ ﻡ ﺍﻟﺜﻮﺭ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺈﻟﻰ ﺍﻟﻄﻌﻦ ﻓﻲ )ﺍﻟﺨﺮﻗﺔ ﺍﻟﺤﻤﺮﺍء ( ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﻮﺡ ﻟﻪ‪ ،‬ﻓﻴﻨﺴﻰ ﺍﻟﻤﺤﺮﻙ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﻭﻋﻠﺔ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ‪،‬‬
‫ﻭﻳﺴﺘﻨﻔﺬ ﻁﺎﻗﺘﻪ ﻓﻲ ﺻﺮﺍﻉ ﻓﺎﺷﻞ ﺿﺪ ﻭﻫﻢ ﻣﺘﺤﺮﻙ ‪ .‬ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺳﻮﺍء ﺍﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑـ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻌﻠﻖ ﺿﺪ‬
‫)ﺍﻟﺸﺨﺺ(‪ ،‬ﻫﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺗﺴﻢ ﺍﻷﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﻀﺞ ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻳﻤﺮ ﺃﺛﻨﺎء ﺗﻄﻮﺭﻩ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ﻓﻲ ﺛﻼﺙ‬
‫ﻣﺮﺍﺣﻞ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﺷﻴﺎء‪ ،‬ﺛﻢ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ‪ ،‬ﺛﻢ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ‪ ،‬ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻷﻣﺔ ﻓﺈﻥ ﻫﺬﺍ )ﺍﻟﻤﺸﻌﺮ ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﻜﺎﺷﻒ( ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻨﻀﺞ‪ ،‬ﻓﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﻫﻲ ﺳﻤﺔ ﺍﻷﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺑﻊﺩ‪.‬‬
‫ﻧﺮﻯ ﻣﺜﻼً ﻭﺍﺿﺤﺎ ً ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﻋﻨﺪ ﻣﻮﺕ ﺍﻟﺰﻋﻴﻢ ﺣﻴﺚ ﺗﻨﻬﺎﺭ ﺍﻷﻋﺼﺎﺏ‪ ،‬ﻭﺗﺬﻭﻑ ﺍﻟﺪﻣﻮﻉ ﺍﻟﺴﺨﻴﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻗﺪﻱ‬
‫ﻳﺼﻔﻞ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻹﻧﺘﺤﺎﺭ !! )ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ( ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﻧﻔﺲ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺑﻼﺩ ﺃﺧﺮﻯ ﺗﻤﺮ ﻣﺮﻭﺭﺍً ﻋﺎﺑﺮﺍً‪ ،‬ﻭﻣﻊ ﺍﻹﺣﺘﺮﺍﻡ ﺍﻟﻼﺋﻖ ﺑﻬﺎ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﺕ ﺩﻳﻐﻮﻝ ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ‪،‬‬
‫ﻭﻫﻮﺷﻲ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻨﺪ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﻣﺆﺧﺮﺍً ﻣﻮﺕ ﻣﺎﻭﺗﺴﻲ ﺗﻮﻧﻎ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻴﻦ‪ ،‬ﺃﻭ ﺑﺮﻳﺠﻴﻨﻴﻒ ﻓﻲ‬
‫ﻣﻮﺳﻜﻮ‪.‬‬
‫ﻭﻗﺒﻞ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻣﻮﺕ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻳﺄﺗﻲ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺭﺿﻲ ﷲ ﻋﻨﻪ ﻟﻴﻀﺒﻂ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ‬
‫ﻭﻳﻄﺒﻊ ﻗﺒﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻴﻦ ﺍﻟﻤﺼﻄﻔﻰ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻳﺘﻠﻮ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻭﻳﺒﻨﻲ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺪﻓﻦ‬
‫ﺍﻟﺠﺜﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻣﻊ ﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ‪ ،‬ﻭﻻﺩﻭﺍﻣﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺣﺪﻳﺜﻬﺎ ﻁﻮﻳﻞ ﺣﺰﻳﻦ ‪ ..‬ﻭﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺿﺪ ﺷﺨﺼﺎﻧﻴﺔ‬
‫ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﺬﻳﺖ ﺗﻄﻮﺭ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻣﻦ ﺍﻷﻳﺎﻡ‪ ،‬ﻭﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻛﺎﻥ ﻣﺰﻟﻘﺎ ً ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺧﻄﺮ‬
‫ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻳﻜﻤﻦ ﻓﻲ )ﻣﻌﺎﺩﻟﺘﻪ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ (‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻲ )ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ (‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻫﻲ ﺑﻔﻠﺴﻔﺔ‬
‫ﻳﺘﺒﻨﺎﻫﺎ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﻳﻘﻮﺩﻫﺎ‪ ،‬ﺃﻭ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻳﺴﻨﺪﻫﺎ ﻓﻬﻲ ﺇﺫﻥ ﻣﻦ ﻣﺼﺪﺭﻳﻦ ﺇﻣﺎ ﻣﻦ ﻭﺣﻴﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﻦ‬
‫ﺣﺎﺷﻴﺔ ﺃﻭ ﺣﺰﺏ ﻳﺰﻳﻦ ﻟﻪ ﺫﻟﻚ ‪ .‬ﻭﻋﺪﻡ ﺥ ﻁﻮﺭﺓ )ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ( ﻫﻲ ﺃﻧﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﺣﺎﻭﻝ ﺍﻟﺘﺄﻟﻪ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻷﺭﺽ ﻓﻨﻬﺎﻳﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺗﺮﺍﺏ ‪) .‬ﻣﻨﻬﺎ ﺧﻠﻘﻨﺎﻛﻢ ﻭﻓﻴﻬﺎ ﻧﻌﻴﺪﻙ ﻡ ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻧﺨﺮﺟﻜﻢ ﺗﺎﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ ( )‪.(٥٥ :۲۰‬‬
‫ﻭﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻫﻮ ﻧﺒﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺮﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﻓﺪﻩ ﻭﺗﻤﺪﻩ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﺒﻘﺎء ﻭﺍﻹﺳﺘﻤﺮﺍﺭ‪ ،‬ﻭﺃﻏﺘﻴﺎﻝ ﺣﺎﻛﻢ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﻀﻮء ﻻ ﻳﻌﺎﺩﻝ ﻗﻂ ﺇﻏﺘﻴﺎﻝ ﺣﺮﻛﺔ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ‪.‬‬
‫ﻭﺃﻥ ﺗﺘﻮﺭﻁ‪ ،‬ﺃﻭ ﺗﻮﺭﻁ ﺣﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻏﺘﻴﺎﻝ ﻫﻴﻜﻞ ﻛﺮﺗﻮﻧﻲ ﻟﺘﺪﻓﻊ ﺛﻤﻨﻪ ﺳﺤﻖ ﺣﺮﻛﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﻮﺟﺔ ﺍﺭﺗﺪﺍﺩﻱ ﺓ‬
‫ﻟﻨﺸﺎﻁ ﺟﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻘﺘﻼً ﻣﻦ ﻣﻘﺎﺗﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻭﺗﻢ ﻫﺬﺍ‪.‬‬
‫ﻭﻗﺪ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻮﻥ ﺇﻥ ﺃﻋﺪﺍءﻧﺎ ﻳﺘﻬﻤﻮﻧﻨﺎ‪ ،‬ﻭﻧﺤﻦ ﺑﺮﺁء ﻭﻫﻲ ﺗﻬﻤﺔ‪.‬‬

‫‪102‬‬
 ‫ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﺇﻥ ﺍﻟﺠﻮ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺻﺮﺍﻉ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻈﻬﺮ ﺳﻤﺎﺅﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻴﻮﻡ ﻭﺍﻟﻀﺒﺎﺏ !! ﻭﺃﺭﺍﺿﻪ ﻣﻦ ﺟﻠﻴﺪ‬
‫ﺍﻟﺘﺰﺣﻠﻖ‪ ،‬ﻭﺃﻟﻐﺎﻡ ﺍﻹﻧﻔﺠﺎﺭ!!‬
‫ﻭﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺗﻨﻈﻴﻒ "ﺱﺍﺣﺔ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ "‪ ،‬ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻤﻨﺎﺥ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺨﻠﻖ ﻣﺮﺁﺓ ﻋﺎﻛﺴﺔ ﻟﻬﺬﻩ‬
‫ﺍﻟﺘﻬﻤﺔ‪.‬‬
‫ﻭﺟﺮﺕ ﺳﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ ﺃﻥ ﺍﻷﻭﺳﺎﻁ ﺍﻟﻤﻠﻮﺛﺔ ﻳﺴﻬﻞ ﺍﺳﺘﻨﺒﺎﺕ ﺍﻟﺠﺮﺍﺛﻴﻢ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﺍﻷﻭﺳﺎﻁ ﺍﻟﻌﻘﻴﻤﺔ‬
‫ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﺓ ﺗﻤﻮﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺠﺮﺍﺛﻴﻢ‪ ،‬ﻭﻟﻮ ﻭﺟﺪﺕ‪ ،‬ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺠﺪ ﻣﺸﺠﻌﺎﺕ ﺍﻟﺒﻘﺎء ﻭﺍﻹﺳﺘﻤﺮﺍﺭ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻨﺎ ﻓﻜﺮﺓ ﻣﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭﻏﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﻜﺎﻡ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺗﺒﺚ ﻓﻲ ﺳﺠﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻋﻮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪﺃ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮﻳﺔ ﺗﻨﻤﻮ ﺣﺘﻰ ﺗﻜﺘﺴﺢ ﺍﻟﺤﻜﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ‪ ،‬ﻭﻳﻀﻄﺮ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺿﻮﺥ‬
‫ﻟﻬﺎ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻬﺎ ﻭﺗﺒﻨﻴﻬﺎ )ﻭﻟﻮ ﻧﻘﺎﻗﺎ ً(‪..‬‬
‫ﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺍﻧﺘﺸﺮ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻘﺎﻉ ﺩﺓ ﺍﻟﺼﻠﺒﺔ ﺍﻟﻮﺍﻋﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠٮﺘﺄﺳﻴﺲ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﻭﻗﺴﻄﻨﻄﻴﻦ ﻓﻲ ﺭﻭﻣﺎ‪ ،‬ﺍﻟﺒﻮﺫﻳﺔ ﻭﻣﻠﻮﻙ ﺍﻟﺼﻴﻦ‪ ،‬ﻭﻋﻜﺲ ﻫﺬﺍ‬
‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺮﺏ ﺍﻟﺤﻜﺎﻡ ﺣﻈﻬﻢ ﻓﻲ ﻓﺮﺽ ﺍﻟﻌﻘﻴﺔﻓﻔﺸﻠﻮﺍ ﻭﻻ ﻏﺮﺍﺑﺔ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﺗﻨﺘﺸﺮ ﺑﺎﻹﻗﻨﺎﻉ ﻭﻟﻴﺲ‬
‫ﺑﺎﻹﻛﺮﺍﻩ‪ ،‬ﻭﻻ ﻏﺮﺍﺑﺔ ﻓﻌﺎﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﺍﻟﺘﺰﺍﻡ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺑﻔﻜﺮﺓ‪ ،‬ﻭﻻ ﺍﻟﺘﺰﺍﻡ ﺑﺪﻭﻥ ﻓﻬﻢ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻔﻬﻢ ﺃﻭ ﺷﺮﻭﻁ‬
‫ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺍﻟﺮﺿﺎ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻹﻛﺮﺍﻩ‪ .‬ﻭﺟﺮﺏ ﺍﺧﻨﺎﺗﻮﻥ ﻗﺪﻳﻤﺎ ً ﺣﻈﻪ ﺑﻔﺮﺽ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﻏﻴﺮ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭ ﻓﻔﺸﻞ‬
‫ﻭﺗﺠﺮﺑﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺷﺎﻫﺪﺓ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺘﻠﺮ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ "ﻛﻔﺎﺣﻲ" ﺃﺷﺎﺭ ﺃﻳﻀﺎ ً ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻻ ﺗﻜﻔﻲ ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻓﻜﺮﺓ ﻣﺘﺄﺻﻠﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻻ ﺑﺪ‬
‫ﻣﻦ ﻣﻮﺍﺟﻬﺘﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﺭﺋﻴﺴﻲ ﺑﻔﻜﺮﺓ ﻣﻀﺎﺩﺓ‪.‬‬
‫ﺍء ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ "ﻛﻔﺎﺣﻲ " ﺹ‪ ۲۷ :‬ﻣﺎ ﻳﻠﻲ ‪":‬ﻫﻞ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ؟ ﻭﺭﺟﻌﺖ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﺳﺘﻘﺮﺃﻩ ﻭﺧﺮﺟﺖ ﺑﺎﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ‪:‬‬
‫ﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻭﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﻤﺮﺗﻜﺰﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ‪ ،‬ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺗﺒﻐﻞ ﻡ ﺭﺣﻠﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ‪ ،‬ﺃﻣﺘﻦ ﻭﺃﻗﻮﻯ ﻣﻦ ﺃﻥ‬
‫ﻳﻘﻀﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ‪ .‬ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﺃﺑﻴﺪ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻧﺼﺎﺭﻫﺎ ﻭﻣﺆﻳﺪﻳﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻁﺎﺣﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﺪﻭﻟﺔ‪ ،‬ﻷﻥ ﻣﺬﺑﺤﺔ ﻛﻬﺬﻩ ﺳﺘﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﻁﻨﻴﻦ ﻣﻊ ﻏﻴﺮﻫﻢ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻛﻞ‬
‫ﺣﺮﻛﺔ ﺇﺿﻄﻬﺎﺩ ﻻ ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﻓﻜﺮﻱ ﺗﻈﻬﺮ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﻭ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺣﺮﻛﺔ ﻅﺎﻟﻤﺔ‪ ،‬ﻭﺗﺪﻓﻌﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻄﻒ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻀﻄﻬﺪﻳﻦ‪ ،‬ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳﺰﺩﺍﺩ ﻗﻮﺓ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭ ﺗﺒﻌﺎ ً ﻻﺗﺴﺎﻉ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻹﺿﻄﻬﺎﺩ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺸﺒﻪ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﻤﺤﺼﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻗﻬﺎ ﺍﻟﻀﻴﻖ‪ ،‬ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﺮ ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﻁﻔﻼً‪ ،‬ﻓﻬﻮ‬
‫ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻸﻣﺮﺍﺽ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻄﻔﻮﻟﺔ‪ ،‬ﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﺗﻜﺴﺒﻪ ﻣﻨﺎﻋﺔ ﻛﺎ ﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻳﺴﻠﻪ‬
‫ﺍﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻨﻤﻮ ﻭﺗﻨﺘﺸﺮ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺟﺎء ﺍﻟﺘﺪﺑﻴﺮ ﺑﻌﺪ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭﻫﺎ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺨﻴﺒﺔ ﻟﻶﻣﺎﻝ‬
‫ﻟﻸﺳﺒﺎﺏ ﺍﻵﺗﻴﺔ‪:‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺸﺮﻁ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﻨﺠﺎﺡ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻟﻤﻜﺎﻓﺤﺔ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﻣﺎ‪ ،‬ﻫﻮ ﺍﻹﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﺭﺑﺘﻬﺎ ﺑﺪﻭﻥ ﻫﻮﺍﺩﺓ‪ ،‬ﺃﻣﺎ‬
‫ﺇ ﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻗﻠﻴﻼً ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﻘﻴﺪﺓﻻ ﺗﻠﺒﺚ ﺃﻥ ﺗﺴﺘﺠﻤﻊ ﻗﻮﺍﻫﺎ‪ ،‬ﻭﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻧﺸﺎﻛﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻟﻜﻦ‬
‫ﺍﻹﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﺎﻓﺤﺔ ﻳﺐ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﺃﺧﺮﻯ‪ ،‬ﻭﺇﻻ ﻛﺎﻥ ﺍﻹﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺑﺎﻟﻘﻤﻊ ﻳﺒﺪﻭ ﻣﺘﺮﺩﺩﺍً‬
‫ﻻﻓﺘﻘﺎﺭﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﻛﺎﺋﺰ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺪﻋﻤﻪ‪ ..‬ﻟﻬﺬﺍ ﻧﺠﺪ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﻻﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺬﻟﺖ ﻟﻘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺎﺭ ﻛﺴﻴﺔ ﻗﺪ ﺑﺎءﺕ‬
‫ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻣﺎ ﺍﺗﺨﺬﻩ ﺑﺴﻤﺎﺭﻙ ﻣﻦ ﺗﺪﺍﺑﻴﺮ ﺿﺪ ﺍﻹﺷﺘﺮﺍﻛﻴﻴﻦ ﻟﻢ ﻳﺆﺩ ﺇﻟﻰ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﺮﺿﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻌﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﻓﻜﺮﺓ ﺃﻭ‬
‫ﻋﻘﻴﺪﺓ ﻣﻀﺎﺩﺓ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﺍﺿﻄﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻥ ﺟﺢ ﺍﻹﺷﺘﺮﺍﻛﻴﻮﻥ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ ﺍﺿﻄﺮ‬
‫ﺑﺴﻤﺎﺭﻙ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻁﻴﺔ ﺍﻟﺒﺮﺟﻮﺍﺯﻳﺔ‪ ،‬ﺃﻱ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﺑﺎﻹﺷﺘﺮﺍﻛﻴﻴﻦ ﺍﻟﻤﻌﺘﺪﻟﻴﻦ ﻟﻤﻜﺎﻓﺤﺔ‬
‫ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﻴﺴﻴﻴﻦ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﺑﻌﻤﻠﻪ ﻫﺬﺍ ﻛﺎﻟﺬﻱ ﻳﻮﺻﻲ ﺍﻟﻘﻂ ﺑﻘﻄﻌﺔ ﺍﻟﺠﺒﻨﺔ‪ "..‬ﺇﻫـ‪.‬‬

‫‪103‬‬
 ‫ـ ﺍﻹﻋﺘﻤﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻮﻝ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺜﻘﻴﻒ‬
‫ﻧﺸﻴﺮ ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺇﻟﻰ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺸﺨﺺ‪ ،‬ﻭﺩﻭﺭ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺇ ﻟﻰ ﺧﻄﻮﺭﺓ ﺃﻥ ﺗﻘﻊ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻌﺮﻳﻀﺔ ﻟﻠﺸﺒﺎﺏ‬
‫ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻓﻜﺮ ﺷﺨﺺ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻣﻪ ﻣﺎ ﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻟﻌﺪﺓ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﺍﺕ‪ ،‬ﻣﻨﻬﺎ ‪ :‬ﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻣﻬﻤﺎ ﺍﺭﺗﻔﻊ‬
‫ﻣﻌﺮﺿﺎ ً ﻟﻠﺨﻄﺄ‪ ،‬ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺍﻷﻛﺪﺍﺱ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﻭﻧﺸﻮء‬
‫ﺍﻟﺘﺨﺼﺼﺎﺕ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻣﺎ ﻳﻜﺘﺐ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻫﻮ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺗﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﻮﺳﻂ‪ ،‬ﻭﺩﻓﻌﻪ ﻟﻠﺘﻔﺎﻋﻞ‪ ،‬ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺟﺔ ﺗﺒﻘﻰ‬
‫ﻓﻲ ﺣﺪ ﺫﺍﺗﻪ ﺍ ﻣﻮﺟﺔﻭﻗﺘﻴﺔ ﻻ ﺃﻛﺜﺮ‪ ،‬ﻗﺪ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺄﺧﺬ ﻁﺎﺑﻊ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﻤﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ‬
‫ﻟﻤﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺗﺒﻘﻰ ﺗﺠﻠﻴﺔ ﻭﻗﺘﻴﺔ ﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻣﺤﺪﺩﺓ ﻣﻌﺎﺻﺮﺓ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺒﻘﻰ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻣﺘﺠﺪﺩﺓ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﻳﺼﺒﺢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺟﻮ ﺣﺮﻛﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻻ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺺ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﺑﻞ ﻫﻮ ﺟﻮ ﻭﺭﺷﺔ‬
‫ﻋﻤﻞ ﻭﺣﺮﻛﺔ ﻧﺎﻣﻴﺔ ﻣﺘﺠﺪﺩﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺸﺨﺺ ﻳﻠﻌﺐ ﺩﻭﺭﺍً ﻓﻲ ﺭﻓﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻮ‪ .‬ﻟﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻄﺮ ﺍﻹﻋﺘﻤﺎﺩ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻋﻘﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﺑﻌﻴﻨﻪ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﺆﻟﻔﺎﺕ ﻟﺸﺨﺺ ﻭﺍﺣﺪ ﺑﻌﻴﻨﻪ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺟﻮ ﻳﺸﺎﺭﻙ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﺤﺚ ﻭﺗﺘﺤﺎﻭﺭ ﻭﻟﻴﺲ ﺗﺘﻌﺼﺐ ﻭﺗﺘﺤﺰﺏ‪.‬‬
‫ـ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺞﻫﺎﺯ‬
‫ً‬
‫ﻭﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺤﻤﻠﻬﺎ ﺃ ﻳﻀﺎ ﺗﻌﻜﺲ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺎﻟﺠﻬﺎﺯ‪ ،‬ﻓﻤﻮﺟﻪ ﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﺃﻭ ﻣﺒﺠﻌﻪ‪ ،‬ﻻ‬
‫ﻳﻀﻴﺮﻩ ﻓﻲ ﺷﻲء ﺃﻥ ﻳﺤﺬﻑ ﺃﻭ ﻳﻌﺪﻝ‪ ،‬ﺃﻭ ﻳﻐﻴﺮ ﺍﻟﺸﻜﻞ‪ ،‬ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﻀﻄﺮﻩ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﺎﺋﻪ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ‬
‫ﺻﻴﺎﻏﺔ ﺃﻓﻀﻞ‪ ،‬ﺃﻭ ﺗﻌﻄﻴﻞ ﻭﻅﻴﻔﺘﻪ ﻟﻔﺘﺮﺓ ﻣﺎ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﻋﻨﺪ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻹﺧﺘﺼﺎﺹ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻝﺟﻬﺎﺯ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻮﺟﺪ ﻳﺘﺴﻢ ﺑﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﺸﺊ‪ ،‬ﻭﻳﺘﺨﺬ ﻁﺎﺑﻊ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺃﻭ ﻋﺪﻣﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ‬
‫ﻷﻧﻬﺎ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﻬﻴﻜﻞ‪ ،‬ﻭﻣﻀﻤﻮﻧﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻳﻐﻴﺐ ﺍ ﻟﻤﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻅﺮﻑ ﻣﺎ‪ ،‬ﻋﻨﺪ ﺫﻟﻚ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ـ ﻭﺑﺪﻭﻥ ﺷﻌﻮﺭ ـ ﺇﻟﻰ ﻋﻼﻗﺔ ﺗﻘﺪﻳﺲ‪ ،‬ﻓﻴﺠﻤﺪ‬
‫ﺻﺮﻋﻪ ﻋﺠﻠﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ!!‪ ..‬ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﺤﺎﺛﺎﺕ ﺍﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻫﻲ ﺗﻠﻚ‬ ‫ﺍﻟﺸﻜﻞ‪ ،‬ﻭﻳﻤﺸﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﻭﻳﺘﺤﻨﻂ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﻓﺖ‬
‫ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﺎﺟﺄﺗﻬﺎ ﻛﻮﺍﺭﺙ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻓﺠﻤﺪﺕ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺣﺎﻓﻈﺖ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﻜﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺍﻧﻄﻔﺄﺕ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻌﻠﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ‪ ،‬ﻭﺗﻮﻗﻔﺖ ﻭﻅﻴﻔﺘﻬﺎ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺔ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻠﺠﻬﺎﺯ‪.‬‬
‫ﻁﺮﻓﺎ ً ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺲﺗﻮﻯ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻲ ﻭﺍﻹﺩﺍﺭﻱ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﻲ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺒﻴﻞ ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻓﺎﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﻬﺮﻣﻲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺎﺳﺐ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﻜﺸﻮﻑ‪ ،‬ﻣﺎﺭﺳﺘﻪ ﻭﻫﻲ ﺗﻤﺎﺭﺱ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﺴﺮﻱ ﻭﺗﺮﻛﺖ‬
‫ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﻤﻜﺸﻮﻑ ﻭﺍﻹﺗﺼﺎﻝ ﺑﺎﻷﻣﺔ ﻛﺄﺭﺿﻴﺔ ﺻﻠﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺴﺮﻱ ﻓﻬﻲ ﺗﺎﺭﺓ ﻟﻢ ﺗﺘﻜﻴﻒ‪ ،‬ﺃﻭ ﺗﻜﻴﻒ‬
‫ﺗﻨﻈﻴﻤﻬﺎ ﻣﻊ ﺗﻄﻮﺭﻫﺎ ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻴﻒ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﺗﻮﺭﻫﺎ ﻣﻊ ﺗﻨﻈﻴﻤﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻘﻮﻡ ﺟﻤﺎﻋﺎﺕ ﺃﻭ ﺗﻨﻈﻴﻤﺎﺕ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ‪ ،‬ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻧﻠﺠﺄ ﺇﻟﻰ ﺁﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﺎﺓ‬
‫ﻭﺗﻘﻠﻴﺪﻫﺎ ﺣﺮﻓﻴﺎ ً ﻟﻌﺪﺓ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﺍﺕ‪ ،‬ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﻣﺎ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﻮﻫﺮﻱ ﻣﻊ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ‬
‫ﺍﻟﻤﺤﻤﻮﻝ‪ ،‬ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﺎﺓ ﻻ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﺨﻴﺮ ﻓﻲ ﻋﻤﻮﻣﻬﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﺇﻥ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﻣﻌﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻗﺪﻱ‬
‫ﻛﻮﻧﻠﻪ ﻣﺒﺮﺭﺍﺗﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻹﻧﻔﻌﺎﻻﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﺎﻹﺭﺗﻜﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﻳﺔ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ‬
‫ﺍﻟﻄﻐﻴﺎﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺴﺮﻱ ﺗﺤﺖ ﺍﻷﺭﺿﻼ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﺒﺮﺭﺍً ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺗﻪ‪.‬‬
‫ﻓﺘﺤﻮﻝ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﺴﺮﻳﻊ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻭﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ )ﺣﻤﻰ ﺍﻹﻧﻘﻼﺑﺎﺕ (‪ ،‬ﺃﺻﺎﺏ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﻌﺪﻭﻯ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺒﻴﻦ ﺗﺒﻨﻲ ﺍﻟﻌﻨﻒ‪ ،‬ﺃﻭ ﺧﻠﻖ ﻣﻨﺎﺧﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ ‪ .‬ﺛﻢ ﻛﺎﻥ ﻟﻠﺘﺤﻮﻝ‬
‫ﺍﻟﺴﺮﻳﻊ ﺍﻟﻤﻔﺎﺟﺊ ﻓﻲ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﺎ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗﻠﺠﺄ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻓﺘﺨﺘﻔﻲ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ‬
‫ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻋﻨﺎﺻﺮﻫﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺑﻬﺬﺍ ﺿﺮﺑﺖ ﺑﺄﺷﺪ‪ ،‬ﻭﺍﻧﻔﺼﻠﺖ ﻋﻦ ﺍﻷﻣﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻫﺎﻣﺔ ﺟﺪﺍً‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻹﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﺘﺸﻜﻴﻞ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻁﻒ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪،‬‬
‫ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻜﻞ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﺧﻠﻔﻴﺔ ﻫﻼﻣﻴﺔ ﻫﺎﻣﺔ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﻭ ﺍﻋﺘﻘﺎﻝ ﻧﺸﺎﻁﻬﺎ‪.‬‬

‫‪104‬‬
 ‫ﺃﺑﻲ ﺳﻠﻮﻝ ﺟﻤﻴﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ‬ ‫ﺇﻥ ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻞ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﺭﺍﺱ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ‬
‫ﺍﻟﺼﺪﺩ‪،‬ﺣﻴﺚ ﺍﻗﺘﺮﺡ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻗﺘﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻖ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺟﻮﺍﺏ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻛﺎﻥ‬
‫)ﺇﻧﻲ ﻻ ﺃﺭﻳﺪ ﺍﻥ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪﺍً ﻳﻘﺘﻞ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ (‪ ،‬ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ "ﻳﺘﺤﺪﺙ ﺍﻟﻨﺎﺱ" ﺃﻭ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ‪،‬‬
‫ﻭﺃﻫﻤﻴﺘﻪ‪ ،‬ﻭﺃﺧﺬﻫﺎ ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻹﻋﺘﺒﺎﺭ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﺞﺏ ﺍﻥ ﻳﻤﺸﻲ ﻭﻓﻖ ﻓﻜﺮﺓ )ﺍﻟﻜﺘﻠﺔ ﺍﻟﺤﺮﺟﺔ (‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺍﻟﻜﻤﻴﺔ ﺍﻟﻜﺎﻓﻴﺔ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﻭﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻭﺗﻤﻠﻴﺢ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺎﻷﻓﻜﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﻗﺪﺭ ﻣﻌﻴﻦ‪ ،‬ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﺳﻠﻤﻴﺎ ً‬
‫ﺇﻟﻰ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺑﺼﺒﻐﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺻﺮﺍﻉ‪ ،‬ﻭﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻣﺼﺎﺩﺭﺓ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻟﻠﺘﻨﻈﻴﻢ ﻭﺍﻋﺖ ﻗﺎﻝ ﻋﻨﺎﺻﺮﻩ‬
‫ﻭﺍﺭﺩﺓ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺳﻴﺒﻘﻰ ﺑﺪﻭﻥ ﺟﺪﻭﻯ ﻭﻭ ﻳﻀﺮﺏ ﺑﻴﺪﻳﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻮﺍء ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻳﺼﻴﺐ ﻣﻘﺘﻼً ﻓﻲ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﺨﺼﻢ ﺍﻟﻬﻼﻣﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺘﺸﻜﻞ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻭﻗﺖ ﺗﺸﻜﻴﻞ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻳﺒﻘﻰ ﻳﺮﺳﻢ ﺗﺸﻜﻴﻼﺕ ﻻ ﺣﺼﺮﺍً ﻟﻬﻤﺎ‪.‬‬
‫ﻧﻌﻢ ﺇﻧﻪ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ‪.‬‬
‫ﺇﻧﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﺘﺮﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻹﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﻟﺮﻓﺪ ﻭﺗﻤﻮﻳﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﺑﻤﺪﺩ ﻻ ﻳﻨﻘﻄﻊ‪ ،‬ﻭﺃﻣﺎﻡ ﺇﻫﻤﺎﻝ‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺇﻳﻘﺎﻑ ﺍﻟﻨﺒﻊ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺪﻓﻖ‪.‬‬

‫ـ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻜﺘﻠﺔ ﺍﻟﺤﺮﺟﺔ‬

‫ﺃﺛﻨﺎء ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻻ ﻧﺘﺼﻮﺭ ﺃﻥ ﻳﺤﺪﺙ ﺗﺤﻮﻝ ﺟﻤﺎﻫﻴﺮﻱ ﻛﺎﺳﺢ‪ ،‬ﻷﻥ ﻣﺸﻘﺔ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪء ﻻ‬
‫)ﺍﻟﻔﺪﺍﺋﻴﻮﻥ (‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻘﺪﻣﻮﻥ ﺑﻜﻞ ﺷﻲء‪ ،‬ﻭﻻ‬ ‫ﺗﺠﻌﻞ ﺇﻻ ﺍﻟﺨﻠﺺ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﻴﻦ ﺃﻭ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ‬
‫ﻳﺘﺼﻮﺭﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻌﻮﺩ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺷﻲء‪ ،‬ﻭﻳﺤﺪﺙ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ‪ ،‬ﻭﺗﺪﻓﻊ ﺍﻟﻀﺮﺍﺋﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺧﻔﻴﻔﺔ ﻭﺛﻘﻴﻠﺔ‪،‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻬﻢ ﻷﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﻠﺺ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ‪ ،‬ﻭﻳﺘﺼﻔﻰ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﺃﻋﺪ ﺇﻋﺪﺍﺩﺍً ﺟﻴﺪﺍً ﻟﺘﺴﻠﻢ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻷﻣﻮﺭ‪،‬‬
‫ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻼﺣﻆ ﺗﻬﺎﻓﺖ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺼﺮ ‪) :‬ﺇﺫﺍ ﺟﺎء ﻧﺼﺮ ﷲ ﻭﺍﻟﻔﺘﺢ ﻭﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﺩﻳﻦ ﷲ‬
‫ﺃﻓﻮﺍﺟﺎ ً(‪.‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﺸﻜﻞ ﻧﺴﺒﺔ ﺇﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺤﺮﺟﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﻣﺜﻞ ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﻠﺢ ﺇﻟﻰ‬
‫‪ :‬ﻳﺨﺘﻠﻂ‬ ‫ﺍﻟﻤﺎء‪ .‬ﻭﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻹﺿﺎﻓﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺣﺘٮﻴﺬﻭﺏ ﺍﻟﻤﻠﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎء ﺗﻤﺎﻣﺎً‪ ،‬ﺃﻱ‬
‫ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺘﺠﺎﻧﺲ‪ ،‬ﻭﺗﺴﺘﻤﺮ ﻫﺬﻩ )ﺍﻹﺿﺎﻓﺔ(‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ )ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ( ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﻗﺪ ﺃﺷﺒﻊ ﺇﻟﻰ‬
‫)ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺤﺮﺟﺔ(‪ ،‬ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻧﻨﺎ ﻧﻌﺮﻑ ﻣﺜﻼً ﺃﻧﻪ ﻣﻨﺎﺳﺐ ﻟﺤﻔﻆ ﺍﻟﺠﺒﻦ ﺑﻮﺿﻊ ﺍﻟﺒﻴﻀﺔ ﻓﻴﻪ ﻓﺘﻄﻔﻮ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺍﻟﺴﻄﺢ‪.‬‬
‫ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﻭﺍﻟﺴﺆﺍﺋﻞ ﺗﺘﺸﺎﺑﻪ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻓﻤﺜﻼً ﺗﻔﺠﻴﺮ ﺍﻟﻘﻨﺒﻠﺔ ﺍﻟﺬﺭﻳﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻒ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺳﺮ ﺍﻟﺬﺭﺓ‬
‫ﻭﺍﻹﻧﺸﻄﺎﺭ ﺍﻟﻨﻮﻭﻱ‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﺮﻁ ﻋﻤﻠﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ )ﺍﻟﻜﺘﻠﺔ ﺍﻟﺤﺮﺟﺔ (‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺳﺮﺍً‬
‫ﺣﺮﺑﻴﺎ ً ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ‪.‬‬
‫ﻳﺴﺮﻱ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻓﻮﺻﻠﻮ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺇﻟﻰ )ﺟﺮﺟﺔ ﺍﻟﺘﺄﺛﺮ ﺍﻟﺤﺮﺟﺔ ( ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺪﻣﻊ ﻳﺴﺘﻔﻴﺾ ‪:‬‬
‫)ﺗﺮﻯ ﺃﻳﻨﻬﻢ ﺗﻔﻴﺾ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻣﻊ ﻣﻤﺎ ﻋﺮﻓﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻖ( )‪.(۸۳ :٥‬‬
‫ﻳﺼﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻓﺪﺭﺟﺔ ﻏﻠﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺎء ﻻ ﺗﺤﺪﺙ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺤﺮﺟﺔ )ﺩﺭﺟﺔ ﻏﻠﻴﺎﻥ‬
‫ﺍﻟﻤﺎء( ﻭﻫﻲ ‪ ۱۰۰‬ﺳﻨﺘﻴﻐﺮﺍﺩ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺘﻢ ﺍﻟﻐﻠﻴﺎﻥ ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻞ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﻤﺘﺠﺎﻧﺴﺔ ﻟﻠﻤﺎء ﻛﻠﻪ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺑﺆﺭﺓ ﺍﻟﺘﺴﺨﻴﻦ ﺇﻟﻰ ‪۱۰۰‬ﺳﻨﺘﻴﻐﺮﺍﺩ‪.‬‬
‫ﻭﻗﺪ ﻳﺨﻴﻞ ﻟﻠﻨﺎﻅﺮ ﺃﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﻗﺪ ﻳﻄﻮﻝ ﺃﻭ ﻳﻘﺼﺮ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻻ ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﻝ ﻹﻧﻔﻌﺎﻻﺕ ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺤﺪﺙ‬
‫ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ )ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺤﺮﺟﺔ(‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺣﺪﻭﺙ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ‪ .‬ﻛﻤﺎ ﻧﺮﻯ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺳﻮﺍء ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ )ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﻠﺸﻔﻴﺔ (‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻴﻪ ﻏﻠﻴﺎﻥ ﻭﺗﺨﻤﺮ ‪ .‬ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺶﻱء ﻻ ﺗﺘﻢ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﺿﺤﺔ ﺑﻤﻌﻨﻰ‬
‫ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺳﻨﻦ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫ﻭﻟﺘﺒﺴﻴﻂ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻧﻘﻮﻝ ﺇﻧﻪ ﺣﺘﻰ ﺗﻘﺎﺱ ﺩﺭﺟﺔ ﺣﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﺴﺎﺋﻞ ﻓﻼﺑﺪ ﻣﻦ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﻗﻴﺎﺱ ﺣﺮﻭﺭﻳﺔ‪ ،‬ﻫﺬﺍ ﻓﻲ‬
‫ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ‪ ،‬ﻭﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﻓﺨﺒﺮﺍء ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﻟﻬﻢ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻁﺮﻗﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺣﺮﺍﺭﺓ‬
‫ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬ﻭﻛﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺭﺟﺎﺕ ﺗﻨﺘﻈﺮﻩ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺤﺮﺟﺔ‪.‬‬
‫ﻭﺧﺒﺮﺍء ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻳﺮﺻﺪﻭﻥ ﻭﻳﺤﺎﻭﻟﻮﻥ ﺇﻣﺎ ﺗﺄﺧﻴﺮ ﺍﻟﻤﺨﺎﺽ ﺃﻭ ﺇﻁﺎﻟﺔ ﻓﺘﺮﺓ ﺍﻟﺘﺴﺨﻴﻦ ﺣﺘﻰ ﻻ‬
‫ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﻐﻠﻴﺎﻥ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺇﺿﺎﻓﺔ ﻣﺎء ﺟﺪﻳﺪ ﻳﺠﻌﻞ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻣﺘﺼﺎﺹ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﻭﺗﻤﺪﻳﺪ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ‬
‫ﺍﻟﺰﻣﻨﻴﺔ ﻣﻤﻜﻨﺎ ً ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺄﺧﺮ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻝﻯ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﻐﻠﻴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺮﺟﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻅﺎﻫﺮ ﺍﻷﻣﺮ ﺃﻥ ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﺎء ﺃﻣﺮ ﺣﺴﻦ ﻭﻻ ﺧﻄﻮﺭﺓ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻣﺘﺼﺎﺹ ﻁﺎﻗﺎﺕ ﺍﻟﻐﻀﺐ‬
‫ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻅﺮﻭﻑ ﺍﻟﺘﻤﻠﻤﻞ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻘﻬﺮ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﺮﻗﺐ‪ ،‬ﺑﺄﻟﻌﺎﺏ ﺣﺎﺫﻗﺔ ﻓﻴﺘﻢ ﺑﻮﺍﺳﻄﺘﻬﺎ ﺗﻌﻮﻳﻖ ﺍﻟﻤﺨﺎﺽ‬
‫ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﺴﻴﻖ ﻭﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻜﻴﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﻤﻴﺔ‬

‫ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﺣﺎﻝ ﻓﻲ ﻧﻤﻮ ﺃﻱ ﻛﺎﺋﻦ ﻋﻀﻮﻱ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻧﺮﻯ ﻟﺤﻈﺔ ﺍﻟﺘﺸﻜﻞ ﺍﻷﻭﻝ‪ ،‬ﺛﻢ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺠﻨﻴﻨﻴﺔ ﻭﺑﺒﻌﺪﻳﻦ‬
‫ﺍﻷﻭﻝ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﺨﺼﺺ ﻭﺍﻟﺘﻤﻴﺰ ﻭﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻞ )ﺍﻟﻜﻴﻔﻲ(‪ ،‬ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺘﻀﺨﻢ ﻭﺍﻟﻜﺒﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻜﺮﺍﺭ )ﺍﻟﻜﻤﻲ ( ﻛﻤﺎ ﻫﻮ‬
‫ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺇﻧﺰﺍﻝ ﻛﺘﺎﺏ ﺟﺪﻳﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻊ ﺍﻟﻌﺐء ﺍﻟﺤﺎﺳﻢ ﻭﺍﻟﻬﺎﻡ ﻓﻲ ﺇﻧﻬﺎء ﻭﺇﻧﺠﺎﺯ ﻭﺗﻌﺪﻳﻞ‬
‫ﻭﺗﺼﺤﻴﺢ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻷﻭﻝ ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﺍﻧﺘﻬﻰ ﺃﺻﺒﺢ ﺃﻣﺮ ﺗﻜﺮﺍﺭﻩ ﺁﻟﻴﺎ ً ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻻ ﺇﻟﻰ ﻛﺒﺲ ﺯﺭ ﺍﻵﻟﺔ ﻟﺘﻜﺮﺭ‪.‬‬
‫ﺇﺫﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺑﻌﺪﺍﻥ ﻫﺎﻣﺎﻥ ﻟﻨﻤﻮ ﻭﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺔ ﺍﻟﻜﻴﻔﻲ ﺛﻢ ﺍﻟﻜﻤﻲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻜﻤﻲ ﻫﻮ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺍﻟﻜﻴﻔﻲ‪ ،‬ﻭﻻ‬
‫ﺗﻜﺮﺍﺭ ﻟﺸﻲء ﻟﻢ ﻳﺘﻜﻮﻥ ﺑﺎﻷﺻﻞ‪ ،‬ﻭﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻤﻮ ﻳﺤﺪﺙ ﺗﻤﺎﻣﺎ ً ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻫﻮ ﺟﻨﻴﻦ ﻳﺘﺸﻚ ﻝ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺮﺣﻢ‪.‬‬
‫ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺘﺒﻨﺎ ﻣﻌﺎﻧﺎﺓ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﺒﺮﺍﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ‪ ،‬ﺗﻨﻤﻲ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺪﺍً ﺟﺪﻳﺪﺍً ﻭﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ )ﺭﺳﻮﺥ‬
‫ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻟﺪﻳﻪ( ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻪ ﺻﺎﺩﻗﺔ‪ ،‬ﻭﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺘﻪ ﻣﺘﻼﺋﻤﺔ ﻣﻊ ﻗﺪﺭ ﻁﺎﻗﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﻮﺩﻋﺔ ﻓﻴﻪ‪،‬‬
‫ﻓﺬﺍ ﺗﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺧﺮﺝ ﺃﺷﺪ ﻣﺮﺍﺳﺎ ً ﻭﺃﻋﻤﻖ ﺧﺐﺭﺓ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺟﻴﺔ ﻟﻠﺘﺼﻨﻴﻊ ﺗﺬﻛﺮﻧﺎ ﺑﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﺼﻨﻊ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺁﻻﺗﻪ ﻭﻫﻲ ﺗﻌﻤﻞ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﺨﺎﻡ ﻭﻫﻲ‬
‫ﺗﻘﺒﻞ‪ ،‬ﻭﻣﻮﺍﺩ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﻭﻫﻲ ﺗﺴﺘﻬﻠﻚ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺍﺧﺘﻞ ﺃﻱ ﻁﺮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻟﺔ ﺃﺻﻴﺐ ﺍﻟﻤﺼﻨﻊ ﺑﺎﻟﻨﻜﺴﺔ ﺳﻮﺍء‬
‫ﺑﺂﻻﺗﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼﻨﻊ‪ ،‬ﺃﻭ ﺑﺰﻳﺎﺩﺓ ﺍﻹﺳﺘﻬﻼﻙ ﻋﻦ ﻛﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻊ‪ ،‬ﺍﻭ ﺑﻌﺪﻡ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﺃﻭ ﺿﻊ ﻓﻪ‪ ،‬ﺃﻭ ﺗﻜﺪﺱ‬
‫ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﺨﺎﻡ ﺍﻟﻘﺎﺩﻣﺔﻋﻦ ﻁﺎﻗﺔ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﻓﻜﻠﻬﺎ ﺗﻘﻮﺩﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻠﻞ‪ ،‬ﻭﺗﺤﺪﺙ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﻧﻮﻋﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ‬
‫ﺍﻟﻤﺼﺎﺏ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺃﺛﺮﻩ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﻛﻠﻬﺎ ‪ .‬ﻭﻟﻌﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻭﻧﺴﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻳﺔ‬
‫ﺣﺮﻛﺔ ﺗﺮﺑﻮﻳﺔ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺼﻴﺎﻏﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻬﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺍ ﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺃﻣﺎﻡ ﻁﺎﻗﺔ ﺍﻟﺼﻴﺎﻏﺔ‪،‬‬
‫ﻭﻛﺜﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﺩ ﻭﻧﻮﺍﺗﺞ ﻭﺍﺳﺘﻬﻼﻙ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺼﻨﻔﺎﺕ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻘﻮﺩﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ‪ .‬ﻭﻫﻲ ﺗﻤﺎﺭﺱ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ‬
‫ﻭﻛﺜﺎﻓﺔ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻘﺎﺩﻣﺔ ﺍﻟﻤﻠﺘﺤﻘﺔ‪ ،‬ﻭﻧﻮﻋﻴﺔ ﺍﻟﺼﻴﺎﻏﺎﺕ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﻭﺍﺳﺘﻬﻼﻛﻬﺎ ‪ .‬ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ‬
‫ﺗﺨﺴﺮ ﺷﻬﺪﺍء ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﻴﻬﻲ )ﻋﻼﻣﺔ ﺻﺤﺔ( ﻷﻧﻪ ﻳﻜﺮﺭ ﻭﻳﺆﻛﺪ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﻤﺼﻐﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﺗﻜﺴﺐ ﺍﻟﺨﻠﻮﺩ‬
‫ﻓﺒﺪﻭﻥ ﺍﻟﺘﻀﺤﻴﺎﺕ ﻻ ﺗﺒﺮﺯ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ‪ ،‬ﻭﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ‪ .‬ﻭﻫﻨﺎ ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﺻﻄﻼﺡ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻴﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﻄﺎﻗﺎﺕ ﺣﺰﺑﻴﺔ ﺗﻮﺯﻉ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻹﺱ ﻻﻣﻲ‪ ،‬ﻭﻳﻌﺘﺒﺮﻩ‬
‫ﻣﻜﺎﻥ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻪ‪ ،‬ﻭﻣﺤﻮﺭ ﺣﻴﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻭﻳﺒﺬﻝ ﻟﺬﻟﻚ ﻁﺎﻗﺘﻪ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻣﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺳﻮﺍء ﻛﺎﻥ ﺩﺍﺧﻞ‬
‫ﺃﻱ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﺃﻭ ﺧﺎﺭﺟﻪ ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﻭﻟﻮ ﺣﻤﻞ ﺑﻄﺎﻗﺔ ﺣﺰﺑﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻦ ﻛﻮﺍﺭﺙ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻷﻏﺴﻼﻣﻲ ﻭﺍﺭﺗﺪﺍﺩﻩ ﻭﺍﻧﻘﻼﺏ ﻧﺸﺎﻁﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺤﺰﺑﻲ‪ ،‬ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﺸﺐ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻣﺎ‬
‫ﻋﻀﻮﺍً ﻳﺪﻳﻦ ﺏﺍﻟﻄﺎﻋﺔ ﻭﻻ ﻳﻨﺎﻗﺶ ﻭﻳﺘﺎﺑﻊ ﺍﻷﻭﺍﻣﺮ ﻓﻬﺬﺍ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻨﺘﻤﻴﺎً‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﺃﻥ ﺧﺮﺝ ﺟﻴﻞ ﺃﻭ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﺍﻷﻭﺍﻣﺮ ﻓﻘﻂ ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺣﺮﻣﺖ‬
‫ﻣﻦ ﻣﻴﺰﺓ ﺍﻹﺑﺪﺍﻉ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻹﺑﺪﺍﻉ ﻫﻮ ﺳﺮ ﺗﻔﻮﻕ ﺍﻟﺪﻋﻮﺍﺕ ‪ .‬ﻭﻋﻞ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﺧﺴﺮﺕ ﺑﻌﺾ‬

‫‪106‬‬
 ‫ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﺕ ﺃﻫﻢ ﻋﻨﺎﺻﺮﻫﺎ ﻭﺃﻧﺸﻄﻬﺎ ﻭﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﺇﺑﺪﺍﻋﺎً‪ ،‬ﺑﻞ ﻭﺍﻷﺩﻫﻲ ﺃ‪،‬ﻫﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ ﺗﺴﺨﻴﺮ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻹﻣﻜﺎﻧﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻓﺈﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺎﻗﺎﺕ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﺗﻤﺸﻲ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺭﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ‬
‫ﻭﺗﺴﺘﻬﻠﻚ‪ ،‬ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﺻﺮﺍﻋﺎﺕ ﺩﺍﺧﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺼﺮﻳﻒ ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻥ ﺑﻤﺤﻮﺭ ﺫﻱ ﺍﺗﺠﺎ ﻩ‬
‫ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺇﻟﻰ ﺧﺎﺭﺟﻪ ﻓﻠﻴﻜﻦ ﻣﻌﻜﻮﺳﺎ ً ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺧﻠﻪ ‪ !.‬ﻭﻟﻘﺪ ﻋﺎﻧﺖ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﺎﺕ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺗﺒﺪﻳﺪ ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ ﻫﺬﻩ ‪ .‬ﻭﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺸﺒﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﻻﻫﺪ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‬
‫ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﺍﺯ‪ ،‬ﻭﺗﻤﺜﻠﺖ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺻﻔﻴﻦ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﺟﺮﺕ ﻣﻦ ﺫﻳﻮﻝ ـ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ـ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ .‬ﻭﺗﺮﺍﻛﻢ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﺨﺎﻡ‪ ،‬ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺣﺪﻳﺪﺍً ﻓﻴﻪ ﺑﺄﺱ ﺷﺪﻳﺪ ﻭﻣﻨﺎﻓﻊ ﻟﻠﻨﺎﺱ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺗﺮﺍﻛﻤﻪ ﻳﻌﻨﻲ ﺻﺪﺃﻩ‪،‬‬
‫ﻭﺇﺫﺍ ﻁﺎﻝ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺼﺪﺃ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓﺇﻟٮﺎﻟﺘﺮﺍﺏ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ‪ .‬ﺃﻱ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻗﺪ ﺗﺨﺴﺮ ﺍﻟﺤﻜﺮﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‬
‫ﺧﻴﺮﺓ ﺷﺒﺎﺑﻬﺎ ﻟﻴﻌﻮﺩﻭﺍ ﻳﻘﻮﺩﻭﺍ ﺗﻴﺎﺭ )ﺍﻟﻘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻌﺎﻡ( ﺍﻟﺬﻱ ﻱﻋﻴﺶ )ﻟﻤﺸﺎﻛﻠﻪ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ(‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺤﺪﻳﺪ ﻛﺎﻥ )ﻛﺘﻠﺔ(‪ ،‬ﻭﺍﻟﻜﺘﻠﺔ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ )ﺍﻟﺘﺮﺍﺑﻂ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ(‪ ،‬ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﺑﺄﺱ ﺷﺪﻳﺪ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪﺍﻟﺼﺪﺃ ﻓﺈﻧﻪ ﻓﻘﺪ‬
‫ﺍﻟﺘﺮﺍﺑﻂ‪ ،‬ﻭﻋﺎﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ‪ ،‬ﻭﺍﻷﻛﺴﻴﺪ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺃﻛﺴﻴﺪ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺗﺮﺍﺑﻂ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺟﺪﻳﺪ ﺣﻴﺚ‬
‫ﺍﺳﺘﺒﺪﻝ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ ﺗﺮﺍﺑﻄﻪ ﻭﺗﻤﺎﺳﻜﻪ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻣﻊ ﺃﺧﻴﻪ )ﺫﺭﺍﺕ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ ﻓﻌﻀﻬﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ (‪ ،‬ﻟﻴﺒﺪﺃ ﺗﻤﺎﺳﻜﺎ ً ﻣﻦ‬
‫ﻧﻮﻉ ﺟﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻣﻊ ﻋﻨﺼﺮ ﺧﻔﻴﻒ ﻣﺴﺘﺨﻒ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺴﺨﺎﻓﺎﺗﻬﺎ ﻭﻣﺘﻄﻠﺒﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻭﺭﻭﺗﻴﻨﻬﺎ‬
‫ﺍﻟﻤﻤﻞ‪ ،‬ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﻫﻮ ﻳﺤﻮﻝ ﺍﻫﺘﻤﺎﻡ ﺗﺮﺍﺑﻄﻪ ﻟﻴﻬﺒﻂ ﺇﻟﻰ ﺷﻲء ﻣﺴﺘﺨﻒ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺗﺄﻛﻠﻪ ﺑﻞ‬
‫ﺗﻔﺘﺮﺳﻪ ﻳﻮﻣﻴﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺘﺎﻓﻬﺔ‪ ،‬ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳﻔﻖﺩ )ﺣﺎﺳﺔ ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ( ‪ ،‬ﻭ)ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻜﺘﻠﺔ(‪.‬‬
‫)ﻓﺨﻠﻒ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﻢ ﺧﻠﻒ ﻭﺭﺛﻮﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻳﺄﺧﺬﻭﻥ ﻋﺮﺽ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺩﻧﻰ ﻭﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﺳﻴﻐﻔﺮ ﻟﻨﺎ ( )‪(۱٦۹ :۷‬‬
‫ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻗﺪﻳﻤﺎ ً ﺧﺴﺮﺕ ﻓﻲ ﻭﻗﺎﺋﻊ ﻭﻣﻌﺎﺭﻙ ﺷﺘﻰ ﺧﻴﺮﺓ ﺭﺟﺎﻟﻬﺎ ﻓﻔﻲ ﻣﺎء ﺍﻟﺮﺟﻴﻊ ﺳﺘﺔ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻷﺑﻄﺎﻝ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺑﺌﺮ ﻣﻌﻮﻧﺔ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺑﺴﻨﺔ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺍء‪ ،‬ﻭﺍﻟﻘﺎ ﺭﺉ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﻨﻲ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺍﻟﻤﺜﻘﻒ ﺍﻟﻨﺎﺷﻂ‬
‫ﻟﻠﺪﻋﻮﺓ ﻭﺍﻟﻨﺎﺷﺮﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺃﻳﺎﻣﻬﻢ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻳﻘﺮﺃ ﻭﻳﻜﺘﺐ ﺃﻧﺪﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺩﺭ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻄﻎ ﺍﻹﺳﺘﻬﻼﻙ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻊ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﺮﺍﻛﻢ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﺨﺎﻡ ﺍﻟﻤﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﻸﻋﺮﺍﺏ ﺍﻟﻤﻨﺨﺮﻁﻴﻦ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ‪.‬‬
‫ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻐﻴﻲﺭﻳﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻧﺎﺷﻄﺔ ﻟﺒﻨﺎء ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ‪ .‬ﻭﻗﻨﺎﻋﺘﻲ ﺃﻥ ﺃﺧﻄﺮ ﻣﺎ‬
‫ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟﻪ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ـ ﻭﻫﻲ ﻏﻠﻄﺘﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻏﻠﻄﺔ ﻭﺗﺪﺑﻴﺮ ﺃﻋﺪﺍﺋﻬﺎ ـ ﺇﻧﻬﺎ ﻓﺼﻠﺖ ﻋﻦ‬
‫ﺟﻤﺎﻫﻴﺮ ﺍﻷﻣﺔ‪ ،‬ﻓﺨﺴﺮﺕ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺮﻓﺪ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﺨﺎﻡ ‪ .‬ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺃﻭ )ﺍﻹﺧﺘﻼﻁ (‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺢ‬
‫ﺍﻟﻄﺒﻲ ﻗﺪﻳﺤﺪﺙ ﻷﻱ ﺡﺭﻛﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﺗﺴﺘﻬﺪﻑ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻗﺪ ﻳﺤﺪﺙ )ﻣﻀﺎﻋﻔﺎﺕ ( ﺃﺷﺪ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺃﻱ ﻣﺮﺽ ﻋﻀﻮﻱ ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺧﺘﻼﻁ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺗﻄﻐﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺮﻛﺒﺎﺕ ﺍﻟﻔﺸﻞ‬
‫ﻭﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻭﺭﻭﺡ ﺍﻹﻧﻌﺰﺍﻝ ﻓﺘﺘﺤﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻟﻰ )ﻓﺮﻗﺔ( ﺃﻭ )ﻁﺎﺋﻔﺔ ﺩﻳﻨﻴﺔ(‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﺃﻭ ﺑﻌﺾ‬
‫ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺍﻟﺒﺎﻁﻨﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺇﺫﺍ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺍﻟﺘﺤﺠﺮ ﻭﺍﻹﻧﻘﺮﺍﺽ‪ ،‬ﻭﺗﺒﺨﺮ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬
‫ﺑﺎﻹﻧﺘﺸﺎﺭ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺗﻨﻘﺮﺽ ﺑﻌﺾ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎﺗﺎﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻓﻲ ﺇﻋﺼﺎﺭﺍﺕ ﺟﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺗﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﻣﺤﻨﻄﺔ‬
‫ﻣﺘﺤﺠﺮﺓ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﺴﺘﺤﺎﺛﺎ ً ﺟﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ!!‪..‬‬
‫ﻓﺈﻥ ﻋﺜﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪﺫﻟﻚ ﻭﺝ ﺷﻜﻠﻬﺎ ﻣﺤﻨﻄﺎ ً ﻣﺴﺘﺤﺎﺛﺎ ً ﺑﺪﻭﻧﺄﻱ ﺇﺷﻌﺎﻉ ﺡ ﻳﻮﻱ ﺣﻀﺎﺭﻱ ‪ .‬ﻭﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺣﺪﺙ ﻟﺒﻌﺾ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻟﺖ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﺤﺎﺛﺎﺕ ﺣﻀﺎﺭﻳﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﺎ ﺳﻤﺎﻫﺎ ﺍﻟﻤﺆﺭﺥ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ‬
‫ﺗﻮﻳﻨﺒﻲ ﺃﺛﻨﺎء ﺩﺭﺍﺳﺘﻪ ﻟﻠﺘﺎﺭﻳﺦ ﺑﺄﺳﻢ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻣﺘﺤﺠﺮﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻋﺘﺒﺮ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﺒﺎﺭﺳﻴﻴﻦ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺒﻴﻞ ‪ .‬ﻭﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻜﻴﻒ ﻭﺍﻟﻜﻢ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﺭﺣﻤﻪ ﷲ ﺳﻴﺪ ﻗﻂﺏ‪ ،‬ﻭﺷﺮﺡ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺴﺘﻔﻴﺾ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﻼﻝ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﺭﺃﻳﻪ ﺃﻥ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻹﻧﻀﺎﺝ ﻭﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺸﻲ ﻗﺪﻣﺎ ً ﻭﻫﻲ ﺗﺴﺘﻮﻋﺐ ﺍﻟﻘﺎﺩﻣﻴﻦ ﺍﻟﺠﺪﺩ‬
‫ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ‪ ،‬ﻭﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻨﻔﺎﻕ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ﻓﻲ ﻣﻜﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻧﺸﺄﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﻔﻌﻞ ﻅﺮﻭﻑ ﺍﻹﺳﻼﻡ‬
‫ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻭﺍﻛﺘﺴﺎﺡ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ‪ .‬ﻭﺃﺿﻴﻒ ﻫﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻥ ﻧﻔﺲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻹﻧﻀﺎﺝ‬
‫ﻭﺍﻟﻮﻋﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺴﺎﻳﺮ ﺍﻟﻔﺘﺢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺑﺤﻴﺚ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺑﺪﺃ‬
‫ﻳﻨﻤﻮ ﻭﻳﻜﺒﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﻌﻞ ﺃﻁﺮﺍﻓﻪ ﺗﻤﺘﺪ ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻝﺻﻴﻦ‪ ،‬ﺃﻗﻮﻝ ﻛﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺴﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺝﺍﻧﺐ ﻋﻤﻠﻴﺔ‬
‫ﺍﻹﻧﻀﺎﺝ ﻭﺍﻟﻮﻋﻲ‪ ،‬ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻨﻤﻮ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻛﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﺍﻥ ﻳﻤﺸﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻭﻫﻀﻤﻪ‪ ،‬ﻓﻼ ﻟﻘﻤﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ‬

‫‪107‬‬
 ‫ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺍﻟﻔﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻘﻤﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻀﻐﺎً‪ ،‬ﻭﻁﺤﻨﺎً‪ ،‬ﻭﺑﻠﻌﺎً‪ ،‬ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺧﻤﺎﺋﺮ ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﻮﻋﺐ ﺍﻟﻠﻘﻤﺔ‬
‫ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺑﺪﺃ ﺍﻟﻠﻘﻤﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ‪ ،‬ﻭﺇﻻ ﺃﺻﻴﺐ ﺑﺎﻟﺘﺨﻤﺔ‪ ،‬ﻭﺳﻮء ﺍﻟﻬﻀﻢ ﻭﺍﻹﺳﻬﺎﻻﺕ‪ ،‬ﻭﺍﻷﻗﻴﺎءﺍﺕ ﻭﻗﺪ ﻳﺘﻄﻮﺭ‬
‫ﻣﺮﺿﻲ ﺣﺮﺟﺔ؟ !‪....‬‬
‫ﺓ‬ ‫ﺇﻟﻰ ﺍﻧﺘﺎﻧﺎﺕ ﻭﺣﺎﻟﺔ‬
‫ﻭﻟﻌﻠﻲ ﺃﺟﺪ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻠﻘﺪ ﺃﺻﻴﺐ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺑﺪﺃ ﻳﻨﻤﻮ‬
‫ﺑﺸﺪﺓ ﻭﺑﺴﺮﻋﺔ ﺑﻌﺴﺮﺓ ﻫﻀﻢ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺳﺘﻮﻋﺒﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻬﻠﺔ ﺑﺤﺎﻟﺔ ﻣﻦ‬
‫ﺷﺎﺭﺏ‪ ،‬ﻭﺍﻷﻫﻮﺍء‪،‬‬ ‫ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺣﻴﻦ ﻭﻓﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻟﻴﺤﺘﻚ ﺑﻌﺸﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍﻟﻢ‬
‫ﻭﺍﻹﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻠﻐﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻴﻞ!!‪..‬‬
‫ﻭﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﻋﺴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻬﻀﻢ ﻫﺬﻩ ﻭﺍﻷﻗﻴﺎء ﻭﺍﻹﺳﻬﺎﻻﺕ ﻭﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﺒﺪﻥ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻏﻴﺮ ﺳﻮﻳﺔ ﻫﻲ‬
‫ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﻧﺎﻫﺎ ﻗﺒﻞ ﻗﻠﻴﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺰﺍﻋﺎﺕ ﻭﻧﻀﻴﻒ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﻭﺍﻟﻔﺘﻦ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﻓﻲ‬
‫ﺣﺎﻟﺔ ﻧﻤﻮ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻷﻭﻝ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﺘﺴﻠﻂ ﺍﻷﻣﻮﻱ‪ ،‬ﻭﻣﺼﺮﻉ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ‪ ،‬ﻭﺗﺤﻮﻝ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﻱ ﺍﻟﺜﻮﺭﻱ ﺇﻟﻰ ﻣﻠﻚ‬
‫ﻋﻀﻮﺽ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﻣﺆﺳﻔﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻹﺳﻼﻡ ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺘﻘﺪﻣﻲ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺑﺮﺻﻴﺪ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ‬
‫ﺟﺎء ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺍﻟﻌﺒﻴﺪ‪ ،‬ﻭﺇﻟﻐﺎء ﺍﻟﻤﻠﻜﻴﺔ ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ‪ ،‬ﻭﺭﻭﺡ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻁﻴﺔ ﻭﻣﺴﺎﻭ ﺍﺓ‬
‫ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ‪ ،‬ﻭﺟﻮ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻉ ﻥ ﺍﻟﺮﺃﻱ‪ ،‬ﺃﻗﻮﻝ ﺑﺪﻷً ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻤﺘﺺ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﻤﺠﺎﻭﺭﺓ ﻅﺎﻫﺮﺓ‬
‫ﺍﻟﺸﻮﺭﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺮﺯ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻛﻌﺎﺻﻔﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻮﻗﻌﺔ ﻋﻠٮﺤﺪ ﺗﻌﺒﻴﺮ‬
‫ﻣﻠﻜﻴﺔ‬ ‫ﺃﻭﺳﻔﺎﻟﺪ ﺍﺷﺒﻨﺠﻠﺮ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺪﺙ‪ ،‬ﻭﺑﻔﻌﻞ ﺍﻷﻧﺤﺮﺍﻑ ﺍﻷﻣﻮﻱ ﻓﺈﻥ ﺍﻝ‬
‫ﺍﻹﺳﺘﺒﺪﺍﺩﻳﺔ ﻧﻘﻠﺖ ﻭﻁﻌﻤﺖ ﻭﺍﻟﺼﻘﺖ ﻛﺤﻘﻨﺔ ﺟﺮﺛﻮﻣﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻭﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ‬
‫ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺒﻴﺮﺍً ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻤﻰ ﻭﻧﻮﺍﻓﺾ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﺎﺏ ﺑﺘﺴﻤﻢ ﺩﻣﻮﻱ ﺟﺮﺛﻮﻣﻲ‪ ،‬ﺃﻱ ﺍﺭﺗﻜﺎﺳﺎﺕ ﻏﺮﻳﺰﻳﺔ‬
‫ﻟﻢ ﺗﺨﻀﻊ ﺗﻤﺎﻣﺎ ً ﻟﻠﻮﻋﻲ‪ ،‬ﻭﺃﻗﺪ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﺭﺗﻜﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﺒﺪﻥ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ )ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‬
‫ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ(ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻣﺨﻄﻄﺔ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺪﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺰﻭ ﺍﻟﺠﺮﺛﻮﻣﻲ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺗﻘﻮﺩﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻭﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺿﻮﺡ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺣﺪﻳﺚ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﻖ ﺻﻌﺔ "ﻳﻮﺷﻚ‬
‫ﺍﻷﻣﻢ ﺃﻥ ﺗﺪﺍﻋﻰ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻛﻤﺎ ﺗﺪﺍﻋﻰ ﺍﻷﻛﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﺼﻌﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻗﺎﻟﻮﺍ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺃﻭ ﻣﻦ ﻗﻠﺔ ﻧﺤﻦ ﻳﻮﻣﺌﺬ‪ ،‬ﻗﺎﻝ‬
‫ﻻ ﺑﻞ ﺃﻧﺘﻢ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﻛﺜﻴﺮ ﻭﻟﻜﻨﻜﻢ ﻋﺜﺎء ﻛﻐﺜﺎء ﺍﻟﺴﻴﻞ‪ ،‬ﻭﻟﻴﻨﺰﻋﻦ ﷲ ﻣﻦ ﺻﺪﻭﺭ ﻋﺪﻭﻛﻢ ﺍﻟﻤﻬﺎﺑﺔ ﻣﻨﻜﻢ ﻭﻟﻴﻘﺬﻓﻦ‬
‫ﺍﻟﺪﻧﻲ ﻭﻛﺮﺍﻫﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ" ﺇﻫـ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ ﺍﻟﻮﻫﻦ ﻗﺎﻟﻮﺍ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﻭﻣﺎ ﺍﻟﻮﻫﻦ ﻗﺎﻝ ﺣﺐ ﺍ‬
‫ﻓﺎﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻨﻈﺮ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻓﻴﺮﻯ ﺗﺤﻮﻝ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﺤﻮﻝ ﺭﺻﻴﺪ‬
‫ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﻔﻮﺱ )ﺍﻟﻮﻫﻦ(‪ ،‬ﻭﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺘﺼﻮﺭﻭﻥ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺇﻻ ﻛﻤﻴﺎ ً )ﻗﻠﺔ(‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ‬
‫ﻛﺎﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻴﻒ‪ ،‬ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﺼﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻉ ﻧﺪ ﻛﻞ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ‪ ،‬ﻭﻻ ﻏﺮﺍﺑﺔ ﻓﺎﻟﺮﺳﻮﺥ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻻ ﻳﺼﻠﻪ ﺇﻻ ﻗﻠﺔ‪.‬‬
‫ﻭﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻭﻓﻖ ﺳﻨﻦ ﻳﺴﻴﺮﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬ﻭﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺿﺒﻂ ﺩﻓﺔﺍﻟﻴﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﻓﻖ‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﺗﺨﺘﻞ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺍﻹﺻﻄﺪﺍﻡ ﺑﺎﻟﺼﺨﻮﺭ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘﺤﻄﻢ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﻄﻠﺐ‬
‫ﺷﻴﺌﺎﻥ ﺍﻷﻭﻝ‪ :‬ﻣﺴﺖﻭﻯ ﻭﻋﻴﻦ ﻣﻌﻴﻦ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ‪ :‬ﻛﺘﻠﺔ ﺣﺮﺟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻛﻤﺜﻞ ﺍﻟﻤﻠﺢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻔﻜﺮﺓ‬
‫ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺃﻱ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﻤﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﺒﻌﺾ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻪ‪ ،‬ﻓﻤﺜﻼً ﻋﻤﺮ ﻭﻫﻮ ﻳﺤﻞ‬
‫ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺳﻮﺍﺩ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ‪ ،‬ﺃﻭ ﻋﻠﻲ ﻭﻫﻮ ﻳﻮﺍﺟﻪ ﺍﻟﺰﻭﺍﺑﻊ ﺛﻢ ﻳﻌﺒﺮ ﻓﻲ ﺧﻄﺒﺘﻪ ﺍﻟﺒﺎﻛﻴﺔ )ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﺭﺃﻱ ﻟﻤﻦ ﻻ‬
‫ﻱ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﻮﻓﺔ ﻧﻤﺎﺫﺝ ﻟﻠﻔﻘﻪ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪.‬‬ ‫ﻳﻄﺎﻉ( ﻑ‬
‫ً‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺆﻛﺪ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﻠﻞ ﻓﻜﺮﺗﻴﻦ‪ ،‬ﺍﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﺃﻭﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻹﺧﻼﺙ ﻭﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻜﺘﻠﺔ ﺍﻟﺤﺮﺟﺔ‪.‬‬
‫ﺍﻷﻭﻟﻰ ‪ :‬ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻹﺧﻼﺹ ﻛﺎﻥ ﺳﻴﺤﻞ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻗﺪﻳﻤﺎ ً ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﺘﻪ ﺍﻟﻴﻮﻡ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟﺨﺒﺮﺍء ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﻮﻥ ﻭﺍﻷﻁﺒﺎء ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﻮ ﻥ ﻫﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﺤﻘﻨﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺄﻓﻜﺎﺭ ﻭﺗﺼﺮﻓﺎﺕ‬
‫ﺭﺍﺷﺪﺓ ﺗﺠﻌﻞ ﺳﻔﻴﻨﺘﻪ ﺗﻌﻮﻡ ﻭﻻ ﺗﻐﺮﻕ‪.‬‬

‫‪108‬‬
 ‫ﻭﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻮﻥ ﻗﺪﻳﻤﺎ ً ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻗﺬﺍﺋﻒ ﺟﺎﻫﺰﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻔﺘﺢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻗﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺟﻬﻮﺩﻫﻢ‪ ،‬ﻭﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﺗﻌﺒﻴﺮ‬
‫ﻋﻦ ﺩﻓﻌﺔ ﺍﻹﺧﻼﺹ ﻫﺬﻩ ﻟﻤﻜﺎﻓﺤﺔ ﺍﻹﻧﺤﺮﺍﻑ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺨﻠﻞ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺳﻮﺍء ﻓﻲ ﻛﻴﻔﻴﺘﻪ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎ ﻡ‪ ،‬ﺃﻭ ﻓﻲ ﺗﺠﻤﻴﻊ ﻛﺘﻠﺔ ﺑﺸﺮﻳﺔ ﺣﺮﺟﺔ ﻋﻠﻴﻪ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻗﺼﺪ ﺑﺎﻟﻜﻤﻴﺔ ﺍﻟﺤﺮﺟﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻜﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺇﺫﺍ ﻭﺻﻞ ﻋﺪﺩﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺩﺟﺔ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﺗﺤﻔﻆ ﺍﻟﺠﺴﻢ‬
‫ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻭﺍﻟﺘﺤﻠﻞ‪.‬‬
‫ﻓﻤﻜﺎﻓﺤﺔ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﺍﻟﺴﺎﺭﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺘﻮﻁﻨﺔ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻗﺪﺭ ﺻﺤﻲ ﻣﻌﻴﻦ )ﻭﺳﺎﺋﻞ ﻭﺃﻓﻜﺎﺭ(‪ ،‬ﻭﺟﺴﻢ‬
‫ﻁﺒﻲ )ﺃﻁﺒﺎء‪ ،‬ﻣﺴﺎﻋﺪﻭﻥ‪ ،‬ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ‪ ،‬ﻣﺨﺎﺑﺮ‪ ،‬ﻣﻤﺮﺿﺎﺕ‪ ،‬ﺍﻟﺦ ‪ (...‬ﻭﻋﻨﺪ ﺗﻮﻓﺮ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺤﺮﺝ‬
‫ﻓﺈﻧﻪ ـ ﻭﺑﻮﺍﺳﻄﺘﻪ ـ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﻫﺬﺍ ﺗﺤﻮﻝ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻛﻠﻪ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺃﻁﺒﺎء ﻭﻣﻤﺮﺿﺎﺕ ﺑﻞ ﻳﻜﻔﻲ ﺗﺤﻮﻝ ﻗﺪﺭ ﻣﻌﻴﻦ ﻛﺎﻑ ﻹﻣﺴﺎﻙ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻓﻲ ﻳﺪﻩ ﻭﺣﻠﻬﺎ‪.‬‬

‫ﺑﺤﺚ ﻓﻲ ﻣﺮﺽ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ‬

‫ﺇﻥ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻹﺭﺍﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﻜﻔﺎءﺍﺕ ﻓﻲ ﻧﺸﺎﻁ ﻣﺸﺘﺮﻙ ﻳﻮﺟﺪ ﻛﻴﺎﻧﺎ ً ﻣﻌﻨﻮﻳﺎ ً ﺟﺪﻳﺎ ً ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻈﻮﺭ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻪ ﺟﺴﻢ‬
‫ﻣﺘﺤﺮﻙ ﻣﻌﻨﻮﻱ‪.‬‬
‫ﺃﻥ ﺗﺨﻠﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﻳﻘﻊ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻈﻢ ﺍﻟﻜﻴﺎﻧﺎﺕ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﻭﺗﻮﺟﺪ ﻭﺗﻤﺎﺭﺱ‬
‫ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ‪ ،‬ﻭﺗﺆﺩﻱ ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﻤﻮﺕ ﻛﺄﻱ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻟﻪ ﻥﻗﻄﺔ ﺑﺪء‪ ،‬ﻭﺣﺮﻛﺔ ﻭﻣﺼﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻛﺄﻱ ﻛﺎﺋﻦ ﻣﻌﺮﺽ ﻟﻺﺻﺎﺑﺔ‬
‫ﺑﻨﻮﻋﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺧﻠﻘﻪ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﺘﺸﻜﻞ ﺃﺛﻨﺎء ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ‬
‫ﺑﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻜﺴﺐ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻫﻲ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻱ ﻧﺸﺎﻁ ﺟﻤﺎﻋﻲ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺘﻌﺮﺿﻠﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺻﺎﺑﺔ‪.‬‬
‫ﻭﺳﻮﻑ ﻧﺤﺎﻭﻝ ﺍﻟﻘﺎء ﺍﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ ﻁﺮﻑ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ‪.‬‬

‫‪ ۱‬ـ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ‬

‫ﻛﻤﺎ ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ً ﻋﻦ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻨﺺ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻨﻴﻬﻤﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻳﻮﻣﻲ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻨﺺ ﺑﺬﺍﺗﻪ ﻻ ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻞ ﻳﻨﻄﻘﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻟﻴﺲ ﺍﻟﻨﺺ ﺑﻞ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﻨﺺ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺧﺎﺿﻊ ﺑﺪﻭ ﺭﻩ ﻟﻤﺘﺤﻮﻻﺕ ﺃﻭ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﻣﺘﺨﻠﻔﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ‪ ..‬ﺍﻟﺦ‪ ...‬ﺍﻟﺸﻲء ﺍﻟﻬﺎﻡ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺺ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﻳﺒﻘﻰ ﻭﺍﺣﺪﺍً ﻳﺸﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺷﻴﺌﺎ ً ﻫﺎﻣﺎً‪ ،‬ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﺒﻘﻰ ﻟﻜﻞ ﻓﺮﻳﻖ ﺃﻭ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺧﺎﺹ ﻳﺘﻌﻠﻖ‬
‫ﺑﺎﻟﺘﺚﻗﻴﻒ ﺍﻟﺨﻠﻔﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﺃﻭ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺑﻤﻮﺟﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻟﺔ ﻳﺪﺭﻙ ﻣﺎ ﺭﻭﺍء ﺍﻟﻨﺺ‪.‬‬
‫ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻠﻔﻲ ﻟﻪ ﻗﺮﺁﻧﻪ ﻭﺳﻨﺘﻪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺼﻮﻓﻲ ﻟﻪ ﻗﺮﺁﻧﻪ ﻭ ﻭﺳﻨﺘﻪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻨﻈﻢ ﻓﻲ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﻪ‬
‫ﻗﺮﺁﻧﻪ ﻭﺳﻨﺘﻪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻮﻫﺎﺑﻲ ﻟﻪ ﻗﺮﺁﻧﻪ ﻭﺳﻨﺘﻪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻀﻮ ﻣﻦ ﺍﻷﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻟﻪ ﻗﺮﺁﻧﻪ ﻭﺳﻨﺘﻪ ﻭﻫﻜﺬﺍ‪.‬‬
‫ﺗﺤﺖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻮ ﻳﺤﺪﺙ ﺷﻌﻮﺭ ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ﺑﺸﻜﻞ ﻁﺮﺩﻱ ﻣﻊ ﻣﺪﻯ ﺍﻟﺤﻤﺎﺱ ﻟﻺﺗﺠﺎﻩ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ‪،‬‬
‫ﺃﻱ ‪ :‬ﺃﻧﻪ ﻣﺴﺎﻭﻱ ﻟﻠﻨﺒﻊ‪ ،‬ﻭﺃﻧﻪ ﺍﻟﻨﺎﻁﻖ ﺍﻟﺰﻣﻨﻲ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﻏﻤﺮﺓ ﺍﻟﺤﻤﺎﺱ ﻫﺬﻩ ﻳﺘﻤﻠﻜﻪ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﺸﻐﻮﺭ ﻭﺑﻪ ﻳﻨﺪﻓﻊ‪.‬‬
‫ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ ﻳﺘﻢ ﻓﻬﻢ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﻟﻔﺘﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﺢ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻋﻦ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﺑﻦ ﺍﻟﻴﻤﺎﻥ‪ .‬ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ‬
‫ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺴﺄﻟﻮﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺨﻴﺮ‪ ،‬ﻭﻛﻨﺖ ﺃﺳﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﺮ ﻣﺨﺎﻓﺔ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻛﻨﻲ‬
‫ﻓﻘﻠﺖ‪ :‬ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺇﻧﺎ ﻛﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﺟﺎﻫﻠﻴﺔ ﻭﺷﺮ ﻓﺠﺎءﻧﺎ ﷲ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻓﻬﻞ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻣﻦ ﺷﺮ ﻗﺎﻝ ‪ :‬ﻧﻌﻢ‬
‫ﺛﻢ ﻳﻤﺸﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﺗﺴﻠﺴﻞ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮ ﺣﺘﻰ ﻱﺻﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺇﻟﻰ‪ :‬ﻓﻌﻠﻴﻚ ﺑﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﺇﻣﺎﻣﻬﻢ‬
‫ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﻢ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻭﻻ ﺇﻣﺎﻡ ﻗﺎﻝ ﻓﺎﻋﺘﺰﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻤﻊ ﻗﻴﺎﻡ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺃﻭ‬
‫‪ :‬ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ‬ ‫ﺣﺰﺏ ﺃﻭ ﺗﻴﺎﺭ ﻣﺎ ﺑﻨﺸﺎﻁ ﻳﻜﺴﺐ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﺗﺠﺎﻫﻪ ﺗﺤﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻋﻮﻯ‬

‫‪109‬‬
 ‫ﻭﺃﻣﺎﻣﻬﻢ‪ ،‬ﻭﺗﺤﺖ ﺿﻐﻂ ﺍﻟﻨﺺ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﻊ ﻏﻴﺮ ﺍ ﻟﺤﺒﻴﺮ ﺇﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﺮﺝ ﺷﺪﻳﺪ ﺑﻌﺪﻡ ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﻨﺺ‪ ،‬ﺃﻭ‬
‫ﺑﺎﺗﺒﺎﻋﻪ ﻭﻣﺎ ﻳﺠﻤﻞ ﻣﻦ ﺗﻜﺎﻟﻴﻒ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻲ ﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺟﺎءﺕ‬
‫ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﺄﺗﻲ ﻛﺜﻴﺮﺓ‪ ،‬ﻭﻣﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻤﺎ ‪ .‬ﻳﺠﻌﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻋﻮﻯ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﺣﺪﺍﻹﺗﺠﺎﻫﺎﺕ‬
‫ﺑﺎﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﻬﺎ ﻭﺍﻹﺩﻋﺎء ﺑﻬﺎ ﻟﻨﻔﺴﻪ‪.‬‬
‫ﻭﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻧﻘﻮﻝ ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎء ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺇﻻ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺛﻢ ﻧﺸﺄﺕ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﻣﻦ‬
‫ﺷﻴﻌﺔ ﻭﺧﻮﺍﺭﺝ ﻭﻣﺮﺟﺌﺔ ﻭﻣﻌﺘﺰﻟﺔ ﻭﺻﺎﺑﺌﺔ ﻭﺑﺎﻁﻨﻴﺔ ‪...‬ﺍﻟﺦ‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻣﺮ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺇﻧﻪ ﻳﻨﻘﺴﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺑﻔﻌﻞ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻹﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑﻴﻦ‬
‫ﺍﻟﺒﺸﺮ‪.‬‬
‫ﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﺸﻲء ﺍﻟﻬﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻹﺧﺘﻼﻑ ﻫﻞ ﺳﻴﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺳﻔﻚ ﺍﻟﺪﻣﺎء‪ ،‬ﻭﺍﻟﻘﺘﻞ ﻭﺍﻹﺭﻫﺎﺏ‪ ،‬ﺃﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻭﺑﻠﻮﺭﺓ‬
‫ﺍﻵﺭﺍء؟!!‪.‬‬

‫‪ ۲‬ـ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺸﻤﻮﻟﻲ ﺍﻹﻧﻘﻼﺑﻲ‪ :‬ﻗﺎﻧﻮﻥ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺃﻭ ﻻ ﺷﻲء؟!‪..‬‬

‫ﻣﻊ ﻛﻞ ﻧﻤﻮ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺃﻭ ﺗﻴﺎﺭ ﺟﺪﻳﺪ ﻳﺼﺎﺏ ﺑﻤﺮﺽ ﺍﻟﺘﻀﺨﻢ‪ ،‬ﻓﺎﻹﺣﺴﺎﺱ ﺑﺄﻧﻪ ﺟﺎء ﺑﺸﻲء ﺟﺪﻳﺪﻳﻘﻮﺩﻩ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻪ‬
‫ﻓﺘﺢ ﺍﻟﻔﺘﻮﺡ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺎء ﺑﻪ‪.‬‬
‫ﻣﻊ ﻣﻄﺎﻟﻌﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ ﻗﺪ ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻭﻫﻞ ﻫﺬﺍ ﻣﺮﺽ‪ ،‬ﻭﺑﻌﻀﻬﻢ ﺇﻧﻪ ﻓﻜﺮ ﺧﻄﻴﺮ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﺣﺮﺝ‬
‫ﻓﺪﻋﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻁﻒ ﺃﻭﻻً‪ ،‬ﻭﻛﻞ ﺷﻲء ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺒﺤﺚ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺮﺳﺨﻬﺎ ﺃﻱ ﺗﺤﻤﻞ ﺑﻌﻀﻨﺎ ً‬
‫ﺑﻌﻀﺎ ً ﻭﺗﺄﻣﻞ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻗﺒﻞ ﻧﻔﺦ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﻭﺍﻟﺼﻔﻴﺮ ﻭﺍﻟﺘﺸﻜﻴﻚ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺘﻀﺨﻴﻢ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺸﻤﻮﻟﻲ ﺍﻹﻧﻘﻼﺑﻲ ﺟﺎء ﺑﻪ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺣﻴﻦ ﻭﺍﺩﻩ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺣﻴﺚ ﺣﻮﻟﻬﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﺩﺫﺭﻱ ﻭﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ ﻋﻘﻠﻴﺎ ً‪.‬‬
‫ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ ﻓﻨﺤﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﻡ ﻩ ﻣﺔ ﺭﺩ ﺍﻟﻌﺎﻓﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺻﺎﺑﻬﺎ ﻣﺮﺽ ﺍﻟﻼﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ‬
‫ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪.‬‬
‫ﺃﻱ‪ :‬ﺃﻥ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ ،‬ﻫﻲ ﻟﻲﺳﺖ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ ﺩﻳﻨﻪ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻭﺇﻋﻄﺎﺋﻪ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﻷﺻﻞ‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ‪ ،‬ﺑﻞ ﺇﻋﻄﺎﺋﻪ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻛﻲ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺎﻟﺘﻜﻴﻒ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻭﻳﺼﺒﺢ ﻣﺤﺘﺮﻣﺎ ً‪.‬‬
‫ﻋﺪﺍ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻫﻨﺎﻙ ﺑﻌﺜﺮﺓ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻬﻮﺩ ﻓﺤﻴﺚ ﻧﻀﻊ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ ﻣﺴﺎﻓﺔ ‪۱۰۰‬ﻛﻢ ﻟﻘﻄﻌﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻤﻠﻚ‬
‫ﻱ ﺣﺮﺝ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻧﺮﻳﺪ ﻭﻣﺎ ﻧﻤﻠﻚ‪.‬‬ ‫ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﻨﻘﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺻﻠﻨﺎ ﺇﻟﻰ ‪۱۰‬ﻛﻢ ﻧﻘﻊ ﻑ‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﻳﻮﻣﻴﺎﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻭﺿﻤﻴﺮﻩ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ‪ ،‬ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻭﻣﺎ ﻳﺮﺩ‪،‬‬
‫ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﺮﺍﺽ ﺃﻭ ﺍﺧﺘﻼﻁﺎﺕ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺟﺪﻳﺪ ‪ .‬ﻣﻦ ﺃﺑﺮﺯ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﺍﻻﻧﻌﺰﺍﻝ ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﻤﺮﻛﺐ‬
‫ﻣﻀﺎﻋﻒ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻳﻮﺍﺟﻪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺎﻟﻤﻨﺒﻮﺫﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺘﻌﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻭﺭﻓﺾ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‬
‫ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﻛﺮﺍﻫﻴﺘﻪ‪ ،‬ﻭﻟﻔﻈﺔ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻫﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺃﻓﺮﺍﺯﺍﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ ﻳﺤﺘﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻀﻊ ﻷﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﻬﺎﻡ ﻣﺘﻮﺍﺿﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﺟﻬﺔ‪ ،‬ﻭﺗﺪﺭﻳﺐ ﺷﺎﻕ ﻟﻠﻨﻔﺲ‬
‫ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﻨﻔﻴﺬ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻬﺪﻑ‪ ،‬ﻓﻠﻴﺲ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻀﻊ ﺃﻫﺪﺍﻓﺎ ً ﺑﻌﻴﺪﺓ‪ ،‬ﻧﺒﻘﻰ ﺑﻊ ﻳﺪﻳﻦ ﻋﻨﻬﺎ ﻭﻻ ﻧﻘﺘﺮﺏ ﻣﻤﺎ ﻳﻮﺻﻠﻨﺎ‬
‫ﺇﻣﺎ ﺇﻟﻰ ﺍ ﻟﻴﺄﺱ ﻓﺎﻟﻜﻔﺮ‪ ،‬ﻭﺇﻣﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﻧﺘﻴﺠﻪ ﻋﻠﻰ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻘﻮﻝ‬
‫ﺍﻟﺸﺎﺋﻊ )ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻌﻤﻞ ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ (‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺮﺍﺡ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻌﻤﻠﻴﺘﻪ ﺑﺪﻭﻥ‬
‫ﺃﻥ ﻳﺴﺄﻝ ﻋﻦ ﻧﺠﺎﺣﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﻨﻬﺪﺱ ﻓﻲ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﺒﻨﺎﻳﺔ ﺑﺪﻭﻥ ﺍﻟﺘﺄﻛﺪ ﺃﻧﻬﺎ ﺍﺳﺘﻮﺕ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﺍﻋﺪﻫﺎ ‪ ،‬ﻭﻗﻄﺎﺭ‬
‫ﺍﻟﺴﻔﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﻣﺘﻰ ﻳﺼﻞ؟‪....‬‬
‫ﻓﺈﺫﺍ ﺣﺪﺛﺖ ﺍﻟﻜﻮﺍﺭﺙ ﺃ\ﺛﻨﺎء ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪ ،‬ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﺒﺮﻳﺮ ﺃﺳﻬﻞ ﻣﻦ ﺷﺮﺏ ﺍﻟﻤﺎء‪ ،‬ﻭﺍﻟﺨﻞ‬
‫ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻫﻮ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﷲ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻣﻌﻘﺐ ﻟﻬﺎ؟!!‪..‬‬
‫ﻧﻌﻢ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻒﻛﺮ‪ ،‬ﻭﻟﻨﺤﺎﻭﻝ ﺃﻣﺮﻳﻦ " ﺗﻌﻠﻴﻢ ﻋﻤﻮﻣﻴﺎﺕ ﺍﻹﺳﻼﻡ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺐ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺃﻫﺪﺍﻑ ﻣﺘﻮﺍﺿﻌﺔ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﺤﻘﻴﻘﻬﺎ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫ﻳﺄﺗﻲ ﻛﺎﺗﺐ ﺇﺳﻼﻣﻲ ﻟﻴﺤﻠﻞ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻴﺮﻯ ﺃﻥ ﻋﻤﻠﻬﻢ ﻛﻠﻪ ﻓﻲ ﺿﻼﻝ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ‬
‫ﻋﻤﻼً ﺳﻴﺎﺳﻴﺎ ً‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﻓﺮﺍﺯﺍﺕ ﺍﻟﻀﺎﺭﺓ ﻟﻠﻔﻜﺮ ﺍﻷﻧﻘﻼﺑﻲ ﺍﻟﺸﻤﻮﻟﻲ ﺗﺒﺮﺯ ﻛﻤﺎ ﻣﺮﺕ ﺃﻱ ﺃﻥ ﻳﺒﺨﺲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﺷﻴﺎءﻫﻢ‪،‬‬
‫ﻭﷲ ﺃﻣﺮﻧﺎ ﺃﻥ ﻻ ﻧﺒﺨﺲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﺷﻴﺎءﻫﻢ ‪ .‬ﺇﻧﻪ ﻻ ﻳﺸﺘﺮﻁ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﻛﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ‪ ،‬ﻭﻟﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﺍ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ‬
‫ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‪..‬‬
‫ﺇﺫﻥ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻄﺎﻟﺐ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺄﺷﻖ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﻳﺘﺮﻛﻮﺍ ﺃﺑﺴﻄﻬﺎ‪ ،‬ﻧﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﺃﻭﻗﻔﻨﺎ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﺷﻼﻻً ﻣﺘﺪﺭﺟﺎ ً ﻣﻦ ﺗﺠﻤﻊ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁﺎﺕ ﻭﺍﻹﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺕ ﻓﻲ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺻﺒﻐﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‬
‫ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺇﺳﻼﻣﻲ ﻣﺜﺎﻟﻲ ﻧﻄﻤﺢ ﺇﻟﻴﻪ‪.‬‬
‫ﻟﻨﻄﻖ ﺍﻟﺸﻌﺎﺭ ﺇﺫﻥ ﺩﻋﻪ ﻳﻌﻤﻞ‪ ،‬ﺍﻓﺘﺢ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻣﻌﻪ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺧﻴﺮ ‪ . .‬ﻟﻴﺘﺎﺑﻊ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‬
‫ﻧﺸﺎﻁﻪ ﺇﺫﺍ ﺭﺃﻱ ﺃﻧﻪ ﻟﺐ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻨﺘﺮﻙ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﺻﺪﺍﺭ ﻣﺠﻠﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻷﺑﻨﺎء ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ‪ ،‬ﻭﺫ ﻟﻚ‬
‫ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺎﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻨﻈﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻹﻧﺎﺭﺓ‪ ،‬ﻭﺗﻌﺎﻭﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻨﺎﻳﺔ‬
‫ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ‪ ،‬ﻭﻋﺪﻡ ﺇﻟﻘﺎء ﺍﻟﻘﺎﺫﻭﺭﺍﺕ‪ ،‬ﻭﻟﻨﺘﺮﻙ ﺍﻟﺼﻮﻓﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻋﻄﺎء ﺍﻷﻣﺎﻥ ﻭﺍﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ ﻟﻠﻘﻠﻮﺏ‬
‫ﺑﺎﻷﻭﺭﺍﺩﻭﺍﻷﺫﻛﺎﺭ‪ ،‬ﻭﻟﻨﺘﺮﻙ ﺃﻣﺮﺃﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﻡ ﺏ ﻧﺸﺎﻁﻬﺎ ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺮﻯ ﺃﻧﻪ ﻣﺒﺪﻉ‪ ،‬ﻭﻝ ﻧﺘﺮﻙ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ‬
‫ﻳﺴﺒﺢ ﻣﻊ ﺃﻓﻜﺎﺭﻩ ﻭﺗﺄﻣﻼﺗﻪ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﺎﺭﻕ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﺩﻻﺕ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪ ،‬ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺮﺍﺡ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻳﺪ ﺇﻧﺸﺎء ﻣﺸﻔﻰ‬
‫ﺇﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺍﻟﻤﻬﻢ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﻗﻨﻮﺍﺕ ﺍﻹﺗﺼﺎﻝ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ‪ ،‬ﻭﻓﺘﺢ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻭﺇﺣﻴﺎء ﺍﻟﺠﺪﻝ”‬

‫‪ ۳‬ـ ﺣﺮﺏ ﺍﻟﺘﺸﻜﻴﻚ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ؟!‪.‬‬

‫ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺿﻰ ﻣﺴﺘﻮﻁﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻢ ﻧﻄﻘﺔ ﻛﺎﺳﺘﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﻜﻮﻟﻴﺮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻨﺪ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ﻭﺑﻨﻐﻼﺩﺵ ﻭﺍﻟﺒﻠﻬﺎﺭﺳﻴﺎ ﻓﻲ‬
‫ﻣﺼﺮ‪ .‬ﻭﺗﺨﺰﻳﻦ ﺍﻟﻘﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻲ‪.‬‬
‫ﻓﺄﺻﺤﺎﺏ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﻳﺘﻬﻤﻮﻥ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺑﺎﻟﻌﻤﺎﻟﺔ ﺗﺎﺭﺓ ﻹﻧﻜﻠﺘﺮﺍ‪ ،‬ﻭﺃﺧﺮﻯ ﻷﻣﺮﻳﻜﺎ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﻤﺘﺪﻳﻨﻮﻥ ﺑﺪﻭﺭﻫﻢ ﻳﻜﻴﻠﻮﻥ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺼﺎﻉ‪.‬‬
‫ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻳﻨﺘﻘﻞ ﻩ ﺫﺍ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻛﻌﺪﻭﻯ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ‪ ،‬ﻓﺄﺻﺤﺎﺏ ﺇﺗﺠﺎﻩ ﻳﺮﻣﻮﻥ ﺁﺧﺮﺍً ﺑﺄﻧﻪ‬
‫ﺍﻧﻜﻠﻴﺰﻱ‪ ،‬ﻭﻳﺮﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻵﺧﺮﻭﻥ ﺑﺄﻥ ﻓﻼﻧﺎ ً ﻋﻤﻴﻞ ﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﻳﻴﻦ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺘﻘﺎﺫﻓﻮﻥ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻜﺮﺓ‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﻳﺤﺪﺙ ﺃﻥ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﻳﻨﻘﺴﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺘﻨﺘﻘﻞ ﺩﻭﺭﺓ ﺍﻟﻌﺪﻭﻯ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻭﺇﺫﺍ ﺑﺎﻷﺥ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻄﻴﺐ‬
‫ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪ ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﻣﻐﻀﻮﺑﺎ ً ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻭﺃﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ ﺗﻔﺮﻳﻖ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻭﺃﻧﻪ ﻓﺼﻞ ﺣﺮﺻﺎ ً ﻋﻠﻰ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻊ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺗﺪﻭﺭ ﺍﻷﻣﻮﺭ ‪ ۱۸۰‬ﺩﺭﺟﺔ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻋﺘﺮﺍﺿﻲ ﻫﻨﺎ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺟﻤﺎﻋﺎﺕ ﺫﺍﺕ ﺍﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ‪،‬ﺃﻭ ﺃﻥ ﻳﺤﺪﺙ ﺗﺒﺎﻳﻦ ﻭﺍﻧﻘﺴﺎﻡ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ‬
‫ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﻓﻬﺬﻩ ﻫﻲ ﺳﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻧﻘﻼﺏ‪ ،‬ﻭ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﺤﺎﺩ‪ ،‬ﻭﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺍﻷﺗﻬﺎﻡ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻨﻮﺍﻳﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﺘﺤﺎﻭﺭ ﻏﻴﺮ ﻣﻤﻜﻦ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺨﻼﻑ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻳﺠﻌﻞ ‪ :‬ﺃﻭﻻ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻭﺍﺭﺩﺓ ﻭﺛﺎﻧﻴﺎ ﻧﻘﺎﻁ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ‬
‫ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻭﺛﺎﻟﺜﺎ ً ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻻﺗﻔﺎﻕ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﻘﺎﻁ ﻣﻤﻜﻨﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻣﻨﺸﺄ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻳﻨﺒﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ ﺃﻱ‪ :‬ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﻘﺌﻢ ﻋﻠﻰ ‪ :‬ﺃﻭﻻً ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻱ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ‪،‬‬
‫ﻭﻣﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﻵﺧﺮ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ‪ ،‬ﻭﺛﺎﻧﻴﺎ ً ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺘﻌﺼﺐ ﺿﺪ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻭﺛﺎﻟﺜﺎ ً ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺘﺤﺎﻣﻞ ﺿﺪ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ‬
‫ﺑﺄﻧﻬﻢ ـ ﻳﻔﺘﺮﺽ ـ ﺧﺒﻴﺜﻮﻥ ‪ ..‬ﺇﻥ ﺍﺧﺘﻼﻁﺎﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻻ ﺣﺼﺮ ﻟﻬﺎ‪ ،‬ﺗﺒﺪﺃ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺗﺤﻤﻞ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ‪،‬‬
‫ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻷﺗﺼﺎﻝ ﺑﻬﻢ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﺸﻜﻴﻚ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﺑﻬﻢ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺤﺮﺹ ﺍﻷﻋﻤﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻷﺗﺒﺎﻉ‪ ،‬ﻭﺷﺤﻨﻬﻢ ﺑﺎﺳﻠﻮﺏ‬
‫ﺃﻭ ﺑﺂﺧﺮ ﺿﺪ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺍﻵﺧﺮ ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﺭﻫﺎﺏ ﻭﺍﻟﻔﺘﻚ‬
‫ﺑﺎﻵﺧﺮﻳﻦ ﻭﺇﺫﺍﺋﻬﻢ ﺃﻭ ﻗﺘﻠﻬﻢ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺨﻼﺹ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﺃﻭﻻ ﺗﺮﻙ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺨﻄﺄ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﺑﻞ ﺍﻟﻠﺠﻮء ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻨﺴﺒﻲ ﻭﺍﻟﺨﻄﺄ ﺍﻟﻨﺴﺒﻲ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﺍﻟﺠﺪﻝ ﻫﻮ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻨﺴﺒﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ‪ ،‬ﻭﻓﻖ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ‪:‬‬

‫‪111‬‬
 ‫ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻨﺴﺒﻲ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﺍﻟﻨﺴﺒﻲ ﺇﺣﻴﺎء ﺍﻟﺠﺪﻭﻝ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ‬
‫ﺛﺎﻧﻴﺎ ً ﺗﺤﻤﻞ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻭﺣﻤﺎﻭﻟﺔ ﺿﺒﻂ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﻈﻦ ﻋﻨﺪ‬
‫ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ \ﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻨﻒ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺍﻷﺣﺘﺮﺍﻡ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻝ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺟﻮ ﺍﻟﻨﻤﻮ ﻋﻠﻰ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ‬
‫ﺍﻟﺠﺪﻝ ﻫﻮ ﺟﻮ ﺍﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ﻭﺍﻟﻨﻤﺎء‪.‬‬

‫‪ ٤‬ـ ﻋﺪﻡ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﺪﻭﺩﻳﺔ ﺍﻹﻣﻜﺎﻧﺎﺕ ﻭﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ‪) .‬ﻋﺘﺒﺔ ﻁﺎﻗﺔ‬

‫ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ( ﺇﻥ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻟﻠﺬﺍﺕ ﻫﻲ ﺃﺭﻓﻊ ﺃﻧﻮﺍﻉ‬
‫ﺍﻟﻮﻋﻲ‪.‬‬
‫ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻦ ﺩﻓﻊ ﻋﺠﻠﺔ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻮﺳﻂ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻨﺸﺎﻁﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻡ‬
‫ﺑﻤﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﻋﻤﻠﻴﺔ "ﺗﻘﻴﻴﻢ ﻭﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻮﺳﻂ"‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻷﻱ ﻋﻤﻞ ﺗﺠﺎﺭﻱ‪ ،‬ﻓﻼ ﺑﺪ ﻏﺬﻥ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻧﺸﺎﻁ‬
‫ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﺎﺟﺮ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺃﻭ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﻣﻦ ﻓﺘﺢ ﻣﺤﻠﻪ ﻭﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻋﻤﻠﻪ ﻭﺍﻹ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﺟﺬﺭﻳﺎ ً‪.‬‬
‫ﺑﻜﻞﻣﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺭﺅﻳﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻟﻠﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﺒﺎﺭﺯ‪ ،‬ﻭﺣﺮﻛﺘﻪ‪ ،‬ﻭﺛﻘﻠﻪ ﻭﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻓﺈﻥ‬
‫ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻣﻤﺎﺳﺮﺓ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺗﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﺗﻘﻴﻢ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻘﻮﻡ ﻫﻲ ﺑﺪﻓﻊ ﻋﻤﻠﻴﺔ‬
‫ﺍﻟﺘﻄﻮﻳﺮ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺸﻲء ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺪﺙ ﺣﺴﺐ ﺭﺅﻳﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﻥ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻣﺘﻮﻗﻔﺔ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺃﻭ‬
‫ﺑﺎﻷﺻﺢ ﻫﻲ ﻋﻤﻠﺔ ﻏﻴﺮ ﺭﺍﺋﺠﺔ‪ ،‬ﻟﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻻﺑﺪ ﻟﻠﻤﺮﺍﻗﺒﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﺛﺮﻳﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻣﻮﺍ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺪﻭﺭ‪ ،‬ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ‬
‫ﻗﻴﻤﻦ ﺃﺳﻌﻔﺘﻪ ﺣﺎﺳﺔ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﻋﻨﺪﻩ ﻭﺍﻟﺨﻠﻔﻴﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ‪ ،‬ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻣﻮﺍ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺪﻭﺭ‪،‬‬
‫ﻭﻳﺤﺎﻭﻟﻮﺍ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻁﺎﻗﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪ ،‬ﻭﻣﺪ ﻯ ﺇﻧﺘﺎﺟﻪ ﻭﺍﻟﻌﺘﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺍﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺎﺕ‬
‫ﺍﻟﺘﻲ ﺻﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌﻀﻮ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ‪ .‬ﺇﻥ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺪﻭﺭﺍﻥ ﻭﺍﻟﺘﺂﻛﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻬﺎ ﺷﺒﺎﺏ‬
‫ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﺎﺕ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺣﺴﺒﻤﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﻜﻞ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺗﻨﺒﺊ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺘﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺇﻳﺼﺎﻝ‬
‫ﻓﺮﺩﻩ ﺇﻟﻴﻪ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺍﻷﻩ ﻣﻴﺔ ﺑﻤﻜﺎﻥ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺩﻭﺭﻳﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‬
‫ﻻﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺗﻄﻮﻳﺮﻩ ﻭﺩﻓﻌﻪ ﻧﺤﻮ ﺍﻷﻓﻀﻞ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﻟﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﺟﺮﺣﺎ ً ﺃﻭ ﺍﻧﺘﻘﺎﺻﺎ ﻣﻦ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺎﺕ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻟﻬﺎ ‪ ..‬ﺇﻥ ﺍﻝ‬
‫ً‬
‫ﺟﻤﺎﻋﺖ ﺍﻻﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻧﺰﻟﻔﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺼﺪﻱ ﻟﻘﻀﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻮﻋﺒﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻷﻛﻤﻞ ‪ .‬ﺃﻭ ﻫﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ‬
‫ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ﻟﻢ ﺗﻀﻊ ﻗﺪﻣﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ‪ .‬ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺒﻨﺖ‬
‫ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺸﻤﻮﻟﻲ ﺍﻻﻧﻘﻼﺑﻲ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻗﺎﻡ ﺑﻪ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎء ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﺠﺬﺭﻱ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺃﻱ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭﺍﺕ‬
‫ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺑﻨﺎء ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺟﺪﻳﺪ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺣﺴﻦ ﺇﺫﺍ ﺃﻋﺪﺕ ﻟﻪ ﻋﺪﺗﻪ‪ ،‬ﻭﻗﺎﻡ ﻉ ﻟﻰ ﺟﻬﺪ ﻣﻜﺎﻓﺊ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﻭﺍﻟﻨﺸﺎﻁ‪ ،‬ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ ﻛﻤﺎ‬
‫‪ .‬ﺑﻜﻠﻤﺔ‬ ‫ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻭﺿﻊ ﺍﻷﻗﺪﺍﻡ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺩﻓﻊ ﻋﺠﻠﺔ ﺍﻟﺘﻄﻮﻳﺮ ﺃﺛﻨﺎء ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ‬
‫ﺃﺧﺮٮﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﺒﺮﻉ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺗﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﺗﺮﺑﻴﻮﻳﺔ ﺗﺘﺼﺪﻯ ﻟﻤﻬﻤﺔ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﻣﻮﺍﻁﻦ ﺃﻣﻲ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺇﻳﺼﺎﻟﻪ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻝﻏﺒﺘﺪﺍﺋﻴﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻷﻋﺪﺍﺩﻳﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘﺨﺼﺺ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺨﺼﺺ ﺍﻟﻄﺒﻲ‬
‫ﻣﺜﻼً‪ ...‬ﺃﻱ‪ :‬ﺑﻨﺎء ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻣﺘﺨﺼﺺ ﻣﺘﻜﻴﻒ ﻣﻦ ﻣﺎﺩﺓ ﺧﺎﻡ ﺑﺪﺍﺋﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﺎ ﻳﻨﻘﺼﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻟﺤﻤﺎﺱ ﻟﻪ‪ ،‬ﻭﺿﺮﺏ ﺍﻟﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺪﺭ ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ‬
‫ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺧﺬﻫﺎ ﻣﻨﻲ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺷﻮﺍﺭﺑﻚ ‪ ..‬ﻭﻻ ﻳﻬﻤﻚ‪..‬ﺍﻟﺦ‪ .‬ﺑﻞ ﻫﻲ ﺇﻣﻜﺎﻧﺎﺕ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﺷﻲء‪ ،‬ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ‬
‫ﻳﻜﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﺍﺿﺤﺎ ً ﻣﻦ ﺃﻭﻝ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺔ ﺗﻌﻠﻦ ﺑﻨﺎء ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺑﻨﺎء ﻭﻣﻮﺍﺩ ﻭﻣﺪﺭﺳﻴﻦ ‪ ..‬ﺍﻟﺦ ‪ .‬ﻓﺈﺫﺍ‬
‫ﻣﺸﺖ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﺣﺘﺎﺩﺝ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﻦ ﻭﺍﻵﺧﺮ ﺣﺘﻰ ﺇ ﺫﺍ ﺍﺳﺘﻮﺕ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ‬

‫‪112‬‬
 ‫ﺃﻋﺪﻧﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪ ،‬ﻭﻫﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻓﺎﺷﻠﺔ ﺃﻭ ﻧﺎﺟﺤﺔ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻻ ﻳﺘﻢ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ‬
‫ﻻﺣﻘﺔ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﺄﺳﺲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻬﻢ ﻟﻠﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻲ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﺮ ﺑﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺣﻞ ﺍﻟﻤﺘﺒﻘﻴﺔ ﺃﻣﺎﻣﻪ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ‬
‫ﺍﻟﻬﺪﻑ ﺍﻟﻤﺮﺳﻮﻡ‪ ،‬ﺃﻱ ﺇﻥ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻳﺠﺐ ﺍﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺣﻠﻘﺎﺕ ﻣﺘﺮﺍﺑﻄﺔ ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ‪ ،‬ﻭﻛﻞ ﺣﻠﻘﺔ ﻫﻲ ﻓﻲ‬
‫ﻋﻼﻗﺔ ﺟﺪﻟﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﻭﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﻭﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪.‬‬
‫ﺃﻭ ﻗﺪ ﻳﺤﺪﺙ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﻓﻲ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺤﻀﺎﻧﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﻳﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﻓﻴﺘﻔﺮﻍ ﻟﻪ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ‬
‫ﻳﺒﺪﺃ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺣﻀﺎﻧﺔ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﻬﻴﺌﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﻁﻔﺎﻝ ﻟﻠﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﺍﻻﺑﺘﺪﺍﺋﻴﺔ‪،‬‬
‫ﻓﺈﺫﺍ ﻧﺠﺤﺖ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺤﻀﺎﻧﺔ ﺣﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻳﻜﺮﺭ ﻧﻤﻮﺫﺟﻪ‪ ،‬ﻭﻳﻄﻮﺭ ﻓﻴﻪ ﻭﻳﻌﺪﻝ ﻣﺤﺎﻭﻻً‬
‫ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﻓﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺟﻬﺪﺍً ﺑﺎﻟﻐﺎ ً ﻭﻣﻼﺣﻘﺔ ﻭﺩﺃﺏ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻒ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻗﺪﻣﻴﻪ ﻭﻳﺘﺨﺬ ﻁﺎﺑﻊ ﺍﻟﺘﺄﺻﻞ ﻭﺍﻟﺜﺒﺎﺕ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻻ ﻳﺨﺮﺝ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻷﻣﺮ ﺃﺩﻕ؟!‪..‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﺠﺐ ﺍﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﺇ ﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺿﻮء ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺫﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻼﻣﺔ‬
‫ﺳﻴﺌﺔ‪ ،‬ﺣﻴﻨﺬﺍﻙ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻼﻣﺎﺕ ﺇﻧﺬﺍﺭ ﻷﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺃﻥ ﻳﻀﻌﻮﻩ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻤﺠﻬﺮ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ‬
‫ﺑﺪﻭﺭﻫﻢ ﻓﻲ ﺭﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻝﻣﺘﺨﻠﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﺴﺒﻮﻩ ﺇﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺃﻣﻜﻦ ﺇﻳﺼﺎﻝ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺇﻟﻰ‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﻌﻴﻦ‪ ،‬ﺃﻣﻜﻦ ﺗﻮﺩﻳﻌﻪ ﺑﺤﻔﻠﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻛﻲ ﻳﺘﺎﺑﻊ ﻧﺸﺎﻁﻪ ﻣﻊ ﻭﺳﻂ ﺁﺧﺮ ﻳﺮﻓﻊ ﺑﻴﺪﻩ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ‬
‫ﺟﺪﻳﺪ ﻭﻫﻜﺬﺍ‪.‬‬
‫ﻓﻌﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻭﺳﻂ )ﺃ( ﻳﻨﻤﻲ ﻋﻨﺪﻩ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ‪ ،‬ﻭﺳﻂ )ﺕ( ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻹﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺳﻂ‬
‫)ﺝ(ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‪ ،‬ﻭ ﺳﻂ )ﻝ( ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺳﻂ )ﻡ( ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺃﻭ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺣﺪﺙ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻳﺔ ﻭﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﻣﺮﺽ ﺇﻧﺴﺎﻥ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻬﻤﺎ ﺍﺧﺘﻠﻔﺖ ﻣﻴﻠﻪ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ‪ ،‬ﺇﻧﻬﺎ ﺃﻭﺣﺖ ﺇﻟﻰ ﻋﻨﺎﺻﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﺤﻞ ﺍﻹﻧﻘﻼﺑﻲ ﺍﻟﺸﻤﻮﻟﻲ ﻭﻫﻮ‬
‫ﻟﻴﺲ ﻋﻦﺩﻫﺎ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﻟﻢ ﺗﻌﺪﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﺍﻟﺠﺒﺎﺭﺓ‪ ،‬ﺃﻭ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﻭﺿﻌﺖ ﺃﻗﺪﺍﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭﻱ‬
‫ﺍﻟﺴﻠﻴﻢ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻬﺪﻑ‪.‬‬
‫ﺇﻧﻪ ﺁﻥ ﺍﻷﻭﺍﻥ ﺃﻥ ﻟﻴﻘﺎﻝ ﻛﻠﻤﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ‪ ،‬ﺇﻥ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﺎﺕ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻧﺸﺎﻁﺎﺗﻬﺎ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺃﻥ ﺗﻮﺻﻞ‬
‫ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﻋﺘﺒﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﻟﻴﺲ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺘﺒﺔ‪ .‬ﺑﻞ ﻗﺪ ﻭﻗﻊ ﺃﻣﺮ ﺧﻄﻴﺮ ﻓﻲ‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺍﻷﻥ ﺍﻟﺪﻭﺭﺍﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ ﺃﻭﺣﻰ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺘﺤﻤﺴﻴﻦ ﺃﻥ ﺣﻞ‬
‫ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻫﻲ ﺑﻔﺼﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﻟﻐﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻫﻲ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻤﻨﺘﺠﺔ ﻭﻛﺎﻓﻨﺎ ﻓﻜﺮﺍً ﻭﺍﻟﺴﻴﻒ ﺃﺻﺪﻕ‬
‫ﺃﻧﺒﺎء ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻨﻌﺮﺝ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻫﻮ ﻝﻳﺲ ﻓﻲ ﺻﺪﺩ ﺭﺅﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﺘﺒﺔ ﻛﻲ ﻳﺘﻢ ﺗﺠﺎﻭﺯﻫﺎ ﺑﻞ ﻫﻮ ﺣﺘﻰ ﻧﺴﻒ ﺍﻟﺒﻨﻰ‬
‫ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻨﺎء‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﻫﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﻧﺘﺤﺎﺭﻳﺔ ﺍﻧﻔﺠﺎﺭﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ ﻷﻥ ﻛﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ‬
‫ﻻ ﺗﺤﻞ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺒﻖ ﺃﻱ ﺣﺮﻛﺔ‪ ،‬ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺎﻷﺻﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﻭﺍﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﺘﻢ‬
‫ﺇﻻ ﺑﺎﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻭﻛﻴﻒ؟‪.‬‬
‫ﻭﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺇﻥ ﻣﻬﻤﺘﻨﺎ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﻫﻲ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﻭﺑﻠﻠﻮﺭﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻘﻰ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺒﻠﻮﺭﺓ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻦ‬
‫ﺿﺒﻂ ﻗﺎﻧﻮﻧﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺤﻜﻢ ﺑﻤﺴﻴﺮﺓ ﺣﺮﻛﺘﻪ‪.‬‬
‫ﻓﺈﺫﺍ ﺗﻢ ﻟﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﻋﺮﻓﻨﺎ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻨﺎ ﻭﻋﺮﻓﻨﺎ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻭﻣﻮﺿﻊ ﺃﻗﺪﻣﻨﺎ ﺑﻠﻚ ﺗﻮﺍﺿﻊ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺳﻴﻘﻮﺩﻧﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﺁﺧﺮ‬
‫ﻱ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺘﻄﻮﻳﺮ‪.‬‬‫ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺎﻧﻨﺎ ﻑ‬
‫ﺃﻱ‪ :‬ﺃﻧﻨﺎ ﺳﻨﺤﺪﺩ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﻮﺍﺳﻄﺘﻬﺎ ﺃﻥ ﻧﺼﻌﺪ ﺑﺎﻟﺸﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﻋﺘﺒﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺑﺪﻭﻥ ﻓﺮﺽ‬
‫ﻭﺻﺎﻳﺔ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﺭﺗﻬﺎﻥ ﻋﻘﻠﻪ‪ ،‬ﺃﻭ ﺣﺠﺰﻩ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻓﻲ ﻗﻔﺺ ﺟﺪﻳﺪ‪ ،‬ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺩﻓﻊ ﺣﺮﻛﺘﻪ‬
‫ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻣﺎﻡ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﺩﻭﻣﺎً‪ ،‬ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﻂ ﺑﺤﻠﻘﺔ ﺟﺪﻟﻴﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪ ،‬ﻭﺑﺪﻭ ﺭﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺔ ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﻘﺪ‬
‫ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪.‬‬

‫‪113‬‬
 ‫ﺇﻧﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﺘﺎﺏ ﺭﺣﻠﺔ ﺗﺨﺼﺺ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻭﺩﻓﻌﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻤﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﻴﻘﻈﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪.‬‬

‫‪ ٥‬ـ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ‬

‫"ﺍﻟﺤﺰﺑﻲ ﻋﻤﻮﻣﺎ ً ﺃﻋﻤﻰ‪ ،‬ﻭﺃﺩﺍﺓ ﺻﻤﺎء ﻟﻠﺘﻨﻔﻴﺬ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺤﺼﻞ ﻳﻘﻈﺔ ﺑﺄﺩﺍﺓ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪ ،‬ﺇﻥ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺰﺏ‬
‫ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺪﺭﻭ ﺍﻟﻨﻘﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺒﺮﻳﺮ‪ ،‬ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬ ﺍ ﻓﻬﻮ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺗﻌﻤﻴﻢ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﻘﻨﻬﺎ ﻭﺩﺭﺳﻬﺎ ﺑﺤﻤﺎﺱ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ‬
‫ﻣﻴﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻳﻤﻬﺎ ﻭﻣﺮﺍﺟﻌﺘﻬﺎ ﻭﻣﻘﺎﺭﻧﺘﻬﺎ ﺑﺎﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻷﺧﺮﻯ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﺒﺮﻳﺮ ﻟﻸﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺼﺪﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﺴﺐ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻔﺮﺩ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﺃﻧﺎﺱ ﺁﺧﺮﻳﻦ‪.‬‬
‫ﺃﺫﻛﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺗﻤﺖ ﻣﻊ ﺃﺥ ﻳﻨﺘﺴﺐ ﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﺃﺻﺪﺭﺕ ﺟﻤﺎﻋﺘﻪ ﺗﺤﻠﻴﻼً ﻟﺤﺎﺩﺙ‬
‫ﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻳﺎﻡ‪ ،‬ﻛﺎﻥ ﻫﻢ ﺍﻷﺥ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺺ ﺑﺎﺳﺘﻤﺎﺗﺔ ﻟﻜﻲ ﻳﺜﺒﺖ ﺻﺤﺔ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻨﺺ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺳﻤﻴﻨﺎﻩ ﺍﻟﺘﺒﺮﻳﺮ‪.‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻄﺎﻏﻴﺔ ﻫﻲ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻓﻼ ﺗﺨﺺ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺑﻌﻴﻦﻫﺎ ﺑﻞ ﻫﻲ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺗﻜﺮﺭ‬
‫ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﻜﻞ ﺟﻤﺎﻋﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﻴﻤﻴﻨﻲ ﺿﺪ ﺍﻟﻴﺴﺎﺭﻱ ﻭﺍﻹﻟﺤﺎﺩﻱ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ‪.‬‬
‫ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﻴﻔﻴﺔ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﺤﺰﺑﻲ ﺇﻟﻰ ﺃ ﻋﻤﻰ ﻗﺪ ﺃﻁﺒﻘﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻌﻤﻰ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ‪ .‬ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺘﻘﺎء ﻓﺮﺩﻳﻦ‬
‫ﺣﺰﺑﻴﻴﻦ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﺪﻳﺚ ﻁﺮﺷﺎﻥ‪ ،‬ﺃﻱ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﻧﻮﻟﻮﺝ ﺃﻱ ﺍﻟﺘﺤﺪﺙ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‬
‫ﻭﺍﺟﺔ ﺑﺎﺗﺠﺎﻩ ﻭﺍﺣﺪ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺇﺳﻤﺎﻉ ﺍﻵﺧﺮ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ‬
‫ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺣﺎﻣﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻵﺧﺮ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﻣﻦ ﺗﻜﺜﻴﻒ ﺍﻁﻼﻕ ﺍﻟﻨﻴﺮﺍﻥ‪.‬‬
‫ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺴﻦ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺟﻮ ﺍﻟﻨﺰﺍﻝ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺭﻋﺔ ﻓﻜﻞ ﻛﻠﻤﺔ ﺗﻮﺍ ﺟﻪ ﺑﻀﺪﻫﺎ‪ ،‬ﻭﻛﻞ ﻓﻜﺮﺓ ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺑﻠﻬﺎ‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎﺕ ﻣﺘﻤﺰﻗﺔ ﺗﺘﺼﺎﺭﻉ ﻣﻊ ﺃﺿﺪﺍﺩﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻵﺧﺮ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺗﻨﺒﻊ ﺍﺧﺘﻼﻁﺎﺕ ﻻ ﺣﺼﺮ ﻟﻬﺎ ﺗﺸﻜﻞ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﻧﺴﻴﺠﺎ ً ﺫﻭ ﻁﺎﺑﻊ ﺧﺎﺹ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺑﻪ ﺟﻤﻴﻊ‬
‫ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﻴﻦ ﻣﻦ ﻛﺎﻓﺔ ﺍﻻﺗﺠﺎﻫﺎﺕ‪ ،‬ﻷﻧﻬﺎ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﻤﻮﻣﻬﺎ ﻓﻼ ﺗﺨﺺ ﺍﺗﺠﺎﻫﺎ ً ﺑﻌﻴﻨﻪ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗﺒﺮﺯ‬
‫ﺍﺧﺘﻼﻁﺎﺕ "ﻧﻮﻋﻴﺔ" ﻟﻜﻞ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﻭﺗﺠﻤﻊ‪ ،‬ﻭﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺘﺪﻳﻨﻴﻦ ﻋﻤﻮﻣﺎ ً ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻷﺗﻬﺎﻡ‬
‫ﺑﺎﻛﻔﺮ ﻭﺍﻟﻬﺮﻁﻘﺔ ﻭﺍﻻﻧﺤﺮﺍﻑ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﺍﻟﺦ‪ ...‬ﺳﻼﺣﺎ ً ﻗﺎﺳﻴﺎ ً ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻁﺮﺍﻑ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﺯﻋﺔ‪.‬‬
‫ﻳﻨﺒﻊ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻣﺜﻼً ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺑﺎﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ‪ ،‬ﺃﻱ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺑﺎﺗﺠﺎﻩ ﻭﺍﺣﺪ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺸﻜﻞ‪ ،‬ﻓﺒﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺗﺒﺪﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﻘﻞ ﺍﻷﺷﻌﺎﻉ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻋﺒﺮ ﺍﻷﻋﻀﺎء ﺑﺎﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‬
‫ﻭﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻪ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺪﺍﺧﻞ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻁﻬﺮ ﻛﺎﻣﻞ ﻭﺧﺎﺭﺟﻬﺎ ﺩﻧﺲ ‪ .‬ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺄﺳﺎﺓ ﻣﺮﻭﻋﺔ ﻟﻸﻋﻀﺎء ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﻦ ﺍﻟﺠﺪﺩ‬
‫ﺍﻟﻤﺸﺒﻌﻴﻦ ﺑﻜﺜﺎﻓﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻁﻔﺔ ﻭﺍﻟﺤﻤﺎﺱ ﺣﻴﻦ ﻳﻜﺘﺸﻔﻮﻥ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺧﻄﺎء ﺣﻴﺚ ﻳﻨﻘﻠﺒﻮﻥ ﺑﺸﻜﻞ ﺣﺎﺩ‪،‬‬
‫ﺃﻭ ﻳﺼﺎﺑﻮﻥ ﺑﻮﻫﻂ ﺣﺎﺩ ﻻﻋﺘﻘﺎﺩﻫﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﺧﻠﻮﻫﺎ ﺗﻤﺜﻞ ﺍﻟﻄﻬﺮ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻓﻴﻨﻘﻠﺐ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺤﺎﺩ‬
‫‪۱۸۰‬ﺩﺭﺟﺔ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻮﻥ ﺍﻷﺑﻴﺾ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺳﻮﺩ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﻧﻌﻄﺎﻑ ﺣﺪ ﻓﻲ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺑﺮﻣﺘﻪ‪.‬‬
‫ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺍﺧﺘﻼﻁﺎﺕ ﻭﺗﻄﻮﺭﺍﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺗﺠﺎ ﻩ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺄﻥ ﺟﺰﻳﺮﺓ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ ﻣﻦ ﻁﻮﻓﺎﻥ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻫﻲ ﻓﻘﻂ‬
‫ﺟﻤﺎﻋﺘﻪ‪ ،‬ﻭﻻ ﺟﺰﺭ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ‪ ،‬ﻭﺟﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﻭﺍﻟﺘﻜﻔﻴﺮ ﻫﻲ ﻧﻤﻮﺫﺝ ﻟﻪ ﻧﺴﺦ ﻣﻜﺮﺭﺓ ﻓﻲ ﺑﻘﻊ‬
‫ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻋﺎﺻﺮﺗﻬﺎ ﺃﻧﺎ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻭﻛﻨﺖ ﺃﺣﺪ ﺷﺨﺎﺹ‬
‫ﻣﺴﺮﺣﻴﺘﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻝ ﻱ ﻋﺮﻓﻮﻧﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺗﻮﺛﻴﻖ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻟﻪ ﻭﻣﺮﺍﺟﻌﺔ‬
‫)ﺍﻟﻔﻴﺸﺔ (‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻨﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺿﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻘﻮﻳﻢ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻨﻈﺎﺭ ﺍﻟﻤﺤﺪﺩ ﺍﻟﺜﺎﺑﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻤﺢ‬
‫ﻟﻸﻋﻀﺎء ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﻣﻌﻲ ﻣﻊ ﺷﺨﺺ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﺯﺭﺗﻪ‬
‫ﻓﺎﺳﺘﻘﺒﻠﻨﻲ ﺑﺘﺨﻮﻑ ﻭﺟﻔﺎء‪ ،‬ﻭﺣﺼﻞ ﺍﺣﺘﻜﺎﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻌﻪ ﺃﺛﻨﺎء ﺗﺎﺑﺪﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺭﺍء ﻭﻣﻌﺎﺭﺿﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ‬
‫ﻟﻸﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﺽ‪ ،‬ﺛﻢ ﺫﻫﺐ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﻛﻬﻪ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﺧﺬ ﻓﻜﺮﺓ ﻋﻨﻲ ﻭﺍﺗﺠﺎﻫﻲ ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺥ‬

‫‪114‬‬
 ‫ﺍﻟﻀﻮء ﺍﻷﺧﻀﺮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻠﻘﺎء ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺓ ﺍﻟﻘﺎﺩﻣﺔ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻱ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺘﻪ ﺑﻘﻲ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻷﻓﻜﺮ ﻓﻲ ﺟﻮ‬
‫ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﺗﺘﻌﺮﺽ ﻟﻠﺘﻨﻘﻴﺔ ﺃﻛﺜﺮ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻷﺥ ﻧﺲﻣﻊ ﻣﻨﻪ ﻭﻧﻤﺮﺭ ﻟﻪ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﻣﻦ ﺃﻓﻜﺎﺭ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺠﻬﻠﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻪ ﺟﺎﻫﻠﻴﺔ ﻓﻴﺠﺐ ﺭﻓﻀﻬﺎ‬
‫ﻭﺭﺩﻫﺎ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻘﻮﺩﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺑﺤﺚ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﻤﺠﺴﺪﺓ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩﺓ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻛﺎﺗﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺧﺬ ﺍﻟﺘﺰﻛﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻳﺴﻤﻊ ﻷﻓﻜﺎﺭﻩ ﺑﺨﺸﻮﻉ‪ ،‬ﻭﻳﺘﻠﻘﺎﻫﺎ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻱ ﻣﻌﺎﺭﺿﺔ ﺃﻭ‬
‫ﺗﻤﺤﻴﺺ ﺣﻴﺚ ﻳﺤﺼﻞ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﻋﻤﻰ ﺍﻷﻟﻮﺍ ﻥ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺮﺕ ﻓﻜﺮﺓ ﻣﻀﻄﺮﺑﺔ ﺃﻭ ﻍ ﻳﺮ ﻣﻬﻀﻮﻣﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ ً ﻣﺮ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﻭﻗﻔﺰ ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺮﺕ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺠﻴﺪﺓ ﻭﻗﻒ ﺃﻣﺎﻣﻬﺎ‬
‫ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺃﺭﺧﻤﻴﺪﺱ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺟﺤﺼﻞ ﻣﻌﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺒﻌﻴﻨﺎﺕ ﻭﻧﺤﻦ ﻧﻬﻀﻢ ﻓﻜﺮ ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ ﺣﻴﺚ ﻛﻨﺎ ﻧﻤﺘﺺ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭﻧﻄﺒﻌﻬﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻷﻋﻤﺎﻕ ﻁﺍﻟﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻬﻴﺪ‪ ،‬ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻫﻲ ﺧﺘﻢ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﻭﺍﻟﺼﻮﺍﺏ ﻟﻸﻓﻜﺎﺭ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﺧﺘﻼﻁ ﺍﻹﺧﻼﺹ ﺑﺎﻟﺼﻮﺍﺏ ﻳﺠﻌﻞ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻴﻪ ﺳﻬﻠﺔ‪ ،‬ﺇﻥ ﻣﺼﺮﻉ ﺃﻧﻄﻮﺍﻥ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮ‬
‫ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﻻ ﻳﺠﻌﻞ ﻓﻲ ﺃﻋﻴﻨﻨﺎ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺻﺤﻴﺤﺎً‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﺗﻀﺤﻴﺔ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﻴﻦ ﻷﻓﻜﺎﺭﻫﻢ‬
‫ﻻ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺴﻠﻢ ﺑﺎﺻﺢﺓ ﻷﻓﻜﺎﺭﻫﻢ‪ ،‬ﻛﻞ ﻣﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻟﻪ ﺇﻧﻬﻢ ﻛﻨﻮﺍ ﺻﺎﺩﻗﻴﻦ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺃﻓﻜﺎﺭﻫﻢ ﻻ‬
‫ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻳﺎ ً ﻛﺎﻥ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ‪ .‬ﺍﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺇﻥ ﺍﺿﻐﻂ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻳﺠﻌﻞ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻣﻌﺎﻛﺴﺎ‪ً،‬‬
‫ﺃﻱ‪ :‬ﺃﻥ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﺗﻤﻴﻞ ﻟﺤﻤﺎﺱ ﺍﻷﻛﺜﺮﻳﺔ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺃﻥ ﺍﻟﻜﻢ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺭ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ‬
‫ﺍﻟﺦﻁﻴﺮﺓ‪ ،‬ﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻻ ﺣﻈﻨﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﻗﻴﺎﺩﻱ ﻛﺎﻥ ﺿﺪ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻓﻠﻤﺎ ﻭﻗﻌﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻔﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺍﻷﻛﺜﺮﻳﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺗﺤﻮﻝ ‪ ۱۸۰‬ﺟﺮﺟﺔ ﻭﺭﺍﺡ ﻳﺴﺒﻘﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﺒﻨﻲ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺗﺤﺖ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﺢ‪.‬‬
‫ﺃﻥ ﺃ ﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻴﺎﻻﺟﻮﺍء ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ ﻳﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺿﺪ ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺻﺮﺡ ﺑﻪ ﺭﺟﻞ‬
‫ﺑﺎﺭﺯ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺇﺳﻼﻣﻲ ﺣﻴﺚ ﺍﻋﺘﺮﻑ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻌﻤﻞ ﺿﺪ ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻪ ﻷﻧﻪ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻔﻘﻞ ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺴﻮﻑ ﻳﺘﻬﻢ‬
‫ﺑﺎﻟﺨﻴﺎﻧﺔ؟!‬
‫ﻓﺈﺫﺍ ﺣﻠﺖ ﺍﻟﻜﺎﺭﺛﺔ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻛﻦ ﻣﺸﺠﺐ ﻟﻤﻬﺎﺯﻝ ﺟﺎﻫﺰﺍً‪ ،‬ﺳﺒﺤﺎﻧﺔ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻤﺎ ﻳﺼﻔﻮﻥ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ؟‬
‫ﺇﻧﻬﻢ ﺑﺬﻟﻮﺍ ﺟﻬﺪﻫﻢ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﷲ ﺷﺎءﺕ ﺷﻴﺌﺎ َ ﺁﺧﺮﺍً◌َ ﺃﻣﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﺃﺧﻄﺄﻭﺍ ﻓﻼ ﻛﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﻣﻊ ﺍ ﻟﻤﺆﺫﻥ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﻣﺘﺄﺧﺮﺍً ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ﺭﺍﺟﻌﻮﻥ ﻣﻦ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﺼﺒﺢ ﻓﻠﻤﺎ ﺳﺌﻞ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﺗﺄﺧﻴﺮﻩ ﻗﺎﻝ ﺃﻧﺎ ﻟﻢ‬
‫ﺗﺄﺧﺮ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺃﺷﺮﻗﺖ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺑﺎﻛﺮﺍً‪ .‬ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻓﺘﺮﺍﺽ ﺣﺼﻮﻝ ﺗﻐﻴﺮﺍﺕ ﻛﻮﻧﻴﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺧﻼﻑ ﺳﻨﺔ‬
‫ﷲ ﺃﺳﻬﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ؟!‪....‬‬
‫ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺍﻷﻣﺜﻠﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺮﺓ ﺑﺎﻟﺘﺴﺠﻴﻞ ﻓﻲ ﻣﻮ ﺿﻮﻉ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﻤﺠﺮﺟﺪﺓ ﻭﺍﻟﻤﺠﺴﺪﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﻠﻐﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺟﺮﺍﻫﺎ‬
‫ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺫﻛﺎء ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺸﺒﻴﺒﺔ ﺍﻟﻤﺘﺤﻤﺴﻴﻦ ﻟﻔﻜﺮ ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ ﻭﺍﻟﻤﺘﻌﺼﺒﻴﻦ ﺿﺪ ﻓﻜﺮ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﺣﻴﺚ‬
‫ﻗﺎﻡ ﺑﺬﻛﺮ ﻓﻜﺮﺓ ﻫﻲ ﻟﻤﺎﻟﻚ ﻧﺴﺒﻬﺎ ﻟﺴﻴﺪ ﻓﺎﺳﺘﺴﺤﻨﻬﺎ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﺃﻧﻜﺮﻭﻫﺎ ﻓﻠﻤﺎ ﺃﻋﺎﺩ ﻛﻞ ﻓﻜﺮﺓ‬
‫ﺇﻟﻰ ﻣﺤﻠﻬﺎ ﺷﻌﺮﻭﺍ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﺝ ﻭﺍﻷﺳﻒ‪.‬‬

‫ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ‬

‫ﺁﻳﺘﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺗﻠﻔﺖ ﺍﻟﻨﻈﺮ )ﻳﻄﻌﻤﻮﻥ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺣﺒﺔ ﻣﺴﻜﻴﻨﺎ ً ﻭﻳﺘﻤﻴﺎ ً ﻭﺃﺳﻴﺮﺍ ﺇﻧﻤﺎ ﻧﻄﻌﻤﻜﻢ‬
‫ﻟﻮﺟﻪ ﷲ ﻻ ﻧﺮﻳﺪ ﻣﻨﻜﻢ ﺟﺰﺍء ﻭﻻ ﺷﻜﻮﺭﺍ ( )‪۸ :۷٦‬ـ‪) ،(۹‬ﺃﻭ ﺇﻁﻌﺎﻡ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﺫﻱ ﻣﺴﺒﻐﺔ ﻳﺘﻴﻤﺎ ً ﺫﺍ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﺃﻭ‬
‫ﻣﺴﻜﻴﻨﺎ ً ﺫﺍ ﻣﺘﺮﺑﺔ( )‪۱٤ :۹۰‬ـ‪.(۱٦‬‬
‫ﻣﻦ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻧﺮﻯ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﺗﺘﻘﺪﻡ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎﻡ ﻣﻊ ﺣﺎﺟﺘﻬﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺳﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ‬
‫ﻛﻮﻧﻪ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎ ً ﻣﺤﺘﺎﺟﺎ ً ﻓﻘﻂ ﻣﺜﻠﺔ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﻭﺍﻟﻴﺘﻴﻢ‪ ،‬ﺳﻮﺍء ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺁﺧﺮ ﻣﻌﺎﺩﻱ ﻷﻓﻜﺎﺭﻧﺎ ـ ﻷﻥ‬
‫ﺍﻷﺳﻴﺮ ﻫﻮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﺗﻞ ﻣﺠﺘﻤﻌﻨﺎ ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ ﻭﻭ ﻗﻊ ﺃﺳﻴﺮﺍً ً◌ ً◌ ً◌‪ ،‬ﺃﻭ ﺫﻟﻚ‬
‫ﺍﻟﺴﺠﻴﻦ ﺍﻟﻤﺤﺘﺎﺝ ﻣﻦ ﺃﻱ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺑﺴﺒﺐ ﻧﺸﺎﻁﻪ ﻟﻔﻜﺮﺗﻪ ـ ﻭﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﺽ ﺗﻮﺑﻴﺦ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻗﺮﻳﺶ‬

‫‪115‬‬
‫ﺍﻟﻤﺴﺘﻜﺒﺮ )ﻛﻼ ﺑﻞ ﻻ ﺗﻜﺮﻣﻮﻥ ﺍﻟﻴﺘﻴﻢ ﻭﻻ ﺗﺤﻀﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻁﻌﺎﻡ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ( )‪۱۷ :۸۹‬ـ‪ (۱۸‬ﻭﻻ ﺗﺤﺎﺿﻮﻥ‪،‬‬
‫ﻻ ﻳﺨﺾ ﺑﻌﻀﻜﻢ ﺑﻌﻀﺎً‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺧﻠﻘﺎ ً ﻋﺎﻣﺎ ً ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﺇﻋﺎﻧﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‬
‫ﺍﻟﻤﺤﺘﺎﺝ ﺃﻳﺎ ً ﻛﺎﻥ ﺩﻳﻨﻪ ﻭﺍﺗﺠﺎﻫﻪ ‪ .‬ﺇﻥ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ ﺿﻴﻘﺔ ﻣﺘﻘﻠﺼﺔ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﺍﻷﻓﻖ ﺗﻀﺤﻚ ﻟﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ‪ ،‬ﻭﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺭﻓﺪ ﻭﻣﺪ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺤﻄﻤﻪ‪.‬‬

‫ﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﺟﻮ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ‬
‫ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ً ﻓﻲ ﺟﻮ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﻤﺎء‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺠﻮ ﺍﻟﺤﺰﺑﻲ ﻫﻮ ﻋﻘﻢ ﻷﻥ ﺝﻭ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻣﻔﻘﻮﺩ‪،‬‬
‫ﺇﻥ ﺗﺴﻠﺢ ﺍﻟﺤﺰﺑﻲ ﺑﺄﺭﺍء ﻣﺤﺪﺩﺓ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻳﻘﺎﻭﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻧﻈﺮﺍً ﻷﻥ ﺣﻠﻘﺎﺕ‬
‫ﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺲ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻋﻤﺪﺕ ﺇﻟﻰ ﺗﻜﺮﻳﺲ ﻭﺗﻌﻤﻴﻖ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺭﺍء ﻣﻦ ﻭﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻛﺎﻥ ﻫﺪﻓﻬﺎ ﺗﺜﺒﻴﺖ‬
‫ﻭﺗﻌﻤﻴﻖ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺭﺍء ﻭﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺇﺿﻌﺎﻑ ﻣﺎ ﻳﺨﺎﻟﻔﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﻋﻘﻞﻳﺔ ﺍﻟﺤﺰﺑﻲ ﺗﺸﻜﻠﺖ ﺫﺍﺕ ﺍﺗﺠﺎﻩ‬
‫ﻭﺍﺣﺪ ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﻥ‪.‬‬
‫ﻭﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺤﺰﺑﻲ ﻳﻤﻴﻞ ـ ﻭﺑﻔﻌﻞ ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﺃﻳﻀﺎ ً ـ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺑﺮﻓﻘﺎﺋﻪ ﺍﻟﺴﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﻴﻦ ﺑﻤﻌﻨﻰ‬
‫ﺭﻓﺎﻕ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ‪ ،‬ﻭﺇﺫﺍ ﺣﺼﻞ ﺃﻥ ﺍﺟﺘﻤﻊ ﺑﺄﻧﺎﺱ ﻳﺨﺎﻟﻔﻮﻧﻪ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﻓﻬﻮ ﻣﻌﺰﻭﻝ ﻋﻨﻬﻢ ﺑﺤﺎﺟﺰ ﻧﻔﺴﻲ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ‬
‫ﺷﻲء‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺑﺪﺃ ﺍﻟﺐﺣﺚ ﻛﺎﻥ ﻣﻀﻨﻴﺎ ً ﺷﺎﻗﺎً‪ ،‬ﻭﺇﺫﺍ ﺗﻄﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﻭﺿﻊ ﻧﺰﺍﻉ ﻛﺎﻥ ﺍﺳﺘﻘﺼﺎء‪.‬‬
‫ﻟﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﺟﻮ ﺍﻟﻠﻘﺎء ﺑﻴﻦ ﻣﺠﺎﻣﻠﺔ ﻭﺗﻤﻀﻴﺔ ﻭﻗﺖ‪ ،‬ﺃﻭ ﺑﻴﻦ ﺻﺮﺍﻉ ﻭﺷﺪ ﻭﺟﺬﺏ‪.‬‬
‫ﻭﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﻧﺘﻴﺠﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﺤﺰﺑﻲ ﻋﻨﺼﺮﺍً ﻣﺨﻠﺼﺎ ً ﺗﻨﻔﻴﺬﻳﺎ ً ﻻ ﻳﻔﻜﺮ ﻛﺜﻴﺮﺍً‪ ،‬ﺃﻭ ﺃﻥ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ‬
‫ﺩﻭﺍﻣﺔ ﺍﻻﺟﺘﺮﺍﺭ ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺟﻊ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ ﺍﻝﻧﺸﺎﻁ ﻭﺗﺮﻙ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﻭﻅﻴﻔﻴﺎ ً ﺃﻱ ﻳﺤﻜﻢ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻻﻋﺎﻟﻦ‬
‫ﺍﻟﺮﺳﻤﻲ‪ ،‬ﺃﻭ ﺃﻥ ﻳﺘﻄﻮﺭ ﻓﻴﺘﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﻌﺘﺒﺔ ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ ﺇﻣﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﺃﻭ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺑﻌﺪ ﺟﺪﻳﺪ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺄﺻﺤﺎﺏ ﺍﻷﻗﻼﻡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻓﻲ ﺳﻮﺍﺑﻘﻢ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺣﺰﺑﻴﺔ ﺗﺠﺎﺯﻭﺕ ﺍﻟﻌﺘﺒﺔ‬
‫ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ‪.‬‬

‫‪ ٦‬ـ ﺍﻟﺨﻠﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻴﺔ ﻟﻠﺴﺎﺣﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ‬

‫ﺇﻥ ﻓﻜﺮ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻷﺻﻞ ﺃﺻﻴﻞ ﺗﻘﺪﻣﻲ‪ ،‬ﺍﻟﻤﻔﺘﺮﺽ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ‬
‫ﺍﻟﻤﺘﺨﻠﻒ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻓﻜﺮﺍً ﺩﺳﻢ‪ ،‬ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﺩﺳﻤﺔ ﺑﺎﻟﻮﺍﻗﻊ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ‪ .‬ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ‬
‫ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺑﻬﺪﻭء ﻭﺗﺮﺳﻢ ﺧﻄﺎﻫﺎ‪ ،‬ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﻨﺎﺑﻌﻬﺎ‪ ،‬ﻭ ﻧﻘﺎﻁ ﺗﺸﻜﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﺿﻨﺎ ﻟﻬﺎ‬
‫ﻓﻲ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﺃﻱ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻟﻠﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺑﺪﺃ ﺧﻠﻖ ﺍﻷﺷﻴﺎء )ﻗﻞ ﺳﻴﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ‬
‫ﻓﺎﻧﻈﺮﻭﺍ ﻛﻴﻒ ﺑﺪﺃ ﺍﻟﺨﻠﻖ( )‪ ...(۲۰ :۲۹‬ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺧﻠﻔﻴﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺇﻧﻘﻼﺑﺎ ً‬
‫ﻫﺎﺋﻼً ﻓﻲ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻢ ﺟﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺘﺨﻠﻒ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﺳﻴﻘﻮﺩﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻋﺪﺓ ﻅﻮﺍﻫﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻭﺭﻭﺍﻓﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﺟﻮ ﻭﻛﺘﺎﺏ ‪ .‬ﻭﻧﻈﺮﺍً‬
‫ﻷﻧﻨﺎ ﻓﻲ ﺇﺳﺘﻌﺮﺍﺽ ﺳﺮﻳﻊ ﻭﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻧﻜﺘﻔﻲ ﺑﺬﻛﺮ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ‪ :‬ﺇﻥ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺃﻱ‬
‫ﻓﻜﺮ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺩﺭﻩ ﻫﺬﻩ ﻛﻘﺎﻋﺪ ﺓ ﺃﻭﻟﻰ ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﺮﺽ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺇﺫﺍ ﺗﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻣﺼﺪﺭﻳﺔ‬
‫ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻻ ﺣﺮﺝ ﻣﻦ ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ ﻭﺗﻌﻠﻴﻘﺎﺕ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺗﺘﻤﺎﺕ ﻭﺗﺰﻳﻨﺎﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻮ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﻲ‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺒﻘﻰ ﺍﻷﻣﺮ ﺣﺴﺐ ﺳﻠﻢ ﺍﻷﻭﻟﻮﻳﺎﺕ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﺇﺫﺍ ﺭﺟﻌﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﻮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﺷﻌﺮﻧﺎ ﺃﻥ ﺳﻠﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺕ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ ﻗﺪ ﻭﺿﻊ ﺭﺃﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺐ ﺑﻤﻌﻨﻰ‬
‫ﺃﻥ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﺨﻔﻴﻔﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺣﺔ ﺍﻟﺘﻐﺬﻳﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺃﻣﺎ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺩﺭﻩ ﻓﻀﻼً‬
‫ﻋﻦ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺼﺪﻣﺮﻳﺔ ﻓﻬﻲ ﻟﻢ ﺗﺘﺸﻜﻞ ﺣﺘﻰ ﺍﻷﻥ‪ ،‬ﺑﺈﺳﺘﺜﻨﺎء ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺮﻭﺍﺩ ﺍﻟﻘﻼﺋﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ‬
‫ﻳﺸﺘﻐﻠﻮﻥ ﺑﺠﻬﻮﺩﻫﻢ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ‪ .‬ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺇﻋﺘﺮﺍﺽ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﻓﺠﻮﺍﺑﻲ ﻛﻢ ﻳﺎ ﺗﺮﻯ ﻣﻦ ﻁﺒﻘﺔ‬
‫"ﺍﻟﻔﻬﻤﺎﻧﻴﻦ" ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﺟﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﻭﺩﺭﺳﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻔﻜﺮ؟‪....‬‬

‫‪116‬‬
 ‫ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﺽ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺒﺘﺪﺋﻴﻦ ﻻ ﻳﺼﺢ ﺗﻠﻘﻴﻨﻬﻢ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺪﺳﻢ ﻭﺍﻟﻤﺼﺪﺭﻱ ﺑﻞ ﺍﻟﺒﺪء‬
‫ﻱ ﺑﺤﺚ‬ ‫ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺴﻴﻂ ﻭﺫﻱ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ ﺃﻭ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ ﻭﺍﻟﺮﺃﻱ ‪ .‬ﻓﺎﻟﺠﻮﺍﺏ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺘﻌﺪﺩ ﻭﻟﻜﻦ ﺳﻨﺬﻛﺮﻩ ﻑ‬
‫ﺣﻠﻘﺖ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ‪ ،‬ﻭﺃﺷﺎﺭ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﻋﻦ ﻁﺮﺍﺋﻖ ﺍﻟﺘﻌﻠﻢ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ‪ ،‬ﻭﺃﻧﻬﺎ ﺗﺪﻭﺭ ﻓﻲ‬
‫ﺛﻼﺙ ﺣﻠﻘﺎﺕ ﺗﺨﺘﻢ ﺑﺎﻟﻬﻀﻢ ﻭﺍﻟﺘﻤﻜﻦ ﻭﻳﺨﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺟﻮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﺑﻘﻲ ﻳﺪﻭﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺣﺘﻰ ﺳﻘﻂ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﺍﺭ!‪...‬‬

‫‪ ۷‬ـ ﺧﻠﻞ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﻓﻲ ﻛﻴﺎﻥ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ‪ ،‬ﻭﻋﻼﻗﺔ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﻷﻏﻼﻁ‬

‫ﺍﻟﻜﺮﻭﻣﻮﺯﻭﻣﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ‬
‫ﺇﻥ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻹﻧﺘﺒﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺫﻭ ﺃﺛﺮ ﺣﺎﺳﻢ )ﻣﺎ ﻟﻜﻢ ﻻ ﺗﺮﺟﻮﻥ ﷲ ﻭﻗﺎﺭﺍً ﻭﻗﺪ ﺧﻠﻘﻜﻢ ﺃﻁﻮﺍﺭﺍً (‬
‫)‪ ۱۳ :۷۱‬ـ ‪) (۱٤‬ﻭﷲ ﺃﻧﺒﺘﻬﻜﻢ ﻣﻦ ﺍﻷﺭﺽ ﻧﺒﺎﺗﺎ ً ﺛﻢ ﻳﻌﻴﺪﻛﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻳﺨﺮﺟﻜﻢ ﺇﺧﺮﺍﺟﺎ ً ( )‪۱۷ :۷۱‬ـ ‪(۱۸‬‬
‫)ﻟﺘﺮﻛﺒﻦ ﻁﺒﻘﺎ ً ﻋﻦ ﻁﺒﻖ( )‪ ،(۱۹ :۸٤‬ﻓﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﻛﻠﻪ ﻣﺤﻜﻮﻡ ﺑﻖﺍﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ‪ ،‬ﺇﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ‪،‬‬
‫ﺍﻷﺣﻴﺎء‪ ،‬ﺧﻠﻖ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﻀﻮﻱ ﻭﻫﻜﺬﺍ‪....‬‬
‫ﺇﻥ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﻭﺗﻜﻮﻧﻬﺎ ﻻ ﻳﺨﺮﺝ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ‪ ،‬ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﻈﻢ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺗﺸﻜﻠﻬﺎ‬
‫ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺗﻄﻮﺭﻫﺎ‪ ،‬ﺃﻣﺮﺍﺿﻬﺎ‪ ،‬ﺗﺤﻠﻠﻬﺎ ﻭﻣﻮﺗﻬﺎ ﻭﻫﻜﺬﺍ‪....‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻷﺣﻴﺎء ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﺾﺍﺭﺍﺕ ﻻ ﺗﺸﺬ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ‪ ،‬ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻤﺘﺎﺯ‬
‫ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺑﻨﻮﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺴﺘﻮﻯ‪.‬‬
‫ﺇﺫﺍ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻧﺮﻯ ﺃﻥ ﻣﺴﻴﺮﺗﻪ ﺗﻤﺸﻲ ﺑﺈﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ‪ ،‬ﻓﻬﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﻳﺪﻓﻊ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻔﺮﺩ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻛﺘﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺗﻤﺸﻲ ﺑﻮﻋﻲ ﻓﻲ ﺇﺗﺠﺎﻩ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺪﻑ ﻣﺎ ﻝ ﻫﺎ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺗﺸﻜﻞ‪،‬‬
‫ﻭﻗﺎﻧﻮﻥ ﺗﻄﻮﺭ ﻳﻨﺘﻈﻤﻬﺎ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ‪ ،‬ﻭﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ‬
‫ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﻨﺤﻨﻰ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ‪.‬‬
‫ﻟﻬﺬﺍ ﺗﻌﻤﺪ ﺍﻷﺣﺰﺍﺏ ﻭﺍﻟﺘﺸﻜﻴﻼﺕ ﺇﻟﻰ ﻣﺆﺗﻤﺮﺍﺕ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ‪ ،‬ﻭﻧﻘﺪ ﺫﺍﺗﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﻦ ﻭﺍﻵﺧﺮ ﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﻣﺴﻴﺮﺓ‬
‫ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ‪ ،‬ﻫﺬﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺠﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻮﺍﻋﻴﺔ‪ .‬ﺍﻟﺘﻲ ﺇﻧﺘﺒﻬﺖ ﺇﻟﻰ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ‪.‬‬
‫ﻭﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻹﻋﺘﺒﺎﺭﻱ ﻫﺬﺍ ﺑﻴﻦ ﺣﻴﻦ ﻭﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ‬
‫ﻧﻘﺎﻁ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ‪ ،‬ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ‪ ،‬ﻭﺇﻧﺬﺍﺭﻩ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ ‪ .‬ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻣﻨﺤﻨﻲ ﺃﻭﻝ‬
‫ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ‪:‬‬
‫ﺃ ـ ﻣﻨﺤﻨﻰ ﺃﻭﻝ ﺯﻣﻦ ـ ﻓﻜﺮ‬
‫ﻓﺎﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﺣﺪﺍﺛﻴﺎﺕ ﺃ ـ ﺏ‬
‫ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻤﻨﺤﻨﻰ ﻳﻔﻴﺪﻧﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ‬
‫ﻭﺇﻧﺬﺍﺭﻩ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ ﻭﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻟﺘﺼﺤﻴﺤﻪ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﺫﺍ ﺗﻢ ﺍﻹﻧﺘﺒﺎﻩ ﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﺇﺳﺘﺨﻔﺎﻑ ﻭﺇﺳﺘﻬﺰﺍء ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ!! ﺗﺠﻌﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻀﺒﻂ‪.‬‬
‫ﺏ ـ ﻳﻤﻜﻦ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺤﻴﺎﺕ ﻣﺜﻼً ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺑﻜﺴﺐ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ‪ ،‬ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻜﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻜﻴﻔﻴﺔ‪،‬‬
‫ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺑﺈﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻜﺘﺐ‪ ،‬ﻧﻮﻋﻴﺔ ﺍﻟﻜﺘﺐ‪ ،‬ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻭﻫﻜﺬﺍ ‪ ....‬ﺩﻭﻣﺎ ً ﻧﻔﺎﺟﺄ ﺑﺈﻋﺘﺮﺍﺽ ﻣﻔﺎﺩﻩ‬
‫ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﺋﻴﻦ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺤﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻘﻴﻨﻬﻢ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻝﻹﺳﻼﻡ‪ ،‬ﻭﺇﻋﺘﺮﺍﺽ ﺁﺧﺮ‬
‫ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻣﺴﻠﺤﻴﻦ ﺑﻜﻤﻴﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪ ،‬ﻭﺍﻋﺘﺮﺍﺽ ﺛﺎﻟﺚ ﺃﻥ ﺍﺻﺤﺎﺑﺔ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻤﻴﻠﻮﻥ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﻟﻮ ﺑﺂﻳﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻠﻴﺴﺖ ﺍﻟﻌﺒﺮﺓ ﺑﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ؟!‪.‬‬
‫)ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ً ﺑﺸﻲء ﻣﻦ ﺍﻟﻀﺤﻚ ﺩﻋﻮﻧﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻔﺎﺭﻏﺔ؟!(‪...‬‬

‫‪117‬‬
 ‫ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕ ﺛﻼﺙ‬
‫ﺃ ـ ﺍﻋﺘﺮﺍﺽ ﺃﻭﻝ ‪ :‬ﻫﻞ ﺗﺮﻳﺪﻭﻥ ﺗﻠﻘﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻜﻔﺮ‪ ،‬ﺛﻢ ﺇﻥ‬
‫ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﺉ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻌﻠﻤﻪ ﺃﻭﻻً ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﺒﺴﻴﻂ؟!‪..‬‬

‫ﻟﻠﺠﻮﺍﺏ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﺽ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻘﺴﻢ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﻗﺴﻤﻴﻦ‪:‬‬

‫‪۱‬ـ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﺋﻴﻦ ‪ ۲ .‬ـ ﺛﻢ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﻴﻦ‪ ،‬ﺛﻢ ﺍﻹﻧﺘﺒﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ‬
‫ﻟﻦ ﻭﻗﻔﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺍﻟﺠﻠﺴﺔ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻟﺘﻠﻘﻴﻦ ﺍﻷﻋﻀﺎء ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ‪.‬‬ ‫ﺟﻮﻟﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻭﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﺍ‬
‫ـ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﺋﻴﻦ ﻭﻫﻨﺎ ﻓﻜﺮﺗﺎﻥ ‪" .‬ﺃ" ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻳﺠﺐ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﻋﺘﺒﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺨﻠﻔﻴﺔ‬
‫ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻧﻮﻋﻴﺔ ﺇﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﻠﻘﻴﻦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻟﺨﺒﻴﺮ ﺍﻹﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ ﻏﻴﺮ ﺗﻠﻘﻴﻦ ﺍﻹﺳﻼﻡ‬
‫ﻟﻊﺍﻣﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻳﻂ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻳﻌﻤﻞ ﻁﻮﻝ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻲ ﻟﺤﺎﻡ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ‪ ،‬ﻭﺗﻠﻘﻴﻦ ﺍﻹﺳﻼﻡ‬
‫ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻢ ﻳﻨﻪ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻹﺑﺘﺪﺍﺋﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻭﻫﻜﺬﺍ‪.‬‬
‫ﻳﺢ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ‬ ‫ﻭﻫﺬﺍ ﻟﻴﺲ ﺍﺣﺘﻘﺎﺭﺍً ﺃﻭ ﺇﻧﻘﺎﺻﺎ ً ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ ﺃﻱ ﺇﻧﺴﺎﻥ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺍﻟﺼﺢ‬
‫ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻣﻌﻬﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺟﺪﻟﻴﺔ ﻓﻘﺪ ﻳﺼﻞ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺑﻌﺎﻣﻞ ﺑﺴﻴﻂ ﺇﻟﻰ ﺭﺟﻞ ﻓﻜﺮ‬
‫ﻣﻬﻢ‪.‬‬
‫)ﺏ( ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻹﻧﺘﺒﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﻧﺔ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻋﺮﺽ ﺍﻟﻤﺒﺪﺉ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻔﻜﺮ‬
‫ﺍﻷﺧﺮ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪ ﻭﺑﺸﻜﻞ ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻌﺮﻑ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻭﺻﺤﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﻗﻮﺗﻪ ﻋﻞﻯ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻣﻊ ﺍﻟﻔﻜﺮ‬
‫ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻘﻮﻣﻲ‪ ...‬ﺍﻟﺦ‬
‫ﻭﻳﺒﺮﺯ ﺃﻋﺘﺮﺍﺽ ﺟﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻧﻘﺎﻭﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻌﺮﺽ‪ ،‬ﻭﻭﺟﻬﺔ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺆﻣﻦ ﺑﻬﺎ‬
‫ﻫﻲ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﻧﺔ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﺳﺘﻌﺮﺍﺽ ﻣﻄﻮﻝ ﻓﻲ ﺣﺪﻭﺩ ﻧﺼﻒ ﺃﻛﺒﺮ ﺳﻮﺭﺓ ﻗﺮﺁﻧﻴﺔ‬
‫ﻓﻲ ﺇﺳﺘﻌﺮﺍﺽ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻱ‪ ،‬ﻭﻣﺸﻜﻠﺘﻪ‪ ،‬ﻭﺃﺯﻣﺎﻥﻩ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻟﻞ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻭﺻﺤﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﻥ‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ ﺣﻆ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻋﻠﻰ ﺃﺷﺪﻩ ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺧﻂ‬
‫ﺍﻹﺣﺘﺎﻙ ﺍﻟﻴﻮﻣﻲ ﺳﻮﻑ ﻳﻠﺠﺄ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﻥﺓ‪ ،‬ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎ ﻳﺤﻤﻞ ﺍﻵﺧﺮ ﻣﻦ ﻓﻜﺮ‪ ،‬ﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﻔﺎﺭﻕ ﻫﻨﺎ‬
‫ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺒﺪ ﺉ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻹﻧﻌﻜﺎﺱ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺩﺭﺍﺳﺘﻨﺎ ﻭﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻂ ﺍﻷﻭﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺮﺿﺘﻪ ﻳﻜﻮﻥ‬
‫ﻣﻨﻬﺠﻴﺎ ً ﺧﺼﺒﺎ ً ﻳﻨﻄﻠﻖ ﺑﺎﻟﻔﺮﺩ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻷﺧﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺨﻂ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺘﺼﺮﻓﺎﺕ ﺗﺨﻀﻊ‬
‫ﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﻭﻟﻴﺲ ﺳﻠﻴﻤﺔ ﺩﻭﻣﺎ ً‪.‬‬
‫ﻧﺨﻠﺺ ﺑﻬﺬﺍ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻳﺘﺴﻠﺢ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻤﺘﺎﺯ‪ ،‬ﻭﻳﻈﻬﺮ ﺗﻔﻮﻗﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺍﻷ ﺧﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻓﻲ‬
‫ﻧﻘﺎﺷﺎﺗﻲ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻛﻨﺖ ﺃﻛﺮﺭ ﻟﻬﻢ ﺃﻧﻲ ﺩﺭﺳﺖ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ﻓﻬﻞ ﺩﺭﺳﺘﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺟﻮﺍﺑﻬﻢ ﻻ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫ﺃﺷﺮﺡ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻔﺮﻭﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻭﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺃﺳﺎﺳﺎﺕ ﺃﺷﻌﺮ ﺃﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮﻧﻬﺎ‪ ،‬ﺻﺤﻴﺢ ﺃﻥ‬
‫ﺍﻟﻤﺘﻤﻜﻨﻴﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺇﻟﻤﺎﻡ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺩﺭﺱ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻀﻼً ﻋﻤﻦ ﺇﻁﻠﻊ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﻧﺪﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﺍﻷﺣﻤﺮ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻧﺒﺮﺉ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻬﻢ ﻳﻌﺘﺒﺮﻭﻧﻪ ﻣﺤﺮﻓﺎ ﻭﻟﺬﺍ ﻻ ﻳﻄﻠﻌﻮﻥ ﻋﻠﻴﻪ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻋﺘﺮﺍﺿﻲ ﺃﻥ ﺍﻹﻁﻼﻉ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﻨﺎ‪.‬‬
‫ﻓﻌﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻟﻢ ﺃﻋﺜﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﻻﻧﺎﺟﻴﻞ ﺍﻟﻤﺘﻮﻓﺮﺓ ﺑﻴﻦ ﺃﻳﺪﻳﻨﺎ )ﺍﻷﺭﺑﻌﺔ ﻟﻮﻗﺎ‪ ،‬ﻣﺘﻰ‪ ،‬ﻣﺮﻗﺺ‪ ،‬ﻳﻮﺣﻨﺎ (‬
‫ﻋﻠﻰ ﻟﻔﻆ ﻭﺍﺣﺪ ﺻﺮﻳﺢ ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ )ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ( ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻧﻪ ﷲ‪ ....‬ﻛﻞ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻫﻮ ﻟﻔﻆ‬
‫ﺍﺑﻦ ﷲ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ﻭﺭﺩ ﻟﻔﻆ ﺍﺑﻦ ﷲ ﻋﻦ ﺣﻮﺍﺭﻳﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ )ﻛﻲ ﺗﻜﻮﻧﻮﺍ ﻛﺎﻣﻠﻴﻦ ﻣﺜﻞ ﺃﺑﻴﻜﻢ ﺍﻟﺬﻱ‬

‫‪118‬‬
 ‫ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ( ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺣﻴﺚ ﻳﻄﻞ ﻟﻔﻆ ﺍﺑﻦ ﷲ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺼﻨﻊ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ "ﻁﻮﺑﻰ‬
‫ﻟﺼﺎﻧﻌﻲ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻷﻧﻬﻢ ﺃﺑﻨﺎء ﷲ ﻳﺪﻋﻮﻥ(‪ ،‬ﻭﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ‪ ،‬ﺇﻥ ﻣﺎ ﻳﻠﻔﺖ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻫﻮ ﻛﻮﻥ ﺃﻟﻮﻫﻴﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻟﻢ‬
‫ﺗﻘﺮﺭ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺎ ً ﺇﻟﻰ ﺑﻤﺠﻤﻊ ﻧﻴﻘﻴﺔ ﻋﺎﻡ ‪ ۳۲٥‬ﻣﻴﻼﺩﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺘﺜﻠﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﺜﺒﺖ ﻓﻲ ﺍ ﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺇﻻ ﺑﻤﺠﻤﻊ‬
‫ﻣﻘﺪﻭﻧﻴﺔ ﻋﺎﻡ‪ ۳۸۹‬ﻣﻴﻼﺩﻳﺔ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺪﺭﻙ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﺎﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺎ ً ﻷﻧﻪ ﻣﻊ ﺧﺘﺎﻡ ﺍﻟﻘﺮﻥ‬
‫ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ ﻭﻋﻘﺎﺑﻴﻠﻪ ﺧﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﻛﺘﻌﻠﻴﻢ ﺑﺴﻴﻂ ﻳﺪﻋﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻭﺇﺳﺘﺒﺪﻝ ﺑﺪﻻً ﻣﻨﻪ ﺑﺘﻌﻠﻴﻢ‬
‫ﻏﺮﻳﺐ ﻟﻢ ﻳﺄﺗﻰ ﺑﻪ‪ ،‬ﻳﺸﻬﺪ ﻟﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﺍﻷﻧﺎﺟﻴﻞ ﺍﻟﻤﻮﺝﻭﺩﺓ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﻣﻊ ﻣﺎ ﺃﺻﺎﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺤﺮﻳﻒ‬
‫ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ‪ ،‬ﻭﺗﺮﺟﻤﺔ ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻔﻬﻢ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺟﺎء ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺃﻭ ﻣﺒﺮﺭ ﻣﺠﻴﺊ‬
‫ﺍﻷﺳﻼﻡ‪.‬‬
‫ﻭﻧﻌﻮﺩ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﺽ ﻓﻲ ﺿﻮء ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ﻭﻧﻘﻮﻝ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﺍﻧﺘﺒﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ‬
‫ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻣﻦ ﻋﺘﺒﺔ ﺍﻝﻣﺒﺘﺪﺉ ﺇﻟﻰ ﻋﺘﺒﺔ ﺍﻹﺧﺘﺼﺎﺻﻲ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻗﺪ ﻣﻀﻰ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺟﻴﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﻗﺮﺍﺑﺔ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎﻡ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻪ ﺍﻟﺸﻬﻴﺮﺓ ﺍﺷﺎﺭ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﻤﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻘﺎﻝ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ ‪" :‬ﺃﻋﻠﻢ‬
‫ﺃﻥ ﺗﻠﻘﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻟﻠﻤﺘﻌﻠﻤﻴﻦ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻔﻴﺪﺍً ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺞ ﺷﻴﺊ ﺍً ﻓﺸﻴﺌﺎً‪ ،‬ﻭﻗﻠﻴﻼً ﻗﻠﻴﻼً‪ ،‬ﻳﻠﻘﻰ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ﺃﻭﻻً ﻣﺴﺎﺋﻞ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺑﺎﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻦ ﻫﻲ ﺃﺻﻮﻝ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺒﺎﺏ‪ ،‬ﻭﻳﻘﺮﺏ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺷﺮﺣﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻹﺟﻤﺎﻝ‪،‬‬
‫ﻭﻳﺮﺍﻋﻰ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻗﻮﺓ ﻋﻘﻠﻪ ﻭﺇﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ ﻟﻘﺒﻮﻝ ﻣﺎ ﻳﺮﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮﺍﻟﻔﻦ‪ ،‬ﻭﻋﻨﺪ ﺫﻟﻚ ﻳﺤﺼﻞ‬
‫ﻟﻪ ﻣﻠﻜﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺇﻻ ﺃﻧﻬﺎ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻭﺿﻌﻴﻔﺔ ﻭﻏﺎ ﻳﺘﻬﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻫﻴﺌﺘﻪ ﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﻔﻦ‪ ،‬ﻭﺗﺤﺼﻴﻞ ﻣﺴﺎﺋﻠﻪ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫ﻳﺮﺟﻊ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻦ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻓﻴﺮﻓﻌﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻠﻘﻴﻦ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺗﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻳﺴﺘﻮﻓﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﺡ‬
‫ﻭﺍﻟﺒﻴﺎﻥ‪ ،‬ﻭﻳﺨﺮﺝ ﻋﻦ ﺍﻹﺟﻤﺎﻝ ﻭﻳﺬﻛﺮ ﻟﻪ ﻣﺎ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻼﻑ ﻭﻭﺟﻬﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﻔﻦ‪،‬‬
‫ﻓﺘﺠﻮﺩ ﻣﻠﻜﺘﻪ ﺛﻢ ﻳﺮﺟﻊ ﺑﻪ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﺷﺪ ﻓﻼ ﻳﺖﺭﻙ ﻋﻮﻳﺼﺎً‪ ،‬ﻭﻻ ﻣﻬﻤﺎً‪ ،‬ﻭﻻ ﻣﻐﻠﻘﺎ ً ﺇﻻ ﻭﺿﺤﻪ‪ ،‬ﻭﻓﺘﺢ ﻟﻪ ﻣﻘﻔﻠﻪ‬
‫ﻓﻴﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻦ ﻭﻗﺪ ﺇﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻜﺘﻪ‪ ،‬ﻫﺬﺍ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻤﻔﻴﺪ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻛﻤﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺛﻼﺙ‬
‫ﺗﻜﺮﺍﺭﺍﺕ" ﺇﻫـ‪.‬ﺹ‪.٥۳۳‬‬
‫ﺇﻥ ﻛﻠﻤﺔ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺟﻤﻴﻠﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺛﻘﻠﻬﺎ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ‪ ،‬ﻭﺃﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺤﻤﺎﺱ ﺳﻬﻠﺔ ﺃﻣﺎ ﺗﻄﻮﻳﺮ‬
‫ﺍﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺎﺕ ﻓﻬﻮ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺩﻭﻧﻪ ﺧﺮﻁ ﺍﻟﻘﺘﺎﺩ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﺎﻝ‪.‬‬
‫ﻓﻤﺜﻼً ﻟﻨﺄﺧﺬ ﻫﺬﻫﺎﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﺮﺭ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺎﺕ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﺇﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻲ‪ ،‬ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺪﺧﻞ ﺍﻷﺥ‬
‫ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻲ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺍﻟﺤﻠﻘﺎﺕ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻓﺈﻥ ﺗﺜﻘﻴﻔٮﺔ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻗﺮﺍءﺓ ﺃﻭ ﺣﻔﻆ ﺑﻀﻎ ﺁﻳﺎﺕ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ‪ ،‬ﻗﺮﺍءﺓ ﺣﺪﻳﺚ‪ ،‬ﺗﻌﻠﻴﻖ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﺗﻠﺨﻴﺺ ﺑﺤﺚ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ‪ ،‬ﺍﻧﺘﻬﺖ ﺍﻟﺠﻠﺴﺔ‪.‬‬
‫ﺃﻱ‪ :‬ﺃﻥ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻫﻲ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﻭﻧﻘﻞ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺟﺪﺓ ﻭﺇﺑﺪﺍﻉ‪.‬‬
‫ﺑﻌﺪ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻣﻦ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻷﺧﺮ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻤﻬﻨﺔ ﻁﺒﻴﺒﺎ ً ﺃﺧﺼﺎﺋﻴﺎ ً ﻭﺑﺸﻜﻞ‬
‫ﻣﻮﺍﺯﻱ ﺗﻤﺎﻣﺎ ً ﺗﺒﻘﻰ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺘﺜﻘﻴﻒ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻟﻢ ﺗﺘﺘﻐﻴﺮ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﻗﺮﺁﻥ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺣﺪﻳﺚ ﺗﻠﺦﻳﺺ ﺑﺤﺚ ﻫﻜﺬﺍ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﻳﺤﺪﺙ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺍﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ‪ ،‬ﺃﻥ ﻣﺼﻴﺮ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺻﺒﺢ ﻣﻬﺪﺍً ﺑﻌﺘﺎﺑﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ‬
‫ﻫﻮ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻜﻢ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ )ﻭﻗﺪ ﺧﻠﻘﻜﻢ ﺃﻁﻮﺍﺭﺍً( )‪ .(۱٤ :۷۱‬ﻓﻴﺼﺒﺢ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺧﻴﺎﺭﺍﺕ ﺻﻌﺒﺔ‪،‬‬
‫ﻭﻏﺎﻟﺒﺎ ً ﻣﺎ ﺗﺘﻢ ﺑﻌﻔﻮﻳﺔ ﺃﻭ ﻳﺸﻜﻞ ﻻ ﻭﻋﻲ‪ ،‬ﻓﺄﻣﺎ ﺍﻟﺘﺂﻛﻞ ﻓﻲ ﺩﻭﺭﺓ ﺍﻻﺟﺘﺮﺍﺭ ﻷﻥ ﺍﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻝ ‘ﺍﺩﺓ ﺗﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺮﻭﺗﻴﻨﻲ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺍﻟﺘﻮﻗﻒ‪ ،‬ﺃﻭ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﻌﺘﺒﺔ ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪،‬‬
‫ﺃﻭ ﺗﺮﻙ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﻟﻴﺮﺟﻊ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻣﻮﺍﻁﻨﺎ ً ﻋﺎﺩﻳﺎ ً ﻳﺸﺎﺭﻙ ﺍﻟﻘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻧﺸﺎﻁﺎﺗﻪ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﺍﻟﺮﻭﺗﻴﻨﻴﺔ ‪ .‬ﻭﺍﻟﻨﺎﺩﺭ‬
‫ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺘﺒﺔ ﺑﻮﻋﻲ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺗﻄﻮﺭﻩ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺃﻥ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﺴﻠﻤﺎ ً ﻳﻘﻈﺎ ً ﻭﺍﻋﻴﺎ ً‬
‫ﻣﺘﻄﻮﺭﺍً‪.‬‬
‫ﻟﺬﺍ ﻟﻢ ﺃﻛﻦ ﻣﺒﺎﻟﻐﺎ ً ﻓﻴﻤﺎ ﺫﻛﺮﺕ ﻋﻦ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺤﻞ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﻣﺘﻮﺍﺿﻌﺎ ً ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﻫﺪﻑ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺍﻹﺑﺘﺪﺍﺋﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻱ ‪:‬‬
‫ﺗﺨﺮﻳﺞ ﺩﻓﻌﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻠﺒﺔ ﺗﺤﺴﻦ ﺍﻟﻘﺮﺍءﺓ ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺡﺩﻭﺩ ﻣﺤﻮ ﺍﻷﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻟﻮ ﻗﺎﻟﺖ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﺎﺕ ﻋﻦ‬
‫ﻁﺒﻴﻌﺔ ﻣﻬﻤﺘﻬﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺳﺘﻤﺤﻮﺍ ﺍﻷﻣﻴﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺳﺘﺨﺮﺝ ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩﺍً ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻋﺎﻡ‬

‫‪119‬‬
 ‫ﻟﻺﺳﻼﻡ‪ ،‬ﻭﻫﻢ ﻣﻬﻴﺌﻮﻥ ﺑﺪﻭﺭﻫﻢ ﺃﻥ ﻳﺪﺧﻠﻮﺍ ﻣﻌﺎﻫﺪ ﺃﺧﺮﻯ ﺗﻤﻨﺤﻬﻢ ﻋﻠﻮﻣﺎ ً ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﻣﺴﻴﺮﺓ‬
‫ﺗﻄﻮﺭﻫﻢ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ‪ .‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺪﺙ ﻫﻨﺎ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺧﻄﺄ ﻣﻀﺎﻋﻒ ﻣﻦ ﻁﺮﻓﻴﻦ‪ ،‬ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻷﻭﻝ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﻡ‬
‫ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﻭﻟﻢ ﻳﻨﺘﺒﻪ ﺇﻟﻰ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﺿﻌﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ ﺃﻥ ﻳﻔﻬﻢ ﻭﺑﻜﻞ ﺗﻮﺍﺿﻊ ﺃﻥ‬
‫ﻣﻬﻤﺘﻪ ﻫﻲ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ ،‬ﻭﻓﺘﺢ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ‪ .‬ﺇﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺮﻳﺪ ﻛﺴﺐ‬
‫ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻻ ﺣﺘﺠﺎﺯﻫﻢ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻭﺍﻟﺮﻫﻦ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻬﺬﺍ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻭﻫﻮ ﺧﻴﺎﻧﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﺠﺐ ﻥ ﻧﺪﺭﻙ‬
‫ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺎﺗﻨﺎ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﻧﺮﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻫﺆﻻء ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻛﻲ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﺻﺎﻟﺤﻴﻦ ‪ .‬ﻣﺎ ﺗﻘﺪﻡ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻘﻒ ﻟﺘﺄﻣﻞ ﻅﻐﺎﻫﺮﺓ‬
‫ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﺤﻠﻘﺎﺕ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻟﺠﻠﺴﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﺍﻷﻋﻀﺎء ﻓﻜﺮﻳﺎ ً‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻀﻌﻒ ﺍﻟﺒﻨﻴﻮﻱ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﻧﺎﻫﺎ ﻳﺴﻤﻬﺎﻥ ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺿﻴﻒ ﺇﻟﻴﻪ ﻛﻤﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﻋﺎﺕ‬
‫ﺍﻟﻤﺒﺬﻭﻟﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﻭﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﺧﻼﺻﺘﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺮﺍﻩ ﻣﻦ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻛﻤﻴﺎﺕ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﺨﻠﺼﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻴﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﺣﺴﻦ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻓﻲ ﻣﻨﺖﻫﻰ‬
‫ﺍﻟﺴﻮء ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺁﺧﺮ‪ ،‬ﺇﺫﺍ ﺩﺧﻞ ﻓﻲ ﺭﻭﻋﻨﺎ ﺑﺄﻧﻨﺎ ﺑﺄﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻫﺎﻟﻜﻮﺍﺩﺭ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻨﺎ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺇﺳﻼﻣﻲ‬
‫ﻭﺣﻜﻢ ﺇﺳﻼﻣﻲ‪.‬‬
‫ﻭﻟﺘﻔﺼﻴﻞ ﺫﻟﻚ ﻧﻠﻘﻲ ﺍﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺙ ﻧﻘﺎﻁ ‪) .‬ﺃ( ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻠﺴﺔ ‪) .‬ﺏ( ﺟﻮ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﻟﻠﺠﻠﺴﺔ‬
‫ﻭﺍﻟﻔﺮﺩ‪ (۳) .‬ﺳﺎﻋﺎﺕ ﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﺒﺬﻭﻟﺔ‪...‬‬
‫ﻭﻟﻨﺒﺪﺃ ﺑﺎﻷﺳﻬﻞ ﻭﻫﻲ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﺒﺬﻭﻟﺔ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﺭﻛﺰ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﺷﺤﻦ ﻓﻜﺮﻱ ﻣﻘﺪﺍﺭﻩ ‪۲‬ـ ‪ ۳‬ﺳﺎﻋﺔ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻷﺳﺒﻮﻉ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺧﻼﺻﺘﻪ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺇﺫﺍ ﺣﺬﻓﻨﺎ ﺍﻟﺘﺄﺧﻴﺮ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺮﺽ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺴﻔﺮ ﻭﻣﻘﺪﺍﺭ ﺍﻷﻧﺘﺒﺎﻩ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺠﻠﺴﺔ ﻓﻲ ﺃﺣﺴﻦ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺪﺍﺭ ‪۱۰‬ـ‪ ۱۰۰‬ﺳﺎﻋﺔ ﺳﻨﻮﻳﺎ ً ﺃﻱ ﻓﻲ ﺣﺪﻭﺩ ‪٤۰۰‬ـ ‪ ٥۰۰‬ﺳﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﻣﺪﻯ‬
‫ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮﺍﺕ‪ ،‬ﻓﻤﺎﺫﺍ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﻷﻧﻔﺲﻧﺎ ﺃﻥ ﻧﺘﺼﻮﺭ ﻣﻦ ﺗﺨﺮﻳﺞ ﻣﺜﻘﻒ ﺩﺳﻢ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﺩﺍﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺎﻋﺎﺕ‪ ،‬ﺇﻥ‬
‫ﺇﺑﺴﻂ ﺣﻠﻘﺎﺕ ﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺲ ﻷﻱ ﻓﺮﻉ ﻋﻠﻤﻲ ﻣﻘﺎﺳﺎ ً ﺑﻜﻤﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﻋﺎﺕ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺣﺪﻭﺩ ‪ ۱۰‬ﺃﺿﻌﺎﻑ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺪﺍﺭ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ ﻭﻫﺬﻩ ﻭﺍﺣﺪﺓ‪.‬‬
‫ﺃﻣﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺠﻮ ﺍﻟﺠﻠﺴﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻨﻘﻠﻲ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﺳﻤﺎﺗﻪ ﻓﻬﻮ ﻛﺎﺭﺛﺔ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﺠﺎﻣﻠﺔ ﺣﻲ ﺙ‬
‫ﺇﻧﻨﻲ ﺭﺍﻗﺒﺖ ﺑﻌﺾ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﺎﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﺪﻯ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮﺍﺕ‪ ،‬ﻓﻼﺣﻈﺖ ﺃﻥ ﺟﻮ ﺍﻟﺠﻠﺴﺔ ﻟﻢ‬
‫ﻳﺘﻐﻴﺮ ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻓﻲ ﺩﻧﻴﺎﻩ ﻗﺪ ﺍﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻁﺎﻟﺐ ﺟﺎﻣﻌﻲ ﺇﻟﻰ ﻁﺒﻴﺖ ﺃﺧﺼﺎﺋﻲ ‪ .‬ﻫﺬﺍ ﻳﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ‬
‫ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻬﺎﻣﺸﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺃﻱ ﺃﻥ ﻣﻨﺤﻨﻰ ﺍﻟﺘﺜﻘﻴﻒ ﻫﻮ ﻛﻤﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫ﺧﻂ ﺍﻟﺘﺜﻘﻴﻒ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻱ‬
‫)ﻣﺜﻼً ﺍﺧﺘﺼﺎﺹ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ(‬
‫ﺧﻂ ﺍﻟﺘﺜﻘﻴﻒ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﺧﺎﺻﺘﻴﻦ‬
‫)ﺍﻟﻀﻌﻒ‪+‬ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻨﻤﻮ(‬
‫ﺃﻱ ﻗﻠﻴﻞ ﻭﻏﻴﺮ ﻧﻤﻲ ﺃﻱ ﻻ ﺑﺮﻛﺔ ﻓﻴﻪ!‪.‬‬
‫ﺗﺒﻘﻰ ﻣﺎﺩﺓ ﺍﻟﺠﻠﺴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺁﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺣﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻭﺣﺎﺩﺙ ﺳﻴﺮﺓ‪ ،‬ﻭﺗﻠﺨﻴﺺ ﺑﺤﺚ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ ﺇﺳﻠﻤﻲ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻌﻘﻴﻢ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﻜﺮﺭ ﻭﻗﻌﻪ ﺑﻜﻞ ﻣﻠﻞ ﻓﻲ ﻣﺪﻯ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ ﻟﻢ ﻳﺖﻏﻴﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻘﻮﻝ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ‬
‫ﺗﺜﻮﻳﺮ ﻓﻲ ﻛﻤﻴﺔ ﻭﻧﻮﻋﻴﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺗﺠﻌﻞ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ً ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﺬﺍﺗﻪ ﻣﻤﻼً ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﻓﻲ ﺷﺮﻭﻁﻪ‬
‫ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻟﻠﺘﻨﻤﻴﺔ‪.‬‬
‫" ﻭﺟﻬﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‬ ‫ﺫﻛﺮ ﻣﺎ ﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﻋﻦ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺒﻨﺎ ﺭﺣﻤﻪ ﷲ ﻓﻲ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻣﻪ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ" ﻣﺎ ﻳﻠﻲ‪" :‬ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﺃﺗﻴﺢ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﺰﻋﻴﻢ ﺃﻥ ﻳﺆﺛﺮ ﺗﺄﺛﻴﺮﺍً ﻋﻤﻴﻘﺎ ً ﻓﻲ ﺳﺎﻣﻌﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﺫﻟﻚ ﺇﻻ ﻷﻧﻪ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻔﺴﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺗﻔﺴﻴﺮﺍً‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻮﺣﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻀﻤﺎﺋﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺰﻟﺰﻝ ﻛﻴﺎﻧﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﻴﻪ ﻟﻢ‬
‫ﻳﻜﻦ ﻭﺛﻴﻘﺔ ﺑﺮﺍﺩﺓ ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﺍﻧﺒﺜﺎﻕ ﻟﻠﻜﻼﻡ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﺍﻟﺤﻲ‪ ،‬ﻭﻣﻨﺒﻌﺎ ً ﻟﻠﻂﺍﻗﺔ ﻳﻜﻬﺮﺏ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺠﻤﻮﻉ"‪.‬‬

‫‪120‬‬
 ‫ﺍﻋﺘﺮﺍﺽ ﺛﺎﻧﻲ‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻣﺴﻠﺤﻴﻦ ﺑﻜﻤﻴﺎﺕ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻳﻀﺎ ً ﺧﻄﺄ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ "ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﻲ" ﻓﺎﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﻫﻮ ﻟﻴﺲ ﻛﻤﻴﺔ ﻣﺤﺪﺩﺓ ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ ﺑﻞ ﺇﻧﻬﺎ ﺷﺨﺺ‬
‫ﻋﺎﺻﺮ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺁﻣﻦ ﺑﻪ‪ ،‬ﻭﻫﻨﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺭﺁﻩ ﻣﺮﺓ‬
‫)ﻣﻊ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻋﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮﻥ‬ ‫ﻭﺁﻣﻦ ﺑﻪ ﺛﻢ ﺭﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻣﻪ ﻭﺧﻴﻂ ﺍﻷﺗﺼﺎﻝ ﺑﺎﻟﻨﺒﻮﺓ ﺿﻌﻴﻒ‬
‫ﻭﺍﻟﺮﺍﺩﻳﻮ ﻭﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻷﺗﺼﺎﻝ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﻳﻠﺤﻖ ﺑﻬﺬﺍ ﻣﻦ ﺗﺜﻘﻴﻒ (‪ ،‬ﻭﺍﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺃﻭﻗﺎﺗﻪ‬
‫ﻭﻣﻮﺍﻗﻔﻪ ﺻﺤﺎﺑﻲ ﺁﺧﺮ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺿﺨﻢ ﺟﺪﺍً‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﺟﻮ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺑﺤﻠﻘﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎء‬
‫ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻘﺎء ﺍﻟﺤﺠﺮ ‪ .‬ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ‪ ،‬ﻭﺍﺷﻌﺎﻋﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺑﻘﺪﺭ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻳﺨﻒ ﺗﺄﺛﻴﺮ‬
‫ﺍﻷﺷﻌﺎﻉ‪ .‬ﻣﻊ ﺍﻷﺧﺬ ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻷﻋﺘﺒﺎﺭ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ ﺇﺷﺎﻉ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ‪.‬‬
‫ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺇﺫﻥ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﺗﺘﻔﺎﻋﻞ‬
‫‪ ۱‬ـ ﺷﻌﺎﻉ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ـــــــــــ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ‪ +‬ﺑﻌﺪﻩ ﻋﻦ ﺍﻹﺷﻌﺎﻉ ﺃﻭ ﻗﺮﺑﻪ‪.‬‬
‫ﻭﻩ ﺫﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻣﺨﺘﻠﻔﻴﻦ ﺟﺪﺍً ﻓﻌﻠﻲ ﺭﻱ ﷲ ﻋﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪ ،‬ﻭﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺃﺗﻰ ﺑﻪ ﻭﺍﻟﺪﻩ‬
‫ﻟﻴﺘﻘﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﻌﺪ ﻋﺠﺪﺍﻭﺓ ﻁﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺑﻨﺎء ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺣﺴﻨﺔ ﻓﻲ ﻟﻴﻤﻜﻦ‬
‫ﻣﻘﺎﺭﻧﺔ ﺻﺤﺎﺑﻲ ﻛﻌﻠﻲ ﺭﺽ ﷲ ﻋﻨﻪ ﺑﺼﺤﺎﺑﻲ ﺁﺧﺮ ﻣﺜﻞ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ‪...‬‬

‫ﺍﻋﺘﺮﺍﺽ ﺛﺎﻟﺚ‪ :‬ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﻟﻮ ﺑﺂﻳﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺃﻭ ﺩﻋﻮﻯ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻣﻨﻔﺼﻼً ﻋﻦ‬
‫ﺍﻟﻌﻠﻢ‬
‫ﻭﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﻣﻨﺎﺑﻊ ﺍﻟﻜﻮﺍﺭﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻣﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪..‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻧﺤﻴﺪ ﻋﻨﻬﺎ ﻫﻲ ‪ :‬ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻳﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ‪ ....‬ﻭﻗﺪ ﺑﺤﺜﻨﺎ‬
‫ﻭﺍﺧﺘﺼﺮﻧﺎ ﺍﻟﻤﻮﻭﻉ ﺑﻘﺎﻧﻮﻥ ﺧﻼﺻﺘﻪ ﺍﻟﻔﻬﻢ‬ ‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺑﺘﻔﺼﻴﻞ ﻓﻲ ﺑﺤﺚ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻮﺗﺮ ﺍﻟﺤﻲ‪،‬‬
‫ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻳﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺗﺼﺤﻴﺤﺎً‪ ،‬ﻭﺗﻨﻀﻴﺤﺎ ً ﻭﺇﺭﺷﺎﺩﺍً ﻭﻫﺬﺍ‬
‫ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺧﻂ ﺣﻠﺰﻭﻧﻲ ﺻﺎﻋﺪ‪..‬‬

‫‪۸‬ـ ﺧﺪﻋﺔ ﻛﻠﻤﺔ "ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ "‪ ،‬ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ‪ .‬ﺑﺤﺚ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ‪ ،‬ﺍﻟﺴﺮﻳﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻌﻨﻒ‪...‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻢ ﻭﺍﺿﻴﻊ ﺗﺒﺤﺚ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻭﻻ ﺗﺒﺤﺚ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ‪ ،‬ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻹﺧﻼﺹ‪ ،‬ﺗﺠﻴﺐ ﻋﻦ ﻛﻴﻒ‬
‫ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻤﺎﺫﺍ؟‪ ،‬ﺗﻜﺘﻴﻚ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻹﺳﻼﻡ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻛﻴﻒ ﻳﻄﺒﻖ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ‪ ،‬ﻛﻴﻒ ﻳﺼﺒﺢ ﻣﺤﺘﺮﻣﺎً‪ ،‬ﻛﻴﻒ ﻳﻨﺸﺊ ﺣﻀﺎﺭﺓ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ‪ .‬ﻫﻨﺎﻙ ﺗﺮﺍﺑﻂ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ‬
‫ﺍﻟﻤﻮﺍﺿﻴﻊ ﺍﻝﺛﻼﺙ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺃﺧﻄﺮﻫﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺴﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻓﻬﻮ ﺳﻄﺤﻲ‪ ،‬ﺇﻧﻪ‬
‫ﺇﻁﺎﺭ ﻟﻤﺤﺘﻮﻯ ﻻ ﻳﺤﺼﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﻛﺒﻴﺮ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻫﻮ ﺍﻟﻬﻴﻜﻞ‪ ،‬ﺍﻟﺴﺮﻳﺔ ﻫﻲ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺟﻮﻩ‪،‬‬
‫ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺃﺣﺪ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪.‬‬
‫ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻌﺎﻧﻖ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﻨﻒ‪ ،‬ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺒﺮﺭﺍﺕ ﻭﻋﻼﻗﺔ ﻁﺮﺩﻳﺔ‪.‬‬
‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻥﺑﺤﺚ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻘﻠﺪ ﺍﻟﺠﺴﻢ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻳﺮﻛﺐ ﻣﺮﻛﺒﺎ ً ﻋﻀﻮﻳﺎ ً ﻛﻴﻤﻴﺎﻭﻳﺎ ً ﺫﺍ ﺣﻠﻘﺎﺕ‬
‫ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻣﺘﺮﺍﺑﻄﺔ‪ ،‬ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺣﻠﻘﺎﺕ ﺑﺤﺜﻨﺎ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺧﻠﻒ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺮﻛﺐ ﺍﻟﺤﻴﻮﻱ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ‪.‬‬
‫ﻫﻨﺎﻙ )ﻓﺦ ﻛﺒﻴﺮ( ﻳﺘﺮﺻﺪ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻓﻴﺤﺮﻓﻪ ﻋﻦ ﻣﺴﺎﺭﻩ ﺇﻟﻰ ﻣﻦﻋﺮﺝ ﺁﺧﺮ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻁﺒﻴﻌﺔ‬
‫ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻮﺍﺟﻪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺧﺼﻮﻣﻪ‪.‬‬

‫‪121‬‬
 ‫ﻫﻨﺎﻙ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺃﻭﻟﻴﻪ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺮﻛﺰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ‪ :‬ﺇﻥ ﺧﻠﻔﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻻ ﺷﻜﻞ ﻫﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﺍﻟﻜﻔﺮ )ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻣﻨﻮﺍ‬
‫ﻳﻘﺎﺗﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭﺍ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻄﺎﻏﻮﺕ ﻓﻘﺘﻠﻮﺍ ﺃﻭﻟﻴﺎء ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺇﻥ ﻛﻴﺪ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ‬
‫ﻛﺎﻥ ﺿﻌﻴﻔﺎ( )‪.(۷٦ :٤‬‬
‫ﺛﺎﻧﻴﺎ ً ‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻳﺸﻜﻞ ﺣﺼﺎﻧﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻭﺃﺧﻼﻗﻴﺔ ﻟﻠﺬﻱ ﻳﺤﻤﻠﻪ‪ ،‬ﺛﺎﻟﺜﺎ ‪ :‬ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻳﺸﻜﻞ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻭﺛﻘﺎﻓﺔ‬
‫ً‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ‪ ،‬ﻭﻟﺬﺍ ﻓﻬﻮ ﻳﺤﻤﻞ ﺛﻘﻼً ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺎ ً ﻳﺼﻌﺐ ﻣﻮﺍﺟﻬﺘﻪ‪ ،‬ﻟﺬﺍ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺧﺼﻮﻡ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﺗﺠﺮﻳﺪ‬
‫ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻼﺡ ﺍﻟﺴﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻲ‪ ،‬ﺑﻔﺼﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﻗﻀﻴﺘﻬﻢ‪ ،‬ﻭﻧﻈﺮﺍً ﻟﻀﻐﻂ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﻓﺈﻥ ﺣﻜﺎﻡ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻳﺪﺍﺭﻭﻥ ﺷﻌﻮﺏ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻭﻳﺘﻈﺎﻫﺮﻭﻥ ﺑﻤﺴﺎﻳﺮﺗﻬﺎ ﻻ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ـ ﺇﺫ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮﺍ‬
‫ﻣﺘﻘﻨﻌﻴﻦ ﻟﺤﻤﻠﻮﻩ ﻭﺃﻗﺎﻣﻮﻩ ـ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗﻤﻠﻘﺎ ً ﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺿﻐﻄﺎ ً ﺟﻤﺎﻫﻴﺮﻳﺎً‪ ،‬ﻭﻫﻨﺎ‬
‫ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺑﺤﺚ ﺧﻄﻴﺮﺓ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻁﺎﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﻌﻮﺏ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﺘﺸﻮﻗﺔ ﻟﻺﺳﻼﻡ‪ ،‬ﻭﺣﺮﻳﺼﺔ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻭﺗﺜﻮﺭ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣﻦ ﻳﺴﺨﺮ ﻣﻦ ﺩﻳﻨﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﺖ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺧﺼﻮﻡ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻳﺮﻳﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺠﺎﺑﻬﻮﺍ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ‬
‫ﺑﺪﻳﻨﻪ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﺤﺎﻭﻟﻮﻥ ﻓﺼﻠﻪ ﻋﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻗﻮﺗﻪ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺪﺧﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﺘﺤﺎﺟﺔ ﺧﻄﻴﺮﺓ ﻓﻴﻮﺍﺟﻪ ﺑﺈﻁﺎﺭ‬
‫ﺍﻟﻌﻤﻞ )ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ (‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﻮﺍﺟﻪ ﺑﻤﺤﺘﻮﻯ ﺍﻟﻌﻤﻞ )ﺍﻹﺳﻼﻡ (‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬ ﺕﺣﺪﺙ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﻟﻠﺴﺆﺍﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ‬
‫ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻋﻦ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ‪ ،‬ﻷﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﺎﺕ ﺳﻮﺍء ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺃﻭ ﺃﺷﺪﻫﺎ ﺇﻟﺤﺎﺩﺍً ﻭﻫﻲ‬
‫ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ ﺗﺸﺘﺮﻙ ﻓﻲ )ﺍﻟﻬﻴﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻴﺔ (‪ ،‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﺎﺕ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ‬
‫ﺗﺸﺘﺮﻙ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻭﺍﺣﺪ ﻫﻮ )ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ( ﻭﺗﺨﺘﻠﻒ ﺟﻤﻴﻊﻫﺎ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻭﺍﺣﺪ ﻫﻮ )ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺍﻟﺘﻨﻆ ﻳﻢ(‪ ،‬ﻁﺒﻴﻌﺔ‬
‫ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﺤﺼﻞ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻭﺍﻷﺧﺬ ﻭﺍﻟﺮﺩ ـ ﻛﺘﻮﺭﻳﻂ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ـ ﻳﺪﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ‬
‫ﺿﻌﻔﻪ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻗﻮﺗﻪ‪ ،‬ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻁﻖ ﺍﺗﻲ ﻳﻨﻬﺎﺭ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻱ ﺍﻟﻤﻨﺎﻁﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻮﻟﺪ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﻓﻴﻬﺎ‪،‬‬
‫ﻫﻜﺬﺍ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻹﻧﺲﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻭﺧﺼﻮﻣﻪ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﻬﺠﻮﻡ‪ ،‬ﻛﻠﻪ ﺑﺴﺒﺐ ﺧﻠﻞ ﺑﺴﻴﻂ‪ ،‬ﻭﻻ‬
‫ﻋﺠﺐ ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺮﻛﺒﺎﺕ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﻟﻔﻌﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﻼﻓﻌﺎﻝ ﺑﺘﺒﺪﻳﻞ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ‪،‬‬
‫ﺷﻜﻞ ﺃﻳﻤﻦ ﺇﻟﻰ ﺃ ﻳﺴﺮ ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻌﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ‪ ،‬ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺒﺪﻳﻞ ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺍﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻘﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻜﻤﻲ ﻟﻠﺬﺭﺍﺕ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺠﺮﺝ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺃﺷﺪ ﺃﺳﺘﻠﺤﺘﻪ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ‪ ،‬ﻷﻥ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺍﻋﺘﺰﺍﺯﻩ ﺑﻬﺬ ﺍﺍﻟﺪﻳﻦ ﻓﺈﺫﺍ ﺳﻠﺦ ﻣﻨﻪ‬
‫ﻟﻢ ﺗﺒﻖ ﻟﻪ ﻗﻮﺓ‪ ،‬ﻟﺴﺬﺍ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻭﺍﻷﺧﺬ ﻭﺍﻟﺮﺩ ﻓﻲ ﻣﺘﺎﻫﺎﺕ ﺟﺎﻧﺒﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﻟﻨﻘﻞ ﻓﻲ ﺃﻓﺨﺎﺥ‪ ،‬ﺍﻣﺎ‬
‫ﺟﻮﻫﺮ ﺍﻟﻘﻴﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺤﺘﺪﻡ ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ ﻋﻨﺪﻩ ﻓﻴﺒﻘﻰ ﺻﺎﻣﺘﺎ ً ﺻﻤﺖ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﻬﻮﻝ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺤﺪﺙ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﻈﻼﻡ‪ ،‬ﻭﻳﻄﺎﺭﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﻔﺼﻮﻻً ﻋﻦ ﺇﺳﻼﻣﻪ‪ ،‬ﺑﻞ ﻗﺪ ﺗﺆﺧﺬ ﺍﻟﻔﺘﺎﻭﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﻛﺰ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﺒﺎﺣﺔ‬
‫ﺩﻣﻪ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻪ ﺧﺎﺭﺟﻲ ﺃﻭ ﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻄﺎﺭﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻛﻤﻬﺮﺏ ﺣﺸﻴﺶ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻛﺼﺎﺣﺐ ﻗﻀﻴﺔ ﻳﺮﻳﺪ ﺩﻑﻉ‬
‫ﺷﺤﻨﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﺃﻣﺘﻪ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ‪ ،‬ﺇﻥ ﺗﻔﺠﻴﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﺘﻮﺍﺯﻧﻪ ﺍﻟﺨﺎﻣﺪ ﻟﻦ ﻳﺘﻢ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ‬
‫ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻭﺑﻜﺸﻒ ﺍﻟﻬﻮﻳﺎﺕ ﻭﺑﺸﻜﻞ ﺻﺤﻴﺢ‪،‬ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻷﻧﻪ ﻣﺴﻠﻢ‪ ،‬ﻻ ﻷﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ ﺍﻷﻏﺘﻴﺎﻝ‪ ،‬ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﻘﺎء ﺍﻟﻤﺘﻔﺠﺮﺍﺕ‪ ،‬ﺍﻭ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺄﻋﻤﺎﻝ ﺷﻐﺐ‪ ،‬ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺟﺮﻳﻤﺘﻪ ﺍﻟﻜﻤﻠﺔ ﺍﻝﺗﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﻓﻘﻂ ﻻ ﺗﺰﻳﺪ ﻭﻻ‬
‫ﺗﻨﻘﺺ ﻭﻫﻲ )ﺍﻹﺳﻼﻡ (‪ .‬ﻣﻊ ﺍﺃﺳﻒ ﻛﻞ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﻘﺎﺋﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻻ ﻳﺪﻭﺭ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺼﺮﺍﺣﺔ‪،‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺘﺄﺧﺮ ﺍﻟﻤﺨﺎﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ‪ .‬ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺘﻘﺪﻡ ﺑﺼﺮﺍﺣﺔ ﻟﻨﻌﻠﻦ ﺩﻳﻨﻨﺎ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﻏﻤﻮﺽ‪،‬‬
‫ﻭﻧﻌﻠﻦ ﺗﺒﻌﺔ ﺗﺤﻤﻠﻨﺎ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻹﻋﻼﻥ‪ ،‬ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺪﻭﺭ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻓﻲ ﻡ ﺟﺎﻝ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻹﺩﺍﺭﻳﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻓﻲ ﻁﺒﻴﻌﺔ‬
‫ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ‪.‬‬
‫ﻛﻢ ﻳﺮﺗﺎﺡ ﺧﺼﻮﻣﻨﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﻳﺮﻭﻥ ﻓﻴﻨﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺃﻧﺎﺱ ﺑﺴﻄﺎء ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻮﺭﻳﻄﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﻓﺨﺎﺥ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ‪،‬‬
‫ﻭﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻋﺮﺿﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ‪ ،‬ﻭﻫﻢ ﻻ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﺍﻟﺼﻔﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻛﻢ ﻳﺮﺗﺎﺡ ﺧﺼﻮﻣﻨﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ‬
‫ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻀﺒﺎﺏ ﻣﺨﻴﻤﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺟﻮ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ‪ ،‬ﻩ ﻛﺬﺍ ﻳﺮﺗﺎﺡ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﻣﻦ ﺛﻘﻞ ﻭﺿﻐﻄﻪ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ‪،‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻨﻔﺼﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻋﻦ ﻣﺮﺍﻛﺰ ﻗﻮﺗﻪ ﻟﻴﺘﺤﻄﻢ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ‪.‬‬

‫‪122‬‬
 ‫ﺻﺪﻕ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻗﺎﻝ‪ :‬ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺧﺒﺮﺍء ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﺃﺧﺼﺎﺋﻴﻮﻥ ﻓﻲ ﺗﺤﻄﻴﻢ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ‬
‫ﺗﻤﺎﻣﺎ ً ﻣﺜﻞ ﺃﺧﺼﺎﺋﻲ ﺍﻟﺬﺭﺓ ﺍﻟﻤﺨﺘﺼﻮﻥ ﺑﺘﺤﻄﻴﻢ ﻧﻮﺍﺓ ﺍﻟﺬﺭﺓ!!‬
‫ﺇﻥ ﻧﺼﻒ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺮﺑﺤﻬﺎ ﺳﻠﻔﺎ ً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﻮﺡ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ‪ ،‬ﻭﺗﻜﺸﻒ ﻫﻮﻳﺔ ﺍﻟﺠﺎﻧﺒﻴﻦ ﻛﻤﺎ ﺍﺳﺘﺮﺳﻞ‬
‫ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ ﺭﺣﻤﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪) :‬ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻧﻔﺼﻞ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﻭﻟﺘﺴﺘﺒﻴﻦ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺠﺮﻣﻴﻦ ( )‪:٦‬‬
‫‪.(٥٥‬‬
‫ً‬
‫ﺇﻧﻪ ﻻ ﺗﺘﺤﺮﺭ ﺍﻟﻄﺎﻗﺎﺕ ﺗﻤﺎﻣﺎ‪ ،‬ﻭﺗﺘﻮﻓﺮ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻟﺪﺧﻮﻝ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺇﻻ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﺧﺼﻤﻪ‪،‬‬
‫ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺪﻡ ﺃﺑﻮ ﺟﻬﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺑﺪﺭ ﻗﺎﻝ ﻫﺬﺍ ‪ :‬ﻥ ﻛﻨﺎ ﻧﻘﺎﺗﻞ ﷲ ﻛﻤﺎ ﺯﻋﻢ ﻣﺤﻤﺪ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻷﺣﺪ ﺑﺎہﻠﻟ ﻣﻦ‬
‫ﻁﺎﻗﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺳﺠﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ‪) :‬ﻟﻴﻬﻠﻚ ﻣﻦ ﻫﻠﻚ ﻋﻦ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﻳﺤﻴﻰ ﻣﻦ ﺣﻲ ﻋﻦ‬
‫ﺑﻴﻨﺔ( )‪ ،(٤۲ :۸‬ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻮﺡ ﺃﻥ ﺣﺪﺙ ﺍﻟﺨﻼﻑ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭ ﺑﻴﻦ ﻣﺸﺮﻛﻲ ﻗﺮﻳﺶ ﻗﺒﻞ‬
‫ﺩﺧﻮﻝ ﻡ ﻋﺮﻛﺔ ﺑﺪﺭ "ﺑﻴﻦ ﺍﺑﻲ ﺟﻬﻞ ﻭﻋﺘﺒﺔ" ﻓﺤﺪﺙ ﺗﻔﻜﻚ ﺍﻟﺠﺒﻬﺔ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻣﺒﻜﺮﺍً‪ ،‬ﻭﻋﻔﺖ ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ‬
‫ﻋﻨﺪﻫﻢ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻬﻢ ﻛﺪﻳﻨﺎﻣﻴﻜﻴﺔ ﻧﻔﺴﻴﺔ ﻷﻥ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻱ ﺻﺮﺍﻉ ﻋﻠﻰ ﻗﻨﺎﻋﺘﻪ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﺑﺼﺪﻕ ﺻﺮﺍﻋﻪ‬
‫ﻱ ﻫﺬﺍ‬ ‫ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻁﺎﻗﺘﻪ‪ ،‬ﻳﺼﻌﺪ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻭﻳﻌﻄﻴﻪ ﻗﺎﺑﻠﻴﺔ ﺍﻷﺳﺘﻤﺮﺍﺭ‪ ،‬ﺇﺫﺍً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﻑ‬
‫ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ‪ ،‬ﺗﺨﻔﺖ ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ‪ ،‬ﻭﺗﺨﺒﻮ ﺍﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺎﺕ ﻭﻻ ﺗﻌﻄﻴﻪ ﺍﻹﺳﺘﻤﺮﺍﺭﻳﺔ‪ ،‬ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺪﺧﻞ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ‬
‫ﻫﻨﺎﻙ ﺛﻼﺙ ﻗﻄﺎﻋﺎﺕ‪ :‬ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﻑ ﻛﻴﻒ ﺗﻜﻮﻥ ﺇﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻣﻌﻪ‪.‬‬
‫ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﺨﺼﻪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﻨﺎﻳﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﺍﻟﺨﺼﻢ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ‪ ،‬ﺃﻱ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ‪.‬‬
‫ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ :‬ﺃﻣﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻱﺗﻌﻠﻖ ﺑﻪ ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻓﺮﻕ ﻛﺒﻴﺮ ﺑﻴﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺃﻗﺼﻰ ﺣﺎﻻﺕ ﺍﻟﺘﻮﺗﺮ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ‪ ،‬ﻭﻫﺬﻩ ﺗﻜﻮﻥ‬
‫ﻓﻲ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ‪ ،‬ﻭﺃﻋﻨﻒ ﺻﻮﺭﻫﺎ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ‪ ،‬ﻭﺗﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﺭﻭﺓ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ‬
‫ﺗﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺤﺼﻠﺘﺎﻥ ﺍﻻﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﺍﻟﺨﺼﻢ‪،‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺘﻮﻟﺪ ﺗﻴﺎﺭ ﻣﻀﻄﺮﺩ ﻋﺎﺭﻡ ﺑﺼﺪﻕ ﻓﻴﻪ ﻗﻮﻝ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪) :‬ﻭﻗﻞ ﺟﺎء ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺯﻫﻖ ﺍﻟﺒﺎﻁﻞ ﺇﻥ ﺍﻟﺒﺎﻁﻞ‬
‫ﻛﺎﻥ ﺯﻫﻮﻗﺎ()‪ (۸۱ :۱۷‬ﺃﻭ ﻛﻘﻮﺓ ﻣﺪﻣﺮﺓ ﻟﻤﻦ ﻳﻘﻒ ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻬﺎ‪ ،‬ﺍﻭ ﻛﺘﻴﺎﺭ ﻣﺘﻮﻟﺪ ﺻﺎﻋﻖ ﻳﺤﺮﻕ ﻣﻦ ﻳﻤﺴﻪ ‪:‬‬
‫)ﺑﻞ ﻧﻘﺬﻑ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺎﻁﻞ ﻓﻴﺪﻣﻐﻪ ﻓﺈﺫﺍ ﻫﻮ ﺯﺍﻫﻖ ﻭﻟﻜﻢ ﺍﻟﻮﻳﻞ ﻣﻤﺎ ﺗﺼﻔﻮﻥ( )‪.(۲۱:۱۸‬‬
‫ﻫﻜﺬﺍ ﺗﺠﺘﻤﻊ ﺃﺭﺑﻊ ﻣﺤﺼﻼﺕ‪ :‬ﻭﺿﻊ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ‪ +‬ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﻓﻲ ﺃﻗﺼﻰ ﺣﺎﻻﺕ ﺍﻟﺘﻮﺗﺮ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ‬
‫ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ )ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺇﻻﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺼﺮﺍﺣﺔ ﻭﻭﺿﻮﺡ ( ‪ +‬ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﺻﺮﺍﻋﻪ ﻣﻊ ﻋﺪﻭﻩ ﺍﻷﺑﻌﺪ‬
‫ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﺼﺮﺍﻉ ‪ +‬ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺑﻌﺎﺩ ﺗﻤﺜﻞ ﺛﻘﻞ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲ ﻣﺨﻴﻒ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺇﺳﻼﻡ ﻣﻌﻠﻦ‪،‬‬
‫ﻳﺬﻛﺮﻧﺎ ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺤﺮﺓ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻋﻴﺔ ﻷﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺇﻋﻼﻥ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﺟﻌﻠﻬﻢ‬
‫ﻳﻨﻘﻠﺒﻮﻥ ﻣﻦ ﻣﺄﺟﻮﺭﻳﻦ ﻣﺮﺗﺰﻗﺔ ﺇﻟﻰ ﺷﻬﺪﺍء ﺑﺮﺭﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﻭﺿﻮﺡ ﺃﺑﻌﺎﺩ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺗﺤﺮﻳﻚ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﻋﻨﻒ ﻭﺃﺷﺪ ﻣﻨﺎﻁﻖ ﻧﻔﺴﻪ ﺇﺛﺎﺭﺓ ﻭﺣﺴﺎﺳﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ‪.‬‬
‫ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ ﺇﻥ ﺻﺮﻋﺎ ً ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺷﺄﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﻤﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺗﺒﻌﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﺨﻠﻖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ‬
‫ﺍﻷﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﻟﺘﺤﻤﻞ ﻋﺬﺍﺑﺎﺕ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﻛﻤﺎ ﺣﺪﺙ ﻟﺴﺤﺮﺓ ﻣﻮﺳﻰ‪.‬‬

‫ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪:‬ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺨﺼﻢ‪....‬‬

‫ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻡ ﻣﻌﻪ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ ﻣﻌﺎﻛﺴﺔ ﻟﻤﺎ ﻓﻌﻠﻨﺎﻩ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ‪...‬ﺣﺘﻰ ﻧﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﻗﺼﻰ ﻣﻨﺎﻁﻖ ﺿﻌﻔﻪ ‪،‬‬
‫ﻭﻧﺠﺮﺩﻩ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻁﻖ ﻗﻮﺗﻪ ‪ ،‬ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺸﻞ ﻟﻪ ﺃﺳﻠﺤﺘﻪ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﺔ ‪ ،‬ﺃﻭﺃﻥ ﻧﺠﺮﺩﻩ ﻣﻦ ﺇﻳﺠﺎﺑﻴﺘﻪ‬
‫ﻭﻧﺸﺤﻨﻪ ﺑﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺎﺕ ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺰﺩﺍﺩ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻫﺘﺪﻭﺍ ﻫﺪﻯ ‪ ،‬ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺳﻠﺒﻴﺘﻪ ﻭﺷﺤﻨﻪ‬
‫ﺑﺎﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﺗﺠﺮﻳﺪ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﻣﻦ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻭﺷﺤﻨﻪ ﺑﺎﻟﺴﻠﺒﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻵﻥ ﻛﻴﻒ ﺗﺘﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ؟ﻫﻲ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺇﻋﻼﻥ ﻫﻮﻳﺘﻪ ﻛﻤﺮﺣﻠﺔ ﺃﻭﻟﻰ ﻷﻥ ﺇﻋﻼﻥ ﻫﻮﻳﺔ‬
‫ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻭﺇﻋﻼﻥ ﻫﻮﻳﺔ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﻫﻲ ﺑﺪء ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺎﺕ ﻟﻸﻭﻝ ‪،‬ﻭﺑﺪء ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺎﺕ ﻟﻶﺧﺮ ‪ ،‬ﻷﻥ ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻤﻦ‬
‫ﻳﺤﺎﺭﺑﻮﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺤﺎﺭﺑﻮﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ ‪ ،‬ﻓﻠﻨﺤﻄﻢ ﺇﺫﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻨﺨﺮﻕ ﺣﺎﺟﺰ ﺍﻟﺼﻤﺖ‬
‫ﻫﺬﺍ ﺑﻜﺸﻒ ﺍﻟﺴﺘﺎﺭ‪ ،‬ﻭﺑﺈﻅﻬﺎﺭ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺎﺭﺑﻮﻩ ﻟﻴﺲ ﺃﺷﺨﺎﺻﺎ‪ ،‬ﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ‪:‬‬

‫‪123‬‬
 ‫ﺍﻹﺳﻼﻡ ‪.‬ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻧﺘﻤﺜﻞ ﺑﻪ ‪ ،‬ﺑﺈﺩﺧﺎﻝ ﺣﻘﻨﺔ ﻣﺮﻭﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﺿﻤﺎﺋﺮﻫﻢ ‪ ،‬ﺇﻧﻬﻢ ﻳﺨﻮﻧﻮﻥ ﺃﻣﺘﻬﻢ ﺍﻟﺘﻲ‬
‫ﻣﻨﺤﺘﻬﻢ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺑﺎﻻﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺘﺮﺍﻛﻢ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺃﻛﺒﺮ ﻗﺪﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ‬
‫ﻭﺍﻟﻌﻄﻒ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺑﻘﻲ ﺣﻮﻟﻪ ﺃﻧﺎﺱ ﻓﺈﻥ ﺻﺮﺍﻋﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﺳﻮﻑ ﻳﺪﻭﺭ ‪ ،‬ﺳﻮﻑ ﻳﻘﻌﻮﻥ ﻓﻲ‬
‫ﺣﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻀﻤﻴﺮ‪ ،‬ﻫﻜﺬﺍ ﻧﻜﺴﺐ ﻧﺼﻒ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺳﻠﻔﺎ ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻄﻴﻨﺎ ﺷﺤﻨﺔ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻭﺻﺒﺮ ‪ ،‬ﻷﻥ‬
‫ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻭﺍﻟﺜﺒﺎﺕ ﻻ ﻳﺄﺗﻲ ﺇﻻ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻔﺎﺅﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻤﻞ ﺭﻳﺎﺡ ﺍﻟﻨﺼﺮ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻹﺟﻬﺎﺯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺼﻢ ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻧﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﺧﻨﺪﻕ ﺛﺎﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﺧﻨﺪﻕ ﺃﻭﻝ‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﻧﺠﺎﺡ ﺇﻟﻰ‬
‫ﻧﺠﺎﺡ ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻣﻌﺎﻧﺎﺓ ﻁﻮﻳﻠﺔ ﻭﺷﺎﻗﺔ ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺘﻌﺔ ﻭﻟﺬﺓ ﻷﻥ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻳﺤﻤﻞ ﺷﻴﺌﺎ‬
‫ﺟﺪﻳﺪﺍ ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺮﻳﺪ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﻣﻦ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻭﻧﻘﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻫﻲ‬
‫ﻋﻜﺲ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻫﻲ ﺑﺠﺮﻳﺪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺳﻠﺒﻴﺎﺗﻪ ﻭﻧﻘﻠﻬﺎ ﻟﻞﺧﺼﻢ‪.‬‬
‫ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺇﻋﻼﻥ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﻠﻄﺮﻓﻴﻦ ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍﺧﺘﻠﺖ ﻛﻔﺘﺎ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻫﻲ‬
‫ﻫﺰﻳﻤﺔ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻵﺧﺮ ﻭﻣﻄﺎﺭﺩﺗﻪ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭﺩ ﻣﻄﺎﺭﺩﺍ ‪ ،‬ﻭﺍﻝﻡ ﻁﺎﺭﺩ ﻣﻄﺎﺭﺩﺍ ‪ ،‬ﻳﻨﺘﻘﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‬
‫ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﻜﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻌﺎﻝ ‪ ،‬ﺗﺪﺏ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻛﺄﻧﻪ ﻧﺸﻂ ﻣﻦ ﻉ ﻗﺎﻝ ‪) :‬ﺃﻭ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﻴﺘﺎ‬
‫ﻓﺄﺣﻴﻴﻨﺎﻩ ﻭﺟﻌﻠﻨﺎ ﻟﻪ ﻧﻮﺭﺍ ﻳﻤﺸﻰ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻛﻤﻦ ﻣﺜﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ ﻟﻴﺲ ﺑﺨﺎﺭﺝ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﺯﻳﻦ‬
‫ﻟﻠﻜﺎﻓﺮﻳﻦ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ( )‪.(۱۲۲ :٦‬‬

‫ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ‪:‬ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ‪.‬‬

‫ﻳﺸﻌﺮ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻵﻥ ﺃﻧﻪ ﻣﺘﻔﺮﺝ‪ ،‬ﻣﻌﺰﻭﻝ ﻋﻦ ﻗﻀﻴﺘﻪ‪ ،‬ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺪﺧﻞ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻳﺼﺐﺡ ﻓﻲ‬
‫ﻣﻮﻗﻒ ﺣﺮﺝ ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﻮﺗﺮ ﻧﻔﺴﻲ ﺗﺪﻋﻮﻩ ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ ‪ ،‬ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻫﻲ ﻣﻌﺮﻛﺘﻪ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮﻳﺔ‬
‫ﺗﺨﺼﻪ ﻛﻤﺼﻴﺮ ﻟﻪ‪ ،‬ﻳﺸﻌﺮ ﺃﻧﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻔﺮﺝ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺤﺪﺙ ﺍﻟﺘﺤﺎﻡ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﺿﻠﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭ‬
‫ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ‪ ،‬ﻳﺘﻌﺎﻁﻒ ﻣﻌﻪ‪ ،‬ﻳﺤﺲ ﺑﺎﻻﻧﺘﻤﺎء ﻭﺍﻻﺭﺗﺒﺎﻁ ﻣﻌﻪ ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻳﺴﺤﺐ ﻭﻻءﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺺﻡ‪،‬‬
‫ﻭﻳﺸﻌﺮ ﺑﻌﻤﻖ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻳﺔ ‪ ،‬ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻳﺘﺠﺎﻭﺏ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻣﻌﻪ ‪ ،‬ﻭﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺧﻼﻳﺎﻩ ﺗﻠﺘﺤﻖ‬
‫ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﺿﻠﻴﻦ ﻛﻄﻼﺋﻊ ﺗﺸﺎﺭﻙ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻣﻤﻦ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ‪ ،‬ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻳﺸﻌﺮ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺃﻧﻪ‬
‫ﻻ ﺩﺧﻞ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻘﻀﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻳﺤﺰﻥ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻗﻪ ‪ ،‬ﻫﻜﺬﺍ ﻳﻄﺎﺭﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻱ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻛﻔﺮﻗﺔ ﺗﻬﺮﻳﺐ‬
‫ﻟﻠﺤﺸﻴﺶ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺘﻌﻄﻞ ﺍﻟﻤﺼﻨﻊ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻋﻦ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻋﻨﺎﺻﺮﻩ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﻳﻬﺪﻡ ﻓﻮﻕ ﺭﺅﺅﺱ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ‪.‬‬

‫ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻤﺼﻨﻌﻴﺔ‪:‬‬
‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺒﻨﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻤﺼﻨﻊ ﺍﻷﻭﻝ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺭﻭﻋﺘﻪ ﻓﻲ‬
‫ﻛﻮﻧﻪ ﻳﺠﻤﻊ ﻣﻮﺍﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﻤﺼﻨﻊ ﺗﻤﺎﻣﺎ ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﺨﺎﻡ ‪ ،‬ﻭﻳﺼﻨﻌﻪ ﺍ ﻭﻳﺨﺮﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻑ‬
‫ﺍﻵﺧﺮ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻣﺼﻨﻌﺔ ﺟﺎﻫﺰﺓ ﻟﻺﺳﺘﻬﻼﻙ ﺃﻭ ﻷﺩﺍء ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ‪ ،‬ﻗﺪ ﺗﺘﻠﻒ ﺍﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺑﻔﻌﻼﻷﺳﺘﻬﻼﻙ‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﻻ ﻳﻬﻢ ﻓﺎﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻤﺼﻨﻌﺔ ﻫﻲ ﺑﺎﻷﺻﻞ‪ ،‬ﻗﺪ ﻧﺘﺠﺖ ﻟﻼﺳﺘﻬﻼﻙ !!‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤﻬﻢ ﺃﻥ‬
‫ﻳﺴﺘﻤﺮ ﺍﻟﻤﺼﻨﻊ ﻓﻲ ﺗﺄﺩﻳﺔ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻳﺨﺴﺮ ﺵﻫﺪﺍء ﺑﺮﺭﺓ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﺮ ﻷﻧﻪ ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺗﻐﺬﻳﺔ ﺑﺎﻟﺪﻡ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ‪،‬‬
‫ﻓﻴﺼﻨﻌﻬﺎ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺩﻭﺍﻟﻴﻚ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﺮﻱ ﺃﻥ ﺃﺧﻄﺮ ﻣﺎ ﺃﺧﻄﺮ ﻣﺎ ﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺃﻧﻪ ﻓﻘﺪ ﻭﻅﻴﻔﺘﻪ ﻛﻤﺼﻨﻊ ﺑﻔﻌﻞ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﻋﻦ‬
‫ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻫﻜﺬﺍ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺗﺴﺘﻬﻠﻚ ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻣﻊ ﻧﻘﺺ ﺗﻮﺍﺭﺩ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮ ﺍﻟﺨﺎﻡ ‪ ،‬ﺃﻭ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺹﻭﺭﺓ‬
‫ﻣﻌﺎﻛﺴﺔ ﺃﻱ ﻋﺪﻡ ﺟﻮﺩﺓ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﻟﻼﺳﺘﻬﻼﻙ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺃﻭ ﺃﺩﺍء ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪.‬‬

‫‪124‬‬
 ‫ﺇﺫﺍ ﺃﺣﺴﻨﺎ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﺑﺨﻄﻮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻗﻠﻨﺎ ‪ :‬ﺇﻥ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺼﻨﻊ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻧﺸﺎﻁﻬﺎ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﻲ ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ‬
‫ﺍﻟﺨﺎﻣﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺼﻨﻌﺎﺕ‪ ،‬ﻭﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﺘﺼﻨﻊ‪ ،‬ﻭﻳﺘﺪﺍﺧﻞ ﻋﻨﺼﺮ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﺃﻱ ﻛﻤﻴﺔ ﻭﻛﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻊ‬
‫ﻓﻲ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﺰﻣﻦ‪.‬‬
‫ﻓﻌﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﻭﻓﺮﺓ ﻭﺭﻭﺩ ﺍﻟﺨﺎﻣﺎﺕ ‪ ،‬ﻭﻛﺜﺮﺓ ﺇﻓﺮﺍﺯ ﺍﻟﻤﺼﻨﻌﺎﺕ ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﻜﻴﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﻤﻴﺔ ﺍﻟﺠﻴﺪﺓ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻭﺣﺪﺓ‬
‫ﺍﻟﺰﻣﻦ‪ ،‬ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﺣﺪ ﺍﻟﺴﻮﺍء‪.‬‬
‫ﻓﺈﺫﺍ ﺍﺷﺘﺪ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﺳﺮﻳﻌﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﻧﺎﺿﺠﺔ ‪ ،‬ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻛﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﺨﺒﺎﺯ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻡ‬
‫ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺇﻧﻘﺎﺫ ﺍﻟﺼﺎﺋﻤﻴﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻴﻦ ﻉﻟﻰ ﺑﺎﺏ ﻣﺤﻠﻪ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻭﺑﻜﻤﻴﺔ ﺧﺒﺰ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﺑﺸﻜﻞ ﻏﻴﺮ ﻧﺎﺿﺞ ‪ ،‬ﺃﻭ‬
‫ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺃﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﺪﻡ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺨﺮﺝ ﻛﺮﻳﺎﺕ ﺣﻤﺮ ﻏﻴﺮ ﻧﺎﺿﺠﺔ ﻣﻦ ﻣﺼﻨﻊ ﺍﻟﺪﻡ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺠﺮﺝ‬
‫ﺇﺣﺪﻯ ﺣﺎﻻﺕ ﻓﻘﺮ ﺍﻟﺪﻡ‪ ،‬ﻓﻼ ﺗﻘﻮﻡ ﺍﻟﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﺤﻤﺮﺍء ﺑﻮﻅﻴﻔﺘﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﺒﺮﺓ ﻟﻴﺲ‬
‫ﺑﻜﺒﺮ ﺍﻟﺸﻲء‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺑﻨﻀﺠﻪ ﻭﻗﻴﺎﻣﻪ ﺑﻮﻅﻴﻔﺘﻪ‪.‬‬
‫ﻭﺗﺘﻔﺎﻭﺕ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ‪ ،‬ﻭﺗﺘﺪﻧﻰ ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻹﻧﻌﺪﺍﻡ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻧﻬﺎﺋﻲ ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻗﻀﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﻴﺰﺍﻧﻴﺔ ﺃﻱ ﻣﺼﻨﻊ ﻭﻫﻲ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﺼﺪﺭ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻐﻄﻲ ﻧﻔﻘﺎﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺼﻨﻊ ﺃﻱ‬
‫ﻣﺼﺮﻭﻓﺎﺗﻪ ﺍﻷﻭﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﺨﺎﻡ ﻭﺍﻟﻤﺤﺮﻭﻗﺎﺕ ﻭﺭﻭﺍﺗﺐ ﺍﻟﻤﻮﻅﻔﻴﻦ ‪ ،‬ﻭﺃﺟﻮﺭ ﺍﻟﻌﻤﺎ ﻝ‪ ،‬ﻭﺃﺟﺮﺓ‬
‫ﺍﻟﻌﻤﻞ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎء‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺎء‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻠﻔﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﻨﻔﻘﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻌﺪﺩﺓ ﺍﻷﺧﺮﻯ‪.‬‬
‫ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﺪﻧﻰ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺣﺮﺟﺔ ‪ ،‬ﻗﺪ ﻳﻔﻀﻞ ﺍﻟﻤﻌﻤﻞ ﻋﻤﻠﻪ ﻭﻻ ﻳﺘﺎﺑﻌﻪ ‪ ،‬ﺇﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ‪،‬‬
‫ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻻﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻣﻮﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺎﻟﻨﺰﻳﻒ ﻻ ﻳﺸﺘﺮﻁ ﻓﻴﻪ ﺍﻥ ﻱ ﺧﺴﺮ ﻛﻞ ﺩﻣﻪ ‪،‬ﻓﺨﺴﺎﺭﺓ ﺍﻟﺪﻡ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﻭ )ﺍﻟﺴﺮﻳﻌﺔ (‬
‫ﻣﻘﺪﺍﺭ‪ %۳۳‬ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻟﺪﻡ ﺍﻟﻌﺎﻡ ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺣﻮﺍﻟﻲ ‪ ۲۰۰۰_۱٥۰۰‬ﺳﻢ ‪ ۳‬ﻳﻌﺮﺽ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻠﻤﻮﺕ ﺑﻴﻨﻤﺎ‬
‫ﺧﺴﺎﺭﺓ ‪ %٥۰‬ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻡ ﻓﻲ ﻣﺪﻯ ‪ ۲٤‬ﺳﺎﻋﺔ ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ ﻗﺪ ﻻﻳﻤﻮﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻔﻌﻞ ﺍﻟﻤﻌﺎﻭﺿﺔ ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ‬
‫ﻛﻮﻥ ﺑﺨﺴﺎﺭﺓ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻳﻌﺮﺽ‬ ‫ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺼﺪﻣﺎﺕ ﺍﻟﻌﻨﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻨﺰﻳﻒ ﺍﻟﻤﻔﺎﺟﺊ ﻷﻱ ﻋﻤﻞ ﻗﺪ ﻻﻱ‬
‫ﻟﻠﻤﻮﺕ‪.‬ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺪﺭﻙ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺑﺼﺮﺍﺣﺔ ‪ ،‬ﻭﻁﻴﺒﺔ ﻗﻠﺐ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﻻﺗﻜﻔﻲ ﻭﻻﺗﺤﻞ ﻟﻨﺎ ﻣﺸﺎﻛﻠﻨﺎ ‪ ،‬ﻭﻗﺪ‬
‫ﻳﻘﻮﺩﻧﺎ) ﺇﺧﻼﺻﻨﺎ( ﺑﺪﻭﻥ ) ﻓﻬﻤﻨﺎ( ﻟﺴﻨﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﺇﻟﻰ ﻛﻮﺍﺭﺙ ﻓﻠﻨﺘﺪﺑﺮ!‪.‬‬
‫ﻭﻧﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺑﺤﺜﻨﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺪﺃﻧﺎ ﻓﻴﻪ ﻓﻨﻘﻮﻝ ‪ :‬ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻐﻤﻮﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻻﺧﺘﻼﻁﺎﺕ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺤﻤﻰ ﺍﻟﺘﻴﻔﻴﺔ ﻣﺜﻼ) ﺍﻟﺘﻴﻔﻮﺋﻴﺪ( ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﻌﺎﻟﺞ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻭﺍﻟﻜﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻗﺪ ﺗﺘﻄﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﺧﺘﻼﻁﺎﺕ ﻣﺨﻴﻔﺔ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺘﻬﺎﺏ ﻋﻀﻠﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ‬
‫ﺍﺧﺘﻼﻁﺎﺕ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﺗﺄﻥ ﺍﻧﺘﻘﻞ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺧﻂ ﺍﻟﺪ ﻓﺎﻋﺎ ﻷﻭﻝ ﺇﻟﻰ ﺧﻂ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ‬
‫ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻭﺃﺻﺒﺢ ﻻ ﺷﺮﻋﻴﺎ ً ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﺧﺼﻤﻪ ﺍﻟﻼﺷﺮﻋﻲ ﺃﺻﺒﺢ ﺷﺮﻋﻴﺎً‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺃﺻﺒﺢ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﻓﻲ‬
‫ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﻬﺠﻮﻡ ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ‪ ،‬ﻭﺃﺧﺬ ﻳﻄﺎﺭﺩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺑﺪﻋﻮﻯ ﺍﻟﻼﺷﺮﻋﻴﺔ )ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﺴﺮﻱ (‪ ،‬ﺑﻞ‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺑﺎﺧﺘﻔﺎﺋﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻋﻄﺎﻫﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺮﺭ ﻻﺗﻬﺎﻣﻪ ﻭﺇﺩﺍﻧﺘﻪ ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻛﺴﺐ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﺗﺄﻳﻴﺪ ﺍﻟﺮﺃﻱ‬
‫ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺤﺎﺭﺏ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻷﻧﻬﻢ ﻣﺴﻠﻤﻮﻥ ﺑﻞ ﻷﻧﻬﻢ ﺧﺼﻮﻣﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻻ‬
‫ﻳﺤﺎﺭﺏ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﻗﻠﻴﻞ ﺃﻭ ﻛﺜﻴﺮ!!‪.‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻓﺨﺎﺥ ﺍﻟﺠﺎﻧﺒﻴﺔ ﻧﺼﺒﺖ ﺑﺒﺮﺍﻋﺔ ﻭﺇﺣﻜﺎﻡ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻭﻭﻗﻊ ﻓﻴﻪ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻮﻥ ﺑﻜﻞ ﺃﺳﻒ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﺴﻘﻮﻁ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻻ ﺃﺟﺪ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻠﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺧﺼﻮﻣﻨﺎ ﻓﻬﻢ ﻳﻔﻌﻠﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺑﺬﻛﺎء‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻠﻮﻡ ﻳﻘﻊ‬
‫ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻧﻮﺿﺢ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﻗﻔﻨﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﻳﺘﻀﺢ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﻌﺪ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ‪.‬‬
‫)ﺍﺣﻨﺎ ﺣﺎﻛﻤﻨﺎ ﺍﻷﺧﻮﺍﻥ‬ ‫ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﻳﺒﺮﺭ ﺣﺮﺑﻪ ﺿﺪ ﺍﻷﺧﻮﺍﻥ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻜﻞ ﺑﺴﺎﻁﺔ‬
‫ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻋﺸﺎﻥ ﻫﺎﺟﻤﻮﻧﺎ(‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﻷﻧﻬﻢ ﺣﻤﻠﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﺭﻳﺪ ﺍﻹﺳﻼﻡ!!‪.‬‬
‫ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺍﻟﺘﻬﻤﺔ ﻫﻲ )ﺍﻹﺭﻫﺎﺑﻴﺔ( ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺗﻬﻤﺔ )ﺍﻹﺳﻼﻡ(‪.‬‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻐﻤﻮﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻛﻠﻒ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺛﻤﻨﺎ ً ﻏﺎﻟﻴﺎ ً ﺇﻥ ﻟﻢ ﻧﻘﻞ ﺃﻧﻪ ﺃﺟﻬﺾ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫ﻭﻫﻨﺎ ﻓﻜﺮﺓ‪ :‬ﻓﺈﻥ ﺗﻠﻮﺙ ﺍﻟﺠﻮ ﻭﺍﻣﺘﻼءﻩ ﺑﺄﻟﻐﺎﻡ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻳﺠﻌﻞ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺘﺼﻠﻮﻥ ﺑﻪ ﻳﺪﻓﻌﻮﻥ ﺛﻤﻨﺎً‪ ،‬ﺗﻤﺎﻣﺎ ً‬
‫ﻛﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺒﺮ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺼﻠﺔ ﺑﺴﻮﺭﻳﺎ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺸﻌﺮ ﻭﻫﻮ ﻳﻄﺄ ﺍﻷﺭﺽ ﺇﻻ ﻭﻟﻐﻤﺎ ً ﻗﺪ‬
‫ﺍﻧﻔﺠﺮ ﺑﻪ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻌﻠﻢ ﺍﻟﻤﻤﺮﺍﺕ ﺍﻵﻣﻨﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ ً ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻘﻨﻬﺎ ﻣﻬﺮﺑﻮﺍ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺗﻤﺎﻣﺎ ً‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺰﺭﻉ ﺑﺎﻷﻟﻐﺎﻡ ﻗﺪ ﻳﺼﻴﺐ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ً ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻊ ﻧﻴﻪ ﻭﻗﻨﺎﺑﻞ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﺔﻱ‬
‫ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﺎ ﺯﺍﻟﺖ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺗﻨﺰﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍء ﺍﻟﻠﻴﺒﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﺛﺮ ﺣﺮﺏ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﻦ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﻨﺎﻁﻖ ﻣﻦ‬
‫ﺃﻭﺭﺑﺎ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺃﻣﺮﻳﻦ ﻭﻫﻲ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭﺿﺮﻳﺒﺘﻬﺎ ﻓﺎﻥ ﻳﺤﻤﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺃﻓﻜﺎﺭﺍ ﻣﺎ ﻭﻳﺪﻓﻊ ﺿﺮﻳﺒﺘﻬﺎ ﻻ‬
‫ﺣﺮﺝ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﺴﺮﻭﺭ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻤﻜﺎﻓﺢ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺪﺙ ﻭﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﻳﺤﺪﺙ ﺃﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﺘﺼﻞ‬
‫ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﻜﻠﻒ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﻮﻣﻮﺍ ﻭﻣﺎ ﻗﺎﻣﻮﺍ ﺑﻪ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻦ ﻳﻈﻦ ﻭﻫﻮ ﻳﺤﻤﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺃﻧﻪ ﻣﻨﺴﻠﺦ ﻋﻦ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻓﻘﺪ ﺍﺧﻄﺄ ﻣﺮﺗﻴﻦ‪ ،‬ﻓﺄﻱ ﻋﻤﻞ‬
‫ﺇﺳﻼﻣﻲ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﻧﺸﺎﻁ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﻢ ﻳﺒﺪﺃ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻔﺮ‪ ،‬ﻭ ﺃﻥ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺇﺳﻼﻣﻴﺎ ً ﺳﻮﻑ‬
‫ﺗﺤﺴﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻣﻦ ﺿﻮﺋﻬﺎ ﺳﻮﻑ ﻳﺮﺻﺪ‪ ،‬ﻭﺗﻜﺮﺍﺭ ﺧﻄﺄ ﺳﺎﺑﻖ ﻳﻌﻨﻲ ﻣﻘﺘﻼً ﺳﺮﻳﻌﺎ ً‪.‬‬
‫ﻟﺬﺍ ﻭﺟﺐ ﺃﻥ ﻳﻨﺼﺐ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻻ ﻋﻠﻰ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﻋﻤﻞ ﻭﺧﻄﺄ ﺳﺎﺑﻖ ﺑﻞ ﺗﻄﻮﻳﺮﻋﻤﻞ ﺟﺪﻳﺪ ﻳﺘﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﺃﺧﻄﺎء‬
‫ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻵﻥ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺳﺘﺮﺳﺎﻝ ﻟﻨﺘﻨﺎﻭﻝ ﺑﺤﺚ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺑﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻗﺔ ﻭﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺪ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻳﻨﺼﺐ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺛﻼﺛﺔ ﻗﻄﺎﻋﺎﺕ ﺭﺋﻴﺴﻴﺔ ﺗﺘﺪﺭﺝ ﺑﺎﻷﻫﻤﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﺘﺘﺎﻟﻲ ‪ .‬ﻓﺎﻷﻭﻷﻗﻞ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺃﻛﺜﺮﻫﺎ‬
‫ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻭﺃﺷﺪﻫﺎ ﺧﻄﻮﺭﺓ‪.‬‬

‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻄﺎﻋﺎﺕ ﻫﻲ‪ :‬ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ‪ ،‬ﺍﻟﺴﺮﻳﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻌﻨﻒ‬

‫ﺛﻢ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺷﻌﺎﺭ ﻣﻬﻢ ﻫﻮ ﺳﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻭﺟﻬﺮﻳﺔ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ‪ .‬ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻷﺭﺑﻌﺔ ‪ :‬ﺍﻟﺴﺮﻳﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺖﻧﻈﻴﻢ‪،‬‬
‫ﺍﻟﺠﻬﺮﻳﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ‪ ،‬ﺛﻢ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺭﺑﻂ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻓﻘﺮﺍﺕ‪ ،‬ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﻭﺣﺪﺓ ﻋﻤﻞ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ‪،‬‬
‫ﺇﻅﻬﺎﺭ ﻭﺟﻮﻩ ﺍﻟﻨﺘﺎﻗﺾ‪ ،‬ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺛﻘﺎﻓﻴﺎ‪ ،‬ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻨﻲ ﻭﺍﻟﺴﺮﻱ ﻭﺍﻟﺠﻬﺮﻱ‪ ،‬ﺃﻳﻬﻤﺎ ﺃﻛﺜﺮ‬
‫ﺟﺪﻭﻯ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺛﻘﺎﻓﻴﺎ ‪ ،‬ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻨﻲ ﻭﺍﻟﺴﺮﻱ ﺑﺤﻴﺚ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺴﺮﻱ ﻳﻜﻮﻥ‬
‫‪ .‬ﺗﻘﻴﻴﻢ ﻭﺗﺤﻠﻴﻞ ﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ‬ ‫ﺧﻠﻔﻴﺔ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺍﻟﻌﻠﻨﻲ؟ ﻣﺮﺩﻭﺩ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‬
‫ﺍﻻﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﻣﺪﻯ ﻧﺼﻒ ﻗﺮﻥ ‪ ،‬ﺑﺤﺚ ﺍﻟﻤﻮﺍﺿﻴﻊ ﺍﻟﺜﻼﺙ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ‬
‫ﺳﻮﺍء ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ‪ ،‬ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﺤﻴﺢ ﺧﻄﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻻﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﺮﺍﻫﻨﺔ ‪،‬‬
‫ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺻﻴﻐﺔ ﻋﻤﻞ ﺟﺪﻳﺔ ﻣﻼﺋﻤﺔ‪.‬‬

‫ﻓﻜﺮﺓ‪ :‬ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻟﻠﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﻤﺮﺿﻴﺔ‬

‫ﺇﻥ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻹﺻﻼﺡ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﻗﻄﺎﻋﺎﺗﻪ ﺍﻟﺜﻼﺙ ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﻋﻜﺴﺎ ً ﻣﻊ ﺗﺴﻠﺴﻞ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ‬
‫ﺍﻟﺜﻼﺙ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺃﺳﻬﻞ ﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺻﻌﺒﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺴﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺃﺷﺒﻪ‬
‫ﺏﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ‪ :‬ﺍﻟﻌﻨﻒ‪.‬‬
‫ﻧﺘﺬﻛﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ـ ﻭﻳﻌﺮﻓﻬﺎﻟﻄﺐ ﺟﻴﺪﺍً ـ ﺇﻗﻴﺎء ﺍﻟﺤﻤﻞ ﺍﻟﻌﻨﻴﺪﺓ ﺣﻴﺚ ﻳﻤﺮ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻓﻲ ﺛﻼﺙ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﻋﻨﺪ‬
‫ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﺤﺎﻣﻞ‪ ،‬ﻓﺎﻷﻭﻝ ﻫﻮ ﻭﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻴﺊ ـ ﺗﺴﺮﻉ ﺍﻟﻨﺒﺾ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺃﺷﺘﺪﺍﺩ ﺍﻟﻘﻴﺊ \ﻥ ﻭﻳﺘﺮﺍﻓﻖ‬
‫ﺑﺎﻟﻨﺤﻮﻝ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻭﺧﺴﺎﺭﺓ ﺍﻟﻮﺯﻥ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻔﺎﺟﺊ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﺤﺎﻣﻞ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ‪ ،‬ﺃﻱ‪:‬‬
‫ﻅﻬﻮﺭ ﺍﻷﺧﺘﻼﻁﺎﺕ ﻭﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﺩﻭﺍﺋﻴﺎً‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺟﺮﺍﺣﻴﺎ ﺃﻱ ‪ :‬ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺑﺎﺟﺮﺍء ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻗﻴﺼﺮﻳﺔ‪،‬‬
‫ً‬
‫ﺃﻭ ﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻻ ﻳﻨﻔﻊ ﻣﻌﻬﺎ ﺷﻴﺊ ﺣﺘﻰ ﺍﻹﺟﻬﺎﺽ‪.‬‬

‫‪126‬‬
 ‫ﻓﻜﺮﺓ‪ :‬ﺗﺼﺤﻴﺢ ﺍﻟﻤﺴﺎﺭ‬
‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﺃﻱ ﺣﺮﻛﺔ ﻣﻦ ﻧﻘﻄﺔ‪ ،‬ﻭﺗﻜﻮﻥ ﻣﻨﺤﺮﻓﺔ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﻳﺴﻴﺮﺓ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﻊ ﻣﺮﻭﺭ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻳﺰﺩﺍﺩ‬
‫ﺍﻹﻧﺤﺮﺍﻑ ﻁﺮﺩﺍً‪ ،‬ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻱ ﺣﺮﻛﺔ ﺗﺼﺤﻴﺢ ﺍﻟﻤﺴﺎﺭ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺠﻬﺪﻳﻦ ﺍﻷﻭﻝ ‪ :‬ﺇﻳﻘﺎﻑ ﺍﻟﻤﺴﺎﺭ‬
‫ﺍﺭ ﻋﻠﻰ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ‬ ‫ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺗﻌﺪﻳﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺎﺭ‪ ،‬ﻓﻲ ﻫﺬﻫﺎﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻗﺪ ﻳﻘﻊ ﺗﺸﻨﺞ ﻭﺇﺻﺮ‬
‫ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺧﺎﺻﺔ ﺇﺫﺍ ﻗﺪﻣﺖ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺿﺤﺎﻳﺎ ﻓﺈﻥ ﺍﻹﺧﻼﺹ ﺑﺎﻟﺼﻮﺍﺏ ﻳﺨﺘﻠﻂ‪ ،‬ﻭﺍﺇﻧﺴﺎﻥ ﻳﻜﺮﻩ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻮﺩ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﺿﻐﻂ ﻭﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﺑﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺟﺪﻳﺪ ﺗﺘﺤﻠﻰ ﺑﻪ ﻗﻠﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻷﺩﻣﻐﺔ ﺍﻟﻨﺎﺿﺠﺔ ‪ .‬ﻟﺬﺍ ﻛﺎﻥ‬
‫ﻣﻬﻤﺎ ً ﺍﻟﺘﻌﻮﺩ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﺍﻟﺬﺍﺕ‪ ،‬ﻭﺇﺟﺮﺍء ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺴﻢ ﺍﻟﻊﻣﻞ ﺑﺎﻟﻨﻤﻮ ﺍﻟﺴﻠﻴﻢ‪.‬‬

‫ﻓﻜﺮﺗﺎﻥ ﻻ ﺟﺪﺍﻝ ﻓﻴﻬﻤﺎ‬

‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺒﺤﺚ ﺃﻱ ﻗﻀﻴﺔ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻣﺮﺍﻥ ﻳﺘﻔﻖ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﺃﻱ ﻋﺎﻣﻠﻴﻦ‪ ،‬ﺍﻷﻭﻝ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺶ ﺑﺪﻭﻥ‬
‫ﻣﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻻ ﻳﻨﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺄﻱ ﻋﻤﻞ ﻣﻬﻤﺎ ﺻﻐﺮ ﺃﻭ ﻛﺒﺮ ﺑﺪﻭﻥ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﺳﻮﺍء ﻛﺎﻥ ﺧﺎﺿﻌﺎ ً ﻟﻮﻋﻲ‬
‫ﺃﻭﻻ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻭﻗﺪ ﺃﺑﺪﻉ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭ ﻥ ﻓﻴﻢ ﻗﺪﻣﺘﻪ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻴﻠﻬﺎ ﻭﻟﻨﺴﻤﻊ ‪) :‬ﺗﺤﺖ ﻓﺼﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ‬
‫ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ(‪.‬‬
‫"ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺿﺮﻭﺭﻱ‪ ،‬ﻭﻳﻌﺒﺮ ﺍﻟﺤﻜﻤﺎء ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺑﻘﻮﻟﻬﻢ ‪ :‬ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺪﻧﻲ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ‪،‬‬
‫ﺃﻱ‪ :‬ﻻ ﺑﺪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﺻﻄﻼﺣﻬﻢ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﻭﺑﻴﺎﻧﻪ ﺃﻥ ﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﺔ‬
‫ﺧﻠﻖ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺭﻛﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﻻ ﻳﺼﺢ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻭﺑﻘﺎﺅﻫﺎ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻐﺬﺍء‪ ،‬ﻭﻫﺪﺍﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻤﺎﺳﻪ ﺑﻔﻄﺮﺗﻪ‪ ،‬ﻭﺑﻤﺎ‬
‫ﺭﻛﺐ ﻓﻴﻪ ﻣﻨﺎ ﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺼﻴﻠﻪ‪ ،‬ﺇﻻ ﺃﻥ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﻨﺎﻟﺒﺸﺮ ﻗﺎﺻﺮﺓ ﻋﻦ ﺗﺤﺼﻴﻞ ﺣﺎﺟﺘﻪ ﻣﻦ‬
‫ﺫﻟﻜﺎﻟﻐﺬﺍء ﻏﻴﺮ ﻣﻮﻓﻴﺔ ﻟﻪ ﺑﻤﺎﺩﺓ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻣﻨﻪ ﻭﻟﻮ ﻓﺮﺿﻨﺎ ﻣﻨﻪ ﺃﻗﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﺮﺿﻪ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻗﻮﺕ ﻳﻮﻡ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﺤﻨﻄﺔ ﻣﺜﻼً‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺤﺼﻞ ﺇﻻ ﺑﻌﻼﺝ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺤﻦ ﻭﺍﻟﻌﺠﻦ ﻭﺍﻟﻄﺒﺦ‪ ،‬ﻭﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ‬
‫ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺍﻋﻴﻦ ﻭﺁﻻﺕ ﻻ ﺗﺘﻢ ﺇﻻ ﺑﺼﻨﺎﻋﺎﺕ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻣﻦ ﺣﺪﺍﺩ ﻭﻧﺠﺎﺭ ﻭﻓﺎﺧﻮﺭﻱ ﻭﻫﺐ ﺃﻧﻪ‬
‫ﻳﺄﻛﻠﻪ ﺣﺒﺎ ً ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻋﻼﺝ ﻓﻬﻮ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻳﺤﺘﺎﺝ ﻓﻲ ﺗﺤﺼﻴﻠﻪ ﺃﻳﻀﺎ ً ﺣﺒﺎ ً ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻨﻬﺬﻩ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔ ﻭﺍﻟﺤﺼﺎﺩ ﻭﺍﻟﺪﺭﺍﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﺮﺝ ﺍﻟﺤﺐ ﻣﻦ ﻏﻼﻑ ﺍﻟﺴﻨﺒﻞ‪ ،‬ﻭﻳﺤﺘﺎﺝ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺁﻻﺕ‬
‫ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻭﺻﻨﺎﺋﻊ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺑﻜﺜﻴﺮ‪ ،‬ﻭﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﺃﻥ ﺗﻔﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﺃﻭ ﺑﺒﻌﻀﻪ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻓﻼ‬
‫ﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺃﺑﻨﺎء ﺟﻨﺴﻪ ﻟﻴﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻮﺗﻠﻪ ﻭﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻴﺤﺼﻞ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻗﺪﺭﺍﻟﻜﻒ ﺍﻳﺔ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎﺿﻌﺎﻑ‪.‬‬
‫ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺈﻟﻰ ﺍﻹﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺄﺑﻨﺎء ﺟﻨﺴﻪ‪ ،‬ﻷﻥ ﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﺔ ﻟﻤﺎ‬
‫ﺭﻛﺐ ﺍﻟﻄﺒﺎﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻗﺴﻢ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺑﻴﻨﻬﺎ‪ ،‬ﺟﻌﻞ ﺣﻈﻮﻅ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﻌﺠﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ‬
‫ﺃﻛﻤﻞ ﻣﻦ ﺣﻆ ﺍﺇﻧﺴﺎﻥ ﻓﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﺱ ﻣﺜﻼً ﺃﻋﻈﻢ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‪ ،‬ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ ﻭﺍﻟﺜﻮﺭ‪،‬‬
‫ﻭﻗﺪﺭﺓ ﺍﻷﺳﺪ ﻭﺍﻟﻔﻴﻞ ﺃﺿﻌﺎﻑ ﻣﻦ ﻗﺪﺭﺗﻪ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﻁﺒﻴﻌﺎ ً ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﺟﻌﻞ ﻟﻜﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻀﻮﺍً ﻳﺨﺘﺺ ﺑﻤﺪﺍﻓﻌﺘﻪ ﻣﺎ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ‬
‫ﻋﺎﺩﻳﺔ ﻏﻴﺮﻩ‪ ،‬ﻭﺟﻌﻞ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻋﻮﺿﺎ ً ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﻴﺪ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻴﺪ ﻣﻬﻴﺌﺔ ﻟﻠﺼﻨﺎﺋﻊ ﺑﺨﺪ ﻣﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻥ‬
‫ﻭﺍﻟﺼﻨﺌﻊ ﺗﺤﺼﻞ ﻟﻪ ﺍﻵﻻﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻮﺏ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﻮﺭﺍﺡ ﺍﻟﻤﻌﺪﺓ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻟﻠﺪﻓﺎﻉ‪ ،‬ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺮﻣﺎﺡ‬
‫ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻮﺏ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﺍﻟﻨﺎﻁﺤﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﻮﻑ ﺍﻟﻨﺎﺋﺒﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﺐ ﺍﻟﺠﺎﺭﺣﺔ ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺱ ﺍﻟﻨﺌﺒﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮﺍﺕ‬
‫ﺍﻟﺠﺎﺳﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﻤﺎ ﺫﻛﺮﻩ ﺟﺎﻟﻴﻨﻮﺱ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﺍﻷﻋﻀﺎء‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻻ ﺗﻘﺎﻭﻡ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻗﺪﺭﺓ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﻌﺠﻢ ﺳﻤﻴﺎ ﺍﻟﻤﻔﺘﺮﺳﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻋﺎﺟﺰ ﻋﻦ‬
‫ﻣﺪﺍﻓﻌﺘﻬﺎ ﻭﺣﺪﻩ ﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ‪ ،‬ﻭﻻ ﺗﻔﻲ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺃﻳﻀﺎ ً ﺑﺎﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻵﻻﺕ ﺍﻟﻤﻌﺪﺓ ﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻼ ﺑﺪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺄﺑﻨﺎء ﺟﻨﺴﻪ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻓﻼ ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻪ ﻗﻮﺕ‪ ،‬ﻭﻻ ﻏﺬﺍء‪ ،‬ﻭﻻ ﺗﺘﻢ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻟﻤﺎ‬
‫ﺭﻛﺒﻪ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﺬﺍء ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻪ ﺃﻳﻀﺎ ً ﺩﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻔﻘﺪﺍﻥ‬
‫ﺍﻟﺴﻼﺡ‪ ،‬ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻓﺮﻳﺴﺔ ﻟﻠﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻭﻳﻌﺎﻟﺠﻪ ﺍﻟﻬﻼﻙ ﻋﻦ ﻣﺪﻯ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻭﻳﺒﻄﻞ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﺒﺸﺮ‪.‬‬

‫‪127‬‬
 ‫ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﺣﺼﻞ ﻟﻪ ﺍﻟﻘﻮﺕ ﻟﻠﻐﺬﺍء‪ ،‬ﻭﺍﻟﺴﻼﺡ ﻟﻠﻤﺪﺍﻓﻌﺔ‪ ،‬ﻭﺗﻤﺖ ﺣﻜﻤﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺑﻘﺎﺋﻪ ﻭﺣﻔﻆ ﻧﻮﻋﻪ‪.‬‬
‫ﻓﺈﺫﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺿﺮﻭﺭﻱ ﻟﻠﻨﻮﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻭﺇﻻ ﻟﻢ ﻳﻜﻤﻞ ﻭﺟﻮﺩﻫﻢ ﻭﻣﺎ ﺃﺭﺍﺩ ﷲ ﻣﻦ ﺍﻋﺘﻤﺎﺭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‬
‫ﺑﻬﻢ ﻭﺍﺳﺘﺨﻼﻓﻪ ﺍﻳﺎﻫﻢ ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻌﻠﻨﺎﻩ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎ ً ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ " ﺃﻫـ ‪ .‬ﺹ‪۳٤ :٤۲ :‬‬
‫)ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ(‪.‬‬
‫ﻫﺬﺍ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ ،‬ﻭﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻀﺮﻭﺭﺓ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪.‬‬
‫ﻭﺃﻣﺎ ﺃﻥ ﺃﻱ ﻋﻤﻞ ﻣﻬﻤﺎ ﺻﻐﺮ ﺃﻭ ﻛﺒﺮ ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻠﺘﻨﻈﻴﻢ ﺳﻮﺍء ﻛﺎﻥ ﻣﻨﻪ ﻋﻀﻮﻳﺎ ً ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﻮﻋﻲ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﺎ‬
‫ﻛﺎﻥ ﺧﺎﻋﺎ ً ﻟﻠﻮﻋﻲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﺳﻤﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻫﻲ ﺳﻤﺔ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻷﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻷﻭﻝ ﺍﻟﻌﻀﻮﻱ ﻭﻓﻖ ﺍﻵﻟﻴﺎﺕ‬
‫ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﻤﺤﺪﺩﺓ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻄﻖ ﻭﺍﻟﻬﻀﻢ ﻭﺍﻟﺒﻨﺎء ﻭﺍﻟﺘﻤﺜﻞ ﻭﺍﻹ ﻓﺮﺍﺯ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﺍﻹﻓﺮﺍﺯﺍﺕ ﻭﺍﻟﻮﻅﺎﺋﻒ‬
‫ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺔ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻌﻀﻮﻱ ﻳﺘﻢ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ‪ ،‬ﻓﺘﻜﻮﻳﻦ ﺧﻠﻴﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻜﺮﻳﺔ‬
‫ﺍﻟﺤﻤﺮﺍء ﻳﺘﻢ ﺑﺂﻟﻴﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺟﺮﺟﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﻘﻴﺪ‪ ،‬ﻓﻤﺼﻨﻊ ﺍﻟﻜﻴﺎﺕ ﻟﺤﻤﺮ ﻫﻮ ﻧﻘﻲ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻜﻮﻥ‬
‫ﺧﻀﺎﺑﻪ ﺍﻟﺪﻡ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻤﻞ ﺍﻷﻭﻛﺴﺠﻴﻦ ﻟﻠﺨﻼ ﻳﺎ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺤﺮﻕ ﻭﺍﻷﺳﺘﻘﻼﺏ ﺍﻟﺨﻠﻮﻱ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺨﻀﺎﺏ‬
‫‪ ٥۷٤‬ﺣﻤﻀﺎ ً ﺁﻣﻴﻨﻴﺎ ً ﺑﺎﻻﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ‬ ‫ﻳﺘﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺃﺭﺑﻊ ﺳﻼﺳﻞ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻤﺎﺽ ﺍﻵﻣﻴﻨﻴﺔ ﺗﺒﻠﻎ‬
‫ﻭﺍﻟﻜﻮﺑﺎﻟﺖ ﻭﺍﻟﻨﺤﺎﺱ ﻭﺍﻟﻔﻴﺘﺎﻣﻴﻦ ﺏ ‪ .۱۲‬ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻨﻄﻖ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻱ ﺣﺮﻑ ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻪ ﻗﺎﻧﻮﻧﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ‬
‫ﻭﺗﻨﻈﻴﻤﻪ ﺍﻟﻤﺤﺪﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺤﻴﺪ ﻋﻨﻪ‪ ،‬ﻭﺑﺪءﺍً ﻣﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺛﻢ ﺍﻹﻧﺘﻘﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺪﻣﺎﻍ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻔﺺ ﺍﻟﺠﺒﻬﻲ ﺣﻴﺚ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﺍﻷﻟﻴﺎﻑ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻣﺤﻤﻠﺔ ﺑﺎﻷﻭﺍﻣﺮ‪ ،‬ﻟﺘﺄﻣﺮ ﺍﻟﺮﺋﺔ ﺑﻘﺬﻑ ﺍﻟﻬﻮﺍء‬
‫ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺮﻏﺎﻣﻰ‪ ،‬ﻭﺗﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﺤﺒﺎﻝ ﺍﻟﺼﻮﺗﻴﺔ ﺑﺎﻷﺷﺘﺪﺍﺩ ﻭﺍﻷﺭﺗﺨﺎء ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﻤﻌﻴﻦ‪ ،‬ﻫﻜﺬﺍ ﻳﺨﺮﺝ ﺍﻟﻬﻮﺍء ﺑﺸﻜﻞ‬
‫ﻣﻌﻴﻦ ﻭﺑﻀﻐﻂ ﻣﻌﻴﻦ ﻭﺑﻘﺪ ﻣﻌﻴﻦ ﻟﻲ ﺻﺪﻡ ﺍﻟﺸﻔﺘﻴﻦ ﻭﺍﻷﺿﺮﺍﺱ ﻭﺍﻟﻠﺜﺘﻴﻦ ﻭﻟﺘﻘﻮﻡ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺑﺪﺭﻭﻫﺎ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﺘﺠﺎﻭﺏ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻭﺍﻟﺘﻘﻠﺺ ﻭﺍﻹﺭﺗﺨﺎء ﺍﻟﻤﻼﺋﻢ‪ ،‬ﻓﻴﺨﺮﺝ ﺍﻟﺤﺮﻑ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻨﻄﻖ‬
‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺎﻟﺤﺮﻑ‪ ،‬ﻭﺗﺘﻜﺮﺭ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﻟﺘﺨﺮﺝ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺗﻦ ﻭﺗﺘﺮﺍﺩﻑ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻟﺘﺨﺮﺝ ﺍﻟﺠﻤﻞ ﻭﺗﺘﺎﻟﻰ ﺍﻟﺠﻤﻞ‬
‫ﻟﻴﻜﻮﻥ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻤﺎ ﻳﺪﻭﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻫﻦ‪ ،‬ﻭﻳﺨﺘﻠﺞ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻮﺍﻁﺮ‪) :‬ﻭﺭﺑﻚ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺗﻜﻦ ﺻﺪﻭﺭﻫﻢ ﻭﻣﺎ ﻳﻌﻠﻨﻮﻥ (‬
‫)‪ (٦۹ :۲۸‬ﺇﺫﻥ ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﺇﻻ ﻭﻟﻪ ﻁﺎﺑﻊ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻓﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻭﺗﻨﻈﻴﻢ ﺣﺴﺐ‬
‫ﻋﻠﻘﻠﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮﺯ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺔ‪ ،‬ﻭﻛﻴﻔﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺟﺮﺟﺔ ﺗﻨﻈﻴﻤﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻌﺮﻑ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ؟‬

‫ﻟﻺﺟﺎﺑﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ ‪ :‬ﺇﻧﻪ "ﺗﻨﺴﻴﻖ ﺍﻟﺠﻬﻮﺩ ﻟﺘﺤﺼﻴﻞ ﺍﻟﻤﺮﺩﻭﺩ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ ﻓﻲ ﺃﻗﺼﺮ ﻭﻗﺖ‬
‫ﻣﻤﻜﻦ‪ ،‬ﻭﺃﻗﻞ ﺟﻬﺪ ﻣﺒﺬﻭﻝ"‪.‬‬
‫ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻫﻮ ﺳﻠﻮﻙ ﻭﻣﻈﻬﺮ ﻟﻨﺸﺎﻁ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺣﻘﻞ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺇﻁﺎﺭ ﻟﻤﺤﺘﻮﻯ ‪ ..‬ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ‬
‫ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﺸﻲء ﺍﻟﻤﻬﻢ‪ ،‬ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻧﺘﻴﺠﺔ‪ ،‬ﻫﻮ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﻷﻓﻜﺎﺭ‪.‬‬
‫ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺘﻨﻈﻴﻢ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻌﺎ ﻻً ﺃﻭ ﻛﻼً‪ .‬ﺭﻭﺗﻴﻦ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻫﻮ ﺭﻭﺗﻴﻦ ﻭﺗﻨﻈﻴﻢ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻪ‬
‫ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﺇﻧﻪ ﻏﻴﺮ ﻓﻌﺎﻝ ﻳﻘﺘﻞ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻳﻤﺘﺺ ﻁﺎﻗﺘﻪ ﺑﻼ ﻣﻘﺎﺑﻞ ‪ .‬ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﺣﻴﻮﻳﺔ ﻭﻓﻌﺎﻟﻴﺔ‬
‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺗﻨﻈﻴﻤﻪ ﻣﻌﺎﺩﻻً ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ‪ ،‬ﺇﺫﻥ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﺮﻳﺎ ً ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻨﻲ ﺍً ﻛﻤﺎ‬
‫ﺃﻥ ﺃﺷﻜﺎﻟﻪ ﻻ ﺗﻨﺘﻬﻲ‪.‬‬
‫ﻓﻜﺮﺓ‪ :‬ﻫﻨﺎﻙ ﻁﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻳﻈﻨﻮﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﻬﺮﻣﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻠﺘﻨﻈﻴﻢ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ‬
‫ﻣﺠﻤﻮﻋﺎﺕ ﻛﺤﻠﻘﺎﺕ ﺃﻭ ﺧﻼﻳﺎ ﺃﻭ ﺃﺳﺮ ﻳﺪﻳﺮﻫﺎ ﻣﻮﺟﻪ‪ ،‬ﺛﻤﺘﺘﺸﻜﻞ ﺣﻠﻘﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻬﻴﻦ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪،‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﺘﻮﺍﻟﻰ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻝ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪ ،‬ﻭﻫﺲﺫﺍ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺴﺆﻭﻻً ﻋﻦ ﻗﻄﺎﻉ )ﻁﻼﺏ‪،‬‬
‫ﻋﻤﺎﻝ‪..‬ﺍﻟﺦ(‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻄﺎﻋﺎﺕ ﺑﺪﺭﻭﻫﻢ ﻳﺸﻜﻠﻮﻥ ﻗﻴﺎﺩﺓ ﻋﻠﻴﺎ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺘﺴﻠﺴﻞ ﺍﻷﻣﺮ‪ ،‬ﻣﻊ ﺃﻥ‬
‫ﻫﻨﺎﻙ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺗﻨﻈﻴﻤﻴﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻛﻤﺎ ﻫﻮﺍﻟﺤﺎﻝ ﺑﺎﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ "ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﺨﻴﻄﻲ"‪.‬‬

‫‪128‬‬
 ‫ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﺨﻴﻄﻲ‪:‬‬
‫ﺍﺗﺼﺎﻝ ﻓﺮﺩ ﺑﻔﺮﺩ ﻓﻘﻂ ﻓﻼ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺇﻻ ﺇﺛﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ ﻭﻣﻦ ﺑﻌﺪﻩ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺣﺼﻞ ﺃﻋﺘﻘﺎﻝ ﻟﻔﺮﺩ ﻣﺎ‪،‬‬
‫ﻓﺎﺧﺘﻔﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻌﺪﻩ ﺍﻧﻘﻄﻊ ﺍﻟﺨﻴﻂ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻛﺸﻒ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﻬﺮﻣﻲ ﺃﺳﻬﻞ ﻧﻈﺮﺍً ﻟﺘﻘﺎﻁﻊ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪ ،‬ﻟﺬﺍ‬
‫ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﻬﺮﻣﻲ ﻳﻨﺎﺳﺐ ﺍﻷﺟﻮﺍء ﺍﻟﻌﻠﻨﻴﺔ ﻭﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻌﺮﻳﻀﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﺨﻲﻁﻲ ﻳﻨﺎﺳﺐ ﺍﻹﻧﻘﻼﺑﺎﺕ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻭﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺴﻢ‬
‫ﺑﺎﻟﻌﻨﻒ ﻭﺍﻹﻏﺮﺍﻕ ﺑﺎﻟﺴﺮﻳﺔ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﻓﻜﺮﺓ‪ :‬ﻗﻨﺎﻋﺘﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﺘﻨﻈﻴﻤﺎﺕ ﺍﻟﺴﺮﻳﺔﺃﻧﻬﺎ )ﺧﺮﺍﻓﺔ( ﺧﺎﺻﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻠﻚ ﺳﺒﻴﻼ ﻧﻀﺎﻟﻴﺎ‪ ،‬ﻭﺗﺮﻳﺪ‬
‫ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻻﻳﻤﻜﻦ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺳﻠﻄﺔ ﻋﺎﺗﻴﺔ ﻏﺎﺷﻤﺔ‪ ،‬ﻭﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺗﻌﺬﻳﺐ ﻣﺘﻦ ﻭﻋﺔ‪ ،‬ﻻ‬
‫ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺼﻤﺪ ﺃﻣﺎﻣﻬﺎ ﺃﻱ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﺳﺮﻱ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﺎﺕ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻬﺮﻣﻴﺔ ﻷﻥ ﺍﻟﻲ ﻳﺤﺪﺙ ﻋﻨﺪ‬
‫ﺍﻋﺘﻘﺎﻝ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺃﻥ ﺍﺃﻭﻝ ﻗﺪ ﻳﺼﻤﺪ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻗﺪ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻛﻠﻤﺔ‪ ،‬ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻘﺪ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺃﻛﺜﺮ‬
‫ﺧﺎﺻﺔ ﺇﺫﺍ ﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻏﻴﺮﻩ ﻗﺪ ﺑﺎﺡ ﺑﺎﻷﺳﺮﺍﺭ !‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻣﻊ ﺗﻘﺎﻁﻊ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﻳﻤﻜﻦ ﻛﺸﻒ ﺃﻱ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻣﻬﻤﺎ‬
‫ﺃﻏﺮﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺮﻳﺔ ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﻗﺎﻡ ﺑﺼﻤﺎﻧﺎﺕ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻨﻬﺎ )‪ (۱‬ﻛﺜﺎﻓﺔ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻗﺼﻰ ﺣﺪ ﻣﻤﻜﻦ )‪ (۲‬ﻗﻠﺔ‬
‫ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻗﻞ ﻋﺪﺩ ﻣﻤﻜﻦ )‪ (۳‬ﻗﺼﺮ ﺯﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻤﺮﺗﻘﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻗﻞ ﻓﺘﺮﺓ ﻣﻤﻜﻨﺔ )‪ (٤‬ﻫﻴﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ‬
‫ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﻬﺮﻣﻲ‪ ،‬ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺍﺻﻔﺎﺕ ﺍﻷﺭﺑﻌﺔ ﻛﻤﺎ ﻧﺮﻯ ﻙﻟﻬﺎ ﺗﻨﺎﺳﺐ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻹﻧﻘﻼﺑﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﻌﻨﻒ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻮﺟﻪ ﺧﺎﺹ ﻭﻻ ﺗﻨﺎﺳﺐ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﺳﻊ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭﻩ‬
‫ﻭﻳﻤﺘﺎﺯ ﺑﻄﻮﻝ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻷﻥ ﻋﻤﻠﻪ ﺗﺮﺑﻮﻱ ﻁﻮﻳﻞ ﺍﻷﻣﺪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﺮﻛﺐ ﺍﻟﺘﺒﻠﻴﻎ ﻭﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻋﻨﺪﻩ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﻣﺜﻞ‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﺡ‪ .‬ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻀﻐﻂ ﺃﺣﺮﺝ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻭﺟﻌﻠﻬﻢ ﻳﺮﺣﻮﻥ ﺷﻌﺎﺭ )ﺳﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻭﺟﻬﺮﻳﺔ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ( ﻭﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﺸﻌﺎﺭ ﻓﻴﻪ ﺷﻴﺊ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻨﺎﻗﺾ‪ ،‬ﻭﻳﺤﻤﻞ ﻁﺎﺑﻊ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑـ )ﺍﻟﺘﺒﻠﻮﺭ (‬
‫ﺑﻌﺪ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﻣﻌﻨﻰ ﺟﻬﺮﻳﺔ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺇﻋﻼﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ‪ ،‬ﻭﻫﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﺗﺼﻌﻴﺪ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ‬
‫ﺫﺍﺕ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺗﻨﻈﻴﻤﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻓﻴﻪ ﻡ ﺧﺎﻁﺮ ﺍﻹﻋﺘﻘﺎﻝ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﻛﺒﻴﺮ ﻟﻜﺸﻒ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺑﻞ‬
‫ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺪﺙ ﻫﻮ ﺗﺮﺍﺟﻊ ﺍﻟﺨﻄﻮﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺠﻬﺮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﻊ ﺍﺷﺘﺪﺍﺩ ﺿﻐﻂ ﺳﻠﻄﺔ ﺃﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ‬
‫ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻧﻜﻤﺎﺵ ﺍﻟﺪﺭﻭﺱ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﺎﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻁﺮﺡ ﻻ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ‪ ،‬ﻭﺍﻷﺣﺮﻯ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ ﺷﻌﺎﺭ ‪:‬‬
‫ﺳﺮﻳﺔ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻭﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻭﻩ ﺫﺍ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻌﻠﻪ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﺑﺪء ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ‪ ،‬ﺃﻭ ﺟﻬﺮﻳﺔ‬
‫ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻭﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻭﻫﻮﺍﻟﺬﻱ ﻓﻌﻠﻪ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﺸﻒ ﺗﻨﻈﻴﻤﻪ ﺑﺎﺳﺘﻌﺮﺍﺿﻪ‬
‫ﺑﻤﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﻗﻠﺔ ﻟﻺﻋﻼﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ‪.‬‬

‫ﻫﻨﺎ ﺗﺘﺪﺍﺧﻞ ﻓﻜﺮﺓ ﻭﻓﺤﻮﺍﻫﺎ‪ :‬ﻣﺎ ﻫﻲ ﻣﺒﺮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺴﺮﻱ؟‬

‫ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﺮﻱ ﻟﻪ ﻣﺒﺮﺭﺍﻥ‪.‬‬
‫ﺍﻷﻭﻝ‪ :‬ﻳﺘﻌﻠﻖ ﻓﻲ ﻧﻘﻄﺔ ﺍﻟﺒﺪء ﺣﻴﺚ ﻳﻨﻤﻮ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﻻ ﻳﺨﺘﻨﻖ ﺧﺎﺻﺔ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ‬
‫ﺗﻨﺎﻗﺾ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﻓﻴﺨﺸﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺼﺮﻳﺢ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻘﻄﺔ ﺍﻟﺒﺪء ﺣﺘﻰ ﻳﺆﻣﻦ ﻟﻪ ﻭﻟﻮ ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﺒﺪﺋﻴﺔ‬
‫ﻷﻥ ﺍﻹﺟﻬﺎﺯ ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺺ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻣﺮ ﺳﻬﻞ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﺤﺪﺙ ﺿﺠﺔ ﺑﺨﻼﻑ ﺍﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻑﻱ ﻣﺠﺘﻤﻊ‬
‫ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺤﺪﺙ ﺿﺠﺔ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻠﺠﺄ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺄﻛﺚ ﻣﻦ ﺍﻟﻼﺯﻡ ﻭﻫﺬﺍ‬
‫ﻣﻨﻄﻘﻲ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻤﺒﺮﺭ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻫﻮ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺴﺮﻱ ﺑﺎﻟﻌﻨﻒ ﻟﻠﻘﻔﺰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﻟﻠﺘﻜﺘﻢ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻔﻌﻞ‬
‫ﺍﻟﺸﻴﻌﺔ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﻫﻢ ﻳﻨﺘﻈﺮﻭﻥ ﺩﻭﺭ )ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ ( ﻛﻤﺎ ﺣﺪﺙ ﻟﻪ ﻡ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻭﺍﻟﻤﻐﺮﺏ‬
‫ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻭﻓﺎﺭﺱ‪.‬‬

‫‪129‬‬
 ‫ﻟﻨﺤﺎﻭﻝ ﻧﻘﻞ ﺍﻟﻤﺒﺮﺭ ﺍﻷﻭﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻌﻴﺸﻪ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﻊ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻣﻘﺎﺭﻧﺔ ﻭﺍﻗﻌﻨﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﻛﺎﻥ ﻳﻌﻴﺸﻪ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺻﺤﺎﺑﺘﻪ‪ ،‬ﺇﻥ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻨﺎ ﻭﻻﺅﻩ ﻟﻺﺳﻼﻡ ﺑﺸﻜﻞ‬
‫ﻋﺎﻡ ﺃﻛﺒﺮ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺿﻐﻂ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻲﺭﻱ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻳﺤﺎﻭﻟﻮﻥ ﺗﻤﻠﻘﻪ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻌﻴﺪ ﻭﺳﻮﺍﻫﺎ ﻓﻨﺤﻦ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻴﻮﻡ‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ‬
‫ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺻﺤﺎﺑﺘﻪ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﺃﻓﻜﺎﺭﺍ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﻮﻫﺮﻱ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ‬
‫ﺑﻬﻢ )ﻭﺍﺫﻛﺮﻭﺍ ﺇﺫﺍ ﺃﻧﺘﻢ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﺴﺘﻀﻌﻔﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﺃﺭﺽ ﺗﺨﺎﻓﻮﻥ ﺃﻥ ﻳﺘﺨﻄﻔﻜﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ( )‪۲ :۸‬ـ‪.(۳‬‬
‫ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﺑﺴﻂ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺎﺕ ﺗﻌﺪﺩ ﺍﻵﻟﻬﺔ ﻭﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻵﺧﺮ‪.‬‬
‫)ﺃﺟﻌﻞ ﺍﻷﻟﻬﺔ ﺇﻟﻬﺎ ً ﻭﺍﺣﺪﺍً ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﻟﺸﻲء ﻋﺠﻴﺐ ( )‪) .(٥ :۸‬ﺑﻞ ﻋﺠﺒﻮﺍ ﺃﻥ ﺟﺎءﻫﻢ ﻣﻨﺬﺭ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻘﺎﻝ‬
‫ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻭﻥ ﻫﺬﺍ ﺷﻲء ﻋﺠﻴﺐ ﺃءﺫﺍ ﻣﺘﻨﺎ ﻭﻛﻨﺎ ﺗﺮﺍﺑﺎ ً( ‪۲ :۰٥۰‬ـ‪ .(۳‬ﻳﻮﺟﺪ ﺇﺫﻥ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺻﻔﻴﻦ ﻳﺠﺐ‬
‫ﺍﻹﻧﺘﺒﺎﻩ ﻟﻪ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﺒﺮﺭ ﻟﻠﺴﺮﻳﺔ ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻲء ﺍﻟﺘﻔﺖ ﺇﻟﻪ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺃﺑﻮ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺩﻭﺩﻱ ﻓﻲ‬
‫ﻛﺘﺎﺑﻪ "ﻭﺍﺟﺒﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﻴﻮﻡ" ﻓﻲ ﺧﻄﺎﺑﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺞ ﺣﻴﺚ ﺃﻭﺻﻰ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺑﺎﻹﺑﺘﻌﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﺎﺕ‬
‫ﺍﻟﺴﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﻨﻒ ﺑﺸﻜﻞ ﻭﺍﺿﺢ‪ .‬ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻁﻦ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱ ﻳﺴﻠﻢ ﻟﻚ ﺑﻜﻞ ﺍﻟﺨﻄﻮﻁ ﺍﻟﻌﺮﻳﻀﺔ ﻟﻺﺳﻼﻡ‪ ،‬ﻓﻤﺸﻜﻠﺔ‬
‫ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﻦ ﻁﺐﻳﻌﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ‪ ،‬ﻭﺣﺘﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺴﻠﻢ ﻻ ﻳﺠﺮﺅ ﻋﻠﻰ ﺭﻓﻊ ﺻﻮﺕ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﺍﻟﻌﻠﻨﻲ ﻷﻥ ﺿﻐﻂ‬
‫ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻠﺠﺄ ﺍﻟﺸﻴﻌﺔ ﻗﺪﻳﻤﺎ ﻭﺍﻟﻔﺮﻕ ﺍﻟﺒﺎﻁﻨﻴﺔ ﻭﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ ﻟﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺎﻟﻴﺐ‪ ،‬ﻭﺣﺪﻳﺜﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﺎﺕ‬
‫ﺍﻹﻟﺤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺸﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺼﺮﻳﺢ ﺑﺂﺭﺍﺋﻬﺎ‪ ،‬ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻹﺗﺠﺎﻩ ﻭﻝﻧﻔﺲ ﺍﻟﺴﺒﺐ‪.‬‬
‫ﻳﺒﻘﻰ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺍﻟﻤﺒﺮﺭ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺘﻠﺤﻆ ﻟﻘﻠﺐ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﻨﻒ‪ ،‬ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﻳﺠﺪ ﻣﺒﺮﺭﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺮﻳﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻜﺮﺓ‪ :‬ﻣﺘﻰ ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻭﻫﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ‪ ،‬ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﺠﺰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‬
‫ﻋﻦ ﺣﻞ ﻣﺸﺎﻛﻠﻪ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻣﺪﺍﺭﻛﻪ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻳﻠﺠﺄ ﻟﻠﻌﻨﻒ‪ ،‬ﺣﻞ ﻋﻘﺪﺓ ﺧﻴﻂ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﻝ ﺻﺒﺮ ﻭﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻋﻘﻞ‪،‬‬
‫ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻨﻔﺬ ﺻﺒﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻘﻠﺔ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻳﻠﺠﺄ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﻟﻠﻌﻨﻒ ﻓﻴﻘﻄﻊ ﺍﻟﻌﻘﺪﺓ ﻭﺍﻟﺨﻴﻂ !!‪ ..‬ﻓﻲ ﻓﺘﺢ‬
‫ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺑﻘﺪﺭ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻋﻘﻠﻪ ﻭﺻﺒﺮﻩ ﻳﻠﺠﺄ ﻟﻔﺘﺤﻪ ﻓﻨﻴﺎ ً ﻭﺇﻻ ﻛﺴﺮﻩ‪ ،‬ﺇﺫﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻌﺎﻛﺲ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﻭﺍﻟﻌﻨﻒ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻡ ﻧﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻼء ﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻮﺩﻭﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻢ ﻉ ﻭﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﻮﻥ ﻳﻨﻔﺬﻭﻥ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ‬
‫ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﻮﻥ ﻳﻔﻜﺮﻭﻥ ﻭﻳﺄﻣﺮﻭﻥ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻭﻥ ﻳﻨﻔﺬﻭﻥ؟!!‪..‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻳﺘﻘﺪﻡ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮ ﻓﻴﺤﺎﻛﻤﻮﻥ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻭﻳﻨﻔﺬﻭﻥ ﻓﻴﻬﻢ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻹﻋﺪﺍﻡ‪ ،‬ﻭﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ ﻳﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻭﻥ ﺍﻟﺴﺎﺳﺔ ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﺑﺮﺗﺮﺍﻧﺪ ﺭﺍﺳﻞ ﻣﻊ ﺟﻮﻧﺴﻮﻥ ﻓﻴﻤﺎ ﺍﺗﻬﻢ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﺠﺮﻡ‬
‫ﺣﺮﺏ‪ .‬ﻭﺍﻵﻥ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﺬﻛﺮﻩ ﺑﺸﻜﻞ ﻧﻈﺮﻱ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﺣﻞ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻭﻓﺮﺽ‬
‫ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻟﻦ ﻳﺘﻢ ﺑﺎﻟﻘﻮﺓ )ﻻ ﺇﻛﺮﺍﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ( )‪ (۲٥٦ :۲‬ﻛﺎﻥ ﺗﺨﻄﻴﻄﺎ ً ﻻﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪.‬‬
‫ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻧﻤﺖ ﻣﺪﺍﺭﻙ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﺃﺩﺭﻙ ﺃﻥ ﺣﻞ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﺑﺎﻟﺤﻮﺍﺭ ﻭﺍﻟﺘﻔﺎﻩ ﻡ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ‬
‫ﺑﺎﻟﻌﺼﺎ ﺃﻭ ﺍﻟﻜﺮﺑﺎﺝ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻨﻮﻭﻳﺔ‪ ،‬ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺭﺟﻊ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻋﻦ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﻣﻨﻪ ﺑﻞ‬
‫ﺭﻏﻤﺎ ً ﻋﻨﻪ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻗﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﺸﻌﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻣﺎﻥ‪ ،‬ﺃﻭ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺳﺒﻖ ﺍﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻜﺮﺓ‪:‬‬
‫ﻫﻨﺎﻙ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻐﺎﻟﻄﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﺠﺐ ﺍﻹﻧﺘﺒﺎﻩ ﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺍﻟﺠﻤﻮﺩ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻮﺩ‬
‫ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻲ‪ ،‬ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺤﺼﺎﻥ ﺗﻘﻔﺰ ﺇﻟﻰ ﺫﻫﻨﻲ ﺩﻭﻣﺎً‪ ،‬ﻳﻈﻦ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺃﻥ ﻣﺠﺮﺩ ﺟﻤﻊ‬
‫ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺎﺕ ﺳﻮﻑ ﻳﺤﻞ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ!‬
‫ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﺮﻱ ﺃﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻓﻘﻂ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﻓﺴﻮﻑ ﻳﻌﻘﺪﻩ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻧﺠﻤﻌﻬﻢ؟ ﻭﻣﺎﺫﺍ ﻧﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻧﻔﻌﻞ‬
‫‪ ،‬ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻬﻤﻨﻲ ﺃﻥ ﺃﻏﻴﺮ ﺇﻧﺴﺎﻥ‬ ‫ﺑﻬﻢ ؟ ﺇﻧﻪ ﻻﻳﻬﻤﻨﻲ ﺃﻥ ﺃﻛﻮﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﻮﻟﻲ ﻷﺻﺒﺢ ﺷﻴﺨﺎ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺎ ﺟﺪﻳﺪﺍ‬
‫‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻟﻢ ﻱﺗﻐﻴﺮ ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﻔﻮﺱ ﻓﻠﻦ‬ ‫ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ‪ ،‬ﻷﻥ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻫﻮ ﻣﺤﺼﻠﺔ ﻣﺎ ﺑﻨﻔﻮﺱ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ‬
‫ﻳﺘﻐﻴﺮﺍﻟﻮﺍﻗﻊ‪ ،‬ﻭﺟﻤﻌﻬﻢ ﺑﺪﻭﻥ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻻ ﻣﺒﺮﺭ ﻟﻪ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺿﺮﺭ ﻓﻴﻪ ‪ ،‬ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻛﺎﻟﻌﻀﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ‬
‫ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻮﻅﻴﻔﺘﻪ ﺍﻟﻬﺎﻣﺔ ﻳﻠﺠﺄ ﻷﺩﺍء ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺃﺧﺮﻯ‪.‬‬

‫‪130‬‬
 ‫ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬﻤﻨﻲ ﻟﻴﺲ ﻛﺴﺐ ﺍﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻹﺣﺘﺮﺍﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻟﺪﻳﻨﻪ ﻓﻘﻂ ‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‬
‫ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻟﺪﺧﻮﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻳﺪﺭﻙ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ ‪ .‬ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺪﺭﻙ ﺇﺿﺎﻓﺎﺕ‬
‫ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺪﺧﻞ ﺍﻟﻤﺤﻔﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﻭﻳﻨﺠﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﻣﻨﻪ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﻳﻬﻤﻨﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻹﻁﺎﺭ‪ ،‬ﻣﻐﺎﻟﻄﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺘﺤﺮﺭ ﻣﻨﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻓﻜﺮﺓ‪:‬‬
‫ﺇﻥ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻨﻔﺎﻕ ﻧﺸﺄﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﻺﺳﻼﻡ ﻭﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻓﻲ ﻣﻜﺔ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ‪ ،‬ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻀﻊ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﺼﻔﻮﻑ ﻭﻳﻈﻬﺮ ﺧﺒﺎﻳﺎ‬ ‫ﺍﻟﺸﻲء ﻓﻲ ﺣﺴﺎﺑﻨﺎ ‪ ،‬ﻷﻥ ﻁﺮﻳﻖ ﺍﻟﻨﻀﺎﻝ ﻓﻲ ﺿﻮء ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﺳﻮﻑ ﻳﻤﺤﺾ‬
‫ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ‪.‬‬
‫ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﺤﺮﻛﺔ ﻧﻀﺎﻟﻴﺔ ﺃﻥ ﺗﻌﺮﻑ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻭﻋﻨﺎﺻﺮﻫﺎ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻛﻔﺎﺡ ﻣﺮﻳﺮ؟ ﻭﻛﻴﻒ ﺳﻴﺘﻢ ﻫﺬﺍ ﺇﻥ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻓﻲ ﻭﺿﺢ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ؟ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺴﺮﻱ ﻓﺈﻧﻪ ﺟﻮ ﻣﻈﻠﻢ ‪ ،‬ﻻ ﻳﻌﺮﻑ‬
‫ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ ﻓﻴﻪ ‪ ،‬ﻭﻋﻨﺪ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺳﻮﻑ ﻳﺴﺮﻉ ﻏﻠﻴﻚ ﺍﻷ ﻧﺘﻬﺎﺯﻳﻮﻧﻮﺍﻟﻮﺻﻮﻟﻴﻮﻥ‬
‫ﻭﺍﻟﻤﺘﺴﻠﻘﻮﻥ ﻛﺎﻟﻔﺮﺍﺵ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺎﺭ‪ ،‬ﺳﻮﻑ ﺗﻐﺮﻕ ﺑﻬﻢ ﻷﻧﻬﻢ ﺃﻟﻌﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻷﻋﺪﺍء‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺸﻌﺮ‬
‫ﺑﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻫﺬﻩ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﻟﻢ ﺗﻤﺶ ﻭﻓﻖ ﺳﻨﺔ ﺍﻟﺘﻄﻬﻴﺮ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻟﺬﺍ‬
‫ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ ﺗﻨﻘﻴﺔ ﺍﻟﺼﻒ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﻧﻈﺎﻟﻴﺔ ﻁﻮﻳﻠﺔ ﻭﺑﺤﻴﺚ ﺗﻊﺭﻑ ﻫﻮﻳﺔ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻭﻣﺪﻯ ﻁﺎﻗﺔ‬
‫ﺍﻟﺘﺤﻤﻞ ـ ﻭﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ‪.‬‬

‫ﻓﻜﺮﺓ‪:‬‬
‫ﺗﻤﻠﻴﺢ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻳﻤﻜﻦ ﻛﻤﻌﺎﺩﻻﺕ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻣﺎﻳﻠﻲ ‪ :‬ﻻ‬
‫ﻧﺘﺼﻮﺭ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ‪ %۱۰۰‬ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﻭﻳﺼﺒﺢ ﻣﻨﺎﺿﻼً ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻘﺪﺍﺭ ﻳﻤﻠﺢ‬
‫ﺑﻪ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻎ ﻳﺮ ﻣﺰﺍﺟﻪ ﺍﻟﻌﺎﻡ‪ ،‬ﻭﻳﺤﻔﻆ ﺗﻮﺍﺯﻧﻪ ﺍﻷﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﺇﻧﻪ ﻟﻠﺒﻨﺎء ﻻ ﻳﺸﺘﺮﻁ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﻮﻝ‬
‫ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﺇﻟﻰ ﻣﻬﻨﺪﺳﻴﻦ ﺃﻭ ﺑﻨﺎﺋﻴﻦ ﺑﻞ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻧﺴﺒﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ )ﺣﺮﺟﺔ( ﺗﺴﺪ ﺣﺎﺟﺘﻪ‪ ،‬ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻟﺤﻔﻆ ﺍﻟﺼﺤﺔ‬
‫ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻧﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﺩ ﻣﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻷﻁﺒﺎء ﻭﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺼﺤﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺣﻮﺍﻟﻲ ﻁﺒﻴﺐ ﻭﺍﺣﺪ ﻟﻜﻞ ﻋﺸﺮﺓ‬
‫ﺁﻻﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ‪ ،‬ﻫﻜﺬﺍ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺣﺘﻰ ﻧﺤﺼﻞ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ‬
‫ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻧﺤﺘﺎﺝ ﺃﻳﻀﺎ ً ﺇﻟﻰ ﻋﺪﺩ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ‪ ،‬ﻭﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻠﺢ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻬﻴﺌﺔ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﺍﻟﺠﻴﺪ ﻭﻳﻤﻜﻦ‬
‫ﻟﻠﻨﻤﻮ ﺍﻻﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﻟﻴﻜﺴﺮ ﻁﻮﻕ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﻭﺳﻮﺍﻩ ﻭﺑﺪﻭﻥ ﻋﻨﻒ ‪ .‬ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﻌﻠﻢ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ‬
‫ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺃﻧﻬﻢ ﻣﻠﺢ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬﺐ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﻠﻮﺣﺘﻪ ﻭﺻﺤﺘﻪ ﻭﻧﻜﻬﺘﻪ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﻓﺴﺪ ﺍﻟﻤﻠﺢ‬
‫ﻓﻤﺎﺫﺍ ﻳﺼﻠﺤﻪ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ؟؟‪..‬‬

‫ﻓﻜﺮﺓ‪:‬‬
‫ﻧﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻗﺎﻣﻬﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻢ ﻳﻘﻤﻬﺎ ﺑﺎﻧﻘﻼﺏ‬
‫ﻋﺴﻜﺮﻱ ﻓﻮﻗﻲ ﻣﻔﺮﻭﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺑﺎﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﻘﻮﺍﻉ ﺩ ﺍﻟﺘﺤﺘﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻓﺮﺯﺕ ﻧﻈﺎﻣﻬﺎ‬
‫ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ‪.‬‬
‫ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻗﻂ ﻛﻮﺳﻴﻠﺔ ﻟﻘﻴﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ‪) :‬ﺃﻟﻢ‬
‫ﺗﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻗﻴﻞ ﻟﻬﻢ ﻛﻔﻮﺍ ﺃﻳﺪﻳﻜﻢ ﻭﺃﻗﻴﻤﻮﺍ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺃﺗﻮﺍ ﺍﻟﺰﻛﺎﺓ ( )‪ .(۷۷ :٤‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺃﻗﺎﻡ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﺈﺟﻤﺎﻉ ﺭﺃﻱ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ‪ :‬ﺗﻌﺎﻝ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻓﺎﺣﻜﻢ ﺑﻨﺎ ﻭﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺎﻹﺳﻼﻡ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﺗﺮﻕ ﻗﻄﺮﺓ‬
‫ﺩﻡ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﻳﺸﻬﺮ ﺳﻼﺡ ﺃﺛﻨﺎء ﺍﻧﺘﻘﺎﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﻦ ﻣﻜﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺛﻮﺭﺓ‬
‫ﻓﻜﺮﻳﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺳﻠﻤﻴﺔ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻋﺒﺮ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﻤﻮﺩﻭﺩﻱ ﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﻛﺘﺒﻪ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ )ﻧﺤﻮ ﺛﻮﺭﺓ ﺳﻠﻤﻴﺔ(‪ ،‬ﻭﺍﻝﻣﺪﻳﻨﺔ‬
‫ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻛﺎﻧﺖ ﺩﻭﻟﺔ ﻭﻧﻈﺎﻣﺎ ً ﻗﺎﺋﻤﺎ ً ﺑﺤﺪ ﺫﺍﺗﻪ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻜﺔ ﻭﺍﻟﻄﺎﺋﻒ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻜﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻤﺘﻊ‬

‫‪131‬‬
 ‫ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﻨﻔﻮﺫ ﺍﻷﺩﺑﻲ ﻭﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺩﻟﻴﻞ ﺍﺳﺘﻘﻼﻝ ﻧﻈﺎﻡ ﻭﺩﻭﻟﺔ ﻛﻞ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻫﻲ‬
‫ﺍﺗﺨﺎﺫ ﻗﺮﺍﺭﺍﺕ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻛﻤﺎ ﺣﺪﺙ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺑﺪﺭ ﺣﻴﺚ ﺳﺎﻕ ﺍﻟﻘﺮﺷﻴﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﻚ ﺓ ﺟﻴﺸﻬﻢ ﻭﻛﺎﻥ ﻗﺮﺍﺭ‬
‫ﺍﻷﻧﺼﺎﺭ ﺍﻟﻤﻀﺎﺩ ﻫﻮ ﺍﻟﻔﻴﺼﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻭﺍﻧﺘﻈﺮ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺟﻮﺍﺏ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭ ﺑﻔﺎﺭﻍ‬
‫ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻗﺒﻞ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ‪.‬‬
‫ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻘﺎﺭﻥ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﺠﺰﻳﺮﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻥ‬
‫ﺳﺎﺑﻘﺎً‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﻜﻞ ﻛﻞ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻧﻈﺎﻣﺎ ً ﺳﺎﺳﻴﺔ ﻭﻛﻴﺎﻧﺎ ً ﺧﺎﺻﺎ ً ﻣﺴﺘﻘﻼً‪.‬‬
‫ﻭﻓﺮﻕ ﺑﺴﻴﻂ ﺑﻴﻦ ﻭﺍﻗﻌﻨﺎ ﻭﻭﺍﻗﻊ ﻣﻜﺔﻭﻫﻮ ﺍﻥ ﺍﻷﻣﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺗﺮﺍﺟﻌﺖ ﻓﻲ ﺩﻳﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﺗﺨﺮﺝ ﻋﻨﻪ‬
‫ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﻟﺬﺍ ﻓﻬﻲ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔﻣﺠﺘﻤﻊ ﺇﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺗﻄﻮﺭﻩ‪ ،‬ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ ‪ :‬ﺃﻧﻬﺎ ﺇﺣﺪﻯ ﺣﻠﻘﺎﺕ ﺃﻭ ﻣﺮﺍﺣﻞ‬
‫ﺣﻴﺎﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭ )ﺍﻟﺦﺍﻟﺪ (‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻧﺘﻜﺎﺳﻴﺔ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻗﻔﺰﺓ‬
‫ﺭﻗﻲ ﺣﺎﻟﻴﺎً‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﻌﻄﻲ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺗﻮﻗﻒ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ‪.‬‬
‫ﻭﺗﻮﻗﻒ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻳﺸﻜﻞ ﺧﻄﺮﺍً ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻷﺧﻄﺮ ﻣﻨﻪ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺭﺻﻴﺪ ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﻔﻮﺱ‪ ،‬ﻓﺬﻟﻚ‬
‫ﻣﻦ ﻫﺬﺍ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﷲ ﻻ ﻳﻐﻴﺮ ﻣﺎ ﺑﻘﻮﻡ ﺣﺘﻰ ﻳﻐﻴﺮﻭﺍ ﻣﺎ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ‪.‬‬
‫ﻭﺇﺫﺍ ﺍﻓﺘﺮﺿﻨﺎ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﺘﺤﻤﺲ )ﺑﺸﺪﺓ( ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻛﻔﺮ ﻭﺧﺮﺝ ﻋﻦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﻳﺮﻳﺪﻭﻥ‬
‫ﺑﺎﻟﻌﻨﻒ ﺇﻗﺎﻣﺘﻪ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻄﺮﻳﻘﺔ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﺪﺑﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﻝ ﺧﻼﻑ ﺫﻟﻚ‬
‫ﻓﻬﻲ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻼﻋﻨﻒ‪.‬‬
‫ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻧﻘﻮﻝ‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﻟﻴﺲ ﻭﺿﻊ ﻣﻜﺔ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻘﺎﺑﻴﻞ ﻣﺘﻄﻮﺭﺓ ﻣﺰﻣﻨﺔ ﻝ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ‬
‫ﻭﺧﻄﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺃﻭ ﺇﺻﻼﺣﻬﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻼﻋﻨﻒ ‪" ..‬ﻭﺳﻴﺪ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍء‬
‫ﺣﻤﺰﺓ ﻭﺭﺟﻞ ﻗﺎﻡ ﺇﻟﻰ ﻏﻤﺎﻡ ﺟﺎﺋﺮ ﻓﺄﻣﺮﻩ ﻭﻧﻬﺎﻩ ﻓﻘﺘﻠﻪ "‪ ..‬ﻭﻳﺆﻭﻝ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺃﻥ ﻟﻔﻆ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺗﻔﻴﺪ ﺍﻹﻣﺎﺭﺓ‬
‫ﺍﻻﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺗﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻨﺺ ﻓﺎﻷﻣﺎﻡ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﺒﻌﺾ ﻳﺮﻯ ﺃ ﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺧﺮﺝ ﻋﻦ ﺍﻻﺳﻼﻡ ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻫﻮ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﻓﻘﻂ ﻭﺗﻐﻴﻴﺮ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺧﺮﻭﺝ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻋﻦ ﺍﻻﺳﻼﻡ ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺗﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻫﻮ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ)ﺃﻓﺮﺍﺩ( )ﻭﻋﻼﻗﺎﺕ( ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺒﻜﺔ ﻗﺪ ﺿﻌﻔﺖ ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻧﺘﻔﺮﺽ ﺑﻌﺪ ‪ ،‬ﻭﺑﻌﺾ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺴﻴﺮﺓ‬
‫ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ ﺍﻟﻤﺘﺴﻤﺔ ﺑﺎﻟﻌﻨﻒ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺿﺮﺏ ﻣﺸﺮﻛﺎ ﺑﻠﺤﻰ ﺑﻌﻴﺮ ﻓﺸﺠﻪ ﻳﻔﻬﻤﻮﻥ ﻣﻨﻬﺎ‬
‫ﺍﻟﻌﻨﻒ‪ ،‬ﻭﻧﺴﻮﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ ﻫﻲ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎءﺍﺕ ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﻜﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻻﻋﻨﻒ‬
‫ﻭﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺼﻔﺢ‪ ،‬ﻭﺍﻹﺳﺘﺜﻨﺎءﺍﺕ ﻻﺗﺰﻳﺪ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺇﻻ ﻭﺛﻮﻗﺎ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﻩ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﺪﺭﺏ ﻋﻘﻠﻪ ﺑﻌﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻪ ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﻀﻴﻊ‬
‫ﺑﺎﻟﻬﻮﺍﻣﺶ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻣﺎﻋﺒﺮ ﻋﻨﻪ ﺍﻻﺳﺘﺎﺫ ﻣﻠﻚ ﺑﻔﻜﺮﺓ ) ﺍﻟﺬﺭﻳﺔ( ﺃﻱ‪ :‬ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﻯ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺣﻮﺍﺩﺙ‬
‫ﻓﺮﺩﻳﺔ ﺫﺭﻳﺔ ﻻﻳﺠﻤﻌﻬﺎ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺃﻭ ﺭﺍﺑﻂ‪.‬‬
‫‪،‬‬ ‫ﻭﺍﻟﺒﻌﺾ ﻳﻘﻮﻝ ﻁﺎﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﺢ ﻣﺮﻫﻮﻧﺎ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﺭ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻻﺳﻼﻣﻲ ﺇﺫﻥ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺃﺩﺍء ﺍﻟﺰﻛﺎﺓ‬
‫ﻭﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﺃﻳﻀﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﺁﻳﺎﺕ ﻧﺘﺰﻟﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻣﻜﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻢ ﻳﺨﻠﻄﻮﻥ ﺑﻴﻦ )ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ( ﻟﻼﺳﻼﻡ ﻭ ) ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ ( ﻓﻔﻲ ﺍﻻﺳﻼﻡ ﺗﻮﺟﺪ ﻭﻅﺎﺋﻒ‬
‫ﻓﺮﺩﻳﺔ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﺼﻼﺓ‪ ،‬ﻭﺃﺩﺍء ﺍﻟﺰﻛﺎﺓ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺼﻮﻡ‪ ،‬ﻭﺣﺞ ﺍﻟﺒﻴﺖ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻣﻄﺎﻟﺐ ﺑﻬﺎ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﻁﺎﻟﻤﺎ‬
‫ﻭﺟﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻳﺸﻤﻠﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻻﺳﺎﺱ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﻓﺮﺩﻳﺔ ﻳﺠﺐ‬
‫‪ ،‬ﻭﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ‬ ‫ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻭﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻄﺎﻟﺐ ﺑﻬﺎ ﻷﻧﻪ ﻣﻄﺎﻟﺐ ﺑﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ‬
‫ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﺢ ﻣﺸﺮﻭﻁﺔ ﺑﻘﻴﺎﻡ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ﺍﻻﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺛﻢ ﺃﺩﺍء‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﻅﻳﻘﺔ‪ .‬ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻄﻠﻊ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ‪ ،‬ﺇﺫﻥ ﻓﺎﻟﻔﺮﻕ ﻭﺍﺿﺢ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻘﺎﺿﻲ ﻣﻦ‬
‫ﺧﻼﻝ ﺇﻁﺎﺭ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﺳﻼﻣﻲ ﻗﺎﺋﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺤﻖ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺘﻨﻔﻴﺬ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﻛﺠﻠﺪ ﺍﻟﺰﺍﻧﻲ ‪ ،‬ﻭﻗﻄﻊ ﻳﺪ‬
‫ﺍﻟﺴﺎﺭﻕ ‪ ،‬ﻭﺻﻠﺐ ﻗﺎﻁﻊ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻭﻣﺎﺷﺎﺑﻪ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻳﺴﺘﻔﺰ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻷﺩﺍء ﻭﻅ ﻳﻔﺔ‬
‫ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺳﻮﺍء ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﺳﻘﺎﻁ ﺃﻧﻈﻤﺔ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺣﺎﺋﻼ ﺩﻭﻥ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﺍﻻﺳﻼﻡ‪.‬‬

‫‪132‬‬
 ‫ﺃﻣﺎ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ﻓﻬﻲ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻭﺍﻟﻤﻮﻋﻈﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ ‪ ،‬ﻭﺗﺒﺎﻳﻦ ﺍﻟﻮﻅﺎﺋﻒ ﻳﺠﻌﻞ ﻭﻅﻴﻔﺔ ) ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ( ﻫﻲ ﻏﻴﺮ‬
‫ﻭﻅﻴﻔﺔ) ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ (‪ ،‬ﻓﺎﻟﺪﻋﻮﺓ ﺗﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺍﻁﺎﺭ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻭﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺗﺼﺒﺢ ﺷﻜﻼ ﺗﻨﻔﻴﺬﻳﺎ‪ .‬ﻭﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻓﻲ ﺭﺣﻠﺔ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ‬
‫ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﻣﻊ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻟﺤﻔﻈﻪ ﺃﻭ ﺍﺻﻼﺣﻪ ﻻ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻟﺘﺼﺒﺢ ﺩﻭﻟﺔ ﻟﻬﺎ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﺢ ‪ ،‬ﻭﺇﺭﺍﻗﺔ ﺩﻡ‬
‫ﺍﻟﻨﺎﺱ)ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ ﺍﺳﺘﺤﻼﻝ ﺫﻟﻚ (‪...‬ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻹﺧﺘﻼﻁ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺟﻌﻞ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ‬
‫ﺍﻟﻤﺘﺤﻤﺲ ﻳﻬﺠﻢ‪ ،‬ﻭﻳﺮﻳﻖ ﺍﻟﺪﻡ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻳﺮﻯ ﺃﻧﻪ ﻣﺨﻮﻝ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ ﻹﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ )ﻣﺒﺮﺍﺭﺍﺕ ( ﻋﺪﻡ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻓﻲ ﺭﺣﻠﺔ ﻣﻜﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ‬
‫ﺍﻟﻤﻄﺒﻮﻉ ﺑﺎﻟﺤﻤﻴﺔ ﻓﻤﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻗﺎﺋﻤﺎ ً ﺩﻭﻣﺎ ً‪.‬‬
‫ﺃﻭ ﻷﻥ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﻤﻴﺔ ﺑﺴﻴﻮﻑ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ ﻓﻲ ﺷﺨﺺ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﺃﻥ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻣﺤﻔﻮﻅ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﺑﺤﻤﺪ ﷲ ﺍﻧﻔﺼﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﺨﺼﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻧﺘﺸﺮ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺮﺓ ﺑﺎﻟﻌﻨﻒ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺷﺪ ﻣﺨﺎﻁﺮﺓ ﻭﻫﻲ ﺍﺳﺘﺌﺼﺎﻝ ﺃﻱ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺗﺮﻳﺪ ﺷﻖ ﻁﺮﻳﻘﻬﺎ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺪء ﻛﺬﻟﻚ‪.‬‬
‫ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﺍﻹﻧﺘﻈﺎﺭ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﺄﻣﻦ ﺍﻟﻘﺎﻋﺔ ﺍﻟﺼﻠﺒﺔ ﺍﻟﻮﺍﻋﻴﺔ ﻓﺎﻟﺠﻮﺍﺏ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻮﻗﻴﺖ ﺍﻟﺰﻣﻨﻲ ﻫﻨﺎ ﻏﺎﻣﺾ‬
‫ﻭﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﺩ ﺑﺨﻼﻑ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﻁﺘﻬﺎ ﺑﻼ ﻋﻨﻒ ﺣﺘﻰ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﻻ‬
‫ﻋﻨﻒ ﻓﻲ ﺇﺻﻼﺡ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﺡ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﻨﻈﺎﻡ ﺍﻻﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ‬
‫ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻗﺼﺔ ﻋﺜﻤﺎﻥ )ﺭﺿﻲ ﷲ ﻋﻨﻪ( ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻫﻲ ﻗﻀﻴﺔ ﻣﺆﻟﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺒﻊ ﺍﻟﻔﺘﻦ ﻭﺍﻹﻧﺸﻘﺎﻗﺎﺕ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻨﺸﺆﻫﺎ ﺑﺤﺬﻕ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻱ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﺒﺄ‪ ،‬ﻭﻋﺪﻡ ﻭﻋﻲ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻧﺴﺎﻕ ﻓﻲ‬
‫ﻣﻌﻤﻌﺎﻥ ﺍﻟﻄﻮﻓﺎﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‪ ،‬ﻭﻋﺜﻤﺎﻥ )ﺭﺿﻲ ﷲ ﻋﻨﻪ( ﻟﻢ ﻳﻘﺎﻭﻡ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺑﺎﻟﻌﻨﻒ ﺑﻞ ﺗﺮﻙ ﺍﻷﺛﺮ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪ‪،‬‬
‫ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺪﻡ ﺍﻟﻤﺮﺍﻕ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺸﺎﻫﺪﺓ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ‪ ،‬ﻭﺇﺹﻻﺡ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻛﺎﻥ‬
‫ﺻﺤﻴﺤﺎ ً ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﺃﺑﻲ ﺫﺭ )ﺭﺿﻲ ﷲ ﻋﻨﻪ( ﺣﻴﺚ ﺃﻋﻠﻦ ﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻪ ﻭﺍﺷﺘﺪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻧﻔﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺑﺪﺓ‬
‫ﺣﻴﺚ ﻣﺎﺕ ﻭﺣﻴﺪﺍً‪ ،‬ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻣﺸﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻭﺣﻴﺪﺍً‪ ،‬ﻭﺳﻴﺒﻌﺚ ﻭﺣﻴﺪﺍً ﻛﻤﺎ ﻭﺻﻔﻪ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺃﻧﺎ ﺃ ﺩﻳﻦ ﻟﻴﺲ ﺭﻭﺡ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﻻﺻﻼﺡ ﻓﻲ ﻭﻩ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻓﻬﺬﻩ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺻﺤﻴﺔ ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺳﻴﺪ‬
‫ﻗﻄﺐ ﺭﺣﻤﺔ ﷲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ )ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ( ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ‬
‫ﻳﺪﺍﻥ‪ ،‬ﻭﻣﻘﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﺨﻄﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺴﺮ ﻭﺩﺧﻞ ﻣﻨﻪ ﻁﻮﻓﺎﻥ ﺍﻟﻔﺘﻦ ﻭﺍﻟﻌﻨﻒ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻨﺬ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻷﺣﻘﺎﺩ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺍﻛﻤﺖ ﻭﺗﺒﺮﺯ ﺑﻴﻦ ﻭﻗﺖ ﻭﺁﺧﺮ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺩﺭﺍﻣﻴﺔ ﺑﺸﻌﺔ ﻭﻓﻲ ﻣﻨﺎﺯﻋﺎﺕ‬
‫ﻁﺎﺋﻔﻴﺔ ﻭﻣﺎ ﺃﺷﺒﻪ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﺪﺙ ﺍﻟﺨﻄﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺻﻊ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ‪ .‬ﻭﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﺭﺣﻤﺔ‬
‫ﷲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻪ )ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺤﻈﺎﺭﺓ ( ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺩﻭﺭﺓ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻭﻳﺮﺍﻫﺎ ﻣﺮﺍﺣﻞ‬
‫ﺛﻼﺙ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻗﻔﺰﺓ ﺍﻟﺮﻭﺡ‪ ،‬ﻭﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭﻳﺔ ﺍﻟﺪﻓﻌﺔ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ﺑﺪﻭﻥ ﺻﻌﻮﺩ ﺟﺪﻳﺪ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫ﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﻣﻊ ﺍﻧﺒﻌﺎﺙ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ‪ ،‬ﻳﺮﻯ ﻣﺎﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﻮﻗﻒ ﺍﻟﻘﻔﺰﺓ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻛﺎﻥ ﻣﻊ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺻﻔﻴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻣﺼﺮﻉ ﻋﺜﻤﺎﻥ )ﺭﺿﻲ ﷲ ﻋﻨﻪ ( ﻭﻫﻮ‬
‫ﻳﺮﻯ ـﺮﺣﻤﺔ ﷲ ـ ﺃﻥ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺻﻔﻴﻦ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺳﻴﻒ ﻭﺭﻣﺢ ﺑﻞ ﻫﻲ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺣﻀﺎﺭﻳﺔ‬
‫ﺿﺨﻤﺔ ﺍﻧﺘﻬﺖ ﻣﻌﻬﺎ ﺩﻓﻌﺔ ﺍﻟﺮﻭﺡ‪ ،‬ﻭﺑﺪﺃﺕ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻋﺒﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﻗﻮﻝ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻁﺎﻟﺐ ‪" :‬ﺻﻼﺗﻲ‬
‫ﻣﻊ ﻋﻠﻲ ﺃﻗﻮﻡ ﻟﺪﻳﻨﻲ‪ ،‬ﻭﻣﻊ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺃﻗﻮﻡ ﻟﻤﻌﺎﺷﻲ"‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺃ ﻧﻬﺎ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻧﻔﺼﺎﻡ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ‬
‫ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺍﻟﻤﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻵﻳﺔ‪:‬‬
‫) ﺇ ﻥ ﺻﻼﺗﻲ ﻭﻧﺴﻜﻲ ﻭﻣﺤﻴﺎﻱ ﻭﻣﻤﺎﺗﻲ ہﻠﻟ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ( )‪.(۱٦۲ :٦‬‬
‫ﻭﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺤﻮﻻﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﻓﺈﻧﻪ ﺑﺄﺭﺿﻴﺘﻪ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻳﻤﺘﺺ‬
‫ﺃﻧﻤﺎﻁﺎ ً ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ‪ ،‬ﻭﻟﺬﺍ ﻳﻔﺴﺮ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﻛﻤﺎ ﻳﺮﺍﻫﺎ ﻭﻟﻴﺲ ﻛﻤﺎ ﺣﺪﺛﺖ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻝﺛﻮﺭﺓ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺛﻮﺭﺓ ﻛﻮﺑﺎ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺑﻤﺎ ﺍﻋﺘﻤﺪﺕ ﻣﻦ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﻌﻨﻒ‪ ،‬ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﺳﺐ ﻧﺠﺎﺣﻬﺎ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻋﺘﻤﺎﺩﻫﺎ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻭﻧﺴﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻜﺸﻠﺔ ﺗﻜﻤﻦ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺿﺮﺑﺔ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻠﻄﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺑﻞ ﻣﻮﺕ‬

‫‪133‬‬
‫ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻓﻬﻮ ﻟﻲ ﻳﻜﻦ ﺃﻛﺜﺮﻣﻦ ﺟﺜﺔ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﻟﺪﻓﻦ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺴﺮ ﺇﺫﻥ ﻟﻴﺲ ﻑ ﻱ‬
‫ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺑﻞ ﻓﻲ ﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ﻭﻭﺿﻊ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻳﻨﻬﺎﺭ ﻭﻳﻨﺘﻬﻲ ﺳﻮﺍء ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﻌﻨﻒ‬
‫ﺃﻡ ﻻ‪.‬‬
‫ﻭﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻀﻨﺎﻫﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﺟﺪﻳﺮﺓ ﺑﺎﻟﺘﺄﻣﻞ ﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﻛﺎﻓﺔ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺳﻮﺍء‬
‫ﺍﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻳﻠﻌﺐ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﻤﻪ ﻳﺊ ﻭﺍﻷﺳﺎﺳﻲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪ‬
‫ﻭﺍﻟﻜﺎﺷﻒ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻭﻗﺼﺔ ﺟﺜﺔ ﻧﺒﻲ ﷲ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻈﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻓﻬﻮ ﻛﺎﻥ ﻣﻴﺘﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺠﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺎ ﺯﺍﻟﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ‬
‫)ﺩﺍﺑﺔ ﺍﻷﺭﺽ ( ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻛﻠﺖ ﻣﻨﺴﺄﺗﻪ ﺃﻱ‬ ‫ﺍﻟﻤﻬﻴﻦ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻛﺸﻒ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ ﻣﻤﺜﻞ ﺣﻘﻴﺮ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﻫﻮ‬
‫ﻋﺼﺎﻩ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﻜﺊ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫)ﻓﻠﻤﺎ ﻗﻀﻴﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻣﺎ ﺩﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺗﻪ ﺇﻻ ﺩﺍﺑﺔ ﺍﻷﺭﺽ ﺗﺄﻛﻞ ﻣﻨﺴﺄﺗﻪ ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮ ﺗﺒﻴﺖ ﺍﻟﺠﻦ ﺃﻥ ﻟﻮ‬
‫ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻣﺎ ﻟﺒﺜﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﺍﻟﻤﻬﻴﻦ( )‪.(۱٤ :۳٤‬‬
‫ﻭﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻗﺼﺘﻬﺎ ﺷﺒﻴﻪ ﺑﻬﺬﻩ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺃﺗﺎﺗﻮﺭﻙ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺩﻭﺭ ﺩﺍﺑﺔ ﺍﻷﺭﺽ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻟﻢ‬
‫ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺇﻟﻐﺎءﻫﺎ ﻭﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻛﻞ ﻡ ﺍ ﻓﻌﻞ ﻫﻮ ﺩﻓﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﺜﺔ ﺍﻟﻤﻴﺘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﺃﺳﻌﻔﻬﺎ ﺣﻘﻦ ﺍﻹﻧﻌﺎﺵ‪،‬‬
‫ﻭﺣﺮﻛﺎﺕ ﺍﻣﺴﻴﺪ ﺍﻟﻘﻠﺐ‪ ،‬ﻭﺿﺦ ﺍﻟﻬﻮﺍء ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺋﺘﻴﻦ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩﺗﻴﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﻁﻠﻖ ﺍﻟﺴﻄﺎﻥ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺤﻤﻴﺪ ﺻﻴﺤﺘﻪ ‪:‬‬
‫)ﻳﺎ ﻣﺴﻠﻤﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﺗﺨﺪﻭﺍ (‪ ،‬ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺍﺳﺘﻘﺪﻡ ﺇﻟﻴﻪ ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻓﻐﺎﻧﻲ ﻟﻴﻀﻌﻪ ﻓﻲ ﻗﻔﺺ ﺫﻫﺒﻲ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻷﺳﺘﺎﻧﺔ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻭﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻷﻧﻆﻣﺔ ﻋﻠﺘﻬﺎ ﺩﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺩﺍﺧﻠﻬﺎ ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺧﺎﺭﺟﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺗﻮﻳﻨﺒﻲ ﺍﻟﻤﺆﺭﺥ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﻓﻲ‬
‫ﻛﺘﺎﺑﻪ )ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ( ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﻪ ﺇﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ ﻓﻘﺎﻝ ‪ :‬ﺇﻧﻬﺎ )ﺍﻹﻧﺘﺤﺎﺭ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ( ﻗﺒﻞ ﺃﻱ‬
‫ﻋﺎﻣﻞ ﺁﺧﺮ ﻛﺎﺷﻒ ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻧﺘﺤﺎﺭ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ )ﺍﺷﺒﻨﺠﻠﺮ ( ﺃﺟﺎﺩ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ )ﺃﻓﻮ ﻝ ﺍﻟﻐﺮﺏ ( ﺣﻴﻤﻨﺎ ﺫﻛﺮ ﺳﺒﺐ ﺍﺗﺴﺎﻉ ﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ‬
‫ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻴﺔ ﺑﺄﻧﻪ ﻭﺿﻌﺖ ﻳﺪﻳﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﻼﺏ ﻭﻏﻨﺎﺋﻢ ﻻ ﺗﺠﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﺪﺍﻓﻌﺎ ً ﻭﻗﺎﻝ ‪" :‬ﺇﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻗﻮﺓ ﺭﻭﻣﺎ‪،‬‬
‫)ﺯﺍﻣﺎ (" ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﺒﻮﻟﻴﻨﺰ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺑﻴﻦ ﺭﻭﻣﺎ‬ ‫ﻓﺤﻴﻮﻳﺔ ﺭﻭﻣﺎ ﻗﺪ ﺍﺳﺘﻨﻔﺬﺕ ﻣﻨﺬ ﻣﻌﺮﻛﺔ‬
‫ﻭﻗﺮﻁﺎﺟﻨﺔ‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻀﻊ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻑﻱ ﺣﺴﺎﺑﻪ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺼﺎﺏ ﺑﺎﻟﻌﺪﻭﻯ ﻣﻦ ﺗﺼﺮﻓﺎﺕ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻭﺍﻟﻔﺮﻕ‬
‫ﻛﺒﻴﺮ ﺑﻴﻦ )ﺍﻟﻌﺪﻭﻯ( ﺃﻭ )ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﻱ(‪ ،‬ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ‪ ،‬ﻭﺇﺧﻀﺎﻉ ﺗﺠﺎﺭﺏ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻟﻨﻘﺪ ﺻﺎﺭﻡ‬
‫ﻓﺎﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺗﻨﺒﻊ ﺑﺎﻷﺻﻞ ﻣﻦ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺤﺰﺑﻲ ﺷﻲء‪ ،‬ﻭﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺷﻲء ﺁﺧﺮ ﻭﺑﻜﻠﻤﺔ‬
‫ﺁﺧﺮﻯ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻨﺤﺞ ﺑﻪ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻕﺩ ﻧﻔﺸﻞ ﺑﻪ ﻧﺤﻦ ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ‪.‬‬
‫ﻭﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻪ ﺍﻧﺘﺒﻪ ﺃﻳﻀﺎ ً ﺇﻟﻰ ﺳﻨﺔ ﻗﻴﺎﻡ ﻭﻫﺮﻡ ﻭﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻧﺘﺒﻪ ﺑﺸﺪﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ‬
‫ﻓﻘﺎﻝ ﺇﻥ ﺍﺷﺘﻤﺮﺍﺭ ﻭﻟﺔ ﻫﺮﻣﺔ ﻟﻴﺲ ﻷﻧﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﺤﻨﺔ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭ‪.‬‬
‫ﺑﻞ ﻷﻥ ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ ﻏﻴﺮ ﻧﻮﺟﻮﺩ ﻭﻟﻮ ﺗﻘﺪﻡ ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ ﻟﻮﺟﺪﻫﺎ‪ ..‬ﻓﺘﺄﻣﻞ!!‪..‬‬
‫ﻱ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻞ ﻫﻮ ﺩﻭﻣﺎ ً )ﻗﻞ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ( )‪ (۱٦٥ :۳‬ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ "ﻭﻣﻦ ﻭﺟﺪ ﻏﻴﺮ‬ ‫ﻭﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻘﺂﻥ ﻑ‬
‫ﺫﻟﻚ ﻓﻼ ﻳﻠﻮﻣﻦ ﺇﻻ ﻧﻔﺴﻪ"‪.‬‬
‫ﻭﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻓﻨﺎ ﻋﻮﺩﺓﺇﻟﻰ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺑﺤﺚ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻔﺼﻞ ﺃﻛﺜﺮ ﺇﻧﻤﺎ ﺃﺷﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ‬
‫ﻱ ﺑﻜﻞ ﺛﻘﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‬ ‫ﺃﻁﺮﺣﻬﺎ ﻫﻨﺎ ﻟﺴﺖ ﺑﺪﻋﺎ ً ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻟﺴﺖ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺑﻬﺎ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﻤﻮﺩﻭﺩ‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﻣﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﻭﺯﻥ ﺃﺷﺎﺭ ﺑﻜﻞ ﻭﺿﻮﺡ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ‪ ،‬ﻭﺗﺒﻨﺎﻫﺎ ﻛﻞ ﻓﺘﺮﺓ ﻋﻤﻠﻪ ﻭﻟﻌﻠﻪ ﺳﺒﺐ‬
‫ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺩﻋﻮﺗﻪ ﻭﺗﺠﻨﺒﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺘﻞ ﺍﻟﻬﺎﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻮﺭﻁﺖ ﻓﻴﻪ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ‪...‬‬

‫‪134‬‬
 ‫‪ ۹‬ـ ﺍﺧﺘﻼﻁ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻹﺧﻼﺹ ﺑﺎﻟﺼﻮﺍﺏ‬
‫ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺇﺫﺍ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﺇﻟﻴﻪ )ﻣﻦ ﻁﻨﺠﺔ ـ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻛﺮﺗﺎ (‪ ،‬ﺇﺫﺍ ﻗﻤﻨﺎ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎﺭ ﻋﻴﻨﺎﺕ ﺍﻋﺘﺒﺎﻁﻴﺔ‪،‬‬
‫ﻭﺍﺗﺨﺬﻧﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺳﻄﺎ ً ﺣﺴﺎﺑﻴﺎ ً ﻷﻳﻨﺎ ﻧﺴﺒﺔ ﻣﺌﻮﻳﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻣﺎ ﺧﺎﻧﺖ ﺑﻌﺪ ﺃﻣﺘﻬﺎ ﻭﺩﻳﻨﻬﺎ‪..‬‬
‫ﺃ‪ :‬ﺃﻥ )ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻷﻋﻠﻰ( ﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﺳﻠﻴﻤﺎً‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻣﻮﺟﻮﺩ‪ ،‬ﻭﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﻴﺔ‬
‫ﺃﻭ )ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ( ﻏﻴﺮ ﻓﺎﺳﺪﺓ‪ ..‬ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ‪..‬‬
‫ﻭﻳﺒﻘﻰ ﺍ ﻟﺴﺆﺍﻝ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻻ ﺗﺤﻘﻖ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﻣﺎ ﻫﻲ ﺃﻣﺮﺍﺽ ﺍﻷﺭﺍﺩﺓ؟‪.‬‬
‫)ﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍﻻﺭﺍﺩﺓ ( ﻭﺑﻴﻦ )ﻣﺮﺽ‬ ‫ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ ﻫﻨﺎ ﻧﺮﺍﻩ ﻗﺪ ﺃﺧﺬ ﻭﺟﻬﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻛﻞ ﺍﻟﺪﺓ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻔﺮﻕ ﻛﺒﻴﺮ ﺑﻴﻦ‬
‫ﺍﻻﺭﺍﺩﺓ(‪.‬‬

‫ﻓﺎﻻﺭﺍﺩﺓﺍﻻﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﺮﻳﻀﺔ‪..‬‬

‫ﻭﻣﺮﺽ ﺍﻟﺮﺍﺩﺓ ﻗﺪ ﻳﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺗﻬﺎ ﺇﺫﺍ ﻁﺎﻝ ﻭﺃﺯﻣﻦ ﻭﺍﺧﺘﻠﻂ ﻓﻬﺬﺍ ﻳﺠﺐ ﺍﻥ ﻳﻘﺮ ﻓﻲ ﺍﻷﺫﻫﺎﻥ‪ ،‬ﻭﻳﺆﺧﺬ ﺑﺒﺎﻟﻎ‬
‫ﺍﻟﺤﺬﺭ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ‪..‬‬
‫ً‬
‫ﻭﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ ﺗﻤﺜﻞ ﻭﺗﻨﻔﻴﺬ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﻓﻼ ﺑﺪ ﺃﻭﻻ ﻣﻦ ﻭﺿﻮﺡ )ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ(‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺳﻠﻮﻙ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﻓﻖ )ﺍﻟﻘﻨﺎﺓ‬
‫ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ(‪ ،‬ﻭﻫﺬﻩ ﻋﻘﺒﺔ ﺃﻭﻟﻰ‪..‬‬
‫ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﺮﻳﺪ ﺍﻷﺳﻼﻡ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻛﻴﻒ ﻳﺢﻗﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺳﻼﻡ‪..‬‬
‫ﻭﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﺍﻟﻌﺼﺒﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﺮﺯ ﺍﻷﻣﺮ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺗﻐﺬﻳﺘﻪ ﺍﻟﺪﻣﻮﻳﺔ ﻉ ﻟﻰ ﺃﺣﺴﻦ ﺣﺎﻝ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺣﺪﺙ ﻗﺼﻮﺭ‬
‫ﺗﺮﻭﺗﻪ‪ ،‬ﻭﻗﻠﺔ ﺗﻐﺬﻳﺔ ﺃﺻﺒﺢ ﺗﻔﺎﻋﻠﻪ ﻟﻔﺮﺯ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﺗﻮﺻﻴﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻨﺎﺓ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﻤﻼﻣﺔ ﺧﻔﻴﻔﺎ ً‪..‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺤﺪﺙ ﺗﺮﻭﻳﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻹﺳﻼﻡ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺭﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺘﺜﻘﻴﻒ ﺑﻪ ﻓﻜﻤﺎ‬
‫ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻣﺎﻍ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺛﺮﻭﻳﺔ ﺩﻣﻮﻳﺔ ﻏﺰﻳﺮﺓ ﻭﺑﻔﺎﺋﺾ ﻋﺎﻝ ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ‪..‬‬
‫ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﺎﺏ ﺍﻟﻌﺼﺐ ﺍﻟﻨﺎﻗﻞ‪ ،‬ﺃﻭﺍﻟﻌﻀﻠﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﺔ ﺑﺎﻟﻀﻤﻮﺭ ﺗﻀﻌﻒ ﺃﻭ ﺗﺘﻘﺪﻡ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﺣﺴﺐ‬
‫ﺍﻷﺻﺎﺑﺔ‪ ،‬ﻭﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﻨﺤﺼﺮﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺍﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻲﺍﻡ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ‬
‫ﻭﺗﻨﻔﻴﺬﻫﺎ‪..‬‬
‫ﺇﺫﻥ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺇﻋﻄﺎء ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺇﺧﻼﺻﻪ ﻟﻺﺳﻼﻡ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﻔﻘﺪ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﻛﻴﻔﻴﺒﺔ‬
‫ﺗﻨﻔﻴﺬ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺧﻼﺹ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ ﺍﻟﺼﻮﺍﺏ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ‪..‬‬
‫ﻭﻣﺜﻞ ﺍﻷﻡ ﻣﻊ ﻁﻔﻠﻬﺎ ﻣﻌﺒﺮ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺗﺤﺐ ﺍﻧﺒﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﺘﻄﺮﻕ ﺃﺩﻧﻰ ﺷﻜﻞ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺢﺏ ﻭﺇﺧﻼﺻﻬﺎ‬
‫ﻭﺣﺮﺻﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺃﻧﺒﻬﺎ ﺃﺣﺴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻨﻴﺔ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻻ ﻳﺤﺬﻗﻪ ﻛﻞ ﺃﺣﺪ‪..‬‬
‫ﺇﻧﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ ﺃﺑﺴﻂ ﻋﻤﻞ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﻋﺎﻣﻠﻴﻦ )‪(۱‬ﺍﻷﻭﻝ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﻫﻮ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻷﻣﺮ ﻭﺟﺒﻪ ﻭﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻴﻪ‪(۲) ،‬ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻫﻮ ﺗﻮﻓﺮ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻤﻄﺎﻓﺌﺔ ﻹﻧﺠﺎﺯ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ‪..‬‬
‫ﺇﺭﺍﺩﺓ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺰﻳﺎﺩﺓ‬ ‫ﻓﺮﻏﺒﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺜﻼً ﺯﻳﺎﺭﺓ ﺻﺪﻳﻖ ﻟﻪ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺍ ﺟﺘﻤﺎﻉ ﻋﺎﻣﻞ ﻧﻔﺴﻲ ﺃﻭﻻً‪ ،‬ﻭﻫﻮ‬
‫ﻭﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻫﻲ ﻣﺤﺼﻠﺔ ﻧﻔﺴﻴﺔ ﻟﻌﺪﺓ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺐ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﻭﻗﺼﺪ ﺍﻟﺰﻳﺎﺭﺓ ﻭﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ‬
‫ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺰﻳﺎﺭﺓ ﻻ ﻳﺘﻢ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺍﻹﻳﺼﺎﻝ ﺳﻮﺍء ﻓﻲ ﺳﻼﻣﺔ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﺍﻝ ﻣﺸﻲ‪ ،‬ﺃﻭ ﻭﺟﻮﺩ‬
‫ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻧﻘﻞ ﻛﺴﻴﺎﺭﺓ ﺃﻭ ﻁﺎﺋﺮﺓ ﻭﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺘﻌﺎﻭﻥ ﺍﻟﻌﺎﻣﻼﻥ ﻓﻲ ﺇﺧﺮﺍﺝ ﺍﻟﺤﺪﺙ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻭﺍﻹﺭﺍﺩﺓ‪،‬‬
‫ﻭﻭﺳﺎﺋﻞ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺬﻩ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺟﻮﺍﺏ ﻟﻤﺎﺫﺍ؟ ﻭﺟﻮﺍﺏ ﻛﻴﻒ؟ ﻓﻼ ﻋﻤﻞ ﺗﺤﻘﻖ ﺑﺪﻭﻥ ﺟﻮﺍﺑﻴﻦ ﻟﻤﺎﺫﺍ‬
‫ﺃﻋﻤﻞ ﻫﻜﺬﺍ‪ ،‬ﻭﻛﻴﻒ ﺃﻋﻤﻞ ﻫﺬﺍ؟‬
‫ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻄﺮﺩﺓ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ ﺗﺤﻘﻴﻘﻪ ﻳﺘﻢ ﻓﻲ ﺇﻁﺎﺭ ﺣﻞ ﺍﻹﺟﺎﺑﺘﻴﻦ‬
‫ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺃﻓﻌﻠﻪ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﺒﺮﺭ ﻓﻌﻠﻪ‪ ،‬ﺃﻭ ﺗﺼﻮﺭﻩ ﺍﻷﻭﻟﻲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻨﻔﻴﺬ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺳﻮﺍء ﻛﺎﻥ ﺗﻨﻔﻴﺬﻩ ﻓﻜﺮﻳﺎ ً‬
‫ﺑﺤﺘﺎ ً ﺃﻭ ﻋﻀﻠﻴﺎ ً ﻓﻜﺮﻳﺎ ً‪...‬‬

‫‪135‬‬
 ‫ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻓﺮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺤﻞ ﻭﺍﻟﻨﻤﻞ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻷﻭﻟﻲ‪ ،‬ﻭﻫﻨﺪﺳﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻣﺎﻍ ﻋﻨﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‬
‫ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺤﻠﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺑﺸﻜﻞ ﺁﻟﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﻮﺭ ﺃﻭﻟﻲ‪،‬‬
‫ﻭﻓﻜﺮﺓ ﻣﺒﺪﺋﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﺒﺮﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻝ )ﻟﻤﺎﺫﺍ؟(‪..‬‬
‫ﻓﺎﻟﻌﺎﻣﻞ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻬﻨﺪﺱ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻜﻬﺮﺑﻲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﺐ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻔﻜﺮ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺘﺪﻳﻦ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﻮﺭﻱ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺪ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻓﺔ ﺇﻧﺠﺎﺯﺍﺗﻬﻢ‬
‫ﻣﺤﺼﻞ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻷﻣﺮﻳﻦ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺮﺿﻰ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﻭﺭﻏﺒﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻳﻀﺎﻑ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻔﻴﺬ‬ ‫ﺓ‬ ‫ﻫﻲ‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ‪...‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﻧﺤﺎﻓﻆ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻭﻟﺘﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺗﺤﺼﻴﻞ ﺍﻟﻤﺎﻝ‪ ،‬ﺃﻭ ﺑﻨﺎء ﺍﻟﺸﻬﺮﺓ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻟﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﷲ‪ ،‬ﺃﻭ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻤﺜﻞ‬
‫ﺍﻷﻋﻠﻰ‪ ،‬ﺃﻗﻮﻝ‪ :‬ﺇﻥ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻛﺎﻟﺘﺤﺮﻕ ﻋﻠﻰ ﺗﻜﺪﻳﺲ ﺛﺮﻭﺓ‪ ،‬ﺃﻭ ﻧﻴﻞ ﺷﻪ ﻭﺓ‪ ،‬ﺃﻭ ﺑﻨﺎء ﺯﻋﺎﻣﺔ‬
‫ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﻧﻈﺎﻡ ﺛﻮﺭﻱ‪ ،‬ﺃﻗﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻮﺗﺮ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺃﻗﺼﻰ ﺣﺎﻻﺗﻪ ﻭﻟﻜﻦ‬
‫ﺗﺤﻘﻴﻘﻪ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺧﺒﺮﺓ ﻋﻘﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻣﺮﺍﻥ ﺟﺴﻤﻲ ﻣﻊ ﻗﺪﺭﺗﻪ‪ ،‬ﻭﻭﺣﺪﺓ ﺯﻣﻦ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ ‪...‬‬
‫ﻓﺈﺫﺍً ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪ ،‬ﻭﻟﻴﻜﻦ ﺗﺼﻠﻴﺢ ﻋﻄﻞ ﻛﻬﺮﺑﻲ‪ ،‬ﺃﻭ ﺇﻗﺎﻡ ﺓ ﺟﺴﺮ‪ ،‬ﺃﻭ ﺑﻨﺎء‬
‫ﺳﺪ‪ ،‬ﺃﻭ ﺇﺟﺮﺍء ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺟﺮﺍﺣﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺭﺿﻰ ﷲ‪ ،‬ﻭﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻫﻮ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‬
‫ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ ﺍﻟﻤﺮﻳﺪ‪ ،‬ﻭﺣﺘﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻫﻮ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ ﺍﻟﻤﺘﺮﺍﻛﻢ ﺧﻼﻝ ﻭﺣﺪﺍﺕ‬
‫ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻟﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻓﺈﻥ ﻳﻨﺠﺰ ﺍﻟﺠﺮﺍﺡ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻣﺜﻼً ﻻ ﺑﺪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺷﺮﻁ ﺃﻭﻟﻲ ﻭﻫﻮ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺗﺤﻘﻖ ﻭﻋﺰﻣﺖ‬
‫ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻛﺎﻓﻴﺎ ً ﺑﻞ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ ﺍﻟﻜﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻻ ﻳﺘﻢ ﺗﻜﻮﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ‪ ،‬ﺑﻞ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻬﺎ‬
‫ﻣﻦ ﺗﺮﺍﻛﻢ ﺧﺒﺮﺓ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻭ ﺣﺪﺓ ﺍﻟﺰﻣﻦ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺇﻛﺘﻤﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺮﻁ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺮﺍﺡ ﺇﻧﻀﺎﻑ ﻋﺎﻣﻞ ﺁﺧﺮ‬
‫ﻫﻮ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﺠﺲﻣﻴﺔ ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺁﻻﺕ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ﻭﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﻓﺈﻥ‬
‫ﻛﻞ ﻋﻤﻞ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻭﺣﺪﺍﺕ ﺯﻣﻦ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺇﺳﺘﺌﺼﺎﻝ ﺯﺍﻳﺪﺓ ﺩﻭﺩﻳﺔ ﻗﺪ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻊ‬
‫ﺳﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺪﺓ ﻭﻗﻄﻌﻬﺎ ﻗﺪ ﻳﺴﺘﻐﺮﻕ ﺛﻼﺙ ﺳﺎﻋﺎﺕ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻋﻤﻠﻴﺔ‬
‫ﺃﺳﺘﺌﺼﺎﻝ ﻭﺭﻡ ﺍﻟﻌﺼﺐ ﺍﻟﺴﻤﻌﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺮﺍﺣﺔ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻗﺪ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ )‪۱٥‬ﺳﺎﻋﺔ(‪..‬‬
‫ﻭﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻧﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺑﺒﻌﻀﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺗﺄﺛﻴﺮ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻨﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ‬
‫ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻠﻴﺔ ﻟﻤﺮﻛﺒﺎﺕ )ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ(‪ ،‬ﻧﻘﻮﻝ ﺇﻥ ﺇﻧﺠﺎﺯ ﻋﻤﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻄﻠﺐ )‪ (۱‬ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ‪ (۲) ،‬ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ‬
‫ﺍﻟﻜﺎﻓﻴﺔ‪ (۳) ،‬ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺠﺴﻤﻴﺔ‪ (٤) ،‬ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ‪...‬‬
‫ً‬
‫ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺠﺮﺍﺣﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻭﺣﺪﺍﺕ ﺃﺻﻐﺮ ﺑﺪﺃ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻖ‬
‫ﻭﺇﻧﺘﻬﺎء ﺑﺈﺳﺘﺌﺼﺎﻝ ﺍﻟﻌﻀﻮ ﺍﻟﻤﺮﻳﺾ ﻓﺈﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻌﺎﻗﺐ )ﻭﺣﺪﺍﺕ ﻋﻤﻞ ﺻﻐﻴﺮﺓ (‪ ،‬ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺧﺬﻧﺎ ﻭﺣﺪﺓ ﻋﻤﻞ‬
‫ﺻﻐﻴﺮﺓ‪ ،‬ﻭﻟﺘﻜﻦ ﺷﻖ ﺍﻟﺠﻠﺪ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﻓﻌﺖ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﺸﺘﺮﻙ‬
‫ﺃﻣﺮﺍﻥ ﻫﻮ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ‪ ،‬ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﻴﺪ ﻭﺗﻮﺍﺑﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻛﻠﻬﺎ‪...‬‬
‫ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺍﻵﻥ ﻭﺿﻊ ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﺗﺠﻤﻊ ﻣﻜﻮﻧﺎﺕ )ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ( ﻗﻠﻨﺎ‪ :‬ﺇﻧﻬﺎ ﺛﻼﺙ‪:‬‬
‫ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ ‪ +‬ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ‪ +‬ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﺰﻣﻦ = ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪...‬‬
‫ﻓﺈﺫﺍ ﺗﺮﺍﻛﻤﺖ ﻭﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻝﺻﻐﻴﺮﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻨﻔﺼﻠﺔ ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ‪ ،‬ﺷﻜﻠﺖ ﻣﻌﺎ ً ﻭﺣﺪﺍﺕ ﻋﻤﻞ ﺃﻛﺒﺮ‪ ،‬ﺗﻤﺎﻣﺎ ً‬
‫ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺟﺴﻢ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﻼﺣﻆ ﺃﻧﻪ ﻣﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﺍﻟﻬﻀﻤﻲ‬
‫ﻭﺍﻟﺪﻭﺭﺍﻧﻲ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻠﻲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻣﻘﺴﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻀﺎء‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻀﻮ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻳﺸﻤﻞ ﺍﻷﻧﺴﺠﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻨﺴﻴﺞ‬
‫ﻣﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻭﺣﺪﺍﺕ ﺃﻭﻟﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺨﻼﻳﺎ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺨﻠﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﺒﻨﺎء ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻛﻜﻴﺎﻥ ﺣﻲ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻫﻮ‬
‫ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﻴﺘﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺤﻴﺔ ﻓﺈﻥ )ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ( ﻫﻲ ﺍﻟﺬﺭﺓ‪...‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺍﻷﺳﺮﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻻ ﻳﺘﺎﺑﻌﻪ )ﻭﺟﻮﺩ ﻧﻮﻋﻪ ( ﻣﻦ‬
‫ﻱ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻷﺳﺮﺓ‪...‬‬ ‫ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﺑﻞ ﻣﻦ ﺇﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﻦ ﻑ‬
‫)ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺧﻠﻘﻨﺎ ﺯﻭﺟﻴﻦ ﻟﻌﻠﻜﻢ ﺗﺬﻛﺮﻭﻥ( )‪...(٤۹ :٥۱‬‬
‫ﺇﻥ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ ﻫﺬﻩ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻄﻠﻖ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻜﻞ ﻣﻮﻟﻮﺩ ﻟﻪ ﺃﺑﻮﺍﻥ ﻭﺫﺭﻳﺔ ﺣﺘﻰ‬
‫ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ‪) .‬ﺃﻓﺘﺘﺨﺬﻭﻧﻪ ﻭﺫﺭﻳﺘﻪ ﺃﻭﻟﻴﺎء ﻣﻦ ﺩﻭﻧﻲ ﻭﻫﻢ ﻟﻜﻢ ﻋﺪﻭ ﺑﺌﺲ ﻟﻠﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﺑﺪﻻ( )‪.(٥۰ :۱۸‬‬

‫‪136‬‬
 ‫ﻓﻤﻜﻮﻧﺎﺕ ﺍﻟﺬﺭﺓ ﺯﻭﺟﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺴﺎﻟﺐ ﻭﺍﻟﻤﻮﺟﺐ‪...‬‬
‫ﻭﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﺍﻟﺨﻠﻴﺔ ﺑﺎﻷﺻﻞ ﻫﻲ ﺍﻟﺸﻔﻊ ﺍﻟﻜﺮﻭﻣﻮﺳﻮﻣﻲ )ﻧﺼﻒ ﻛﺮﻭﻣﻮﺳﻮﻣﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻷﺏ ﻭﻧﺼﻒ ﻣﻦ ﺍﻷﻡ‬
‫ﻓﺘﺘﻜﻮﻥ ﺍﻟﺨﻠﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﻟﺪ ﻋﻨﻬﺎ ﻛﻞ ﺍﻟﺨﻼﻳﺎ ﺍﻟﺒﻘﻴﺔ(‬
‫ﻭﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻫﻲ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻭﺍﻟﺘﻜﺎﺛﺮ ﺑﺎﻟﺘﻠﻘﻴﺢ‪ .. ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺯﻭﺟﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔﺃﻭ ﺗﺘﺎﺑﻊ‬
‫ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺎء ﻳﻨﺰﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎء ﺑﺘﻠﻘﻴﺢ ﺍﻟﻐﻴﻮﻡ ﻣﻦ ﺷﺤﻨﺎﺕ ﺳﻠﺒﻴﺔ ﻭﻣﻮﺟﺒﺔ‪..‬‬
‫ً‬
‫ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻳﺘﺨﻠﻖ ﻣﻦ ﺯﻭﺟﻴﻦ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻭﺍﺿﺢ‪ ،‬ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ )ﻭﺇﻛﺘﺸﻒ ﻣﺆﺧﺮﺍ( ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺠﺮﺍﺛﻴﻢ‪.‬‬
‫ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻷﺳﺮﺓ ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ‪..‬‬
‫ﻭﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎ ً ﺣﺼﻴﻠﺔ ﺯﻭﺝﻳﻦ ﺇﺟﺘﻤﻌﺎ ﻓﻲ ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﻮﺩﺓ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ!!‬
‫ﺃﻱ ﻫﻲ ﺗﺰﺍﻭﺝ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭﺓ ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ‪...‬‬

‫ﻓﺎﻟﻌﻤﻞ ﺃﻭ )ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ( ﻫﻲ ﻣﺤﺼﻠﺔ ﺃﻭ ﺗﺰﺍﻭﺝ )ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭﺓ(‪.‬‬

‫‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻫﻲ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﺗﺰﺍﻭﺝ ﺍﻹﺧﻼﺹ‬ ‫ﻭﺇﺫﺍ ﻧﻘﻠﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﺇﻟﻰ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎﺕ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻗﻠﻨﺎ‬
‫ﻭﺍﻟﻮﻋﻲ‪ ،‬ﻭﻧﺸﺎﻁ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻫﻮ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﺯﻭﺍﺝ )ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ ﺑﺈﺳﻼﻣﻪ (‪ ،‬ﻓﺎﻹﻳﻤﺎﻥ ﻫﻮ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻭﺟﺎﻧﺐ‬
‫ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻹﺳﻼﻡ ﻫﻮ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ‪ ،‬ﻭﺣﺼﻴﻠﺔ ﺇﻣﺘﺰﺍﺝ ﺍﻷﻣﺮﻳﻦ ﻫﻮ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﻘﺒﻮﻝ ﻋﻨﺪ ﷲ ‪ ..‬ﻓﺎﻟﻌﻤﻞ‬
‫ﺍﻟﻤﻘﺒﻮﻝ ﻋﻨﺪ ﷲ‪ ،‬ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺛﻨﺎﻳﺎﻩ ﺍﻷﻭﻟﻴﺔ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻻ ﻳﺘﻮﻟﺪ ﻓﻲ ﺍﻷﺻﻞ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎء ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻐﻴﺐ ﺃﺣﺪ‬
‫ﺍﻟﻐﺎﺯﻳﻦ ﺍﻷﻭﻛﺴﺠﻴﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﻬﻴﺪﻭﺭﺟﻴﻦ‪..‬‬
‫ﺃﻱ‪ :‬ﺃﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻼ ﺇﺳﻼﻡ‪ ،‬ﻏﻴﺮ ﻣﻘﺒﻮﻝ ﻭﻫﻮﺃﻣﺮ ﻣﺘﻨﺎﻗﺾ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻬﻤﻪ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻫﻮ ﺷﻬﺎﺩﺓ‬
‫ﺗﺼﺪﻳﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ‪ ،‬ﻷﻥ ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ ﺗﻌﺮﻑ ﻣﺘﻰ ﺇﺳﺘﺨﺪﻣﺖ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﻣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺣﻴﺰ ﺍﻟﻜﻤﻮﻥ ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ‬
‫ﺍﻟﺠﺰﻡ ﺑﻤﺤﺘﻮﻳﺎﺗﻬﺎ‪..‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺃﺷﺎﺭ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﺮﺑﻂ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﻀﻮﻱ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺗﺤﻘﻘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ‪:‬‬
‫"ﻟﻴﺲ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﺘﻤﻨﻰ ﻭﻻ ﺑﺎﻟﺘﺤﻠﻲ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻣﺎ ﻭﻗﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺪﺭ‪ ،‬ﻭﺻﺪﻗﻪ ﺍﻟﻌﻤﻞ"‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻫﻮ ﺗﺼﻮﺭ ﻣﺒﺪﺋﻲ ﻭﻗﻨﺎﻋﺔ ﻧﻔﺴﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺇﻧﻔﻌﺎﻝ‬
‫ﻭﺟﺪﺍﻧﻲ ﻋﻤﻴﻖ‪ ،‬ﻳﻔﻴﺾ ﺑﺸﻜﻞ ﺗﻠﻘﺎﺋﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲﺷﻜﻞ ﻗﻮﺍﻟﺐ ﻋﻤﻠﻴﺔ‪ ،‬ﺗﻤﺎﻣﺎ ً ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎء ﻭﻫﻮ ﻳﺴﻘﻂ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺤﺎﺏ‪ ،‬ﺃﻭ ﻳﺸﻖ ﻁﺮﻳﻘﻪ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﺃﻧﻬﺎﺭﺍً‪...‬‬
‫ﻭﺇﺫﺍ ﻻﺣﻈﻨﺎ ﺩﻋﻮﻯ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻭﻫﻮ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻳﻤﺎﻧﻪ ﺑﻘﻀﻴﺘﻪ ﻓﺈﺫﺍ ﺭﺃﻳﻨﺎ ﻋﺪﻡ ﺗﺤﻘﻖ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ‬
‫ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺟﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺘﺸﻜﻚ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻟﺘﻪ‪ -‬ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻳﻮﺍﻓﻖ ﺫﻟﻚ‪ -‬ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﺫﻟﻚ‪ ،‬ﻓﺈ ﺫﺍ ﺍﺩﻋﻰ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺃﻧﻪ‬
‫ﺟﺮﺍﺡ ﻣﻬﻢ ﺛﻢ ﺭﺃﻳﻨﺎ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺨﻴﻂ ﺟﺮﺣﺎ ﺻﻐﻴﺮﺍ ﻭﺟﺐ ﺃﻥ ﻧﺘﺸﻜﻚ ﻓﻲ ﺩﻋﻮﺍﻩ ﺣﺘﻰ ﻳﺜﺒﺖ ﻟﻨﺎ‬
‫ﺻﺤﺔ ﺍﻟﺪﻋﻮﻯ‪ ،‬ﻁﺎﻟﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻘﺒﺎﺕ ﺗﻤﻨﻊ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﺩﻋﺎﺋﻪ ﻫﺬﺍ‪.‬‬
‫‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ‬ ‫ﻭﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﺃﺷﺎﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻋﺮﺍﺏ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﻈﺎﻫﺮﻭﺍ ﺑﺎﻻﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﻭﺍﺷﺎﺭﺍﺕ‬
‫ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻩ ﺫﺍ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﻭﺑﺸﺎﺷﺘﻪ ﻣﺎ ﺧﺎﻟﻄﺖ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ‪...‬‬
‫)ﻗﺎﻟﺖ ﺍﻷﻋﺮﺍﺏ ﺁﻣﻨﺎ ﻗﻞ ﻟﻢ ﺗﺆﻣﻨﻮﺍ ﻭﻟﻜﻦ ﻗﻮﻟﻮﺍ ﺃﺳﻠﻤﻨﺎ ﻭﻟﻤﺎ ﻳﺪﺧﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ( )‪.(۱٤ :۳۹‬‬
‫ﻓﺎﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻤﻘﺒﻮﻝ ﻋﻨﺪ ﷲ ﻫﻮ ﺗﺰﺍﻭﺝ )ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻣﻊ ﺍﻹﺳﻼﻡ( ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ‪ ،‬ﻭﺇﺭﺍﺩﺓ ﺑﺤﻘﻴﻘﻪ ﺛﻢ‬
‫ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺗﺤﻘﻴﻘﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺷﺮﻋﻬﺎ ﷲ ﻟﻨﺎ ﻭﻫﻲ ﺍﻻﺳﻼﻡ‪ ،‬ﻓﺎﻻﻳﻤﺎﻥ ﻫﻮ ﺟﺎﻧﺐ ﺻﺤﺔ ﺍﻻﺭﺍﺩﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻻﺳﻼﻡ ﻫﻮ ﺟﺎﻧﺐ‬
‫ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺗﺤﻘﻴﻘﻪ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻻﻳﻤﺎﻥ ﻫﻲ ﺩﻓﻌﺘﻪ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ ،‬ﻭﺍﻻﺳﻼﻡ ﻭﻗﻮﺩﻩ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻓﻊ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭﻩ‪....‬‬
‫ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﺠﺎﻧﺒﻴﻦ ﺃﻱ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻹﺧﻼﺹ ﻭﺍﻟﺼﻮﺍﺏ ﺃﻭ‬
‫ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻘﺪﺭﺓ‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﺔ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﺤﺎﻗﻬﻢ ﺑﻐﺰﻭﺓ ﺍﻟﻌﺴﺮﺓ )ﺗﺒﻮﻙ( ﺇﻥ‬
‫ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻫﻮ) ﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍﻻﺭﺍﺩﺓ(‪.‬‬
‫)ﻭﻟﻮ ﺃﺭﺍﺩﻭﺍ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻷﻋﺪﻭﺍ ﻟﻪ ﻋﺪﺓ()‪.(٤٦ :۹‬‬

‫‪137‬‬
‫ﻭﺣﺮﻑ )ﻟﻮ( ﻫﻮ ﺣﺮﻑ ﺍﻣﺘﻨﺎﻉ ﻻ ﻣﺘﻨﺎﻉ‪ ،‬ﻓﺎﻣﺘﻨﺎﻉ ﺍﻻﺭﺍﺩﺓ ﻣﻨﻌﺖ ﺍﻻﻋﺪﺍﺩ‪ ،‬ﻓﻬﻢ ﻣﺎ ﺃﻋﺪﻭﺍ ﻷﻥ ﺇﺭﺍﺩﺗﻬﻢ ﻟﻬﺬﺍ‬
‫ﺍﻷﻣﺮ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ‪،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺃﻧﻬﻢ ﻓﺎﻗﺪﻭﺍ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ‪ ....‬ﻭﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺁﺧﺮ ﺃﺷﺎﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺎﺏ‬
‫ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﻗﻀﻴﺔ ﺍﻟﻌﺪﺓ ﻭﺍﻟﺘﺄﻫﺐ ﻓﺬﻛﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ) ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﻢ ( ﺃﻧﻬﻢ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﻮﺍ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ‬
‫ﻣﻊ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻭﻻ ﺃﻛﺜﺮ ﺗﻌﺒﻴﺮﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﺪﻣﻊ ﺍﻟﺤﻨﻮﻥ‪...‬‬
‫)ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻀﻌﻔﺎء ﻭﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮ ﻭﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻﻳﺠﺪﻭﻥ ﻣﺎ ﻳﻨﻔﻘﻮﻥ ﺣﺮﺝ ﺇﺫﺍ ﻧﺼﺤﻮﺍ ہﻠﻟ‬
‫ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺤﺴﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﺳﺒﻴﻞ ﻭﷲ ﻏﻔﻮﺭ ﺭﺣﻴﻢ‪-۹۱-‬ﻭﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺁﺗﻮﻙ ﻟﺘﺤﻤﻠﻬﻢ ﻗﻠﺖ ﻻ‬
‫ﺃﺟﺪ ﻣﺎ ﺃﺣﻤﻠﻜﻢ ﻋﻠﻪ ﺗﻮﻟﻮﺍ ﻭﺃﻋﻴﻨﻬﻢ ﺗﻔﻴﺾ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻣﻊ ﺣﺰﻧﺎ ﺃﻻ ﻳﺠﺪﻭﺍ ﻣﺎ ﻳﻨﻔﻘﻮﻥ(‪.(۹۲ -۹۱ :۹)-۹۲-‬‬
‫ﻭﺍﻵﻥ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻣﻦﺍﺑﻊ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭﺓ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻹﺧﻼﺹ ﻭﺍﻟﻮﻋﻲ‪..‬‬
‫ﻓﺎﻹﺧﻼﺹ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﺍﻟﻘﻠﺐ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻮﻋﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﺍﻟﻌﻘﻞ‪ ،‬ﺍﻷﻭﻝ ﺩﺍﻓﺊ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﺎﺭﺩ‪...‬‬
‫ﻭﺍﻟﻨﻔﺲ ﻻﺗﻌﻴﺶ ﺧﻠﻮﺍ ﻣﻦ ﻏﺬﺍء ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻳﺘﻐﺬﻯ ﻣﻦ ﺣﺎﻣﺾ ﺍﻟﻠﺒﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﺍﺳﺘﻘﻼﺑﺎﺕ‬
‫ﻛﺜﻴﺮﺓ‪ ،‬ﻭﻏﺬﺍء ﺍﻟﺪﻣﺎﻍ ﺍﻟﻤﻔﻀﻞ ﺍﻟﺴﻜﺮﻳﺎﺕ‪ ،‬ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻻﻳﻊﻳﺶ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﺒﺪﺃ ﺃﻭ ﺩﻳﻦ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻪ ﺃﻳﺎ‬
‫ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻛﺎﻻﻧﺎء ﻻﻳﺒﻘﻰ ﻓﺎﺭﻏﺎ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺗﻜﺮﻩ ﺍﻟﻔﺮﺍﻍ‪ ،‬ﻭﻗﺪﺡ ﺍﻟﺸﺎﻱ ﺇﺫﺍ ﺑﻘﻲ ﻓﺎﺭﻏﺎ‪ ،‬ﻛﺎﻥ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﻤﺘﻠﺌﺎ ﺑﻤﺤﺘﻮﻯ ﺁﺧﺮ ﻫﻮ ﻟﻴﺲ ﺳﺎﺋﻞ ﺑﻞ ﻫﻮ ﻏﺎﺯ ﺇﻧﻪ ﺍﻟﻬﻮﺍء ﻣﺰﻳﺞ ﺍﻵﺯﻭﺕ ﺍﻻﻛﺴﺠﻴﻦ ‪ ،‬ﻭﻏﺎﺯﺍﺕ‬
‫ﻧﺎﺩﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺑﻨﺴﺐ ﻁﻔﻴﻔﺔ‪ .‬ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻘﻠﺐ‪.‬‬

‫ﻭﺍﻻﺭﺍﺩﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻮﺟﻪ ﻟﻠﻜﻴﺎﻥ ‪،‬ﺃﻱ‪:‬ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺳﻢ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ‪،‬ﻭﺗﺪﻓﻊ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ‬

‫ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻮﺭﻩ‪...‬‬
‫ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﺎﻁﺐ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺑﺸﻜﻞ ﺩﺍﺋﻢ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺪﻳﻦ ﻫﻮ ﺍﻻﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﺍﻟﻤﻐﻨﺎﻁﻴﺴﻴﺔ‬
‫ﻟﻠﺒﻮﺻﻠﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻘﺮﺏ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺆﺷﺮ ﻫﻮ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ‪...‬ﺇﺫﺍ ﺍﻧﺴﺠﻤﺖ ﻣﻊ ﺍﻟﻀﻤﻴﺮ ﺍﻟﻴﻘﻆ ﺩﻭﻣﺎ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺄﺭﺟﺢ ﺛﻢ‬
‫ﻳﺜﺒﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﺗﺠﺎﻫﺎﺗﻪ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﺄﺭﺟﺢ ﻫﻮ ﺇﻧﺤﺮﺍﻓﺎﺕ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ‪ ،‬ﻭﺇﺳﺘﻘﺮﺍﺭﻩ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻭﺍﻟﻌﻴﻦ‬
‫ﻋﻀﻮﺍ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻟﻠﻀﻮء‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﻳﺜﻴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﺳﺔ ﻭﻳﻨﺒﻬﻬﺎ ﻭﻳﺪﻓﻌﻬﺎ ﻟﻠﻘﻴﺎﻡ ﺑﻮﻅﻴﻔﺘﻬﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻀﻮء‪ ،‬ﻭﺍﻟﺼﻮﺕ‬
‫ﻫﻮ ﻣﺜﻴﺮ ﺣﺎﺳﺔ ﺍﻟﺴﻤﻊ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺮﺍﺋﺤﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺜﻴﺮﺓ ﻟﺤﺎﺳﺔ ﺍﻟﺸﻢ ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺜﻴﺮ ﻟﺤﺎﺳﺔ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺇﺫﺍ ﺣﺎﻭﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻔﻬﻤﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻧﻔﻬﻢ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱ ‪ ..‬ﻭﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﻭﻅﺎﺋﻒ‬
‫ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﻭﻟﻌﻠﻬﺎ ﺃﻫﻢ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺍﻧﻈﻼﻕ ﻛﻴﻨﻮﻧﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺇﺳﺎﺭ ﺍﻟﺠﺒﺮ‬
‫ﻭﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﺘﺪﺭﻳﺒﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺼﻘﻞ ﻭﺗﺸﺤﺬ ﻭﺗﻜﺴﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻌﺎ ﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺟﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻭﻭﺟﻮﺩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‬
‫ﻓﻴﻪ ﺛﻼﺙ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺕ‪ :‬ﺍﻷﻭﻝ ﻻ ﺇﺭﺍﺩﻱ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﻧﻘﻲ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﻟﻠﻜﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺤﻤﺮ‪ ،‬ﻭﺩﻓﻦ ﺍﻟﻜﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺤﻤﺮ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺤﺎﻝ‪ ،‬ﻭﺗﻀﻴﻊ ﻣﺎﺩﺓ ﺍﻟﻜﻮﻟﺴﺘﺮﻭﻝ ﺍﻟﺒﻠﺮﻭﺑﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺒﺪ‪ ،‬ﻭﺩﻓﻦ ﺍﻟﻜﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺤﻤﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺤﺎﻝ ﻭﺗﻀﻴﻊ‬
‫ﻣﺎﺩﺓ ﺍﻟﻜﻮﻟﺴﺘﺮﻭﻝ ﻭﺍﻟﺒﻠﺮﻭﺑﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺒﺪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻬﻮﺭﻣﻮ ﻧﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺪﺩﻥ ﻭﺍﻟﻜﻠﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻴﻮﺩ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺪﺭﻕ ﻭﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻫﻮﺇﺭﺍﺩﻱ ﻻ ﺇﺭﺍﺩﺍﻱ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺋﺘﻴﻦ ﻓﻴﻬﻲ ﺃﺻﻼً‬
‫ﺗﻌﻤﻞ ﺑﺸﻜﻞ ﻻ ﺇﺭﺍﺩﻱ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻗﺪ ﻧﻮﻗﻒ ﺃﻭﻧﺴﺮﻉ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺣﺴﺐ ﺇﺭﺍﺩﺗﻨﺎ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻧﻔﻌﺎﻻﺗﻨﺎ ﺗﺪﻋﻮ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺇﻓﺮﺍﺯ ﺍﻷﺩﺭﻳﻨﺎﻟﻴﻦ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻝﻱ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻋﻠٮﺎﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻷﻭﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﺪﻗﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺜﺎﻧﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ‬
‫ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻫﻮ ﺇﺭﺍﺩﻱ ﺑﺤﺖ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﻴﺮ ﻭ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ‪..‬‬
‫ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻣﻌﻠﻘﺔ ﻣﻊ ﻛﻞ ﺿﺨﺔ ﻗﻠﺐ‪ ،‬ﻭﺩﻓﻌﺔﺩﻡ‪ ،‬ﻭﺇﻓﺮﺍﺯ ﻫﻮﺭﻣﻮﻥ‪ ،‬ﻭﻧﺸﺎﻁ ﺧﻤﻴﺮﺓ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ‬
‫ﺍﻧﻈﻼﻕ ﻭﺇﺑﺪﺍﻉ ﻹﺭﺍﺩﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﺒﻔﻀﻞ ﺗﺤﺮﺭ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺕ ﺍﻻﺭﺍﺩﺓ ﻛﺴﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻌﺪﻩ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻷﺧﺘﻴﺎﺭ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻣﻤﺜﻼً ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻭﺣﺮﻳﺔ ﺍﻷﺧﺘﻴﺎﺭ ! ﺃﻱ‪ :‬ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ‪ ،‬ﻧﺮﻳﺪ ﺃﻧﻨﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﺼﻴﻞ‬
‫ﻓﻲ ﺑﺤﺜﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻧﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﻗﺮﺍﺭ ﻓﻲ ﺑﺤﺚ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻭﺍﻟﺨﺎﻟﺺ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭﺓ‪..‬‬

‫‪138‬‬
 ‫ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺃﻭ )ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ( ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﺃﺳﺌﻠﺔ ؟ ﻛﻴﻒ ﻳﻮﻟﺪ؟ ﻛﻴﻒ ﻳﻨﻤﻮ؟ ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻮﺕ؟ ﻣﻜﻮﻧﺎﺗﻪ؟ ﻣﻨﻤﻴﺎﺗﻪ؟‬
‫ﻣﺜﺒﻄﺎﺗﻪ؟ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎﻟﻮﻋﻲ ﺃﻭ ﻣﺎ ﺳﻤﺎﻩ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪..‬‬
‫ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﻫﻨﺎﻙ ﺑﺤﺚ ﻁﺮﻳﻒ ﺣﻮﻝ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻛﺘﺒﻪ ﻋﺎﻟﻢ ﻧﻔﺲ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﻫﻮ ﺝ ‪.‬ﺃ‪ .‬ﻫﺎﺩﻓﻴﻠﺪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ‬
‫ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ " ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺍﻷﺧﻼﻕ " ﻭﺑﺤﺚ ﻓﻴﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻹﺭﺍﺩﺓ ﺳﻮﻑ ﻧﻨﻘﻞ ﺑﺘﺼﺮ ﻑ ﻁﺮﻓﺎ ً ﻣﻨﻪ ‪:‬‬
‫)ﺹ‪ ۱۰۰:‬ﻭﻣﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ‪:(..‬‬
‫"ﺗﺴﻌﻰ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺇﻛﺘﻤﺎﻟﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻌﻰ ﻛﻞ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ ﺇﻟﻰ ﺇﻛﺘﻤﺎﻟﻪ‪ ،‬ﻭﺍﺻﻄﻼﺡ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺭﺑﻤﺎ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ‬
‫ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻥ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻓﻬﻨﺎﻙ "ﺫﺍﺕ" ﻧﻌﺮﻓﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﺩ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﻧﺴﻤﻴﻬﺎ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﻘﻠﺒﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ‪ ،‬ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻫﻲ‬
‫)ﻧﺤﻦ( ﻣﻦ ﺍﻝﻧﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻊ ﻣﻠﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻛﻤﺎ ﺗﻨﻈﻢ ﺍﻟﻐﺮﺍﺋﺰ ﺣﻮﻝ ﻓﻜﺮﺓ ﻣﺴﺘﺴﺎﻏﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﺣﻮﻝ ﺷﺨﺺ‬
‫ﻣﻘﺒﻮﻝ ﻣﻌﻴﻦ‪ ،‬ﻟﺘﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﻮﺍﻁﻒ‪ ،‬ﻛﺬﻟﻚ‪ ،‬ﺍﻟﻌﻮﺍﻁﻒ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﺗﻨﺘﻈﻢ ﺣﻮﻝ ﻣﺜﻞ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻌﻴﻦ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻟﺬﺍﺕ‪" .‬ﻓﺎﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻌﺮﻑ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻌﻮﺍﻁﻒ ﻭﺍﻻﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﺴﺎﻏﺔ"‪..‬‬
‫ﻭﻗﺪ ﻳﺴﺄﻝ ﺳﺎﺋﻞ‪ :‬ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻫﻲ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻌﻮﺍﻁﻒ ﺍﻻﺗﺠﺎﻫﺎﺕ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺷﻴﺎء‬
‫ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ؟ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮ ﺍﻟﻤﻮﺣﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻈﻤﻬﺎ؟ "ﺇﻧﻪ ﻫﻮ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺷﻴﺎء ﺗﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﻏﺮﺽ‬
‫ﻣﺸﺘﺮﻙ" ﻭﻧﺤﻦ ﻧﺴﻤﻴﻬﺎ "ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ" ﻷﻧﻪ ﻫﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻛﻠﻪ‪ ،‬ﻟﻚ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﻈﻢ ﻓﻲ‬
‫ﻛﻞ‪ ،‬ﺏﻧﺎء ﻋﻠﻢ ﺍ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺕ ﻋﺎﻣﺔﻭﻏﺮﺽ ﻣﺸﺘﺮﻙ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺷﻲء ﻭﺍﺣﺪ ﻻﻧﻬﺎ ﺗﻌﻤﻞ ﻛﺸﻲء ﻭﺍﺣﺪ‬
‫ﺷﻜﻞ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ‪ ،‬ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺮﻛﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻌﻤﻞ ﻣﻌﺎ ً ﻟﻐﺮﺽ ﻣﺸﺘﺮﻙ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺤﻖ‬
‫ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻛﺎﺋﻨﺎ ً ﺣﻴﺎ ً‪ .‬ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺨﻼﻳﺎ ﻓﻲ ﺃﻋﻀﺎء ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﺮﺋﺘﻴﻦ ﺗﺆﺩﻱ‬
‫ﻭﻅﻳﻔﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ‪ ،‬ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺗﻌﻤﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﻋﻀﺎء ﻣﻌﺎ ً ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻢ‪ ،‬ﻭﺑﻬﺬﺍ ﻧﻜﻮﻥ ﻛﺎﺋﻨﺎ ً ﺣﻴﺎ ً ﻓﻲ ﻭﺣﺪﺓ‪ ،‬ﻭﺯﻳﺎﺩﺓ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﻓﺈﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﺍﺟﺘﻤﻊ ﻋﺪﺩ ﺿﺨﻢ ﻣﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺫﻭﻱ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺕ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ‪ ،‬ﻭﺃﺗﺼﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ‬
‫ﻷﻏﺮﺍﺽ ﻋﺎﻣﺔ ﻭﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ‪ .‬ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﻥ ﻣﻨﻈﻤﺔ ﻧﺴﻤﻴﻬﺎ ﺍﻷﻣﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻷﻣﺔ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺔ‬
‫"ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻔﺮﺩ " ﻣﻦ‬ ‫ﺍﻷﺧﺮﻯ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺠﺮﺩ ﺗﺠﻤﻊ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻳﻈﻠﻮﻥ ﺃﻣﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ‪ ،‬ﻭﻧﺠﺪ‬
‫"ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻔﺮﺩ " ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ‬ ‫ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻣﻌﺎً‪ ،‬ﺛﻢ ﺇﻥ ﻫﺆﻻء ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻳﻈﻠﻮﻥ ﺃﻣﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ‪ ،‬ﻭﻧﺠﺪ‬
‫ﺍﻟﺴﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ‪ ،‬ﺗﺘﺮﻛﺐ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﻋﺪﺩ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻁﻒ ﻭﺍﻻﺗﺠﺎﻫﺎﺕ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺗﺮﻛﺒﺖ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺷﻴﺎء‬
‫ﻭﺣﺪﻫﺎ‪ ،‬ﻛﺎﻥ ﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﻮﺍﻁﻒ ﻭﺍﻻﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺕ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ‪،‬‬
‫"ﺍﻟﺬﺍﺕ "‪ ،‬ﺇﻥ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺗﺘﺴﻖ‬ ‫ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﻌﻤﻞ ﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻨﻈﻤﺔ ﻧﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ‬
‫ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﺷﻴﺌﺎ ً ﻭﺍﺣﺪﺍً‪ ،‬ﻻﻧﻬﺎ ﺗﻌﻤﻞ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻟﻴﺲ ﻏﻴﺮ‪ ،‬ﻭﺇﻻ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻨﺤﻞ ﻭﺗﺘﻔﻜﻚ ﺇﺫﺍ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻋﻦ‬
‫ﺍﻟﺴﻌﻲ ﺇﻟﻰ ﻏﺮﺽ ﻣﺸﺘﺮﻙ؛ ﻓﻬﺬﺍ ﻫﻮ "ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﺍﻟﻤﻮﺣﺪ " ﺇﻥ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻭﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺳﻮﻑ ﻧﻄﻠﻖ "ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ" ﻋﻠﻰ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻫﺬﻩ‪ ،‬ﻓﺎﻹﺭﺍﺩﺓ ﻫﻲ ﻧﺸﺎﻁ ﺍﻟﺬﺍﺕ؛ ﻫﻲ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻣﺘﺤﺮﻛﺔ؛‬
‫ﻫﻲ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻋﺎﻣﻠﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻙﺍﺋﻨﺎ ً ﺣﻴﺎ ً‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻮﺍﻁﻒ ﻭﺍﻻﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﺴﺎﻏﺔ ﺗﺘﺼﻞ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ‪ ،‬ﻭﺗﺘﻤﺎﺳﻚ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﺍﻟﺬﺍﺕ‪ ،‬ﻭﺇﻥ‬
‫ﻧﺸﺎﻁ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﺠﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻧﺴﻤﻴﻪ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ‪.‬‬
‫ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ‪) :‬ﺹ‪.(۱۰٥ :‬‬
‫"ﻗﻠﻨﺎ‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻮﺍﻁﻒ ﻭﺍﻻﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﺗﻨﻈﻢ ﻣﻌﺎ ً ﻟﺘﻜﻮﻥ "ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ"‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻖ ﺃﻥ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺬﺍﺕ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ‪ ،‬ﻛﺎﻟﻌﻘﺪ ﻭﺍﻟﻐﺮﺍﺋﺰ ﺍﻟﻤﻘﻤﻮﻋﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﻭﺗﻘﻮﻡ ﺑﻮﻅﻴﻔﺘﻬﺎ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ‬
‫ﺍﻟﺬﺍﺕ‪.‬‬
‫ﺇﻧﻨﺎ ﻧﻄﻠﻖ "ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ" ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﺤﺮﻙ ﻣﺘﺠﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻛﺘﻤﺎﻟﻬﺎ "ﻓﺎﻹﺭﺍﺩﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﺬﺍﺕ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ ﻋﺎﻣﻠﺔ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺬﺍﺗﺖ ﻣﺘﺤﺮﻛﺔ"‪.‬‬
‫ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻐﺮﺍﺋﺰ ﻭﺍﻟﻌﻘﺪ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺴﻤﻰ ﺍﻧﺪﻓﺎﻋﺎﺕ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻌﻤﻞ ﻭﺗﻘﻮﻡ ﺑﻮﻅﻴﻔﺘﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﻟﻺﺭﺍﺩﺓ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ "ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ " ﺃﻭ ﻧﺸﺎﻁﻬﺎ ﻳﻠﻘﻲ ﺿﻮ ًء ﻋﻠﻰ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﻤﺸﻜﻼﺕ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻹﺭﺍﺩﺓ‪.‬‬

‫‪139‬‬
 ‫)‪ (۱‬ﻓﺄﻭﻝ ﻣﺎ ﻳﻼﺣﻆ ﺃﻥ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﺷﻴﺌﺎ ً ﻟﻪ ﻭﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﺣﺪ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻭﻅﻴﻔﺔ‪ ،‬ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺃﻭ‬
‫ﻧﺸﺎﻁﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺳﻠﻄﺔ ﻣﺴﺘﺒﺪﺓ ﺗﺴﺘﻐﺮﻕ ﻓﻲ ﺑﺮﺟﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﺟﻲ‪ ،‬ﻭﺗﺼﺪﺭ ﺍﻷﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻟﺘﻨﺼﺎﻉ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﺬﺍﺕ؛ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻫﻲ ﺑﺎﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺬﺍﺕ‪ .‬ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻭﻅﻴﻔﺔ ‪ ...‬ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﺬﺍﺕ‪،‬‬
‫ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻬﻀﻢ ﺗﻤﺎﻣﺎ ً ﻓﻲ ﺃﻧﻪ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﻌﺪﺓ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺣﻴﻮﻳﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺬﺍﺕ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﺑﺪﻭﻧﻪ ﺍ ﺗﺘﻮﻗﻒ‬
‫ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻋﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺫﺍﺗﺎً‪ ،‬ﻭﺍﻟﺬﺍﺕ ﻻ ﺗﺤﻘﻖ ﺗﻤﺎﺳﻜﻬﺎ ﻭﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﺇﻻ ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺗﻌﻤﻞ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﺘﻤﺎﺳﻚ‬
‫ﻭﻳﻠﺘﺤﻢ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﻣﺘﻰ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﻧﺸﺎﻁ ﻋﺎﻡ ﻭﻏﺮﺽ ﻣﺸﺘﺮﻙ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺔ‬
‫ﺟﻤﻴﻌﺎ ً ً◌ ً◌ ً◌ ً◌ ً◌ ً◌ ً◌ ً◌ ً◌ ً◌ ً◌ ً◌ ً◌‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﺗﻮﻗﻒ ﺭﺟﻞ ﻋﻦ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﻓﺈﻥ ﺫﺍﺗﻪ ﺗﺄﺧﺬ ﻓﻲ ﺍﻷﻧﺤﻼﻝ‬
‫ﻭﺗﺴﺎﻗﻂ ﻛﺸﻔﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻮﺭ‪.‬‬
‫)‪ (۲‬ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻛﻠﻪ‪ ،‬ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺰء ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻈﻢ ﻣﻨﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﺍﻟﺬﺍﺕ‬
‫ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬ﻭﺇﺫﻥ ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻨﺜﻨﻰ ﻣﻦ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻭﻫﻮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺤﻴﺖ ﻋﻦ ﺍﻟﺬﺍﺕ‪ ،‬ﻭﻧﻌﻨﻲ‬
‫ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﺪ ﺍﻟﻤﻜﺒﻮﺗﺔ ﻭﺍﻟﻐﺮﺍﺋﺰ ﺍﻟﻤﻘﻤﻮﻋﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻝﻋﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻤﻨﺤﺎﺓ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺼﻄﺒﻐﺔ ﺑﻠﻮﻥ ﺍﻧﻔﻌﺎﻟﻲ ﻗﻮﻱ‪،‬‬
‫ﻭﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﻣﻀﺎﺩ ﻟﻠﺬﺍﺕ ﻭﺗﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻧﺴﻤﻴﻪ‬
‫"ﺍﻹﻧﺪﻓﺎﻋﺎﺕ" ﻓﺎﻹﺭﺍﺩﺓ ﻧﺸﺎﻁ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺃﻣﺎ ﺍﻹﻧﺪﻓﻌﺎﺕ ﻓﻬﻲ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺍﻟﻌﻘﺪ ﻭﺍﻟﻐﺮﺯﺍﺋﺰ ﺃﻭ ﻧﺸﺎﻁﻬﺎ‪.‬‬
‫)ﺹ‪" :(۱۰۸‬ﻭﻳﺤﺪﺙ ﺿﻌﻒ ﺍﻻﺭﺍﺩﺓ ﻭﺧﻮﺭﻫﺎ ﻋﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﺤﺎﻟﺘﻴﻦ"‪.‬‬
‫)‪ (۱‬ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺜﺎﺭ ﺍﻟﻌﻘﺪ ﺃﻭ ﺍﻟﻐﺮﺍﺋﺰ ﺇﺛﺎﺭﺓ ﻣﻔﺮﻁﺔ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻄﺎﺭﺩﻧﺎ ﺛﻮﺭ‪ ،‬ﻋﻨﺪﺋﺬ ﺗﻨﺒﻌﺚ‬
‫ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﺍﻧﺒﻌﺎﺛﺎ ً ﻫﺎﺋﻼً ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﺒﻪ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﺍﻧﻬﺎ ﻟﺘﻄﻐﻰ ﻋﻠﻰ "ﺍﻟﺬﺍﺕ " ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻀﺎءﻝ ﺗﺄﺛﺮﻫﺎ ﺑﻤﺜﻠﻬﺎ‬
‫ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺠﺎﻋﺔ‪..‬‬
‫ً‬
‫)‪ (۲‬ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻨﺒﻌﻪ ﻟﻠﺬﺍﺕ ﻭﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺧﻔﻴﻔﺎ‪ ،‬ﻣﺜﺎﻝ ﺫﻟﻚ ﻣﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻄﻼﺕ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﻱ‬
‫ﺑﺎﻋﺚ ﻳﺸﺨﺬ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻭﻳﻠﻬﻤﻬﺎ‪.‬‬
‫)ﺹ‪ :(۱۱۲‬ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﻣﻨﺒﻬﺎ ً ﻟﻺﺭﺍﺩﺓ‪:‬‬
‫"ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻨﺒﻪ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻟﺘﻨﺸﻴﻂ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺇﺫﻥ؟ ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺜﻴﺮ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺑﻤﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ‪ ،‬ﻭﻳﺆﺩﻱ ﺍﺣﺘﺠﺎﺑﻪ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺿﻌﻔﻬﺎ؟ ﺇﻧﻨﺎ ﻧﺴﺘﻌﻤﻞ )ﺍﻟﻤﻨﺒﻪ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ( ﺑﻜﻞ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻨﻔﺲ‪ ،‬ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﺒﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻜﻮﻥ‬
‫ﺍﻋﻀﺎء ﺍﻟﺤﺲ ﻣﻬﻴﺄﺓ ﻟﻼﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻪ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻤﻨﺒﻪ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻟﻺﺑﺼﺎﺭ ﻫﻮ ﻣﻮﺟﺎﺕ ﺍﻷﺛﻴﺮ ﺍﻟﻤﻮﺻﻠﺔ ﻟﻠﻀﻮء‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﻤﻨﻪ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻟﻠﺴﻤﻊ ﻣﻮﺟﺎﺕ ﻫﻮﺍﺋﻴﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻨﺒﻪ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻟﻠﺸﻢ ﺫﺭﺍﺕ ﻋﻄﺮﺓ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻫﻴﺌﺔ‬
‫ﻏﺎﺯﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻨﺒﻪ ﺍﻟﻤﻨﺎ ﺳﺐ ﻟﻠﺬﻭﻕ ﻣﻮﺍﺩ ﻳﺤﺪﺙ ﺍﺗﺼﺎﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﻠﻴﻤﺎﺕ ﺍﻟﺬﻭﻗﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺤﻠﻖ ﺗﻐﻴﺮﺍً‬
‫ﻛﻴﻤﻴﺎﻭﻳﺎ ً ﻣﻌﻴﻨﺎً‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻳﺼﺪﻕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻐﺮﺍﺋﺰ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻤﻨﺒﻪ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱ ﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﺍﻻﺳﺘﻄﻼﻉ ﻫﻮ ﺃﻱ ﺷﻲء‬
‫ﻏﺮﻳﺐ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻨﺒﻪ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱ ﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﺍﻟﻬﺮﺏ ﻫﻮ ﺃﻱ ﺷﻲء ﺧﻄﺮ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻨﺒﻪ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱ ﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﺍﻷﻣﻮﻣﺔ ﻫﻮ ﺃﻱ‬
‫ﺿﻌﻴﻒ ﻻ ﺣﻮﻝ ﻟﻪ‪ ،‬ﻭﻟﻠﻌﻘﺪ ﻣﻨﺒﻬﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺃﻳﻀﺎ ً ‪ :‬ﻭﻗﺪ ﺗﺜﻴﺮﻫﺎ ﺃﺷﻴﺎء ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﻬﺎ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁﺎ ﻣﺎ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟﺰﻫﺮﺓ ﺍﻟﺤﻤﺮﺍء ﻣﺜﻼً ﻗﺪ ﺗﺤﺪﺙ ﺻﺪﺍﻋﺎ ً ﻣﺮﺿﻴﺎً‪ ،‬ﻭﺻﻚ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻗﺪ ﻳﺴﺒﺐ ﺭﺟﻔﺔ ﺃﻭ ﺍﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ‪.‬‬
‫ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻐﺮﺍﺋﺰ ﻭﺍﻟﻌﻘﺪ ﻗﺪ ﺗﺜﻴﺮﻫﺎ ﺃﺷﻴﺎء ﻣﻌﻴﻨﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻣﻨﺒﻬﺎﺕ ﺧﺎﺻﺔ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺇﺛﺎﺭﺓ ﺍﻟﺬﺍ ﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ‬
‫ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﻣﻤﺜﻼً ﻓﻲ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻨﺒﻪ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻟﻺﺭﺍﺩﺓ؟ ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺇﺛﺎﺭﺗﻬﺎ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ؟‬
‫"ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻨﺒﻪ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻟﻺﺭﺍﺩﺓ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻨﺒﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻠﺢ ﻹﺛﺎﺭﺓ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺑﺼﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ‪ ،‬ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺜﻞ‬
‫ﺍﻷﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﺸﻲء ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺤﻘﻖ ﺍﻝﻛﺎﻣﻞ ﻟﻠﻔﺮﺩ ﻛﻠﻪ"‪.‬‬
‫ﺹ ‪ :۱۲۰‬ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻷﻋﻠﻰ‪:‬‬
‫"ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻫﻮ ﺃﻗﻮﻯ ﻋﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺧﻠﻖ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻓﻲ ﺗﻌﻴﻴﻦ ﻣﺴﻠﻜﻪ‪ ،‬ﻭﻷﻧﻪ ﻫﻮ ﻭﺣﺪﻩ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﻨﺒﻴﻪ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ‪ ،‬ﻭﺗﻨﻈﻴﻢ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻐﺮﺍﺋﺰ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﺘﻨﺎﻏﻢ ﻣﺘﻮﺍﻓﻖ ﻭﺑﺪﻭﻧﻪ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺗﺤﺖ‬
‫ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺸﻮﺷﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﺛﻬﺎ ﺍﻟﻐﺮ ﺍﺋﺰ ﺍﻟﻤﺼﻄﺮﻋﺔ‪ ،‬ﻭﺑﻪ ﺗﻠﺘﺤﻢ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ‬
‫ﻭﺗﺘﻤﺎﺳﻚ ﻣﺘﺠﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﻏﺮﺽ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﺸﺘﺮﻙ ‪" .‬ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺪﺙ ﺑﻠﻮﻏﻪ ﺍﻻﻛﺘﻤﺎﻝ ﻭﺗﺤﻘﻖ‬
‫ﺍﻟﺬﺍﺕ" ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺒﻪ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻮﺭ‪ ،‬ﻭﻳﻘﺮﺭ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﻭﻧﻮﻋﺔ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻷﻋﻠﻰ‬

‫‪140‬‬
 ‫ﺍﻟﺼﺎﺋﺐ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺫ ﻟﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺟﻠﺐ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻖ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﺑﺎﺟﺘﺬﺍﺏ ﺍﻻﻧﻔﻌﺎﻻﺕ‬
‫ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﻳﺔ ﺟﻤﻴﻌﺎً‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺑﺎﺳﺘﺜﺎﺭﺓ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﻏﺮﺽ ﻣﺸﺘﺮﻙ ﺃﻥ ﻳﺼﺐ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻩ‬
‫ﻭﺣﺪﺓ ﺳﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻓﻲ ﻗﺎﻟﺐ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻀﻤﻦ ﺗﺤﻘﻖ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺈﺷﺒﺎﻉ ﺍﻟﺴﻌﻲ‬
‫ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻛﺘﻤﺎﻝ" ﺇﻫـ‪.‬‬
‫ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻣﺎ ﻣﺮ ﻻﺣﻈﻨﺎ ﺇﺫﻥ ﺇﻥ ﻛﻞ ﻋﻤﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺠﺢ ﺃﻭ ﻳﻨﺠﺰ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﻮﻓﺮ ﻋﺎﻣﻠﻴﻦ ﺃﺳﺎﺳﻴﻴﻦ ﻳﺘﻌﻠﻘﺎﻥ‬
‫ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻫﻤﺎ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ ﻭﻳﻀﺎﻑ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﻓﺌﺔ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺳﻮﺍء ﻛﺎﻥ ﺩﻧﻴﻮﻳﺎ ً ﻓﻲ ﺇﻧﺠﺎﺯ ﺃﻱ ﺷﻲء ﺃﻭ ﺃﺧﺮﻭﻳﺎ ً ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻗﺒﻮﻟﻪ ﻋﻨﺪ ﷲ )ﺍﻹﺧﻼﺹ ﻓﻴﻪ ﻭﻻ‬
‫ﻳﻘﺒﻞ ﷲ ﻋﻤﻼً ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺧﺎﻟﺼﺎ ً ﻟﻮﺟﻬﻪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ‪ ،‬ﻭﺻﻮﺍﺑﺎ ً ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺷﺮﻋﻬﺎ ﺍﻹﺳﻼﻡ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟﺼﻼﺓ ﻭﻫﻲ ﻋﻤﻞ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﺨﻠﺺ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻟﻨﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﷲ ﻻ ﺗﺼﺢ‪ ،‬ﻭﺇﺫﺍ ﺻﻠﺤﺖ ﻧﻴﺘﻪ ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻤﺎﺭﺳﻬﺎ‬
‫ﻛﻤﺎ ﺷﺮﻋﻬﺎ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻣﻦ ﻗﻴﺎﻡ ﻭﻗﻌﻮﺩ ﻭﺭﻛﻮﻉ ﻭﺳﺠﻮﺩ ﻭﻗﺮﺍءﺓ ﻟﻢ ﺗﺘﻘﺒﻞ ﻣﻨﻪ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺳﻤﺎﻫﺎ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎء‬
‫ﻓﺮﻭﺽ ﺍﻟﺼﻼﺓ(‪.‬‬
‫ﻭﺍﻵﻥ ﻟﻨﺒﺤﺚ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻧﻌﻜﺎﺳﺎﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ‪ ،‬ﺃﻱ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﻭﺣﺪﺓ‬
‫ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻵﻥ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻗﻤﻨﺎ ﺑﺘﺤﻠﻴﻠﻬﺎ‪.‬‬
‫ﺫﻛﺮﻧﺎ ﺃﻧﻨﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺮﻯ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎ ً ُ◌ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻣﺮﺍ ﻭﻻ ﻳﺘﺤﻘﻖ‪ ،‬ﻟﻪ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺍﺣﺘﻤﺎﻻﺕ‪:‬‬
‫ً‬
‫‪۱‬ـ ﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻝ ﺍﻷﻭﻝ ﻋﺪﻡ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺑﺎﻷﺻﻞ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻳﺪﻋﻲ ﺇﺭﺍﺩﺗﻬﺎ‪.‬‬
‫‪۲‬ـ ﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻣﺘﻮﻓﺮﺓ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻣﻔﻘﻮﺩﺓ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ )ﺍﻟﺒﻜﺎﺅﻭﻥ ﺍﻟﺴﺒﻌﺔ( ﻓﻲ ﻏﺰﻭﺓ ﺗﺒﻮﻙ‪.‬‬
‫‪۳‬ـ ﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻝ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻣﺮﻳﻀﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﻌﻮﻗﺎﺕ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ‪ .‬ﻣﻊ ﺗﻮﻓﺮ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ‪.‬‬
‫‪٤‬ـ ﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻝ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ‪ :‬ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻣﺘﻮﻓﺮﺓ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻌﻮﻗﺎﺕ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻡ ﻉ ﺗﻮﻓﺮ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ‪ .‬ﺇﺫﻥ ﻓﺄﻣﺎﻣﻨﺎ‬
‫ﻗﺴﻤﺔ ﺭﺑﺎﻋﻴﺔ ﻭﺃﺣﻮﺍﻝ‪..‬‬
‫)ﺃ( ﻭﺟﻮﺩ ﻗﺪﺭﺓ ﻭﺇﺭﺍﺩﺓ )ﺏ( ﻋﺪﻡ ﻭ ﺟﻮﺩ ﻗﺪﺭﺓ ﻭﺇﺭﺍﺩﺓ )ﺝ( ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺑﺪﻭﻥ ﻗﺪﺭﺓ )ﺩ( ﻗﺪﺭﺓ ﺑﺪﻭﻥ ﺇﺭﺍﺩﺓ‪.‬‬
‫‪ ۱‬ـ ﻓﺎﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻳﻮﺟﺪ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺇﻁﻼﻗﺎ ً‪.‬‬
‫‪ ۲‬ـ ﻭﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺍﻧﺘﻔﺎء ﻛﻼ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻓﻼ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻣﻄﻠﻘﺎ ً‪،.‬‬
‫‪ ۳،٤‬ـ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻭﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻻ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺃﻳﻀﺎ ً ﺑﺎﻧﺘﻔﺎء ﺃﺣﺪ ﺍﻟﺸﺮﻁﻴﻦ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﻴﻦ ﻟﺘﺤﻘﻖ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪.‬‬
‫ﺃﻣﺎ ﻋﺎﻣﻞ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻓﻬﻮ ﺃﻣﺮ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻞ ﺑﻈﺮﻭﻑ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪..‬‬
‫ﺇﺫﻥ ﻓﻌﺪﻡ ﺗﺤﻘﻖ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻫﻮ ﺇﻣﺎ ﺑﺎﻧﺘﻔﺎء ﺍﻟﺸﺮﻁﻴﻦ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﻴﻦ ﺃﻭ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ‪ ..‬ﻭﻳﻠﺤﻖ ﺑﻬﺬﺍ ﺗﻮﻓﺮ ﺍﻟﺸﺮﻁﻴﻦ‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺗﺤﻘﻖ ﺍﻟﺸﺮﻁ ﻓﻴﻜﻒ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﺤﻘﻖ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻗﺒﻞ ﻗﻠﻴﻞ‪.‬‬
‫ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﻗﻠﻨﺎ‪ :‬ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ‪ +‬ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ = ﺍﻟﻌﻤﻞ‪.‬‬
‫ﺣﺮﻛﺔ‬ ‫ﻭﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﻀﻊ ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺣﺮﻛﻴﺔ ﻭﻫﻲ‪ :‬ﺇﺧﻼﺹ ‪ +‬ﻭﻋﻲ‬
‫ﻭﻧﻼﺣﻆ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺃﻧﻪ ﺍ ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﻋﻜﻮﺳﺔ‪ ،‬ﺃﻱ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺗﻌﻜﺲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻓﺘﺰﻳﺪﻫﺎ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻹﺧﻼﺹ ﻓﺘﻨﻤﻴﻪ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻋﻼﻗﺔ ﺟﺪﻟﻴﺔ ﺗﺴﺨﻴﺮﻳﺔ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺃﻁﺮﺍﻑ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻟﺔ‪ ..‬ﻓﺎﻹﺧﻼﺹ ﻟﻮﺣﺪﺓ ﻻ‬
‫ﻳﻘﻮﺩ ﻟﺤﺮﻛﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻮﻋﻲ ﻟﻮﺣﺪﻩ ﻻ ﻳﻘﻮﺩ ﻟﺤﺮﻛﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﺗﻮﻓﺮ ﺍﻟﺸﺮﻁﻴﻦ ﻳﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺗﻮﻓﺮ‬
‫ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻭﻟﻤﺎ ﺗﻮﻟﺪ ﺍﻝﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﺗﻌﻜﺲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻭﻁ ﺗﻜﻮﻧﻴﻬﺎ ﻓﺘﻌﻤﻘﻬﺎ ﻭﺗﻄﻮﺭﻫﺎ‬
‫ﺃﻛﺜﺮ‪..‬‬
‫ﻭﺍﻟﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺿﻮء ﺍﻟﺪﺭﺍﺟﺔ ﺍﻟﻨﺎﺭﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺤﺮﻛﺔ ﺗﻤﻠﺊ ﺍﻟﺒﻄﺎﺭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺪ ﻣﺼﺒﺎﺡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ‬
‫ﺑﺎﻟﻀﻮء‪ ،‬ﻭﺧﻼﻝ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﻻ ﺣﺮﻛﺔ ﻟﻠﺴﻴﺎﺭﺓ ﺑﺪﻭﻥ ﻛﻬﺮﺑﺎء‪ ،‬ﻭﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ﺗﻨﻔﺬ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺮﻛﺔ ﺗﻤﻠﺊ‬
‫ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻓﻪ ﻱ ﺣﻠﻘﺔ ﻣﺘﺮﺍﺑﻄﺔ‪ ،‬ﻭﻣﻦ ﻳﻘﻮﺩ ﺍﻟﺪﺭﺍﺟﺔ ﺍﻟﻨﺎﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻀﻮء ﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺤﺮﻛﺔ‬
‫ﺍﻟﺪﺭﺍﺟﺔ ﻭﺳﺮﻋﺘﻬﺎ ﺃﻭ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺭﺍﺟﺔ ﺍﻟﻌﺎﺩﻳﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﺤﺮﻙ ﻳﻨﻘﺪﺡ ﺍﻟﻀﻮء ﻓﻴﺮﻯ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ‬
‫ﺭﺃﻱ ﺗﺤﺮﻙ‪ ،‬ﻭﺇﺫﺍ ﺗﺤﺮﻙ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﺗﺄﻟﻖ ﺍﻟﻀﻮء ﺃﻛﺜﺮ ﻓﺄﺑﺼﺮ ﺃﻛﺜﺮ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺗﻮﺿﺤﺖ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺃﻣﺎﻣﻪ ﺃﻛﺜﺮ‬
‫ﺗﺤﺮﻙ ﺃﻛﺜﺮ ﻭﻫﻜﺬﺍ‪ ،‬ﻓﺘﺼﺒﺢ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺘﻌﺎﻛﺴﻴﺔ ﺗﺼﺎﻋﺪﻳﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ ً ﻛﻤﺨﻄﻂ ﺣﻠﺰﻭﻧﻲ ﺻﺎﻋﺪ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺫﺭﻭﺗﻪ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺮﻋﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ ﻭﺍﻟﻨﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ ﻓﻴﺘﺎﺑﻊ ﻁﺮﻳﻘﻪ‪ ،‬ﻭﻓﻲ‬

‫‪141‬‬
 ‫ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﻳﺘﻀﺢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺃﺛﻨﺎء ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻀﺒﺎﺏ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﻳﻘﻊ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﺟﻴﺪﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻱ ﺳﺘﻄﻴﻊ‬
‫ﺍﻟﺴﺎﺋﻖ ﺷﻖ ﻁﺮﻳﻘﺔ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﻣﻀﺒﺒﺔ ﺃﺑﻄﺄﺕ ﺳﺮﻋﺘﻪ ‪ .‬ﻓﻤﻊ ﻭﺿﻮﺡ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺗﻤﺸﻲ‬
‫ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺑﺠﺮﺃﺓ ﻭﺳﺮﻋﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﻣﻊ ﺿﺒﺎﺏ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ‪.‬‬
‫‪ :‬ﺇﺫﺍ ﺧﻔﺖ‬ ‫ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺨﻄﻂ ﺍﻟﺤﻠﺰﻭﻧﻲ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﻋﻜﺴﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺭﺍﺟﺔ ﺍﻟﻌﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻨﺎﺭﻳﺔ‪ ،‬ﺃﻱ‬
‫ً‬
‫ﺍﻟﺴﺮﻋﺔ ﺿﻌﻔﺖ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻌﻜﺲ ﺏﺩﻭﺭﻫﺎ ﻟﺘﺨﻔﻒ ﺍﻟﺴﺮﻋﺔ ﺑﻀﻐﻂ ﺍﻟﻔﺮﺍﻣﻞ ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ‪،‬‬
‫ﻭﻫﺬﻩ ﺑﺘﻠﻚ ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﺍﻟﺼﻔﺮ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﻣﺜﻞ ﻫﻮﺭﻣﻮﻧﻲ ﺃﻳﻀﺎ ً ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺻﻌﺒﺎ ﻟﻤﻦ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﻄﺐ‪ ،‬ﺳﻬﻼ ﻟﻤﻦ ﺩﺭﺱ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﻭﺍﺣﺘﺮﻑ ﺍﻟﻄﺐ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻐﺪﺓ ﺍﻟﻨﺨﺎﻣﻴﺔ ﻣﻊ ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﻐﺪﺩ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘﻮﺍﺯﻥ ﺍﻟﻘﺎﺋﻢ ﻣﺪﻫﺶ ‪ .‬ﻓﺎﻟﻐﺪﺓ ﺍﻟﻨﺨﺎﻣﻴﺔ‬
‫ﺗﺤﺮﺽ ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﻐﺪﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﺎﻭﺏ ﻣﻌﻬﺎ ﺗﺼﻌﺪ ﻓﻲ ﺍﻹﻓﺮﺍﺯ ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ‬
‫ﺣﺼﻞ ﺗﺜﺒﻴﻂ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺃﻥ ﺣﺮﻛﺔ ﻛﻞ ﻏﺪﺓ ﻫﻲ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻊ ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﻐﺪﺩ‪ .‬ﻯ‬
‫ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺸﻬﻴﺔ ﻭﺍﻟﻄﻌﺎﻡ‪ ،‬ﻓﻘﻠﺔ ﺍﻟﺸﻬﻴﺔ ﺗﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻴﻘﻞ ﺗﻨﺎﻭﻟﻪ ﻟﻠﻄﻌﺎﻡ ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ‬
‫ﻗﻞ ﺯﺍﺩ ﻧﻘﺺ ﺷﻬﻴﺔ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺯﺍﺩ ﻧﻘﺺ ﺗﻨﺎﻭﻟﻪ ﻟﻠﻄﻌﺎﻡ ﺃﻛﺜﺮ ﻭﻫﻜﺬﺍ ‪ ..‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻟﻨﺠﺎﺡ ﻳﻮﻟﺪ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻔﺸﻞ‬
‫ﻳﻮﻟﺪ ﺍﻟﻔﺸﻞ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻮﺍﺯﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺼﻴﻠﺔ ﺍﻟﺴﻮﻳﺔ ‪ ..‬ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻳﺴﻮﺩ ﻗﻄﺎﻋﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ‪ ،‬ﻣﺜﻞ ﺁﺧﺮ ﻫﻮ ﺣﺮﻛﺔ‬
‫ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﺑﻴﻦ ﻣﺮﺿﺎﻩ ﻭﻛﺘﺒﻪ ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻧﻤﺎﺫﺝ‪ ،‬ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺘﺮﻙ ﺍﻟﻤﺮﺿﻰ ﻭﺍﻟﻜﺘﺐ ﻓﻴﺘﺮﻙ ﺍ ﻟﻤﻬﻨﺔ ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻣﻨﻬﻢ‬
‫ﻣﻦ ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺮﺿﻰ ﻓﻘﻂ ﻓﻴﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﻤﺮﺽ !!‪ ،‬ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻊ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﻓﻘﻂ ﻓﻴﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ‬
‫ﻧﻈﺮﻱ‪ ،‬ﻭﻛﻼ ﺍﻟﻨﻤﺎﺫﺝ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﻤﺮﺽ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﺤﻲ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺠﺢ ﻓﻲ‬
‫"ﺗﻮﺗﺮ ﺣﻲ ﻣﻨﺎﺳﺐ ‪ :‬ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﻭﺍﻟﻤﺮﺿﻰ‪ ،‬ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻳﺔ‬ ‫ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ‬
‫ﻭﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮﺓ‪ ،‬ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ ﻭﺍﻟﺨﺎﺭﺝ‪ ،‬ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﺣﺮﻛﺘﻪ ﻣﻨﺬ ﺯﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ‪ ،‬ﻭﺍﻧﻌﻜﺲ ﻫﺬﺍ ﻋﻠﻰ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﻗﺪﻭﻡ‬
‫ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﺃﻛﺒﺮ ﺩﻟﻴﻞ ﺻﺎﺭﺥ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻗﺪ ﺗﺨﻠﻔﺖ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺗﺪﻭﺭ ﺣﻮﻝ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ‬
‫ﺃﻳﻀﺎ ً‪.‬‬
‫ﻭﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺥﺭﻯ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻻ ﻳﻤﺸﻲ ﺳﻮﻳﺎً‪ ،‬ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻣﻜﺒﺎ ً ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﻪ‪ .‬ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺒﻨﻲ‬
‫ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﻗﺎﺻﺮﺓ‪ ،‬ﻭﻟﻢ ﻳﺒﻘﻰ ﻟﻪ ﺇﻻ ﺭﺻﻴﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ ﺭﻏﺒﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻭﻫﺬﻩ‬
‫ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﻣﻌﺮﺿﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻟﺨﻄﺮ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ‪..‬‬
‫ﻓﺈﺫﺍ ﺗﺒﻴﻦ ﻫﺬﺍ ﻭﺟﺐ ﺃﻥ ﻧﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﻘﻄﺘﻴﻦ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻘﺺ ﺍﻵﻥ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ‬
‫ﺍﻟﻔﺎﺿﺢ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺣﻘﻨﻪ ﺑﺼﺪﻕ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻬﻮ ﻣﺼﺪﻕ ﺑﻬﺬﺍ ﺃﺻﻼً‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺃﻥ ﺍﻟﺰﺍﺩ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ‬
‫ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﺗﻌﺮﺽ ﻟﻨﻘﺺ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻓﻲ ﻟﻺﻗﻼﻉ ـ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺟﻨﺐ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻭﺇﺩﺧﺎﻟﻪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪ :‬ﺃﻥ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻄﺎﻏﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ﻓﻲ ﻗﻄﺎﻋﺎ ﺕ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﺘﺤﻤﺲ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻖ‬
‫ﺑﺎﻹﺳﻼﻡ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻗﻄﻌﻮﺍ ﺷﻮﻁﺎ ً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻭﺗﻤﺮﺳﻮﺍ‪ ،‬ﻭﺯﺍﺩﺕ ﺧﺒﺮﺗﻬﻢ‪ ،‬ﻭﺃﻛﺘﻤﻞ ﻭﻋﻴﻬﻢ‪ ،‬ﻭﻧﻀﺠﺖ‬
‫ﺍﻟﺤﻠﻮﻝ ﻓﻲ ﺃﺩﻣﻐﺘﻬﻢ‪ ،‬ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺤﺎﻝ ﺿﻐﻂ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﻤﺘﺤﻤﺴﺔ ﻋﺎﻣﻼً ﺣﺎﺳﻤﺎ ً ﻓﻲ ﺗﺒﻨﻲ‬
‫ﺍﻟﺮﺃﻱ ﻟﻠﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻹﺳﻼﻡ ﻭﺍﻹﺧﻼﺹ ﻟﻪ ﻗﺪ ﻳﻨﺸﺄ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻭﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ً ﺩﻓﻌﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺃﺛﺮ ﺧﺒﺮﺓ ﺍﻧﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﺎ‪ ،‬ﻭﺳﺤﺮﺓ‬
‫ﺳﻰ ﺳﺠﺪﻭﺍ ہﻠﻟ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻣﺮﺗﺰﻗﺔ ﻣﺄﺟﻮﺭﻳﻦ ﻗﺒﻞ ﻟﺤﻈﺎﺕ‪ ،‬ﻭﺁﺛﺮﻭﺍ‬
‫ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺑﺸﻌﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺘﻔﻘﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ‪ ،‬ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﻻﺳﺘﻨﻔﺎﺭ ﻭﺍﻋﻲ ﻁﻮﻳﻞ ﺍﻷﻣﺪ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻹﻥﺳﺎﻥ ﻫﻮ ﻣﺤﺼﻠﺔ ﺗﺮﺍﻛﻤﻴﺔ ﺑﻄﻴﺌﺔ‪ ،‬ﻭﻭﻋﻴﻪ ﻓﺒﻠﺤﻈﺔ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺠﻤﻮﻉ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ‬
‫ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻻ ﺗﺤﺪﺙ ﺍﻧﺘﺼﺎﺭﺍﺕ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﺑﻌﺼﺎ ﺳﺤﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺑﻠﺤﻈﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ‪ ،‬ﺑﻞ ﻫﻲ ﺣﺼﻴﻠﺔ‬
‫ﺗﺮﺍﻛﻤﻴﺔ ﺑﻄﻴﺌﺔ ﻫﻲ ﺧﻠﻔﻴﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﺣﺼﻠﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﻤﺘﺄﻟﻘﺔ ﺇﻻ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﺮﺍﻛﻢ ﻋﻤﻞ ﺳﺎﺑﻖ‪،‬‬
‫ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﺘﺐ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﻓﻬﻲ ﺟﻬﺪ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﺗﺮﺍﻛﻢ ﺧﺒﺮﺍﺕ ﻁﻮﻳﻠﺔ ﺍﻷﻣﺪ ﻣﻦ ﻗﺮﺍءﺓ ﻭﻛﺘﺎﺑﺔ‬
‫ﻭﻧﻄﻖ ﻭﺳﻤﺎﻉ ﻭﺇﻁﻼﻉ ﻭﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﻭﺧﺒﺮﺓ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺴﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺇﻧﺠﺎﺯﺍﺕ ﻋﻤﻼﻗﺔ ﻫﻜﺬﺍ ‪ .‬ﻭﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺑﺪﺭ ﻟﻤﺎ ﺣﻘﻖ ﻧﺼﺮﻩ ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﻛﺎﻥ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﻁﻮﻳﻠﺔ ﺍﺳﺘﻐﺮﻗﺖ ﻗﺮﺍﺑﺔ ﻋﻘﺪ‬

‫‪142‬‬
 ‫ﻭﻧﺼﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ‪ ،‬ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺮﻯ ﻗﻤﺔ ﺟﺒﻞ ﻓﻬﻮ ﻭﺍﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﻼﻳﻴﻦ ﺍﻷﻁﻨﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺏ‬
‫ﻭﻟﻴﺲ ﻗﻤﺔ ﻣﻌﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻮﺍء‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺷﻲء ﻣﻬﻢ ﻹﺩﺭﺍﻙ ﻣﺸﻜﻠﺘﻲ ﺍﻹﺧﻼﺹ ﻭﺍﻟﻮﻋﻲ‪ ،‬ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ‬
‫ﺍﻟﺨﻼﺹ ﻭﺣﺐ ﺍﻟﺸﻲء ﻗﺪ ﻳﺘﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪ ﺍﻷﻁﻔﺎﻝ ﺑﺸﻜﻞ ﻻ ﻭﺍﻋﻲ ﻳﻤﺘﺼﻮﻧﻪ ﺛﻘﺎﻓﻴﺎ ً ﺍﻣﺘﺼﺎﺻﺎ ً ﻏﻴﺮ ﻣﺪﺭﻛﺎ‪ً،‬‬
‫ﻭﻏﻴﺮ ﻭﺍﺿﺢ‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﺘﺸﻜﻞ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﻤﻴﻮﻝ ﻭﺍﻟﺤﺐ ﻭﺍﻟﻜﺮﻩ ﻟﻸﺷﻴﺎء ﺑﺨﻼﻑ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ ﺍﻟﻤﺘﺮﺍﻛﻢ‬
‫ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺳﻤﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻨﺎﺿﺞ‪ ..‬ﻭﺇﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻟﻌﺒﺮﺓ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﻔﻘﻬﺎء ﻗﺪﻳﻤﺎ ً ﺃﺩﺭﻛﻮﺍ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻋﺒﺮﻭﺍ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺘﻌﺒﻴﺮﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﻗﻀﻴﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﺃﻥ‬
‫ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﺔ ﻓﻬﻮ ﺗﺼﻮﺭ ﺁﺧﺮ ﺃﻳﺾ ﺍ ﺣﻴﺚ ﺃﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻳﺘﻌﻤﻖ ﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﺣﺮﻛﺘﻪ ﻭﻫﺬﺍ ﺑﺪﻭﺭﻩ‬
‫ﻳﻌﻤﻖ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ‪ ،‬ﻓﺈﺫﺍ ﺗﻌﻤﻖ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺃﻛﺜﺮ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻫﻜﺬﺍ‪.‬‬
‫ﺇﺫﻥ ﺑﻌﺪ ﺍﺳﺘﻌﺮﺍﺽ ﻣﺎ ﻣﺮ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺑﻠﻮﺭﺓ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ‪..‬‬
‫ﻭﺍﻟﻮﻋﻲ ﺇﻥ‬ ‫ﻧﺠﺎﺡ ﺃﻱ ﻋﻤﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﻭ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺗﻮﻓﺮ ﺷﺮﻁﻲ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺃﻭ ﺍﻹﺧﻼﺹ‬
‫ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﺘﺒﺎﺩﻟﺔ ﺳﻮﺍء ﺑﻴﻦ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﺸﺮﻁﻴﻦ‪ ،‬ﺃﻭ ﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﺸﺮﻁﻴﻦ ﻣﻊ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﺸﺮﻁﻴﻦ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‬
‫ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻓﻘﺮ ﺩﻡ ﺷﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻧﺨﻔﺎﺽ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻋﻨﺪﻩ‪ ،‬ﻭﻧﻘﺺ ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺪﺧﻠﻪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ‬
‫ﻓﺈﺭﺍﺩﺗﻪ‬ ‫ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻧﺨﻔﺎﺽ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻹﺧﻼﺹ ﻋﻨﺪﻩ ﺃﻭ ﻣﺎ ﺳﻤﻴﻨﺎﻩ ﻣﺮﺽ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ‬
‫ﻟﻺﺳﻼﻡ ﻣﺎ ﻣﺎﺗﺖ ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺮﺿﺖ‪..‬‬
‫ﺗﺼﺤﻴﺢ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻫﻲ ﺗﻨﺸﻴﻂ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ‪ ،‬ﻭﺭﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻋﻨﺪﻩ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺘﻄﻠﺐ‬
‫ﺃﺩﻣﻐﺔ ﻭﺧﺒﺮﺍﺕ ﻭﻭﻗﺖ‪..‬‬

‫‪ ۱۰‬ـ ﻓﻲ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﺨﺼﺺ ﻭﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ـ ﻣﻘﻄﻊ ﻋﺮﺿﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ‬

‫ﻫﻨﺎﻙ ﻅﻮﺍﻫﺮ ﺳﻨﻨﻴﺔ ﺗﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺗﻌﻄﻲ ﻣﻌﺎﻟﻢ ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ ﻋﻦ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﺃﻭﻻً‪ ،‬ﻭﻧﻤﻮﻫﺎ ﺛﺎﻧﻴﺎ ً‬
‫ﻭﺍﻟﻨﻤﻮ ﻫﻞ ﻳﻤﺸﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﻁﺒﻴﻌﻲ ﺃﻡ ﻣﺮﺿﻲ‪ ،‬ﺛﻢ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻘﺪﺍﺭ ﺍﻟﻨﻤﻮ ﻓﻲ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﺰﻣﻦ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻣﻨﻈﺮﻫﺎ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﻳﻮﺣﻲ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ‪ ،‬ﻭﺍﺧﻀﺮﺍﺭﻫﺎ ﻭﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ ﺗﻮﺣﻲ ﺑﻨﻤﻮﻫﺎ ﻭﻣﻘﺪﺍﺭ ﻧﻤﻮﻫﺎ "ﻣﻦ‬
‫ﺛﻤﺎﺭﻫﻢ ﺗﻌﺮﻓﻮﻧﻬﻢ" ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺟﺮﻳﻨﺎ ﻣﻘﻄﻌﺎ ً ﻋﺮﺿﺎﻧﻴﺎ ً ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻳﻤﻜﻦ ﻋﻦ ﻁﺮﻳﻖ ﺍ ﻟﺤﻠﻘﺎﺕ ﺃﻥ ﻧﺮﻯ ﺷﻴﺌﻴﻦ‪:‬‬
‫ﺍﻷﻭﻝ ﻋﻤﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻤﻮ‪ ،‬ﻭﺛﺎﻧﻴﺎ ً ﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻤﻮ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺤﻠﻘﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﺗﻤﻴﺰﺍً ﻭﺃﺷﺪ ﺻﻼﺑﺔ‪ ،‬ﻭﺃﻗﻞ‬
‫ﺗﻄﻮﺭﺍً‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺤﻠﻘﺎﺕ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻗﻞ ﺗﻤﻴﺰﺍً ً◌‪ ،‬ﻭﺃﺿﻌﻒ ﺻﻼﺑﺔ ﻭﺃﻛﺜﺮ ﺗﻄﻮﺭﺍً‪ ،‬ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻧﺮﻯ‬
‫ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﺎﺭﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻤﺨﻀﺮﻣﺔ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺗﻘﺪﻣﺎ ً ﻓﻲ ﺳﻠﻢ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ‪.‬‬
‫ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ‪ ،‬ﻭﻟﻨﺄﺧﺬ ﻣﺜﻼً ﺁﺧﺮ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺃﻛﺜﺮ ﺭﻗﻴﺎً‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ‪،‬‬
‫ﻭﻟﻴﻜﻦ ﻣﻘﻄﻌﺎ ً ﻋﺮﺿﺎﻧﻴﺎ ً ﻓﻲ ﺃﻧﺒﻮﺏ ﻣﻨﻮﻱ ﻟﺘﻮﻟﻴﺪ ﻧﻄﻒ ﺍﻟﺘﻠﻘﻴﺢ ﻟﻠﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻮﻉ‪.‬‬
‫ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﻣﻦ ﺟﺪﺍﺭ ﺍﻷﻧﺒﻮﺏ ﻧﻼﺣﻆ ﺍﻟﺨﻼﻳﺎ ﺍﻻﺑﺘﺪﺍﺉﻳﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺘﻄﻮﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺇﻟﻰ ﺧﻼﻳﺎ‬
‫ﻣﻨﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺃﺷﺪ ﺗﻤﻴﺰﺍً ﻭﺍﺧﺘﺼﺎﺻﺎ ً ﻣﻦ ﺍﻻﺑﺘﺪﺍﺋﻴﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺘﻄﻮﺭ ﻫﻲ ﺑﺪﻭﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻼﻳﺎ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺼﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻄﻒ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺎﻟﺘﻠﻘﻴﺢ ﻭﺑﺈﻳﺠﺎﺩ‬
‫ﺍﻟﻐﻴﺮ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻧﺮﻯ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻠﻲ‪.‬‬
‫ﺃﻱ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺗﺮﺑﻮﻳﺔ ﺗﻬﺪﻑ ﺇﻟﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺜﻞ ﺃﻋﻠﻰ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻠﻲ‪،‬‬
‫ﺃﻓﺮﺍﺩ ﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﺟﺪﺩ ﻛﺨﺎﻣﺎﺕ‪ ،‬ﻳﺼﻨﻌﻮﻥ ﻭﺑﺸﻜﻞ ﺗﻄﻮﺭﻱ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻠﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻤﻠﻘﺤﺔ ﺍﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﻮﺟﺪ ﻏﻴﺮﻫﺎ‪ ،‬ﻭﻣﻊ ﺍﺗﺴﺎﻉ ﺍﻟﺤﻠﻘﺎﺕ ﺑﺸﻜﻞ ﻁﺮﺩﻱ ﻣﻊ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻳﺰﺩﺍﺩ ﺍﻟﺮﺳﻮﺥ‪ ،‬ﻭﺗﺰﺩﺍﺩ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺣﺘﻰ ﺗﻤﺮ‬
‫ﺑﺪﻭﺭﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻭﻳﺼﻴﺒﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻣﺎ ﻳﺼﻴﺐ ﻛﻞ ﺩﻭﺭﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ‪ .‬ﻳﺒﻘﻰ ﻓﺎﺭﻕ ﺟﻮﻫﺮﻱ‬
‫ﻫﻮ ﺃﻥ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻧﻮﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻳﻤﻨﺤﻨﺎ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﻳﺼﻞ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ﺍﻟﻨﻤﻮ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻤﺮ ﺍﻟﻨﻤﻮ ﻁﺎﻟﻤﺎ ﻫﻮ ﺧﺎﺿﻊ ﻟﺴﻨﺘﻪ ﺗﺤﺖ ﻭﻋﻴﻨﺎ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮ‪.‬‬

‫‪143‬‬
 ‫‪ ۱۱‬ـ ﺍﻧﻘﺴﺎﻡ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﻌﻨﻲ؟‬
‫)ﻭﻻ ﺗﻨﺎﺯﻋﻮﺍ ﻓﺘﻔﺸﻠﻮﺍ ﻭﺗﺬﻫﺐ ﺭﻳﺤﻜﻢ ﻭﺍﺻﺒﺮﻭﺍ ﺇﻥ ﷲ ﻣﻊ ﺍﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ( )‪.(٤٦ :۸‬‬
‫ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﻛﻤﺤﺎﻭﻟﺔ ﻛﻤﻴﺔ ﺃﻥ ﻳﺠﺪﻭﺍ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺬﻛﺮ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺯﻉ‬
‫ﻭﻳﺼﻠﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻛﻤﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﺍﻟﺘﻔﻜﻚ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻓﺮ ﻫﻮ ﺷﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﻮﺭﻩ ﻭﺿﺎﺭ ﺑﺘﻄﻮﺭ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ‪.‬‬
‫ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺪﺭﻙ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺠﻤﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺗﻔﺮﻗﻬﻢ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻧﻘﺴﺎﻣﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺍﻟﺒﻌﺾ ‪ .‬ﺇﻥ‬
‫ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺨﻠﻮﻱ ﻳﻌﻨﻲ ﺧﻴﺮﺍً ﻷﻧﻪ ﺗﺠﺪﻳﺪ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺨﻠﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ ،‬ﻭﺇﺑﺪﺍﻉ ﺧﻠﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻴﺎﺓ‬
‫ﺟﺪﻳﺪﺓ‪ ،‬ﻭﺣﻔﺎﻅﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺻﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻧﺐﺛﻘﺖ ﻣﻨﻪ‪ ،‬ﻫﺬﺍ ﻭﺍﺿﺢ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﺍﻟﺨﻠﻮﻱ ﻋﺪﺍ‬
‫ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﺍﻟﺨﻠﻮﻱ ﺍﻟﺴﺮﻁﺎﻧﻲ ﻓﻘﻂ‪.‬‬
‫ﺇﺫﻥ ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺇﺿﻌﺎﻓﺎً‪ ،‬ﻓﻠﻴﺲ ﻛﻞ ﺍﻧﻘﺴﺎﻡ ﻫﻮ ﺷﺮ ﻣﺤﺾ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﺑﻞ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ‬
‫ﻗﺪ ﻳﻔﺘﺮﺽ ﺍﻟﻌﻜﺲ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﻳﺴﻌﻰ ﻟﺨﻠﻖ ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﻛﻤﺤﺎﻭﻟﺔ ﻟﺒﻌﺚ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﻛﻴﺎﻥ ﺑﺪﺃ ﺍﻻﺣﺖﺿﺎﺭ‪.‬‬
‫ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﺍﻟﺴﺮﻁﺎﻧﻲ ﻳﻌﻨﻲ ﺷﺮﺍً ﻟﻴﺲ ﻷﻧﻪ ﺍﻧﻘﺴﺎﻡ ﺑﻞ ﻷﻧﻪ ﻏﺎﻳﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﻣﺪﻣﺮﺓ‪،‬‬
‫ﻓﻬﻮ ﻧﺸﻴﻂ ﻭﻓﻌﺎﻝ ﺟﺪﺍً‪ ،‬ﻭﻣﻮﻟﺪ ﻟﺨﻼﻳﺎ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻭﻅﻴﻔﺘﻬﺎ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻟﺘﺒﺪﺃ ﺩﻭﺭﺓ‬
‫ﺗﻜﺎﺛﺮ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﺨﺮﺑﺔ ﻟﻸﻧﺴﺠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﺎﺟﺮﺕ ﺇﻟﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻭﺑﻬﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺴﺮﻁﺎﻥ ﻳﺪﻣﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻷﻧﻪ ﻳﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺪﻩ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﺒﻘﺎء ‪ .‬ﺇﺫﻥ ﻣﺎ ﻫﻮ‬
‫ﺍﻟﻤﻘﻴﺎﺱ ﻓﻲ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﺃﻭ ﺿﺮﺭﻩ؟ ﺇﻥ ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻮﻉ‪ ،‬ﺃﻭ ﺗﺮﻗﻴﺔ ﻟﻠﻨﻮﻉ‬
‫ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺇﻳﺠﺎﺑﻴﺎً‪ ،‬ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻌﻤﻘﻪ ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻹﺫﻥ ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺇﺿﻌﺎﻓﺎً‪ ،‬ﻓﻠﻴﺲ ﻛﻞ ﺍﻧﻘﺴﺎﻡ ﻫﻮ ﺷﺮ ﻡ ﺣﺾ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﺑﻞ ﺍﻟﻌﻘﻞ‬
‫ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ﻗﺪ ﻳﻔﺘﺮﺽ ﺍﻟﻌﻜﺲ‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﻳﺴﻌﻰ ﻟﺨﻠﻖ ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﻛﻤﺤﺎﻭﻟﺔ ﻟﺒﻌﺚ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﻛﻴﺎﻥ ﺑﺪﺃ‬
‫ﺍﻻﺣﺘﻀﺎﺭ‪.‬‬
‫ً‬
‫ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﺍﻟﺴﺮﻁﺎﻧﻲ ﻳﻌﻨﻲ ﺷﺮﺍ ﻟﻴﺲ ﻷﻧﻪ ﺍﻧﻘﺴﺎﻡ ﺑﻞ ﻷﻧﻪ ﻏﺎﻳﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﻣﺪﻣﺮﺓ‪،‬‬
‫ﻓﻬﻮ ﻧﺸﻴﻂ ﻭﻓﻌﺎﻝ ﺟﺪﺍً‪ ،‬ﻭﻣﻮﻟﺪ ﻟﺨﻼ ﻳﺎ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻭﻅﻴﻔﺘﻬﺎ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻟﺘﺒﺪﺃ ﺩﻭﺭﺓ‬
‫ﺗﻜﺎﺛﺮ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﺨﺮﺑﺔ ﻟﻸﻧﺴﺠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﺎﺟﺮﺕ ﺇﻟﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫‪ .‬ﺇﺫﻥ ﻣﺎ ﻫﻮ‬ ‫ﻭﺑﻬﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺴﺮﻁﺎﻥ ﻳﺪﻣﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻷﻧﻪ ﻳﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺪﻩ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﺒﻘﺎء‬
‫ﺍﻟﻤﻘﻴﺎﺱ ﻓﻲ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﺃﻭ ﺿﺮﺭﻩ؟ ﺇﻥ ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺤﺎﻑﻅﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻮﻉ‪ ،‬ﺃﻭ ﺗﺮﻗﻴﺔ ﻟﻠﻨﻮﻉ‬
‫ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺇﻳﺠﺎﺑﻴﺎً‪ ،‬ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻌﻤﻘﻪ ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﻓﻲ ﺧﻠﻴﺔ ﺍﻟﻨﺤﻞ ﻣﻔﻴﺪ ﻷﻥ ﻣﻠﻜﺔ ﺍﻟﻨﺤﻞ ﻻ ﺗﻌﺪ ﺗﺠﺎﺭﻱ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﺷﻌﺒﻬﺎ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﺗﺸﻖ ﻋﺼﺎ‬
‫ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ‪ ،‬ﻭﺗﻐﺬﻱ ﺃﺣﺪ ﻋﻨﺎﺻﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﻐﺬﺍء ﺍﻟﻤﻠﻜﻲ ﻓﺘﻮﺟﺪ ﻣﻠﻜﺘﻬﺎ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﺎﺭﻱ ﺑﺤﻴﻮﻳﺔ ﻁﺎﻗﺔ ﺍﻟﺸﻌﺐ‬
‫ﺍﻟﻤﺘﺪﻓﻘﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻧﻔﺼﻠﺖ ﻭﺍﻧﺸﻘﺖ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺷﻘﺖ ﻁﺮﻳﻘﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺎﻁﻖ‬
‫ﺃﺧﺮﻯ ﺭﺣﺒﺖ ﺑﻬﺎ ﻓﻜﻮﻧﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻧﻄﻼﻗﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻮﺫﻳﺔ ﻟﻤﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻨﺪ ﺛﻢ ﺍﻧﺘﻘﻠﺖ ﺇﻟﻰ‬
‫ﻥ ﻣﻜﺔ‬ ‫ﺍﻟﺼﻴﻦ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ‪ ،‬ﻭﺍﻧﺘﻘﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺭﻭﻣﺎ‪ ،‬ﻭﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﺮﺝ ﻡ‬
‫ﻭﺍﻧﺘﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻤﻨﻮﺭﺓ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﺍﻟﻬﺎﺩﻑ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺒﻠﻮﺭ ﻓﻜﺮﺓ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻧﻪ ﻭﺟﺪ ﻣﺒﺮﺭﺍﺕ ﺍﻧﻘﺴﺎﻣﻪ ﻷﻧﻪ ﻳﻤﺸﻲ ﻧﺤﻮ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺃﻛﺜﺮ‬
‫ﺗﻘﺪﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺗﺮﺍﻓﻘﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻓﺘﻮﺓ ﻭﻧﺸﺎﻁﺎ ً ﻭﻭﻋﻴﺎً‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﺍﻟﻔﻮﺿﻮﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺪ‬
‫ﻣﺼﻠﺤﺘﻪ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻪ ﺍﻧﻘﺴﺎﻡ ﺳﺮﻁﺎﻧﻲ ﻣﺾﺭ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻧﻘﺴﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻷﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺪﻣﺮ‬
‫ﻣﺼﺪﺭ ﺗﻤﻮﻳﻨﻪ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺪﻣﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ‪ .‬ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻔﻜﻚ ﺍﻟﻌﻨﻴﻒ ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻧﻔﺠﺎﺭﺍً ﺩﺍﺧﻠﻴﺎً‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﻷﻥ‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺎﺩﺙ ﺍﻟﺒﺴﻴﻂ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﺒﺐ‪ ،‬ﺑﻞ ﻷﻥ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺣﺮﺟﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺠﺪ ﻣﺒﺮﺭ ﻧﻔﺴﻬﺎ‪ ،‬ﺑﻞ‬
‫ﺃﺧﺬﺕ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻀﻐﻂ ﻣﻠﺢ ﺍﻧﻔﺠﺎﺭﻱ‪.‬‬

‫‪144‬‬
 ‫ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﻻ ﻣﺮﻛﺰﻳﺔ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺸﻨﺠﺎﺕ ﺍﻟﻤﺮﺿﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﻀﻴﻊ ﺍﻟﻀﺒﻂ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻱ‪ ،‬ﺃﻭ‬
‫ﻫﻮ ﺫﺭﻭﺓ ﺗﺤﻠﻞ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﻭﺿﻊ ﺟﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻭﻻ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﻣﻦ ﺗﺠﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻣﻀﻰ‪ ،‬ﻷﻧﻨﺎ ﻟﻢ‬
‫ﻧﺤﻞ ﻣﻌﻮﻗﺎﺕ ﺟﺬﻭﺭﻩ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﺓ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺤﺎﺳﻢ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﻭﺗﻨﻈﻴﻢ ﻭﺗﺠﻤﻊ ﻭﻣﺪﺭﺳﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻭﺳﺎﻁ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ‪ ،‬ﻫﻞ ﺗﻠﺠﺄ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺍﻹﺻﻐﺎء ﺇﻟﻰ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎً‪ ،‬ﺃﻡ ﺃﻧﻬﺎ‬
‫ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﺘﺤﺎﺭﺟﺔ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺃﻭﻻ ﺷﻲء‪ ،‬ﺃﻱ ‪ :‬ﺇﻣﺎ ﺧﺼﻮﻣﺔ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻫﻲ‬
‫ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﺍﻻﻧﻀﻤﺎﻡ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺍﻹﻋﻼﻥ ﺍﻝ ﺑﻴﻌﺔ‪ ،‬ﻭ ﺇﻻ ﻣﺎﺕ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺒﺎﻳﻊ ﻋﻠﻰ ﺷﻌﺒﺔ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﻨﻔﺎﻕ؟!!‪.‬‬

‫ﺑﺤﺚ ﻓﻲ ﺇﺣﻴﺎء ﺍﻟﺠﺪﻝ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ؟!‪..‬‬

‫ﻫﻨﺎﻙ ﻓﻜﺮﺓ ﻣﺴﻴﻄﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺗﺘﻔﺎﻭﺕ ﻛﺜﺎﻓﺘﻬﺎ ﻣﻊ ﻋﻤﻖ ﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﺧﻼﺻﺘﻬﺎ ﺃﻥ "ﺍﻟﺠﺪﻝ‬
‫ﺣﺮﺍﻡ" ﻭﺗﻌﺘﻤﺪ ﺣﺪﻳﺜﺎ ً ﻳﻘﻮﻝ "ﻣﻦ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﻤﺮﺍء ﻭﻫﻮ ﻣﺤﻖ؛ ﺃﻱ‪ :‬ﺍﻟﺠﺪﻝ؛ ﺃﺩﺧﻠﻪ ﷲ ﺭﺑﺾ ﺍﻟﺠﻨﺔ"‪.‬‬
‫ﺑﻜﻞﻣﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻥ ﻣﺪﺧﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺘﺮﻙ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻱ‪ :‬ﻋﺪﻡ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻓﺎﻟﺘﻘﻮﻯ ﻭﺍﻻﻟﺘﺰﺍﻡ‬
‫ﺑﺎﻹﺳﻼﻡ ﻳﻘﺎﺱ ﺑﺘﺮﻙ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ؟!‬
‫ﻛﺎﺭﺛﺘﺎﻥ ﺩﺧﻠﺘﺎ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﻟﻢ ﻳﻌﺎﻑ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ‪ :‬ﺍﻟﻜﺎﺭﺛﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺗﺴﻠﻞ ﺑﻨﻲ ﺃﻣﻴﺔ‬
‫ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺤﻮﻳﻠﻬﻢ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺇﻟﻰ ﺣﻜﻢ ﻋﺎﺋﻠﻲ ﺇﻗﻄﺎﻋﻲ ـ ﻭﺭﺍﺛﻲ ـ ﻭﺍﻟﻜﺎﺭﺛﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺇﻗﻔﺎﻝ ﺑﺎﺏ‬
‫ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ‪ ،‬ﻭﻟﻌﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﺑﻠﻎ ﺃﺛﺮﺍً ﻷﻧﻬﺎ ﺧﺘﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻭﺃﻭﺻﻠﺖ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺇﻟﻰ‬
‫ﻧﻬﺎﻳﺘﻪ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻣﻊ ﺗﻮﻗﻒ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺧﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺗﻘﻴﻴﻢ ﺍﻷﺧﻄﺎء‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗﻮﻗﻔﺖ‬
‫ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻝﺫﺍﺗﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺘﺎﺑﻊ ﻣﺴﻴﺮﺗﻪ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻳﺔ‪ ،‬ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻘﺪﺕ ﺍﻷﺩﺍﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ‬
‫ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻹﻳﻘﺎﻑ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﺴﻠﺴﻞ ﺍﻻﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺠﺘﺎﺡ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﻳﻌﺼﻒ ﺑﻪ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻟﻢ‬
‫ﺗﻨﺠﺢ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﺗﺎﺭﻳﺎ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺔ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺩﻭﺭﺓ ﺍﻟﺘﺤﻠﻞ ﻭﺍﻟﺨﺮﺍﺏ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻷﺗﺮﺍﻙ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺳﻮء ﺣﻈﻬﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺃﺗﺖ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﺴﻞ‪ ،‬ﻭﻟﻮ ﺟﺎء ﺍﻷﻣﻮﻳﻮﻥ‬
‫ﺃﻭ ﺍﻟﻄﻮﻟﻮﻧﻴﻮﻥ ﺃﻭ ﺍﻹﺧﺸﻴﺪﻳﻮﻥ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ﺃﻭ ﺑﻨﻮ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻋﺮﺑﺎ ً ﺃﻭ ﻋﺠﻤﺎ ً ﻟﻤﺎ ﻏﻴﺮﻭﺍ ﺷﻴﺌﺎ ً ﻓﻲ ﺍﻧﺤﻄﺎﻁ‬
‫ﻣﺨﻄﻂ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺃﻭ ﺍﻧﺤﻄﺎﻁ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺎ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻭﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻝ ﺗﻲ ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺗﻮﺟﻪ‬
‫ﻣﺴﻴﺮﺗﻪ‪،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻧﻨﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﻛﻮﻣﺔ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻤﺴﻴﻄﺮﺓ‪ ،‬ﻟﻨﺴﻠﻂ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﺷﻌﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪،‬‬
‫ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺻﺤﺘﻬﺎ ﻭﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺇﻳﻘﺎﻑ ﻣﻔﻌﻮﻝ ﺍﻟﺸﺤﻨﺔ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺮﻛﻬﺎ‬
‫ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻳﺮﻳﺪ ﺍﺳﺘﺌﻨﺎﻑ ﻣﺴﻴﺮﺗﻪ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ‪ .‬ﻣﻔﻬﻮ ﻡ ﺍﻟﺠﺪﻝ ﻧﻈﺮﺕ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ‬
‫ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﺣﺠﺮ ﺍﻟﺰﺍﻭﻳﺔ‪ ،‬ﻭﻣﻨﻪ ﺍﺷﺘﻘﺖ "ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﺠﺪﻟﻴﺔ" ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﺮﻯ ﻓﻲ ﻣﻈﻬﺮ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺠﺪﻝ‪..‬‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺗﺴﺘﻮﻗﻔﻨﺎ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ‪:‬‬
‫)ﻳﺎ ﻧﻮﺡ ﻗﺪ ﺟﺎﺩﻟﺘﻨﺎ ﻓﺄﻛﺜﺮﺕ ﺟﺪﺍﻟﻨﺎ ( )‪ (۳۲ :۱۱‬ﻓﺎﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﺨﺪﻡ ﺍﻟﺠﺪﻝ ﻫﻮ ﺍﺣﺪ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﻌﺰﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺳﻞ‬
‫ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻹﻛﺜﺎﺭ ﺑﺤﻴﺚ ﺳﺒﻴﻠﻬﻢ ﺣﺮﺟﺎ ً ﻭﺇﺯﻋﺎﺟﺎ ً‪.‬‬
‫ﻭﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻳﺠﺎﺩﻝ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ )ﻓﻠﻤﺎ ﺫﻫﺐ ﻋﻦ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺍﻟﺮﻭﻉ ﻭﺟﺎءﺗﻪ ﺍﻟﺒﺸﺮﻯ ﺟﺪﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻗﻮﻡ ﻟﻮﻁ ( )‪:۱۱‬‬
‫‪.(۷٤‬‬
‫ﻭﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﺠﺎﺩﻝ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻴﻌﺎﺗﺒﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ )ﻫﺎ ﺃﻧﺘﻢ ﻫﺆﻻء ﺟﺎﺩﻟﺘﻢ ﻋﻨﻬﻢ ﻓﻲ‬
‫ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻤﻦ ﻳﺠﺎﺩﻝ ﷲ ﻋﻨﻬﻢ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺃﻡ ﻣﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻭﻛﻴﻼ ( )‪ (۱۰۹ :٤‬ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﻮﺟﻪ‬
‫)ﻭﻻ ﺗﺠﺎﺩﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ‬ ‫ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺠﺪﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺨﺘﺎﻧﻮﻥ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ‬
‫ﻳﺨﺘﺎﻧﻮﻥ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺇﻥ ﷲ ﻻ ﻳﺤﺐ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﺧﻮﺍﻧﺎ ً ﺃﺛﻴﻤﺎ( )‪.(۱۰۷ :٤‬‬

‫‪145‬‬
 ‫ﻭﻭﺻﻒ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻁﺮﻓﺎ ً ﻣﻦ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ ﺃﻥﻫﻢ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮﻥ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺠﺪﻝ‪ ،‬ﻭﻳﺴﺘﻌﻴﻨﻮﻥ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ‬
‫ﺩﻋﻢ ﺃﻓﻜﺎﺭﻫﻢ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺳﻤﺎﻩ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺠﺪﺍﻝ ﺑﺎﻟﺒﺎﻁﻞ )ﻭﺟﺎﺩﻟﻮﺍ ﺑﺎﻟﺒﺎﻁﻞ ﻟﻴﺪ ﺣﻀﻮﺍ ﺑﻪ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﺄﺧﺬﺗﻬﻢ ﻓﻜﻴﻒ‬
‫ﻛﺎﻥ ﻋﻘﺎﺏ( )‪.(٥ :٤۰‬‬
‫ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻓﻜﻞ ﻧﻔﺲ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺎﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺠﺪﻝ )ﻳﻮﻡ ﺗﺄﺗﻲ ﻛﻞ ﻧﻔﺲ ﺗﺠﺎﺩﻝ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ‬
‫ﻭﺗﻮﻓﻰ ﻛﻞ ﻥﻓﺲ ﻣﺎ ﻋﻤﻠﺖ ﻭﻫﻢ ﻻ ﻳﻈﻠﻤﻮﻥ( )‪.(۱۱۱ :۱٦‬‬
‫ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺃﺣﺪ ﺳﻮﺭﻩ ﻫﻲ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ ﺟﺪﻟﻲ "ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺠﺎﺩﻟﺔ " ﻭﺍﻟﺴﺒﺐ ﻓﻴﻪ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺗﺠﺎﺩﻝ )ﻗﺪ ﺳﻤﻊ ﷲ ﻗﻮﻝ‬
‫ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﺎﺩﻟﻚ ﻓﻲ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻭﺗﺸﺘﻜﻲ ﺇﻟﻰ ﷲ ﻭﷲ ﻳﺴﻤﻊ ﺗﺤﺎﻭﺭﻛﻤﺎ ﺇﻥ ﷲ ﺳﻤﻴﻊ ﺑﺼﻴﺮ ( )‪ (۱ :٥۸‬ﻭﺍﻟﺠﺪﻝ‬
‫ﻣﻊ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺎ ً )ﻭﻻ ﺗﺠﺎﺩﻟﻮﺍ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺣﺴﻦ ﺇﻻ ﺍﻟﺬﻳﻦ‬
‫ﻅﻠﻤﻮﺍ ﻣﻨﻬﻢ ﻭﻗﻮﻟﻮﺍ ﺁﻣﻨﺎ ﺑﺎﻟﺬﻱ ﺃﻧﺰﻝ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻭﺃﻧﺰﻝ ﺇﻟﻴﻜﻢ ﻭﺇﻟﻬﻨﺎ ﻭﺇﻟﻬﻜﻢ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﻧﺤﻦ ﻟﻪ ﻣﺴﻠﻤﻮﻥ ( )‪:۲۹‬‬
‫‪ .(٤٦‬ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﺬﻛﺮ ﻋﻦ ﻫﻮﺩ ـ ﻭﻫﻮﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺃﻭﻟﻰ ﺃﻥ ﻧﺮﺩ ﻓﻲ ﺟﻮ ﺍﻟﺠﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺩﻋﺎءﺍﺕ ﻏﻴﺮ‬
‫ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺮﻫﻨﺔ ـ )ﺃﺗﺠﺎﺩﻟﻮﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﺃﺳﻤﺎء ﺳﻤﻴﺘﻤﻮﻫﺎ ﺃﻧﺘﻢ ﻭﺑﺎﺋﻜﻢ ﻣﺎ ﺃﻧﺰﻝ ﷲ ﺑﻬﺎ‬
‫ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﻓﺎﻧﺘﻈﺮﻭﺍ ﺇﻧﻲ ﻣﻌﻜﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﺮﻳﻦ ( )‪ ،(۷۱ :۷‬ﻣﻤﺎ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺠﺪﻝ ﺍﻟﻤﺤﺘﺪﻡ ﻓﻲ ﻛﻞ‬
‫ﻣﻜﺎﻥ ﻣﻌﻠﻰ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎء ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎء ﻭﺃﻗﻮﺍﻣﻬﻢ‪.‬‬
‫ﻭﻭﺻﻒ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﺻﻞ ﺗﻜﻮﻳﻨﻪ ﺑﺄﻧﻪ )ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﺷﻲء ﺟﺪﻻ ( )‪ .(٥٤ :۱۸‬ﻭﻧﻌﻰ‬
‫ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺠﺎﺩﻟﻮﻥ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﺩﻭﺍﺕ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﻌﻠﻢ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻘﻞ‪ ،‬ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ )ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻳﺠﺎﺩﻝ ﻓﻲ ﷲ ﺑﻐﻴﺮ ﻋﻠﻢ ﻭﻻ ﻫﺪﻯ ﻭﻻ ﻛﺘﺎﺏ ﻣﻨﻴﺮ( )‪.(۸ :۲۲‬‬
‫ﻭﻳﺸﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﺃﻱ ﺍﻟﺠﺪﻝ ﺑﺪﻭﻥ ﺑﻴﻨﺔ ﺑﻤﺮﻛﺐ "ﺍﻟﻜﺒﺮ "‪) :‬ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺠﺎﺩﻟﻮﻥ‬
‫ﻓﻲ ﺁﻳﺎﺕ ﷲ ﺑﻐﻴﺮ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺃﺗﺎﻫﻢ ﺇﻥ ﻓﻲ ﺻﺪﻭﺭﻫﻢ ﺇﻻ ﻛﺒﺮ ﻣﺎ ﻫﻢ ﺑﺒﺎﻟﻐﻴﻪ ( )‪ .(٥٦ :٤۰‬ﻭﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻨﺤﻞ‬
‫ﻳﻌﺮﺽ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻭﺍﻟﺘﺒﺸﻴﺮ ﺑﻬﺎ ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ ‪) :‬ﺃﺩﻉ ﺇﻟﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺭﺑﻚ ﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﻤﻮﻋﻈﺔ‬
‫ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ ﻭﺟﺎﺩﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺣﺴﻦ( _)‪.(۱۲٥ :۱٦‬‬
‫ﻡ ﻥ ﻫﺬﺍ ﻧﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﺪﻝ ﻟﻴﺲ ﺷﺮﺍً ﻓﻲ ﺣﺪ ﺫﺍﺗﻪ ﺑﻞ ﻫﻲ ﺍﻷﺩﺍﺓ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺤﺎﻭﺭ ﻣﻊ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻹﻅﻬﺎﺭ‬
‫ﺍﻟﺮﺃﻱ ﻭﺷﺮﺣﻪ ﻭﺑﻠﻮﺭﺗﻪ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺠﺪﻝ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﻞ‪.‬‬
‫ﻭﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺠﺎﺩﻟﻮﻥ ﺑﻐﻴﺮ ﺑﻴﻨﺎﺕ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻫﻢ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﺮﺽ )ﻓﺄﻋﺮﺽ ﻋﻨﻬﻢ ﻭﻋﻈﻬﻢ‬
‫ﻭﻗﻠﻠﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻗﻮﻻ ﺑﻠﻴﻐﺎ( )‪.(٦۳ :٤‬‬
‫ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻀﻮء ﻳﻔﻬﻢ ﺣﺪﻳﺚ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ‪ ،‬ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺪﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ‬
‫ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻫﻮ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﻟﻄﺮﺷﺎﻥ‪ ،‬ﻣﻀﻴﻌﺔ ﻟﻠﻮﻗﺖ‪ ،‬ﻣﺬﻫﺐ ﻟﻸﺟﺮ‪ ،‬ﻣﻦ ﺍﻷﻓﻀﻞ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﻓﻴﻪ‬
‫"ﺇﻥ ﷲ ﻛﺮﻩ ﻟﻜﻢ ﻗﻴﻞ ﻭﻗﺎﻝ ﻭﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻭﺇﺿﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺎﻝ‪) ،‬ﺣﺪﻳﺚ(‪..‬‬
‫ﻭﺧﻼﺻﺔ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﺧﺘﺺﺍﺭﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻘﺎﻁ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ‪:‬‬
‫ﺇﻥ ﺃﻱ ﻋﻤﻞ ﻭﺍﻋﻲ ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺣﺮﻛﺔ ﺗﺴﺘﻬﺪﻑ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬ﺑﻌﺮﺽ ﻓﻜﺮ ﺟﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻭﺑﺄﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ‪،‬‬
‫ﺃﻱ‪ :‬ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻓﻜﺮ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﻧﺸﺎﻁﺎ ً ﻳﻮﻣﻴﺎً‪ ،‬ﻭﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻤﺤﻨﺔ ﺑﻴﻦ ﺣﻴﻦ ﻭﺁﺧﺮ‪ ،‬ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﻮﻫﺮﻱ ﺃﺩﺍﺓ‬
‫ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺃﺩﺍﺓ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻫﻲ ‪ :‬ﺃﺣﺪ ﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻠﻴﺴﺖ ﺃﻣﺮﺍً ﻧﻔﻼً‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺃﺣﺪ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺠﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻄﻮﺭ‬
‫ﻣﻊ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﺰﻣﻦ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﺘﺨﻮﻑ ﺇﻟﻰ ﺍﻵﻥ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺢ‪ ،‬ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻌﺘﺒﺮﻩ ﻏﺮﻳﺒﺎ ً ﻭﻏﻴﺮ ﺇﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ‬
‫ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﻡ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻣﻪ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻛﺄﺩﺍﺓ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻓﻲ ﺗﻘﻴﻴﻢ ﺍﻟﻌﻤﻞ‪ ،‬ﻭﺗﻌﺪﻳﻞ ﻣﺴﺎﺭﻩ‪.‬‬
‫ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﺧﺘﻼﻁ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺏ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺟﻌﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﺤﺮﺟﺎ ً ﻭﺍﺧﺘﻼﻁﺎ ً ﺑﻴﻦ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪،‬‬
‫ﻭﺍﻟﺘﺠﺮﻳﺢ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻐﻴﺒﺔ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﻌﺮﺿﻨﺎﻩ ﻋﻦ ﺍﺧﺘﻼﻁ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺠﺪﻝ ﺑﺎﻟﺤﺮﻣﺔ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﻜﻮﺍﺭﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﻠﺖ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻳﻨﻈﺮ ﻟﻬﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺃﻣﺮ ﷲ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺩﺧﻞ ﻟﻨﺎ ﻓﻬﻴﺎ‪ ،‬ﻛﻤﺎ‬
‫ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺮﺍﻛﻴﻦ ﻭﺍﻟﺰﻻﺯﻝ ـ ﻭﻫﻲ ﺑﺤﺪ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﺴﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ ـ ﻭﻟﻢ ﺗﺘﺄﺻﻞ ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﺑﻞ ﻟﻢ‬

‫‪146‬‬
 ‫ﺗﻮﺟﺪ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﻤﻠﻲ ﺃﺩﺍﺓ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺨﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﻤﺎﻟﻨﺎ ﻁﺎﺑﻊ ﺍﻟﻘﺪﺳﻴﺔ‪ ،‬ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء ﺑﻌﺾ‬
‫ﻛﺘﺎﺑﺎﺕ ﻣﺘﻮﺍﺿﻌﺔ‪ ،‬ﺿﻌﻴﻔﺔ ﻭﻣﺘﺮﺩﺩﺓ‪ ،‬ﺃﻭ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﻣﺎ ﺯﺍﻟﺖ ﺗﺪﻭﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻮﺍﻁﺮ‪.‬‬
‫ﺇﻧﻨﻲ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﺃﻭﺟﻪ ﺍﻟﻨﺪﺍء ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻭﺧﺎﺻﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻋﻨﺪﻫﻢ‬
‫ﺍﻟﻮﻋﻲ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺠﺮﺃﺓ ﺍﻟﻜﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ‪ ،‬ﺃﻥ ﻳﺘﺎﺑﻌﻮﺍ ﺷﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ‪.‬‬
‫ﺇﻧﻨﻲ ﻣﺪﺭﻙ ﺃﻥ ﺟﻴﻼً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻳﻘﻒ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ‪ ،‬ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻣﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺪﺭﻙ ﺣﺠﻤﻨﺎ‪ ،‬ﻭﻣﻬﻤﺘﻲ ﻫﻲ ﺇﺯﺍﻟﺔ‬
‫ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺣﺠﺎﺭ ﻣﻦ ﺭﻛﺎﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺒﻞ ﻻ ﺃﻛﺜﺮ‪.‬‬

‫ﻣﻼﺣﻈﺔ ‪ :‬ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻣﺌﺎﺕ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻣﺌﺎﺕ ﺍﻟﺨﺒﺮﺍﺕ ﻭﻋﺸﺮﺍﺕ‬

‫ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺪﺡ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﻭﺍﻟﻨﻀﺎﻝ ﺍﻟﺤﺮﻛﻲ ﻭﻟﺬﺍ ﺟﺎءﺕ ﺑﻌﺾ‬
‫ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﺣﺘﻰ ﺗﺮﺿﻲ ﺍﻷﻛﺎﺩﻳﻤﻴﻴﻦ ﻭﻟﻦ ﺗﺮﺿﻴﻬﻢ ﺑﺤﺎﻝ ‪:‬‬
‫ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ‬
‫ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ‪.‬‬
‫ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺴﻠﻢ‪.‬‬
‫ﻣﺨﺘﺼﺮ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻟﺘﻮﻳﻨﺒﻲ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻘﺬ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﻼﻝ ﻟﻠﻐﺰﺍﻟﻲ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻤﻘﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﻟﺪﻳﻜﺎﺭﺕ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻌﻬﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻭﺍﻟﺠﺪﻳﺪ‪.‬‬
‫ﺧﺼﺎﺋﺺ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ )ﻗﻄﺐ(‪.‬‬
‫ﺍﻟﻤﻮﺍﻓﻘﺎﺕ ﻓﻲ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﻟﻠﺸﺎﻁﺒﻲ‪.‬‬
‫ﻣﻘﺪﻣﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ﺑﺎﻗﺮ ﺍﻟﺼﺪﺭ‪.‬‬
‫ﻣﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﻳﻠﺰ‪.‬‬
‫ﺻﺪﻣﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ـ ﺍﻟﻔﻴﻦ ﺗﻮﻓﻠﺮ‪.‬‬
‫ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻜﺴﻴﺲ ﻛﺎﺭﻱﻝ ـ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺠﻬﻮﻝ‪.‬‬
‫ﺃﻓﻮﻝ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﻷﻭﺳﻔﺎﻟﺪ ﺍﺷﺒﻨﺠﻠﺮ‪.‬‬
‫ﺣﺘﻰ ﻳﻐﻴﺮﻭﺍ ﻣﺎ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ـ ﺟﻮﺩﺕ ﺳﻌﻴﺪ‪.‬‬
‫ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻤﺤﻨﺔ ﻟﻠﻤﺆﻟﻒ‪.‬‬
‫ﻛﻔﺎﺣﻲ ـ ﻫﺘﻠﺮ‪.‬‬
‫ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ﻋﻦ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ـ ﺳﺎﻁﻊ ﺍﻟﺤﺼﺮﻱ‪.‬‬
‫ﺗﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ـ ﻣﺤﻤﺪ ﺇﻗﺒﺎﻝ‪.‬‬
‫ﻗﺼﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ـ ﻭﻝ ﺩﻳﻮﺭﺍﻧﺖ‪.‬‬
‫ﻗﺼﺔ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ـ ﻭﻝ ﺩﻳﻮﺍﻧﺖ‪.‬‬
‫ﺃﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﺪﻡ ـ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺪﻳﻊ ﺣﻤﻮﺩﺓ‪.‬‬
‫ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﺍﻹﻧﺘﺎﻧﻴﺔ ـ ﻣﺪﻧﻲ ﺍﻟﺨﻴﻤﻲ‪.‬‬
‫ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ـ ﻓﻴﺼﻞ ﺍﻟﺼﺒﺎﻍ‪.‬‬
‫ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎﺕ ـ ﺷﻔﻴﻖ ﺍﻟﺒﺎﺏ‪.‬‬
‫ﻗﺼﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ـ ﻧﺪﻳﻢ ﺍﻟﺠﺴﺮ‪.‬‬

‫‪147‬‬
 ‫ﻣﻴﻼﺩ ﻣﺠﺘﻤﻊ ـ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ‪.‬‬
‫ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ـ ﻓﺆﺍﺩ ﺯﻛﺮﻳﺎ‪.‬‬
‫ﺍﻷﺳﺲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﻴﺔ ﻟﻼﺳﺘﻘﺮﺍء ـ ﺑﺎﻗﺮ ﺍﻟﺼﺪﺭ‪.‬‬
‫ﺗﻨﺎ ـ ﺑﺎﻗﺮ ﺍﻟﺼﺪﺭ‪.‬‬
‫ﻓﻠﺴﻒ‬
‫ﻗﻀﺎﻳﺎ ﻣﻌﺎﺻﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ـ ﺣﺴﻦ ﺣﻨﻔﻲ ﺣﺴﻨﺔ‪.‬‬
‫ﺩﺭء ﺗﻌﺎﺭﺽ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻨﻘﻞ ـ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺃﺭﺑﻊ ﻣﻘﺎﻻﺕ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ـ ﻣﺎﻭﺗﺴﻲ ﺗﻮﻧﻎ‪.‬‬
‫ﺍﻷﻣﻴﺮ ـ ﻣﻜﻴﺎﻓﻴﻠﻠﻲ‪.‬‬
‫ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻟﻠﺠﻨﺮﺍﻝ ﻳﺎﻟﻴﺖ‪.‬‬
‫ﻭﺟﻬﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ـ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ‪.‬‬
‫ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺍﻷﺧﻼﻕ ـ ﻫﺎﺩﻓﻴﻠﺪ‪.‬‬
‫ﺃﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﻐﺪﺩ ﺍﻟﺼﻢ ـ ﻳﻮﺳﻒ ﺻﺎﻳﻎ‪.‬‬
‫ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭ ـ ﺭﺷﻴﺪ ﺭﺿﺎ‪.‬‬
‫ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻘﺎﺳﻤﻲ‪.‬‬
‫ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﻁﺒﻲ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﻅﻼﻝ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ـ ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪.‬‬
‫ﻧﻬﺞ ﺍﻟﺒﻼﻏﺔ ﻟﻺﻣﺎﻡ ﻋﻠﻲ )ﺭ( ـ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪﻩ‪.‬‬
‫ﺻﻔﺤﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ـ ﺻﻼﺡ ﺷﺎﺩﻱ‪ .‬ﺇﺣﻴﺎء ﻋﻠﻮﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ـ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ‪.‬‬
‫‪Vom Kriege carl von clausewitz‬‬

‫‪148‬‬