[go: up one dir, main page]

Academia.eduAcademia.edu

Qajar Iran

2020, Qajar: Persian History

القاجار صفحة من التاريخ الفارسي

القاجار: صفحة من التاريخ الفارسي د. مدى الفاتح بعد أن قضى ردحاً كبيراً من شبابه مسجوناً في شيراز من قبل حاكم الصفويين كريم خان زاند (1751-1779)، استطاع محمد آغا خان قائد قبيلة "القاجار" أن ينجح في عام 1779 في الفرار من محبسه محققاً الكابوس الذي ظل يلاحق زاند والذي يتمثل في نجاح القاجاريين في الاستيلاء على الحكم. كانت الدولة الصفوية في نهايات القرن الثامن عشر في أضعف حالاتها وقد أنهكها عدم الاستقرار في السياسة والاقتصاد وتنازعتها الحروب والفقر والمجاعات والأمراض. يحسب لمحمد آغا مؤسس حكم القاجار أنه استطاع في ظرف وجيز نسبياً أن يلملم أطراف الدولة وأن يحولها إلى كيان قادر على الصمود في وجه تحديات من قبيل الحرب العالمية الأولى ومن قبلها تحدي الحرب مع روسيا في بداية القرن التاسع عشر لتحتفظ بلاده رغم كل شيء بمساحة كبيرة قد تفوق مساحة إيران الحالية. من المثير في هذه الحقبة الطريقة التي تحولت بها هذه القبيلة ذات الجذور التركية لدولة تحكمها أسرة ملكية يطلق عليها أحياناً اسم الأسرة "الكيانية" (من كلمة كي التي تعني ملك أو عزيز)، كما أن من المثير دراسة الكيفية التي استطاعت بها هذه القبيلة/الدولة الصمود ليس فقط في مواجهة الأعداء الذين كانوا يحيطون بها من كل جانب، والاختلافات العرقية والتنافسية التي كان بالإمكان أن تعصف بها من الداخل ولكن أيضاً في زمن زادت فيه شهية الدول الأوروبية لضم البلدان واكتشاف منابع جديدة للثروة. بداية من العام 1785 سوف يبدأ محمد آغا الذي كان يبلغ من العمر سبعاً وثلاثين عاماً بالهجوم على الأراضي الصفوية. هنا يكمن الاختلاف في تحديد البداية الفعلية لحكم القاجار، فمن المؤرخين من يحدد ذلك ببداية تحركات محمد آغا في العام 1785 ومنهم من يؤرخ لذلك بالعام 1797 حينما استولى القاجار فعلياً على معظم بلاد الصفويين. رغم أهمية موقع بلاد فارس القريب من أوروبا والمجاور للعثمانيين وللمستعمرات البريطانية، إلا أن هذه البلاد لم تسقط إبان تلك الفترة تحت أي غزو ولم تتلق أي هزائم كبيرة سوى هزيمتها من روسيا في بداية القرن التاسع عشر والتي أجبرت بموجبها على أن توقع معها معاهدتين مذلتين في عامي 1813 و1828. وصول القاجار إلى الحكم لم يتحول إلى تفرد كامل بالسلطة والثروة، حيث استفاد القاجاريون من تجارب الماضي ليصلوا إلى أن أهم عوامل الاستقرار هو خلق تحالفات اجتماعية عابرة للقبيلة مع جميع المكونات بما يحقق أكبر قدر من الاستقرار وذلك بالتركيز على حفظ حقوق العائلات التي كانت تحظى بمكانة خاصة في الأزمنة السابقة. تحقيق ذلك سيتزامن مع إرادة سياسية في التحديث وإنشاء دولة متطورة تحوي جيشاً رسمياً وكثيراً من البيروقراطية وهو الأمر الذي سيبدأ في التحقق على مدى القرن التاسع عشر على تنوع واختلاف يعود لطبيعة كل حاكم ومدى حماسه وإيمانه بالتحديث. جيمس فريزر، الرحالة البريطاني الذي زار إيران في بداية عشرينات القرن التاسع عشر كتب في مذكراته أن الشاه القاجاري كان ينظر إلى بلاد فارس ليس كبلده الذي يتوجب عليه أن يحبه ويحميه ولكن كممتلكات خاصة بملكية قد تنتهي في أية لحظة، ما يعني أن عليه أن يحقق أقصى ما في وسعه من الربح الشخصي أثناء وجوده في السلطة. هذه السياسة حول تعمد إثقال كاهل المزارعين بالضرائب و"الخمس" لم تكن متعارضة مع التوجه العام لكسب القلوب عبر تقريب الأعيان ومنح الأراضي. هؤلاء الأعيان سوف يعملون كمبعوثين في الأقاليم المختلفة بمهمة رئيسة هي تحصيل الضرائب وهو الأمر المهم بالنسبة للشاه ليس فقط بسبب حوجة الدولة للمال، ولكن أيضاً لإثبات الولاء السياسي، فدفع المال المستحق يعني الدخول في ظل الدولة، لذلك نجد أن كثيراً من حكام المناطق قد بادروا، وبمجرد أن تسلم القاجاريون الحكم، لإثبات ولائهم عبر الإسراع في تقديم أموال الضرائب مضافاً إليها هدايا نفيسة. تحظى الهدايا المقدمة للحكام القاجاريين بوضع خاص ويرى البعض أن هذه الوضعية ذات صبغة فارسية تاريخية تعود لقرون قديمة، وهم يستشهدون هنا بما ورد في ملحمة "الشاهنامه" الشهيرة للفردوسي والتي كانت فيها كثير من القصص التي تحكي عن الدخول إلى الحكام بهدايا لائقة. يساند ذلك ما رواه جون مالكولم، ممثل شركة الهند الشرقية الذي زار إيران في العام 1800 حيث قال إنه التقى بالملك فاتح علي شاه مرتين كانت الأولى قصيرة ومقتضبة في حين كانت الثانية، والتي وضع بين يديه فيها مجموعة من الهدايا القيمة، أطول وأكثر حميمية. كثيراً ما يشار لفاتح علي الذي استلم زمام الحكم عقب محمد آغا في التاريخ الفارسي كرمز للخصوبة، فقد كانت له مائة وستون زوجة ومائتان وستين طفلاً وهو ما يجعلنا نفهم كيف تجاوز عدد أفراد الأسرة الحاكمة في منتصف القرن التاسع عشر الألف شخص. برغم أن كثيراً من هذه الزيجات يمكن أن تتم قراءته في إطار التقريب بين القبائل وكسب الأعيان وهي عادة معروفة لدى الملوك والحكام على مر التاريخ، إلا أن الكتاب الغربيين كانوا يعمدون إلى وصف ذلك الحاكم بالشهواني المهووس بالنساء. اقتصادياً كانت قاجار دولة زراعية تعتمد على الفلاحة كمصدر لرزق المواطنين ولتمويل الدولة، أما عقائدياً فكانت دولة دينية يملك فيها علماء الشيعة الاثني عشرية سلطة روحية مهمة ورثوها منذ أيام الدولة الصفوية. كان القاجاريون يرون في الدين، وبشكل أدق عقيدة التشيع، عامل توحيد مهم في مواجهة الاختلافات العشائرية من جهة والغزاة من جهة أخرى. لاحقاً، سوف تثبت الحروب التي خاضها القاجار ضد الروس صحة ذلك الرهان، حيث تم استخدام الدين وفتوى وجوب الجهاد لشحذ همم المواطنين ودفعهم للتقدم "للدفاع عن الإسلام". هذا لا يعني أنه كان ثمة تماهٍ تام بين العقيدة والنظام السياسي على طريقة نظام الولي الفقيه الحاكم حالياً في إيران، بل كان ذلك يعتمد على موقف كل عالم من الحكام، فمنهم من فضل الانزواء والبعد عن أضواء السلطة، ومنهم من كان قريباً منها ومسانداً لها دون أن توجد مؤسسة دينية بذاتها ملحقة بقصر الشاه. رغم كل شيء كان دور الدين مهماً. ذلك هو سبب تعامل القاجار بحذر مع دعوات التحديث بعكس الدولة العثمانية مثلاً والتي اندفعت عجلة تحديثها على النمط الأوروبي بسرعة فائقة، ودون كوابح أو تفريق بين ما هو ثقافي وما هو حضاري، حتى انتهى الأمر بالسلطنة لخلافة إسلامية اسماً ليبرالية فعلياً. في نهاية حكم إيران القاجارية بدأت الأفكار العلمانية، خاصة تلك المتطرفة والحادة في نظرتها تجاه الدين، في التسرب إلى البلاد وكثيراً ما يشار هنا إلى الكاتب فاتح علي أخوندزاده الذي ساهمت أفكاره في إذكاء ما يعرف بالثورة الدستورية (-19051911). البهلوية التي ستحكم البلاد بنهاية حكم القاجار سوف ترث دولة ما تزال هشة من الناحية العلمانية يحظى فيها رجال الدين بمكانة لا يمكن تجاهلها. من هنا كانت مهمة الشاه الحداثي الذي كان ينوي تحقيق تغييرات اجتماعية راديكالية من قبيل إلغاء الحجاب وإضعاف صوت المراجع الدينية شديدة الصعوبة. 4