[go: up one dir, main page]

Academia.eduAcademia.edu
‫تكريما لسليمان‬ ‫الترجمة العربية لتقديم كتاب‪" :‬تونس‪ ،‬المتوسط والموريسكيون‪:‬‬ ‫ً‬ ‫مصطفى زبيس وميكال دي إيبالثا"‬ ‫حسام الدين شاشية‪ ،‬جامعة تونس‬ ‫‪Houssem Eddine Chachia Ed., Túnez, el Mediterráneo y los Moriscos: Homenaje a‬‬ ‫‪Slimane Mostafa Zbiss y Mikel de Epalza, Túnez, Centre de Publication Universitaire et‬‬ ‫‪Laboratoire Histoire, Société et Patrimoine: Tunisie/Magreb/Méditerranée, 2023. 266‬‬ ‫‪pp.‬‬ ‫ُيؤكد التاريخ‪ ،‬كما تُؤكد الجغرافيا أهمية تونس في البحر األبيض المتوسط‪ ،‬وكيف أثر موقعها بقوة في‬ ‫ار حاسمة‪ ،‬سواء‬ ‫وجود تونس في قلب بحر مار نوستروم ‪ ،Mare Nostrum‬جعلها تلعب أدو ا‬ ‫هوية البالد‪ُ .‬‬ ‫ار أساسية‬ ‫في وقت السلم أو الحرب‪ .‬في العصور الوسيطة‪ ،‬كانت تونس تحت حكم الحفصيين تلعب أدو ا‬ ‫في التجارة البينية بين الشرق وأفريقيا جنوب الصحراء من جهة‪ ،‬والدول األوروبية المتوسطية من جهة ثانية‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫كذلك‪ ،‬كان للحفصيين عالقات ديبلوماسية جيدة في معظم األحيان مع عدد من القوى األوروبية‪ ،‬على غرار‬ ‫حكام البندقية وملوك أراغون‪.‬‬ ‫في زمن المواجهة‪ ،‬أي بداية من الثلث الثاني من القرن السادس عشر‪ ،‬مثلت تونس ساحة حرب بين‬ ‫اإلمبراطوريتين اإلسبانية والعثمانية‪ .‬في صيف سنة ‪ 1534‬سيطر خير الدين بربروسا حامل لواء العثمانيين‬ ‫على عاصمة البالد‪ ،‬ما جعل السلطان الحفصي موالي الحسن يلجئ للضفة الشمالية للمتوسط‪ ،‬طالبا نجدة‬ ‫عدو عدوه اإلمبراطور اإلسباني كارلوس الخامس‪ .‬في السنة الموالية‪ ،‬أي في صيف سنة ‪ ،1535‬هزم‬ ‫اإلسبان األتراك‪ ،‬ودفع ُسكان مدينة تونس وأحوازها ثمنا باهضا من أرواحهم وأموالهم‪ ،‬ليستعيد الحفصيون‬ ‫صورية ملكهم المسلوب‪ .‬كانت تونس خالل تقريبا أربعين سنة تلت تحت حماية اإلسبان‪ ،‬ولكن‬ ‫ولو بصفة ُ‬ ‫دون أن تكون محمية بصفة كاملة من هجمات العثمانيين‪ ،‬الذين استطاعوا سنة ‪ 1574‬بصفة نهائية‬ ‫وحاسمة القضاء على الحفصيين والوجود اإلسباني بالبالد‪.‬‬ ‫كبير ألسرى النشاط‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬لم تكن تونس كما ُيصورها عدد من الكتابات األوروبية فقط سجنا ا‬ ‫للمهجرين الذين طردوا‬ ‫القرصني الذي ازدهر في بداية العصر الحديث‪ ،‬بل كانت أيضا ملجأ ووطنا جديدا ُ‬ ‫من شبه الجزيرة اإليبيرية في سنة ‪ 1492‬وما تالها بالنسبة لليهود السفارديم‪ ،‬وما بين ‪1614-1609‬‬ ‫بالنسبة للموريسكيين‪ .‬هؤالء المهجرين‪ ،‬كانوا بمثابة السفراء بين ضفتي المتوسط الشمالية والجنوبية‪ ،‬حيث‬ ‫أثروا بصفة قوية‪ ،‬ال تزال واضحة حتى اليوم في الهوية التونسية‪.‬‬ ‫تكريما لسليمان مصطفى زبيس وميكال دي إيبالثا"‬ ‫يطمح كتاب "تونس‪ ،‬المتوسط والموريسكيون‪:‬‬ ‫ً‬ ‫إلبراز ودراسة هذا البعد المتوسطي في الهوية التونسية‪ ،‬باالعتماد على ُمقاربات ووجهات نظر ُمختلفة‪،‬‬ ‫المشاركون في الكتاب الوسائل المنهجية التي ُيتيحها تاريخ الفن‪ ،‬العمارة‪،‬‬ ‫حيث اعتمد الباحثون التسع ُ‬ ‫التاريخ‪ ،‬التراث واألنثروبولوجيا‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫تم تخصيص الجزء األول من الكتاب للقيام بتقديم بيوغرافي وبيبلوغرافي للشخصيتين المحتفى بهما‪،‬‬ ‫حيث تولت األستاذة والصحفية حنان زبيس من جامعة منوبة تدوين مقال بالفرنسية يحمل عنوان‪" :‬سليمان‬ ‫ُمصطفى زبيس‪ :‬رائد العمارة في تونس"‪ .‬هذا العمل ثري بالمعطيات حول السيرة الذاتية لزبيس‪ ،‬كما تاله‬ ‫قائمة بالدراسات والكتب التي نشرها باللغات الفرنسية والعربية واإليطالية‪.‬‬ ‫وصديقه لويس برنباه بونس ‪ Luis Bernabé Pons‬من‬ ‫بالنسبة لميكال دي إيبالثا‪ ،‬فقد قدم لنا تلميذه‬ ‫ُ‬ ‫جامعة أليكانت مقاال مهما باإلسبانية‪ ،‬ال يخلوا من العواطف الراقية حول العالقة الوثيقة التي كانت تربط‬ ‫دي إيبالثا بتونس‪ ،‬ال فقط كإطار مكاني ألبحاثه‪ ،‬ولكن كبلد وشعب كان قريبا جدا إلى قلبه‪ .‬القائمة‬ ‫البيبليوغرافية الطويلة التي جاءت في هذا المقال‪ ،‬تؤكد االهتمام الكبير الذي أوالهُ دي إيبالثا للحضور‬ ‫ومساهمته العظيمة في تطوير هذا الحقل المعرفي‪.‬‬ ‫الموريسكي في تونس ُ‬ ‫وقع تخصيص المحور الثاني من الكتاب إلى تاريخ الفن والمعمار‪ ،‬حيث خصصت األستاذة كريستال‬ ‫باسكنس ‪ Cristelle Baskins‬من جامعة توفس بالواليات المتحدة األمريكية دراستها المدونة باإلنجليزية‬ ‫للبحث في مختلف اللوحات التي ُرسمت في أوروبا للسلطان الحفصي موالي الحسن‪ ،‬محاولة تفسير خلفيات‬ ‫وتطور هذه اللوحات‪ .‬هذه الدراسة ُتلقي الضوء على فترة شديدة الغموض في تاريخ تونس‪ ،‬أي نهاية حكم‬ ‫الحفصيين من خالل زاوية فريدة‪ ،‬هي تاريخ الفن‪.‬‬ ‫من جهته‪ ،‬درس األستاذ بورخا فرنكو يوبيس ‪ Borja Franco Llopis‬من الجامعة الوطنية للتعليم عن‬ ‫بعد بإسبانيا‪ ،‬رسومات وتمثُالت الموريسكيين واألتراك في الفن اإلسباني الحديث‪ .‬تُبين هذه الدراسة التأثيرات‬ ‫الكبيرة للصراع الداخلي مع "المسيحيين الجدد" أي الموريسكيين‪ ،‬والصراع الخارجي مع األتراك العثمانيين‬ ‫في المتوسط‪ ،‬على ذهنية المجتمع اإلسباني في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫أما األستاذ أحمد السعداوي من جامعة منوبة‪ ،‬فقد تناول بالدرس في مقاله الدسم باللغة الفرنسية عددا‬ ‫هاما من المعالم الموريسكية بحوض وادي مجردة‪ .‬هذا المقال الثري بالوثائق والمعطيات غير المنشورة من‬ ‫فته البالد خالل القرن‬ ‫لعبه الموريسكيون في التطور العمراني الذي عر ُ‬ ‫قبل‪ُ ،‬يبرز الدور األساسي الذي ُ‬ ‫السابع عشر وحتى النصف األول من القرن التاسع عشر‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬يؤكد هذا المقال ُمساهمة‬ ‫الموريسكيين في النهضة االقتصادية النسبية التي عرفتها تونس خالل بداية الفترة الحديثة‪ ،‬فمثال النواعير‬ ‫دور أساسيا في تطوير الفالحة‬ ‫المائية التي أنشأت على حوض وادي مجردة والسدود‪ ،‬كسد البطان لعبت ا‬ ‫بالمنطقة واستصالح األراضي الزراعية‪.‬‬ ‫يحتوي الجزء الثالث من الكتاب مقاال وحيدا باللغة اإلسبانية‪ ،‬خصص ُه الباحثان حسام الدين شاشية من‬ ‫جامعة تونس ولويس برنباه بونس من جامعة أليكانت لدراسة السيرة الذاتية وأعمال أحمد الشريف الحنفي‬ ‫المراجعة‬ ‫األندلسي‪ ،‬وهو شخصية موريسكية تونسية على درجة كبيرة من األهمية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫لكنه وكما تُبين ُ‬ ‫المؤلفان من خالل تحليل‬ ‫صدر بها المقال لم يحظ بالدرجة الكافية من البحث‪ .‬حاول ُ‬ ‫البيبليوغرافية التي ُ‬ ‫مرور بفرنسا‪ ،‬فبلغراد ثم البوسنة‪ ،‬إسطنبول‪ ،‬بورصا وفي‬ ‫ا‬ ‫مسار هذه الشخصية منذ خروجه من إسبانيا‬ ‫المرتبطة عموما بالشتات الموريسكي في المتوسط‪ ،‬وخصوصا في‬ ‫األخير تونس‪ُ ،‬مراجعة بعض القضايا ُ‬ ‫تونس النصف األول من القرن السابع عشر‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬درسا وقدما مخطوطات أحمد الحنفي األندلسي‪،‬‬ ‫التي مازالت كلها غير منشورة وغير معروفة عند عموم الباحثين‪ .‬هذه المخطوطات باللغتين اإلسبانية‬ ‫والعربية‪ ،‬تنوعت مواضيعها بين الجدل الديني‪ ،‬العقيدة والعبادات اإلسالمية‪ ،‬وتكشف الكثير من الجوانب‬ ‫عن الحياة الفكرية والثقافية للموريسكيين في تونس‪.‬‬ ‫للمقاربات التراثية واألنثروبولوجيا‪ ،‬حيث درست (باللغة اإلسبانية)‬ ‫وقع تخصيص الجزء الرابع واألخير ُ‬ ‫األستاذة مارتا دومنقاث دياث ‪ Marta Domínguez Díaz‬من جامعة سانت غولن السويسرية الهوية‬ ‫وله وزن في أوساط‬ ‫ا‬ ‫المعاصرة‪ُ ،‬مبرزة أن التاريخ الموريسكي مازال‬ ‫حاضر ُ‬ ‫األندلسية أو الموريسكية في تونس ُ‬ ‫‪4‬‬ ‫المجتمع التونسي‪ .‬في نفس اإلطار‪ ،‬حاولت األستاذة نائلة السعدي من‬ ‫أحفاد المطرودين‪ ،‬كما في عموم ُ‬ ‫درسة (باللعة الفرنسية) تطور تمثل هوية قرية تكرونة الجبلية‪ ،‬التي ُعرفت أساسا باألصول‬ ‫جامعة تونس ا‬ ‫البربرية لسكانها وبدرجة أقل األصول الموريسكية‪ .‬حاولت الكاتبة تحليل تطور هذه الهوية من خالل العودة‬ ‫للمصادر‪ ،‬العمارة والشهادات الشفوية‪.‬‬ ‫كان الزيتون الشجرة التي جمعت تقريبا كل سكان البحر األبيض المتوسط حول مائدة أو نظام غذائي‬ ‫اهتمامه‬ ‫واحد‪ ،‬هو محور دراسة (باللغة الفرنسية) األستاذ محمد الفريني من جامعة تونس‪ .‬ركز الباحث‬ ‫ُ‬ ‫بمقاربات مع ُمجتمعات متوسطية‬ ‫أساسا على استعماالت المرأة التونسية لشجرة الزيتون‪ ،‬بدون إغفال القيام ُ‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫المقاربات المتنوعة‪ ،‬حاول ُمؤلفو الكتاب إبراز أهمية دراسة‬ ‫إجماال‪ ،‬من خالل ُمختلف هذه المقاالت و ُ‬ ‫التاريخ والتراث التونسي في عالقة ُببعده المتوسطي‪ُ ،‬مؤكدين من خالل النتائج التي توصلوا إليها‪ ،‬على أن‬ ‫شقه األستاذين سليمان ُمصطفى زبيس وميكال دي إيبالثا‬ ‫طريق البحث في المتوسط والموريسكيين الذي ُ‬ ‫مازال طريقا واعدا‪ ،‬يستحق مزيد الدراسة واالعتناء‪.‬‬ ‫‪5‬‬